| كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
مشرف
| موضوع: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الجمعة يوليو 24 2015, 14:16 | |
| تأليـف : الكسندر بيلونوغوف
ترجمة : د . جمال حسين علي
موسكو - دار أولما بريس 2001
مقدمة المؤلف للطبعة العربية لم أشأ أن يطلع القارئ الروسي فقط على كتابي الخاص بأزمة الكويت الصادر في موسكو عام 2001 ، بل كان في غاية الأهمية أن يطلع القارئ العربي عليه أيضا. لقد شاركت في الكثير من الأحداث الدولية المتعلقة بالأزمة الكويتية وساهمت مع الآخرين في البحث عن طرق لتذليلها. وأرى من واجبي المعنوي أن أتحدث بإخلاص وبشكل موضوعي حول كل شيء كنت اعرفه عنها. وأنطلق من حقيقة أنه لا ينبغي تكرار تلك المأساة التي حدثت في عامي 1990 – 1991 مع الكويت وشعبها اللذان أصبحا ضحية عدوان مسلح واحتلال ونهب وعنف وقسوة ، في أي مكان وفي أي زمان. أن الوقت يجري ، للأسف ، بسرعة ويتبدل الجيل القديم بشكل طبيعي بجيل جديد. وقد لا يعرف هذا الجيل حسنا عما حدث في الماضي وكيف حدث. ويمكن أن تعينهم ذكريات شهود العيان للأحداث الهامة وأولئك المشاركين في صناعتها ، لا سيما لو وضعت على الورق. وهي ليست خدمة للمعاصرين فحسب ، بل للأخلاق أيضا. لأن على الذاكرة الإنسانية أن تعي دروس التاريخ. وآمل في أن كتابي سيكون من وجهة النظر هذه ، مفيدا لدرجة ما بالنسبة لسكان روسيا والعرب على السواء. أفتخر بذلك الدور الذي لعبه الاتحاد السوفيتي في لجم العدوان العراقي وإعادة بناء الكويت كدولة ذات سيادة. ولكن الاتحاد السوفيتي غير موجود في الوقت الحاضر ، وهناك روسيا. ويجب أن يكون لقادتها وساستها ودبلوماسيها وقيادتها العسكرية تصور مضبوط جدا عما كانت تفعله موسكو في مراحل الأزمة الكويتية. وتكمن هنا مهمة كتابي بالنسبة للقارئ الروسي ، لأني أريد أن تبقى لسياسة روسيا في الشرق العربي كل فضائل سياسة الاتحاد السوفيتي الخارجية في هذه المنطقة. أما القارئ العربي فآمل أن يكون بالنسبة له مفيدا النظر الى أحداث ذلك الوقت من زاوية موسكو وأن يستمد منها شيئا جديدا له وخاصة موقف موسكو وسلوك الطرف العراقي في اتصالاته معنا على سبيل المثال. وخلافا للتوقعات العامة ، فلم يتغير في العراق إلا القليل جدا من الناحية السياسية في السنوات الماضية والتي أعقبت هزيمته من قبل القوات المتعددة الجنسية. ولا ينحصر في الأمر ، أنه بقى في الحكم الأشخاص نفسهم الذين أوقعوا العراق مرتين في حروب ضد الجيران ، بقدر عدم ظهور دلائل مقنعة على شعورهم بالندم لما قاموا به وإعادة إدراك دروس الماضي واستعدادهم للتخلي عن قصد لأسلوب القوة والعنجهية العسكرية بصفتها أداة رئيسية لوصولهم الى أهدافهم في علاقاتهم مع جيرانهم. من هنا ينطلق شعور عدم الثقة ببغداد ونوايا القيادة العراقية المستطردة وخاصة مساعيها في اقتناء أسلحة الدمار الشامل. لن تعجب أي دولة بالطبع إجراءات الرقابة الدولية المفروضة والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وغيرها من التدابير الإجبارية ، ولكن ألم تكن القيادة العراقية نفسها وفي الدور الأول مذنبة في اتخاذ جملة من التدابير ضدها عام 1991 وأبقتها على فاعليتها وقوتها لحد الآن ؟ أن قصة علاقات بغداد مع مفتشي الأمم المتحدة أحسن دليل على هذا. واظن بأن نهج بغداد السياسي تجاه الكويت يدل على هذا أيضا. وفي النتيجة يؤثر التوتر في الإقليم والحمى في العلاقات مع بغداد وعدم تسوية الحالة مع العراق على هيبة الأمم المتحدة. وبصفتي دبلوماسيا محترفا فأنا نصير الحلول السلمية. وأدرك جيدا بهذا القدر بأن مثل هذه الحلول ممكنة. ولكن في تلك الحالة فقط ، عندما يسعى إليها بشكل مخلص. لذلك لا أفهم سلوك القادة الذين يلعبون بالنار خلافا لمصالح شعوبهم وأي منطق. لا أنسب لنفسي في شؤون الشرق الأوسط علاقات سياسية خاصة مع بلد عربي معين. فأعامل جميع شعوب العالم العربي بعطف واحترام وبشكل متكافئ. ولكني طوال مدة الأزمة الكويتية لم أستطع إلا أن أكون الى جانب ضحية العدوان وكنت أسعى الى استرداد العدل إليه. ولم يعقني العطف على الكويتيين وسروري بتحرير وطنهم ، التوصل في الوقت نفسه الى وقف العمليات الحربية في أسرع وقت لتجنيب السكان الآمنين غير المذنبين بشيء مزيدا من المآسي. أما المذنبين فأنهم نجوا رغم الخوف الذي تملكهم لبعض الوقت ، لكن هذا الخوف زال بسرعة حالما أدركوا بأن لا شيء يهدد حكمهم بعد كل الذي جرى. والآن وعندما أكتب هذه السطور تتوتر الغمائم حول العراق من جديد بصورة ملموسة. ومهما كان الأمر ، فأن رائحة البارود تفوح من جديد في المنطقة التي كانت تعاني من جراح حروب كثيرة في الماضي. وأرى أن ازدياد الاهتمام ببواعث الأزمة الكويتية ودروسها أمر طبيعي تماما. فمن المعلوم أن القوة لا تكمن في السلاح فحسب ، بل في معرفة التاريخ أيضا. لهذا السبب أرى أن نشر كتابي باللغة العربية عن هذه الأزمة جاء في وقت ملح جدا. أشكر ناشري الكتاب العرب ومترجمه الدؤوب الكاتب والصحفي الدكتور جمال حسين علي الذي عمل كثيرا في النقاط الساخنة ويدرك ماذا تعني الحرب. متمنيا لجميع قرائي العرب السلامة والازدهار.
الكسندر بيلونوغوف نائب وزير الخارجية السوفيتي السابق موسكو أكتوبر 2002
حاشية المترجم
يعد هذا الكتاب أول منشور باللغة الروسية يتحدث بالتفصيل عن الغزو العراقي للكويت وما رافقه من أحداث مأساوية لغاية تحريرها. ويسرد المؤلف الكسندر بيلونوغوف الذي كان يشغل في تلك الأشهر العصيبة منصب نائب وزير خارجية الاتحاد السوفيتي كمشارك في الأحداث عن كيفية تشكيل موقف الاتحاد السوفيتي حيال الأزمة وعن تقلبات محادثات موسكو المختلفة ويحاول الإجابة عن السؤال: لماذا لم يتسن لأحد إيجاد مخرج سلمي للأزمة بالرغم من كافة الجهود. وسيعرف القارئ لأول مرة في هذا الكتاب الذي نعربه من الروسية مباشرة ، الكثير من الظروف الغامضة التي أحاطت بواحدة من أكثر أحداث القرن العشرين دراماتيكية في العالم ومنطقة الخليج، دون أن تفوتنا الإشارة الى أن ذلك سيكون من 'وجهة نظر موسكو' بتأكيد المؤلف نفسه.
يتبع ...... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الجمعة يوليو 24 2015, 14:19 | |
| الحلقه 1 عينت نائبا لوزير خارجية الاتحاد السوفيتي في 23 أبريل 1990، وكنت أعمل في الحقل الدبلوماسي أقل بقليل من 36 سنةِ قضيت السنوات الأربع السابقة في نيويورك رئيسا للبعثة الدبلوماسية السوفيتية لدى الأمم المتحدة وفي آن واحد ممثل الاتحاد السوفيتي في مجلس الأمن الدوليِ وكان هذا المنصب وسيبقى، واحدا من أهم المناصب في منظومة وزارة الخارجية بناء على كثرة الاختصاصات التي يحملها والتعقيدات التي كثيرا ما تنشأ في العالم وتسترعي اهتمام مجلس الأمنِ ولكنني اقتنعت بأن هذا المنصب أهم تعيين دبلوماسي وممتن جدا لعملي، كوني تخرجت في الأمم المتحدة من مدرسة الدبلوماسية المتعددة الجوانب والفريدة والمفيدةِ قبلت اقتراح شيفرنادزه بأن أصبح نائبه بشعور من الثقة والهدوء معتبرا ذلك داخليا مرحلة طبيعية من الترقي الدبلوماسي الطويلِ باشرت عملي الجديد في نهاية مايو 1990 بعد عودتي مباشرة من نيويورك وكلفت بقطاع واسع من القضاياِ وكان علي أن أشتغل بعلاقات الاتحاد السوفيتي مع عشرات من دول الشرق الأوسط والأدنى وأفريقيا ومن أفغانستان حتى جنوب أفريقياِ لا سيما أن هذه المنطقة معقدة بما فيه الكفايةِ بما في ذلك طابع نزاعاتها الداخلية والدولية على السواءِ واتفق أن تعاملت مع الكثير منها خلال عملي في نيويورك مثل: النزاع العربي - الإسرائيلي وافغانستان، والصحراء الغربية، وانغوليا، وموزامبيق والنزاع في القرن الأفريقي وغيرهاِ واحتجت في المنصب الجديد إلى الاستفادة من تجارب العمل السابقة عندما كنت سفير الاتحاد السوفيتي في مصر ومدير قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في إدارة تخطيط إجراءات السياسة الخارجية في وزارة الخارجيةِ ولهذا السبب لم يعكر عملي سعة الإقليم ومشاكلهِ واعتقدت بأن أفغانستان ستكون مصدر صداعي الرئيسيِ ولم تكن في ذلك الحين قوات سوفيتية هناك، بل كانت البلاد ملتهبة بالحرب التي كانت فيها موسكو تساعد الرئيس نجيب الله الذي لم يكن وضعه مستقراِ وكان الشرق الأوسط يثير قلقا معينا لدينا، حيث كانت الانتفاضة الفلسطينية تدخل عامها الثالثِ وحاولت في البداية الإطلاع على القضايا الخاصة بعلاقاتنا الثنائية مع البلدان التي كان علي أن انشغل بها والتعرف على سفرائها وهياكل الوزارة الخاضعة لي وإقامة الاتصالات التي كان ينبغي في المستقبل القريب أن أحل معها هذه المسائل أو تلك بصورة مشتركةِ وفي الصيف كان يصل أغلب سفرائنا في هذه الدول أيضا للتمتع باجازةِ وكان علي أن التقي بهم للتعرف ومناقشة التفاصيل الخاصة بكل بلد، ولكي أتلقى المعلومات من الأيدي الأولى، إلى ذلك من مناقشة مشاكل السفارات والاتفاق معهم على إجراء الخطوات اللاحقةِ استمرت هذه الهموم خلال يونيو ويوليو دون أن أشعر بمرور الوقتِ وفجأة انفجرت الحالة بشيء آخر تماما وبأهمية أخذت المقام الأولِ فقد أصبح استيلاء العراق على الكويت في مركز كل الحياة الدولية (وحياتي بالطبع)ِ لم يتوقعوا هذا التطور في الكويت ولا في البلدان العربية ولا في الولايات المتحدة ولا اوروبا الغربية وإسرائيل وتركيا وإيرانِ ولم يسلموا بأي شيء شبيه في موسكو أيضاِ وبالمناسبة ليس في وزارة الخارجية وحدها، بل في المؤسسات الأخرى بما في ذلك الاستخبارات العسكرية ولجنة أمن الدولة (كي جي بي)ِ واضطر الجميع للرد فعلا وبصورة سريعة جدا على النزاع المندلعِ لا يعني ما قيل أبدا بأن أحدا لم يكن يلاحظ توتر العلاقات العراقية - الكويتية الذي حدث قبل ذلك وإلى مبالغة بغداد المعادية للكويت ونقل قواتها الى الحدود معهاِ الجميع شاهدوا ذلك بوضوح وكان الرؤساء العرب يعرضون المقترحات والوساطة بغية رفع ضغط بغداد عن الكويتِ غير أن أحدا لم يستطع التصور بأن دولة عربية عضو في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ستقدم في نهاية القرن على الاستيلاء المسلح على دولة عربية أخرى ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمات دولية أخرىِ بدا أن مثل هذا الحادث لم يكن ممكناِ مر القرنان الثامن عشر والتاسع عشر بهدوء على أهالي الكويتِ غير أن القرن العشرين حمل معه تغيراته الهائلةِ فقد اكتشف النفط في الكويت عام 1938 وبدأ استخراجه في عام 1946 مفتتحا عصرا جديدا تماما في تاريخ الكويت متمثلا في صعودها الى قمة الرقي المالي والإمكانات المقترنة بتحويل البلد المتخلف والفقير جدا في الماضي الى بلد معاصر للغايةِ وأدت الضجة النفطية في السوق الى تغييرات ديموغرافية كبيرةِ وكانت موارد الكويت البشرية غير كافية بالمرة على استيعاب هذه التغييراتِ ونشأت الحاجة الى تدفق القوى العاملة وخاصة الكفوءةِ واندفع الى الكويت من الخارج مئات الألوفِ وبالرغم من الطابع الصارم للسماح للأجانب بدخول الكويت، إلا أنهم مع مرور الوقت مثلوا أكثر من نصف سكان البلد (قرابة 60 %) بما في ذلك الجزء العامل منهم بنسبة 85 %ِ ونشأ مجتمع فريد من نوعه حيث شكل سكان الكويت الأصليين قمة الهرم، أما الطبقات الدنيا فقد مثلتها فئات غير المواطنين الذين نظم وضعهم السياسي والحقوقي والاجتماعي من قبل المراجع العلياِ وإن كان هذا النظام بعيدا عن أنماط الديموقراطية الأميركية والأوروبية فان عدد الناس الراغبين في الحصول على إمكانية العمل والعيش في الكويت كان وسيبقى أكثر من اللازم بسبب مستوى الحياة الجذاب جدا في هذا البلد الصغير من الكرة الأرضيةِ وفي عام 1990 بلغ عدد سكان الكويت 1، 2 مليون نسمة تقريباِ وتتحدد حالة هذا البلد الممتازة بثرواته الطبيعية الجبارة (بالأخص عند مقارنتها مع أراضي الكويت الصغيرة) التي تشكل نسبتها 10 % تقريبا من احتياطات النفط العالميةِ وكانت الكويت لحظة الاستيلاء عليها من العراق تحتل المرتبة السادسة لأكبر منتجي النفط في العالمِ ووظفت الكويت الأموال الحاصلة عليها من استخراج وتصدير النفط داخل البلاد وخارجها وفي بنوك اوروبا والولايات المتحدة وصناعة بعض البلدان النفطية ومحطات البنزين في إيطاليا حتى الدانمرك وفي الكثير من المجالات المربحة الأخرىِ ويعتقد أن استثمارات الكويت الخارجية تجاوزت لغاية عام 1990ال 100 مليار دولار ووصلت ودائع الكويتيين الشخصية 50 مليارا أخرىِ وبدأ دخل الكويت من استثماراتها الخارجية يفوق دخلها من النفط المستخرج، الأمر الذي أضعف تبعية الكويت لتقلبات أسعار النفط في السوق العالمية، وبالتناسب أضعف ضرورة ترابط أحجام استخراج النفط بالحالة التي تشهدها السوق العالمية للنفطِ ومن الممكن أن هذه الحالة حسنة بالنسبة للكويت نفسها، غير أن لمصدري النفط الآخرين نظرتهم الأخرى لخصوصية الكويت هذهِ عدا الادعاءات الشاملة بكل الكويت، كانت لبغداد ادعاءات ذات طابع جزئي، بالمفهوم الإقليمي للكلمة: أولا، نقل أو على الأقل إيجار جزيرتي وربة وبوبيان للعراقِ وهما عبارة عن تشكيلات رملية مسطحة غير مأهولة واقعتين بالقرب من مصب شط العربِ وكانوا ينظرون إليهما كمواقع هامة استراتيجيا تأمن دخولا قويا للعراق للخليجِ ثانيا، منح العراق الجزء الكويتي لأغنى مواقع النفط في العالم وهو حقل الرميلة (احتياطي النفط فيه 30 مليار برميل)ِ ويدخل هذا الموقع النفطي الشبيه بالموزة ممتدا من الشمال الى الجنوب لعشرة كيلومترات تقريبا في أراضي الكويتِ وكان العراق ضجرا جدا بوقوع 90 % من هذا الحقل في العراق وكانت تستخرج منه الكمية نفسها التي تستخرج في القطعة الكويتية الصغيرةِ وفي سنوات الحرب العراقية - الإيرانية زرع العراقيون الألغام في آبارهم النفطية في الرميلة وكان النفط يستخرج في قطاع الكويت فقطِ كان هذان المطلبان يقدمان من وقت لآخر من بغداد لقادة الكويتِ وكان هؤلاء القادة يحاولون تجنب هذه الادعاءات مفضلين الحوار لحل هذه القضيةِ ولم تميز العلاقات العراقية - الكويتية التي كانت تتسم بالمد والجزر الثقة والرفق بسبب ادعاءات العراق بالكويت التي لم تختف أبداِ ولكن هذه الادعاءات كتمت في حقبة الحرب العراقية - الإيرانية عندما احتاجت بغداد بشدة الكويت بصفتها الممول الرئيسي وممر النقل العامل بخدمتها بنشاطِ وكانت الكويت في هذا الوقت البوابة الرئيسية التي تصل عبرها الى العراق الأسلحة والمهمات والذخائر والمواد الغذائية والبضائع الأخرى وتوجه عبرها الصادرات النفطية العراقية الكبيرة الى الخارج، بعد أن أغلق شط العرب وكان من غير الممكن الاستغناء عن موانئ الكويتِ وبدا أن التغييرات نحو الأحسن حصلت بفارغ الصبر في العلاقات العراقية - الكويتيةِ ولكن بعد أقل من سنتين على وقف إطلاق النار بين العراق وإيران، عاد كل شيء الى ما كان عليه في الماضي القريب: استخدم العراق من جديد سياسة الضغط على الكويتِ لم يجر الضغط هذه المرة على المسائل الإقليمية، قدر تعلقه بمسائل المال والنفطِ فقد خرجت بغداد من الحرب ضد إيران مثخنة بديون خارجية كبيرة مقسمة بالتساوي: 40 مليار دولار للدول العربية ونفس المبلغ تقريبا لغير العربية، الغربية بشكل خاصِ وظنوا في بغداد بأن على العرب إسقاط ديونهم، آخذين في نظر الاعتبار الضحايا البشرية والمادية التي تكبدها العراق الذي لم يكن يدافع عن نفسه فحسب، بل عن العالم العربي وبالمقام الأول عن بلدان الخليج من 'خطر خميني'ِ وسلكت المملكة العربية السعودية على هذا النحو، إلا أن البلدان العربية الأخرى لم تستعجل في حذوهاِ ويبدو أنه كانت للكويت حججها بعدم إلغاء ديون العراق ببساطة، آخذة بنظر الاعتبار عدم رغبة العراق العنيدة في ترسيم الحدود معها وحل هذه القضية نهائياِ وكان هذا 'التمرد' يثير ضجرا كبيرا في بغداد التي اعتبرت الديون ليست سوى معوناتِ وأخبرت الصحافة بأن صدام حسين طالب في مايو 1990 خلال مؤتمر القمة العربية الكويت ب 12 بليون دولارِ غير أن الكويتيين لم يستعجلوا في فتح صرتهمِ وبعد مرور شهر واحد زار نائب رئيس وزراء العراق سعدون حمادي الكويتِ وكما يؤكدون أدهش كثيرا مضيفيه عندما عرض عليهم، كبرهان على قدرتهم بالتضحية المالية بيسر، قائمة طويلة بممتلكات الكويت الخارجيةِ وحسب بعض المعلومات وافقت الكويت على تقديم 500 مليون دولار فقط وليس دفعة واحدة، بل خلال ثلاث سنواتِ وقدروا في بغداد العرض الكويتي كإهانة كبيرةِ يرتبط التناقض بين العراق وبعض بلدان الخليج بأسعار النفط وكمية استخراجهِ وكان العراق كبلد منتج للنفط متورطا في الديون وبحاجة الى موارد مالية كبيرة في آن واحدِ لذلك اهتم وبشكل طبيعي بأسعار النفط ورفعها الى حدها الأقصى في السوق العالميةِ لكن الأسعار انخفضت في النصف الأول من عام 1990 بنسبة 30 % ووصل سعر البرميل الى 14 دولاراِ وألقت بغداد الذنب على الكويت والإمارات العربية، مؤكدين عدم التزامهما بحصصهما في استخراج النفط مما أدى الى إغراق السوق العالمية بالنفطِ وأظهر صدام حسين انزعاجه في هذا الصدد لأول مرة في نهاية مايو 1990 في بغداد خلال القمة العربية التي عقدت هناك لمناقشة مسألة هجرة اليهود السوفيت الى إسرائيلِ غير أن هدف اللقاء الآخر والأكثر أهمية بالنسبة لبغداد انحصر بلا شك في إعطاء إشارة عدم الارتياح الى أولئك العرب الذين لم يسارعوا في مد يد العون إليهاِ واتهمهم علنا بالحرب المالية ضد العراق - وأشار الرئيس العراقي الى أنه لا ينوي احتمال هذا الظرفِ وكان صريحا بشكل أكبر في الأروقة حيث طالب بتقديم 30 مليار دولار تقريبا الى العراق فوراِ وضغطت بغداد مجددا في 16 يوليو في إطار جامعة الدول العربية عندما نشرت رسالة وزير الخارجية طارق عزيز الى الأمين العام للجامعة الشاذلي القليبي التي اتهم فيها الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة بمخالفة اتفاقات منظمة البلدان المصدرة للبترول وانتهاكها لاتفاقات حصص استخراج النفط واتخاذ سياسة إغراق السوق العالمية للنفط بغية تخفيض أسعار النفطِ زد على ذلك اتهمت بغداد الكويت كذلك ب 'سرقة' النفط العراقي بمبلغ يعادل 4ِ2 مليار دولارِ ودار الحديث في الرسالة على أن عاملي النفط الكويتيين يستخدمون طراسق الحفر المائل في قطاعهم الخاص للرميلة لامتصاص النفط العراقي، كما زعمِ وألقى طارق عزيز نفسه بعد ساعات في تونس وخلال عقد دورة الوزراء لجامعة الدول العربية خطابا قاسيا تطرق فيه الى الموضوع نفسه، مضفيا على الجدال التقني -التجاري طابعا سياسيا متهما الكويت من جديد ب 'الحرب الاقتصادية' وحياكة 'الدسائس ' ضد العراقِ وأثار خطاب صدام حسين الذي ألقاه في بغداد في 17 يوليو بمناسبة الذكرى ال 22 لمجيء حزب البعث إلى الحكم في العراق توترا وانفعالا أكبرِ وكان ذلك في جوهر الأمر هجمة مكشوفة على رؤساء بلدان الخليج الذين كما زعم 'يحاولون تقويض العراق بعد انتصاره العسكري' و 'بدلا من مكافأة العراق الذي ضحى بخيرة شبابه من أجل الدفاع عن قصورهم وثرواتهم يعدون له الضرر الهائل' و 'يغرزون السكين المسموم في ظهره'ِ وعنف بالأخص في هذا الخطاب الكويت والإمارات العربية، موجها تهديده لهما بشكل مباشر: 'إن رفع أصواتنا ضد الشر ليس الوسيلة الأخيرة إطلاقا، فإذا استمر الشر سنجد الوسائل الفاعلة التي ستضع الأمور في موضعها الصحيح'!ِ تبع ذلك إيقاظ ضجة أخرى أحدثتها بغداد في دورة الجامعة العربية بخصوص نقل المركز الجمركي الحدودي الكويتيِ وبالرغم من أن هذا المركز بعد نقله بقي ضمن الأراضي الكويتية، إلا أن طارق عزيز اتهم الكويت في اجتماعات جامعة الدول العربية وفي أحاديثه الصحافية بارتكاب مخالفات إقليميةِ واستخدمت الدعاية العراقية هذه الحالة لغرض مضاعفة التوتر المعادي للكويتِ غير أن الكويت لم تهتز خوفاِ واكتفت بإرسال مبعوثيها الى البلدان العربية لشرح موقفها وتوضيح الحالة وأعربت في رسالة الى جامعة الدول العربية عن دهشتها من التأكيدات 'التي لا أساس لها من جانب العراق الشقيق'ِ واتخذت دورة منظمة البلدان المصدرة للبترول المنعقدة في جنيف في 25 - 27 يوليو 1990 قرارا برفع أسعار النفط الى 21 دولارا للبرميل لغرض مساعدة العراق وإيرانِوالتزمت الكويت والإمارات العربية بمراعاة حصص إنتاج النفط المخصصة لهاِ غير أن هذا لم يخفض بيانات بغداد الضارية تجاه هذين البلدين في أيام يوليو الأخيرةِ
لماذا هذا الكتاب؟
في عامي 1990 - 1991 كنت نائبا لوزير خارجية الاتحاد السوفيتيِ وكانت تدخل في دائرة عملي الى جانب مسائل كثيرة، علاقات الاتحاد السوفيتي مع بلدان الشرق الأدنى والأوسطِ لذلك كنت منجرا منذ بداية أزمة الكويت التي سببها استيلاء العراق على الكويت، حتى نهايتها، عندما أخضعت بغداد لمطالب الأمم المتحدة بعد هزيمتها الساحقة من قوى التحالف المناوئ للعراقِ والكتاب الذي أقدمه عبارة عن حديث شاهد عيان ومشارك في الأحداث بشكل مباشرِ واتفق أن أعمل على تحديد موقفنا من مختلف نواحي الأزمة وشاركت في المحادثات التي تمت مع العراق وتركيا وإيران والبلدان العربية ودول أخرى، خاصة التي كانت عضوا في مجلس الأمن وقتذاكِ وكنت أجري الاتصالات والمحادثات بنفسي وفي حالات أخرى أجدها وراء طاولة المحادثات التي يجريها رئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف أو وزير الخارجية أدوارد شيفرنادزه، وبعد إقالته الكساندر بيسميرتنيخِ وكانت مشاركتي تتحدد أحيانا بإعداد الوثائق المناسبة ولهذا السبب أو ذاك كانت بعض الأمور تسير من خلالي أو بالقرب منيِ وأظن بأني لا أجافي الحقيقة إن قلت، بأن أزمة الكويت تعتبر واحدة من أهم الدروس التي حملتها الحياة والعلاقات الدوليةِ وبالرغم من الوقت الذي مضى عليها، إلا أن الكثير من صفحاتها لم تطو بعدِ وحملت عواقبها سوية معنا الى القرن ال 21 وخاصة في نوع نظام العقوبات الخاصة المفروضة على العراق التي تؤثر بشكل حساس على الشعب العراقي والحالة السياسية العامة في المنطقة وعلى إمكانات البلدان الأخرى بما فيها روسيا في تطوير العلاقات مع العراقِ وكانت محاولات بغداد الرامية الى التحرر من المراقبة بلا إذن، تؤدي أكثر من مرة الى تفاقم حاد للحالة وتوصل الى ضربات جديدة للولايات المتحدة ضد العراقِ ولا تنتهي في الوقت نفسه، المعارك الدبلوماسية حول الخط المستقبلي لمجلس الأمن الدولي حيال العراقِ وعدم رغبة بغداد في تنفيذ بعض قراراتهِ كل ذلك يزيد من احتمالات تفاقم الحالة من جديد في هذه المنطقةِ ومن هنا تبرز أهمية معرفة الماضي بشكل موثق وتفصيلي، خاصة تلك الواقعة التي تطورت فيها الأحداث في سير الأزمة الكويتيةِ وما هي قرارات مجلس الأمن ولماذا اتخذت وبما كانت تسترشد فيه موسكو في سياستها وتصرفاتهاِ ولدت عندي فكرة تأليف الكتاب عن أزمة الكويت في كندا حيث عملت سفيرا لروسيا في الفترة 1992 - 1998 ِ وتسنى لي هناك التعرف على الكثير من المنشورات الخاصة بهذه الأزمة والتي ظهرت في الغرب في الحال أو بعد مرور عدة سنواتِ وفي غضون ذلك لاحظت أن الكثير مما قيل عن موقف الاتحاد السوفيتي كان عرضيا وغير موضوعيِ ويمكننا أن نرى في مذكرات إنسان مطلع كجيمس بيكر الذي كان يشغل أثناء الأزمة منصب وزير خارجية الولايات المتحدة تفسيرات سيئة لأعمال وتعليلات موسكوِ وما أن عدت الى الوطن، حتى قررت التحدث بنفسي عن الأزمة وإظهارها 'من زاوية موسكو'، أو بالأدق كيف كانت تظهر لأولئك الذين انشغلوا وعملوا بها في وزارة الخارجية السوفيتيةِ وترسخت نواياي عندما اقتنعت بأن ما نشر عن أزمة الكويت لم يظهر في بلدنا لا كأبحاث ولا كمذكرات ( لا أتكلم هنا عن مقالات المجاملات )ِ أما جدول شواهد العيان الذين ينبغي أن يكشفوا شهادتهم، فقصير جدا حتى الآنِ نجد مقالات يفغيني بريماكوف المنشورة في أربعة أعداد لجريدة 'برافدا' في عام 1991 بعنوان 'الحرب التي من الممكن ألا تقع'ِ وبضع صفحات مكرسة عن الأزمة في كتاب لأدوارد شيفرنادزه 'خياري'ِ وفي مذكرات مساعد رئيس الاتحاد السوفيتي أ ِ تشيرنايفِ ومن الممكن أن شيئا ما لم يقع في مجال بصريِ ومع ذلك فأن ذلك لن يغير الصورة العامة لما ظهرِ وكنت أؤلف كتابي غير معتمد على ما تبقى من ذاكرتي فحسب، بل استندت إلى كل المحادثات والمناقشات التي أجريتها بنفسي أو التي كنت أحضرهاِ وساعدتني اللقاءات والمحادثات والمؤتمرات الصحافية التي كانت تنشر في ذلك الوقت في 'مختبر وزارة الخارجية السوفيتية' والتي وجدت فيها تصريحاتي الخاصة التي سأشير إليها في بطن الكتابِ ولابد أن أبدي تقديري للعون الكبير الذي قدمه زميلي في المدرسة وفي معهد العلاقات الدولية وفي العمل المشترك في نيويورك ف ِ لوزينسكي الذي أحال لي مجموعة كاملة لما نشرته الصحافة الأميركية في ذلك الوقت التي عكست الكيفية التي هضمت فيها الولايات المتحدة موقف وخطوات موسكو في غضون أزمة الكويت وكيف كانت تؤثر على الجو السياسي حول الأزمة وفي سيرهاِ وأود أن أنتهز الفرصة لأشكر من كل قلبي مستعربي وزارة الخارجية الذين كانوا لي سندا متينا خلال الأزمةِ وهم مجموعة ساطعة من الأشخاص البارزين والخبراء والدبلوماسيين الأمناء سنأتي على ذكر أسمائهم عبر صفحات الكتابِ واضطررت في بعض الحالات لغرض إكمال الصورة، ذكر حوادث غير متعلقة مباشرة بعملي، مشخصا إياها كباحث على الأرجح مستندا على وثائق الخارجية الروسية المتوفرة لديِ وبطبيعة الحال، لدي موقفي الخاص من الأحداث، وسوف لا أخفيه عن القارئِ ومن الممكن أن تقديراتي لا تعجب أحدا ما، وهذا مفهوم، كون مختلف القوى السياسية في بلدنا في حقبة الأزمة كانت تحمل تصورات مختلفة عما حدثِ والأهم استخلاص العبر والدروس اللازمة وخاصة للقائمين على السياسة أو الذين باستطاعتهم التأثير عليهاِ وآمل أن يساعد الكتاب في تحقيق ذلكِ
خواص الخلفية التاريخية للأزمة
كان العراق في حدوده القائمة المفصلة من الإنكليز بعد الحرب العالمية الأولى يتكون من ثلاث ولايات تابعة للامبراطورية العثمانية السابقةِ وأصبح دولة مستقلة في عام 1932 بعد انتهاء الانتداب الذي حصلت إنكلترا عليه من عصبة الأمم بصفتها أرضا معادية سابقاِ وكما هو معلوم فان تركيا حاربت إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية الأولى ودفعت غاليا ثمن ذلك، إذ أعطت للمنتصرين، إنكلترا وفرنسا قطعا كبيرة من أراضيهاِ وتبقى خريطة الشرق الأوسط والأدنى إلى اليوم، في درجة كبيرة، نتاج إعادة تنظيم الأراضي التي قامت به لندن وباريسِ وحصلت الكويت على الاستقلال بعد 30 عاما، في عام 1961، عندما اضطر الإنكليز أنفسهم للتخلي عن المحمية التي فرضوها على مشايخ البلاد في عام 1899 بواسطة اتفاقية سرية مع حاكمهاِ وكانت الكويت تنتسب في ذلك الوقت الى الإمبراطورية العثمانيةِ غير أن الأتراك، خلافا للمحافظات التي كونت العراق، لم يحتلوها ولم يحكموها عمليا، الأمر الذي سمح للحكام المحليين للسلالة الملكية لآل الصباح تولي حكم هذا الجزء من الجزيرة العربية في ظروف حكم ذاتي نسبيِ وإذ كانت الكويت تتبع لإنكلترا أكثر منها لتركيا، فقد وجدت نفسها في الحرب العالمية الأولى الى جانب الحلفاءِ وهذا الموقف ساعد على أن تكون مصائر الكويت والعراق بعد الحرب مختلفةِ فقد توصلت لندن والأستانة في عام 1913 الى اتفاقية حول وضع الكويت الخاص وكذلك حول حدودهاِ غير أن الاتفاقية لم تبرم بسبب بداية اندلاع الحربِ وفي عام 1922 أنهى الإنكليز رسميا تخطيط الحدود بين العراق والكويت والمملكة العربية السعوديةِ ونظم لهذا الغرض مثال لمؤتمر دوليِ واستخدم مصطلح 'مثال' لأن أيا من الدول العربية الثلاث المذكورة لم يكن مستقلا بعدِ وظهرت بسبب ذلك منطقة الحياد القائمة حتى اليوم وهي منطقة تقع ضمن اختصاص الكويت والمملكة العربية السعوديةِ لا أريد كحقوقي أو مؤرخ أو جيوغرافي أو اختصاصي في علم الإثنوغرافيا أن أحكم من وجهة نظر هذه العلوم عن أفضليات ونواقص خطوط الحدود التي رسمت في نوفمبر 1922 بيد السير بيرسي كوكس بالقلم الأحمر على الخريطةِ وكان كوكس مندوبا ساميا إنكليزيا في بغداد والشخص الرئيسي المؤثر في المؤتمر المذكورِ أريد أن أشير فقط الى أنهم لم يفترضوا في ذلك الوقت وجود ثروات نفطية مخفية تحت الرمال ولم يدر الحديث عن تقاسم هذه الثرواتِ فالواقعة الرئيسية انحصرت في أن العربية السعودية ومن ثم العراق وأخيرا الكويت حصلت على الاستقلال مع هذه الحدود بالذاتِ وقبلت هذه الحدود في هيئة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والمنظمات الدولية الأخرىِ حيث أخذت على عاتقها، عدا الالتزامات الأخرى التعهد بعدم استخدام القوة لحل المسائل المتنازع عليهاِ ولكن المنازعات بدأت فورا تقريباِ وتجلى ذلك بشكل رئيسي في ادعاءات بغدادِ فقد ظهرت في الثلاثينات رواية 'حقوق العراق التاريخية' في الكويت، أي في أراضي البلد كلهاِ وبشكل خاص كانت الادعاءات تبنى على أساس أن العراق والكويت جزءان من الإمبراطورية العثمانية وأن الكويت كانت لوقت ما ضمن ولاية البصرة (المدينة الثانية في العراق من حيث الحجم)ِ واستنتج من هنا أنه عندما ينصرف الإنكليز من الكويت يجب أن تعاد للتوحد مع العراقِ وكانت هذه الادعاءات تسمع من أعلى المقامات في العراق وخاصة من قبل الملك غازي في عام 1937 الذي دعا حتى الى ضم الكويت وبدأ لتحقيق هذا الهدف تحشيد القوات العراقية على الحدود مع الكويتِ غير أن موت غازي وضع حدا لهذه التدابير ولم يسمح الإنكليز بتحقيق ذلكِ وبدأت الانفعالات الجديدة في العراق بصدد الكويت عندما حصلت الكويت على الاستقلال في 19 يونيو 1961 ِ واستعجل الجنرال قاسم الذي كان يحكم العراق في ذلك الوقت في إعلان الكويت جزءا من العراقِ وثمة روايات مختلفة حول تلك الواقعة، حيث بدأ نقل القوات العراقية الى الحدودِ ولكن لندن أعادت، بناء على طلب من حكومة الكويت، قواتها فورا إلى أراضيهاِ وتم تبديلها بعد مرور بعض الوقت بتشكيلة من 3 آلاف شخص كونتها جامعة الدول العربية واضطر قاسم الى التراجعِ يتبع ..... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الجمعة يوليو 24 2015, 14:35 | |
| الحلقه 2 ابعوا في العواصم العربية والغربية باهتمام بالغ حملة الضغط العراقية على الكويت والإمارات الآخذة بالتزايدِ وكانت هذه الحملة تثير قلق الشخصيات الفطنةِ مثلا، خلال لقائي مع وزير الدولة للشؤون الخارجية التونسي حبيب بن يحيى وصف الحالة المتشكلة بالخطرة والمنذرة بالانفجارِ ورأى أن العرب إذا لم يتعاملوا معها بالعقل، فان الانفجار حاصل قبل الوقت الذي يفترضه الكثيرونِ وكانت مثل هذه الآراء تطرح بهذه الطريقة أو تلكِ وظنوا ان الكويتيين سيدفعون هذه المرة الفدية الدورية للجار الوقحِ وبطبيعة الحال كانت الخلافات العراقية - الكويتية الموضوع الرئيسي في مناقشاتي مع سفيري كلا البلدين في موسكوِ وبما أن كلا منهما سيذكر أكثر من مرة في صفحات الكتاب، فلابد من قول بضع كلمات عن هذين الدبلوماسيينِ تعرفت عليهما في آن واحد عندما زاراني بمصاحبة ممثل جامعة الدول العربية في 23 مايو 1990 لأجل مناقشة الهجرة المتزايدة لليهود السوفيت الى إسرائيلِ وحضر السفير الكويتي بصفته عميد السلك الدبلوماسي العربي في موسكوِ أما السفير العراقي فقد جاء بصفته ممثل البلد الذي انعقد فيه لقاء القمة العربيةِ تعليمات حرفية
كان السفير العراقي غافل جاسم حسين في كل أحاديثه معنيا بحزم وعلى الدوام بالأطر الرسمية، ولم يتناول أبدا أي موضوع، حتى تلك التي جاء من أجلهاِ وبدا وكأنه يطرح الحد الأدنى من الكلمات في غضون تنفيذه للتكليفات الموكلة إليهِ وكنت أشعر بأن كل كلمة يتفوه بها مأخوذة حرفيا من التعليمات التي استلمهاِ وعندما كنت أطلب منه التعليق على ما قاله، كان يرد على طلبي، بالكلمات نفسها التي قالها وبالإيجاز نفسه وخاصة عندما يدور الحديث حول مبادرتيِ لم يحصل بيننا بتاتا تبادل حي وغير متكلف للآراء، وكان السفير يصر على معرفة نفسه بأنه مرجع للنقل فقطِ كان في متوسط العمر ونحيفا ومزررا بكل الأزرار ( في المعنى المباشر والمجازي )ِ وعرفت أنه كان يسلك، خلافا لذلك، تجاه العاملين معي، خلال زياراته لإدارة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأنه متعجرف وسليط اللسانِ أما السفير الكويتي عبد المحسن يوسف الدعيج فيناقض السفير العراقي تماماِ كان أصغر سنا بقليل ويترك انطباعا بأنه محب للحياة ومؤانس وديناميكي ولديه شعور عال بالنكتةِ وكان يمكث في موسكو لفترة طويلة ويتكلم الروسية وله عدد ليس بقليل من الأصدقاء الموسكوفيين، بمن فيهم موظفو وزارة الخارجية الذين لم ينسهم عندما انتهى عمله كسفير في موسكوِ وعندما عين مثلي سفيرا في كندا، كانت زياراته تتواصل الى موسكو، فقد كان يشعر بحنين حقيقي إليهاِ لأعود الى جوهر الموضوع ِِ عندما كان سفير العراق يتكلم عن المشاكل الخاصة بالشؤون النفطية، يركز على أن بلده يتكبد خسارة جراء انخفاض أسعار النفطِ ويفسر هبوطها ب 'المخطط المشكوك فيه' الذي تنفذه الكويت ودولة الإماراتِ وحسب أقواله فان القيادة العراقية تنظر الى عدم مراعاة حصص استخراج النفط من قبل هاتين الدولتين 'مؤامرة صريحة' تهدف الى إضعاف الإمكانات المالية للبلدان العربية مثل العراق وليبيا والجزائرِ
الغاء الديون
ومن جانبه، كان السفير الكويتي يفند الاتهامات العراقية الباطلة بقيام الكويت بتخريب اقتصاد العراقِ ويؤكد على أن بلده يقدم المساعدات الى العراقِ ويرى أن سبب التوتر ناجم من أن بغداد تمارس الضغوط على بلده بقصد إلغاء ديونها العديدة والحصول على اعتمادات جديدةِ وحسب قول السفير الكويتي اتجهت القيادة العراقية الى الكويت بغية الحصول على الأموال قبل أسبوع واحد من نشر التهم في دورة جامعة الدول العربية ضد بلدهِ واعترف السفير بأن الكويت رفضت إلغاء الديون العراقية، وأنها ردت إيجابا على طلب الاعتمادات الجديدة وأنها اقترحت أن تسير وفق آلية الصندوق العربي للتنمية الاقتصاديةِ أما مشكلة الحدود فان الكويت، حسب قول السفير، راضية عن موافقة العراق لغرض بحثها في إطار جامعة الدول العربيةِ وقال السفير مشيرا الى اتصالات السفارة الكويتية في واشنطن مع البيت الأبيض ووزارة الخارجية بأنه حسب التكهنات الاميركية فمن المشكوك فيه أن يقوم صدام حسين بتصعيد الموقف أكثرِ جرى حديثي مع السفير الكويتي في 23 يوليوِ الا أن وتيرة الأحداث كانت تسير نحو التصعيدِ وبدأت الاستخبارات الاميركية وآليتها الفضائية والملحقون العسكريون لمختلف البلدان في العراق يسجلون تحركات القوات العراقية بما فيها قوته الضاربة، الحرس الجمهوري كما يسمونه، باتجاه الحدود مع الكويت، وكانت وحدات الدبابات والمدرعات الأخرى تلعب دورا خاصا في هذه التحركاتِ وطرح السؤال عما يعني كل هذا: إذا كان هذا التلويح بالسلاح فقط بهدف التخويف، وهل تكون الكويت الهدف الوحيد لذلك؟ ، أم أن شيئا أكبر قد يحصلِ أو العكس؟، فقد لا يتعلق تحرك القوات بالخلافات العراقية - الكويتيةِ ومهما كان الأمر، كان الغموض يقلق الزعماء العرب، وربما بالدرجة الأولى الرئيس المصري حسني مبارك، الذي كان عليه قيادة مؤتمر القمة العربية المقرر عقده في القاهرة في نوفمبرِ وبعد أن تلقى حسني مبارك من مخابراته معلومات تؤكد على تركز القوات العراقية في الحدود مع الكويت وبعد لقائه مع طارق عزيز في القاهرة في 22 يوليو، قرر التوجه مباشرة الى صدام حسين وإذا اقتضى الأمر يصبح وسيطاِ وقام لتحقيق هذا الهدف في 24 يوليو برحلة سرية الى بغداد حيث اختلى بالرئيس العراقي لثلاث ساعاتِ وجاء في كتاب عن الأزمة الكويتية والذي أعدته مجلة 'يو اس نيوس أند وورد ريبورت' عن لقاء الرئيسين على أساس مراسليها ما يلي: كنت أستمر في سؤاله: ما هي نواياك ولماذا هذا التوتر بين العراق والكويت؟ وكان مبارك يضغط على صدام بشأن تحرك فرق الحرس الجمهوري نحو الكويتِ وكان صدام يجيبه بأنه ليس ثمة داع للقلق وأن هذه التحركات عاديةِ غير أن مبارك استمر في الإصرار على رأيه، وجهت إليه سؤالا واضحا ومباشرا: هل لديك نوايا بتنفيذ عمل عسكري ضد الكويت؟ وأعاد الرئيس العراقي كلامه بأنه لا داع للقلقِ وأن تحركات قواته هدفها تخويف آل الصباح فحسبِ وقال صدام انهم مذعورون وخائفون ويكفي هذاِ وقال مبارك لصدام في الطريق الى المطار انه سيسافر الآن الى الكويت وإن كان بإمكانه نقل أي شيء الى آل الصباح من الزعيم العراقي مباشرةِ وحسب قول مبارك أبدى صدام اهتماما ضعيفا لهذا الطلب وقال: لا أقل لهم الآن أي شيءِ انني لا أنوي ان اتخذ شيئا ما، دعهم يرتجفوا خوفاِ وأجاب مبارك على هذا الكلام باقتراح مضاد مفاده أن يوفد صدام من يمثله الى بلد ثالث ويرسل الكويتيون وفدا أيضا، فمن الممكن أن يتوصل الجانبان الى حل لخلافاتهماِ وليس بالضرورة أن تكون مصر البلد الثالثِ لماذا، مثلا، لا تكون العربية السعودية؟ِ وبالفعل اجتمع الجانبان في جدة التي كانت أكثر حيادية وملائمة في حرارة الصيف التي لا تطاقِ ووافق صدام على هذا الاقتراحِ حدث فيما ما بعد ما أثار عجب الرئيس المصريِ وخلال استمرار طيرانه من بغداد الى الكويت وخلال ساعة وربع الساعة فقط، أصدر وزير الخارجية العراقي طارق عزيز وفي اللحظات التي كانت طائرة الرئيس المصري تهبط في الكويت، بيانا صحفيا أعلن فيه لقاء الرئيسين مؤكدا أنه تمت مناقشة العلاقات العراقية - المصرية وأن مسألة الكويت لم يتم التطرق إليهاِ ومع ذلك، أوصل حسني مبارك رسالته حتى نهايتهاِ واتفق مع أمير الكويت ومن ثم مع الملك فهد عاهل العربية السعودية على إجراء المحادثات في جدة وأخبر صدام حسين بذلك في اليوم التالي بالهاتفِ ونصح مبارك الجانب الكويتي بإبداء المرونة وأخطر الكويتيين مباشرة بأن العراق بحاجة الى أموالِ وبعد أن علم رؤساء الدول عن رحلة حسني مبارك الى بغداد، انهالت عليه الاتصالات الهاتفية بغية الإطلاع على نتائجهاِ وكان مبارك يوضح لهم في ذلك المعنى بأنه وفقا للتأكيدات التي حصل عليها فان الحديث لا يدور حول تدخل القوات العراقية في الكويتِ وأبلغ ذلك الرئيس الاميركي جورج بوشِ وكان الجانب العراقي ينفي قطعيا فيما بعد ( بما في ذلك خلال الأحاديث في موسكو ) بأن صدام حسين أعطى مبارك أية وعود بعدم التدخل في الكويت وأكد العراقيون ان رئيس مصر 'لم يفهم ' كما زعموا، تركيبة الكلام الذي كان الرئيس العراقي يجسم فيها أفكاره بشأن الكويتِ وأدلى طارق عزيز في حديثه مع ميخائيل غورباتشوف في اللقاء الذي حضرته برأيه في هذا الصدد على النحو التالي: لا يستطيع أحد من الزعماء العرب أن يقول بالنص الصريح لزعيم آخر بأنه سيضطر لبدء العمليات الحربية ضد بلد عربيِ غير أن أي إنسان سليم العقل ينبغي أن يدرك عما يجري الحديث
( لنلاحظ أن طارق عزيز اعترف عمليا بتفسيراته بأن قرار تنفيذ اجتياح الكويت قد اتخذ بينما كان حسني مبارك وصدام حسين يجتمعون في بغداد )ِ وعدا الرئيس المصري أبدى ملك الأردن حسين نشاطا معينا في هذه الأيام أيضاِ فقد زار بغداد في 30 يوليو والتقى بصدام حسينِ ومن هناك طار الى الكويت حيث تحدث مع ولي العهد سعدِ ويقال في كتاب ابن أخ الملك السعودي الجنرال خالد بن سلطان عن هذه المناقشات ما يلي: كما أعرف اهتم ولي العهد الشيخ سعد بما يجول في عقل صدامِ الملك حسين: هو زعلان منكم جدا! الشيخ سعد: هل ثمة خطر عسكري؟ الملك حسين: كلاِ الشيخ سعد: ولماذا ركز القوات على طول حدودنا؟ لم يصدق الملك حسين بأن القوات توجد هناك بالفعلِ ولذا اقترح عليه الشيخ سعد بإيصاله الى منطقة الحدود لرؤية مواقع العراقيين الأمامية التي كانت واضحة جدا في ذلك الوقتِ حسين ينفي الخطر العسكري
يصعب الاستنتاج فيما قيل بما انحصرت فيه الرسالة التي كان الملك حسين يريد إيصالها في الحقيقة: إخطار الكويتيين أو ترك الانطباع لديهم بأنه لا يوجد ثمة خطر عسكريِ ولكن إذا أخذنا في الاعتبار بأن الملك حسين أخبر الرئيس بوش في تلك الأيام بعدم وجود خطر عسكري، فمن المرجح أن نتوصل الى استنتاج بأنه من المشكوك فيه أن مهمة الملك كانت تنحصر في إخطار القيادة الكويتية بالاعتداء المحتملِ وهذا لا يتفق مع طبيعة علاقاته الشخصية مع صدام حسين وكل سلوكه اللاحقِ وزار بغداد في الأيام نفسها الأمين العام لجامعة الدول العربية الشاذلي القليبي ( لم يرغب المسؤولون العراقيون في رؤيته واستقباله وكانوا يتعمدون تأجيل وصوله ) ولم تأت زيارته بنتائج ملموسةِ فما هو إذن الدور الذي خصص للقاء العراقي - الكويتي في جدة؟ تم اللقاء في الأول من أغسطس ومثل ولي العهد الشيخ سعد الجانب الكويتي، فيما ترأس الوفد العراقي عزة إبراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة وهو الشخصية الثانية في الدولة شكلياِ .
يكتب الجنرال خالد بن سلطان عن هذا اللقاء ما يلي: خلافا لبعض التقارير المنشورة فيما بعد، لم يصبح لقاء جدة ميدان معركة، ولم تحدث فيه انفجارات ولا علامات سخطِ لم يحدث أي شيء يبرر غزو الكويت في الليلة التاليةِ كان في وسع عزة إبراهيم أن يأمل بالطبع عندما كان يقوم باستمالة المعارضة الدبلوماسية الشديدة في الأيام السابقة في وداعة الكويتيين واستعدادهم لإسقاط ديون العراق العسكرية وتقديم معونات جديدة والتخلي عن الموقع النفطي الرميلةِ غير أن الكويتيين لم يكونوا مستعدين لتقديم التنازلات دون قيد أو شرطِ وكانوا ينوون رفض أفكار صدام الباطنية الواضحة جدا والتي تعني أن ما يملكونه سيكون ملكا للعراق في معنى معينِ وعندما لم يقدموا تنازلات فقد عزة إبراهيم اهتمامه باللقاءِ افتتح الملك فهد اللقاء بالتحيات الأخوية التقليدية وترك الجانبين يتحادثان على انفرادِ ووصلا فيما بعد الى قصر الملك ليبلغاه بنتائج المباحثات في سيارة واحدة مزينة بالعلمين العراقي والكويتيِ أقام الملك مأدبة غداء تكريما لهما وتمت فيها مراعاة القواعد الرسميةِ أجلس الملك فهد الشيخ سعد على يمينه وعزة إبراهيم على يسارهِ ولم يدل شيء على أن العلاقات قد قطعت أو أن المباحثات تعاني من مأزقِ وتم الاتفاق على مواصلة المباحثات في بغداد في المستقبل القريبِ غير أن صدام غزا الكويت بعد مرور عدة ساعاتِ يمكننا استنتاج ما يلي عن كيفية تنظيم لقاء جدة وكيفية جريانه وما تبع ذلك: لم تكن القيادة العراقية في حقيقة الأمر، تنوي إجراء المحادثات مع الكويتِ كان لقاء جدة عبارة عن تنازل تكتيكي للرئيس مبارك كأسلوب لإضعاف رد فعل الدول العربية على الغزو المخطط له للكويت وإضعاف يقظة الكويتيين وغيرهم في آن واحد وعمل تمويه بأن المحادثات ستستمرِ فقد أدلى طارق عزيز بتصريح خاص مفاده بأن اللقاء التالي سيتم في بغدادِ وأبلغ سفير العراق في واشنطن لمساعد وزير الخارجية الاميركي جون كيلي بالموقف نفسهِ غير أن النتيجة تتوثب: كانت بغداد تقوم عن عمد بالتضليلِ وقررت القيادة الكويتية التي اجتمعت على عجل بعد اختتام لقاء جدة عدم اتخاذ أي شيء بانتظار الجولة التاليةِ ومن الممكن أنهم في الكويت لم يكونوا مذعورين لأنهم تعودوا خلال سنوات عديدة على تظاهر بغداد بالقوة والتي كانت تصل أحيانا الى اعتداءات مسلحةِ فمثلا، حشدت بغداد قواتها على الحدود مع الكويت في عام 1973 واحتلت جزءا من أراضي الكويت الشمالية الشرقية وسحبت قواتها بناء على طلب من جامعة الدول العربيةِ وخلال الحرب مع إيران، كانت القوات العراقية ترابط في جهة الحدود الكويتية عدة سنوات ( بحجة الخطر الإيراني وخلافا لاعتراضات الكويت)ِ وهذه المرة أيضا فضل الكويتيون عدم اتخاذ تدابير معينة لكي لا يعطوا ذريعة لبغداد للاعتداء عليهمِ وفي حقيقة الأمر هل يمكن الحديث عن مقاومة عسكرية خطيرة؟ الكويت أقل من العراق مساحة في 25 مرة وعدد سكانها أقل بعشر مرات وقواتها المسلحة ضئيلة جدا بالمقارنة مع جيش العراق الذي بلغ عدد أفراده مليون مقاتل صقلتهم حرب السنوات الثمانيِ ولم تستعجل القيادة الكويتية في الاستعانة بالنصرة السياسية والعسكرية الأجنبية خلافا للرئيس الإماراتي الذي سافر فورا الى واشنطن بعد اتهام بلاده بالعدوان الاقتصادي على العراق عائدا بمقترح إجراء مناورات عسكرية مشتركة ( وتحقق ذلك بالفعل )ِ طابع الهجوم
واعتقد أن القارئ سيهتم بالحديث عن تلك الأيام الذي أجريته مع الأمير بندر بن سلطان الممثل الخاص لملك العربية السعودية الذي وصل الى موسكو في أغسطس 1990 تحدث الأمير بأنه " قبل دخول القوات العراقية الى الكويت بأسبوع واحد أخبرنا الأمريكان أن العراقيين يركزون وحداتهم العسكرية في منطقة الحدود الكويتية، واستفسرنا من بغداد عما يعني هذا، أجابونا أن الأمر لا يعدو أكثر من تدريبات عسكرية يتهيؤون لإجرائها، ونقلنا ما قيل الى الكويتيين ووثقوا بهذا، وكانوا مهمومين بتلك المعلومات التي نقلها الأمريكان لهم ظانين أن واشنطن تبحث عن حجة لمرابطة قواعدها في أراضيهمِ وبعد عدة أيام أحال الأمريكان إلينا وإلى الكويتيين صور الأقمار الصناعية التي تظهر القوات العراقية والتي دلت على أن القوات العراقية مرابطة بوضع هجوميِ غير أن الكويتيين ظنوا من جديد أن الأمريكان يسعون الى تخويفهم ويبحثون عن حجة لإدخال قواتهم الى بلدهمِ واتصل الملك فهد في اليوم نفسه هاتفيا بصدام حسينِ وأكد الرئيس العراقي لملكنا أن أي تدخل في الكويت لم يهيئ لهِ ولكن الملك فهد أوفد الى بغداد وزير الخارجية وحاولوا إقناعه أيضا أن أي تدخل لم يخطط لهِ وأثبت صدام حسين هذا الشيء في الأيام نفسها تقريبا لرئيس مصر وملك الأردن وياسر عرفات بأنه لن يحدث أي عمل عسكريِ ونقلوا هذه التأكيدات فيما بعد الى الكويتيين وإليناِ وحاولنا من جانبنا تهدئة الكويتيين ونشعر الآن بأننا كنا مذنبين "ِ بالتالي، إذا كانت القيادة العراقية تنوي إخفاء خططها فأنها نجحت في ذلك تماماِ فقد نام الكويتيون بهدوء في ليلة 1 - 2 أغسطس ولم يسلموا في الكويت وواشنطن ولندن والعواصم العربية والعواصم الأخرى بفكرة أن مصير الكويت كدولة مستقلة سيكون مشكوكا فيهاِ ولعل سفر أكثرية السفراء بما فيهم السفير الأمريكي والسوفيتي المتوافق في يوليو من بغداد لقضاء الإجازة، دليل على أن الأزمة لم تكن متوقعةِ ويعتبر أغسطس موسما ميتا سياسيا ليس في أوروبا والولايات المتحدة فحسب، بل في العالم العربي أيضا ( يعود ذلك لأسباب مناخية حيث تصل درجة الحرارة في نهاية الصيف الى حد لا يطاق)ِ كان فيكتور بوسوفاليوك الدبلوماسي المجرب والمستعرب سفيرنا في العراق في ذلك الوقتِ شغل منصبه في بغداد في أبريل 1990 وكان قبلها سفيرنا في سلطنة عمان، حيث نقل من هناك الى العراقِ وتجسس بوسوفاليوك قبل عدة أيام من سفره الى موسكو وعلم من السلطات العراقية فيما إذا لم تكن هناك موانع ما لغيابه المؤقت عن البلدِ وأكدوا له أنه لا يوجد مانع من تمتعه بالإجازةِ وحصل أنه مكث في موسكو يومين أو ثلاثة فقط واضطر إلى العودة بأول رحلة بعد الاعتداء العراقي على الكويتِ وكما أشرت، كانوا في موسكو يتابعون باهتمام وانتباه تطور الأحداث في المنطقةِ ولم يرد إلينا أي شيء مقلق لا من سفرائنا ولا من خطوطنا الأخرىِ وتوجهت قبل يومين من الاعتداء الى الإدارة العملياتية في هيئة الأركان العامة وكانوا يعتقدون أيضا بأن حشد القوات العراقية يتعلق بتدريبات مقبلة (ويبدو أن مثل هذه الرواية لم تكن تدس للسعوديين فقط، بل لممثلينا العسكريين في العراق أيضا)ِ
وفي 27 يوليو وخلال استقبالي رئيس وفد جمعية الصداقة العراقية - السوفيتية وزير الدولة العراقي أرشد الزيباري قلت له إننا في الاتحاد السوفيتي نتابع بانتباه توتر العلاقات العراقية - الكويتية ومعنيون بإخلاص بأن الخلافات الناشئة ينبغي تسويتها بالوسائل السياسية عن طريق الاتصالات الثنائية أو بمساعدة أجهزة جامعة الدول العربيةِ وفي غضون ذلك أعربت عن ارتياحنا عن ارتفاع أسعار النفط وعن الأمل في أن أحد أسباب الخلافات العراقية - الكويتية قد أزيل بنجاحِ وأشرت كذلك (كما فعلت هذا من قبل في أحاديث مع سفيري العراق والكويت) إلى أننا ننظر الى أي توتر في العالم العربي كعامل سلبيِ وكان الوزير يحني رأسه ولم يقل من جانبه شيئا يمكنه إثارة هلعناِ وقبل يوم واحد من العدوان استقبلت بعثة النوايا الحسنة العمانيةِ وإن كان الحديث مكرسا على العلاقات الثنائية، إلا أنني رأيت من الضروري أن أقول: نعبر عن قلقنا بشأن التوتر الحاصل بين العراق والكويت ونأمل في أن الجارين سيتمكنان من تسوية مشاكلهما وتطبيع علاقاتهما وإذا اقتضى الأمر بمساعدة الدول العربية الأخرىِ وسيعمل الاتحاد السوفيتي في اتجاه تطبيع العلاقات العراقية - الكويتية وهذا ما يحدده موقفنا المبدئي: العمل في مصلحة الوحدة العربية على الدوامِ
خسائر الحرب مع إيران : 500 إلى 700 مليار
للحق لا أستطيع حتى الآن أن أوضح لنفسي، كيف تمكنت قيادة العراق وبدا أنها مكونة من رجال ناضجين ومجربين جدا الإقبال على تلك المغامرة كالاستيلاء المسلح على دولة أخرىِ يمكنني أن أبني آرائي على الأخطاء الفاحشة للغاية التي أدت الى هزيمة العراق العسكرية وتلك الحالة التي لا يحسد عليها الشعب العراقي ودولته بعد مرور عشر سنواتِ سأتحدث عن هذه التفاصيل في الفصل الأخير من الكتابِ لكن أود الإشارة الآن الى مسألة واحدة: لماذا صعب حتى التصور بأن بغداد ستسير في عام 1990 بإرادتها الخاصة نحو الحرب؟ سنتان مضتا على انتهاء أطول النزاعات الحربية الدامية في النصف الثاني من القرن العشرين وهي الحرب العراقية - الإيرانية والتي أعلنت السلطات العراقية في ختامها عن انتصارهاِ وهذا يكون صحيحا جزئيا فقط، في ذلك المعنى الذي اضطر فيه الخميني في النهاية الى التخلي عن حلم إسقاط نظام صدام حسين وبعد أن استنفد قواه في الحرب وافق الخميني على وقف إطلاق النار وكانت بغداد مستعدة لذلك بسرور قبل ست سنوات من تلك اللحظة عندما خرست طلقات النارِ ولم تتوصل بغداد الى شيء في النهايةِ أخذت زمام المبادرة في شن الحرب ومن ثم لم تعرف كيف تنهيها عندما بدأت القوات العراقية تطرد الى المواقع نفسها التي بدأت منها الهجوم قبل ثمان سنواتِ أتذكر جيدا ذلك لكوني ممثل الاتحاد السوفيتي الدائم في مجلس الأمن وكانت مسألة الحرب العراقية - الإيرانية على جدول أعمالنا على الدوامِ وحسب بعض المعطيات بلغت خسائر العراق الاقتصادية جراء الحرب ضد إيران نحو 500 - 700 بليون دولار وهلك وشوه فيها نصف مليون عراقي وعانت جدا مدينة البصرة التي كانت القوات الإيرانية تحاول الاستيلاء عليها أكثر من مرةِ وتكبدت الصناعة النفطية وحقل تكرير النفط وهما أساس الاقتصاد العراقي خسائر جسيمة، مما أثر سلبا على مستوى إنتاج النفط وبالتالي على مستوى إيراداته الناتجة عن التصديرِ فقد كان العراق يستخرج في العام الذي سبق الحرب 1979 نحو 175 مليون طن من النفط، لم يتمكن من استخراج سوى 139 مليون طن فقط بعد مرور عشر سنينِ وبعبارة أخرى تحولت الحرب ضد إيران بالنسبة للعراق وفي نواح كثيرة وخاصة البشرية والاقتصادية والاجتماعية الى مصيبة كبيرةِ لذلك احتل التغلب على خسائر الحرب الصدارة وأصبح المهمة الوطنية الرئيسية التي ينبغي تنفيذها في ظل حالة من السلام والهدوء ولهذا السبب بالذات صعب التصور أن تقوم القيادة العراقية بالاشتباك من جديد في مغامرة حربيةِ وحصل ذلك للأسف الشديدِ يتبع ...... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الجمعة يوليو 24 2015, 19:31 | |
| الحلقه 3 في الساعة الثانية من ليلة 1 - 2 أغسطس، بدأت الوحدات العسكرية العراقية المتكونة من 120 ألف شخص العدوان على الكويت شاقة جبهة واسعةِ وكانت العاصمة الكويتية هدفها الرئيسيِ واستخدموا في سيرهم الحثيث طريق السيارات العصري الذي يربط الكويت بالبصرةِ وضمت الوحدات العراقية خيرة تشكيلات الحرس الجمهوري المزودة بالدبابات الحديثةِ وسارت في نسق الهجوم الثاني وحدات المدفعية والمشاة الآليِ كان التقدم سريعا وخاليا من المقاومة تقريبا بسبب عدم وجود وحدات عسكرية كويتية تقريبا في الشمال من العاصمة التي كانت الوحدات العراقية قد وصلتها الساعة الخامسة صباحا واستولت عليها بالكامل بمساندة فاعلة من المقاتلات والمروحياتِ وحتى الساعة الثانية بعد الظهر، كانت مباني كافة المؤسسات العامة ومحطة التلفزيون والإذاعة والمطار والميناء وغيرها من المواقع الهامة تحت سيطرة الجيش العراقيِ ودارت المعارك الرئيسية بالقرب من الثكنات والقصر الأميري دسمان حيث كان يقاوم فيه عدد من المدافعين ، واستشهد الأخ الأصغر للأمير الشيخ فهد الأحمد المعروف في البلاد والخارج بنشاطاته في اللجنتين الأولمبيتين الوطنية والآسيويةِ وأحرق قصر دسمان ومقر آخر للأمير في المدينةِ وبعد أن استولت القوات العراقية على العاصمة تقدمت في عمق البلد واحتلته بالكامل خلال يومين ونيفِ كانت تعد حربا خاطفة واعتبرتها بغداد ناجحة تماما، حيث لم يصحبها سوى فشل واحد مزعج لها وهو خروج الأمير وعائلته وأعضاء حكومة الكويت من البلاد، بتمكنهم من الانتقال الى المملكة العربية السعودية المجاورة كمأوى لهمِ وانتقل أيضا الى العربية السعودية عدد من العسكريين أيضا وأحيانا مع معداتهم الحربية وخاصة الطائراتِ وحاولت السلطات العسكرية العراقية قطع كل الاتصالات الخارجية مع الكويت مثل البحرية والجوية والهاتفيةِ وكان الأمر أعقد عند الحدود البريةِ فقد كان من المستحيل عمليا حجزها كلها في الصحراء وبدأ تدفق الناس الذين لا يريدون العيش تحت نير حكم بغداد عبر فتحات الحدودِ ترك الكويت ثلث سكانها خلال الاحتلال ( استقبلت المملكة العربية السعودية وحدها 360 ألف لاجئ من الكويت )ِ وكان للهجرة الكثير من الأسباب بما فيها القتل والتعذيب وحالات النهب والاغتصاب التي تعرض الناس إليها فورا تقريباِ ومع ذلك تكون لدى الكثيرين انطباع بأن سلطات الاحتلال لم تكن تمنع رحيل الناس وجرى ذلك بوعي تام، حيث كان تنوي تغيير تشكيلة الكويت الديموغرافية بهذه الطريقةِ وبالعكس، تدفق سيل من النازحين العراقيين الى الكويتِ موسكو تحدد موقفها
حصل أنهم عرفوا في الاتحاد السوفيتي عن بداية العدوان العراقي على الكويت من الأمريكانِ وكانت استخباراتهم الفضائية التي كان الخليج، ولأسباب مفهومة، موضوع اهتمام متزايد، تخبر على الدوام المعلومات الخاصة بتحرك القوات العراقية قرب الحدود مع الكويت وإعادة تنظيمها وتشكيلهاِ غير أن المحللين في واشنطن لم يستعجلوا في اتخاذ استنتاج نهائيِ وكانت دائرة المخابرات المركزية تقدر فرص الاعتداء حتى قبل بضعة ساعات من وقوعه كخمسين الى خمسينِ وفي كل الأحوال توقعوا أن ينتهي الأمر بالاستيلاء على الجزيرتين اللتين كان العراق يدعي بهما منذ زمن بعيد ومنطقة الحدود، الأمر الذي كانت واشنطن مستعدة للموافقة عليه وإغماض عينها عنه عموماِ وكانت تأكيدات الزعماء العرب تهدئ الكويتيينِ ويؤكدون بأن الملك حسين اتصل هاتفيا مرتين مع الرئيس الأمريكي بوش في 28 و 30 يوليو بهذا الصددِ ولهذا لم يدق جرس الإنذار في حاملات الطائرات الأمريكية القريبة من الخليج للتوجه على عجل الى منطقة النزاع المحتملِ ومع ذلك، رأى مستشار الرئيس الأمريكي لمسائل الأمن القومي الجنرال برينت سكوكروفت ان من الضروري إنذار الرئيس بوش في الساعة الثامنة وعشرين دقيقة مساء بزيادة احتمال العدوان العراقيِ وقبل ذلك أنذرت وزارة الخارجية الأمريكية في المعنى نفسه مسؤولها جيمس بيكر الذي كان في تلك اللحظة يجري محادثات في إركوتسك الروسية مع أدوارد شيفرنادزهِ وكان وزير الخارجية السوفيتي يقول فيما بعد أكثر من مرة ( كتب ذلك بشكل واضح في كتابه " خياري " ) بأنه لم يستطع الاعتقاد بأن بوسع القيادة العراقية القيام بمثل تلك الخطوة الطائشةِ كان شيفرنادزه قد زار العراق قبل عام وتناقش مع صدام حسين لعدة ساعاتِ ورأى بعينيه مدينة البصرة المدمرة وتكونت لديه فكرة بأن الأولويات العراقية لا تقبل عدوانا جديدا بكل بساطةِ وقال لبيكر عندما أبلغه بإنذار الخارجية الأمريكية : 'لا يوجد أي منطق في هذا التصرف'ِ أخبرت السلطات الكويتية بعد معرفتها ببداية الاعتداء بسرعة السفارة الأمريكية ولم تطلب من الأمريكان أية مساعدة، معتقدة أن القوات العراقية ستتوقف في اللحظات القريبةِ وما أن شعر الكويتيون بأن هذه القوات لا تنوي التوقف زاد قلقهم وطلبوا المساعدة للمرة الأولىِ ووجهت إذاعة الكويت نفس النداء الى جميع البلدانِ وأبلغت السفارة الأمريكية وزارة الخارجية بتطور الأحداثِ كانت في هذه الأثناء الساعة التاسعة مساء في واشنطن، عندما أصبح واضحا أن العدوان العسكري الواسع النطاق بينِ واجتمعت جماعة الأزمة في مجلس الأمن القومي الأمريكي بسرعة مبتدئة العملِ وأصدر البيت الأبيض في وقت متأخر من الليل بيانا موجزا استنكر فيه الاعتداء ودعا بغداد الى إنهائه فوراِ وفي الساعة الخامسة صباحا وقع الرئيس جورج بوش أمرا بتجميد جميع الحسابات الكويتية والعراقية لكي لا تستغلها بغدادِ وانتهت المحادثات في إركوتسك بين شيفرنادزه و بيكر وبينما كان كل منهما يهم بالعودة وصلهم خبر عدوان العراق على الكويتِ لم يكن واضحا لهم عمق التدخل وأهدافهِ ولذلك ناقش رئيسا الإدارتين الخارجيتين الحالة بشكل موجز وبطابع عامِ ولم يبديا أية تصريحات علنية بصدد الأزمة واتفقا على إدامة الاتصالات الوثيقةِ توقيت موسكو والكويت واحدِ أي أن الاعتداء العراقي على الكويت بدأ بالنسبة لموسكو في الساعة الثانية ليلا أيضاِ وعرفت النبأ في الصباح الباكر عندما دق هاتف من سكرتارية الوزير حال وصول الإشارات المقلقة الأولىِ وعندما وصلت الى الخارجية كانت المعلومات ناقصة للغايةِ وبرزت حالا جملة من الأسئلة : ما هو هدف الاعتداء، وإلى أي مدى سيذهب العراق في هذا العمل غير المفهوم لحد الآن، وما هي حالة مواطنينا في الكويت (كان عددهم 800 شخص تقريبا) وكيف يمكن تأمين سلامتهم، هل أن جميعهم أحياء وكيف يجب صياغة موقف الاتحاد السوفيتي السياسي، ومتى وماذا وبمن ينبغي إعلانه باسم بلدنا وكيف سيكون سلوكنا في مجلس الأمن حيث ستطرح مسألة العدوان حتما؟ وهل ينبغي اتخاذ خطوات من جانبنا حيال بغداد، وإذا كان ذلك ضروريا فما هي وعلى أي مستوى؟ واقتضى الأمر أن نحدد موقفنا من جميع هذه المشاكل المنهمرة، دفعة واحدةِ كنت متيقنا جدا بأن الأنظار في العالم أجمع ستتجه الآن نحو موسكو بالذات: كيف سنرد فعلا؟ِ فلم يخف على أحد أن العراق يعتبر واحدا من أكبر زبائننا العسكريين وأن ثمة خبراء عسكريين كثيرين في العراقِ فما هو موقف موسكو من تدخل 'محسوبها' المسلح في الكويت؟ هل سيتحدد الموقف ممتزجا بروح 'الحرب الباردة'؟ أو بصورة جديدة؟ وماذا سيؤخذ بمثابة المقياس؟ كان من الواضح أن موسكو وضعت أمام امتحان خطير لقياس نضجها السياسي والأخلاقيِ وطرحت المسألة بالنسبة لنا على المكشوف وبصورة مبدئية: كيف نتصرف؟ وكان على قيادة الدولة العليا أن تجيب فوراِ وفي غضون هذه المعمعة لم يكن أدوارد شيفرنادزه في موسكو ( لم يصل بعد من إركوتسك ) وكان ميخائيل غورباتشوف يتمتع بإجازة في القرم مع مساعده للشؤون الدولية أِ تشيرنايفِ وكان من الممكن تذليل هذه الصعوبات بالطبع، لكن الأمر بحاجة الى وقتِ بل كان هذا الوقت شحيحا جداِ ففور إعلان الأنباء سينهال على وزارة الخارجية وابلا من دقات الهاتف من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي والحكومة والمؤسسات ووسائل الإعلام والمواطنين العاديين الذين يتواجد أقرباؤهم في الكويت والعراقِ لذا وجب البدء في إدراك جميع المسائل الخاصة بالوضع وتقليب نظام الأعمال وطرقه وإعداد المقترحات للقيادة فوراِ جمعت المسؤولين في دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي كانت مختصة بعلاقتنا مع العراق والكويتِ وبعد أن أجريت تبادل الآراء الموجز حول الأزمة، تحدثت عن ما ينبغي أن ننشغل به الآن ووزعت التكليفات : من يجمع من كافة المصادر الممكنة المعلومات ويعممها ومن يعد مشروع البيان (قررنا حالا أن هذا البيان سيكون بيان الحكومة أيضا لأهمية المسألة) ومن يعمل على إعداد نص النداء المزمع توجيهه الى بغداد ومن يتصل على عجل بممثليتنا في الأمم المتحدة؟ِِِالخِ وبعد أن وزعت الواجبات انشغلت بأمر آخر وهو مهم بالدرجة الأولى: اللقاء مع السفير الكويتي الذي توجه بطلب استقباله على عجلِ ووضحت لدينا خلال المعلومات المتوافرة واقعة العدوان المسلحِ ولم يكن واضحا قط لماذا أقبلت بغداد على هذه المخالفة الخشنة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدةِ لقد صادف وتسنى لي عام 1957 أن شاركت في وضع مفهوم 'العدوان' في اللجنة الحقوقية للجمعية العامة للأمم المتحدة والذي أقر فيما بعد رسميا بقرار من الجمعيةِ وكان مفهوم 'العدوان' منذ ذلك الحين واضحاِ ولذلك وبصفتي حقوقيا، لم يكن لدي أدنى شك في كيفية وصف تعسف القوات العراقية ( وكيف سيصف المجتمع الدولي هذا ) في أراض دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة وهي الكويتِ ومع ذلك، كان ثمة ما ينبغي التأمل فيه : دار الحديث حول النزاع بين الدولتين العربيتين اللتين للاتحاد السوفيتي مع كل منهما نظام للعلاقاتِ وكان حجم العلاقات من الناحية المادية مع العراق يتجاوز كثيرا جملة مصالحنا الاقتصادية في الكويتِ ولا يتحدد الأمر بالمسائل المالية والاقتصادية، فقد كانت هناك عوامل تاريخية وسياسية وعسكرية وحتى إنسانية تربط الاتحاد السوفيتي بالعراقِ وكان من واجبنا أن نأخذها في الاعتبار في غضون إعداد المقترحات للقيادة العلياِ وكانت واقعة أن قرابة 8 آلاف مواطن سوفيتي موجودون في العراق لوحدها أمر خطير جداِ وعموما، لم تكن علاقاتنا السياسية سيئةِ ففي عام 1972 أبرمت معاهدة الصداقة والتعاون وكانت الزيارات على مختلف المستويات تجري بانتظام بينناِ وكان كلا الطرفين يعامل بعضه الآخر بقدر معين من التحفظ، وكان لذلك أسبابه: إعدام الشيوعيين العراقيين واضطهادهم، استخدام السلاح الكيميائي ضد الأكراد، كبت مخالفة الآراء الرسمية بشكل قاسِ وكان التطور الاجتماعي في البلدين يختلف أكثر فأكثرِ فبينما كنا نسير نحو الحرية والديمقراطية، كان العراق يزيد من ضغطه على الحريات وتتزايد ظاهرة عبادة صدام حسينِ لكن هذه الخلافات لم تظهر بصورة ملحوظة في العلاقات الرسمية، فقد كانت متأدبة وتتميز بالعطف المتبادل، غير أن التحفظ الباطني كان موجوداِ وكان هذا التحفظ وفي درجة معينة منه، أدى الى انغلاق النسق العراقي الأعلى وضاعف في تشكيل خواصه الوخيمة الحبلى بالمفاجآتِ وعدت تقلبات الحرب العراقية - الإيرانية بالنسبة لنا في هذا المعنى إنذارا معينا، وها هي المفاجأة الجديدةِ
العلاقات مع الكويت
أما الكويت فأقيمت العلاقات الدبلوماسية معها في عام 1963 وكانت العلاقات تتطور منذ ذلك الحين بلا اعوجاج ويميزها اتجاه مستقر نحو توسيع التعاون بالرغم من الفرق الخطير في الاتجاهين السياسي والاجتماعيِ غير أن المراعاة الحازمة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية ساعدت على نمو الثقة المتبادلةِ والكويت بالذات افتتحت أول سفارة سوفيتية على أرض الجزيرة العربيةِ وساعدت الكويت على ظهور سفاراتنا بمرور الوقت في الإمارات العربية وقطر وعمانِ واستجاب الاتحاد السوفيتي بدوره لمطلب الكويت بتأمين سلامة نقل نفطها عبر الخليج في واحدة من أسخن أوقات الحرب العراقية - الإيرانيةِ صحيح أن الأمر لم يصل الى مرحلة التنفيذ، لأن الأمريكان أخذوا هذه المهمة على عاتقهم بعد أن رفضوا طلبا كويتيا مماثلاِ وكان الاتحاد السوفيتي يشارك في إنجاز بعض المشاريع ذات الطابع الاقتصادي والتكنولوجي في الكويتِ وكان يزداد بهذا السبب عدد الخبراء المدنيين السوفيت العاملين هناكِ وقد بلغ عددهم قبل الأزمة بضع مئاتِ وأرسيت البداية للتعاون في المجال العسكري أيضاِ وقدمت الكويت لنا عددا من القروضِ ووجدت مصالح مشتركة ونقاط لقاء في مجال السياسة الخارجيةِ لذلك لكلا البلدين الأسس لكي يكونا مرتاحين بتطور علاقاتهما وتقدمها، الأمر الذي كان يؤكده تبادل الوفود والمحادثات المستمرةِ وإذا كانت لموسكو علاقات حسنة مع العراق والكويت على السواء، فأنها معنية بطبيعة الحال، بالمحافظة عليها وتطويرها المطردِ وكنا كذلك بحاجة الى السلام في الشرق الأوسطِ وها نحن وجدنا أنفسنا أمام أفق لأزمة دولية كانت تخالف تماما مصالحنا من الناحية العامة وفي علاقاتنا مع العراق والكويت على السواءِ في غضون ذلك كانت الأخبار الواردة من هناك تثير قلقنا أكثر فأكثرِ أولا، لم تدل على اعتداء فحسب، بل عدوان شامل للقوات العراقية على الكويت باستخدام عشرات الآلاف من الجنود وعدد كبير من الدبابات والصنوف الأخرى من القوات بما فيها الطائراتِ وكانت العملية تسير نحو الاستيلاء على البلد بأكملهِ وتقوى هذا الإحساس بما انتهجته إذاعة بغداد صراحة منذ الصباح بصدد " ظفر الشعب العراقي العظيم المجرب ودرع الأمة العربية وعنوان فخرها ورمز عزتها " والذي تساعد " قواته المسلحة المجيدة " في اجتياح الكويت وتخليصها من " النظام الخائن المنفذ لمؤامرات الصهيونية والأجنبية الأخرى "ِ ولم تبخل إذاعة بغداد بكيل الهجمات على القيادة الكويتية التي تواجههم ب " بالمناضلين في سبيل الحرية " الذين نفذوا كما زعمت القيادة العراقية بطلب الدفاع عن " الثورة الكويتية " وسكان الكويت من الدسائس الخارجيةِ واحتل في إذاعة بغداد مركز الصدارة بيان مجلس قيادة الثورة الذي جاء فيه أن إدخال القوات الى الكويت تم بناء على طلب من " حكومة الكويت الحرة المؤقتة "ِ وأن القوات العراقية ستنسحب " عندما تستقر الأوضاع وتطلب منها الحكومة الحرة المؤقتة ذلك "ِ ويتضمن البيان أيضا تهديدا مباشرا بتحويل " العراق البطل والكويت العزيزة الى مقبرة لمن سيتطاولون على القيام بعدوان والذين يحركهم السعي الى التدخل والخيانة "ِ بدأ جوهر ما يحدث يتضحِ وأصبح مفهوما أن النزاع تجاوز نوعيا إطار الجدال الحدودي بتبعية الجزر وجزء من حقل الرميلة الجنوبي كما كان الكثيرون يفترضون ذلك في بداية الأزمةِ وانتقلت المشكلة الى بقاء الكويت كدولة مستقلة مع سلطتها الشرعية التي وجدت هناك على مدى قرنين ونصف القرنِ وعلمنا بأن رواية " الحكومة المؤقتة " ما هي إلا جزء من ادعاءات بغداد بكامل الكويت وامتصاصها عملياِ ومهما كان الأمر، رأى خبراء وزراء الخارجية في مسائل العالم العربي الذين بحثت معهم صباح 2 أغسطس آفاق تطور الأوضاع بأن مثل هذه الوسائل والطرق ممكنة تماماِ ولم نكن نريد، والحق يقال، أن نؤمن بذلكِ فعواقب هذا التهور وخيمة للغايةِ وكنا في موسكو نقدر العلاقات مع العراق حق قدرها ولم يرغب أحد في أن يحل في شعبه أية نكبةِ وتلخصت نتائج اجتماعات العمل في وزارة الخارجية فيما يلي : يجب أن يكون رد الفعل على العدوان على النحو الذي نؤكد فيه على مخالفة العراق للقانون الدوليِ والتقيد بما لا يجوز أن نقوله في بداية الأمر وستتعلق تقديراتنا القادمة على تصرفات بغدادِ وينبغي أن يكون انسحاب القوات العراقية من الكويت بلا تأجيل وإعادة سيادة الكويت الكاملة من أهم مطالبنا في الوقت الحاضرِ ونضيف الى هذا النداء دعوة الى تسوية المسائل المتنازع عليها عن طريق المحادثاتِ ويجب أن تكون لهجة البيان حازمة وخالية من التهديد وأن تتسم بالأسف والحيرة لما حدث ويشوبها الأمل في انتصار البصيرة لحل المسألة سريعا بشكل سلميِ اتفقنا أن تبنى هذه المعاني في البيان العلني وندائنا السري الى صدام حسين على السواءِ ويجب التمسك بهذا النهج في هيئة الأمم المتحدة أيضاِ وقررنا تقديم الاقتراحات بإيقاف إمدادات الأسلحة السوفيتية الى العراقِ ويمكن القول إن هذه المسألة نشأت تلقائيا، فقد استخدمت بغداد أسلحتنا ليس لأغراض الدفاع كما نصت عليه اتفاقياتناِ وكنا أوقفنا توريد الأسلحة الى العراق في عام 1975 عندما استخدمها ضد الأكراد داخل العراق وكذلك أوقفناها عام 1980 عندما هاجمت القوات العراقية إيرانِ واستأنف إمداد العراق بالأسلحة بعد أن طردت إيران قواته الى الخلف وانتقل العراق الى مرحلة الدفاع عن أراضيه الخاصةِ ولم يكن في مثل هذا الموقف شيء معاد للعراقِ وكان موقف الاتحاد السوفيتي محصورا على الدوام في أن الأسلحة السوفيتية تورد لأغراض دفاعية فقط وكان شركاؤنا يدركون ذلك جيداِ لا أريد أن أخفي بأنه بعد ورود المعلومات عن الاعتداء العراقي المكثف نشأ عندي شعور مضجر جدا بأن بغداد " كعبلت " موسكو من جديد باستخدامها الأسلحة السوفيتية لتحقيق أهداف جائرةِ وأصبح معلوما في اليوم التالي مثلا، أن الدور الرئيسي في القفز على الكويت عين للدبابات السوفيتية " تي 72 "ِ وعندما تستعمل الأسلحة الأجنبية المشتراة بخلاف القانون الدولي فإن ظلالها السيئة تلقى على الموردين شئنا أم أبيناِ وليس من المستغرب أن موسكو لم تستطع أن تشاطر إذاعة بغداد بهجتهاِ فليس التنكيل العسكري ببلد صغير وغير مسلح تقريبا أمرا سيئا للغاية فحسب، بل أن السلاح السوفيتي استخدم لتحقيق هذا الهدفِ ولكي أسهب قليلا، فأن صحفنا المركزية كتبت في اليوم التالي 3 أغسطس بأنه " بعد العدوان العراقي المسلح على الكويت اتخذ الاتحاد السوفيتي قرارا بإيقاف إمدادات الأسلحة والمعدات العسكرية الى العراق "ِ وكانت لهذه الخطوة أهمية سياسية وعسكرية كبيرةِ ومن المميز أن الصحافة الغربية والأمريكية بشكل خاص أبرزت هذا القرار على صدر صفحاتها الأولىِ وعندما عاد أدورد شيفرنادزه من إركوتسك الى موسكو ووصل الى وزارة الخارجية، كانت لدينا مجموعة من مشروعات الوثائق من الدرجة الأولى جاهزةِ وبعد ظهور الوزير أصبح وضعي أيسرِ وما شجعني أن الوزير استحسن الوثائق المعدة بواسطتنا ولم يجر عليها تعديلات ملموسةِ وأسرني أن الاقتراحات المقدمة من قبل الوزير لميخائيل غورباتشوف الموجود في القرم نالت تفهم الرئيس وتأييدهِ وكان من بين هذه المقترحات نص بيان الحكومة السوفيتية المنشور في 2 أغسطس بواسطة وسائل الإعلام الإلكترونية والمنشور في اليوم التالي في الصحافةِ وأشير في هذا البيان الى أن أي مسائل متنازع عليها لا تبرر استخدام القوة وأن تطور الأحداث يناقض أصلا مصالح الدول العربية ويعرقل إيجاد تسوية النزاع في الشرق الأوسط ويتنافى مع اتجاهات التصحيح الإيجابية الجارية في الحياة الدوليةِ وجاء في البيان أن القيادة السوفيتية تعتقد أن " سحب القوات العراقية بلا قيد أو شرط وبلا تأجيل من الكويت من شأنه إزالة التوتر الناشئ في الخليج " و " يجب أن تعاد بالكامل سيادة واستقلال ووحدة أراضي الكويت "ِ شكلت موضوعات هذا البيان التي كتبتها كلمة تقريبا أساس موقف الاتحاد السوفيتي من الأزمة الكويتيةِ وكانت بعض عناصر هذا الموقف تدقق وتتطور فيما بعدِ غير أن الفكرة الرئيسية وهي انسحاب القوات العراقية من الكويت وإعادة سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها حافظت بالكامل على قوتها حتى نهاية الأزمةِ وأصبحت هذه الأفكار محور ارتكاز موقفنا في هيئة الأمم المتحدة في غضون النظر الى نواحي الأزمة المختلفةِ
3 طلبات كويتية
عندما تحدث لبلد مصيبة ما فان سفيره حتى لو تمالك نفسه بشكل ممتاز فلا يستطيع ضبط مشاعره الجياشةِ وكان توتر السفير الدعيج الداخلي كبيرا وباديا على ملامحهِ وعندما دخل الى مكتبي كانت جمله متقطعة وموجزة ورشيقة كعادتهاِ وانحصر جوهر خطابه فيما يلي : خرقت القوات العراقية حدود الكويت الرسمية واحتلت الجزء الشمالي من البلادِ وتوجد في الوقت الحاضر في ضواحي العاصمة ويحدث إطلاق نار على مقر رئيس الدولة ورئيس الوزراء وكذلك على المطار الدوليِ وقال السفير بأن قيادة الكويت تتوجه الى القيادة السوفيتية بطلب اتخاذ كل الإجراءات من أجل إنهاء الاعتداء العراقي في أقرب وقت ممكنِ وتطلب من موسكو الاتصال ببغداد بصورة عاجلة وكذلك تشغيل آلية مجلس الأمنِ وعدت السفير بإخطار القيادة السوفيتية بلا إبطاء بالنداء الكويتي الموجه إليهاِ وقلت إذا طلبت الكويت عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن سنؤيد مطلبهاِ وبعد أن أشرت الى أن ثمة مبادئ للقانون الدولي معترف بها من الجميع تنظم بدقة سلوك الدول، أكدت له بأن الاتحاد السوفيتي سيسترشد بها بالذات في تقدير ما حدثِ إذن، تلقينا أولا، نداء الكويت الرسمي بطلب المساعدة في أسرع وقت لوضع حد للاعتداء على الأراضي الكويتية وإنهائهِ ثانيا، تلقينا الطلب بإقامة الاتصالات مع بغداد على عجل في هذا الصددِ وثالثا، طلب تشغيل آلية مجلس الأمن للهدف ذاتهِ كانت الطلبات الثلاثة شرعية ومنطقية وتنطلق من بلد كان الاتحاد السوفيتي يحتفظ معه بعلاقات وديةِ ومن البديهي أن الاتحاد السوفيتي كدولة عظمى وعضو في مجلس الأمن يحمل على عاتقه نصيبا غير قليل من المسؤولية في المحافظة على السلام والشرعية الدوليةِ كان له الحق وحتى الالتزام المباشر في أن ينبري في أي حال للدفاع عن ضحية العدوان وحتى بلا نداء الكويت الشكلي بالطلب بنصرتهاِ ومن غير المشكوك فيه في آن واحد أن النداء الموجه كان يقوي بالنسبة للاتحاد السوفيتي الجانب المعنوي والحقوقي ويدفعه الى الفعلِ
العلاقات السوفيتية- العراقية
أقام الاتحاد السوفيتي العلاقات الدبلوماسية مع العراق عام 1944. وقطعت عام 1955 من قبل النظام الملكي العراقي (نتذكر في هذا الصدد حالا حلف بغداد)ِ وأعيد إنشاء العلاقات بعد ثورة يوليو 1958. وبدأ منذ ذلك الحين تعاوننا العسكري التكنولوجي مع العراق الذي اكتسب بالتدريج الوضع السائد في حجم الصلات العامة مع هذا البلدِ وردت الى العراق الدبابات وناقلات الأشخاص المدرعة والمدافع والمنظومات الصاروخية المتعددة الحشوات، صواريخ 'أرض - أرض '، الطائرات، المطاردات، قاذفات القنابل، المروحيات القتالية، وسائل الدفاع الجوي والاتصالات والذخائر ومهمات عسكرية أخرىِ ولم نكن نورد الأسلحة الى العراق فحسب، بل كنا نساعده في تنظيم إنتاجه العسكري الخاص أيضاِ وكان إعداد الكادر العسكري من أوجه التعاون الكبير أيضاِ فقد تخرج عدد كبير من الضباط العراقيين من المدارس والأكاديميات العسكرية السوفيتيةِ وكنا نساعد العراقيين في استيعاب المعدات العسكرية السوفيتية داخل العراق أيضاِ وبشكل قاطع لم نساعد العراق على اقتناء أسلحة الدمار الشامل : الكيميائية والبيولوجية والنووية (كانت بعض الشركات الغربية ترتكب هذه الخطايا، للأسف)ِ وأتى التعاون العسكري التكنولوجي خلال ثلاثة عقود للميزانية السوفيتية 12 بليون دولار، وهذا المبلغ ليس بقليل بالطبعِ زد على ذلك بقى العراق مدينا لنا لغاية عام 1990 بعدة بلايين الدولاراتِ واتفق على أن تتم تغطيتها بحصص متساوية بما في ذلك إمدادات النفط (ليس للاتحاد السوفيتي مباشرة، بل لحساب الإمدادات السوفيتية الى بلدان ثالثة)ِ وإذا كان حجم التعاون السوفيتي - العراقي في المجالين العسكري والمدني تتناسب ل 10 الى 1، فان الأمور في المجال غير العسكري كانت تسير بشكل لا بأس به أيضاِ فالمعدات والمنتجات الجاهزة عادلت نسبة 95% من التصدير السوفيتي الى العراقِ وكان التعاون الاقتصادي يجري كذلك، بمشاركة الاتحاد السوفيتي في بناء المنشآت الوطنية والاقتصادية المختلفة في العراق والتي كان أكبرها استثمار موقع غرب القرنة وبناء خط أنابيب الغاز الناصرية - بغداد وبناء المحطة الكهروحرارية في اليوسفيةِ وبني في العراق في السنوات التي سبقت الأزمة الكويتية مباشرة وبمشاركتنا قرابة 100 منشأةِ ونسقت الأفكار المبدئية الخاصة لتنفيذ مشاريع طويلة الأجل لتطوير التعاون التجاري والاقتصادي مع العراق حتى عام 2005ِ
يتبع ..... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الجمعة يوليو 24 2015, 20:14 | |
| الحلقه 4 في الساعات نفسها تقريبا التي كان يجري في موسكو العمل على قدم وساق لجمع المعلومات الأولية وتقديرها وإعداد مشروعات الوثائق، كانت الحياة مهتاجة في مقر الأمم المتحدةِ ومن السهل لي معرفة ما كان يحدث هناك لأني على اطلاع جيد على آلية عمل الأمم المتحدة والقواعد والعادات، خلال السنوات الأربع التي شغلت فيها منصب ممثل الاتحاد السوفيتي في مجلس الأمن، وأعرف الأشخاص الذين كان عليهم الآن اتخاذ القرارات المناسبة باسم المجتمع الدوليِ وكانت الأحداث هناك تتطور على النحو التالي : كان ممثل الولايات المتحدة الدائم توماس بيكيرينغ أحد أفضل الدبلوماسيين الأميركان المحترفين الذي تعاملت معهم، وكان أول عضو بين ال 15 الباقين في مجلس الأمن يعلم بالعدوان على الكويتِ فقد اتصل الرئيس بوش شخصيا ببيكرينغ في المساء وكلفه باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لكي يعقد سوية مع السفير الكويتي على عجل جلسة مجلس الأمنِ كان الموظفون رفيعو المستوى في الأمم المتحدة ينظرون سلبا على الأرجح، لتصرفات الولايات المتحدة ومحاولتها إعاقة سير آلية العمل بشكل مفيد وطبيعيِ ولكنهم تذكروا حالا مجلس الأمن بسبب انعدام أي شيء آخر في تلك اللحظات يمكنه مواجهة العدوان العراقي، بل كان من الواجب الرد عليه بسرعةِ ولعبت أيضا دورها حقيقة أن جورج بوش نفسه كان يشغل منصب ممثل بلاده في الأمم المتحدة ويدرك أفضل من غيره أهمية مجلس الأمن وإمكاناته من وجهة نظر تعبئة الرأي العام العالمي وتأسيس قاعدة حقوقية ضرورية لاتخاذ الخطوات اللاحقةِ وكان على مجلس الأمن إدراك ماهية هذه الإجراءات والحاجة إليهاِ وكانت الحالة غامضة بما فيه الكفاية حتى الآنِ أخبروا الأمين العام للأمم المتحدة بيريس دي كويلار عما حصل وأمر بالبدء فورا في الإعداد لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، ترأسه فيما بعد ف ِ سفرانتشوك نائبه لشؤون مجلس الأمنِ ولكن لكي تعمل آلية المجلس، لابد لدولة ما التوجه بطلب رسمي لعقد اجتماع طارئِ وحسب منطق الأشياء وجب أن تقوم الكويت بذلكِ غير أنهم لم يعثروا على ممثل الكويت الذي لم يكن يعرف شيئا عن هذه المصيبة التي حلت ببلدهِ واضطر بيكيرينغ نفسه توجيه الطلب المناسب الى الأمم المتحدة باسم الولايات المتحدة بينما جاء الطلب الكويتي ثانيا في وقت لاحقِ وفي الوقت الذي كان فيه العمل جاريا بتبليغ أعضاء مجلس الأمن ورئيسه الراهن (يتبادل رؤساء المجلس كل شهر وكان ممثل رومانيا مونتيانو رئيسا في أغسطس ) وموظفي سكرتارية الأمم المتحدة، انشغل بيكيرينغ في إعداد مشروع القرارِ وانحصرت فكرته في أن يكون قصيرا ومركزا ومكتوبا على ذلك النحو الذي لا يثير معارضة أو شكوك أحد ما من أعضاء مجلس الأمنِ نجح بيكيرينغ في ذلك واشترك معه ثمانية أعضاء آخرين في مجلس الأمن في صياغة نص القرار وهم : بريطانيا، فرنسا، كندا، فنلندا، كولومبيا، ماليزيا، أثيوبيا وكوت د إفوارِ وكان خلفي في مجلس الأمن السفير يولي فورنتسوف في ذلك الوقت في إجازة، ومثل الاتحاد السوفيتي في هذا الاجتماع نائبه الدبلوماسي المجرب جدا لوزينسكي، حيث مثل بلادنا في المجلس خلال كل أغسطس تقريباِ وفي الوقت الذي كان فيه رئيس مجلس الأمن يجري المشاورات المقررة في جدول أعماله ونواحي الجلسة المقبلة الأخرى مع أعضائه، كنا في موسكو نحلل بسرعة مشروع القرار الذي بعثه لوزينسكي ونعد مقترحاتنا الى القيادة وتعليماتنا له والخاصة بتصرفاته اللاحقةِ بدأت جلسة مجلس الأمن الرسمية في الساعة الخامسة صباحا تقريبا بتوقيت نيويوركِ ووفقا لقوانين هيئة الأمم المتحدة دعوا ممثلي الكويت والعراق كطرفين معنيين مباشرة بالمشاركة في الجلسةِ كانت كلمة ممثل الكويت محمد ابو الحسن الذي أعطيت له أولا انفعالية ومليئة بالإحساس بالغبن والحيرة بصدد هجوم 'العراق الشقيق' على الكويت التي ساعدته كثيرا في الحرب ضد إيرانِ وطالب عبد الحسن بالتدخل الفوري وسحب كافة القوات العراقيةِ وكان من الصعب انتظار كلمة أخرى منهِ ألقى 11 عضوا في مجلس الأمن كلماتِ واعتمدت كلمة ممثل الاتحاد السوفيتي لوزينسكي على بيان الحكومة السوفيتية الذي تسنى لنا إحالته إليه بسرعةِ اختتمت الجلسة في الساعة السابعة صباحا (الثالثة بعد الظهر بتوقيت موسكو) باتخاذ القرار 660 بالإجماعِ صوت مع القرار 14 عضوا (امتنع ممثل اليمن عن التصويت بسبب عدم توفر تعليمات له من حكومته حسب تصريحه)ِ بالتالي حدد مجلس الأمن في اليوم الأول من الأزمة موقفه منها وصاغ مطالبه تجاه بغدادِ وكانت الفاعلية التي بدا عليها مجلس الأمن تتناسب مع حالة الطوارئ ذاتها التي وجدت فيها دولة صغيرة نفسها ضحية عدوان سافر ومباشر ولم يكن بوسعها مواجهة العدوان وواجهت خطر احتلال أراضيها بالكاملِ وكان من غير المسموح به التمهل في مثل هذا الوضعِ وأكد مجلس الأمن بأنه رد بالفعل على العدوان وبسرعة وبصورة مماثلة وأدى واجبه الملقى على عاتقه حسب ميثاق الأمم المتحدةِ وثمة حقيقة بسيطة ساعد انتهاء 'الحرب الباردة' الأمم المتحدة في انبثاق "'نفس ثان' وولد المقدمات لإنجاح رسالتها الرئيسية المتمثلة بالسهر على مصالح السلام الدولي والأمن العالميِ وبما أنهم سيشيرون في المستقبل مرارا إلى القرار رقم 660 في الأمم المتحدة وخارجها، فمن الضروري النظر إليه: أعرب مجلس الأمن في مقدمة القرار عن قلقه من العدوان العراقي المسلح على الكويت ووصفه كخرق فاضح للسلام والأمن الدوليِ وكما نرى فهو وصف واقعي وموضوعيِ وجاء كذلك في بنود القرار بأن مجلس الأمن: 1 ـ يستنكر عدوان العراق على الكويتِ 2 ـ يطالب العراق بسحب جميع قواته الى المواقع التي كانت تشغلها في 1 أغسطس 1990 بلا تأجيل وبلا قيد أو شرطِ 3 ـ يدعو العراق والكويت الى البدء بمحادثات مكثفة من أجل تسوية خلافاتهما ويؤيد كافة الجهود في هذا الصدد وبالأخص الجهود التي قامت بها جامعة الدول العربيةِ 4 ـ تقرر عقد جلسة جديدة إذا اقتضى الأمر لأجل النظر ومتابعة تنفيذ هذا القرارِ أعتقد بأنه حتى أكثر التفسيرات تعنتا لن تستطيع كشف مبادئ سياسية مفرطة في هذا القرار أو تعمد لإثارة رد فعل بغداد برفضهِ بل على العكس، حافظ على لهجة لبقة الى حدها الأقصى والمطالب الموجهة الى بغداد في حدها الأدنى: إعادة القوات الى مواقعها السابقة ِِ فحسبِ وأخيرا يتضمن القرار نصيحة طيبة تعطي بغداد مخرجا لائقا وحتى رشيقا من الوضع بالإشارة الى الجلوس خلف طاولة المباحثات، لا سيما ان مجلس الأمن وجه نداء مماثلا الى الكويت، بالرغم من أن إجراء المحادثات من قبل الكويت كجانب منكوب بعد العدوان العراقي مسألة محرجة سياسياِ وفتحت الإشارة المتضمنة في القرار الى تأييد المجلس لجهود جامعة الدول العربية في دورها أمام بغداد قناة للتسوية الملائمة، إذا كانت أهدافها منصبة على الأراضي الحدودية والأموال فقطِ وكان على العراق في أي حال من الأحوال القيام بخطوات جوابيةِ ولكن بغداد تجاهلت القرار، وحتى لم توقف تقدم قواتها في العمق الكويتي وسارت قدما لاحتلال البلد بأكملهِ الاتصالات الدبلوماسية
لنعد الآن الى موسكو في 2 أغسطس نفسهِ استدعيت ظهرا الى وزارة الخارجية السفير العراقي غافل جاسم حسينِ أولا، سلمته بيان الحكومة السوفيتية لنقله الى بغداد ورفقت معه بعض التعليقات: وصفت أعمال العراق كعدوان عسكري ونوهت بأن لهجة بياننا اللينة لا ينبغي أن تفسر بعدم استعدادنا لإعطاء التقدير المستحق علنا لهذه الأعمال في المستقبلِ وأشرت الى ضرورة انسحاب القوات العراقية بلا تأجيل وإعادة السيادة الكويتية بالكاملِ ثانيا، أحلت الى السفير نص نداء القيادة السوفيتية الى الرئيس العراقي صدام حسينِ وأعرب فيه عن القلق العميق والأسف للعدوان العراقي المسلح ضد الكويتِ وفي غضون ذلك وصف هذه الأعمال كمخالفة صارخة للقانون الدوليِ وسلط البيان الضوء على العواقب الوخيمة الناجمة عن هذا الفعل على المستوى الدولي، آخذين بنظر الاعتبار حضور الأساطيل الأجنبية الى الخليجِ وأعرب فيه عن الأمل في أن العراق سيكف عن استعمال القوة العسكرية ضد الكويت وسيتخذ قراره المعقول الوحيد وهو سحب قواته من الكويت بلا تأجيل وبلا قيد أو شرط واللجوء الى حل المسائل المتنازع عليها بالطرق والآليات المعروفة في مثل هذه الأحوالِ وجاء في النداء ان الاتحاد السوفيتي مستعد لإبداء المساعدة في هذا الاتجاه، شرط أن يعاد الوضع كما كان عليه قبل كل شيءِ ثالثا، لفت نظر السفير الى قرار مجلس الأمن المتخذ توا وأشرت الى أن الاتحاد السوفيتي صوت لصالحه وأنه يعبر عن وجهة نظرنا عن الحالة الناشئةِ وقلت للسفير إننا ندعو العراق للامتثال لهذا القرار والعمل على تنفيذه ورفضه يعتبر خطوة خطيرة، لا سيما انه يتطابق بشكل كامل مع البند السابع لميثاق الأمم المتحدة مع كل العواقب الحقوقية والسياسية المبنية على أساسهِ رابعا، تناولت مع السفير مسألة إمدادات الأسلحة السوفيتية الى العراق وأكدت له انه في الظروف الراهنة طرح السؤال حول إمكانية استمرارها وأن الأمر ستناقشه الحكومة السوفيتية بجدِ وأعربت عن الأمل في أن القيادة العراقية ستأخذ بنظر الاعتبار هذه المسألة خلال تحديد موقفها من قرار مجلس الأمنِ خامسا، طرحت قضية تأمين سلامة المواطنين السوفيت القاطنين في الكويت معربا عن أملي في أن حكومة العراق وقيادتها العسكرية ستتخذان كافة الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلكِ وأكد السفير انه سيطلع قيادته فورا على ما دار بينناِ وحاول الإثبات بدوره ان القوات العراقية دخلت الكويت بمطلب من المعارضة الكويتية التي هبت، كما زعم، ضد النظام الحاكمِ وأنه قد تشكلت في الكويت حكومة حرة جديدة وهي التي توجهت الى العراق بطلب مساعدة وأن القوات العراقية ستنسحب حال أن تستتب الأوضاعِ أجبته اننا سنستمر باعترافنا بتلك الحكومة التي كانت تحكم في الكويت حتى اليوم الراهنِ وأفهمته بوضوح أننا لا نثق بثبات الرواية التي تزعم بوجود معارضة توجهت من أجل الحصول على 'مساعدة'ِ وافترقنا عند هذه الجملةِ ولا أظن انه كان يشعر بالارتياح النفسي وهو يعد البرقية العاجلة الى بغداد التي يعرض فيها موقف الاتحاد السوفيتي من عدوان بلاده على الكويتِ ولم تنته أحداث اليوم الأول من الأزمة بذلك عندنا، فقد برز تطور هام: اقترح علينا الأميركان عقد لقاء عاجل وقصير بين بيكر وشيفرنادزه في موسكو في 3 أغسطس في طريق عودة وزير الخارجية الأميركي من منغوليا الى الولايات المتحدة وكذلك نشر بيان سوفيتي - أميركي مشترك خاص بالكويتِ ولدت فكرة هذا اللقاء لدى الأميركان في موسكو وأخبر بها بيكر الرئيس بوش باتصاله الهاتفي من أولان باتور وحصل على استحسان رئيسهِ ولا أخفي أنه لحظتها كان ينتابنا بعض الترددِ فقد كان هناك قرار مجلس الأمن وأعلنت موسكو وواشنطن على انفراد بياناتهما الحكوميةِ وبدا أن هذا كان كافيا في البدايةِ ومن جهة أخرى، لم يبحث هذا الموضوع في إركوتسك تقريبا وتجلت الآن بوضوح أهداف العملية واسعة النطاق وثمة بالتالي مسألة بحاجة الى تبادل الآراءِ في النهاية، أمر شيفرنادزه بعد أن تحدث بالهاتف مع غورباتشوف بتهيئة اللقاء ومشروع البيان المشتركِ وتم تكليف مساعد الوزير سِ تراسينكو ممثلا لطرفنا ودنيس روس، أحد أقرب الأشخاص لبيكر والخبير في شؤون الشرق الأوسط والذي وجد نفسه في تلك اللحظة في موسكو، ممثلا للطرف الأميركيِ ولد البيان المشترك بمخاض عسير، لأن الأميركان كانوا يميلون الى استخدام كلمات وعبارات لاذعة من شأنها أن تعقد حوارنا مع بغداد في المستقبلِ وكان من الواجب الحفاظ على قناة الاتصال هذه في إطارها العامِ وافقنا على المسودة الخامسة فقط وأبدينا موقفنا الملخص بأننا سنذود عن مصالحنا في الشرق الأوسط ولا يمكننا الانطلاق وفق المصالح الأميركية بالكاملِ ولهذا السبب أطلق بيكر في مذكراته الكثير من السهام نحو 'المستعربين في وزارة الخارجية السوفيتية'ِ عددت في كتابه عشرين صفحة على الأقل وبمختلف الأسباب ملاحظات غير راضية بهذا الصدد مثل 'عناد المستعربين السوفيت' و'عواطفهم'، كما زعم، الموالية لصدام حسينِ والتقيت في 3 أغسطس من جديد بالسفير الكويتي عبد المحسن يوسف الدعيج وأخبرته بالخطوات التي اتخذها الاتحاد السوفيتي من أجل إنهاء العدوان العراقي: بيان الحكومة وقرار إيقاف إمدادات الأسلحة وتصويتنا في مجلس الأمنِ وقد عرف السفير ذلك من صحف الصباح، بل سمع لأول مرة عن حديثي الذي دار أمس مع السفير العراقي وعن مضمون نداء القيادة السوفيتية الى صدام حسين شخصياِ أبلغته كذلك أن السفراء السوفيت حصلوا على تعليمات كاملة بشأن تشكيل رأي عام واسع بغية التأثير على بغداد لغرض دفعها لتنفيذ قرار مجلس الأمن بلا تأجيلِ وحدثته عن لقاء شيفرنادزه المقبل مع بيكر واحتمال إعلان بيان مشترك الذي كما نأمل سيساعد المجتمع الدولي لحث العراق على سحب قواته بأسرع وقت من الكويتِ شكر السفير من صميم قلبه الاتحاد السوفيتي على موقفه العادل والموضوعي، غير أنه لم يكن يشعر بالتفاؤل من آفاق التغلب السريع على الأزمةِ وأوضح موقفه لأول مرة بأن الجانب الكويتي مع الرأي الداعم لفكرة أن الحصار الاقتصادي وحظر تصدير النفط العراقي بالكامل ستكون أكثر الإجراءات فعالية للتأثير على بغدادِ وبعد الحديث مع الدعيج، جاء دور السفير العراقي غافل جاسم حسينِ وبالاتفاق مع الوزير أبلغته أيضا عن وصول بيكر واحتمال صدور بيان سوفيتي - أميركي مشترك وأعلمته أنه قد ظهر في مجلس الأمن مشروع (غير رسمي حتى الآن) بإصدار قرار يفرض عقوبات اقتصادية واسعة على العراق في حالة عدم تنفيذه قرار مجلس الأمن القاضي بسحب القوات المسلحةِ وأشرت الى أنه تزداد في مجلس الأمن الرغبة لصالح اتخاذ مثل هذا القرار وقد يتخذ في غضون ال 48 ساعة القادمةِ لذلك سيعمل أي تهاون وتأجيل في سحب القوات العراقية من الكويت لصالح صدور قرار العقوباتِ
لا حل سريعا
لنلاحظ أن الاتحاد السوفيتي أراد حل الأزمة بوسائل غير عسكريةِ وينحصر في هذا معنى لقاء اليوم مع بيكرِ ولا ينبغي تجاهل احتمال نشوء وضع ستلجأ عنده الولايات المتحدة الى القوةِ وتلخص جوهر كل ما قيل في أمر واحد: يجب أن تنصرفوا من الكويت في أسرع وقتِ ووعد السفير بإطلاع بغداد حالا على نتائج حوارناِ ولم يكن لديه أي شيء جديد بالنسبة لناِ في الحقيقة لم نبن آمالا خاصة على حل سريع وسهل للأزمة بعد أن كشفت بغداد من خلال تصريحاتها وتفسيراتها في بغداد والأمم المتحدة عن حقيقة نواياها حيال الكويتِ فقد وقع كل البلد عمليا تحت الاحتلال العراقيِ ودلت البرقيات الواردة من السفارة (يقصد السفارة السوفيتية في الكويت ولم يحددها سهوا على الأرجح) على أن الاجتياح كان مفاجئا وبلا أي استفزاز من الجانب الكويتيِ وكانت التأكيدات العراقية حول اندلاع الثورة الكويتية وتأسيس حكومة جديدة التي عجلت من دخول القوات العراقية، كما يزعمون، لمساعدتها، ليست سوى كذب مكشوفِ لم يكن لكل هذه التطورات، إلا أن تنعكس على لقاء رئيسي دائرتي السياسة الخارجية السوفيتية والأميركية المنعقد في مساء 3 أغسطس في المطار الموسكوفي " فنوكوفو - 2 "ِ وأوضح شيفرنادزه وبيكر في كتابيهما أفكارهما وانفعالاتهما ولم يتطرقا الى محتوى أحاديثهما بصدد الواقعة نفسها في هذه المرحلة المبكرة والهامة والحرجة جدا للأزمة والتي أرسى فيها الأساس للتعامل السوفيتي - الأميركي معهاِ وإن حدد كل من الطرفين موقفه المبدئي ومطالبه تجاه بغداد بشكل مستقل تماما، فإن اللقاء في مطار " فنوكوفو " مكن من المقارنة بين هذين الموقفين وعملية تبادل المعلومات وأوضح نوايا بعضهما البعض بصدد الأزمة والاتفاق على التعامل ومقاييسه واتجاهات الجهود الرئيسية لدعمهِ وكما يشهد بيكر بنفسه، حصل شيفرنادزه منه على تأكيد بخصوص عدم وجود نية للولايات المتحدة للجوء والانتقال الى الأعمال الحربيةِ وقد يحدث استثناء واحد، إذا اقتضى الأمر، لإنقاذ مواطنيها على وجه السرعة فحسبِ وركز في البيان المشترك الخاص بنتائج اللقاء على الاهتمام بتنفيذ قرار مجلس الأمن 660 فوراِ وبرز عنصر جديد، بالإشارة الى ضرورة إعادة الحكم الشرعي في الكويتِ ووجه الى بغداد الإنذار بأن 'المجتمع الدولي لا يستطيع التسليم بالعدوان أو أن يساعده'ِ وشدد شيفرنادزه في المؤتمر الصحافي المنعقد في المطار على هذا الإنذار بقوله: إذا لم ينفذ العراق قرار مجلس الأمن 660 فسيطرح في جدول أعماله مشروع قرار آخر يكون الأساس لاتخاذ الإجراءات المناسبةِ وأشار الى أنه لا توجد للاتحاد السوفيتي خطط للتدخل العسكريِ وأريد هنا التوقف عند مسألة، فقد حدد بيكر في مذكراته مواقف الطرفين والإعداد للقاء الذي تم على النحو الذي ذكرناهِ وأعطى الانطباع بأن قرار إيقاف إمدادات الأسلحة الى العراق جاء بفضل الدبلوماسية الأميركية التي بذلت، كما زعم، قصارى جهدها لحث الاتحاد السوفيتي على الموافقة لإصدار البيانِ ولم تنبس شفتا بيكر بحقيقة أن الاتحاد السوفيتي اتخذ قرار عدم توريد الأسلحة من طرف واحد وأعلنه قبل يوم من لقاء 'فنوككوفو - 2'ِ وإذا استند الاتحاد السوفيتي على منطق الأشياء في اتخاذ قراره هذا، فعلى مصدري الأسلحة الآخرين الاحتذاء حذوهِ ولم تنحصر القضية في أن القرار كان رسالة الى الآخرين، بل في أن القرار بقي بدون رد فعل منهمِ ولهذا السبب طرح شيفرنادزه أمام بيكر موقف فرنسا التي تعتبر البلد الثاني بعد الاتحاد السوفيتي من حيث إمداد العراق بالأسلحةِ وبعد أن أعطى بيكر ضمانات بأن باريس سترد إيجابيا على البيان، أكد أن مبعوثا أميركيا قد أرسل في مهمة مماثلة الى المورد الثالث من حيث الكمية وهو الصينِ وبعد هذه التأكيدات رفع القوسان من الفقرة التي تضمنتها مسودة البيان السوفيتي - الأميركي المشترك والموجه الى البلدان الثالثةِ وطالما عرجت على مذكرات جيمس بيكر، فلابد الإشارة الى مسألة هامة وقد تكون متحيزة ( أو متصنعة ) عندما كان يظهر وزير الخارجية الأميركية على طريقة ال " شو " الأميركية بأنه المخرج الرئيسي للأحداثِ وقولي هذا ليس للاستخفاف ولا لتقليل دور الولايات المتحدة بالمرة، فقد كان فاعلا وكبيرا ورئيسيا في بعض النواحيِ وكان بيكر يعمل في الكثير من الحالات بنشاط ودقة، وكما يقال فإنه جدير بالثناء والمديحِ غير أن سلوك الدول الأخرى إزاء الأزمة الكويتية بهذه الصورة أو تلك لم يكن متطابقا مع إرادة واشنطن، بل اتخذت مواقفها مع ما تمليها مصالحها الخاصة ورؤية بلدهاِ ويخص هذا الكيفية التي تعاملت بها موسكو مع مجريات الأحداثِ وضع لقاء " فنوكوفو - 2 " حيث تم الاتفاق على إجراء مشاورات سوفيتية - أميركية وثيقة خاصة بأزمة الكويت، البداية لسلسلة طويلة ومكثفة للاتصالات التي جرت في موسكو وواشنطن ونيويورك وكذلك من خلال تبادل الرسائل والاتصالات الهاتفية بين رئيسي الدولتين ووزيري الخارجيةِ ويكفي القول أن 11 اتصالا هاتفيا تمت بين شيفرنادزه وبيكر جرت في أغسطس 1990 وحدهِ وكان علي في هذه الناحية وبصورة رئيسية أن أجري الاتصالات مع سفير الولايات المتحدة في موسكو جاك ميتلوكِ
كلمة مندوب العراق
لكن ما أذهل بالفعل أعضاء مجلس الأمن كانت الكلمة الجوابية لممثل العراقِ أوردها بالكامل تقريبا بسبب إيجازها (وترجمتها من اللغة الإنكليزية) جاء فيها : 'يتلخص موقف حكومة بلدي فيما يلي: أولا، تعتبر الأحداث الجارية في الكويت شأنا داخليا يخصها وليس للعراق علاقة بهاِ ثانيا، توجهت حكومة الكويت المؤقتة الحرة الى حكومتي بطلب المساعدة في إحلال الأمن والنظام لكي لا يضطر الكويتيون للمعاناةِ واضطرت حكومتي الى تقديم مثل هذه المساعدة على أساس الطلب المذكورِ ثالثا، تعلن حكومة العراق بشكل قاطع أن ليس لديها أطماع في الكويت وترغب في بناء علاقات حسن جوار معهاِ رابعا، سيحدد الكويتيون بأنفسهم مستقبلهم في نهاية الأمرِ وستسحب القوات المسلحة العراقية فورا بعد استتاب النظام الذي يعد مطلب حكومة الكويت المؤقتة الحرةِ ونأمل أن ذلك سيتحقق خلال أيام أو بضعة أسابيعِ خامسا، كما نعلم، تم إسقاط الحكومة الكويتية وهناك الآن حكومة جديدةِ وبناء على ذلك لا يمثلها الشخص الذي يشغل هنا مكان الكويت ولا يمكن أن تسري تصريحاتهِ من اليسر ملاحظة أن أيا من تأكيدات ممثل العراق الواردة أعلاه لا تمت بأي شكل الى الحقيقة: لم يكن هناك إسقاط للحكومة الشرعية من قبل كويتيين ولا طلب مساعدة من قبل حكومة الكويت الحرة لأن مثل هذه الحكومة غير موجودة ببساطةِ ولا توجد حاجة لتوفير الأمن والنظام في الكويت لأنه لم يخل أحد بالنظام ولم يهدد الأمنِ ولم تكن ثمة حاجة لإنقاذ الكويتيين من المعاناة، لأن كل بلد كان يحسد ظروف الحياة في الكويتِ ولم يتمكن، بالطبع، إثارة أي شيء سوى الضحك، ما ذكر في البداية بأن أحداث الكويت ليست لها علاقة بالعراقِ غير أن التناقض الأكبر، لم ينحصر في كذب البيان العراقي، بل في دعاية بغداد الرسمية التي بدأت بعد عدة أيام وبرهنت على شيء مخالف تماما وهو، أن كل شيء يجري في الكويت هو شأن عراقي داخلي فالكويت هي جزء من العراق الواحدِ وأزاح العراقيون ستر الدخان التي كانوا ينفثونها في الأمم المتحدة مثل 'أن حكومة العراق ليست لها أغراض في الكويت 'وأنها ' ترغب في بناء علاقات حسن جوار مع الكويت'ِ لقد وقعت تصريحات ممثل العراق على أعضاء مجلس الأمن كالكرب، وسقطت في الحال.
يتبع ..... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف السبت يوليو 25 2015, 11:52 | |
| الحلقه 5
تابعنا في وزارة الخارجية بصورة دقيقة ردود الفعل العالمية على العدوان العراقي ضد الكويتِ واعتمدنا في هذا الصدد على تصريحات المسؤولين الكبار والمعلومات والأخبار الواردة من سفاراتنا ووكالات الأنباء وآراء ممثلي البعثات الدبلوماسية العاملة في موسكو ومصادر أخرىِ وكان من الواضح فورا أن الغرب أجمع على ادانة وعدم قبول الفعل العراقي قطعياِ وفي غضون ذلك لم تعط الحكومات الغربية تقديرها السياسي والحقوقي بذلك الحزم فحسب، بل كانت تتخذ اجراءات عملية موجهة الى حماية مصالح الكويت الاقتصادية والمالية والضغط على العراقِ وفرضت بعض البلدان العقوبات دون أن تنتظر قرارات الأمم المتحدة ومن طرف واحدِ واتخذت بلدان الاتحاد الأوروبي قرارا جماعيا في هذا الشأن وأخبرنا به سفير ايطاليا كونه ممثل البلد الذي يترأس الاتحاد في دورته الحاليةِ وتطورت الأحداث في الولايات المتحدة على النحو التالي: في صباح 2 أغسطس سافر الرئيس بوش الى ولاية كولورادو لحضور مراسم منح جائزة معهد أسبين لرئيسة وزراء بريطانيا مرغريت تاتشرِ واتفق جميع الباحثين الغربيين على أن لقاءات بوش وتاتشر في أسبين وأحاديثهما الطويلة لعبت دورا كبيرا جدا في تحديد موقف الرئيس الأميركي من أزمة الكويت وطرق التغلب عليهاِ كان بوسع العربية السعودية وحدها، كونها البلد الوحيد الذي يجاور الكويت وفي الوقت نفسه لها حدود خاصة مع العراق، في أن تكون مجالا طبيعيا وأكثر ملاءمة لتركيز ونشر القواتِ وركز الرئيس الأميركي بعد اعطائه أوامره بمرابطة حاملات الطائرات الأميركية في منطقة الخليج جل اهتمامه على السعودية وغيرها من البلدان العربية الرئيسية التي كانت الكثير من الأمور تتعلق بمواقفهاِ وكان العالم العربي، أو بعبارة أخرى، مجموعة البلدان التي يجمعها الدين واللغة والتقاليد والثقافة المشتركة في تسعينات القرن العشرين مختلفة عن بعضها بشكل ملموس، ليس بمقدار ما تمتلكه من أراض وسكان فحسب، بل بطراز الدولة والأنظمة السياسية ومستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي وتوجه السياسة الخارجية وبعض المقاييس الأخرى أيضاِ وكانت العلاقات تتشكل بتباين فيما بينها، ونقصد في المقام الأول عواطف النخب الحاكمة وتنافرهاِ وفي خلفية حدث غير عادي كاستيلاء العراق على الكويت، لم تكن ردود أفعالها ذات مدلول واحد وتغيرت بناء على سير الأحداث ونتيجة لتأثير القوى الخارجية العربية وغير العربية على السواءِ وأصبح الاستيلاء على الكويت بالنسبة للكثيرين، وخاصة الأكثرية في بلدان الخليج، صدمة مروعةِ ولم يعلنوا في بلدان الخليج لا في الصحافة ولا في التلفزيون أو الاذاعة أي شيء عما حصل خلال عدة أيامِ ولكن هذا الصمت عوضته المكالمات الهاتفية بين رؤساء الدول والوزراء في محاولة لاستيضاح ما يحدث والبحث عن وسائل للتصرف لاحقاِ وكانت بغداد بطبيعة الحال، في غضون ذلك، مركزا لجذب الاهتمام العام حيث توقف عليها كل شيءِ غير أن بغداد اتخذت أسلوب العجرفة والتحدي كأنها تفهم الجميع موقعها في العالم العربيِ وكما حدثني الأمير السعودي بندر، حاول الملك فهد بلا جدوى في تلك الليلة عندما شن العدوان الاتصال هاتفيا بصدام حسينِ وتسنى له ذلك في اليوم التالي فقطِ طلب الملك منه أن يسحب القوات بلا تأجيل وحاول اقناعه بضرورة حل المشاكل بين الدول العربية بالوسائل السلميةِ غير أن الرئيس العراقي، حسب قول بندر، رد بسخرية وحول مجرى الحديث الى مواضيع أخرىِ وكما حدثني السفير الجزائري في موسكو عن محاولة أخرى قام بها الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد في اليوم التاليِ وحسب أقوال السفير، طالب بن جديد في مكالمة هاتفية صدام حسين بسحب القوات فورا من الأراضي الكويتيةِ ولم يتلق جوابا مرضياِ وبعدها أجرى اتصالاته كونه رئيس اتحاد المغرب العربي مع رؤساء هذه الدول لغرض تنسيق المواقفِ وكان حديث الرئيس العراقي مع ملك الأردن في صباح 2 أغسطس مميزا جدا أيضاِ وحسب قول الملك الأردني أنذره صدام بأن الحديث لن يدور حول سحب القوات العراقية من الكويت اذا حاول العرب ادانة بغداد بسبب تدخلها في الكويتِ وصل الملك حسين الى الاسكندرية، حيث كان فيها الرئيس المصري حسني مبارك في ذلك الوقت ليحيل اليه الانذارِ وكان حسني مبارك غاضبا من الزعيم العراقي لأنه يظن بأنه خدعه عندما وعده بعدم استخدام القوة ضد الكويتِ ومع ذلك رأى الرئيس المصري حل مشكلة الكويت بسرعة، لاسيما ان وزراء الخارجية العرب أخذوا بالتوافد على القاهرةِ وطلب من الملك حسين أن يذهب بلا ابطاء الى بغداد ويتفق على عقد لقاء قمة عربي مصغر بمشاركة صدام حسين ورؤساء دول الخليج العربية ومصر والأردنِ واقترح مبارك أن تتم تسوية الأزمة التي هي هدف لقاء القمة الرئيسي بالشكل التالي: تترك القوات العراقية الكويت ويعود آل الصباح الى هناك وبعد ذلك تجرى المحادثات العراقية الكويتية بتلميح مسبق بأنها سترضي العراقِ وبينما كان مبارك والملك حسين يتحادثان في الأسكندرية اتصل الرئيس الأميركي جورج بوش هاتفيا بالرئيس مبارك، الأمر الذي مكنه التحدث مع الزعيمين العربيين في آن واحدِ وكتب الرئيس الأميركي فيما بعد حول هذا الحديث ما يلي: 'أخبرني الملك حسين بأنه ينوي زيارة السعودية والعراق فوراِ وقال لي: أبتهل اليكم يا سيدي أن تحافظوا على اطمئنانكمِ نود العمل لحل الأزمة في الاطار العربي وايجاد السبل التي من شأنها وضع الأسس لمستقبل أحسن'ِ قلت للملك ان العالم لن يقبل الوضع الراهن وأنه غير مقبول للولايات المتحدةِ وقلت له: انني على يقين بأن صدام حسين يعرف هذا ولكن تستطيعون ابلاغه به باسميِ أجاب الملك قائلا ان العراق مليئة عزما على مغادرة الكويت بأسرع وقت ممكن وربما خلال عدة أيامِ ووعد بالتوصل لتحقيق ذلكِ وأوضح مبارك انهم سيحاولون اتخاذ قرار بسحب القوات ولا يغفل حكومة الكويتِ وطلب مني: جورج أعطنا يومين لأجل بحث هذا القرارِ تحدثت عن الاجراءات الاقتصادية المتخذة من قبلنا وقلت: قد ينشأ استثناء واحد بالطبع، اذا برز خطر ما بالنسبة للأميركان حيث سيكون كل شيء على نحو آخرِ أيد حسني مبارك العقوبات ـ وان لم أطرح هذه المسألة خصيصا ـ وقال: سأتكلم مع صدام حسين وسأبقي اتصالاتي مع السعوديينِ قلت: هذا مهم جداِ قولوا من فضلكم لصدام حسين إن الولايات المتحدة مهمومة جدا جراء تصرفاته وكذلك الدول الأخرى ستسعى في هذا الشأنِ وتعرفون يا صديقي ماذا يعني هذاِ قولوا ذلك لصدام اذا شئتمِ وأجاب حسني مبارك بأنه سيقوم بذلكِ يتضح الآن أن خطة حسني مبارك افترضت حل الأزمة عن طريق ايجاد حلول وسطِ وأخذ الملك حسين وان كان ذلك بلا حماس، على عاتقه نقل الرسالة المقترحة عليهِ لكنه كف عن مناقشة خطة مبارك كما قال ذلك بنفسه فيما بعد واحتار في مسألة طرح فكرة عقد لقاء القمة المصغرِ بقي أمامنا أن نظن بأن الملك حسين اما كان يعرف نوايا صدام حسين أو توقعها أو انطلق من استحالة التوصل الى اتفاق معه حول اعادة الحكم الشرعي الى الكويتِ هكذا فشلت المحاولة الأولى الرامية إلى ايجاد 'الحل العربي' لمشكلة تحرير الكويتِ وأكد بيان لمجلس قيادة الثورة العراقي المذاع من راديو بغداد في 3 أغسطس على أن بغداد لا تنوي البحث عن حلول وسطِ واستبعد هذا البيان امكان عودة عائلة الصباح الحاكمة الى وطنها الكويتِ ووعد في البدء بسحب القوات العرقية في 5 أغسطسِ قوض رفض بغداد النظر في اعادة السلطة الشرعية الى الكويت في جوهر الأمر، فرصة البحث الناجح عن حل وسط في الاطار العربي أو الشامل على السواءِ وفي هذه الأثناء، اتخذ مجلس جامعة الدول العربية المنعقد في 2 أغسطس بطلب من الكويت بعد جدال طويل قرارا استنكر فيه 'العدوان العراقي' على دولة الكويت و'سفك الدماء وتدمير الممتلكات' ودعا العراق الى 'سحب قواته فورا وبلا قيد أو شرط الى المواقع التي كانت تحتلها في 1 أغسطس'ِ صوت العراق واليمن وموريتانيا والسودان ضد القرار وامتنعت منظمة التحرير الفلسطينية والأردن عن التصويت وغابت ليبيا عن حضور الجلسةِ وأثرت عوامل كثيرة على توزيع الأصوات: البعد الجغرافي عن مركز الأحداث، طبيعة العلاقات مع العراق (كان العراق يقدم مساعدات مالية وعسكرية لبعض البلدان العربية وخاصة موريتانيا والسودان) وخصائص الموقف من النظام القائم في الكويتِِِالخِ ومن الهام أن مجلس جامعة الدول العربية اتخذ القرار نفسه الذي اتخذه قبل ساعات مجلس الأمن الدوليِ وبذلك أرسيت البداية لتشكيل موقف موحد بين الأمم المتحدة كمنظمة دولية وجامعة الدول العربية كمنظمة إقليمية لغرض إيجاد الطرق والوسائل لإعادة السلام والأمن اللذين خرقا بالعدوان العراقيِ وبدأت الدول العربية تعرب عن موقفها السلبي مما حدث على انفراد أيضاِ وكانت سوريا في مقدمة الدول التي استنكرت أفعال بغداد بحزم وطالبت بمغادرتها فورا من الكويتِ وأعربت عن موقفها في نهاية الأمر، علنا باقي الدول العربية، بل عملت ذلك في مختلف المجالاتِ ولكنه من المميز أن أيا من الحكومات العربية، حتى تلك التي تتعاطف مع بغداد لم تؤيد علنا العدوان العراقيِ وجدت المملكة العربية السعودية نفسها، بطبيعة الحال، في حالة معقدة للغاية والأكثر حساسيةِ فقد كانت تشعر بالأمان النسبي وترى أن الخطر الخارجي الرئيسي ضدها مصدره إيران ويشوب علاقاتها مع اليمن بعض النفور وكانت تخشى الطائرات الإسرائيليةِ وكانت ترى في العراق على الدوام الصديق والحليف تقريبا، لاسيما ان الرياض قدمت للعراق خلال حربها ضد إيران مبالغ بلا مقابل و قروضا تقدر بنحو 16 مليار دولارِ وسمح كل ذلك للملكة العربية السعودية وهي بلد سكانه 11 مليون نسمة وغني جدا أن تكتفي بقوات مسلحة مرصوصة جدا: 40 ألف شخص في القوات البرية و 250 دبابة و140 طائرة و 35 ألف شخص في الحرس الوطني (وهو عبارة عن فصائل بدوية مزودة بالأسلحة الخفيفة أساسا)ِ لا يمكن حتى الحديث على أن هذه القوات تستطيع مواجهة قوة العراق العسكرية إذا أرادت بغداد مواصلة القفز نحو الجنوب، حيث تناسب القوات البرية السعودية والعراقية 1 الى 17ِ وكانوا في الرياض يدركون ذلك جيداِ وفي 3 أغسطس تسربت إحدى الوحدات العسكرية العراقية الى الأراضي السعودية بحدود 10 كيلومترات تقريبا، الأمر الذي دفع رئيس هيئة الأركان السعودية الى الاتصال على عجل عبر الخط الساخن مع نظيره العراقيِ واعتذر الجانب العراقي وحتى وجه 'فاكس' أكد فيه بأنه 'إذا أدخل جندي عراقي واحد أصبعه عبر الحدود فسيقطعون يده كلها'ِ غير أن التدخل تكرر في مكان آخر بعد 6 ساعات ولم يرغب أحد من المسؤولين العراقيين هذه المرة، الإجابة على تلفون الجنرال السعوديِ وبعد 6 ساعات أخرى حصل تدخل آخر وفي هذه المرة قطع الخط الساخن تماماِ من المفهوم أن مظاهر استعراض القوة هذه (مهما كانت بواعثها) تثير الشك في متانة معاهدة عدم الاعتداء الموقعة بين البلدين عام 1989 وتأكيدات نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزة إبراهيم الذي زار السعودية في 3 أغسطس بعد المكالمة الهاتفية التي أجراها الملك فهد وصدام حسين، حيث دل تصريحه القاطع باسم صدام حسين بأن التغييرات الجارية في الكويت لا رجعة فيها وأن السعودية ستضطر للعيش من الآن فصاعدا تحت سيف ديموقليس التوسع العراقي وبالأخص أن الطريق الى الإمارات العربية المتحدة التي كانت بغداد تتهمها الى جانب الكويت بالمشاركة في المؤامرة المعادية للعراق، يمر عبر السعوديةِ أجرى الرئيس جورج بوش أول حديث هاتفي (بعد الاستيلاء على الكويت) مع الملك فهد من أسبين في 2 أغسطسِ ويتذكر بوش قائلا: 'كان الملك مستعجلا وكان المترجم يلحقه بصعوبةِ تحدث فهد انه حاول قبل الضربة العراقية حل التناقضات العراقية ـ الكويتية وكان كلا الطرفين يعربان في سير المحادثات عن استعدادهما لذلكِ وحتى أن صدام أكد للسعوديين انه لا توجد لديه اهتمامات بالاعتداء على الكويتِ ونوه الملك بغضب بأن صدام تصرف على العكس من ذلك تماما، لأنه مغرور ولا يدرك عواقب أعماله التي أخلت بالنظام الدولي ويفكر فقط بمصالحه الشخصيةِ وقال الملك: آمل في حل القضية بوسائل سلميةِ وإذا لم يحدث ذلك فيجب تلقينه درسا قاسيا لكي يحفظه مدى الحياة إذا بقي حيا'ِ اقترح بوش في سير الحديث على الملك بإرسال سرب من طائرات 'أف 15' الى السعودية واستغرب من أن الملك لم يستعجل في قول: نعمِ بل اقترح العودة الى هذه المسألة فيما بعدِ درس لا ينساه
كان الملك فهد مترددا وليس في الأمر ما يدعو الى الاستغرابِ فقد كانوا في السعودية يفضلون دائما أن تكون القوات الأميركية قريبة بما فيه الكفاية، ولكن أن تكون 'وراء الأفق'ِ وكان حضور القوات الأجنبية ولاسيما غير الإسلامية يحرج الملك السعودي بصفته خادم الحرمين الشريفينِ ولم يتناسب وجود الأجانب مع التقاليد المحافظة ونمط حياة السعوديين أنفسهمِ زد على ذلك، كان من الواضح أن نشر القوات الأميركية في السعودية سيجر وراءه تلقائيا حالة عداء حاد ومواجهة مع بغداد طالما يوجد هناك صدام حسينِ وكانت هناك مخاوف وشكوك أخرى: هل كانت الولايات المتحدة مستعدة لإرسال قوات كبيرة بما فيه الكفاية وإبقائها في الجزيرة العربية حتى حل النزاع؟ ألا يحصل كما جرى في لبنان عندما فجروا الثكنة الأميركية الأمر الذي أدى الى سحب القوات الأميركية بسرعة؟ هل سيغادر الأميركان السعودية بعد حل الأزمة؟ِ هذه المسائل وقضايا أخرى كانت موضوع بعض المكالمات الهاتفية بين بوش وفهد في فترة 2 ـ 5 أغسطسِ ووافقت السعودية في نهاية الأمر بعد أن شعرت بجدية المعلومات حول تركيز القوات العراقية قرب الحدود معها، على زيارة وزير الدفاع الأميركي ديك تشيني وقائد القوات المسلحة الأميركية الجنرال شفارتزكوف لجدة حيث كان الملك فهدِ جعلت معطيات الاستطلاع الفضائي عن الوحدات العراقية من الدبابات والأخرى الآلية وصواريخ 'أرض ـ أرض' عند الحدود مقرونة بالإيضاحات والتأكيدات الأميركية، الملك فهد يميل الى صالح الطلب الرسمي الى الولايات المتحدة بإرسال قواتها المسلحة من أجل الدفاع عن أمن السعوديةِ وفي غضون ذلك طلبت القيادة السعودية عدم إعلان إرسال القوات حتى وصول الوحدات الأمامية الى أراضي البلد بالفعلِ ووقعت معاهدة التزمت الولايات المتحدة بموجبها سحب قواتها بطلب من السعوديةِ هكذا أعطي 'الضوء الأخضر' لما سيسمى فيما بعد بعملية 'عاصفة الصحراء'ِ جرى كل هذا سرا لمدة ماِ وأطلعوا موسكو عليه قبل يوم واحد من كلمة جورج بوش التي أعلن فيها عن إرسال القوات الى السعوديةِ أيدت دول الخليج العربية الأخرى دعوة القوات المسلحة الأميركية بالإجماع لشعورها بالتهديد وأصبحت فيما بعد رأس الجسر لنشرهاِ في المراحل الأولى للأزمة كان يلفت النظر بالأخص الموقف الموالي للعراق لعدد من أعضاء جامعة الدول العربيةِ وإذ لم تكن موريتانيا والسودان في هذه الناحية نشطين سياسيا (صوتا لصالح العراق ربما امتنانا له)، فلا يمكننا قول الأمر نفسه عن الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية واليمنِ سعى الملك حسين لحل المشكلة بطريقة عائلية وبين الدوائر العربية ورأى الحل العربي بسحب بغداد قواتها من الكويت مع بقاء الحكومة المؤقتة الموالية للعراقِ وكان لزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات طريقته للحل العربي المتلخصة في انسحاب العراق من الكويت لقاء مبلغ لا بأس به والحصول على جزيرتي وربة وبوبيان وتجري في الكويت انتخابات تحدد شكل نظام الحكم الجديدِ بالتالي لم تقض الطريقة الأولى ولا الثانية على وجوب عودة النظام السابقِ كيف كنا نفسر هذا السلوك غير المقاس آخذين في الاعتبار نعومة الرجلين السياسيين المعروفين؟ِ كان الملك حسين في عام 1990 بعمر 54 سنة يجلس على العرش 38 سنة ويعتبر بحق أكثر رجال السياسة حصافة في الشرق الأوسطِ فلماذا أظهر هذا الميلان الواضح الى جانب بغداد؟ِ كنا نرى السبب الرئيسي في الارتباط الاقتصادي الكبير للأردن مع العراقِ حيث تحصل على 95 % من النفط الضروري لها من العراق وبسعر منخفض للغاية يصل أحيانا الى دولارين للبرميل الواحدِ بالإضافة الى الإعانة المجانية السنوية من بغداد البالغة 50 مليون دولار وقرابة 800 مليون دولار كانت العمالة الأردنية تحولها سنويا الى عائلاتها (الأردنيين والفلسطينيين) والدخل الناتج من ميناء العقبة الذي كان 45 % من الواردات العراقية تمر منهِ بالتالي إذا ولت بغداد ظهرها لعمان فإن متاعب كبيرة ستلحق بالأردنِ ولم يكن في وسع الملك حسين ألا يأخذ في الاعتبار خاصية بلده الذي يعتبر أكثر من نصف سكانه من الفلسطينيين الذين يكنون عواطف حسنة تجاه بغدادِ وأصل هذه العواطف أملهم في أن العراق القوي عسكريا سيسترجع يوما ما أراضيهم المغتصبة من إسرائيلِ ولعل ثمة شيئا آخر حدد ولاء الملك حسين الى بغداد وهو موقفه الشخصي من صدام حسين وربما كان هناك شيء آخرِ أما ياسر عرفات فمن المرجح أنه كان يرى في قوة العراق فائدة للقضية الفلسطينية وفي تغيير النظام السياسي في الكويت فائدة لتعديل الوضع الحقوقي والاجتماعي للفلسطينيين فيها وتحويلهم الى قوة سياسية ذات نفوذ (بلغ عدد الفلسطينيين في الكويت حسب مختلف التقديرات 300 ـ 400 ألف نسمة وهم أكبر جالية أجنبية)ِ وحسب 'واشنطن بوست' وجه ياسر عرفات في 7 أغسطس الى صدام حسين برقية تهنئة بصدد أحداث الكويتِ ويمكننا الاعتقاد بأن ياسر عرفات لم يدرك وقتها أنه ارتكب خطأ كبيرا عندما عانق الرئيس العراقي أمام الكاميرات في اليوم التالي من الاستيلاء على الكويت وكان يدفع فيما بعد بحلوله للأزمة الموالية للعراقِ أدار أغلبية الزعماء العرب وجوههم عن عرفاتِ وفقدت الجالية الفلسطينية في الكويت العمل بسبب الشلل الكامل في الحياة الاقتصادية الذي أصاب البلاد، وسيظهر إفلاس رهان عرفات على العراق أكثر فأكثر (جراء عزل بغداد من قبل المجتمع الدولي)ِ وستمضي شهور عديدة قبل أن يبدأ عرفات بتغيير نهجه خلسة وبالتدريج آخذا في الاعتبار مواقف الفلسطينيين العاديين الساكنين في العراقِ وكانت اليمن تتمسك بموقف خاص طوال الأزمةِ زار الرئيس صالح بغداد في 4 أغسطس حيث صور معانقا صدام حسينِ وأعلنت وكالة الأنباء العراقية بأن الرئيس اليمني استحسن أعمال العراقِ ويصعب القول إن كان الأمر على هذا النحوِ وبدأت القيادة اليمنية تصرح لاحقا بأن مواقفها حيادية من النزاع وتسعى للعب دور الوسيطِ غير أن عواطفها الموالية للعراق والمعادية للسعودية لم تكن خافية على أحدِ غير أن الجو السياسي في العالم العربي في ذلك الوقت حددته بقدر أكبر شخصيات أخرى بالمقام الأول: مبارك والأسد وفهدِ ومع اتفاق الدوائر الرسمية وغالبية النخب العربية في الرأي على أن العراق خرق بقسوة النظام الدولي وقواعد العلاقات بين الدول العربية، فإن المجتمع العربي نفسه حمل عقليات مختلفة (توجد بشكل جزئي لحد الآن)ِ ومن المرح أن عواطف 'الشارع العربي' في البلدان الفقيرة كانت الى جانب صدام حسين بفضل شعاراته التي كان يوجهها من أجل الحصول على الشعبية وخاصة تلك المتعلقة بإعادة توزيع الثروة النفطيةِ وتقوت هذه العواطف بعدما انتقلت المواجهة بين العراق والولايات المتحدةِ ومع ذلك، قدر ما كانت الأزمة تطول، ازدادت عزلة العراق الدوليةِ فقد استنكر العدوان العراقي عدا مجلس الأمن وجامعة الدول العربية، الجمعية العامة للأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الدول الأميركية والاتحاد الأوروبي وبعض المنظمات الدولية والإقليمية الأخرىِ واتخذت اللجنة الأولمبية الآسيوية بالإجماع في 8 سبتمبر قرارا حظر مشاركة العراق في الألعاب الآسيوية التي كان مقررا إجراؤها في بكين خريف 1990. ولن نبالغ في القول في أن بغداد وقعت في مرحلة الأزمة الكويتية في عزلة دولية شاملة تقريبا لم تستطع التغلب على عواقبها حتى مرور سنوات كثيرةِ
موقف تاتشر الحاسم
كانت تاتشر تترأس الى غاية هذه اللحظة الحكومة البريطانية وحجزت لها بشكل ثابت لقب 'السيدة الحديدية'، ممتلكة سمعة السياسي الصارم والحاسم المستعد لاتخاذ أكثر المواقف حزما والاجراءات من أجل الدفاع عن المصالح البريطانيةِ وأصبحت الحرب في سبيل الدفاع عن جزر الفوكلاند البعيدة التي حاولت الأرجنتين استردادها من بريطانيا رمزا لعقيدة تاتشر السياسيةِ وتجلى وفاؤها لهذه العقيدة الآن أيضا عندما ولد العدوان العراقي على الكويت الخطر بتقويض مواقف انكلترا في منطقة الخليجِ تلك المواقف الآخذة بالضعف بعد الحرب العالمية الثانيةِ وكانت وصفتها قطعية: ينبغي مواجهة القوة بالقوة وحمل العراق على سحب قواته من الكويت، ان اقتضى الأمر، بقوة السلاحِ واقترحت تاتشر بلا تردد على بوش مشاركة القوات الانكليزية في تحالف ضد صدام حسينِ وقالت في خطابها في أسبين ان الاحتلال 'تحد صارخ لمبادئ الأمم المتحدة ولو سمحنا بتحقيقه فلن يشعر بلد صغير بالأمان حيث ستسود شريعة الغاب'ِ من غير الواضح فيما اذا كان الرئيس بوش قد اتخذ قراره النهائي والمصيري في أسبين أو بعد يومين بادراج مسألة الضغط العسكري المكثف على بغداد اضافة الى الضغط السياسي والاقتصاديِ والمهم أن نهج مواجهة العراق العسكرية قد أقر، غير أن تجسيده عمليا اصطدم حالا بمشكلة رأس الجسرِ
يتبع ..... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف السبت يوليو 25 2015, 12:05 | |
| الحلقه 6 كان 5 أغسطس يوم راحةِ غير أن أزمة الكويت ساوت بالنسبة لنا أيام الراحة بأيام العملِ قدم لي سفير العراق في موسكو في هذا اليوم رسالة صدام حسين الجوابية لاحالتها الى ميخائيل غورباتشوفِ وأشار الى أنهم في بغداد يتابعون باهتمام موقفناِ كنا ننتظر الرد العراقي بأمل معين في أنه سيخفف الأوضاع وسيفتح الطريق الى مخرج غير مؤلم الى حد معين من الأزمة، وسيمكن من تجنب اتخاذ التدابير الاجبارية ضد العراق المقرة من قبل مجلس الأمنِ ولكن للأسف أصابتنا خيبة الأمل الكاملةِ فلم ينحصر جوهر الرسالة، وان كانت مسهبة، في التغلب على الأزمة، بل تركز على انتقاد الموقف السوفيتيِ فقد ابتدأت الرسالة بالجملة: 'استقبلنا باستغراب كبير موقف الحكومة السوفيتية ازاء الأحداث الأخيرة في الكويت'ِ وأن أعمال موسكو كانت تتصف ب 'العجلة' ولم تأخذ في الاعتبار طبيعة العلاقات السوفيتية ـ العراقية القائمةِ لم تستغن الرسالة من المواعظ المباشرة وحتى التلميحات الصريحة الى عدم درايتنا وخبرتنا في رأيهمِ قيل في رسالة صدام حسين أنه ثمة في البلدان العربية أوضاع خاصة وعلاقات خصوصية جداِ وثمة مشاكل تبدو غير مفهومة للعالم الخارجي آخذا في الحسبان خصائص الحالة والعلاقات في منطقتناِ وقال صدام لموسكو أيضا بأننا نأمل لهذا السبب ألا تتخذوا الآراء والقرارات المستعجلة ضد أصدقائكم قبل أن تحاولوا ادراك الوقائع وقبل كل شيء، الحوار مع الأصدقاء الأوفياءِ وذكر صدام موسكو مشيرا الى دخول القوات السورية الى لبنان، ملمحا بأن هناك أمورا في الشرق الأوسط وحالات لا ينبغي بصددها اتباع 'أسلوب الاستعجال'ِ ولمح بصورة واضحة جدا الى أعمالنا في أفغانستان التي قدرها العراق وحدد موقفه منها بالانطلاق من علاقته مع الاتحاد السوفيتيِ أما جوهر المشكلة القائمة فأكد في رسالته على ما قام به العراق 'أمر طبيعي'ِ وأن لكل بلد في العالم الحق في ابداء العطف على الذين يتخذون التدابير اللازمة لتغيير الحكومات التي تحيك المؤامرات وتقوم بأعمال عدوانية ضد بلد ماِ لوح صدام الى موسكو بقوله: كنا ننتظر من حكومة ودية كالحكومة السوفيتية، أن تسعى على الأقل الى معرفة الأسباب التي حفزت العراق على تقديم المساعدة لحكومة الكويت الحرة المؤقتةِ (أريد أن أشير بين القوسين هنا الى أن استعمال هذه الرواية الكاذبة بشأن الحكومة المذكورة مقصودا في رسالة الرئيس وذلك مدعاة للأسف في مراسلة في هذا المستوى)ِ من المفهوم أن رسالة الرئيس العراقي المستلمة لم تتمكن من تغيير موقف الاتحاد السوفيتي أو التأثير سيكولوجيا على ادراك هذا الحدث بالنسبة للقيادة السوفيتية وفق الروح الملائمة لبغدادِ ولم يكن بالنسبة لنا شيئا جديدا ما جاء فيها بأن القوات العراقية ستبدأ انسحابها في 5 أغسطسِ لأن التصريح الرسمي الذي أدلت به بغداد عن هذا الأمر قبل يومين، صاحبته بعض التحفظاتِ ولم يجب السفير على سؤالي عن المدة التي يفترض أن يختتم فيها الانسحاب، مشيرا الى عدم توفر المعلومات الكافية لديهِ العقوبات الدولية
في غضون ذلك كنا نعرف حسنا الأوضاع في مجلس الأمن ونرى أن الاستياء العالمي يزداد من تحدي بغداد للمجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن برفضها اعادة الوضع الى الكويت قبل العدوانِ وتجسد هذا الاستياء في الرغبة بفرض طابع عقوبات واسعة بما فيه الكفاية وعامة وشاملة من ناحية التطبيقِ وبعبارة أخرى، الزامية لدول العالم كافة وليس عقوبات اقتصادية مفككة تفرضها بلدان حيال المعتدي بمبادرتها الخاصة وبحجم اختياريِ ووفقا لميثاق الأمم المتحدة، يمكن لمجلس الأمن وحده فرض مثل هذه الاجراءاتِ وكان مجلس الأمن قد اتخذ هذا الاجراء مرتين فقط قبل أزمة الكويتِ قرر في موسكو (وللدقة في وزارة الخارجية السوفيتية) بأن استعداد بغداد لتنفيذ القرار 660 هو السبيل الوحيد الذي سيحول دون اتخاذ هذا القرارِ ولأنه لا يوجد متسع من الوقت، تقرر ارسال رسالة جديدة عاجلة الى صدام حسينِ تم تنسيقها واعدادها بسرعة مع ميخائيل غورباتشوف وأرسلت بعد عدة ساعات من استلام رسالة الرئيس العراقي المذكورةِ لم يكن في خططنا الدخول في مجادلة مع الرئيس العراقي، بل ومن غير الصحيح ترك اللهجة التي اتسم بها الخطاب العراقي بلا رد فعلِ لذا أشير في الرسالة السوفيتية الثانية الى أن الخطاب العراقي استلم وتمت دراسته باهتمام واننا نقدر حق التقدير الصداقة والتعاون مع العراق اللذين كانا يتشكلان خلال أكثر من عقدِ ولكننا لا نستطيع ألا أن نعطي تقديراتنا المبدئية لما حدثِ وقيل كذلك بأننا لا نعتبر بالمرة من أنصار للقرارات العاجلة، غير أنه لا يجوز أن نرى وتيرة الأحداث تتطور الى هذا الحد الذي بدأ بادخال القوات العراقية المفاجئ الى الكويت دون اتخاذ خطوات مناسبة، بما في ذلك في مجلس الأمن كما يطالبنا ميثاق الأمم المتحدةِ وفندت رسالتنا كل الادعاءات العراقية ضد موسكوِ وكما أعتقد فإننا اكتفينا بالحد الأدنىِ وأشير فيما بعد في الرسالة، الى أننا لم نرغب بعد اتخاذ مجلس الأمن القرار 660، أن يصل الأمر الى فرض العقوبات الالزامية الشاملة ضد العراقِ ومع ذلك فقد تطرح مسألة العقوبات في جدول الأعمال في الوقت القريبِ ولذا ننصح القيادة العراقية بالحاح، كوننا أصدقاء حقيقيين، تنفيذ قرارها الخاص والفعال في سحب القوات من الكويت لأن هذا الاجراء وحده قادر على تغيير الوضعِ وثبتنا الى أنه في حالة حاجة العراق الى يوم أو يومين فقط لدخول الكويت، فلا شيء يحول دون سحب قواته بالسرعة نفسهاِ وأعربنا عن ترحيبنا للعراق في حالة قيامه بمثل هذه الخطوة التي ستسقط مسألة العقوبات من الأساسِ وأشير في الختام الى أن الاتحاد السوفيتي برهن أكثر من مرة على اخلاصه للعراق ويؤيدها في الحالات الصعبة والى أننا نحرص على المكتسبات الايجابية في علاقاتنا وسنحافظ عليها ونطورهاِ وأعربنا عن أملنا في أن الموقف العراقي سيكون مماثلا لموقفناِ للأسف لم تصغ القيادة العراقية لنصائح موسكو قط، ولم تتعب نفسها حتى في الرد على رسالة رئيس الاتحاد السوفيتي الثانية أيضاِ والأسوأ من ذلك ظهرت في اليوم التالي في جريدة 'العراق' مقالة معادية للاتحاد السوفيتيِ وبما أن تعدد وحرية الآراء غير مسموح به في العراق، فقد كان من المستحيل نشر هذه المقالة بدون مصادقة من الجهات العلياِ ولا يمكن تقدير ما حصل على غير هذا النحو الذي كان يثير الضجر والانذار اليناِ وفي الوقت نفسه لا يصح التظاهر بأننا سنقبل هذا الموقف ونغمض أعيننا عنهِ لذا نشرت جريدة 'ازفيستيا' في 7 أغسطس حوارا معي تحدثت فيه عن خطوات الاتحاد السوفيتي حيال الأزمة والاتصالات مع العراق وذكرت الوقائع المضجرة التي لم تجمل بغدادِ بعد بعض الوقت انتهت أسطورة حكومة الكويت المؤقتة الحرة كما كانوا يسمونها باعلان بغداد قيامهاِ وكما انتظرنا لم تضم رجلا كويتيا معروفا ولو قليلاِ زد على ذلك ثبت في الوعي الاجتماعي (بمبادرة من سلطة الكويت الشرعية) الرواية بأن الحكومة المؤقتة شكلت كليا من ضباط الجيش العراقيِ ولذا أضاف ظهور الحكومة الحرة للعالم من الناحية السياسية والدعائية تعقيدات جديدة لبغدادِ وليس من المستغرب أن هذه الحكومة ستصبح بعد أيام صفحة مطوية من التاريخِ ولم تحدث مشاهد شحن الدبابات من الكويت على مسطحات الشاحنات لأجل اعادتها الى العراق انطباعا لازماِ فمن المحتمل أن وحدات ما أعيدت بالفعل، بيد أن الوحدات الباقية أقبلت بنشاط على التخندق والتحصين، الأمر الذي دل على انعدام نية بغداد الواقعية على الانصراف من الكويتِ وأثر قرار بغداد المعلن بارسال المتطوعين العراقيين الى الكويت تأثيرا قويا في العالمِ وفي 6 أغسطس استقبلت السفير العراقي غافل جاسم حسين وقلت له بأننا أطلعنا أعضاء مجلس الأمن على رسالة الرئيس العراقي الى ميخائيل غورباتشوف، واقترحنا عدم الاستعجال في فرض العقوبات الاقتصادية واعطاء بعض الوقت للتحقق من حقيقة موقف العراق من تنفيذ القرار 660ِ ولكننا نضطر للقول بأن الجانب العراقي لم يساعدنا في هذه الجهودِ ويترك لدى أعضاء مجلس الأمن الانطباع بأن العراق لا يستعجل في سحب قواتهِ وأثار العراق بصدد ارسال المتطوعين العراقيين رد فعل سلبيا للغاية في مجلس الأمنِ وهذا الموقف سيستفز مجلس الأمن من أجل اتخاذ الخطوات التاليةِ قيل لي ردا على هذا، ان الانسحاب قد بدأ، غير أن القيادة العراقية لم تأخذ على عاتقها الالتزام في اطار سحب مؤقت للقواتِ أما فرض الحصار على العراق فإن الولايات المتحدة واسرائيل واللوبي الصهيوني تدفع مجلس الأمن في هذا الاتجاهِ وسأل السفير قائلا: 'هل من الممكن أن يعتني الأميركيون أكثر منا بأخوتنا الكويتيين؟'ِ وأكد ان الرئيس صدام حسين والشعب العراقي معنيان بمصير الشعب الكويتي أكثر من أي شخص آخرِ وقال السفير ان سبب الضغط القاسي للولايات المتحدة بسيط: كان الأميركان يعاملون العراق على الدوام معاملة سلبية جراء موقفها الثابت والحازم من اسرائيل وكذلك لكونه تحول الى قوة جبارة في البوابة الشرقية للوطن العربيِ التقيت بالسفير من جديد بعد عدة ساعات وبمبادرته هذه المرةِ أخبرنا بأن الرئيس صدام حسين يطلب أن نستقبل في موسكو ممثله الشخصي سعدون حمادي عضو مجلس قيادة الثورة نائب رئيس الوزراء (سأتحدث في الفصل التالي لماذا جاء حمادي الينا)ِ وفي اليوم نفسه استقبلت سفير الكويت عبد المحسن الدعيجِ وحسب معطياته لم يحدث تغير مبدئي للوضع في الكويتِ ولم يتحقق انسحاب القوات العراقية، بل العكس، تجري تقوية وجود العراق في الكويت كحالة طبيعيةِ وأن كل المؤشرات تدل على أن العراق لن ينسحب بمبادرته، بل يجب تنسيق أعمال الأسرة الدولية للضغط أكثر على بغدادِ وطالب السفير بإلحاح، في ضوء محاولة بغداد تشكيل حكومة موالية لها، أن ندلي بتصريح نؤيد فيه قيادة الكويت السياسية الشرعيةِ أوفيت هذا الطلب بنشر خبر في اليوم التالي في جريدة 'إزفيستيا' قيل فيه: 'أكد بيلونوغوف انه حتى لا يدور الحديث في اللحظة الراهنة حول اعتراف موسكو بالحكومة الحرة العميلةِ وسنعترف كالسابق بالأمير جابر الصباح كرئيس شرعي للكويت'ِ
المواجهة تلقي بظلالها الرئيسية العقوبات الاقتصادية وخطواتنا في ضوء الحالة الجديدة:
في 6 أغسطس اتخذ مجلس الأمن بتأييد 13 عضوا (امتنعت كوبا واليمن عن التصويت) القرار 661 الخاص بفرض العقوبات الاقتصادية على العراقِ قدم 10 أعضاء في مجلس الأمن مشروع القرار، ولم يدخل الاتحاد السوفيتي في عداد مؤلفي القرار لأنه كانت لدينا شكوك معينة في كيفية تصرف الجميع: فرض العقوبات الشاملة في البداية أو السير في طريق زيادتها التدريجية إذا استمرت بغداد في الانحراف عن تنفيذ القرار 660ِ وبدا الطريق الثاني لنا أفضلِ غير أن جميع الأعضاء الآخرين في المجلس تقريبا فضلوا الرأي الأولِ واعتقد لو التفت الى الوراء لرأيت انهم كانوا على حقِ لم نكن نبالغ في موسكو فحسب، بل كانوا يبالغون في عواصم بلدان أخرى أيضا في تقديراتنا في درجة تأثير العقوبات الاقتصادية على العراق وكنا ننتظر أن بغداد ستضطر بعد 2 ـ 3 أشهر لإعادة النظر في موقفها من القرار 660 والانصراف من الكويتِ لم يحصل هذاِ ولم يكن حتى ذلك الحجم من العقوبات الذي فرض في 6 أغسطس قادرا على ذلك وإن كان القرار حازما: حظر أية أشكال التصدير والاستيراد مع العراق والكويت وكافة الاتصالات المالية معهما والنقل البحري (باستثناء الإمدادات الطبية والغذائية في إطار المساعدة الإنسانية)ِ وتأسست لجنة منبثقة عن مجلس الأمن تضم في قوامها جميع أعضائه من أجل مراقبة مراعاة نظام العقوبات من كافة الدول وكلفت بالنظر في التقارير الخاصة عن سير تنفيذ هذا القرار وطلب المعلومات الضرورية لهاِ ودعا القرار جميع الدول الى اتخاذ كافة التدابير من أجل الدفاع عن موجودات حكومة الكويت الشرعية وعدم الاعتراف بنظام ما مقام من قبل دولة محتلةِ صوت الاتحاد السوفيتي الى جانب القرار لأن سلوك بغداد لم يعطنا بديلا آخرِ وأملت وتيرة تطور الأحداث التي وضع العدوان على الكويت بداية لها اتخاذ خطوات مناسبة وسريعة كما يطالب بها ميثاق الأمم المتحدةِ وكانت لقضية العقوبات ناحية أخرى كانت بالنسبة لنا حينذاك هامة للغايةِ وكانت ثمة جهتان للقضية: أولا، أثبت قرار العقوبات النظر الى أزمة الكويت في أطار مجلس الأمن كهيئة جماعية حيث كانت لنا مواقف قويةِ ثانيا، حول هذا القرار النزاع في مجرى أسلوب الحل السلمي له بالعقوبات الاقتصادية التي وإن كانت دواء مريرا مفعوله طويلِ ومع ذلك أشار ممثل الاتحاد السوفيتي في تصريحه في مجلس الأمن الى أن قرارنا بالتصويت الى جانب القرار كان غير يسير بالمرة وحتى صعبا لأنه مس مباشرة مجموعة علاقاتنا المتبادلة مع العراق المتكونة على مدى سنوات طويلةِ وكان الجانب العراقي مذنبا بسيره وحده في طريق المغامرة الحربية واضطرنا لقطع نسيج التعاون 'الحي' كما يقالِ أخبر الاتحاد السوفيتي في تقريره الأول المقدم الى الأمم المتحدة بصدد تنفيذ القرار 661 بأنه: أوقف كليا إمداد البضائع في عمليات التصدير والاستيراد بما في ذلك الإمدادات العسكرية وكذلك المعدات والمواد وقطع الغيار والشحنات الأخرى الضرورية لتنفيذ الأعمال في المنشآت الاستثماريةِ توقف كل النشاط التجاري مع العراق والكويت بما في ذلك تبادل الزيارات ورحلات الوفود الاقتصادية، المحادثات الخاصة بتوقيع العقود الجديدة، إنجاز المدفوعات، تقديم القروض أو تحويل الأموال الأخرى، قبول الاختصاصيين للدراسة في الاتحاد السوفيتيِِ الخِ لم تخرج منذ إعلان القرار سفينة واحدة للبضائع أو المنتجات الأخرى مخصصة الى العراق والكويت من موانئ الاتحاد السوفيتيِ واتخذت كافة التدابير لكي يتم استرجاع الشحنات المرسلة من قبل الى العراق الى الوراءِ حيث تم استرجاع وعودة سفينة معدات عسكرية مخصصة الى العراق والكويت من منطقة الخليجِ أوقف استلام المعدات العسكرية لغرض الصيانة والتصليح وإعادة المعدات العسكرية التي تم إصلاحهاِ ـ أوقف إيفاد الخبراء السوفيت الى المنشآت العراقيةِ وكان الاتحاد السوفيتي يواصل بمثل هذه الدقة المتناهية مراعاة العقوبات المقررة ويقدم بانتظام المعلومات المناسبة الى الأمين العام للأمم المتحدةِ سأتوقف باختصار لمناقشة مسألة أخرى تخص العلاقات الثنائية السوفيتية ـ العراقية والتي طرحت أمامنا بعد الاستيلاء على الكويت والمتعلقة بمعاهدة الصداقة والتعاون سارية المفعول بين الاتحاد السوفيتي والعراق وموقفنا منها الآن: اعتبروا في وزارة الخارجية أنه لا ينبغي المس بها بالرغم من أعمال بغداد الملومة تماماِ وانطلقنا من أن علاقاتنا مع العراق لا تنتهي بهذا وأن المعاهدة قد تلعب دورا إيجابيا بعد التغلب على الأزمةِ وحافظنا على هذا النهج وان تعرضنا للانتقاد في بعض الحالاتِ ودعا المجلس الأعلى لروسيا الاتحادية السوفيتية الاشتراكية في 12 سبتمبر مثلا الى إيقاف مفعول المعاهدة (أعلنت روسيا في يوليو 1990 سيادتها وادعت بممارسة سياستها الخارجية الخاصة بدون الارتباط بالمركز)ِ لم تسر الكرملين هذه المسألة التي ركبت أعضاء البرلمان الروسيِ غير أن قرار النواب الروس عكس العقلية السائدة في المجتمع السوفيتي إزاء العدوان العراقي وكذلك الصراع المحتوم من أجل السلطة على السواءِ
دور العقوبات
كان للعقوبات المفروضة على العراق طابع إلزامي وكان الاتحاد السوفيتي ملزما بمراعاتها الصارمة فيما يخص صلاته مع العراقِ وبما أن هذه الصلات كانت تقوم بواسطة الكثير من الوزارات والمصالح السوفيتية، فقد طرحت تلقائيا مسألة اتخاذ الحكومة السوفيتية قرارا مناسبا عن تقصير هذه الصلاتِ وكان الأمر بحاجة الى مركز حكومي ينسق ذلك ويأخذ على عاتقه هذه المسؤولية وتنفيذ القرار 661ِ أضيف الى ذلك مشكلة أخرى: ما العمل مع آلاف المواطنين السوفيت القاطنين في الكويت والعراقِ وكان واضحا لنا انه ينبغي إجلاؤهم وان لم يكن جميعهم وخاصة أولئك في الكويت المحتلةِ وفي العراق أيضا، أصبح بقاء الخبراء السوفيت العاملين هناك أمرا معقدا وغير مفيد ولا معنى له بسبب إنهاء العلاقات الاقتصادية مع العراقِ وكانت مهمة إجلاء آلاف الناس غير بسيطة وتتطلب تشغيل الكثير من الهيئات والأجهزة والمؤسسات ونفقات مالية كبيرةِ دفع كل ذلك وزارة الخارجية السوفيتية الى تقديم اقتراح لرئيس الاتحاد السوفيتي بإنشاء مركز مناسب على المستوى الحكومي لتولي الأمرِ تم تأييد هذا الاقتراح وأنشئ المركز بمرسوم رئاسي بتاريخ 8 أغسطس بتشكيل مجموعة عمل بين الوزارات والمؤسسات برئاسة نائب رئيس الحكومة السوفيتية غِ بيلوسوف، مثلت فيه جميع الوزارات على مستوى الوزراء أو نوابهمِ ودخلت أنا و فِ كولوتوشا رئيس إدارة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذه المجموعة ممثلين لوزارة الخارجيةِ عملت المجموعة شهورا عديدة ريثما انحلت مهامهاِ وكان يحدث الجدل والمضاربات بين المؤسساتِ غير أن كل شيء حل بطريقة صحيحة وفاعلة بما فيه الكفايةِ وحصلت الكثير من حالات عدم التفاهم: لماذا يوجد تهديد بسلامة ناسنا، أليس من الأجدر أن ننتظرِِ الخ وكان من الصعب جدا بالأخص تسوية الأمر مع العسكريينِ كنت أفهم شعور الأشخاص الذين بذلوا الكثير من الجهود في تنظيم الاتصالات مع العراق واضطروا الآن لتجميدهاِ وما العمل مع المنتجات المصنعة في العراق أو مع المعدات العسكرية المرسلة من العراق لغرض تصليحها وإعادة النظر في خطط عمل المنشآت وبالأخص الدفاعية وإيجاد العمل للأفراد الذين سيعودون الى الوطن قريبا؟ِ ينبغي تقدير الجهد الذي بذله إِ بيلوسوف، فقد عمل بكل ثبات ونشاط (ساعد أنه كان في الحكومة مسؤولا عن المؤسسة الصناعية العسكرية وكان من السهل عليه حل بعض المسائل الحساسة وخاصة العسكريين والمؤسسة الصناعية العسكرية)ِ ولحسن الحظ، أدرك بيلوسوف بسرعة أن الخطر يهدد بالفعل مواطنينا في العراق وعمل كثيرا بغية إجلائهم من هناك في الوقت المناسبِ وأود أن أتحدث عن فرقة الإجلاء الفرعية التي وقع عليها الكثير من العمل التنظيمي اليومي (إرسال الطائرات، عقد اللقاءات وتوزيع الناس، التأمين الماليِِ ..الخ)ِ ولا أتحدث هنا عن التعقيدات الخطيرة التي صاحبت تأجيل رحيل المواطنين السوفيت والعوائق التي ابتكرتها السلطات العراقية في طريق ترحيلهمِ كان إعداد أمر مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي خطوة هامة أولى في عمل المجموعةِ أصدر الأمر في 16 أغسطس بتوقيع رئيس الحكومة نيكولاي ريجكوف ورسم فيه للوزارات والمؤسسات التي لها علاقة بالصلات التجارية والاقتصادية والمالية مع العراق والكويت اتخاذ كافة التدابير المطلوبة من أجل تنفيذ القرار 661 الصادر عن مجلس الأمن واتخاذ الإجراءات الملموسة في تخفيف خسائر البلد الى حدها الأدنى نتيجة انتهاء العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية مع العراق والكويتِ وأنشأ هذا القرار أساس القواعد الضروري وسهل في درجة كبيرة عمل المجموعةِ أردت أن أضيف أن وزارة الخارجية السوفيتية قد أرسلت قبل تشكيل المجموعة وفور اتخاذ مجلس الأمن قراره 661 الى كل حكومات جمهوريات الاتحاد السوفيتي والى جميع الوزارات والمؤسسات التي لها علاقة مع العراق والكويت نص هذا القرار وأبلغتها بضرورة تغيير العلاقات المتبادلة مع هذين البلدين بشكل ينسجم مع قرار مجلس الأمنِ وبالتالي تم تجميد كافة أشكال التعاون مع العراق والكويت بلا تأخيرِ
يتبع .... |
|
| |
رقيب
الموقع : EU
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الأحد يوليو 26 2015, 11:48 | |
| ياريت لو تعرض أخي قتيبه مقطعا يضم لقاءا جرى عام 1990بين غورباتشوف ووزير الخارجية العراقي حينها إثناء الغزو العراقي للكويت وقبل قيام الحرب. وقد بدا في ذلك اللقاء خضوع وتذلل طارق عزيز بطلبه من غورباتشوف كون أن العراق والسوفيت أصدقاءا بصورة خاصه .بأن يسعى لإخراج العراق من هذا المأزق ولكن بالصورة التي تحفظ ماء وجه العراق .
كما ويعترف طارق عزيز بأن العراق قد أخطأ بإحتلاله للكويت وهو يعرف جيدا بأن لاأحد سيسانده في عمله ذلك!!!
ويعرض ذلك المقطع كيف أن الاأمير بندر بن سلطان سفير المملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحده ألتقى بعد طارق عزيز بالرئيس السوفيتي غورباتشوف وعرض عليه بإسم الملك فهد مساعدات للسوفيت بقيمة 4 مليارات دولار لكي يتخلى السوفيت عن دعم العراق والسماح لقوات التحالف الدولي على كسر شوكة العراق!!!
ومن ذلك الموقف للإتحاد السوفيتي في التخلي عن صدام حسين في مقابل 4 مليارات دولار رآى صدام حسين بأنه لا يمكن الثقة بالإتحاد السوفيتي الذي يفعل أي شيء من أجل الحصول على المال!!!
كما أود أن أقترح عليك دكتور قتيبه بأن تعرض موضوعا للنقاش بعنوان...
ماذا لوتم لصدام حسين النجاح بضم الكويت من دون حرب وبتخلي العالم عن الكويت !!! ماذا كان سيفعل صدام حسين بعدها ؟؟؟
تقييم مستحق مع الشكر الجزيل على المواضيع الجميلة والمشوقه. |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الأحد يوليو 26 2015, 12:12 | |
| - emas alsamarai كتب:
- ياريت لو تعرض أخي قتيبه مقطعا يضم لقاءا جرى عام 1990بين غورباتشوف ووزير الخارجية العراقي حينها إثناء الغزو العراقي للكويت وقبل قيام الحرب. وقد بدا في ذلك اللقاء خضوع وتذلل طارق عزيز بطلبه من غورباتشوف كون أن العراق والسوفيت أصدقاءا بصورة خاصه .بأن يسعى لإخراج العراق من هذا المأزق ولكن بالصورة التي تحفظ ماء وجه العراق .
كما ويعترف طارق عزيز بأن العراق قد أخطأ بإحتلاله للكويت وهو يعرف جيدا بأن لاأحد سيسانده في عمله ذلك!!!
ويعرض ذلك المقطع كيف أن الاأمير بندر بن سلطان سفير المملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحده ألتقى بعد طارق عزيز بالرئيس السوفيتي غورباتشوف وعرض عليه بإسم الملك فهد مساعدات للسوفيت بقيمة 4 مليارات دولار لكي يتخلى السوفيت عن دعم العراق والسماح لقوات التحالف الدولي على كسر شوكة العراق!!!
ومن ذلك الموقف للإتحاد السوفيتي في التخلي عن صدام حسين في مقابل 4 مليارات دولار رآى صدام حسين بأنه لا يمكن الثقة بالإتحاد السوفيتي الذي يفعل أي شيء من أجل الحصول على المال!!!
كما أود أن أقترح عليك دكتور قتيبه بأن تعرض موضوعا للنقاش بعنوان...
ماذا لوتم لصدام حسين النجاح بضم الكويت من دون حرب وبتخلي العالم عن الكويت !!! ماذا كان سيفعل صدام حسين بعدها ؟؟؟
تقييم مستحق مع الشكر الجزيل على المواضيع الجميلة والمشوقه. اهلا اخي عماد وشكرا على التقييم الكتاب لايزال في بدايته والحلقات سيتم نشرها تدريجيا طبيعة الموقف السوفييتي وكما ظهر في ازمه الكويت , اظهر ان الاتحاد السوفييتي كان بالفعل يعيش اخر ايامه الصراحه غزو العراق للكويت جرى في اسوأ وقت من حيث انه جرى في توقيت انهيار القطب العالمي الثاني وهو الاتحاد السوفييتي انا اقد ان لو حصل غزو الكويت قبل اوانه بعقد من الزمان لربما كان يمكن التوصل الى تسوية اخرى غير الحرب بالنسبه لاقتراحاتك , فاني اعرض عليك ان تفتح الموضوع للنقاش وستجد ان شاء الله نقاشا ممتعا ومفيدا من الاعضاء تقبل تحياتي |
|
| |
رقيب
الموقع : EU
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الأحد يوليو 26 2015, 12:23 | |
| كرة مرتده من الدكتور قتيبه!!!
أنت أكفأ وأهل لكتابة ذلك الموضوع وبحسب قدرتك وإمكانيتك في عرض المصادر والتحليلات والوقائع والصور والروابط وغيرها من الأمور التي تثري المواضيع !!! |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الأحد يوليو 26 2015, 12:34 | |
| - emas alsamarai كتب:
- كرة مرتده من الدكتور قتيبه!!!
أنت أكفأ وأهل لكتابة ذلك الموضوع وبحسب قدرتك وإمكانيتك في عرض المصادر والتحليلات والوقائع والصور والروابط وغيرها من الأمور التي تثري المواضيع !!! اعتقد انك من كنت على الارض تشاهد وتراقب بل كنت في صفوف الجيش العراقي انذاك وبالتالي سيكون فتحك للموضوع ونقاشك شهاده نادره قلما يمكن مطالعتها في المنتديات العربيه " والعراقيه ايضا " |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الأحد يوليو 26 2015, 19:14 | |
| الحلقه 7 في 7 أغسطس طلب مني السفير الأميركي في موسكو جورج ميتلوك لقاء عاجلا وقدم لي رسالة شفهية عاجلة لأدوارد شيفرنادزه من وزير الخارجية الأميركي، أخبر نظيره فيها بأن الولايات المتحدة ستنشر بطلب من الحكومة السعودية في هذا البلد قواتها الجوية والبريةِ ثم تلا هذا الخبر توضيح الأسباب التي أملت القرارِ وأعطيت التأكيدات المهمة كما جاءت في الرسالة: لا ننوي استخدام هذه القوات لأجل أهداف معينة سوى صد العدوان العراقيِ ويمكنكم أن تكونوا على يقين بأن قواتنا المسلحة ستستخدم للدفاع عن المملكة العربية السعودية وأننا لن نبادر في شن أية عملية عسكريةِ ومازلنا نؤمن بأن أفضل طريقة لوضع حد للعدوان العراقي هي توظيف الوسائل غير الحربيةِ تحول ومفاجأة
هكذا عرفوا في موسكو ان تحولا جديدا قد رسم في تطور أزمة الكويتِ وكان هذا بالنسبة لي مفاجأةِ فقبل ذلك بقليل أجبت عن سؤال الصحافيين عن كيفية تطور الأحداث فيما بعد على النحو التالي (أستشهد بالجريدة): 'قال بيلونوغوف أنه لا يجوز للأسف استبعاد تصاعد وتيرة النزاع وعلى سبيل المثال دخول الولايات المتحدة في عملية عسكريةِ ويرى بأن ذلك قد يحدث في حالتين:
أولا، اذا حصل للمواطنين الأميركيين في الكويت أي مكروهِ وثانيا، اذا هاجم العراق السعوديةِِِ سوف لا تسلم واشنطن بالعدوان على حليفها الأكثر متانة في الشرق الأوسطِ وسيفضل الأميركان ألا يصل الأمر الى التصادم المكشوف مع العراق، لسبب أنهم غير مستعدين له بعدِ فالقوة الأميركية الموجودة في المنطقة غير كافية لكي تقارع جيشا من مليون شخص مزودين بالأسلحة الحديثة ومجربين بحرب الثماني سنوات القاسية ضد ايران'ِ استنتجنا من خبر بيكر أن الأميركان قرروا الآن تقوية هذه الحلقة الضعيفةِ ولم يكن ثمة وضوح كاف فيما يخص مقدار هذه التقوية وأهدافهاِ وطلب ميتلوك مني ابلاغ شيفرنادزه بالرسالة بأسرع وقت ممكن لكي يعرف مقدما عن هذا الموضوع الذي ينوي بيكر التكلم عنه بالهاتف معهِ حديث مزعج
وبالفعل، تكلم بيكر في المساء نفسه مع وزيرنا وحتى مرتينِ كان الحديث الأول صعبا وأظنه مزعجا لكلا المتحدثينِ فقد أعرب وزير الخارجية السوفيتي عن عتابه العادل على أن تصرف الولايات المتحدة مخالفا لما اتفقا عليه في موسكو وبادرت من طرف واحد في خرق مبدأ المشاورات المتبادلةِ زد على ذلك تتصرف على عجل دون أن تنتظر كيف سترد بغداد على قرار فرض العقوبات الاقتصادية الصادر حديثاِ وكان بيكر ينجو من هذا العتاب المتدفق بالاشارة الى أن أعمال الولايات المتحدة لا تتعارض مع قواعد القانون الدولي، وزعم أن العملية دفاعية هدفها مساعدة بلد صديق مقرب للولايات المتحدة لا يستطيع رد ضربات العراق في حالة انزالها به، وأن الولايات المتحدة نفسها لا تنوي مهاجمة العراق ولن تلجأ لاستخدام القوة اذا لم يمل ذلك مصلحة الدفاع عن حياة مواطنيها في الكويتِ وأشار شيفرنادزه الى أن الوضع سيسخن الآن بلا شك وأنه سيكون من الصعب حل المشكلة بالوسائل السياسية، وقال انه مع ذلك يبقى موقفنا بلا تغيير: عدم المراهنة على أساليب القوةِ وأضاف لبيكر، انه من المهم الآن عدم تصعيد المواجهة والتمسك بحزم بالأعمال الجماعية والمنسقة في اطار الأمم المتحدةِ قال بيكر في المكالمة الهاتفية الثانية انه أبلغ الرئيس جورج بوش بالحديث الذي جرى بينهماِ وطلب الرئيس أن ينقل الى القيادة السوفيتية انه سيدلي بتصريح يشير فيه من كل بد، الى أن نشر القوات الأميركية في المملكة العربية السعودية هو اجراء مؤقت له طابع استثنائي، وأنه ليست للولايات المتحدة نوايا ما للهجوم على العراقِ وركز بيكر في حديثه على واقعة تصريح صدام حسين في 6 أغسطس للقائم بالأعمال الأميركي في بغداد جيمس ويلسون بأنه لا يمكن أن تحدث في الكويت عودة الى الماضي وأن النظام الحالي سيبقى هناك ماسكا زمام الحكمِ ونوه بيكر بأن هذا دفع الى اتخاذ القرار النهائي في صدد نشر القوات في السعوديةِ الحارس الرئيسي ويترك مما سيكتب فيما بعد عن مضمون حديث صدام حسين مع الدبلوماسي الأميركي بأن بغداد كانت تنطلق في تلك اللحظة من امكانية اقناع الأميركان بالموافقة على اقامة نظام موال للعراق في الكويت وحثهم على المراهنة على عراق صدام حسين بصفته الحارس الرئيسي للمصالح الأميركية في المنطقةِ وأسبغ صدام حسين في حديثه مع جيمس ويلسون طابع الرسالة الشفهية الى الرئيس الأميركيِ وكان يتكلم عن قصة العلاقات الأميركية ـ العراقية المتشكلة بصورة غير متساوية، مركزا الاهتمام على سعي بغداد لأن تكون لها علاقات ليست عادية مع الولايات المتحدة، بل وثيقة متأسسة على الاحترام المتبادل لمصالح بعضهما البعضِ وقال صدام حسين: 'العراق مليء بالرغبة في احترام المصالح الدولية الشرعية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط'ِ وصرح الرئيس العراقي أثناء حديثه بأن اهتمام الولايات المتحدة في الاقليم هو النفط، وذكر بأن ثلث النفط العراقي كان يوجه الى أميركاِ وشدد على أن المصالح النفطية الأميركية ستؤمن على أفضل وجه من قبل 'النظام الوطني والقوي واقعيا'ِ تجدر الاشارة الى أنه قد قيل شيء مشابه في عام 1983 لوزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت شولتس راغبا (أي صدام) في اقناع الأميركان بأن العراق الأفضل من السعودية بالنسبة للولايات المتحدة لأنه أقوى منهاِ وذكر الزعيم العراقي الكويت تحت ظل حكم آل الصباح بتهكم وأفهم بوضوح أن التغييرات الجارية هناك لا رجعة فيهاِ ونفى في الوقت نفسه تعليقا على اجراءات العراق ضد الكويت أنه كان قد أعطى وعدا لأحد ما من الزعماء العرب بعدم الاعتداء على الكويتِ بل شدد بالأخص على معاهدة عدم الاعتداء المبرمة مع السعودية وأنه سيراعي مبادئها بشكل مقدسِ وعلق صدام حسين على أنباء مرابطة القوات العراقية على خط الحدود مع السعودية بالمختلقة بهدف 'اعطاء الحجة للتدخل في شؤون المنطقة وتبرير العدوان على العراق'ِ وفي غضون ذلك أنذر الولايات المتحدة من التدخل في شؤون دول الخليج وفي 'العلاقات الأخوية' بين العراق والسعودية قائلا: 'أن العلاقات الطيبة بين العراق والسعودية لا تعود بضرر ما على الولايات المتحدة، بل هي أحد عوامل الاستقرار في المنطقةِ لذا سيخل التدخل في العلاقات بين العراق والسعودية باستقرار المنطقة وسيلحق أضرارا بمصالح الولايات المتحدة'ِ ولم ينته الأمر بدون توجيه التهديداتِ فقد لوح صدام حسين الى أنه في حالة عقد الصلح بين العراق وايران ستجد الولايات المتحدة نفسها في 'حالة صعبة' واذا بدأت الحرب فستهزم فيهاِ وأورد مقتطفا مما حصل مع جيمس ويلسن كما جاء في كتاب بوش وسكوكروفت يستشهد فيه ويلسون بأقوال صدام حسين: 'اذا رغب الرئيس بوش في المحافظة على المصالح الأميركية كما وصفها نفسه فإن تصعيد التوتر والخيار العسكري يناقضان هذه المصالحِ سأقول لكم كيف ستنهزمون: انكم القوى العظمى وأعرف أنه في وسعكم الحاق الخسارة بناِ ولكنكم أنفسكم ستفقدون المنطقة كلهاِ ولن يتسنى لكم اخضاعنا أبداِ ستتمكنون من تدمير جزء من قاعدتنا الاقتصادية والصناعية، ولكنه بقدر ما تكبر الخسارة التي ستلقونها بنا، بقدر ما تورطون أنفسكم في حالة أصعبِ لن نجلس في مثل هذه الحالة في المنطقة دون عمل 'ونكش الذباب'ِِ انقلوا للرئيس بوش أن عليه أن ينظر الى أمير الكويت وولي عهده كأنهما تاريخِ لن نعيد الكويت الى أحد ما أبدا ولن نجعلها غنيمة باردة حتى لو اجتمع العالم بأسره ضدناِ سنقاتل ونقاتلِِِ نعرف أنكم دولة عظمى قادرة على الحاق الضرر الكبير بنا، بيد أننا لن نستسلم أبدا'ِ سعى صدام بنقله الرسالة الى بوش بواسطة ويلسون للحيلولة دون ظهور القوات الأميركية في السعوديةِ وبلا شك كان هذا الهدف الرئيسي لدعوة القائم بالأعمال الأميركي من قبل الرئيس العراقيِ غير أن هذه الخطوة لم تأت بالنتيجة المرغوبة: لقد جنحت واشنطن تجاه المواجهة العسكريةِ ولم تتمكن ثقة صدام بنفسه من تثبيت عزيمة واشنطن فحسب، بل لتلقين بغداد درسا قاسياِ ومن أجل ذلك حشدت قواتها المناسبة في منطقة الخليجِ
ضم الكويت
كان العدوان العراقي على الكويت خطأ بلا شكِ ومن المرجح أن أصوله كانت تعود الى التقدير غير الصحيح لطابع ونطاق ردود الفعل الذي أثاره في العالمِ لم تزل بعد الحرب العالمية الثانية أية دولة ذات سيادة عن الخريطة السياسية نتيجة الاستيلاء أو الاحتلالِ ولا يسمح القانون العالمي المتجسد في ميثاق الأمم المتحدة بذلكِ ولم تتمكن كيفية وتدابير الضم في تضليل أحدِ كانت وسائل الاعلام العراقية تعلن بغطرسة ان 'حكومة الكويت المؤقتة توجهت الى اخوانها العراقيين أبطال القادسية وحراس البوابة الشرقية للوطن العربي الذين يقودهم فارس الأمة العربية وزعيم مسيرتها البطولية المهيب صدام حسين بنداء طالبته فيه بالموافقة على عودة الأبناء الى عائلاتهم وعودة الكويت الى حضن الأم العراق العظيم'ِ واتخذ مجلس قيادة الثورة العراقي في اليوم نفسه قراره ب 'الموافقة'ِ وبدا كأن الكويت زالت من الوجود، والصحافة العراقية استمرت بحماس تستشهد بأقوال صدام حسين: 'عاد الفرع الى الأصل' و'عاد الغصن الى جذعه'، 'نحن الآن شعب واحد ودولة واحدة ستصبح فخرا للعرب'ِ وكان رد فعل المجتمع الدولي سريعا وذا مدلول واحدِ ومن جانبنا أعددنا بتكليف القيادة بفاعلية نص تصريح وزارة الخارجية السوفيتية (المؤرخ في 9 أغسطس والمنشور في اليوم نفسه) الذي ثبت فيه أسفنا في أن الأمل في حل سريع للأزمة لم يحدثِ فلم يسحب العراق قواته من الكويت فحسب، بل وأعلن عمليا ضم هذا البلدِ وجاء في التصريح: 'يصعب علينا ويوجع صدورنا عندما نصف على هذا النحو أعمال العراق، البلد الذي تربطنا به علاقات ودية قديمةِ فقد أردنا الحفاظ على هذه الصداقة، غير أننا لا نستطيع في هذه الحالة أن نقف ساكتين ونتصرف خلافا لضميرناِ ويبقى موقفنا حيال هذه المسألة مبدئيا وثابتا: يجب أن تعود بالكامل سيادة دولة الكويت واستقلالها ووحدتها الاقليمية'ِ انحصرت خصوصية هذا التصريح في أنه كان مرسلا علاوة لبغداد، الى واشنطن أيضاِ لأن الحديث يدور فيها عن نشر قواتها المسلحة في السعوديةِ حيث جاء في التصريح ان 'الاتجاه الى تصعيد الأزمة يتزايد بسرعة للأسف، ويثير تطور الوضع قلق موسكو'ِ وذكر أيضا انه من المهم جدا في مثل هذه الظروف ابداء الرشد واستخدام البصيرة من أجل الحيلولة دون وقوع أعمال تحرج القضيةِ وقيل ان 'الاتحاد السوفيتي يعارض المراهنة على استخدام القوة واتخاذ القرارات من جانب واحدِ وتثبت تجارب السنوات العديدة ان أفضل طريقة لحل النزاعات هي اتحاد الجهود الجماعية وفق آلية الأمم المتحدة بالكامل'ِ ليس من الصعب ادراك ما أثارته هذه السطورِ فقد اتخذ مجلس الأمن الذي اجتمع بطلب من الكويت والبحرين وقطر والامارات العربية وعمان والسعودية بالاجماع القرار 662 الذي أعرب فيه عن القلق العميق جراء اعلان العراق 'التوحد كليا والى الأبد' مع الكويتِ وقرر ان 'ضم الكويت الى العراق، مهما كان شكله وحججه غير شرعي وباطل'ِ ودعا مجلس الأمن جميع الدول والمنظمات الدولية الى 'عدم الاعتراف بهذا الضم والامتناع عن أية أعمال أو اتصالات يمكن تفسيرها كاعتراف غير معلن بالضم'ِ وطالب مجلس الأمن بأن 'يتخلى العراق عن كل الخطوات الموجهة نحو ضم الكويت'ِ وسمع أعضاء مجلس الأمن ردا على ذلك من ممثل العراق في الأمم المتحدة ما يلي: 'تصرح حكومتي من جديد بأن وحدة العراق والكويت لا تتزعزع'ِ وأعلن صدام حسين في 10 أغسطس في خطابه الدوري 'الجهاد' ضد كافة القوات الأجنبية في الخليجِ ودعا جميع المسلمين للانضمام اليه من أجل 'الدفاع عن المقدسات الاسلامية في مكة من التطاولات الأميركية والصهيونية'ِ
القمة العربية ومبادرة صدام
وضع ضم الكويت المعلن من بغداد حكومات الدول العربية في موقف لا يمكنها الا أن تستنكر هذا الفعلِ وبطبيعة الحال، حصل بكل ما يحمل من خصائص تتعلق بموقفي الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينيةِ وكان موقف العالم العربي موحدا بما فيه الكفايةِ غير أن هذا لا يعني ان تصرفات بعض الزعماء العرب الموالية للعراق انتهت بذلكِ كانوا يستمرون باستنكار الضم قولا وعمليا يبحثون عن صيغة قرار يرضي بغدادِ ومزجت أكثرية البلدان العربية التي لم تدخل في تحالف ضد صدام حسين موقف 'لا' المزدوج: لا لضم الكويت، لا للحضور الأجنبي في منطقة الخليج (الغربي والعربي على السواء)ِ
انشقاق سياسي
أضعف الانشقاق السياسي الناشئ في العالم العربي بحدة امكانية التأثير على الوضع في الاقليمِ فلو قام جميع رؤساء الدول العربية بالضغط المتفق عليه على بغداد، لكان بامكان ذلك تحويل مجرى الأحداث نحو الحل السلميِ ومع ذلك، كانت موسكو تعلن عن أسفها للانشقاق الحاصل والذي أصبح واقعاِ واستمرت بعملها النشيط معللة نفسها بآمال باهتة لكي لا تسقط دور العامل العربي من الحسبانِ وانطلاقا من هذا، أعدت وزارة الخارجية السوفيتية عندما علمت عن عقد لقاء القمة العربية الاستثنائي في القاهرة خطابا (أقره ميخائيل غورباتشوف) موجها للرئيس المصري حسني مبارك جاء فيه ان الاتحاد السوفيتي اتخذ منذ البداية موقفا واضحا وثابتاِ وأشير في الخطاب الى أن موقفنا ليس فيه أي شيء معاد للعراقِ بل العكس، كنا نسعى لمساعدة العراق للخروج بأدنى خسارة من الوضع الذي أوقع نفسه فيهِ ومن وجهة نظرنا، سمح تنفيذ قرار مجلس الأمن 660 بالتوصل الى هذا بلا اهانة لهيبة العراقِ وأعرب الرئيس السوفيتي عن ترحيبه بعقد لقاء رؤساء الدول العربية العاجل وتمنى له النجاح في البحث المشترك عن امكانية اخماد الحريق في الخليج واعادة السلام والاستقرارِ ولكنه وانطلاقا من عدم تعديل بغداد لتصريحاتها، لم تقبل القيادة العراقية كما كان ينبغي لقاء القمة العربية ودروسهِ وبدلا من ذلك، بدأ نضالها من أجل تعبئة الرأي العام العربية واثارة عواطف 'الشارع العربي' بنشاطِ وأعتقد ان علينا أن ننظر الى مبادرة صدام حسين المعلنة في 12 أغسطس من هذا الجانب، والتي حددت هدفين: 'المساعدة على اقامة السلام الحقيقي في المنطقة واعادة الاستقرار اليها وكشف خداع الولايات المتحدة وحليفتها الحقيرة اسرائيل وكشف النقاب عن خدمتها للجرائم التي ترتكبها'ِ وبسط مضمون المبادرة في ثلاث نقاط: الأولى، اقترح بسبب تقادم الأحداث، انسحاب القوات الاسرائيلية من الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية ومن ثم انسحاب القوات السورية من لبنان وأخيرا انسحاب القوات العراقية والايرانية من الأراضي التي تحتفظ كل منها بهاِ وبعد كل ذلك يمكن مناقشة مسألة الكويت، ولكن 'مع الأخذ بنظر الاعتبار حقوق العراق التاريخية في الكويت وخيار شعب الكويت'ِ الثانية، انسحاب القوات الأميركية والقوات الأخرى من السعودية واستبدالها بقوات عربية حسب خيار مشترك للعراق والسعودية وبعدم مشاركة مصرِ وطالبت النقطة الثالثة بتجميد كافة تدابير المقاطعة والحصار ضد العراق بلا تأجيلِ
محاولة للمماطلة
رفضوا في الغرب فورا مبادرة العراق وقدروها كمحاولة رامية للمماطلة في مسألة تخص الكويت بتقديم مشاكل التسوية العربية ـ الاسرائيلية التي يصعب حلهاِ وبالفعل لم تلق المبادرة بشكلها وبمضمونها قبولا آخرِ فقد توجهت الى المستمعين العرب وفي العراق نفسه، آخذة في الاعتبار استثمار العواطف العربية تجاه القضية الفلسطينية والكراهية المنتشرة بصورة واسعة ضد الولايات المتحدة في العالم الثالث على السواءِ وقرروا في بغداد بعد أن اقتنعوا بأن واشنطن انتقلت بحدة وحزم من سياسة مداعبتها الى معارضتها بأنه لم يبق لها شيء سوى رفع علم معاداة الولايات المتحدةِ وحصلت بغداد على مردود سياسي معين من ذلك بلا شك، بل أكثر منهِ فمن المفهوم أن منظمة التحرير الفلسطينية رحبت بحماس بالمبادرة العراقية، بيد أن صوت هذه المنظمة فقد سمعته لوقت ما عندما شهرت بها مساندتها الاستيلاء على الكويتِ وطرح أمام موسكو السؤال: كيف ينبغي الرد بالفعل على هذه الحالة؟ لم نرد التزام الصمت ولا ينبغي أن يحصل هذاِ فقد كانت تطرح مختلف الأسئلة من الصحافيين واهتم العراقيون أيضا بموقفنا من مبادرة رئيسهم 'التاريخية'ِ وفي رأيي أن صدام حسين دخل في ورطة لعدم واقعية مبادرته والتهديدات التي حملتهاِ وكان فيها شيء مفيد واحد: الاشارة الى عدم تسوية النزاع العربي ـ الاسرائيليِ وبما أن الاتحاد السوفيتي كان يقدم خلال سنوات عديدة أفكاره الخاصة بعقد مؤتمر دولي لمناقشة التسوية الشاملة في الشرق الأوسط، فإن ذلك ذكر بمقترحاتناِ ولأن مشكلة الكويت خرجت الى الواجهة السياسية وتتفاقم أكثر فأكثر، فقد كانت تغلف في جوهر الأمر، فرصة الانتقال للنظر الى المشكلة العربية ـ الاسرائيلية العتيقة والمؤلمةِ لم تستنكر موسكو المبادرة ولم تمدحها علانيةِ وكان أدوارد شيفرنادزه يجيب عن أسئلة الصحافيين على النحو التالي تقريبا: 'أظن ان ثمة عناصر تستحق الاهتمامِِِ ندرس تفاصيل خطاب الرئيس العراقي كافةِِ غير أننا كنا نعطي في أحاديثنا مع العراقيين تقديراتنا الصريحة تماما على هذه المبادرةِ وأشرنا الى خطر نهج بغداد في المماطلة لحل النزاعِ وكانت المبادرة موضوع حديثي مع السفير العراقي في 16 أغسطس حيث أشرت الى نقاط الضعف فيها وقبل كل شيء المطالبة بسحب القوات المتضمنة في المبادرة باحتلال أراضي الغيرِ وكذلك استشهدت من جديد ب 'حقوق العراق التاريخية' في الكويت واضطررت للادلاء بوجهة نظرنا في خطورة هذه الاشارةِ وأكدت للسفير اننا لا نستطيع الموافقة على ضم الكويت ونرى على وجه العموم ان استناد السياسة المعاصرة على حجج قديمة من أجل تخطيط الحدود أمر خطير للغايةِ وضربت له مثلا من التاريخ الروسي، فقد كانت فنلندا وبولندا قبل الحرب العالمية الأولى تدخلان في قوام الامبراطورية الروسيةِ بينما لا يشك أحد الآن، بما في ذلك الاتحاد السوفيتي في استقلالهماِ وثمة الكثير من الأمثلة من هذا القبيلِ فقد نشأت العشرات من الدول المعاصرة على أنقاض الامبراطوريات السابقةِ ويكون من غير الشرعي الغاؤها من الخريطة السياسية أو وضع متانة الحدود المتكونة تحت الشكِ واعتبرنا هذا مبدأنا الأساسي وكنا ندافع عنه وسندافع عنه في المستقبل أيضاِ واذا خرق أصدقاؤنا هذا المبدأ فسنقول لهم بصراحة اننا لا نسلم بذلك'ِ وسأعود لاحقا الى مبادرة العراق المؤرخة في 12 أغسطسِ وما أن أعلن صدام حسين مبادرته 'للتسوية الشاملة'، زار الملك حسين واشنطنِ وكان قد زار بغداد قبلهاِ حاول العاهل الأردني امالة الرئيس بوش الى تأييد المبادرة العراقية ولم ينجح في ذلك بطبيعة الحالِ وعرف بوش في النتيجة ان الملك حسين يلعب دور شفيع بغداد، وأدى ذلك الى تبريد العلاقات الحارة جدا بين البيت الأبيض والملك الأردنيِ
نتائج القمة العربية
استمر لقاء القمة يومين (9 و10 أغسطس) بشكل عاصف ومتوتر وساعد على ذلك سلوك الوفد العراقيِ لم يصل صدام حسين الى اللقاء وان كان مدعواِ وقوض غياب الرئيس العراقي في لقاء القمة فرصة البحث العملي عن القرار المقبول ودلت طريقة ظهور الوفد العراقي نفسها في القاهرة على الكثيرِ فقد وصل الوفد العراقي الى القاهرة بصحبة مائة جندي مزودين بالبنادق الرشاشةِ وبالرغم من سلوك ممثلي العراق القاسي وعملهم النشيط في أروقة اللقاء، لم يتسن لهم تحقيق مهمتهم الرئيسية وهي الحيلولة دون اتخاذ قرار رسمي للقمة حول جوهر المسألة الخاصة بالكويتِ زد على ذلك، ساعد عدم الرغبة العنيفة للمصالحة التي أبداها العراقيون في لقاء القمة في تكتل أكثرية رؤساء الدول العربية ضد العراق وخاصة فيما يخص مستقبل الكويت كدولة مستقلةِ وأكد لقاء القمة على قرار مجلس جامعة الدول العربية المتخذ في 3 أغسطس وعلى بيان منظمة المؤتمر الاسلامي المؤرخ في 4 أغسطس وأشار الى طابع القرار 660 الالزامي لمجلس الأمن واستنكر العدوان على الكويت وأقر عدم الاعتراف بضمها مؤكدا على سيادة الكويت واستقلالها وأيد عودة حكومتها الشرعيةِ وأصبح قرار القمة العربية الخاص 'بالرد ايجابيا على طلب السعودية وبلدان الخليج العربية الأخرى بارسال القوات المسلحة العربية لأجل مناصرة قواتها الخاصة من أجل الدفاع عن أراضيها وأمنها الاقليمي من أي تدخل خارجي'، ظرفا جديدا ومبدئياِ وبارك لقاء القمة بذلك انضمام القوات المسلحة العربية الى القوات متعددة الجنسياتِ ومنذ الآن فلن تواجه القوات العراقية القوات المسلحة الأميركية فحسب، بل ستواجهها أيضا القوات العربية التي لا تقع في الخليجِ وأضفي الى تلك القوات المتشكلة 'ايميج' التحالف الدولي الذي تمتع بتأييد سياسي من قبل المنظمة العربية الرئيسيةِ صوت مع هذا القرار 12 بلدا عربيا وعارضته ليبيا والعراق وامتنع عن التصويت الأردن واليمن والجزائر وأعلن عن تحفظات مختلفة كل من السودان وموريتانيا ومنظمة التحرير الفلسطينيةِ ولم تشترك تونس في لقاء القمةِ وكان توزيع الأصوات في لقاء القمة دليلا بالطبع، على انعدام الوحدة في العالم العربيِ غير أن انعقاد القمة بحد ذاته وطبيعة قراراته دل على أن العالم العربي لا ينوي التسليم بما فعلته بغداد متخذا نهج الضغط عليها بغية دفعها للانصراف من الكويت اختيارياِ أردنا أن تقبل بغداد بقرار قمة القاهرةِ وأعلنا تقديراتنا لنتائج القمة في بيان وزارة الخارجية السوفيتية المؤرخ في 11 أغسطس والذي جاء فيه: 'نرحب بادراك العرب لدورهم ومسؤوليتهم بمصير السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وعن ضرورة حل الأزمة الناشئة في الخليج بأسرع وقت ومنع تحويلها الى حريق كبير سيلحق خسائر باهظة بمصالح الشعوب العربية والأمن والسلام الدوليين'ِ وشددت جامعة الدول العربية موقفها من العراق في 31 أغسطسِ حيث لم تطالب بخروجه من الكويت فحسب، بل بدفع التعويضات لها مقابل الخسائر التي ألحقتها بهاِ وكان ذلك ردا على أولئك العرب الذين اقترحوا ان يحصل العراق على مبلغ ما لقاء انصرافه من الكويتِ
يتبع ...... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الأحد يوليو 26 2015, 19:26 | |
| الحلقه 8 من المرجح انه لم يثر في المجتمع الدولي الرفض بلا قيد أو شرط كما أثار اجراء العراق بضم الكويتِ ولم يساعد أي شيء آخر على الاسراع بتكوين التحالف السياسي والعسكري كما فعله هذا التصرفِ وفي الحقيقة، كانت بغداد تضرب بيدها وبسلاحها نفسها وشعبهاِ وهكذا، أصبح تشكيل القوات متعددة الجنسية من الناحية القانونية الرد على دعوة الكويت لمساعدتها وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بسبب تعرضها لعدوان ارتكب ضدهاِ وبما أن أراضي الكويت نفسها قد احتلت، فمن الممكن تمركز القوات في البلدان المجاورة أو الواقعة على مقربة منهاِ وكانت هذه البلدان في المقام الأول السعودية والبحرين والاماراتِ والسعودية دعت القوات الأجنبية بعد أن وجدت نفسها بتماس مباشر مع التشكيلات العراقية الضخمة في الكويت وكان ذلك أساسا قانونيا اضافيا أيضاِ وانحصر أحد أخطاء بغداد الخطيرة في أنها اعتدت على الكويت بقوات تتجاوز كثيرا تلك التي كانت بحاجة اليها للاستيلاء على البلدِ حيث اشترك في التدخل جيش قوامه 120 ألف شخص لا يحتاج سوى 48 ساعة للقفز على آبار السعودية النفطية الرئيسية لو طرحت هذه المهمة أمامهِ أقلق هذا الأمر السعودية بالطبع وكذلك البلدان المستهلكة للنفطِ وكان العامل النفطي، أحد أقوى حوافز تكوين قوات التحالفِ وامتزجت مهام تحرير الكويت والدفاع عن السعودية وتأمين المصالح النفطية حالا وعمليا مع بعضهاِ المشاركة السوفيتية
ولعبت الولايات المتحدة دور الزعيم في تشكيل قوات التحالفِ لهذا حصلت على المناصب الرئيسية في هذه القوات (كانت السعودية مشاركة في قيادة العمليات)ِ وشاركت الدول الأخرى بشكل طوعي ولم تغفل واشنطن وسائل التشجيع (اطفاء الديون، المساعدة المالية الجديدة، امدادات الأسلحةِِ....الخ)ِ غير أن دبلوماسية بوش الشخصية ورحلات بيكر الكثيرة والمتعددة الى الخارج كانت الأدوات الرئيسية لتشكيل هذا التحالفِ فقد أجرى الرئيس بوش في أغسطس ـ سبتمبر 231 مكالمة هاتفية مع رؤساء الدول الأخرى بشأن قضية الكويتِ ولم تلبث نتائجها أن تظهر بوضوح بتشكيل قوات التحالف بسرعة نسبيا وعلى أساس دولي واسع ومركب عربي واسلاميِ وكان هذا الأمر مهما للغاية من الناحية السياسيةِ غير أن القوات المسلحة الأميركية كانت في جميع المراحل باستثناء المرحلة الأولى، العمود الفقري للقوات وهيكلها الرئيسيِ أفهم جيمس بيكر في مكالمة هاتفية مع أدوارد شيفرنادزه عن قرار ارسال القوات الأميركية الى العربية السعودية بوضوح وأضاف بأنه لا يعارض بالمرة ظهور تشكيلات عسكرية سوفيتية أيضا في هذا البلدِ وكان الأميركان يعودون الى هذه المسألة أكثر من مرة على مختلف المستويات بما في ذلك الرئاسيةِ وعلى سبيل المثال طلبوا منا المشاركة في قوات التحالف لأجل مراقبة الملاحة في الخليج والبحر الأحمرِ وتوجهت الكويت الينا بطلب مماثل (كانت تريد أن يشارك في القوات الدولية البحرية جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين)ِ أرسل الاتحاد السوفيتي الى الخليج سفينة متوسطة مضادة للسفن ومدمرةِ ليس للمشاركة في قوات التحالف، بل كما أعلن رسميا، من أجل مساندة السفن التجارية السوفيتية اذا اقتضى الأمرِ فالاتحاد السوفيتي قد اعتذر قبلا عن المشاركة في تأمين الحصار البحري ضد العراق، في وقت كانوا يرغبون بنشاط في مشاركتنا في الاجتماعات التنسيقيةِ وتوجهت لنا المملكة العربية السعودية بطلب المشاركة في قوات التحالف البريةِ وكانت المسألة جدية بالطبعِ ولحسن الحظ، تكون في موسكو اتفاق كامل للآراء حول ضرورة امتناع الاتحاد السوفيتي عن قبول هذه الدعواتِ لم يكن موقفنا معاديا للكويت أو السعوديةِ وكانت التعليلات قبل كل شيء منصبة على خصائص الحقبة الصعبة الداخلية التي تمر بها بلادنا في ذلك الوقتِ ولم يدر الحديث عن ارسال قوات الى الخارجِ بالاضافة الى ذلك، كانت موسكو كما قد أشير، تميل الى تذليل أزمة الكويت بواسطة الحلول السلمية بالحوار مع بغداد والضغط السياسي والاقتصادي عليها وتقوية هذا الضغط اذا اقتضى الأمر وكانت تعارض التدابير العسكريةِ تملص الاتحاد السوفيتي مسترشدا بهذا النهج وحتى من تلك الطلبات كالمشاركة في نقل القوات وأسلحة البلدان المشاركة في التحالف بواسطة السفن التجارية السوفيتية الى منطقة الخليج (طلب الأميركان والسوريون منا هذا بشكل خاص)ِ وكانت موسكو في الوقت نفسه، تعتبر أن النواحي العسكرية ينبغي أن تبقى ضمن اختصاص مجلس الأمن كما تقضي بذلك المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على الترابط المتبادل بين حق الدول في الدفاع الذاتي والجماعي وبين صلاحيات مجلس الأمنِ وكان من المهم تأمين ذلك النظام الذي يستبعد امكانية تشغيل آلية القوات المتعددة الجنسية بدون موافقة مجلس الأمنِ وكانت الدبلوماسية السوفيتية تمارس هذا النهج وتذود عنه بلا تغييرِ وقدم الاتحاد السوفيتي بنشاط فكرة اجراء هذا العمل في اطار هيئة الأركان العسكرية التي تشير اليها المادة 47 من ميثاق الأمم المتحدة بهدف تقوية آلية الأمم المتحدة بشكل أوثق من أجل مراقبة الوضع العسكري والسياسي في منطقة الخليج واعداد التوصيات اللازمة لمجلس الأمنِ وعلى هذه اللجنة التي تتكون من رؤساء هيئة الأركان العامة للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن أو ممثليهم أن تعطي وفقا لميثاق الأمم المتحدة 'النصائح وتبدي المساعدة لمجلس الأمن في كافة المسائل العسكرية التي تساعد المجلس على احلال الأمن والسلام الدوليين'ِ غير أن 'الحرب الباردة' قضت على هذه الهيئة بالكسل ووجودها أصبح شكليا و'عملها' انحصر في لقاءات دورية للممثلين العسكريين للدول الخمس وكان يجري انتخاب واحد منهم كرئيسِ واستمر حالها على هذا النحو أكثر من 40 سنةِ وخلال الحرب العراقية ـ الايرانية وعندما نشأت مشاكل حرية الملاحة في الخليج، اقترحت موسكو تفعيل لجنة الأركان العسكرية بغية تحديد الخطوات الجماعية الممكنة، غير أنها لم تحصل على تأييد حينذاكِ وطرح الاتحاد السوفيتي الآن، عندما بدأ تشكيل قوات التحالف هذه المسألة من جديد أمام الولايات المتحدة وأعضاء مجلس الأمن الدائمينِ ومن المفهوم أن سبب الطرح لم ينبع من الرغبة في المحاربة، بل في توطيد امكانيات مجلس الأمن لكي يقوم بهيبة وتوازن بدوره ليس بمناسبة الحالة الكويتية فحسبِ وعندما حاولنا بعث هيئة الأمم المتحدة انسجاما مع الظروف الدولية المعاصرة، وضعنا في حسابنا المستقبلِ وكيفية تطوير قدراتها لكي تستطيع التغلب على حالات تتخذ لها طابعا عسكرياِ وكنا نعتقد أن الأزمة العراقية ـ الكويتية لن تكون الأخيرةِ ولذا كان من الواجب التفكير في كيفية تعامل الأمم المتحدة مع مثل هذا النوع من المشاكل في المستقبلِ فتح شيفرنادزه الموضوع عن لجنة هيئة الأركان العسكرية مع بيكرِ وكنت التقي مع سفراء البلدان الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لغرض توضيح موقفناِ ونبهتهم الى انه من الممكن ضم أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين ودول أخرى على أساس اختياري الى لجنة هيئة الأركان، فذلك لا يخالف الميثاقِ ورأينا بأن ذلك يضمن الحفاظ على الموقف الديموقراطي من استخدام اللجنة عند المحافظة على دور الدول الخمس المتصدر للآخرينِ تسنى لنا هذه المرة تحريك الصخرة من مكانها بعض الشيءِ فقد تمت المشاورات في بداية الأمر مع الولايات المتحدة ومن ثم مع أعضاء مجلس الأمن الآخرينِ وعقدت جلسة غير رسمية للجنة هيئة الأركان العسكرية في نيويورك واشترك فيها نائب رئيس هيئة الأركان العامة السوفيتيةِ ولكن الأمر جمد فيما بعد (وليس بذنبنا بطبيعة الحال)ِ غير أنه وضعت بداية ما ولو متواضعة لبعث نشاط لجنة الأركانِ
نهب الكويت
ليس ثمة حاجة للكلام عن متابعتنا المحيرة والضجرة والقلقة من سلوك بغداد وأخطاء القيادة العراقية الفاحشة التي كانت ترتكب الواحد تلو الآخرِ وكان نمط سلوك العراقيين في الكويت أحد هذه الأخطاءِ كنا نستلم من سفارتنا أخبارا تبعث القلق أكثر فأكثر في هذا الصددِ وكانت صورة الكرب الواقع ترسم بايجاز بواسطة البرقيات المشفرةِ وعندما عاد مواطنونا من الكويت تمكنوا من التحدث بالتفصيل عما عانوه ورأوهِ وبدا وضع البلد المحتل قبيحا جداِ ونشرت جريدة 'ايزفيستيا' في عدة أعداد نبذة عن مراسلها في الكويت بوريس ايفانوف كشاهد عيان للأحداثِ ويتفق حديثه مع ما سمعته من أعضاء بعثتنا الدبلوماسية الذين عادوا الى موسكو في آن واحد معهِ وأردت ايراد بعض المقاطع من هذه الشهادة التي أثرت تأثيرا على تشكيل موقف المجتمع (الروسي ـ ج) من الأحداث في منطقة الخليجِ كتب الصحافي: 'يقبض صدري عندما أرى كيف ينهبون العاصمة ويدمرونهاِ صحيح أنه لم تحدث في بداية الأمر حالات السلب والنهبِ لكنه بدأ التكلم عنها بعد عدة أيام من الغزوِ وبحكم كل شيء وبعد أن أدركت بغداد بأنه لم يتسن لها تشكيل 'الحكومة الثورية الجديدة' المذعنة لها من الكويتيين، تخلت عن هذه النية وسلمت المدينة للمنتصرين ليستبيحوها كما كان يحدث في أوقات الحروب في القرون الوسطىِ وعندما أعلن العراق ضم الكويت بلغت حالات النهب والسلب حدا ساحقاِ اليكم بعض المشاهد التي رأيتها في شوارع عاصمة الكويت في تلك الأيامِ يقف جندي عراقي وسط المدينة في أحد الشوارع التجارية الرئيسية وأمام واجهة أحد محال المجوهراتِ يمعن النظر باهتمام في المصوغات الموضوعةِ يختارِ ثم يرفع عن كتفه البندقية الرشاشة ويهوي بمؤخرتها على الزجاجِ بعدها يأخذ كل ما هو موجود ويدسه في جيوبهِ يناقش قرب هذا المكان عدة جنود بهمة على ما يبدو نتائج 'حرفتهم'ِ ويعرض أحدهم يده مطوقة بعشر ساعات تقريباِ ثم يخرج من حقيبته صندوقا من الكرتون يحوي جهاز استقبال ومن ثم الصندوق الثاني والثالثِِ أصبحت الحقائب والكراتين لوازم العراقيين العادية كالسلاحِ وكانت المحال الصغيرة والدكاكين الضحايا الأولى للنهبِ ثم انتقل العراقيون الى المحلات الفاخرةِ ووصلت تكنولوجيا النهب بمرور الوقت الى الكمالِ كان الضابط يقترب مع جنوده بالسيارة من المحل التجاري المختار من قبلِ يحطم الجنود البوابة ويشحنون بانتظام البضائع في السيارةِ ولم يكونوا ينهبون بالمفرد، بل بالجملةِِ وجاء أسبوع الاحتلال الثاني ببدعة أخرىِ بدأت تصل من العراق الى الكويت قوافل 'قطاع الطرق' تحملهم الباصاتِ وعلى أثرهم كان النهابون يندفعون بسياراتهم الشخصية وحتى بالتاكسيِِ كانت المدينة تندفع في نهاية الأسبوع الثالث من الاحتلال نحو الظلامِ وأصبح مركز المدينة الذي كان يتميز في الماضي القريب بالنقاء الفائق الى مقلب للزبالةِ وغطت الشوارع بقايا الزجاج المكسر وحطام الخرسانات والأمتعة الملقاة بفوضىِ فبعد بداية العمليات الحربية أنهت مرافق الخدمات أعمالها في المدينةِ وتراكمت في الأحياء السكنية تلال النفايات وكان خطر تعرض المدينة لأوبئة شديدا خاصة ان الحرارة بلغت 45 درجة مئويةِ كان الغزو العراقي بالنسبة لغالبية سكان الكويت مفاجأة وصدمة كبرىِ ولم تصل القوات العراقية الى الكويت بحرية كما كانت بغداد تؤكد ذلك علنا، بل صاحبتها المشاكل والتهديد والجوع والتخريب والخوف حتى على حياة أفراد القوات أنفسهم'ِ وكان سكان الكويت الذين تسنى لهم ترك بلادهم يتحدثون عن صور مشابهة وأكثر مأساةِ ومن بينهم المواطنون الأجانب العاملين هناك: الهنود، الباكستانيون وعشرات الجنسيات الأخرىِ وامتلأت الصحافة العالمية وقتذاك بهذه الأحاديثِ
تقسيم الكويت
وبدا لبغداد أن الاعلان عن مزج الكويت بالعراق غير كافِ وقرروا هناك تقسيم الكويت نفسهاِ ففي نهاية أغسطس نقل القسم الشمالي من الكويت الى احدى محافظات العراق، بينما أعلن القسم المتبقي بالمحافظة العراقية ال 19. وأعيدت تسمية عاصمة الكويت الى مدينة كاظمة، لكي لا يذكر شيء عن الكويت كدولةِ وبعد ضم الكويت انتابني شعور بأن الحالة لو تطورت على هذا النحو فمن المشكوك فيه اجتناب الحربِ وكان هذا الشعور يقوى بما تظهره بغداد بمختلف الطرق عن عزمها عدم مغادرة الكويتِ لم أخف أسوأ شكوكي في حتمية انهزام العراق لو وصل الأمر الى الحرب عن زملائي في وزارة الخارجية وخارجها ولا عن العراقيينِ وتكون لي من مناقشاتي مع أدوارد شيفرنادزه انطباع بأنه كان ينظر خلال شهور الأزمة الأولى الى الحالة ليس بهذا القدر من العتمة، ظانا بأن صدام حسين كانسان يفكر بشكل واقعي لابد أن يتوقف لحظة ما من أن يمني نفسه بالأوهام ويكف عن البلفِ ومع ذلك لم تكن هذه الثقة بالنتيجة الأفضل تحول الوزير من النضال من أجل حل الأزمة سلميا ووضع هذه المهمة بالمقام الأولِ عموما، دار الحديث عن اخلاء آلاف الأشخاص والوقت الذي سيستغرقه ذلك والذي كان يبدو غير كافِ ولهذا السبب استعجلت موسكوِ وقامت سفارتنا في بغداد والقنصلية العامة في البصرة بعمل كبير في توضيح حقيقة الأمر وأتت جهودهما بالنتائجِ بدأ الخبراء يصلون ببطء في المراحل الأولى ثم أسرع فأسرع بعد أن أدركوا بأن مزاج الطرب السائد لدى العراقيين بعد ضمهم للكويت تضليل يهدد بالتحول الى مأساة لكل من يقف على أراضي العراقِ وبرزت صعوبة أخرى التغلب عليها عقد من المسألةِ وهي عدم سماح السلطات العراقية لمواطنينا بالرحيلِ وفي هذا الصدد لابد من التوقف عند موقف بغداد الحازم تجاه المواطنين الأجانب الذين كانوا في الكويت والعراقِ لا يجوز استبعاد فكرة استخدام الأجانب كأداة للضغط على حكومات تلك البلدان التي ينتسبون اليها في عداد عناصر بغداد السياسية في تحييد العمل المضاد للاستيلاء على الكويتِ ففي 4 أغسطس أعلن عن ترحيل مجموعة الأجانب الأولى باعتبارهم غير مرغوب فيهم (35 مستشارا عسكريا انكليزيا عملوا مع القوات الكويتية و10 بحارة عملوا في ناقلة النفط الأميركية الراسية في ميناء الكويت)ِ وسمع في 5 أغسطس من اذاعة بغداد الانذار التالي: يجب أن تتذكر تلك البلدان التي تلجأ الى معاقبة حكومة الكويت الحرة المؤقتة أو العراق الشقيق بأن لها في الكويت مصالحها ومواطنيهاِ بدأت حملات الاعتقال في 6 أغسطس في الكويتِ ونقلت مجموعات الأجانب وبالأخص الأميركيين الى العراقِ وفي النتيجة تم نقل مئات الأجانب بمن فيهم النساء والأطفال من بلدان: الولايات المتحدة، انكلترا، فرنسا، ألمانيا، ايطاليا، بلجيكا، هولندا، البلدان الاسكندنافية، استراليا، اليابان وبعض البلدان الأخرى قسرا من الكويت الى العراق حيث تم احتجازهمِ وأخبرت بغداد في 9 أغسطس بأنه لن يسمح لآلاف الأجانب الموجودين في الكويت والعراق بتركهماِ واتخذت حملة حجز مواطني البلدان الغربية (وليس وحدهم) طابعا شاملا تقريباِ بناء على ذلك، أعرب مجلس الأمن في 17 أغسطس عن قلقه على مصير الأجانب في العراق والكويت وتوجه الى الأمين العام للأمم المتحدة بطلب اتخاذ كافة الاجراءات الضرورية لأجل حل هذه المشكلةِ ولكن لم تمر عدة ساعات حتى أحرجت شفتا رئيس البرلمان العراقي الوضع أكثرِ عبرت كلماته عن أن جميع مواطني بلدان التحالف سيحجزون في العراق طالما خطر العمليات العسكرية لم يزل قائما ضدهِ وأنهم سيوزعون على المنشآت العسكرية والحساسة العراقية أو على مقربة منها بغية استبعاد امكانية انزال ضربة عسكرية على هذه الأهدافِ بعبارة أخرى، حولوا الناس الآمنين الى 'دروع حية' من أجل المحافظة على الكويت كغنيمة حربِ لم يتمكن مجلس الأمن من السكوت ورد بالفعل على الخرق الجديد للقانون الدولي باتخاذه القرار 664 في 18 أغسطس الذي طالب فيه بأن 'يسمح العراق بترحيل مواطني البلدان الثالثة من الكويت والعراق فوراِ والسماح لممثلي القنصليات من الاتصالات الدائمة معهم وأن يتخذ كافة الاجراءات التي تضمن سلامتهم وصحتهم'ِ وطالب مجلس الأمن في الوقت نفسه بأن تلغي الحكومة العراقية أوامرها باغلاق البعثات الدبلوماسية والقنصلية في الكويت ونزعها الحصانة من العاملين فيهاِ أعقب القرار رد قيادة العراق الفوريِ ففي 19 أغسطس تلت اذاعة بغداد رسالة صدام حسين المفتوحة الى أقرباء الأجانب المحتجزينِ وجاء فيها بأنهم سيبقون في الكويت والعراق الى الوقت الذي يسحب فيه الغرب قواته من منطقة الخليج واعطاء تعهد بعدم الاعتداء على العراقِ وحتى ذلك الوقت سيغطي المحتجزون، وكما اسماهم صدام حسين بالضيوف الأجانب، المنشآت العسكرية والحساسة في العراق والكويتِ واقترحت بغداد بسخرية على مجلس الأمن بأن يقر جدول سحب القوات الأجنبية من منطقة الخليج وأشارت الى أن انسحاب القوات يجب أن يتم في المواعيد التي لا تتجاوز تلك التي تطلبت ادخالهاِ ولم يذكر في متن الرسالة أي شيء عن مصير الكويت، بل حذر المذنبين (بغض النظر عن جنسيتهم) الذين سيخفون الأجانب والذين حظر خروجهم من العراق والكويت بأنهم سيتعرضون للاعدامِ وسمح في الوقت ذاته برحيل مواطني بعض الدول الغربية التي لم 'تتخذ اجراءات غير ودية ضد العراق': النمساويين، السويديين، السويسريين والفنلنديينِ ولم تسع بغداد في هذا التصرف لاثارة الانفعالات الانسانية فحسب، بل لاثارة الفتنة بين بلدان الغرب بعضها مع البعض الآخرِ ودفعت موجة الاستياء التي عمت الكثير من بلدان العالم بغداد لأن تصحح بعض الشيء نهجها ازاء الرهائن بسماحها للنساء والأطفال بالرحيلِ لم يعتقلوا الخبراء السوفيت في العراق ولم يعرضوهم للاضطهادِ الا أنهم لم يعطوهم تأشيرات خروج لمختلف الحججِ ولهذا السبب كان السيل الضعيف لرحيل الخبراء السوفيت من العراق يثير قلق موسكو وضجرها الكبيرِ لم يمتلك أحد الحق في حجز مواطنينا خلافا عن ارادتهم لأنهم لم يخرقوا القوانين المحليةِ أما انهاء أعمالهم في العراق قبل المواعيد المثبتة فجاء بسبب أعمال بغداد غير الشرعية والخطر الناشئ على حياتهم وسلامتهمِ واذا كان للعراق ادعاءات ما، فمن الواجب تقديمها ليس للأشخاص العاديين، بل ضد المؤسسات السوفيتية التي وقعت العقود معهاِ وكان يقلقنا أكثر أن الجزء الأكبر من الخبراء كانوا يعملون في جنوب العراق والكثير منهم قرب الكويت مباشرةِ وكانت مشكلة رحيل خبرائنا تحل بألم بذنب الجانب العراقي وحدثت أعمال عصبية من قبل الناس في أغلب الأحيان أحرجت العلاقات السوفيتية ـ العراقيةِ وباعتقادي فإن بغداد فقدت بحجزها الخبراء السوفيت أكثر مما كسبت، لا سيما أنه لا معنى لوجودهم بفقدانهم العمل في سير العمليات العسكريةِ
مشكلة الرهائن
كانت أمامنا في ذلك الوقت القضية الأهم: المواطنون السوفيت في الكويتِ وكان لدينا هناك في 2 أغسطس 883 موفدا عن مختلف الوزارات والمؤسسات بينهم 94 امرأة و67 طفلاِ وأصبح بقاؤهم في الكويت المحتلة خطراِ زد على ذلك بدأت أزمة المواد الغذائية وحتى ماء الشرب لأن نظام التموين كله أصيب بالخلل حالاِ وفي 9 أغسطس اتخذ بناء على اقتراح وزارة الخارجية السوفيتية قرارا بتوقيف عمل جميع المؤسسات السوفيتية في الكويت بشكل مؤقت واجلاء كافة مواطنينا من هناكِ وأخبرنا الجانب العراقي بأن مغادرة بعثتنا الدبلوماسية وعودتها الى الاتحاد السوفيتي لا يعني موافقتنا على قرار بغداد باغلاق كافة البعثات الدبلوماسية في الكويتِ ويعني هذا أن الاتحاد السوفيتي سيبقى يحافظ على العلاقات الدبلوماسية مع دولة الكويتِ وفسرت هذا الأمر لسفير الكويت في موسكوِ افترضت طريقة أكثر ملاءمة لاخلاء الناس من الكويت بواسطة البحر أو الجو بتنظيم وصول احدى سفننا اليها أو رحلات خاصة ل 'ايروفلوت' (شركة الطيران السوفيتية الوحيدة التي كانت موجودة في ذلك الوقت ـ ج)ِ غير أن العراقيين رفضوا طلباتنا الكثيرة معللين ذلك بأن مطار الكويت وميناءها مغلقانِ وبقي الطريق الوحيد للاجلاء هو سيارات النقل عبر العراقِ وبما أن السلطات العراقية أغلقت المجال الجوي للعراق نفسه بوجه الطائرات الأجنبية بما فيها طائرات 'ايروفلوت'، فكانت العاصمة الأردنية عمان أقرب نقطة كان من الممكن تنظيم اقلاع الطائرات لمواطنينا الى الوطنِ والطريق الى هناك ليس بقريب: 725 كيلومترا من الكويت الى بغداد و1285 كيلومترا من بغداد الى عمانِ والاجمالي أكثر من 2000 كيلومتر في ظروف حرارة شديدةِ ولم يكن ثمة خيار آخر ووجب الاستعداد للرحيلِ حصل أن سفيرنا زفيريف كان أثناء الاستيلاء على الكويت في موسكوِ وقرر العودة الى الكويت على عجل بسبب تعقيد مسؤولية اغلاق مؤسساتنا في الكويت وتأمين رحيل منظم لمواطنيناِ سافر فورا الى عمانِ غير أن بغداد لم تسمح له بدخول الكويت بالرغم من تفسيرنا لهم بالمهام المكلف بهاِ بقي أسبوعين في عمان ينتظر سماح السلطات العراقية وبعد أن تعذر الحصول على الاذن عاد الى موسكوِ وكان هذا الموقف مميزا في تلك الأيام وانعكاسا لموقف بلدنا في تلك المرحلة من الأزمةِ تم اخلاء المواطنين السوفيت من الكويت بأربع مجموعات في الفترة من 15 حتى 24 أغسطسِ واستخدموا لأجل ذلك كافة السيارات الموجودةِ ووصلت المجموعة الأخيرة الى موسكو مباشرة من بغداد بعد أن فتحت السلطات العراقية مجالها الجوي أخيرا بعد أن توجهنا اليهم بطلبات كثيرةِ واثر اخلاء الجالية السوفيتية من الكويت، جاء دور مواطنينا في العراقِ كان تعدادهم 7791 شخص منهم 639 امرأة و274 طفلاِ وكانوا موزعون في العراق (في بغداد 910 اشخاص وفي ضواحي العاصمة وشمال العراق وجنوبه 5800)ِ وعانينا من صعوبة الاتصال بهم وتنظيم اجلائهم بشكل عامِ ومع ذلك نجحنا في اتمام المرحلة الأولى: اخلاء النساء والأطفال في مواعيد موجزة بدأت في 27 أغسطس وانتهت في 31 منه (وصل الى موسكو في هذه الفترة قرابة 900 شخص برحلات خاصة ل 'ايروفلوت')ِ غير أن الأمر مع رجال الجالية كان أعقد بكثير لأسباب ينحصر أهمها في الأمل العشوائي الذي كان يتملكهم في تسوية المشكلة بطريقة ما عندها تنتفي الحاجة للرحيلِ وكان من السهل ادراك عقلية السوفيت المبعوثين بمأمورية الى الخارج، فقد طوق سفر الناس للعمل في الخارج بالكثير من العراقيل واذا وقعت بأيديهم الفرصة السعيدة فلا يريدون العودة قبل الموعد بطبيعة الحالِ
يتبع ... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الإثنين يوليو 27 2015, 21:40 | |
| الحلقه 9 يعود بنا سير الأحداث الى موضوع العقوبات الاقتصادية التي انحصرت مهمتها في اغلاق قنوات تصدير النفط لغرض منع بغداد من التمتع بالمصدر الرئيسي لايرادات العملةِ وكان النفط يصدر قبلا، بثلاثة خطوط أنابيب: العراقي ـ التركي، حيث تتم اعادة شحنه بواسطة ناقلات النفطِ والخطان الآخران يؤديان الى السعوديةِ أغلقت أنقرة الخط فورا بعد فرض العقوبات الاقتصادية من مجلس الأمن، بينما تأخرت السعودية قليلا في اتخاذ اجراء مماثل، خشية اعطاء العراق حجة لدخول أراضيهاِ ولكن بعد أن وصلت القوات الأميركية اليها أوقف العمل في خطي الأنابيبِ وفي النتيجة بقي للعراق طريقة واحدة لنقل النفط بواسطة ناقلات النفط عبر الخليجِ وقرر الاستفادة منها حتى لو خرق نظام العقوباتِ فقد خرجت خمس ناقلات عراقية في أواسط أغسطس محملة بشحنات النفط الى الخليجِ لم يعرف اتجاهها ولكنه افترض أن يكون ميناء عدن اليمني موقع توقفها الأولِ ومهما كان الأمر، فقد برزت تلقائيا ماهية رد الفعل العراقي، حيث أهمل القرار 661 الذي فرض العقوبات الالزامية والاجراءات والتدابير الواجبة لتنفيذهِ ولم يكن تقصيرا من جانب مجلس الأمن، لأنه لم يرغب في القفز على الأحداث والتهديد باستخدام القوة مفترضا أن بغداد لم تخرق العقوبات عن عمدِ غير أن الأحداث أخذت بالتطور حسب سيناريو آخرِ أقلق الأمر مجلس الأمن بما في ذلك الاتحاد السوفيتيِ لذا احتلت مسألة مراعاة العقوبات المكان المناسب في المحادثات التي جرت في موسكو مع عضو مجلس قيادة الثورة ونائب رئيس وزراء العراق سعدون حمادي الذي وصل توا الى العاصمة الروسيةِ كان حمادي أحد مؤسسي حزب البعث في العراقِ ودافع عن أطروحة الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي من جامعة فيسكونس الأميركية ودخل مبكرا في المحيط المقرب لصدام حسين شاغلا مختلف المناصب في الحكومةِ وكان لوقت ما وزيرا للخارجيةِ وكانوا يكلفونه دائما بتمثيل مصالح البلد في الندوات والمحادثات المختلفة، آخذين في الاعتبار خبرته الكبيرة كدبلوماسي واقتصاديِ وصل الى موسكو بعد أن زار عددا من العواصم محاولا اقناع محدثيه في شرعية ضم الكويت وعدم عدالة العقوبات المفروضة على العراقِ قبلوا في موسكو زيارة حمادي بجد يحدوهم الأمل في أنها ستساعد في توضيح واعطاء أفكار أدق عما يدور في عقلية بغداد والأهم البحث عن حل للأزمة والحيلولة دون تفاقمهاِ أجرى شيفرنادزه الحديث مع حمادي خلال ثلاث ساعات وحضرته كاملا، الأمر الذي يمكنني من التحدث عن بعض الانطباعات عما جرى به وكيفية ادارته وما حمل من نتائجِ الانسحاب دون خسارة
تحدث شيفرنادزه طوال الوقت بلهجة محترمة وخاصة وأشار منذ البداية الى اننا كنا نقدر على الدوام العلاقات مع العراق حق التقدير ونعمل كثيرا من أجل تطويرها (أورد الأرقام والوقائع) وأردنا مواصلة هذا النهج فيما اذا تلغى العقبة في طريق ذلك وهي ضم الكويتِ لم يخف الوزير أي شيء وقال بصراحة ان السبب الرئيسي لتفاقم الحالة هو العدوان المسلح على الكويت الذي أعطى كل الأسس لتوسيع الحضور العسكري الأجنبي المكثف في منطقة الخليج، الأمر الذي يعارض المصالح السوفيتيةِ وأشار الى أن النزاع العربي ـ الاسرائيلي تأثر هو الآخر بعد انسحابه الى الظل بعد الاعتداء على الكويتِ وقال الوزير انه ينبغي الاستعجال لحل المشكلة حيث الوضع يتفاقم باستمرار وأن ما يمكن التوصل اليه اليوم، سيكون أصعب بكثير غداِ وأعرب عن ثقته بأنه من الممكن الآن الخروج من الأزمة بدون أن يخسر العراق وقيادته سمعتهماِ فاذا أظهر العراق استعداده للانصراف من الكويت فسيسقط الأساس لوجود تلك القوات التي لم تكن في منطقة الخليج من قبلِ وأعرب الوزير عن ثقته بأن انسحاب القوات سيكون الحل الأكثر معقوليةِ كان رد حمادي مخيباِ واستبعد كليا امكانية أي حل يمس بوحدة الكويت والعراقِ وكان يسهب في موضوع العلاقات بين العراق والكويت، مؤكدا انه لا يمكن مقارنتها بالعلاقات بين الدول الأخرى، لأن الكويت، كما زعم، كانت على الدوام جزءا من العراق الذي لم ولن يعترف باستقلالها أبدا ولذا لا ينبغي التحدث عن العدوان لأن العراق لم يتعد على حدود دولة أجنبيةِ وكانت هذه الأقوال تتناوب مع الاتهامات 'بأن الكويت كانت تحيك منذ بداية الحرب العراقية ـ الايرانية المؤامرات' وبأن 'المملكة العربية السعودية والامارات والكويت كانت تعد الخطط لاسقاط النظام في العراق' وأن 'السعودية كانت الحلقة الرئيسية للمؤامرة' (ومع ذلك لم يمنع الاتهام الأخير حمادي من التأكيد بأنه لا توجد للعراق نوايا عدوانية ضد السعودية وأن بغداد مستعدة لضمان أمنها)ِ وحاول حمادي كذلك تركيز الاهتمام على التباين بين مصاعب العراق الاقتصادية وازدهار الكويتِ ورد شيفرنادزه على ذلك مستشهدا بالأرقام قائلا ان مستوى معيشة السوفيت أدنى من مستوى معيشة الألمان واليابانيين الذين حاربهم الاتحاد السوفيتي وأن هذا لا يمكن أن يكون سببا لاعتدائنا على هذين البلدين الأغنى مناِ وأعرب حمادي أكثر من مرة وفي مختلف المناسبات عن عدم موافقة بلاده على نهج الاتحاد السوفيتي في مجلس الأمنِ واضطر وزيرنا لأن يشرح له في كل مرة بأن أفعال العراق لم تبق للاتحاد السوفيتي خيارا آخرِ ومهما حاول حمادي أثناء اللقاء تغيير موقف الاتحاد السوفيتي من جوهر الأزمة الكويتية فإنه لم يستطع بلوغ الغاية المبتغاة ولم يبلغهاِ أظن ان هدف الزيارة الرئيسي انحصر في دفع الاتحاد السوفيتي الى السير في طريق تخطي العقوبات الاقتصاديةِ فبعد أن ذكر لنا عن الديون العراقية للاتحاد السوفيتي، أبدى الاستعداد لتغطيتها خلال سنة ونصف السنة بامدادات النفط العراقي الفورية المكثفة والبدء بعلاقات اقتصادية واسعة النطاق ووثيقة بما في ذلك في مجال السياسة النفطيةِ وأكد حمادي في غضون ذلك، ان عددا كبيرا من الدول، كما زعم، قد دخل في اتصالات مع بغداد لمناقشة مسائل شراء النفط العراقي وكان الصف الأول من طابور الراغبين قد اصطف وقد يتأخر الاتحاد السوفيتي اذا أبطأِ وردا على سؤال شيفرنادزه: أين سيقع عرض الجانب العراقي الخاص بالنفط من نظام العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمنِ أجاب حمادي بشكل مميز: 'ان هذه مشكلتكم'ِ ورد عليه شيفرنادزه بثبات ان الاتحاد السوفيتي صوت الى جانب القرار الخاص بالعقوبات وسيراعيه بلا اعوجاجِ وعاد شيفرنادزه عدة مرات خلال حديثه الى مسألة الرهائن الأجانب في العراق والكويتِ وحاول الوزير اقناع حمادي بأنهم 'فقدوا الكثير لدى الرأي العام العالمي من الناحية السياسية والمعنوية'ِ وأنه لن يأتي توزيع الرهائن على المنشآت العسكرية والمواقع الأخرى بنتائج عملية، لأن الأمر لو وصل الى الحرب فإنهم سيفعلونها بلا احتراسِ ونصح شيفرنادزه بتغيير النظرة الى الرهائن بشكل جوهري ورفع المشكلة سيكسب العراق المنفعة بدون شكِ وقيل ردا على هذا بأن أحدا ما لم يضطهد الأجانب وأن الرئيس صدام حسين أمر بانزالهم بأحسن البيوت وأنه تقدم اليهم أفضل الخدمات التي لا تقدم الى العراقيينِِِ الخِ كان حمادي يتصرف ويتحدث بثقة ودلت بعض آرائه على المزاج الرائق في بغداد ومبالغتها الواضحة في تقدير امكاناتها الخاصةِ
اقوال سخيفة
وبدا لي أن ادوارد شيفرنادزه أجرى الحديث حتى بلطف مفرط وكأنه لا يلاحظ بعض الأقوال غير اللبقة وحتى السخيفة للضيفِ وأشار الوزير في ختام الحديث الى أن الحالة معقدة ونتائجها قد تنذر بعواقب وخيمة وغير متكهن بها والى ضرورة البحث عن حل سلميِ وأبدى استعداده لتفعيل الاتصالاتِ وقال اننا سنبعث الى بغداد والعواصم العربية سفير المهمات الخاصة ميخائيل سيتينكو ونحن على استعداد لارسال أشخاص على مستوى آخر وقبول الممثلين العراقيين في موسكو أيضاِ أجرى حمادي مباحثات مع نائب رئيس الوزراء بيلوسوف حيث دار الحديث بشكل رئيسي حول المسائل الاقتصاديةِ فقد جمد فرض العقوبات الكثير من أشكال التعاون ومن المهم لكلا الجانبين التفاهم المتبادل بصدد ما حدث ومناقشة مراحل تنفيذ بعض العقود وما ينتج عن ذلك لكلا الطرفينِ واحتلت مسألة اجلاء خبرائنا من العراق نظرا لتفاقم الوضع فيه حيزا هاما في الحديثِ وكللت اقامة حمادي في موسكو باستقبال رئيس الوزراء السوفيتي نيكولاي ريجكوف لهِ عرض رئيس الحكومة السوفيتية من جديد موقف بلادنا المبدئي من مسألة ضم الكويت وأكد نية الاتحاد السوفيتي على مراعاة نظام العقوبات بصرامة وأعرب عن أمله في أن ينفذ العراق قرارات مجلس الأمنِ وبمبادرة من الجانب العراقي، تم في 21 أغسطس لقاء آخر بين حمادي وشيفرنادزهِ لم يكن طويلاِ بدأ حمادي الحديث بقوله ان العراق سيتخذ موقفا مرنا من مسألة تحرير الأجانب المحتجزين، لكنه اشترط أن تترابط هذه المرونة بمرونة أخرى ستظهر حيال العراق (بعبارة أخرى أكد حمادي الموقف من الرهائن ومواصلة النية في استخدامهم كأداة ضغط)ِ وردا على السؤال في ماهية هذه المرونة قال حمادي ان عليه أن يعود الى بغداد ويناقش ذلك مع قيادتهِ رد شيفرنادزه على ذلك بقوله ان جميع الشعوب شديدة الحساسية تجاه مشكلة الرهائن ودعا الى التفكير بدقة في مسألة تحرير جميع المحتجزين ونصح العراق بأن لا يضع نفسه بمواجهة مجلس الأمنِ والمسألة الأخيرة التي تناولها حمادي هي القرار المعد في مجلس الأمن الهادف لتوطيد نظام العقوبات الذي يعطي الحق في ايقاف وتفتيش أية سفينة تتوجه من والى العراقِ وكان حمادي يصر على أن الاتحاد السوفيتي لا ينبغي له أن يسمح باتخاذه قائلا ان هذه التدابير لا سابق لها و 'ستؤدي للحرب لأن ذلك سيتسبب حتما بالمصادمات العسكرية'ِ وشرح قائلا: 'نحن لسنا من تلك الفئة التي تسمح بخنقها وسنعمل كل ما بوسعنا من أجل احباط قرار العقوباتِ وسيفشل هذا القرار لأن أكثرية الدول أقامت اتصالات مع العراق وصرحت بأنها ستشتري نفطنا'ِ رد شيفرنادزه فعلا على هذا الخليط من الطلبات والتهديدات على النحو التالي: بغض النظر عما اذا اتخذ مجلس الأمن القرار المذكور أو لم يتخذه فان ناقلات النفط العراقية ستوقف في كل الأحوال من قبل قوى التحالفِ وعلى العراق أن يحدد على عجل موقفه من الشيء الأهم وهو عدم تنفيذه لحد الآن موضوعا واحدا من القرار 660 ولم يقم بخطوة واحدة للمقابلةِ وزد على ذلك انه يتحدى من جديد مجلس الأمن بارسال ناقلات النفطِ وأشار الوزير الى أن الاتحاد السوفيتي غير معني بتسريع اتخاذ القرارِ غير أن موقف العراق لا يعطي خيارا آخرِ يمكن تأجيل القرار يوما أو يومين، لكنه بدون أن يحدد العراق موقفه على عجل في المسألة الأهم فإن المصادقة على القرار لابد منهاِ وقال حمادي في ختام الحديث: 'وضعنا القرار في الزاوية وسيضطرنا للدفاع الذاتي عن أنفسنا ولا نريد أن يفرض شيء علينا'ِ في 23 أغسطس أخبر سفير العراق نائب رئيس الوزراء بيلوسوف ردا على توجهنا بصدد الأجانب بأن الرئيس صدام حسين وافق على رحيل جميع الأجانب من البلد باستثناء مواطني الولايات المتحدة وألمانيا الاتحاديةِ للأسف كل ما قاله السفير كان تضليلا، ليس بالنسبة للمواطنين السوفيت فحسب، بل لمواطني البلدان الأخرى أيضاِ سيبقى مواطنونا وباقي الرهائن ثلاثة أشهر أخرى أداة للتخويف الصفيق والسمسرة السياسيةِ
في قلب الخارجية السوفيتية
انحصرت المهمة الرئيسية في الاتجاه الأميركي في استبعاد الحل العسكري (توقف كل شيء هنا على بغداد) أو تأجيله على الأقل الى أقصى حد، على أمل أن تثوب بغداد الى رشدهاِ وكسب الوقت حتى اجلاء مواطنينا من العراقِ وبما أن بغداد كانت تضع مجلس الأمن أمام ضرورة الرد الفعلي واتخاذ القرارات الجيدة والجديدة، فإن الاتصالات الوثيقة والتعاون بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة لم يكونا حاجة ماسة فحسب، بل كانا يستجيبان لمصالح كلا البلدين أيضاِ وكنا نبذل الجهود الكبيرة لكي يجري حل كافة المسائل المبدئية المتعلقة بالأزمة في اطار مجلس الأمن ولن يعطى التزام ما لواشنطن أو التحالف المناوئ للعراقِ وكانت الاتصالات مع الأميركان تتم دائما بواسطة البعثات الدبلوماسية في موسكو وواشنطن ونيويورك وكذلك بين وزيري خارجية البلدين بالهاتف وعن طريق الرسائل المتبادلة واللقاءات الشخصيةِ وجرى العمل مع جميع البلدان العربية بغض النظر عن موقفها من الأزمةِ والهدف الرئيسي هو تحفيز العرب على أن يبحثوا بنشاط بأنفسهم عن مخرج سلمي للأزمة وأن يضغطوا بشكل جماعي على بغدادِ وأيدت موسكو فكرة حل المشكلة في الاطار العربي وإن لم تثق جدا بهذه الامكانيةِ ووجه الاهتمام بالدرجة الأولى إلى العمل مع مصر وسوريا والسعودية ومنظمة التحرير الفلسطينية واليمنِ وكانت موسكو تستقبل بهمة الزوار العرب الكثيرين الذين استجابوا واهتموا بموقف الاتحاد السوفيتي والتعاون معه وخاصة في الخط الذي اتخذه الاتحاد السوفيتي لتقوية نفوذه في العالم العربي وبالأخص في قسمه الذي كان لوقت طويل مغلقا علينا: في الجزيرة العربيةِ وكانت الكويت كضحية للعدوان تلقى منا تأييدا سياسيا كاملاِ وتمثل التفاهم مع بكين بالنسبة لموسكو بطابع خاص وجديد، حيث كفت الصين مثل الاتحاد السوفيتي عن تزويد العراق بالأسلحةِ وسهل اتفاق مواقف بلدينا أو قربهما، وضعهما في مجلس الأمن ومجموعة 'الخمس' الكبرىِ وكانت موسكو وبكين تتصرفان بشكل متشابه على امتداد أوقات الأزمةِ
كلام تافه
قرأت في مذكرات جيمس بيكر باستغراب أن شيفيرنادزه كان 'يتعارك خلال شهور عديدة مع مستعربي وزارته وحتى وقع تحت ضغطهم الهائل'ِ لا يمكن وصف هذا الكلام الا بالتافهِ أولا، لم يكن يتم هذا بموجب صلاحيات الوزير التي لا تقبل الجدل (وان كان وقت اعادة البناءِ لكن وزارة الخارجية تميزت دائما بالانضباط، زد على ذلك طبيعة شيفرنادزه التي لا تتقبل الضغط من أية جهة)ِ ثانيا، كان شيفرنادزه يحظى كسياسي ووزير باحترام كبير من موظفي الخارجية ولم يكن مستعربونا استثناء منهمِ وثالثا، لم تكن بين الوزير وبيني كنائبه المسؤول عن الاتجاه العربي وموظفي دائرة بلدان الشرق الأوسط حيث كان المستعربون يعملون، اختلافات في الآراء حول موقف الاتحاد السوفيتي حيال الأزمة الكويتية وبغداد بصفتها المذنب فيهاِ وفي غضون ذلك، لم يكن بوسع الخارجية السوفيتية الا الذود عن مصالح بلدها القومية في الشرق الأوسطِ وبما أن هذه المصالح لم تكن أبدا متطابقة مع المصالح الأميركية في الاقليم، فإن الاختلاف في مواقف الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة من هذه الناحية أو تلك للأزمة الكويتية يخص طرق تجاوزهاِ وكانت موسكو تسير على نهجها الذي لم يرض واشنطن في ذلك القدر الذي أرادتهِ وأن استقلالية موسكو في شؤون الشرق الأوسط وضرورة البحث عن القرارات المقبولة لكلا الجانبين، كانت تثير صداع وزير الخارجية الأميركيِ وأعتقد ان انزعاج بيكر من مستعربي الخارجية السوفيتية نابع من هذه الأسبابِ ونسب بيكر الى عدادهم يفغيني بريماكوف في مذكراته وأطلق عليه 'مستعرب وزارة الخارجية الرئيسي' (بلا أي أساس)ِ فلوزير الخارجية الأميركي حسابه الخاص مع يفغيني بريماكوف يريد أن يصفيه في كتابه ولكن هذه قصة أخرى بالمرةِ فقبل استقالة شيفرنادزه من منصب الوزير لم تكن لبريماكوف أية علاقة بوزارة الخارجية وان كان يؤثر على سياسة الكرملين في الأزمة الكويتية (وتم هذا بالفعل)ِ كان ذلك بفضل علاقته مع ميخائيل غورباتشوف فقط وليس بوزارة الخارجيةِ وبرأيي، لم تظهر لدى شيفرنادزه في مراحل الأزمة الكويتية الأولى مشاكل مع غورباتشوف بصدد الممارساتِ ولمساعد غورباتشوف أِ تشيرنيايف في مذكراته اليومية في 21 أغسطس السطور التالية: 'كانت لدي مخاوف من أن ميخائيل غورباتشوف لن يوافق على شجب صدام حسين بشدة ولكني أخطأت لحسن الحظِوكان شيفرنادزه في غضون ذلك يتصرف بحزم انطلاقا من روح التفكير الجديدِ وكان ينسق كل شيء بالهاتف مع غورباتشوف، ابتداء من الموافقة على لقاء بيكر في موسكو وعلى البيان المشترك معه'ِ لقد صمت غورباتشوف نفسه مدة طويلة خلافا لغالبية زعماء العالمِ وأدلى برأيه علنا لأول مرة بعد أسبوعين فقط من بداية العدوانِ واليكم نبذة من كلمته في المنطقة العسكرية 'أوديسكي' في 17 أغسطس: 'لم يكن لدينا خيار آخرِ فإن استخدام القوة لاعادة تخطيط حدود الدولة وزد على ذلك ان هدف ضم بلد ذي سيادة له عواقب وخيمة وخطيرة على المجتمع الدولي برمتهِ ولا نستطيع الرد بغير ذلك لأن العدوان ارتكب بمساعدة أسلحتنا أيضا التي وافقنا على بيعها للعراق لأجل دعم قدرته للدفاع فقط وليس للاستيلاء على أراضي الغير ودول بأكملهاِ هذا غدر وخرق فظ للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة'ِ وظهرت البوادر الأولى للاتفاق غير الكامل لمواقف الرئيس والوزير من كيفية تجاوز الأزمة في سبتمبرِ سنتحدث عنها فيما بعدِ
انشغال الخارجية بالقضية الكويتية
كان العمل الخاص بالأزمة يجري في دائرة واسعة جدا ومن قبل جميع المنظمات الدولية القادرة على التأثير على سيرها: حركة عدم الانحياز، منظمة المؤتمر الاسلامي، جامعة الدول العربية وغيرهاِ وكان الأمين العام للأمم المتحدة بيريس دي كويلار يستلم من موسكو دوريا معلومات عن الكثير من محادثاتنا مع العراقيين وتقديراتنا في اللحظة الجاريةِ وحاولنا توضيح موقفنا ووجهة نظر شركائنا بواسطة بعثاتنا الدبلوماسية وكذلك في موسكوِ وافترض ذلك تغذية سفاراتنا والمؤسسات الأخرى بتحليلات وتعميمات منتظمةِ ووقع النصيب الأكبر لهذا العمل على عاتق موظفينا في ادارة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي كانت بمثابة الوحدة الرئيسية داخل وزارة الخارجية الملمة بكل متعلقات الأزمة الكويتيةِ وكانت الكثير من المسائل تعد سوية مع ادارة المنظمات الدولية وادارة الاعلام وادارة الولايات المتحدة وكندا وادارة بلدان الشرق الأدنى وغيرها من ادارات وزارة الخارجية الاقليميةِ وكان جهاز الوزارة يعمل بتنسيق ودقةِ وكان الوزير نفسه ومدير السكرتارية ايغور ايفانوف (وزير خارجية روسيا حاليا) يتابعان كل هذاِ وكنت التقي في موسكو كل يوم تقريبا بممثلي السلك الدبلوماسي وفي الدور الأول بسفراء العراق، الكويت، الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين، ايران وتركياِ والتقيت كثيرا كذلك بسفراء ألمانيا، ايطاليا، الهند ويوغسلافيا (كانت تترأس في هذا الوقت حركة عدم الانحياز) وجميع الدول العربيةِ وكانت طلبات الاستقبال تنهال علي لدرجة أنه لم يكن بوسعي الاستجابة لجميع الطلباتِ وفي هذه الحالة وبالأخص عندما كان الأمر مستعجلا كان نواب وزير الخارجية الآخرون يستقبلون السفراءِ وكانت الكثير من الاتصالات تجري مع رؤساء دائرة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مع مدير الادارة فاسيلي كولوتوشا دائما)ِ وكان العمل كافيا للجميعِ واضطر الوزير ادوارد شيفرنادزه بنفسه الانشغال كثيرا بالأزمة الكويتيةِ وكنا نساعده في ذلك قدر الامكانِ وكان الوزير يأخذ على عاتقه اتخاذ هذا القرار أو ذاك أو يسهل أو يسرع الأمورِ ومع ذلك كان يرسل المقترحات وآراء الوزارة في المسائل المبدئية الكبرى الى رئيس الاتحاد السوفيتي أو يناقشها معه بالهاتفِ وساعد التفاعل العملي الحسن مع جهاز الرئيس السوفيتي (مع الذين يعملون بالوثائق الخاصة بالأزمة الكويتية وبالأخص مع أِ تشيرنيايف و فِ غوسينكوف) على حل الكثير من المسائل بسرعةِ وورد موضوع الأزمة الكويتية مرارا في 'اجتماعات الاثنين' التي كان الوزير يعقدها مرة في الأسبوع ويبحث فيها مختلف المسائل الجارية والمستقبلية وسير اعداد الزيارات والمحادثاتِ وكان الوضع في هذه الاجتماعات ديموقراطيا وبوسع أي شخص طرح القضايا المقلقة أمام النقاش الجماعيِ
يتبع ...... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الإثنين يوليو 27 2015, 21:47 | |
| الحلقه 10 قدروا في واشنطن والعواصم الأخرى، ظهور ناقلات النفط العراقية المحملة بالنفط كمحاولة لخرق الحظر التجاري التي يجب وضع حد لها فورا في كل الأحوالِ ويذكر جيمس بيكر في مذكراته ان زملاءه وزير الدفاع تشيني ورئيس المجموعة الموحدة لرؤساء هيئات الأركان الجنرال باول ومستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي سكووكروفت تقدموا باقتراح في أن تأخذ الولايات المتحدة على عاتقها وبشكل مستقل هذه المهمة وتوقف بالقوة ناقلات النفطِ واذا تجاهلت طلقات النار للانذار، فعلى الولايات المتحدة أن تقوم بحزم باغراق الناقلاتِ عارض بيكر هذه المبادرة على أساس أن هذه الاجراءات قد تؤثر بشكل سيئ على الوضع في مجلس الأمن وبالأخص العلاقات مع الاتحاد السوفيتيِ ولهذا السبب على الولايات المتحدة تأمين نفسها بتفويض من مجلس الأمنِ واعتبر بيكر أن هفوة ناقلتين أو ثلاث تعد خسارتها أقل من الاخلال بمبدأ التعاون في مجلس الأمنِ وفي نهاية الأمر تغلبت في واشنطن وجهة النظر هذه وساعد ذلك الانتقادات الشديدة التي وجهها أعضاء مجلس الأمن للولايات المتحدة بما في ذلك حليفتها كندا التي كانت تصر على مراعاة صلاحيات المجلسِ ووجدت الولايات المتحدة نفسها في عزلة ولأول مرة في مجلس الأمن منذ بداية الأزمة وتحول سير الأحداث الى مجراه الصحيح هذه المرةِ غير أن الوقت لم ينتظر أحداِ ففي 18 أغسطس أطلقت الفرقاطة الأميركية ست طلقات انذار في خليج عمان على ناقلة النفط 'خانقين' ولكنها لم تقفِ ولم تكن لقائد الفرقاطة صلاحيات باتخاذ تدابير أشدِ وحدث الشيء ذاته في الخليج العربي بين السفينة الحربية الأميركية 'بريدلي' وناقلة النفط 'بابا غرغور'ِ وابتداء من 13 أغسطس كان علي أن التقي مرارا بسفير الولايات المتحدة ميتلوكِ وكان يسلم لي رسائل بيكر لاحالتها لشفيرنادزهِ وكنت أسلمه الرسائل الجوابية من وزيرناِ وجرت مثل هذه المبادلات أحيانا عن طريق سفارتنا في واشنطنِ زد على ذلك أجريت عدد من المكالمات الهاتفية بين الوزيرين مباشرة، استغرق بعضها وقتا طويلاِ وتركزت الاتصالات على مسألة اتخاذ مجلس الأمن لقرار يصادق على تفتيش السفنِ وكان الأميركان يستعجلون في ذلك وكنا نوقف اتخاذ مثل هذا الاجراء، مصرين على أن لجنة الأركان العسكرية ولجنة العقوبات انضمت الى اعداد مشروع قرار مما يسمح بالتوصل الى بعض الآراء الهامة من أجل تدعيم آلية مفعول القرار المقترحِ وأعطى بيكر شخصيا بعض التأكيدات وبالأخص فيما يتعلق باظهار التحفظ من جانب الولايات المتحدةِ وبلغ أوج الاتصالات في 21 - 24 أغسطسِ ولعبت زيارة سعدون حمادي الى موسكو دورا معينا في ذلكِ وشرحت لميتلوك في 21 أغسطس أسباب محاولاتنا لتأجيل النظر في مجلس الأمن لمشروع القرار لعدة أيام وأشرنا إلى اننا أخبرنا أمس في رسالة شخصية الى وزير الخارجية الأميركي ما دار من حديث مع حماديِ وتم اليوم حديث ثان معه وسنخبر الوزير به أيضاِ آمال ضعيفة
واعتقدنا بأنه من الأصح النظر الى رد فعل العراقيين لما قاله لهم الجانب السوفيتيِ واذا أقر مجلس الأمن القرار اليوم فإنه سيشجع الطرف العراقي على اهمال ما قيل له في موسكوِ وأشرنا الى أن القرار الجديد قد يغير الصورةِ وأنبه إلى انه كانت لدينا آمال ولو كانت ضعيفة في رد ايجابي لبغدادِ ولكن لم تصل إلينا من هناك أية اشاراتِ وقررنا في هذه الحالة التوجه الى أعلى مستوى: الى صدام حسين مباشرةِ نقلت اليه في 24 أغسطس رسالة ميخائيل غورباتشوف الشخصية مع طلب أن يرد عليها في غضون 24 ساعةِ كانت موسكو تريد استخدام هذه الفرصة لكي تميل برئيس العراق الى الموافقة على القرار 660 والتخلي عن لغة المواجهةِ وتضمنت رسالة غورباتشوف اشارة واضحة الى أنه لن نجد أمامنا مخرجا آخر بخلاف ذلك سوى مساندة قرار مجلس الأمن الجديدِ وكما قيل في التصريح الرسمي، وصف رئيس الدولة السوفيتية الحالة الناشئة في منطقة الخليج بالاستثنائية والخطيرة الى أقصى حدِ وأكد في رسالته موقف الاتحاد السوفيتي المبدئي بصدد ضم الكويت غير الشرعي وأشير الى ضرورة سير الحكومة العراقية في طريق تنفيذ مطالب قرارات مجلس الأمن بلا تأجيلِ ومن شأن اهمال العراق لهذه المطالب، أن يدفع مجلس الأمن لاتخاذ تدابير اضافية مناسبةِ وأن على الجانب العراقي بالذات تتوقف خطوات مجلس الأمن وكيف سيتصرفِ لم نضطر هذه المرة لتوقع الجوابِ فقد سلمت السفير ميتلوك بتكليف من شيفرنادزه رسالة الوزير (أوردها بالنص الكامل): 'جيمس، وعدت بمكالمتك هاتفيا في الساعة الحادية عشرة بتوقيت موسكوِ وبما أنني كنت مشغولا في الكرملين ألجأ الى مساعدة السيد ميتلوك لاحالة رسالتيِ وردنا جواب العراقيين وأظن انه لا يوجد معنى للتعليق عليهِ لذا قررنا ابلاغ ممثلنا في مجلس الأمن لكي يتصل مع السفير بيكيرينغ وممثلي 'الخمسة' الدائمين الآخرينِ لقد قلت لك بأننا سنقترح بعض التعديلات لمشروع القرار، لكنها لن تغير من جوهره، بل ستوسع نطاق الوسائل التي ستستخدم للمراقبةِ وأظن ان ممثلينا يستطيعان الآن البدء في المشاورات بعضهما مع البعض الآخر ومع أعضاء مجلس الأمن الآخرين من أجل ايصال الأمر الى اتخاذ القرارِ واذا برزت لديك أسئلة ما فأنا مستعد للحوار هاتفيا معك غدا إذا اقتضى الأمرِ
عرض موسع
تركز التعديل الذي جاء في رسالة الوزير في استخدام عبارة 'التدابير التي تفرضها الظروف الملموسة' بدلا من مصطلح 'القوة' التي كان الأميركان يريدونها في نص القرارِ ووسعت هذه الصيغة مجموعة الوسائل السلمية بما فيها احتجاز السفن وتفتيشها ولم تركز الاهتمام على أساليب القوة، بل استبعدتهاِ أيد القرار المرقم 665 أعضاء مجلس الأمن الآخرين وأقر في 25 أغسطس بمجموع 13 صوتا (امتنعت عن التصويت اليمن وكوبا)ِ وأشير فيه الى أن مجلس الأمن قلق من استمرار العراق في رفض القرارات المتخذة من قبل وخاصة استخدامه السفن التي ترفع العلم العراقي لأجل تصدير النفطِ ودعا المجلس في هذا الصدد 'تلك الدول الأعضاء المتعاونة مع حكومة الكويت والتي ترسل الى المنطقة القوى البحرية في استخدام التدابير التي تفرضها الظروف الملموسة والتي تراها ضرورية تحت رقابة مجلس الأمن بهدف ايقاف كافة السفن في كلا الاتجاهين بغية تفتيش شحناتها والتحقق من وظيفتها وتأمين التحقيق الصارم حيال هذه السفن وفق المبادئ المنصوص عليها في القرار 661'ِ واحتوى القرار على طلب من الدول المعنية بتنسيق أعمالها لتحقيق هذه الأهداف باستخدام آلية لجنة الأركان العسكرية بقدر الضرورةِ في اليوم التالي وبعد اتخاذ القرار نشر شيفرنادزه في الصحف تعليقا عليه بعد مؤتمر صحفي عقده في مطار 'فنوكوفو - 2'ِ وكان أول عرض موسع من قبل الوزير للعمل الذي مارسته قيادة البلد السياسية والدبلوماسية بخصوص العدوان العراقي على الكويت، مشيرا فيه الى الظروف المتعلقة بالقرار 665ِ ونوه شيفرنادزه بأن تصويت الاتحاد السوفيتي الى جانب القرار تعبيرا عن قلقنا الى الحد الأقصى من الوضع المتشكل في منطقة الخليج ورغبتنا في السعي للتوصل بأسرع وقت لانهاء التهديد الخطير للغاية للأمن والسلام الدوليينِ وقال اننا نواصل التصرف وفقا لمتطلبات ميثاق الأمم المتحدة وندافع عن مبدأ الجهود الجماعية في اطار مجلس الأمن لحل الأزمة بالوسائل السياسيةِ واعتقد الوزير بأنه يمكن التوصل الى ذلك بمساعدة الاجراءات التي تؤمن فعالية نظام العقوبات المقرة من مجلس الأمنِ وكان يقصد قرار مجلس الأمن الجديد بالذات، مشيرا الى دور لجنة الأركان العسكريةِ وأعرب عن أمله في أن القيادة العراقية ستستخرج النتائج المرجوة باتخاذ خطوات لحل الأزمة وتتصرف وفق قرارات مجلس الأمن المتخذةِ قائلا 'هذه نصيحتنا للقيادة العراقية وننتظر أن تأخذها بنظر الاعتبار' و 'أردنا أن يعرفوا في العراق أن الاتحاد السوفيتي يتمنى فقط الخير للشعب العراقي ومستعد باطراد في تسوية الأزمة سلميا وأن القرار الذي صادق عليه مجلس الأمن هو فعل موجه لمنع تطور الأحداث الى مرحلة أكثر خطورة'ِ تجدر الاشارة الى أنه بالرغم من أن صدام حسين شجب هذا القرار بشدة وما جاء في تصريحه بأنه 'يضمن للولايات المتحدة طوابير الجثث بلا نهاية' في حالة نشوب الحرب، الا أن بغداد لم تكن في الواقع قد اتخذت محاولات لخرق الحظر النفطي بمساعدة ناقلات النفطِ غير أنه كانت ثمة محاولات للقيام بذلك بأيدي الغيرِ فقد أعلن صدام حسين في 1 سبتمبر بأن العراق على استعداد لمنح النفط مجانا للبلدان النامية اذا أرسلت ناقلاتها الى الخليجِ ولم تلق هذه الدعوة الاستجابةِ وبشكل عام ظهرت بعض المحاولات الضعيفة لايصال البضائع المحظورة بحرا أو الاخلال بالحظر بطريقة أو بأخرىِ فقد كان الحصار متينا وفعالا بما فيه الكفاية واشتركت فيه سفن حربية لأكثر من عشرين دولةِ ولم تسجل حوادث خطيرة في البحر تتعلق بمراقبة الشحنات الى هذا الجزء من العالمِ وتقلص بالتدريج التهريب الى العراق عبر حدوده البرية بفضل التدابير التي اتخذها جيرانه: ايران وتركيا وسورياِ وأعلنت الأردن أيضا انها ستراعي العقوبات، غير أن حدودها مع العراق بقيت مع ذلك قابلة للتسربِ وللأسف لم تتمكن العقوبات الاقتصادية من دفع القيادة العراقية لاتخاذ الحل الصحيح الوحيد: الانصراف من الكويت طوعاِ ولكن لعبت دورها في أمر واحد: أجلت الحل العسكري لعدة شهورِ وكان وزير الخارجية المصري عصمت عبد المجيد ضيف موسكو المهم أيضاِ فقد تعرفت عليه جيدا خلال عملي في القاهرة سفيرا للاتحاد السوفيتي في مصر، ومن ثم كنا نلتقي كل سنة في نيويورك في جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدةِ وترك لدي انطباعا لطيفا: فهو عاقل ومثقف وضابط النفس ويدرك بصورة ممتازة تعقد العلاقات بين الدول العربية (سرعان ما عين الأمين العام لجامعة الدول العربية)ِ كرس حديثه مع شيفرنادزه والذي شاركت فيه كليا على الشأن العراقي ـ الكويتيِ وبما أن هذا أول لقاء بيننا بعد الاستيلاء على الكويت فقد بدأ باستعراض عام للأوضاعِ يعرف القارئ الكثير عن تصريحات وأحاديث عبد المجيد عن الأزمة والأحداث التي رافقتها ولذلك سأتحدث عن بعض الخصوصيات لغرض اكمال الصورةِ اعتبر عبد المجيد أن الاحتلال لم ينتج عفويا، بل كان يعد من قبل ولم يستغن الأمر عن التضليل المتعمد (التأكيد المعطى لحسني مبارك في عدم وجود نوايا لبغداد للاعتداء على الكويت)ِ وقال عبد المجيد انهم اتفقوا في ذلك الوقت في بغداد حتى على ثلاث مراحل للمحادثات العراقية ـ الكويتية في جدة وبغداد والكويتِ وكان اللقاء في جدة الأول والأخير وتم تسريعه باصرار عراقيِ وبالرغم من العدوان حاول الأردن واليمن في 2 أغسطس تأجيل جلسة جامعة الدول العربيةِ وتم في تلك الأيام لقاء عبد المجيد بحمادي واتضح منه أن بغداد لا تريد اتخاذ حلول وسطِ وحدد هذا الموقف طبيعة قرار مجلس الجامعة العربية واجتماع وزراء المؤتمر الاسلاميِ وعمل الرئيس مبارك لكونه رئيس القمة العربية كل ما في وسعه لتأمين مشاركة صدام حسين فيه وتوجه اليه برسالة شخصية، غير أن الرئيس العراقي رفض هذاِ وقدر عبد المجيد عاليا موقف الاتحاد السوفيتي من الأزمة منوها بترحيب من حيث تطابق مواقفنا حيالهاِ وتكلم شيفرنادزه من جانبه عن الصعوبات التي واجهتنا للتوصل الى هذا الموقف آخذين بالاعتبار طبيعة العلاقات السوفيتية ـ العراقية وحجم مصالح الاتحاد السوفيتي الاقتصادية المرتبطة بالعراقِ وتحدث عما قام به الاتحاد السوفيتي بهدف دفع بغداد للسير في طريق تنفيذ قرارات مجلس الأمنِ وأبدى الوزير أسفه على أن العراق يعقد بتصرفاته الوضع أكثر فأكثر وكأنه يريد أن يثور العالم بأجمعه عليهِ
دور مصر
وأخذ شيفرنادزه بالاعتبار دور مصر النشيط في القوات متعددة الجنسية ودورها في جامعة الدول العربية وتطور الحديث مع عبد المجيد بشكل متتابع وفق خطتين: الأولى، امكانية العمل السياسي والدبلوماسي مع العراق ليست مستنفدة بعدِ وأن العقوبات الاقتصادية لم تؤثر عليه بصورة كافيةِ ولذا لا ينبغي الاستعجال في استخدام القوةِ ويجب أن يقوم بكل شيء بانتداب الأمم المتحدةِ واذا نشأت في وقت ما الحاجة الى عمليات عسكرية فينبغي أن تتحقق على أساس قرارات مجلس الأمن فقطِ وثمة لحد الآن للمجلس احتياطات سياسية واقتصاديةِ ومن الممكن عقد جلسة المجلس على مستوى الوزراء أو تنظيم دورة خارج مقر المجلس في المنطقةِ والخطة الثانية للوزير السوفيتي انحصرت في ضرورة العمل الأنشط للعرب أنفسهم مع بغداد بما في ذلك استعمال امكانات الجامعة العربية وعدم اهمال فرصة الحل العربيِ وسيحافظ الاتحاد السوفيتي على الاتصالات العميقة والمكثفة مع البلدان العربية وسيقويهاِ تجدر الاشارة الى أن شيفرنادزه كان قلقا جدا لزيادة الاستعدادات العسكرية الجارية وتصاعد التصريحات الحربيةِ وكان الوزير يفكر في كيفية تكييف مبادرة صدام حسين المذكورة سابقا بعكسها، أي بدفع قضية الكويت في الواجهة وليست المؤخرة كما وضعها صدام حسين دون الحاق الأذى بتسوية الشرق الأوسطِ ولذا أخطر عبد المجيد بأن آراءه يجب ادراكها فقط ولا ينبغي اعتبارها نصائح أو مقترحاتِ قال شيفرنادزه ما يلي: 'ثمة قرارات لمجلس الأمن تتعلق بالعقوبات والحصار، وهناك طرق لمتابعة تنفيذ القرارات ويجب أن تعمل بكل قوة لجنة الأركان العسكرية، ومن جهة أخرى ألا ينبغي التقدم ببرنامج جدي لتسوية مشكلة الشرق الأوسط برمتها ؟ إذ ان لصدام حسين فكرة مشابهةِ وكان من الأفضل لو تقدمت البلدان العربية بمثل هذا البرنامج الذي لقي التأييد من جانبنا ومن الأوروبيينِ الحديث لا يدور حول اضعاف الضغط على العراق ومن الممكن حتى تقويته، بل يجب النظر الى الأحداث بشكل أوسعِ تكلم مؤخرا وزير خارجية فرنسا دوما عن انعاش فكرة عقد مؤتمر دوليِ وربما حان الوقت للبدء بالمشاورات الخاصة بالتسوية الشاملة بدون التأخير في حل مشكلة الكويتِ قد يساعد مثل هذا الحل صدام حسين 'لانقاذ ماء وجهه'، فكروا في ذلك'ِ عارض عبد المجيد هذه المقترحات حالا وبحسم قال: 'لا نوافق مع الفلسطينيين ربط المسألة مع العراقِ المشكلة الفلسطينية تبقى محل عنايتناِ ولكنه لا ينبغي ربط المشكلة الفلسطينية بالكويتيةِ هذا ما يريده صدم حسين، التمهل في تنفيذ القرارات المتعلقة بالكويت، وبنى مبادرته على ذلك'ِ شعر شيفرنادزه بعقلانية طرح عبد المجيد ولم يستمر في تطوير الموضوع الفلسطينيِ وأشار كمحاولة لتجميل الحديث الى أن اعادة الوضع كما كان عليه في الكويت تتخذ الصدارة في الأهميةِ وأوضح ان صدام حسين يحاول التلاعب بمشاعر الناس البسطاء بوضعه المشكلة الفلسطينية في المقام الأول من الأهميةِ ويستغل الحضور العسكري الأجنبي المكثف في تشكيل رأي عام عربيِ انقطع حديث الوزيرين لأنه حان موعد توجههما الى ميخائيل غورباتشوفِ قال الوزير فيما بعد انه لم تظهر اختلافات مبدئية عما كان في وزارة الخارجيةِ ولكن غورباتشوف أدار الحديث بنشاط ساعيا الى انضمام العرب أنفسهم بصورة أنشط في البحث عن حل سلمي للأزمةِ وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى التصريح الرسمي المنشور في وسائل الاعلام السوفيتية وكان القصد منه ارسال الاشارة الى جميع العواصم العربية، وقبل كل شيء الى بغدادِ جاء في التصريح: 'تناول تبادل الآراء موضوعين: ضرورة تفعيل العامل العربي بشكل أقوى حيث يتوقف عليه قدر كبير لتفادي الانفجار المسلح في المنطقة والعواقب التي لا تحصى بالنسبة للعالم أيضاِ وآفاق تسوية قضية الشرق الأوسط بالكاملِ فقد أخرت الأزمة الكويتية التي أوجدت هذه المرة بذنب دولة عربية حل هذه المشكلة ودفعتها الى الوراءِ وقال ميخائيل غورباتشوف أن الظروف تطالب بأن على العرب أن يظهروا قدرتهم على التوحد السريع واتخاذ القرارات المشتركة خدمة لمصالحهم وصالح العالم أجمعِ فالوقت يتسارع ويحتاج الأمر الى ديناميكية عالية في استخدام كافة القنوات والاتصالات من أجل ايجاد حل عادل وسلمي للأزمةِ ولا نرى ان الوسائل استنفدت، بل يجب بذل قصارى الجهود بهدف تحقيق هذه الامكانية ومنع الانفجار المسلحِ وستنفذ قرارات مجلس الأمن بحزم وعلى العراق أن يتخذ المواقف الصحيحة بناء على التضامن الذي عبر عنه المجتمع الدولي باصداره هذه القرارات، وأن لا يحرج الوضع أكثر ويبحث من جانبه عن مخرج للأزمة'ِ واستقبلت موسكو في أغسطس ضيفا مهما آخر هو وزير الخارجية اليمني عبد الكريم الاريانيِ كان اليمن عضوا في مجلس الأمن ممثلا للعرب بشخص واحدِ وكان هذا سببا كافيا لأن يلبي الاتحاد السوفيتي رغبة الارياني في زيارته باهتمام كبيرِ زد على ذلك كان الارياني يمثل دولة جديدة هي جمهورية اليمن التي توحدت قبل أشهر باسم شطري اليمن الشمالي والجنوبيِ تشكلت للاتحاد السوفيتي مع كلا البلدين في السنوات السابقة علاقات واسعة جدا شملت التعاون الاقتصادي والعسكريِ وكان من الواجب الآن تحديد كيفية عمل الاتفاقات المبرمةِ
المحادثات مع الأمير بندر
جرت في موسكو عدا المباحثات مع حمادي، العديد من الاتصالات الهامة مع ممثلي الدول العربيةِ تم أولها مع المبعوث السعودي الخاص الأمير بندر بن سلطانِ في بداية الأمر تحدثت معه ومن ثم ذهبنا مع بعض الى شيفيرنادزهِ تناولنا سابقا بعض لحظات الحديث ولذا سأسقطها هناِ أذكر فقط أن بندر عرض قصة الأزمة الكويتية ورد الفعل الأول للملك فهد ومحاولاته للاتصال بالرئيس العراق من أجل توضيح الحالةِ وفي اليوم الثاني من التدخل تمت المكالمة الهاتفية مع صدام حسين التي منحت القليل لادراك النوايا العراقية واتفقا على ايفاد نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي عزة ابراهيم الى الرياضِ حمل ابراهيم الى الرياض رواية الأحداث العراقية لما جرى ولم يحمل معه أي التزام ازاء الكويتِ وتحدث بندر عن ان صدام حسين 'وعد بمرور بعض الوقت بسحب القوات من هناك ولم يقم بذلك'ِ وأكد بأنه وعد بعدم نقل قواته الى حدودنا، غير أنه ركز أربع فرق عسكرية عليهاِ وأضاف: 'أخافتنا هذه الواقعةِ ورأينا انه يعد في جانب الحدود الآخر للعراق والكويت مليون جندي وخمسة آلاف دبابة وألف طائرة تقريباِ وانحصر تناقض التاريخ في أننا مولنا بأنفسنا خلق هذه الآلة العسكرية الهائلةِ وشعرنا بأننا نوجد في أوروبا الثلاثينات ونقف وجها لوجه أمام ألمانياِ وكان علينا التعلم من التاريخ ولا نسمح بتكرارهِ بعدها اضطر الملك فهد لاختيار الطريقة الأولى وطلب المساعدة لأننا شعرنا بخطر البقاء على قيد الحياةِ ونشرت في الأراضي السعودية عدا القوات الأميركية، القوات المصرية، السورية، المغربية، الباكستانية، البنغالية وكان الانكليز يقتربون من حدودناِ ونعتقد بأنه يمكن ويجب حل المشكلة بالوسائل السلمية وينبغي لأجل ذلك تأمين مراعاة العقوبات الاقتصادية بفعاليةِ ويجب أن يظهر العالم لصدام حسين انه وقع في عزلة كاملة ولا يستطيع الأمل في استدرار عطف أحد ماِ وللاتحاد السوفيتي في هذه الحالة دور خاص'ِ شعرت بأن الأمير بندر دبلوماسي مجرب يبني حديثه بمهارة لكي يصل الى الهدف الرئيسي لمجيئه الى موسكوِ وبالفعل تابعت كلماته بعد أن توجه بتكليف حكومته بطلب الى الحكومة السوفيتية بارسال وحدات عسكرية الى المملكة العربية السعوديةِ وفسر الأمر بقوله: 'من الممكن أن تكون تشكيلة رمزية، لكن واقعة المشاركة بحد ذاتها هامة جداِ ستعتبر اشارة لصدام حسين بأنه لا يستطيع املاء شروطه على العالمِ ستمكث قواتكم على الأراضي السعودية بدعوة حكومتنا ويمكن أن تسحب فورا بعد انتهاء مهمتها'ِ ذكر بندر بأنه تحدث قبل عدة أيام مع جورج بوش وأمس مع مرغريت تاتشر وأجمعا كلاهما على الرأي بأن الاتحاد السوفيتي قد يلعب دورا يليق به (لم يستطع الأمير اكمال حديثه لأنهم أخبروني بأن الوزير ينتظرنا)ِ أشاد الأمير بندر في حديثه مع شيفرنادزه بميخائيل غورباتشوف والتفكير السياسي الجديد ودور الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى وعرض بايجاز موقف السعودية من الحالة الناشئةِ وانتقل بسرعة الى الموضوع الرئيسي قائلا انه من الهام جدا أن يعطي الاتحاد السوفيتي بالذات الاشارة الصحيحة الى بغداد لكي تنصرف من الكويتِ وقال الأمير ان الملك يحيل طلب المملكة الرسمي الى الرئيس السوفيتي بأنه يرحب في حضور القوات السوفيتية الى المملكة العربية السعوديةِ ويكفي أن تكون كتيبة واحدة، لأنه من المهم أن تفهم القيادة العراقية عدم اجازة اللعب بالنارِ لم يجب شيفرنادزه فورا على السؤال المطروحِ واكتفى بعرض صورة كاملة لموقفنا وأكد على عدم شرعية الاستيلاء على الكويت وركز على الدور المركزي لمجلس الأمن في تصحيح الوضع وعلى أهمية العمل في المستقبل أيضا بواسطة مؤسسات الأمم المتحدة وفي اطار ميثاقها بحزم، لا سيما ان للميثاق امكانيات واسعة لتحقيق الأهداف المرجوةِ وتنحصر في الدرجة الأولى من هذه المرحلة مسألة تأمين تنفيذ نظام العقوبات بصرامةِ وقال الوزير منتقلا الى الناحية العسكرية ان مكوث القوات الأميركية في السعودية لا يسرنا ومع ذلك نعتبره اجراء شرعياِ وواصل قوله: 'لا أظن ان اتخاذ قرار نشر قواتنا في بلدكم صحيحِ فلا توجد ثمة حاجة من الناحية العملية: هناك قوات مسلحة للسعودية نفسها وقوات أميركية ولدول عربية وغربية أخرىِ هناك عدد من القوات أكثر من الحاجة لرد العدوان ولن تضيف مشاركتنا كثيرا لأمن السعوديةِ ومن جهة أخرى لدينا صعوبات خاصة: أخذنا على عاتقنا الالتزام بعدم ارسال قواتنا الى خارج حدود الاتحاد السوفيتي وصرحنا بذلك أمام العالم أجمعِ ولنا تجارب مريرة في المجر وتشيكوسلوفاكيا وأفغانستانِ وحتى اذا اقترحت القيادة السوفيتية بارسال القوات الى الخارج من جديد فلا أظن بأن هذا الفعل سيحظى بتأييد الشعب السوفيتيِ وقلنا للعراقيين بوضوح اننا سنتصرف وفق روح قرارات مجلس الأمنِ ويعرفون موقفنا من ضم الكويتِ وزد على ذلك علينا المحافظة على قنوات الاتصال مع بغداد وقد يجدي ذلك فيما بعد'ِ قال بندر بصدد توجه القوات السوفيتية: 'ان المساعدة في اللحظات التي يكون فيها البلد مهددا بالبقاء حيا لا تقدر بثمن'ِ وصرح بأن 'علاقاتنا الثنائية يمكن أن تتطور بسرعة كبيرة وحتى تتجاوز علاقات الاتحاد السوفيتي مع العراق'ِ أكد شيفرنادزه ان مصير الكويت يقلقنا ولن ندافع عن المعتدي واذا اقتضى الأمر فسنوافق على قرارات مجلس الأمن الأخرىِ وينبغي العمل بشكل متتال وبحزم في اطار الأمم المتحدةِ أما العلاقات السوفيتية ـ السعودية فتعكرها مسألة واحدة وهي موقفكم من المسألة الأفغانيةِ ولكن نؤيد من حيث المبدأ تطبيع العلاقاتِ قال بندر انه لدى الاتحاد السوفيتي والمملكة العربية السعودية على السواء 'حلفاء صعاب' وأعرب عن ثقته بأنه يمكن ايجاد حل مناسب للجميع فيما يخص المشكلة الأفغانية أيضا، ودعا الى بذل جهود اضافية في هذا المجالِ وفي الختام وبعد أن أشار الأمير الى تكليف الملك طلب اخبار ميخائيل غورباتشوف باستعداد السعودية اقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الاتحاد السوفيتي ولا تتلخص المسألة الا في شيء واحد: متى؟ِ قيل للأمير ردا على ذلك اننا نبقي حل المسألة وفقا لظروف الجانب السعوديِ وأشير هنا الى أن مسألة تبادل السفارتين حلت في غضون زيارة وزير الخارجية السعودي الى موسكو في 17 سبتمبرِ بمعنى أن المباحثات مع الأمير بندر كانت مفيدة في كل الأحوال وان اعتذرت موسكو عن تنفيذ طلب مشاركة الاتحاد السوفيتي في القوات متعددة الجنسيةِ
يتبع ......... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الثلاثاء يوليو 28 2015, 21:22 | |
| الحلقه 11 في أغسطس 1990 لم تكن لموسكو مثل هذه الاتصالات المكثفة في مسائل الأزمة الكويتية مع أي بلد من البلدان كما كانت مع الولايات المتحدةِ ولكنها كانت تجري كلها تقريبا على مستوى وزارة الخارجيةِ ويبدو أن البيت الأبيض شعر بأن انعدام تبادل الآراء الحي مع رئيس الاتحاد السوفيتي، وبالأخص في خلفية محادثات بوش النشيطة مع الزعماء العرب، يتطلب تعديلا سريعاِ وسيكتب جورج بوش فيما بعد: 'كانت هناك أسباب كثيرة للالتقاء بغورباتشوفِ أكد هذا في الدور الأول اشارتنا الى صدام بأن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تعارضان كالصخرة العدوانِ وكان لقاؤنا من هذه الناحية بحد ذاته خطوة كبيرة الى الأمامِِ وظننت كذلك من المهم الاعتراف متظاهرا بأن للسوفيت مصالحهم الخطيرة في منطقة الخليجِ وكانت مسألة الاستخدام المحتمل للقوة حساسة للغاية، مما جعل الأمر أكثر الحاحا لكي يجري الحديث مع غورباتشوف من قبل وبدون أي تأخيرِ وكان يقلقني حدوث شيء من شأنه تعكير علاقاتنا قبل التحدث مع غورباتشوف وجها لوجه'ِ! وطرح بيكر في نهاية أغسطس في احدى المكالمات الهاتفية مع شيفرنادزه فكرة اجراء اللقاء السوفيتي ـ الأميركي في مدى قصير لكي يكرس في بحث الحالة الناشئة في الخليجِ ووصلت في 30 أغسطس الى السفارة السوفيتية في واشنطن رسالة جورج بوش الى ميخائيل غورباتشوف تتضمن اقتراحا بعقد اللقاء في هلسنكي أو جنيفِ لم يتردد الجانب السوفيتي في قبول الاقتراح أو رفضه، لا سيما ان الأزمة الكويتية دامت شهرا كاملا ولم تلمح فيها نهاية سلميةِ تاليا، أعلن عن اللقاء في 2 سبتمبر وعين موعده في 9 منه في هلسنكيِ وأصبح الاعلان مفاجأة مثيرة وان حاول بوش في مؤتمر صحفي منظم خصيصا لتبريد التوقعات الاشارة الى أن موقف بغداد الراهن يستبعد حدوث اختراق دبلوماسي لتسوية النزاعِ وما يثير الانتباه أن أحد الأسئلة الموجهة الى الرئيس من قبل الصحافيين دوى على النحو التالي: 'السيد الرئيس، هل يعلل لقاء القمة مسألة عدم موافقة السوفيت على أعمال الولايات المتحدة في منطقة الخليج وبالأخص شكوكهم حول نشر القوات هناك'ِ لم يعترف بوش بطبيعة الحال في تلك اللحظة، بل أشار بالعكس الى درجة الوفاق الكبيرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ونوه بتوفر الكثير من المسائل التي تكون المشاورة بشأنها مفيدةِ وطرحت أمام موسكو فورا مسألة عما سيحمله وفدها الى هلسنكي وبرزت في هذا الصدد الحاجة للحصول على معلومات جديدة عن نوايا بغدادِ لم تجلب رحلة سفير المهمات الخاصة ميخائيل سيتينكو الى بغداد أي نتائج عمليةِ فقد استمع بعد استقبال طارق عزيز له، الى محاضرة مسهبة عن 'حقوق العراق التاريخية' في الكويت وعتاب كثير حول موقف الاتحاد السوفيتي من مسألة ضم الكويتِ ولم يتسن الكشف عن أصغر البوادر في تطور وجهة نظر بغداد نحو الواقعيةِ بالعكس، اذا حكمنا بياناتهم الرسمية فقد كانت تحمحم دون الاشارة الى وجود نوايا لهم لتنفيذ مطالب مجلس الأمنِ هل كان هذا السلوك الضاج والمتظاهر بالشجاعة متصنعا؟ كان من الواجب فهم ذلك على عتبة اللقاء في هلسنكيِ ولذا نشأت فكرة الاقتراح على صدام حسين ارسال مبعوثه المفوض على عجل الى موسكو لاجراء المشاوراتِ لكن قبل أن أحالت سفارتنا في بغداد هذا المقترح توجهت بغداد نفسها بطلب استقبال نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية طارق عزيز في موسكوِ اعتبرنا ذلك فأل خير، وأعطيت الموافقة فورا بطبيعة الحالِ ها هي أسبابناِِ وقدرت الصحافة الأميركية من جهتها بالاجماع نبأ زيارة عزيز الى موسكو كمحاولة لدق اسفين في العلاقات السوفيتية ـ الأميركيةِ التقيت بطارق عزيز في مطار 'شيريميتوفو ـ 1' ( كان هذا واجبي حسب قواعد المراسيم )ِ وكنت أعرف وزير الخارجية العراقي منذ عملي في نيويورك، حيث تكلمت معه أكثر من مرةِ تجاوز طارق عزيز الخمسين بقليل وعين في منصب وزير الخارجية في عام 1983 وكان قبلها وزيرا للاعلامِ وكان بشكل عام من الناحية المهنية صحافيا واقترب من صدام حسين عندما كان يحرر جريدة حزب البعث ويعتبر من أيديولوجيي البعث العراقيِ اقتصر حديثنا في الطريق الى موسكو حول لقائه المقبل بميخائيل غورباتشوف، ونصحته أن يكون صريحا الى أقصى حد ويعير الاهتمام الأول لطرق تجاوز الأزمة واقعياِ استقبل ميخائيل غورباتشوف، طارق عزيز في 5 سبتمبر في الكرملينِ وأجرى الحديث بدقة وبصورة هادفة وباقتران حسن النية اتجاه الشعب العراقي والعناية بمستقبل العلاقات السوفيتية ـ العراقية وعدم قبول ضم الكويت والقلق حيال نهج بغدادِ وحدد غورباتشوف منذ بداية الحديث هدفه: طلب التوضيح في حالة ظهور ظروف جديدة في موقف العراق تيسر البحث عن تسوية للأزمة السياسيةِ وفي غضون ذلك قيل بوضوح بأنه اذا ساهم العراق بشكل بناء في هذا البحث فإن النتيجة ستكون ذات معنى واحدِ واذا لم يساهم فإن الأمر سيتخذ سبيلا آخر يحمل أخطارا كبرىِ وقال غورباتشوف بأنه سيعارض أسلوب الحل العسكري، غير أنه لكي لا ينشأ هذا الأسلوب ينبغي أن يقوم الجانب العراقي بخطوات بناءة واقعيةِ
ما قاله عزيز
غير أن ما سمعناه من طارق عزيز كان موهن العزم: لم تكن بارقة أمل واحدة واقعية وبناءةِ واذا أسقطنا كلام العواطف والصداقة للاتحاد السوفيتي في حديثنا هنا، فإن موقف طارق عزيز الذي عرضه علينا يمكن حصره بالنقاط التالية: ـ يعتبر جميع من في العراق ان الكويت جزء من الأراضي العراقية ولا يمكن التخلص من هذه الحقيقة أبداِ وحرص كل الحكام الذين تناوبوا على العراق على ذلك، ولو كانت لديهم امكانات وقوى مناسبة لتعاملوا مع الكويت بلا استثناء على النحو نفسه كما تعاملنا معهاِ ـ اتخذ الفعل ضد الكويت لأن الولايات المتحدة وبعض الأنظمة العربية راهنت بجد على انهيار العراقِ ـ سيتواصل نهج العراق السياسي على أساس المبادرة المؤرخة في 12 أغسطسِ ـ لا تخاف قيادة العراق ولا شعبه من مواجهة الولايات المتحدةِ وفي العراق يثقون تماما بقوتنا، لسنا قليلي خبرة في قيادة البلد وفي شؤون السياسة الدوليةِ ننظر الى الأمام بلا تشاؤم وواثقون بأن المواجهة مع الولايات المتحدة ستثمر النجاح في نهاية المطافِ يصيب الأميركان الضلال عندما يتحدثون عن 'عملية جراحية' كما يسمونها، واذا اعتزموا على شيء مشابه فسيحصلون في النتيجة على نزاع طويل ومرير جدا لهم قد يقلب كل شيء رأسا على عقب في هذا الجزء من الكرة الأرضيةِ ـ بلغ احتياطي الكره والغضب في العراق والعالم العربي بأجمعه ضد الولايات المتحدة وسياستها الموالية لاسرائيل نقطة حرجة، وجميع العرب مستعدون لهذه المواجهة التي قد تؤدي الى اصطدام واسع النطاق في جميع الخطوط ولكن هذه الآفاق لا تخيفنا فنحن ثوارِ ـ يعز علينا الكيفية التي ردت فيها القيادة السوفيتية على الأحداث في منطقة الخليجِ ولا نعتمد بأن الاتحاد السوفيتي سيدافع عن العراق فنحن قادرون على القيام بذلك بأنفسناِ لكننا لا نريد أن يحصر الاتحاد السوفيتي المشاكل الحادة كافة في مسألة وحيدة وهي المسألة الكويتية، وأن يعارض التطرف الأميركي في المجال العسكري، وسيتوطد الموقف العراقي اذا أيد الاتحاد السوفيتي مبادرة صدام حسين المؤرخة في 12 أغسطسِ لم يترك ميخائيل غورباتشوف بعض أفكار وزير الخارجية العراقي بلا تعليقِ بل قام بذلك باتقان وبشكل موزون، رغبة منه في عدم ايصال الحوار الى مرحلة حرجة: قال الرئيس بخصوص الشرق الأوسط: يبحث الاتحاد السوفيتي منذ زمن بعيد وباصرار عن الطريق لحل أهم المشاكل في الشرق الأوسط وقبل كل شيء القضية الفلسطينية والنزاع العربي الاسرائيلي عامة وتناقضات الأزمة اللبنانية المعقدةِ غير أن المخرج لم يعثر عليه حتى الآنِ وتعقدت المهمة الآن أكثر بعدما قام العراق به، وأصبح ايجاد حل لمشاكل الاقليم أمرا صعباِ وعن الحضور العسكري الأميركي قال غورباتشوف: في جوهر الأمر أعطيتم البراهين والحجج القوية جدا للأميركان في تكثيف حضورهم العسكري في منطقة الشرق الأوسط والخليجِ فالقوات الأميركية لن تنصرف من هناك ببساطةِ ويعطي اعلانكم باعتبار الكويت محافظة حجة اضافية لتثبيت الحضور العسكري الأميركيِ وعلق الرئيس على سير المحادثات: بعد كل ما حدث ليس من الواقعية اجراء محادثات بلا ابداء الاستعداد لسحب القوات العراقية من الكويتِ واذا استطاع العراق صياغة المقترحات المناسبة، يمكن عندئذ التحدث عن تغيير القوات الأميركية بقوات عربية أو دوليةِ وعندما تؤكدون بأن الكويت جزء من الأراضي العراقية فإن موضوع المحادثات بحد ذاتها يزولِ وعليكم الأخذ بعين الاعتبار أن الحالة ستسوء بالنسبة لكم فيما يلي: أن ما يمكن عمله اليوم قد يكون غدا صعب المنال وستضطرون للدفاع بأغلىِ وأثبت رئيس الاتحاد السوفيتي في ختام حديثه بأنه لا يستطيع القول بأنه راض بكل ما سمعهِ وأنه كان يفضل ظهور مواقف جديدة من الجانب العراقيِ تفارقا بابداء الاستعداد لمواصلة الاتصالاتِ بعد الحديث كان واضحا لي أن صدام حسين عندما بعث وزيره الى موسكو لم يسلحه بشيء ما الا بوصية التخويف واستعداد بغداد لطريقة الحل العسكريِ وكان عزيز يصر على ذلك بتصويره الواقع ورديا وخاصة توزيع القوى في العالم العربي، وفيما يخص آفاق المواجهة العسكرية بشكل عامِ ولم يكن واضحا فيما اذا كان هذا تضليلا من الجانب العراقي أملا منهم بأننا سنخبر الأميركان بذلك أو كانوا يفكرون في ذلك في حقيقة الأمرِ وكان الافتراض الأخير أخطر بكثير بالطبعِ وقررت أن أصارح عزيز بتقديراتنا أثناء مباحثاتنا في وزارة الخارجيةِ ولم اضطر حتى الى البحث عن حجة للانتقال الى هذا الموضوع الحساس، لأن طارق عزيز عاد اليه بنفسهِ بدأ من لقاء القمة العربي في القاهرة حيث كانت تواجه العراق، حسب قوله، السعودية ومصر وسوريا وبلدان الخليج الصغيرة فقطِ وفي الوقت نفسه أيدت الأردن وفلسطين واليمن والسودان وليبيا والجزائر وموريتانيا وتونس ( غيابيا ) العراقِ ويحظى موقف حكومات هذه المجموعة من البلدان بتأييد جماهير الشعب الواسعةِ واحتلت في الوقت الحاضر القوى اليمينية واليسارية والاسلامية موقفا واضحا في تأييد العراقِ ويظهر السؤال: هل يستطيع ملك السعودية أن يواصل وضع أراضي دولته تحت تصرف الأميركان ويبقى في الوقت نفسه راعي الحرمين ويستقبل الحجاج في السعودية؟ هل يستطيع النظام المصري احتمال الموقف الراهن في المستقبل؟ِ واستمر طارق عزيز في حديثه: 'ان الاخوان المسلمين في مصر قوة رصينةِ وأعلنوا منذ الأسبوع الأول من الأزمة بيانا سلبيا بالنسبة لناِ لكنه بالأمس ظهر بيان جديد بمضمون مختلفِ بدأ الكثيرون يعيدون النظر في مواقفهم لصالحناِ بالتالي ستضعف مواقف من يواجهنا الآنِ بل بالعكس، ستتوطد في المستقبل مواقف مجموعة البلدان التي تؤيدناِ هذه هي العقلية السائدة بين العرب، فقد تراكم الغضب ضد الولايات المتحدة واسرائيل والحكومات العربية التي تتعاون معهما منذ عشرات السنينِ نزل الأميركان في المنطقة وكأنهم يتصرفون حسب سيناريو أحد الأفلام المعروفة عن 'السوبر مان رامبو'ِ وكانوا يأملون بأنهم ينجزون بسهولة ما أسماه كيسنجر ب 'العملية الجراحية' ِ غير أن الحياة ليست سينماِ لدينا جيش من مليون شخص وخمسة آلاف دبابة ومئات الطائرات والصواريخ، ولنا تجارب كبيرة لخوض الحرب، واذا أنزل الأميركان ضربات من الجو فإن دباباتنا لن تنتظر وسترد الضربة على قواتهم البريةِ واذا بدأ الصراع بجهاد المستميت فإننا سنبدأ بضرب الأمريكان وحلفائهم وستستمر المعركة شهورا عديدةِ سيتكبد الأمريكان فيها خسائر لم يعرفوها من قبل'ِ ثم تلت أقوال عزيز بأن المشكلة الكويتية بالنسبة للعرب لا تقاس بالمشكلة الفلسطينية أو مشكلة القدس، وأعطى أوصافا حقيرة لدول الخليج وأكد ان العراق لم يكن متكاتفا أبدا كتكاتفه في الوقت الحاضرِ
الرد على عزيز
آمل ألا يتذمر القارئ لو أوردت ما قلته لوزير الخارجية العراقي كلمةِِ كلمة، لأني أعتقد ان هذا سيكون هاما للغاية من وجهة نظر تقديراتنا للحالة في ذلك الوقت ومقدار صراحتنا مع العراقيينِ قلت له ما يلي: ليست الوحدة العربية تجريدا، بل شيء هام وملموس في سياستنا ومصالحناِ ولا يخفى عليك ان الاتحاد السوفيتي كان يدعو على الدوام الى ان تقف الدول العربية صفا واحدا وتتخذ مواقف واحدةِ ولنا مع العالم العربي الكثير من القضايا المشتركة أكثر من المفرقةِ ونضطر للاثبات مع الأسف، أن أحداث الأشهر الأخيرة أدخلت الشقاق والفرقة بين العربِ نأخذ بعين الاعتبار ما عرضته بصدد الحالة في المنطقةِ يتفق ادراكنا لهذه الحالة في شيء ويختلف في شيء آخر عن ادراككمِ أولا، تشكل لنا انطباع بأن كل العالم العربي يعارض العراق في المسألة الخاصة بضم الكويتِ لكني لا أعرف دولة عربية واحدة أعلنت ان استخدام القوة ضد الكويت أمر عادلِ وحتى الأردن وليبيا واليمن والبلدان الأخرى التي ذكرتها استنكرت هذه الخطوةِ ثانيا، في أي اتجاه يجري الانشقاق في العالم العربي؟ في رأينا للدول العربية مواقف مختلفة من مسألة ارسال القوات الى الجزيرة العربيةِ ويجري انشقاق عميق آخر يخص حضور القوات الأجنبية وخاصة الأمريكان الى الاقليمِ وفي غضون ذلك يكون توزيع القوى في هاتين المسألتين مختلفاِ بالتالي، سيتعقد حسب فهمنا، الوضع في العالم العربي، أكثر مما سمعته في عرضكِ ومع ذلك نستعد للموافقة على رأيك في أن حضور القوات الأميركية المكثف سيثير رد الفعل السلبي في البلدان العربية أكثر فأكثرِ نفهم ذلكِ لكني لا أميل للظن بأن الحكومة الأميركية تنوي الانتظار مدة طويلةِ لذا الفت نظرك الى أهمية عامل الوقتِ فما هو ممكن الآن، قد يستحيل عمله غداِ لم أرد التعليق على ما قلته بصدد الوضع الداخلي في العراقِ فقد شعرت في كلمات الرفيق غورباتشوف باهتمام جدي بذلك الوضع الصعب الذي قد يقع فيه الشعب العراقي الذي نكن له كل المودةِ وسأعيد ذكر المثال الذي ضربه رئيس الاتحاد السوفيتي بصدد الوضع الذي وقعت فيه مصر في عام 1967ِ اضطررنا في ذلك الحين الى انقاذ مصرِ كان وضعها مخيفاِ ولم يتوقف الهجوم الاسرائيلي الا عندما تسنى لنا بلوغ الاتفاق مع الولايات المتحدةِ لقد ارتكب عبد الناصر خطأ خطيرا عندما حمل قوات الأمم المتحدة على الانصراف ففتح في حقيقة الأمر الطريق للهجوم الاسرائيليِ نعرف أن العراق دولة كبيرة ذات هيكل عسكري متطور وجيش قويِ ولكم تجارب غنية في حرب السنوات الثماني ضد ايرانِ وهذا عامل واضح يؤخذ في الاعتبار في هيئات الأركان الغربيةِ ولكن مصر وسوريا هزمتا في عام 1967 من اسرائيل وحدها فقطِ ولم تقف اسرائيل منذ ذلك الحين في مكانها، فهي ليست اسرائيل عام 1967 لا من الناحية العسكرية أو غيرهاِ اعذرني على الصراحة ولكن التفكير بأنه يمكنكم مواجهة الولايات المتحدة وانكلترا وفرنسا واسرائيل وبلدان أخرى فهذه مبالغة في تقدير امكانياتكمِ لا أرى من الذي سيساعدكمِ قد تكونون استلمتم تأكيدات سرية من بعض الدول العربيةِ غير أن ما نعرفه يوصلنا الى الفكرة بأن لا أحد من العرب سيساعدكمِ لا أتحدث عن المظاهرات، فهذه ستتم، لكنها لن تؤثر عمليا على سير الحربِ بيننا الآن حديث رفاقي مباشر وأظن بأن المروءة لا تتلخص في القول: لا نخاف من أحد، بل في ادراك الواقع وهو ليس سارا بالنسبة لكمِ لقد دار الحديث اليوم في الكرملين حول ثلاثة بدائل: الأول الحل الحربي الذي لا نقبله لأنه سيقترن بضحايا كبيرة ولن يكون حسب تقديراتنا في صالح العراقِ البديل الثاني مواصلة حصار العراق اقتصادياِ ولا يمهلكم الوقت هنا أيضا طالما ترفضون قرارات مجلس الأمن وقبل كل شيء القرار 660 ولن يكون أمام مجلس الأمن خيار آخر سوى تشديد العقوبات المفروضة من قبلِ لم نرد السير في هذا الطريق، غير أن ثمة منطقا للسلوك الحديدي يدفع مجلس الأمن لاتخذا قرارات جديدةِ من الممكن تأجيلها والقيام بمحاولات ترمي لاضعافها كما فعلنا مع القرار 665، غير أنه من وجهة نظري سيكون اتخاذها في النهاية أمرا حتمياِ لذا نركز اليوم اهتمامنا الخاص على البديل الثالث وهو طريق الحل السياسيِ لقد كان على رأس المقترحات التي أطلقها معمر القذافي وياسر عرفات والرئيس التونسي شيء واحد: يغادر العراق الكويت وعلى الولايات المتحدة الانصراف من الجزيرة العربيةِ ولكل من هؤلاء الزعماء اختلافاتهم البسيطة في المواقف التي لا ترتبط بالأمر الرئيسيِ نرى في كافة المقترحات عدم رغبة مؤلفيها في أن يصبحوا شهودا على تصاعد النزاع وازدياد الخطر العسكريِ غير أن مفاتيح الانفراج توجد لدى بغدادِ ولهذا السبب رغبنا جدا في أن نسمع منك شيئا جديدا يسمح لنا بالاعتماد على عناصر أخرى في الموقف العراقي وتحويل تطور الأحداث من مجرى المواجهة المسلحة الى الحل السياسيِ بيد أن طارق عزيز أصر بعناد على خطه العام محاولا البرهنة على قدرة بلاده على الحاق الهزيمة بالولايات المتحدة وحلفائها كقوله: 'لا نضجر من قولكم بأننا نبالغ في تقدير امكانياتنا حسب رأيكمِ عليكم ألا تقلقوا لقد جربنا أنفسناِ من الخطأ أن تقارنونا بمصرِ ان المصريين أخوتنا بالطبع ولكنهم يختلفون عناِ ينام المصري 8 ساعات في اليوم ويعمل ساعتين ويتلهى 14 ساعة أخرىِ والعراقيون ليسوا من هذا النوعِ من الممكن أننا جديون بافراطِ نحب العمل وعندما أعود الى بيتي في الساعة 10 ـ 11 أعتبر أن عملي كان قليلاِ جر المصريون في عام 1967 وجرونا الى حالة مورطة للغايةِ لديهم حلوق قوية ولكن عندما بدأت الحرب لم يحاربواِ أما نحن فاذا بدأت الحرب سنكافحِ تواجهنا دولة عظمى وسنكلفها غاليا وعليها معرفة ذلك: هل أن شيخ الكويت عزيز عليها لدرجة أنها مستعدة للتضحية في سبيله بعشرات الآلاف من الأشخاص؟'ِ لقد قلت للرئيس غورباتشوف بأنه اذا ظنت الأطراف المواجهة لنا بأنها ستنزل ضربة سريعة وساحقة بنا وأننا سنصرخ في اليوم الثاني ونطالب مجلس الأمن بوقف اطلاق النار فانها تقع في خطأِ سنواصل المعركة وسيضطرون هم أنفسهم للتوجه الى مجلس الأمن بمثل هذا الطلبِ وسنقرر في هذه اللحظة ان كان علينا أن نوافق على هذاِِِ الوطن العربي يشبه في الوقت الحاضر المرجل واذا أنزل الأمريكان الضربة على العراق فان المرجل سينفجرِ سيغرق الماء المغلي كل الساحة من العراق حتى المغربِ وستشيط رشاشات الأمريكانِ قد يكون هذا أحسن، سنتخلص على الأقل من الامبرياليينِ وعندما أدركت بأن المناقشات عن آفاق الحرب لن تجلب شيئا جديا ومفيدا، اكتفيت بملاحظة موجزة بالقول ان المستقبل وحده كفيل باظهار كيفية تطور الأحداث، مؤكدا موقفنا الرافض للحل العسكري و'نعرف صفات الشعب العراقي القتالية، الا أننا نرى أن تناسب القوى من الناحية العسكرية ليس في صالحكم'ِ
حديث جانبي مع عزيز
أورد مقتطفا آخر من حديثنا الخاص بمجلس الأمن وجاء نصه كالتالي: عزيز: طلبت من رئيس الاتحاد السوفيتي أن تقدموا لنا مساعدة أكبر مما كانت عليه من قبل في مجلس الأمنِ المؤلف: لكي نستطيع مساعدتكم عليكم ان تساعدوناِ فاذا انحصر موقف العراق كالسابق في النفي القطعي لامكانية سحب القوات من الكويت فلن تكون هناك فرصة عمليا للمناورة السياسيةِ نعتبر ابتلاع الكويت من قبل العراق أمرا غير مقبول بالنسبة لنا ولا نستطيع مخالفة مبادئنا الخاصةِ ثمة حد معين نسير اليه في مجلس الأمنِ واذا أردتم مساعدتنا زودونا بالحجج التي انتظرها جدا منك اليوم رئيس الاتحاد السوفيتي عشية لقائه بجورج بوشِ عزيز: لماذا تنوون السير أبعد مما قد سرتم عليه في مجلس الأمن؟ِ المؤلف: لن يسلم المجتمع الدولي بضم الكويت وهذا واضح للجميعِ فلنفكر كيف يمكننا التوصل الى الانفراجِ عزيز: لكن القرارات قد اتخذتِ لماذا يحتاج الأمر الى قرارات جديدة لمح مجلس الأمن الى امكانية اتخاذها؟ِ المؤلف: لا يستطيع مجلس الأمن أن يتكاسل عندما لا تنفذ قراراتهِ أنت دبلوماسي محترف وتعرف كيف يتصرفون في مثل هذه الحالاتِ لهذا السبب نريد بوادر عراقية ما تمكن القيام بمناورة سياسيةِ ويثير كل قرار تتخذونه وبالأخص اعلانكم الكويت المحافظة ال 19 للعراق تصعيدا للمواجهةِ ان الحل السياسي وحده الكفيل بتخفيف الوضع على أساس سحب القوات العراقية من الكويت والأمريكية من الجزيرة العربيةِ هذا هو تقديرناِ تحدثت مع عزيز أكثر من ساعتين في سمالينسكيا ( حيث تقع وزارة الخارجية ) وقبلها في الكرملين، لم يقل شيئا للأسف، أمكننا الاعتماد عليه في هلسنكي بخصوص استعداد العراق لابداء مرونة ما واحتمال تغيير دفة الأزمة نحو جهة الحل السياسيِ كان موقف بغداد كما عرضه لنا طارق عزيز يتجه نحو طريق معاكس تماما يؤدي فقط إلى الاصطدام العسكريِ وكان من الصعب ابتكار 'هدية' أسوأ للقاء هلسنكيِ حمل لقاء عزيز لحظة ايجابية وحيدة في تأكيده الذي حصلت عليه في أنه سيأخذ على عاتقه شخصيا مراقبة كافة المسائل برحيل خبرائنا من العراقِ ولم يستغن الأمر هنا أيضا عن ابداء تحفظاته بصدد رحيلهم قبل انتهاء أجل العقود الذي سيثير، كما زعم، اعتراض الوزراء ورؤساء المؤسسات المعنية في العراقِ وأكد في الوقت نفسه ان القيادة العراقية لم تتخذ بعد أي قرار بشأن ابقائهم في العراقِ في الصباح التالي ( 6 سبتمبر ) جئت بطارق عزيز الى المركز الصحفي لوزارة الخارجية حيث تجمع الكثير من الصحافيينِ اكتفى طارق عزيز بكلمة افتتاحية موجزة ومن ثم أجاب على الأسئلةِ كانت أقواله مضبوطة بدقة ولم يخرج قيد شعرة عن مواقف بغداد العلنية المعروفةِ وتكلم عن المحادثات في الكرملين ووزارة الخارجية مشيرا الى أنه بالرغم من اختلاف المواقف بين الاتحاد السوفيتي والعراق، الا أنه 'تسنى اجراء تبادل مخلص للآراء على أساس تقاليد الود القديمة حول كافة المسائل'ِ يمكنني الموافقة على ذلك وان كنا نريد أن تمدنا بغداد بشيء مشجع نحمله الى هلسنكيِ غير أن ذلك لم يحصل للأسفِ بعد انتهاء المؤتمر الصحفي توجهنا معا مباشرة الى المطار حيث ودعته هناكِ
يتبع .... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الثلاثاء يوليو 28 2015, 21:33 | |
| الحلقه 12 ان العمل اليومي لموظفي وزارة الخارجية مع ممثلي الدول الأجنبية أمر اعتياديِ لكنه في حقبة غورباتشوف المتميزة بالعلنية وحرية الصحافة والحياة الاجتماعية النشيطة أضيف اتجاه هام جدا تطلب من الخارجية الانتباه اليه وهو العمل مع نواب البرلمانِ لقد غاصت في أعماق الماضي تلك الأوقات التي كانت جلسات المجلس الأعلى تعقد بضع مرات في السنة فقط وعندما لم تجر المناقشات البرلمانية ولم تكن ثمة استجوابات معقدة ولا انتقادات للسياسة الخارجية لا عبر منبر البرلمان ولا من خلال تصريحات النواب للصحافة أو التلفزيونِ لقد تغيرت الحال الآن تماماِ وليس من المستغرب أن الأزمة الكويتية أثارت اهتمام النواب، لا سيما أن الصحافة المحلية كانت تفسرها على أساس المواقف السياسية المختلفةِ فاذا كانت 'ازفيستيا'، 'ترود'، 'كومسومولسكيا برافدا' و'نوفيه فريميا' تضيء الأزمة كقاعدة عامة وبشكل موزون، فإن 'سوفيتسكيا روسيا' و'ليتراتورنيا غازيتا' اتخذت موقفا مواليا للعراق مائة في المائةِ وكانت 'كراسنيا زفيزدا' قريبة منهماِ وفي النتيجة كانت تصل الى الخارجية شكاوى من وسائل الاعلام، إما من السفير العراقي أو السفير الكويتيِ وحدث ذات مرة أن السفيرين جاءا في يوم واحدِ واضطررت للشرح بأنه ليست لوزارة الخارجية أو الحكومة أية علاقة بهذا، وأنهما لا يشرفان على الصحافة والتلفزيون وأن الوقت تغير من هذه الناحية وعلى السفيرين الانطلاق من الوقائع الجديدةِ وينبغي القول انه شعر في الاتحاد السوفيتي في عام 1990 بالضغط على ميخائيل غورباتشوف فيما يخص السياسة الداخلية والسياسة الخارجية على السواءِ وبدأت تستخدم الخصومات الحزبية الداخلية بمختلف الأساليبِ وأثر كل هذا على سلوك البرلمانيينِ وكانت تثار بين الحين والآخر الدسائس السياسيةِ وأدى الأمر الى تعرض السياسة الخارجية في حقبة غورباتشوف الى الكثير من الضرباتِ ولم يكن نهج الاتحاد السوفيتي في الأزمة الكويتية في هذا المعنى استثناءِ لقد أصبحت الأزمة الكويتية موضوعا للمناقشة رسميا في مجلس السوفيت الأعلى لأول مرة في نهاية أغسطسِ حيث قررت لجنة الشؤون الدولية الاستماع الى وزارة الخارجية حول هذه المسألةِ وكلفوني بالادلاء بالتصريح المناسبِ حضرت الجلسة المنعقدة في 30 أغسطس التي حضرها عدا أعضاء اللجنة المذكورة، أعضاء لجان المجلس الأعلى الآخرونِ وازدحمت قاعة الجلسة بالنوابِ استغرق خطابي 30 دقيقة تقريبا واحتلت اجاباتي على الأسئلة وقتا أكثر من ذلكِ طرحت أسئلة ملحة من جانب العسكريين على الأغلب ويبدو أن ظهور القوات الأميركية عند حدودنا الجنوبية أقلقهم أكثر من أي شيء آخرِ ومع ذلك لم يهونوا وضع العراق ووقعه عليهمِ ارتحت من القرار الذي اتخذته اللجنة والذي جاء فيه: 'أشار المشاركون في اللجنة الى أن موقف الاتحاد السوفيتي كان منذ البداية أخلاقيا رفيعا ولقي تأييد الرأي العام السوفيتيِ ويؤيد النواب بحزم التسوية السياسية للأزمة وضرورة منع النزاع العسكري وأبدوا قلقهم من تقوية الوجود العسكري للولايات المتحدة في المقام الأول في الاقليمِ ويوصي أعضاء اللجنة حكومة الاتحاد السوفيتي بالنظر الى مسألة استدعاء الخبراء السوفيت من العراق'ِ كان المبدأ الأخير في محله جدا، لأن بعض المؤسسات استمرت في المقاومة الغامضة لتقليص عدد ممثليها في العراق بالرغم من التوتر السائد هناكِ وباختصار كان بوسعي الاعتبار بأن ظهوري الأول أمام النواب كان ناجحا بما فيه الكفايةِ وفي الوقت نفسه، كانت له على غير المنتظر تماما، عواقب خطيرة جداِ المناقشات البرلمانية غلفتها السرية المطلقة من حيث المبدأِ ولهذا السبب يعتبر تبادل الآراء صريحا وكما يقال، سميت الأشياء بأسمائهاِ لكنه اتضح أن مراسل وكالة الأنباء 'تاس' حضر الجلسة بسبب مجهول وأصدر في ذلك المساء تقريرا أثار انتباها شديدا من قبل وسائل الاعلام الأجنبية بما فيها الأميركيةِ واثر ذلك نشرت 'نيويورك تايمز' في الصباح التالي 31 أغسطس مقالة تحت عنوان 'السوفيت يبدون انتقادهم الأول للحضور الأميركي في الخليج'ِ وقيل فيها أنه بعد الأسبوعين الأولين من المتابعة الهادئة لنشر القوات الأميركية في السعودية تتحدى موسكو هذا الاجراء بشدةِ وأخبرت الجريدة بأن 'السيد بيلونوغوف الذي يعتبر أحد مهندسي تعاون موسكو مع الغرب في الجهود الرامية الى انهاء استيلاء العراق على الكويت صرح بأن الاتحاد السوفيتي لم يستحسن أبدا نشر القوات الأميركية في السعوديةِ'ِ وحسب خبر 'تاس' صرح السيد بيلونوغوف بما يلي: 'لا يمكن أن يسرنا حشد القوات الأميركية حتى من الناحية القصيرة الأجل لأن الوضع سيهدد بالانفجار من الناحية الطويلة الأجلِ لأنه لا توجد ضمانات بأن الولايات المتحدة ستترك السعودية بعد انتهاء الأزمة'ِ وبنيت المقالة حول هذه الآراء مع الاشارة الى كلمات الجنرال الواردة في المناقشات كما جاءت في 'تاس' عن ان تركيز عشرات آلاف العسكريين الأميركيين في منطقة الخليج سيغير الموازين العامة للقوات المسلحة، وهذا يدل على نية واشنطن في خلق تشكيلة عسكرية في الجناح السوفيتي الجنوبيِ وقدر مؤلف المقالة آراءنا كسعي الكرملين لمواجهة السياسة الأميركية في الاقليمِ استمرت 'نيويورك تايمز' في 2 و3 و4 سبتمبر في نشر المقالات مشيرة الى الآراء نفسها ونوهت بأن الولايات المتحدة تتعامل معها بدقة وتعمل على عجل لتصحيح الحالة لأنها تدرك للغاية أهمية التعامل المتين مع موسكو بالنسبة لها ومصير التحالف المعادي للعراقِ ونشرت 'واشنطن بوست' بعض المقالات الأخرى المشابهة مع الايماءات نفسهاِ آسف فقط لشيء واحد، وهو أن هذه المقالات ظهرت قبل أو في آن واحد بعد الاعلان مباشرة عن اللقاء المقبل بين ميخائيل غورباتشوف وجورج بوش في هلسنكي، وأوجدت الخلفية التي كان يستعد فيها البيت الأبيض للقاء القمةِ ولابد من القول بأن الرئيس بوش أدلى في هذا اللقاء بموقفه من التصريح الذي أدلينا به، بأن القوات الأميركية ستسحب بالكامل من منطقة الخليج فورا بعد تجاوز الأزمةِ وكان نهج الرئيس الأميركي خاضعا بالكامل لتنفيذ مهمة ضبط التفاهم مع القيادة السوفيتية على مختلف جوانب الأزمة الرئيسية وللتوصل الى اتفاق أو تقريب وجهات النظر السوفيتية ـ الأميركية واظهارها للعالمِ هذا الأمر ساعد بلا شك على تأمين نجاح القمةِ ولذلك ثمة أسس معينة للظن بأن المناقشات التي جرت في مجلس السوفيت الأعلى كانت مواتية جدا وان لم تكن مخصصة بالمرة للمستمعين الأجانبِ بماذا ذهبنا الى هلسنكي؟
في كل مرة عندما ينشأ اجراء سياسي خارجي كبير، يبلغ الاستعداد له أوج السرعة والدقةِ وفي ذلك الحين حدث الشيء نفسه في وزارة الخارجية في مجال اعداد مختلف المواد والوثائق للقاء قمة هلسنكيِ وانحصرت القضية الرئيسية في كيفية رسم تركيبة المحادثات بغية تجنب الحل العسكري قدر الامكان، اعتمادا على قرارات الأمم المتحدة ورفض بغداد لتنفيذهاِ تم الاتفاق على التركيبة في النهاية، وان كانت مشروطة جدا على أساس مقدمتين واقعيتين علقتا على ظرفين أساسيين: أولا، على استعداد صدام حسين لمغادرة الكويت في نهاية المطافِ ثانيا، على موافقة الأميركان بتأييد عقد المؤتمر الخاص بالشرق الأوسط لأجل ذلكِ ورأينا الخروج الى النهاية السلمية في اضافة مسائل أخرى خاصة بالتسوية العامة في الشرق الأوسط الى مشكلة الكويت، ليس كما جاءت به مبادرة صدام حسين المؤرخة في 12 أغسطس، بل في نظام آخر تماما يقدم المشكلة الكويتية الى الأمام ومن ثم جميع المشاكل الأخرىِ تجدر الاشارة الى أن الاتحاد السوفيتي سبق أن قدم علنا خططا معدة بالتفصيل بعقد مؤتمر خاص للشرق الأوسط قبل عدة سنوات من الأزمة الكويتيةِ ولم يتحقق ذلك جراء اعتراض اسرائيل والولايات المتحدةِ والآن، وبعد ثلاث سنوات من الانتفاضة التي أضنت جدا الاسرائيليين والفلسطينيين على السواء، كان منطقيا الانتقال الى الحوار والبحث عن شكل ملائم لهذا المؤتمرِ بدأت موسكو تطرح مجددا فكرة المؤتمر في أواسط 1990 عندما لم يجر الحديث عن قمة هلسنكيِ وكانت فرنسا تحتل مواقف قريبة من مواقفنا في مسائل تسوية الوضع في الشرق الأوسطِ ولذا قيل في البيان السوفيتي ـ الفرنسي المنشور بعد زيارة وزير خارجية فرنسا رولان ديوما الى موسكو في 25 أغسطس ان الطرفين: 'يعتقدان بأن ظهور هذه الأزمة ( الكويتية) أثبتت مرة أخرى ضرورة تسوية النزاعات الأخرى في الشرق الأوسط وخاصة القضية الفلسطينية'ِ وقال شيفرنادزه في خطابه في فلاديفاستوك ( الشرق الأقصى الروسي ) في 4 سبتمبر في المؤتمر الدولي 'الاقليم الآسيوي للمحيط الهادئ': 'بعد أن حللنا الحالة مرة أخرى توصلنا من جديد الى الاستنتاج التالي: ينبغي العمل على عقد المؤتمر الدولي الخاص بالشرق الأوسط بلا تأجيل لكي يعنى بالتسوية الشاملة في المستقبل'ِ وأضاف الوزير قائلا: 'نظن بأنه اذا صرحت اسرائيل بموافقتها على عقد هذا المؤتمر فان هذا سيدفع ايجابيا الحالة العامة في الشرق الأوسط وفي حل الأزمة في منطقة الخليج عموماِ ولن يبقي الاتحاد السوفيتي من جانبه خطوة اسرائيل هذه بلا جواب وسيعيد النظر بصورة جدية في العلاقات السوفيتية ـ الاسرائيلية'ِ وفي 7 سبتمبر جاءني السفير ميتلوك لكي يطلع على نتائج زيارة طارق عزيزِ عرضت له جوهر المحادثات التي تمت وحولت الحديث خصيصا الى خطاب الوزير المذكور وقلت له ان الوقت قد حان لاعطاء 'الضوء الأخضر' للمؤتمر ورسم الانعطاف لصالح اتخاذ قرارات عمليةِ وسيكون ذلك خطوة سياسية كبيرة تعطي الاشارة للعرب بأن آفاقا معينة بدأت بالظهور في نزاعهم مع اسرائيلِ وسيساعد هذا كذلك على ترك العرب الأفكار المعادية لاسرائيل التي تضارب بها بغداد بنشاط في هذه الأيامِ وقدمنا للأميركان على عتبة لقاء هلسنكي الحجة التالية: من الضروري القيام بخطوة لجانب العرب بمن فيهم الفلسطينيون، بسبب العقليات المعادية للأميركان في الاقليمِ كانت هذه تاريخيا تتأسس نتيجة لنهج واشنطن الموالي لاسرائيل، وكانت تلعب خلال عشرات السنوات دورا واضحا في الحياة السياسية والاجتماعية للعالم العربيِ وأعطى ظهور القوات الأميركية وزيادتها المطردة في منطقة الخليج دفعة قوية لتأجج الوعي العربي المعادي للولايات المتحدةِ لم يظهر المزاج العربي هذا بسبب شعور العرب أنفسهم بالخطر العراقي، غير أن هذه العقليات كانت تقوى باستمرار، وكانت بغداد تراهن جدا على معاداة العرب للأميركانِ وكنا واثقون بأن الأميركان يدركون هذا الأمرِ ولهذا كان طرح فكرتنا بعمل خطوة لصالح العرب لن تسقط على أرض غير مهيأة جيداِ الأمر الآخر، اذا اعتبر الأميركان ولو بشكل غير مباشر ان للخطوة علاقة ما بمبادرة صدام حسين حتى لو قلب ظاهرها بباطنها، فيمكن الحديث عن ذلك بشكل مباشر في هلسنكي والاجابة بأن ادارة بوش كانت قبل مجيئها الى الحكم تحاول دفع عملية التسوية العربية ـ الاسرائيلية من مرحلة الخمول وحتى لو فشلت فهي بقيت مدركة من حيث المبدأ ضرورة حل هذه المشكلة المتأصلة والمؤلمةِ قدمت وزارة الخارجية الى رئيس الاتحاد السوفيتي موادها المعدة للمحادثات مع بوشِ ولم نعرف كيف قرر ميخائيل غورباتشوف التصرف بهاِ ولعل غياب شيفرنادزه عن موسكو أثر في ذلك، بالرغم من أنه عاد من فلاديفاستوك قبل الذهاب الى هلسنكي بقليلِ مهما يكن من أمر، لم يدعوني أحد من موظفي الخارجية الآخرين الى الاجتماعات التحضيرية التي كانت تدور في الكرملينِ
النتائج العامة للقمة
وصل ميخائيل غورباتشوف والوفد المرافق له وكنت في عداده الى هلسنكي في 8 سبتمبرِ وأجرى الرئيس السوفيتي في المساء في السفارة السوفيتية اجتماعا للوفد تم فيه 'استعراض الآفاق' قبل اللقاء مع الرئيس الأميركيِ تكلم غورباتشوف نفسه في الأغلب وشعرنا بأن عزمه قتاليِ فقد التقى ببوش أكثر من مرة وكانت العلاقات الشخصية بينهما لا بأس بها وتميزت بالنهوض بشكل عامِ لذا لم تكن لدينا مخاوف من مصير القمة، لاسيما ان الشعور في موسكو وواشنطن حيال العدوان العراقي متشابهِ ولكنه لم يكن واضحا فيما لو تسنى للقمة باعطائها اشارة مشتركة لصدام حسين مع المطلب بتنفيذ قرارات مجلس الأمن أن ترمي له 'طوق النجاة' وكذلك في نوع المؤتمر الخاص بالشرق الأوسطِ وتبقى القليل من الوقت للانتظارِ بدأ اللقاء السوفيتي ـ الأميركي في صباح 9 أغسطس في مقر الرئيس الفنلندي الرسميِ تم في البداية حديث مطول بين الرئيسين بحضور مساعديهما والمترجمين فقطِ وبقي أعضاء الوفد الآخرون في الأروقة حيث كان يجري العمل على اعداد الوثائق والذي اشتركت فيه بشكل دوريِ كان من المهم لنا أن يكون البيان المشترك حازما بما فيه الكفاية من حيث الجوهر والأسلوب، وفي الوقت نفسه خاليا من التهديد المباشر باستعمال القوة ويركز الاهتمام على الحل السلميِ وثانيا، كان علينا التوصل الى ادماج المبادئ الخاصة بالتسوية على نطاق أوسع في الشرق الأوسطِ وثالثا، كان من الواجب ادخال المسائل الخاصة بايصال المواد الغذائية الى العراق في البيان ( طالب طارق عزيز ذلك بالحاح خلال حديثه في وزارة الخارجية في موسكو وكان ذلك من الناحية الانسانية يشكل عاملا هاما لمشكلة العقوبات ضد العراق )ِ بعد حفلة الغداء التي أقامها الرئيس الفنلندي ماونو كويفيسكو تكريما للوفدين، أجرى غورباتشوف وبوش محادثات ثنائية بقوام موسعِ أعطى الرئيسان فيها تقديرا لمحادثاتهما الصباحية ونظرا في مشروع الوثيقة الختامية وأقراهاِ وانتقلا فيما بعد للنظر في المسائل الأخرى ( الوضع في الاتحاد السوفيتي وبعض نواحي التعاون الثنائي والشؤون الأوربية وبعض المسائل الخاصة بنزع السلاح )ِ دامت المحادثات قرابة سبع ساعاتِ واختتم لقاء القمة بمؤتمر صحفي مشترك للرئيسينِ تسنى لي الاطلاع على محتويات حديث الرئيسين في الصباح في موسكو فقط عندما حصلنا على تسجيل المحادثاتِ لذا ابدأ حديثي عن لقاء القمة من البيان الختامي والمؤتمر الصحفيِ
بالرغم من أن لهجة البيان المشترك كانت حازمة ( دام احتلال الكويت أكثر من شهر )، الا أنها خلت من التهديدات العسكريةِ وتركزت القضايا الجوهرية التي حملها في ما يلي: ـ نجمع على الاعتقاد بأنه لا يمكن التسليم بالعدوان العراقيِ ويستحيل اقامة نظام دولي على أساس ابتلاع الدول الأكبر لجيرانها الأصغرِ ـ نتوجه من جديد بالنداء لحكومة العراق بمغادرة الكويت والعمل على اعادة حكومة الكويت الشرعية وتحرير جميع الرهائن المحتجزين الآن في العراق والكويتِ تنفيذ قرارات مجلس الأمن جميعها الأمر المقبول الوحيدِ ـ نفضل تسوية الأزمة سلمياِ وفي الوقت نفسه، نمتلئ عزما على التوصل الى انهاء العدوانِ وفي حالة عدم تحقيق ذلك في الخطوات المتخذة، فإننا مستعدون للنظر في امكانية اتخاذ خطوات اضافية وفقا لميثاق الأمم المتحدةِ ـ ان العدوان لن يجلب فوائد ولن يجيء بهاِ
رسائل للعرب وصدام
احتوى بيان قمة هلسنكي على مسألتين جديرتين بالاهتمامِ تناولت الأولى السماح بايصال المواد الغذائية الى العراق انطلاقا من الاعتبارات الانسانيةِ وركزت الثانية على الوضع في الشرق الأوسطِ وان لم نتمكن من فرض الصيغة التي رغبنا فيها فإن بلوغها كان بمثابة خرق استثنائيِ قيل في البيان: 'فور التوصل الى الأهداف المطروحة في القرارات المذكورة لمجلس الأمن، يعطي الرئيسان التعليمات للوزراء للتعامل في الاقليم وخارجه على انشاء منظومة للأمن الاقليمي ووضع التدابير اللازمة لدفع عجلة السلام والاستقرارِ ويجب العمل سوية وبنشاط لتسوية كافة النزاعات الأخرى في الشرق الأوسط ومنطقة الخليجِ وسيتشاور الطرفان بعضهما مع البعض الآخر لتقديم التدابير الموجهة الى بلوغ الأهداف في الوقت المناسب'ِ يمكنني القول ان الأميركان اضطروا لاعطاء التأكيدات لنا بأنهم يفهمون عبارة التدابير المذكورة أعلاه عقد المؤتمر بالذات برعاية سوفيتية وأميركية مشتركةِ كما حصل عام 1991 والحقبة اللاحقة على أساس الانطلاق من الالتزامات المذكورة أعلاه بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدةِ وسجل وفق هذه الالتزامات كذلك تتابع سير الأعمال اللاحقة: الكويت في البداية ومن ثم ابداء الاهتمام بحالات النزاع الأخرى في الشرق الأوسطِ وأشار كلا الرئيسين في المؤتمر الصحفي بقدر مساو الى أهمية التفاعل السوفيتي ـ الأميركي في الشؤون الدولية بما في ذلك الأزمة الكويتية ومشاكل الشرق الأوسط عامةِ ولفت الرئيس بوش نافيا الربط فيما بينهما الى أن امكان عقد مؤتمر خاص بالشرق الأوسط كان مقبولا في ظروف معينةِ وأعلن ميخائيل غورباتشوف بعد أن لاحظ ان جورج بوش يفشي سرا من أسرار المباحثات عن أن الولايات المتحدة تخلت عن نهجها السابق بأنه ليس للاتحاد السوفيتي ما يعمله في الشرق الأوسطِ لقد اتخذ منذ الآن اتجاها الى تعاون كلا البلدين في هذا الاقليمِ وأكد الرئيسان على تفاهمهما واتفاقهما بأن القوات الأميركية ستنسحب من منطقة الخليج فورا بعد تنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بالكويتِ وأشار غورباتشوف وبوش بشكل خاص الى ضرورة حل مشكلة الكويت بطريقة سلمية ودعوا صدام حسين الى ابداء الحصافةِ وتفلت كلا الرئيسين بتحفظ من أسئلة الصحافيين الملحة الخاصة باستخدام القوة ضد العراق في نهاية المطافِ وباختصار أظهر الرئيسان بكل الوسائل درجة رفيعة للوفاق بينهما، الأمر الذي تم على أساسه تحقيق أحد أهم أهداف قمة هلسنكيِ
يتبع ........ |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الأربعاء يوليو 29 2015, 21:14 | |
| الحلقه 13 عدنا الى موسكو في المساء نفسه (بعد اعلان البيان الختامي للقمة)ِ وكان المزاج حسنا وحتى مرتفعا لدى الجميعِ وبعد أن قدرنا نتائج القمة حسب البيان الختامي والمؤتمر الصحفي المشترك، أدركنا أن كل ما أردناه لم يتحقق، ولكن النتائج العامة كانت ناجحة تماماِ ويبدو أن الوقت حان الآن لمعرفة ما دار خلف الأبواب المغلقةِ أدلى الرئيس بوش في البداية باقتراحاته لغورباتشوفِ وكان عرض الموقف الأميركي خاضعا بالكامل تقريبا للمهمة التي حددها بوش في كتابه على النحو التالي: تنحصر مهمة المحادثات الرئيسية في هلسنكي في أن يدرك غورباتشوف بجد أننا سنضطر للجوء الى القوة اذا لم تجلب المحادثات والعقوبات النتائج المرغوب فيهاِ وكان علي أن أقنعه بأن أفضل الطرق لبناء نظام عالمي جديد هو التعاون السوفيتي ـ الأميركي ضد العدوان ومساندة الرد القوي (ضد العراق ـ المؤلف) الأمر الذي ستكون له أهميته لمصير السلامِ وأردت أن يكون البيان المشترك حازما في هذه المسألة وأن يرسل اشارة قوية الى بغدادِ وتحدد الموقف الأميركي بما يلي: - لا يجوز السماح لبغداد الاستفادة من عدوانهاِ - وضعت الولايات المتحدة استراتيجيتها لبلوغ الأهداف المطروحة من قبل الأمم المتحدة للتوصل الى نتيجة مغادرة العراق من الكويت واعادة القيادة الكويتية وتعتقد أن فرص نجاح هذه الاستراتيجية جيدةِ - تعطى الأفضلية للعقوبات كوسيلة للتوصل الى انجاز هذه المهمةِ - لا تريد الولايات المتحدة تصعيد وتيرة النزاع واستخدام القوة العسكريةِ - اذا لم ينصرف صدام حسين من الكويت فأن الولايات المتحدة وحلفاءها سيلجأون إلى القوةِ وأن المحافظة على الحالة القائمة غير مقبولة وأحد أسباب ذلك قيام بغداد بتفكيك الكويتِ - اذا لم يتخل صدام حسين عن استعمال القوة واستخدام الرهائن كدروع حية فقد يصبح هذا أساسا لمقاضاته على غرار محاكمات نيورنبيرغِ - ليست للولايات المتحدة نوايا للتوجه الى الاتحاد السوفيتي بطلب ارسال قواته الى منطقة الخليج ولو اتخذت موسكو مثل هذا القرار فأن الولايات المتحدة سترحب بهِ وفي حالة اضطرار بلدان التحالف للجوء الى القوة فيحدو الولايات المتحدة الأمل في أن موسكو ستتفهم دوافعهمِ - أشار بوش الى أن الولايات المتحدة لا تسعى الى بقاء قواتها في منطقة الخليج بشكل دائمِ واذا بقي صدام حسين في الحكم فأن أية آلية لضمانة عدم تكرار العدوان واستخدام السلاح النووي لن تكون أميركية، بل دوليةِ ثم قال الرئيس الأميركي إن سياسة الولايات المتحدة انحصرت على امتداد سنوات كثيرة في عدم لعب الاتحاد السوفيتي أي دور في الشرق الأوسطِ وأكد الرئيس الأميركي أن المذهب السابق تغير الآن وتنطلق الولايات المتحدة من أنها ستبذل سوية مع الاتحاد السوفيتي الجهود لأجل ايجاد تسوية ليس للمشكلة الكويتية فحسب، بل لمشاكل الشرق الأوسط الأخرى أيضاِ وأشار جورج بوش في الختام الى أهمية التفاهم والتفاعل المتبادل للدولتين العظميينِ وقال إن وحدة مواقفهما من أزمة الخليج تعني الكثير جدا من وجهة نظر آفاق العلاقات السوفيتية - الأميركية المستقبلية كافةِ وقال الرئيس الأميركي: 'يجب أن نعيش بصورة جيدة ونبني علاقاتنا بطريقة جديدة'ِ استمع ميخائيل غورباتشوف كل هذا ولم يقاطع جورج بوش بكلمة واحدة ولم يوجه اليه أي سؤالِ وأشار بدوره معتمدا على ما طرحه بوش عن أهمية وحدة المواقف السوفيتية - الأميركية بتأييده الكامل معللا الانحراف المزعج حين اتخذت واشنطن قراراها بارسال قواتها الى المنطقة بلا تشاور مسبق مع موسكوِ واعترف بوش أن الولايات المتحدة لم تتعمد ولم تقصد اخفاء شيء عليناِ وانتقل الرئيس السوفيتي بعد هذا الى عرض رؤيته للأوضاعِ وقال في البداية أن الولايات المتحدة قد قررت بعد نشر قواتها في السعودية مهمتها الاستراتيجية الرئيسية: أمنت الاقتصاد العالمي بضمان استمرارية امدادات النفط في منطقة الخليجِ وحسب أقوال غورباتشوف فأن ذلك يعني بأنه ليست ثمة حاجة لزيادة قوات التحالف وبالتالي ترفع مسألة استخدام القوة لأجل استعادة استقلال الكويتِ حاول غورباتشوف هنا البرهنة على أنه يمكن حل هذه المهمة بطريقة سلمية بزيادة الضغط الاقتصادي على بغداد مع استمرار المباحثات معهاِ وبهدف تحويل نظر بوش عن امكانية الحل العسكري، عرض الرئيس السوفيتي منظومة كاملة من البراهين الداعية لتقدير خطورة الحرب وعواقبها في هذه المنطقة الهامة حيويا والشاذة جداِ عرض غورباتشوف صورة مخيفة للغاية وتكهن بالهلاك الحتمي لعشرات الآلاف من الجنود الأميركان والزيادة الشديدة للعقليات العادية للأميركان وحتى انعطاف العالم العربي ضد أميركا وانهيار بعض الأنظمة العربية (وخص بذلك بلدا رئيسيا كمصر) وتدمير الآبار النفطية في كل الاقليم والشقوق في التحالف المناوئ للعراق بما في ذلك ابتعاد أوروبا الغربية عن الولايات المتحدة وتخريب وحدة مجلس الأمن وأخيرا الخسائر المادية بتريليونات الدولاراتِ وأشار الرئيس السوفيتي محاولا اعطاء كلامه طابعا مختصا لاقناع سامعيه الى آراء ومعطيات وتحليلات المستعربين السوفيت دون أن يسميهمِ يجدر القول إن أي شيء مشابه لما قاله غورباتشوف لم يكن ضمن المواد التي أعدتها وزارة الخارجية والتي أحيلت الى الرئيسِ واستغربت فيما بعد لدى سماعي لتسجيل المحادثات كون ميخائيل غورباتشوف لجأ في حديثه الجاد الى ذلك 'التخويف' الذي تعتمده الدعاية العراقية في ذلك الوقتِ ويستنتج مساعد الرئيس السوفيتي أ ِ تشيرنيايف في مذكراته عن حديث الرئيسين في هلسنكي أن 'بوش كان على حق أكثر في تقديره للحالة' وبأن 'الأحداث تطورت في كل الأحوال وفقا للتكهن الأميركي'ِ أوافق على ذلكِ واستغرب من حجة غورباتشوف الأخرى عندما أكد على أن استخدام القوة ضد العراق بمثابة عدوان وأنه لا يمكن اللجوء الى القوة الا في تلك الحالة فيما اذا اعتدى العراق على بلد آخرِ خالف غورباتشوف بهذا الكلام القانون الدولي والمنطق ببساطةِ وكأنه ينبغي ادانة القتلة على ارتكابهم القتل مرتين على الأقلِ ومع ذلك لم تكن اللوحة التي صورها ميخائيل غورباتشوف الا 'مقدمة' (طيبة في الأهداف وليست صالحة تماما من حيث التمثيل) للجزء البناء لتلك الفقرات التي تم الاتفاق عليها في هلسنكيِ وبعد اشارته الى أننا استنكرنا بلا تردد العدوان العراقي وسننفذ بحزم قرارات الأمم المتحدة وإنه لا يجوز السماح بأن يجلب العدوان أي مكسب للمعتديِ ومع ذلك اشار الى الذين يعرفون صدام حسين شخصيا، بأنه لا ينبغي توريطه، بل يجب البحث عن تلك الطريقة التي ستسمح ب 'انقاذ ماء وجهه' ولو جزئياِ ها هي الواقعية الكريهة من الناحية الأخلاقية ِِِ وليست ثمة واقعية أخرىِ واذا لخصنا الحديث الطويل الذي عرضه ميخائيل غورباتشوف عن رؤيته في كيفية الخروج من الأزمة، يكون مخططه سائرا على النحو التالي: يتم التوصل الى اتفاق على عقد مؤتمر خاص بالشرق الأوسط يشارك فيه جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والأطراف المعنيةِ وتوضع بذلك البداية لعملية التسويةِ تخص مرحلتها الأولى الكويت والمراحل اللاحقة تراعي مسائل التسوية في الشرق الأوسطِ ثم تتبعها مجموعة من الخطوات المترابطةِ - يعلن العراق عن استعداده لتحرير المواطنين الأجانب المحتجزين وسحب قواته من الكويت وتعلن الولايات المتحدة والمشاركون الآخرون في التحالف بأنهم لن ينزلوا ضربة ضد العراقِ - تستبدل القوات العراقية المنسحبة من الكويت بقوات عربية تحت راية ورقابة الأمم المتحدة (يجب الاتفاق على قوامها)ِ وفي الوقت نفسه، تبدأ الولايات المتحدة بتقليص حضورها العسكري في السعودية حتى تستبدل بالكامل بقوات عربية تحت رعاية الأمم المتحدةِ - يتخذ مجلس الأمن قرارا بايقاف مفعول القرار الخاص بالحظر الاقتصادي ضد العراقِ وبعد سحب القوات العراقية بالكامل من الكويت تلغى قرارات الأمم المتحدة الأخرى في هذا الشأنِ - تجلس حكومة الكويت الشرعية وحكومة العراق وراء طاولة المفاوضات لكي يبحثا معا مستقبل علاقاتهما بما في ذلك المشاكل المالية والاقتصاديةِ - ينظر المؤتمر في مسألة انشاء منظومة للأمن تضم الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمنِ وستترك القوات الأميركية الاقليم نهائيا بعد أن تؤمن الضمانات الدوليةِ كان رد فعل جورج على هذا المخطط باردا جدا، ان لم نقل سلبياِ وجه الكثير من الأسئلة الدقيقةِ والأهم في كل شيء، لم يرض الرئيس الأميركي على تحويل بؤرة الحالة، في رأيه، عن طريق ربط المشكلة الاسرائيلية - الفلسطينية بأهم مسألة في اللحظات الراهنة، معتبرا أن هذا التحويل يعد تنازلا واضحا جدا لبغدادِ وأصر على أنه لا ينبغي أن يكافأ العدوان بأي شيءِ ولأن جورج بوش كان يميل الى فكرة عدم موافقة صدام حسين على اعادة آل الصباح الى الكويت وأن مخطط غورباتشوف لن يتحقق في كل الأحوال، لم يرغب بوش حتى على اقتران فكرة مؤتمر الشرق الأوسط كمساعدة لصدام حسينِ وقال إنه لو تمت الاستفادة من العدوان فبعد بضع سنوات سيضطر من جديد للاصطدام بمثل هذه المشكلةِ كان غورباتشوف يصف الحرب بالجنون ويؤيد البحث النشيط عن مخرج سياسي سلمي من الأزمة ويحاول اقناع بوش باصرار على اعطاء 'كعكة دبس' لصدام حسين تفاديا لما هو أسوأِ وكان الرئيس الأميركي ينقض بحزم حجج غورباتشوف الجديدة والمبنية لصالح ال 'كعكة'ِ وقال ميخائيل غورباتشوف في نهاية الأمر بعد أن شعر بأنه لن ينجح في اقناع بوش أنه لا يصر على ضرورة الاعلان على توصل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة إلى حل والاشتراك في خطة عملية للتسويةِ واقترح على بوش التأمل في أفكاره المذكورة أعلاه وأشار إلى أن خطة التسوية لا ينبغي أن تنطلق في كل الأحوال من الدولتين العظميين، بل من الأمم المتحدةِ وأضاف غورباتشوف بأنه ليس من المهم من وماذا ومتى، بل يجب أن يبدأ البحث عن قرار ويتم التوصل الى اتفاق على موقف مقبولِ بذلك انتهت مناقشة الأزمة الكويتية في لقاء الصباح بين الرئيسينِ ويتذكر مساعد الرئيس الأميركي برينت سكوكروفت بأنه ترك اللقاء حاملا هاجسا سيئاِ فقد قدر غورباتشوف الموقف كمعد ل 'البيروقراطية الموالية للعراق'ِ وحسب أقواله تكون مثل هذا الانطباع لدى جورج بوش نفسهِ وكان الأميركان يدركون أن جلسة بعد الظهر لن تكون سهلةِ غير أن مخاوفهم لم تصدقِ يؤكد سكوكروفت أن 'غورباتشوف الصباح الذي كان يدافع عن شريكه العراقي زال بلا أثر'ِ قرر غورباتشوف التوقيع على البيان المشترك والقاء كلمة في المؤتمر الصحافي المشترك، مبينا كيفية حل المشاكل الدولية من قبل الدولتين العظميين، حيث أن التخلي عن هذا وانهاء اللقاء بالخلاف يعني عدم التوصل الى أي من أهدافهِ ايرادي لهذه الأقوال لا يعني مطلقا موافقتي عليها، بل كدليل على قبول الموقف السوفيتي من قبل ميخائيل غورباتشوف وشركائه في المحادثاتِ واثر هذا في المستقبل القريب في موقف واشنطن من أفعال الرئيس السوفيتي الأخرى بصدد أزمة الخليجِ سمى غورباتشوف في لقاء ما بعد الظهر الذي جرى في قوام موسع الأزمة الكويتية بأول اختبار صعب للعلاقات السوفيتية - الأميركية بعد 'الحرب الباردة' مشيرا الى أن الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة يتعاونان بنفسيهما وكل المجتمع الدولي للاتفاق على موقف مبدئي هو معارضة العدوان، الأمر الذي يعتبر انجازا كبيرا بالأخص في خلفية عام 1967 عندما وجد الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة نفسيهما في حقيقة الأمر على حافة الحربِ ووصف الحديث الذي جرى مع جورج بوش بالغني والمثمرِ وقدر جورج بوش من جانبه جلسة الصباح ب 'الجيدة جدا'ِ وأشار الى أنه تعامل بكل الجد مع رغبة رئيس الاتحاد السوفيتي في أن تحل الحالة الصعبة في الخليج بالوسائل السلميةِ تم تأكيد مشروع البيان الختامي بيسرِ واكتفى غورباتشوف ببعض التعديلات غير الكبيرة وقبلها الأميركان بلا اعتراضِ وانتهى بذلك النظر في الأزمة الكويتية وانتقل الجانبان الى مناقشة المسائل الأخرىِ أن الاهتمام بلقاء قمة هلسنكي كان كبيرا جداِ ولقي البيان المشترك والمؤتمر الصحافي لميخائيل غورباتشوف وجورج بوش صدى واسعا وايجابيا على الأغلب (ليس في العراق بالطبع)ِ ورأى الرأي العام العالمي عامة عدل نتائج القمة واظهار التضامن للدولتين العظميين فيما يخص ضرورة اعادة استقلال الكويت وإن كتبت الصحافة الأميركية الكثير عن الاختلافات بين موسكو وواشنطن بصدد استخدام القوةِ ختام القمة
اقبلنا حال عودتنا الى موسكو على دراسة المواد الخاصة بالمحادثات والعمل على تثبيت نتائج القمةِ كلف سفراء الاتحاد السوفيتي في البلدان العربية والبلدان التي تهتم بصورة خاصة في منطقة الخليج باطلاع الحكومات على نتائج هذا الحدث الدولي غير العادي وتقديراتنا لهِ وكلف سفيرنا في بغداد بذلك أيضاِ وأجريت من جهتي الحديث في هذا الموضوع مع سفير العراقِ وأشرت فيه الى الظروف التالية: أولا، يثير قلقنا تركز القوات المسلحة المستمر في منطقة الخليج لأن ذلك يعزز الخطر في توسع هذه العملية الى نزاع مسلح، الأمر الذي لا يرغب فيه الاتحاد السوفيتي على الاطلاقِ وقلت للسفير إننا طرحنا لهذا السبب في مقدمة مباحثاتنا أساليب تحقيق القرار 660ِ وكان أسلوبان فقط كما هو معروف: السياسي والعسكريِ تاليا، كانت النتيجة الأهم للقاء كما عبر عنها البيان الختامي، هي تغلب وجهة النظر التي تفضل الحل السلمي للأزمة ويعد ذلك مفتتحا للبحث المطرد عن قرار سياسي مقبولِ ثانيا، تم التوصل الى تفاهم مشترك على انصراف القوات الأميركية من الخليج بعد حل الأزمةِ وكما نفهم لهذا أهمية كبيرة بالنسبة لبلدان الاقليم بما فيها العراق وبالنسبة للاتحاد السوفيتي أيضا الذي لا يرغب أبدا بحضور عسكري دائم في هذا الاقليمِ ثالثا، اتفق الجانبان على حل نزاعات الشرق الأوسط الأخرى حالا بعد تسوية أزمة الخليجِ ونرى أن ذلك يستجيب لموقف القيادة العراقية أيضا في ضوء مبادرة صدام حسين المؤرخة في 12 أغسطسِ لذا أردنا أن تدرس بغداد من جميع النواحي وبجد نتائج اللقاء في هلسنكي وأن تستعجل في ابداء رد فعلها الرسميِ ونعتقد أنه اذا رفض العراق البيان السوفيتي - الأميركي فأن ذلك سيكون في صالح تلك الأوساط في داخل الولايات المتحدة التي تؤيد استخدام القوة لحل المشكلةِ وكلف ميخائيل غورباتشوف حالا بعد هلسنكي بسبب استجواب نواب الشعب الوزير ادوارد شيفرنادزه باخبار مجلس السوفيت الأعلى بتطور الأزمة في منطقة الخليج وأعمال الاتحاد السوفيتي في هذه الحالة ونتائج اللقاء في هلسنكيِ وكان خطاب الوزير الذي ألقاه في 11 سبتمبر مفصلا ودقيقاِ ويعد أول عرض من قبل وزير الخارجية في البرلمان منذ نشوء الأزمةِ وبما أن الخطاب نشر، فيمكن تناول بعض جوانبهِ قال الوزير إنه كانت في لقاءات هلسنكي اختلافات كثيرة في الآراء والتقديرات وتبقى حتى الآن أمور معينة يختلف الجانبان بصددهاِ غير أن الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة توصلا في النهاية الى نتيجة واحدة في أهم شيء: لا يمكن التسليم بعدوان العراق وسيحتل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة موقفا مشتركا ضد هذا العدوانِ وعلى العراق أن ينصرف بلا قيد أو شرط من الكويت والتمكن من اعادة الحكومة الشرعية الى هذا البلد وتحرير جميع الرهائنِ وأشار الوزير بالأخص الى اتفاق الطرفين على أفضلية التوصل إلى تسوية سلمية للأزمةِ وعند تكلمه عن العلاقات الثنائية مع العراق لم يخف شيفرنادزه الصعوبات الناشئة من عملية اخلاء الخبراء السوفيتِ يتم التأخير في اعطاء تأشيرات الخروج العراقية وثمة مشاكل خاصة بتوفير المواد الغذائيةِ وبين الوزير أننا نرد بشكل مناسب على ذلك ونأمل من الجانب العراقي عدم عرقلة رحيل المواطنين السوفيت وأن لا تنسى السلطات العراقية وعودها السابقة في هذا الشأنِ قبل البرلمانيون خطاب الوزير وأجوبته عن الأسئلة بشكل حسنِ وأعرب مجلس السوفيت الأعلى عن مساندته لمواقف القيادة السوفيتية في مواجهة العدوان العراقي على الكويت واستحسن النواب البيان السوفيتي - الأميركي المشترك في هلسنكيِ وصادقوا على التدابير المتخذة من أجل اخلاء المواطنين السوفيت من منطقة النزاعِ وأخبر ميخائيل غورباتشوف بدوره في جلسة المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي زملاءه في القيادة الحزبية بالحالة حول الأزمة الكويتية ونتائج لقاء القمة وحضرت هذه الجلسةِ بدا لي أن ميخائيل غورباتشوف عندما تحدث عن انطباعاته من الحديث مع الرئيس بوش بأنه فسره بصورة شاذة بما فيه الكفاية وخاصة عندما قال إن بوش كان 'حائرا' و 'لم يجئ بشيء ما' ولكن 'تحولت الحالة في نهاية المحادثات' (استشهد بتسجيلي)ِ
بغداد تستفيد من الوقت
كما عرضها على غورباتشوف، كانت لدى بوش رؤية واضحة للمستقبل حتى فيما يخص التقييدات التي ستفرض فيما بعد على العراق من أجل ضمان عدم تكرار العدوانِ الأمر الآخر، أن سيناريو بوش المفترض بامكانية استخدام القوة في حالة عدم انصراف العراق من الكويت لم يثر بالطبع عطف الرئيس السوفيتيِ وأظن بأنه من الهام جدا أنه تم الضغط الشديد في هلسنكي على الرئيس الأميركي لصالح التحفظ والصبر، الأمر الذي لعب دوره بلا شك في تأجيل الحل العسكريِ وللأسف الكبير لم تستفد بغداد من احتياطي الوقت هذا لأجل اتخاذ القرار الصحيحِ لا أتكلم عن أهمية العمل المنجز في هلسنكي من جانب الوفد السوفيتي لصالح الانتقال الى تسوية النزاع العربي - الاسرائيلي بعد التغلب على الأزمة الكويتيةِ فقد كان للاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة كل الأسس لاعتبار لقاء قمة هلسنكي ناجحاِ وكان الأساس الواضح لموسكو قيل في البيان الختامي بصراحة 'نفضل تسوية الأزمة بشكل سلمي ونحتل موقفا واحدا ضد العدوان العراقي'ِ وكان لواشنطن أسسها أيضا، لأنه أضيف الى البيان بأنه اذا لم تؤد الخطوات المتخذة الى انهاء العدوان 'فنحن على استعداد للنظر في امكانية اتخاذ خطوات اضافية وفقا لميثاق الأمم المتحدة'ِ لم يوضح البيان ماهية هذه الخطوات، غير أن الجانب الأميركي امتلك تصورا واضحا تماما لهاِ كتب جورج بوش بعد سنة واحدة: 'حتى لو لم يكن غورباتشوف مستعدا بعد للنظر في الفعل العسكري فأنه أبقى الباب مفتوحاِ وحصلنا في البيان المشترك على ما كنت أرغب فيه بالتأكيد على أن الوضع القائم الذي يقر بالعدوان العراقي غير مقبول'ِ كانت نتائج قمة هلسنكي موضوعا للكثير من الأحاديث التي كانت تجري في الأيام اللاحقة في موسكو وخارجها لمسؤولي العديد من الدولِ وصل الى موسكو في هذا الوقت وزير الخارجية الأميركي ووزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا الاتحادية وألمانيا الديمقراطيةِ وان كانت المسألة الألمانية موضوعا رئيسيا للمناقشات، فأن الحالة في منطقة الخليج احتلت حيزا كبيرا أيضا كما اقتضى الأمرِ وتمت في هذه الأيام لقاءات منفردة لميخائيل غورباتشوف مع جيمس بيكر ووزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد ومكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي فرانسوا ميترانِ وكانت فكرة البدء في عملية تسوية أزمة الشرق الأوسط بعد تسوية الأزمة الكويتية بين الموضوعات المطروحة والأكثر أهمية من الجانب السوفيتيِ وكان من الهام جدا تأمين موقفنا في الحال بتأييد هذه الفكرة من قبل أكثر الدول الأوربية نفوذا وحققنا هذا الهدفِ
يتبع ... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الأربعاء يوليو 29 2015, 21:24 | |
| الحلقه 14 لا يجوز في الدبلوماسية، كما في مجالات السياسة الأخرى، الارتكان للعيش في اليوم الراهن وعدم النظر الى المستقبلِ وكان المطلوب منا في الشأن العراقي، وبسبب الأزمة الكويتية، النظر الى المستقبلِ وأصبح من المستحيل تحديد آفاق هذا المستقبل بدون علمنا كيف سيسلك الجار الأكبر للعراق، إيرانِ كيف سيصوغون في طهران مهامهم تجاه العراق في ضوء الأزمة الكويتيةِ وكان علي أن أطير الى طهران في 17 سبتمبر1990 لاستبيان الأمرِ في الحقيقة كانت مهمتي معقدة جداِ وطلب مني مناقشة الإيرانيين بصورة مفصلة حول المشكلة الأفغانية (قمت بذلك ولن أتناول الموضوع في هذا الكتاب) وكذلك تسوية الحساسيات التي نشأت في علاقاتنا الثنائية مع إيرانِ وكانت هذه العلاقة بشكل عام في طريقها الى النهوض، حيث ساعدت في ذلك الزيارة الناجحة للرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني الى موسكو قبل سنة واحدةِ غير أن فشلا ما حصل للزيارة المخطط لها لوزير الخارجية علي أكبر ولايتيِ فقد كانوا في طهران يتعاملون مع المراسيم بغيرة كبيرةِ نشير الى أن الرئيس السوفيتي نادرا ما يستقبل وزراء الخارجية الزائرين موسكوِ وأصر الإيرانيون على لقاء وزيرهم بالرئيس كشرط لتحقيقهاِ ولم نستطع جراء انشغال ميخائيل غورباتشوف ترتيب هذا اللقاء، الأمر الذي أدى الى تأجيل الزيارة عدة مراتِ وكان علي أن اتفق في طهران الآن على لقاء وزيري الخارجية السوفيتي والإيراني في نيويورك أثناء انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدةِ وقررنا هذه المسألة في حديثنا مع ولايتيِ واعتبر الإيرانيون أنه لا يمكن عقد الآمال الجدية على المبادرة العربية، وأن العراق ببساطة يحاول كسب الوقت وتأصيل الأزمة لمدة طويلة وإيصالها الى الحالة التي يوجد عليها النزاع العربي ـ الإسرائيلي والمستمرة سنوات طويلةِ واتضح أن طارق عزيز الذي زار طهران لم يبد أبسط بوادر المرونةِ وأقلق الإيرانيين ذلك، فتحول المواجهة الى نزاع مسلح أمر لم يرغبوا فيهِ وأقلقتهم كذلك زيادة الحضور العسكري للولايات المتحدة في منطقة الخليج واتهموا العراق باتباعه سياسة غير معقولةِ هنا نكون قد اقتربنا من موضوعنا الرئيسي في المحادثاتِ سمعت من الإيرانيين بأنهم لا يرغبون في إسقاط نظام صدام حسين ولا تغيير جغرافية العراق السياسية في هذه الحالةِ زد على ذلك، كان هذا أمر غير مقبول بالنسبة إلى إيرانِ وشعرت في الوقت نفسه بالتيقظ فيما لو كان لدى تركيا خطط ما لتقسيم العراقِ وقلت إننا نريد أن تعاد علاقاتنا بالكامل مع العراق بعد انتهاء الأزمة وأن الاتحاد السوفيتي يستنكر تصرفات صدام حسين ويطالب بمغادرته الكويت ولا يسعى لتغيير النظام في العراقِ ولن نعترف بأية تغييرات في خريطة الإقليم السياسية بما في ذلك القسم الخاص بالأراضي العراقية ويجب أن يحافظ العراق على وحدتهِ وعندما قلت إنه بقدر إطالة أمد النزاع، يصعب على صدام حسين التراجع، دقق وزير الخارجية ولايتي عباراتي بالإضافة التالية : يدل التضلع بسيكولوجيا صدام حسين وطباعه على أنه تحدث أحيانا حالات عندما يصل في أعماله الى نقطة حرجة ما يفاجئ الجميع بالتحول 180 درجةِ وليس من المستبعد أن مثل هذا التحول قد يحدث هذه المرة أيضا عندما لا يطيق الضغط الخارجي الموجه ضدهِ شعرت بأنه لو كانت بغداد تستمع الى آراء طهران في الظروف الحاليةِ وركزت اهتمامي على بعض الأفكارِ على سبيل المثال، قلت إننا كسبنا الوقت في هلسنكي وأشرت الى أن هذا ليس سوى تأجيل معين لأن الرئيس جورج بوش لا يستطيع ولن يبقي القوات الأمريكية في منطقة الخليج لمدة طويلةِ وعليه أن يسحبها أو أن يدخلها في دولاب العملِ ولكي يسحبها يجب تنظيم عملية سلمية ترخي من موقف بغداد المتحدي والقاسيِ وقلت إننا ننطلق بتفكيرنا لطرق الحل السياسي من المقدمة الرئيسية وهي موافقة بغداد على الانصراف من الكويت وتحرير الرهائنِ عندها ستتخلى الولايات المتحدة وحلفاؤها من فكرة توجيه ضربة عسكرية ضد العراقِ ويمكن أن تتبع ذلك خطوات مناسبة للولايات المتحدة ومجلس الأمنِ بعبارة أخرى كنت أتابع في أحاديثي مع الإيرانيين السيناريو نفسه الذي عرضه ميخائيل غورباتشوف بالتفصيل قبل أسبوع للرئيس الأميركيِ وكان رد فعل الإيرانيين إيجابيا تماماِ غير أن كل شيء كان يتوقف على موقف بغداد وكنا مع الإيرانيين ندرك ذلك جيداِ رحبنا بالمبادرات العربية حتى في تلك الحالات التي لم نكن نوافق على بعض تفاصيلها، لأنها انطلقت كافة من مبدأ إيجاد حل سلمي للأزمة والضغط على بغداد بوضوح في سبيل إخراجها من الكويت وسحب القوات الأميركية والغربية الأخرى من منطقة الخليجِ استقبلت في 6 سبتمبر المبعوث الخاص للرئيس التونسي وزير الدولة والأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري الديمقراطي عبد الرحيم ظواري الذي انحصرت مهمته في عرض وتوضيح الخطة التونسية للخروج من الأزمةِ واشتملت هذه الخطة على ثلاثة عناصر مذكورة جميعها في أجزاء سابقة من الكتابِ لكنها حملت بعض الخصائص مثل اقتراحها بعد سحب القوات العراقية من الكويت تجري هناك بإشراف الأمم المتحدة انتخابات برلمانية حرة ويقرر البرلمان الجديد مصير الوحدة مع العراق ووضع الأسرة الحاكمةِ وانطلقت الخطة أيضا بأن على الحكومة الكويتية الجديدة أن توافق على إلغاء ديون العراق للكويت وتدفع التعويضات للعراق مقابل استثمارها للمواقع النفطية المجاورة للحدود والاتفاق على خط الحدود مع العراق (يقصد نقل ملكية جزيرتي وربه وبوبيان للعراق)ِ لا تصعب رؤية الميلان الواضح بما فيه الكفاية للعراق في الخطة التونسية التي تعارضت حتى مع قرارات مجلس الأمنِ وكما اتضح نقلت هذه الخطة الى صدام حسين من قبل مبعوث الرئيس التونسي وزير العدل وتقبلوها في بغداد ببرودِ وحسب تقدير التونسيين لم يحصلوا على أية وعود من جانب صدام حسينِ ومن جهتي تحدثت مع عبد الرحيم ظواري بالتفصيل عما اتخذه الاتحاد السوفيتي لأجل البحث عن نهاية سلمية وأشرت الى أهمية العمل النشيط للعرب مع بغدادِ وفي 7 سبتمبر ناقشت الموضوع نفسه مع المبعوث الخاص للقيادة الليبية ج ِ فرجان الذي جاء بخطة زعيمه معمر القذافي التي قضت بتغيير القوات العراقية في الكويت بقوات من الأمم المتحدة وتغيير القوات الأميركية والغربية الأخرى في جزيرة العرب بقوات عربية وإسلاميةِ واقترحت الخطة بغية إمالة بغداد لسحب قواتها بنقل جزيرة بوبيان والجزء الكويتي من حقل الرميلة النفطي الى ملكية بغدادِ وتضمنت الخطة كذلك نقطة مصاغة مثل دفع الديون والتعويضات لكافة البلدان العربية التي عانت من المشكلة (كان من الممكن فهم كل شيء وفقا لهذه النقطة)ِ واحتوت الخطة على بند خاص بالكويت حيث قيل فيها إن شؤون الكويت الداخلية يقررها الشعب الكويتي بنفسه (هي بديهية لكن دوى فيها في تلك اللحظات التاريخية الحساسة بصورة واضحة نداء مخفي لتغيير النظام)ِ ومع ذلك بقدر ما كانت بغداد تتناقض مع المجتمع الدولي أكثر فأكثر بأعمالها في الكويت وفيما يخصها مباشرة كان يتضح بأنه لا يمكن أن يدور الحديث عن أية جائزة للعراق في نوع تنازل عن أراض أو مساعدات ماليةِ بالعكس بدأت النقاشات تنشط لتعليق مسؤولية ما حدث من عدوان بالعراق وإلزامه بدفع التعويضات عن الخسائر الناجمة من عدوانهِ وفي سبتمبر اشتركت في إعداد زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الى موسكوِ لكنني غبت عن هذه الزيارة بسبب وجودي في طهرانِ أجرى الفيصل محادثات مفصلة مع ادوارد شيفرنادزه واستقبله ميخائيل غورباتشوفِ ونتج عن هذه الزيارة تطبيع العلاقات السوفيتية - السعودية بالكامل وتبادل البعثات الدبلوماسية على مستوى السفارات (العلاقات الدبلوماسية انقطعت عام 1938)ِ لقد طالبت الحياة نفسها المحافظة على الاتصالات الدورية بين بلدينا وبالأخص في ظروف الأزمة الشديدة الراهنةِ صرح الأمير الفيصل بأنه يرحب بمشاركة تشكيلة عسكرية سوفيتية في قوام القوات متعددة الجنسية، مشيرا الى أهمية دور الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسطِ وأظهرت المحادثات أن ثمة إمكانات جديدة لتطوير علاقاتنا مع السعوديةِ وقبل رحلتي الى طهران، استقبلت جماعة من كبار الموظفين في وزارة الخارجية الإسرائيليةِ وانحصر هدف زيارتهم الى موسكو في إعداد لقاء وزيري خارجية الاتحاد السوفيتي وإسرائيل في سير الدورة ال 45 للجمعية العامة للأمم المتحدةِ وقبل أربع سنوات وفي سبتمبر 1986 كنت قد نظمت أيضا لقاء شيفرنادزه الأول مع نظيره الإسرائيلي شيمون بيريسِ حدث ذلك في نيويورك أثناء دورة الجمعية العامةِ وفي ذلك الوقت بدأ التصحيح في العلاقات السوفيتية - الإسرائيلية بالتدريجِ كنا ندرك أنهم في إسرائيل لا يمكن أن يرتاحوا بأن أحد أقوى وأخطر خصومهم، أي نظام صدام حسين، أزاح باعتدائه على الكويت بؤرة الاهتمام من النزاع العربي - الإسرائيلي الى الخليج وأوقع في غضون ذلك نفسه في ورطة بالغةِ لم تشأ لا موسكو ولا واشنطن في أن تتصرف إسرائيل بصورة غير مرغوب فيها في هذه الحالة غير البسيطةِ وكان موقف تل أبيب بشكل عام هادئا لحد الآن بما يكفي من نهج بغداد الدعائي والتي كانت تحاول من خلاله إحراج النزاع العربي ـ الإسرائيلي بتهديداتها تجاه إسرائيل والتأكيد على أن القوات متعددة الجنسية ما هي إلا ثمرة المؤامرة الصهيونيةِ اضطررت بعد عودتي من طهران الى الاستغراق من جديد في شؤون الشرق الأوسط وفي هذه المرة مع الفلسطينيينِ فقد وصل الى موسكو للمشاركة في الجلسة الدورية للجنة السوفيتية - الفلسطينية المشتركة أبو مازن (محمود عباس) وياسر عبد ربه عضوا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينيةِ وأجريت المباحثات النهائية عنديِ قلت أعلاه ان قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وقفت في مرحلة الأزمة الكويتية موقفا مواليا لبغدادِ وأثمر هذا الموقف عن نكسات استمرت لمدة طويلةِ اقترح ياسر عرفات مثلا في توجهه للقيادة السوفيتية نهاية أغسطس بأن على موسكو تأييد خطته للتسوية السلمية التي جاءت على النحو التالي: تحل أزمة الكويت على أساس اتفاق الطائف الخاص بلبنان الذي أخذ بالاعتبار المصالح السورية الخاصة في لبنانِ وظن عرفات أن العرب قادرون على الاعتراف بمصالح العراق الخاصة في الكويت بما في ذلك فرض سيطرته على جزيرتي وربه وبوبيان وغيرهما من الأراضي المتنازع عليهاِ واقترح تغيير القوات العراقية في الكويت بقوات عربية مع دمج بعض التشكيلات العراقية فيها وحل مسألة نظام الدولة في الكويت بإجراء استفتاء عامِ من الواضح أن اقتراحات عرفات لم تمت بصلة كبيرة الى مطالب مجلس الأمن التي صوت الاتحاد السوفيتي إلى جانبها وبالتالي لم يكن بوسع موسكو تأييدهاِ مضى نحو شهر على الأزمة عندما وصل الفلسطينيون الى موسكوِ وكان أبو مازن يجري الحديث بصورة رئيسية من الجانب الفلسطينيِ وبدأ الحديث حالا عن الأزمة الكويتيةِ صور أبو مازن القضية على أن وسائل الإعلام العربية والغربية بذلت الكثير من الجهود لكي تشوه موقف منظمة التحرير الفلسطينية وكأنها تؤيد التدخل العراقي في الكويت مائة في المائة وأن موقف المنظمة، حسب أقوال أبو مازن ليس كذلكِ وبدأ بالتوضيح : تعارض منظمة التحرير الفلسطينية بحزم احتلال الكويت وتؤيد سحب القوات العراقية من هذا البلدِ ويرفض الفلسطينيون مسألة حقوق العراق الاستثنائية في الكويتِ زد على ذلك يعتبرون أن الشعب الفلسطيني يجد نفسه في حالة مشابهة للحالة الكويتية لأن كلا البلدين يقع تحت الاحتلال الأجنبيِ وأكد أبو مازن أن القيادة الفلسطينية تسعى منذ البداية للتأثير بكافة الوسائل على بغداد لدفعها نحو اتخاذ مواقف أكثر مرونة، ونتج عن ذلك مبادرة صدام حسين المعروفة والمؤرخة في 12 أغسطسِ وفي غضون ذلك لا تقبل منظمة التحرير الفلسطينية مبدأ المبادرة الخاص بالتتابع الزمني لتنفيذ قرارات مجلس الأمنِ ووضح أبو مازن أن الفلسطينيين لا يخفون في اتصالاتهم السرية مع العراقيين موقفهم هذا، إلا أنهم لا يعلنونه، وكما زعم، فان ذلك سيحول دون تقدم جهودهم المطردة في البحث عن حل عربيِ وأضاف أن الجهود الفلسطينية تتركز في الوقت الحاضر في اتجاهين: تنشيط البحث عن قرارات في 'الإطار العربي' وإيجاد صيغة تربط التسوية للأزمة الحالية بحالات النزاع الأخرى في الشرق الأوسطِ وتوجهت المنظمة بغية تنشيط 'الحل العربي' الى ملك المغرب الحسن الثاني حاملة له اقتراح بإنشاء لجنة تتكون من رؤساء الدول العربية التي دخلت في مباحثات مع العراق والتي دخل فيها الاتجاهان الموالي والمعادي للعراق على السواءِ ورأى أبو مازن أن البديل لذلك يمكن أن يكون الحرب فقطِ وهذا الأمر غير مقبول، ففي هذه الحالة لن يتعرض العراق للاجتياح فحسب، بل ستتعرض له السعودية وسوريا والأردن وربما إسرائيل أيضا وسنكون شهودا على أخطر العواقب حتى بالمقارنة مع الحرب العالمية الثانيةِ وتناولت في تعليقاتي جميع النواحي الرئيسية لأقوال الضيوف الفلسطينيين مبتدئا بواقعة أن العراق يعطي بتصرفاته للأسف ليس الحجج فحسب، بل كافة الأسس لكي يتخذ مجلس الأمن الإجراءات الإضافية ضدهِ ونعتبر أنه من الممكن عن طريق الجهود السياسية والاقتصادية المركبة زيادة الضغط على العراق وأن هذا سيكون كافيا لتنفيذ قرارات مجلس الأمن والتسوية السلميةِ وفي حالة وقوع الحرب سيمنى العراق بهزيمة قاسية لأنه يستحيل عليه عمليا المقاومة في وجه التحالف القوي المشكلِ وأشرت الى أن النزاع سيكون مخربا ولن يكون مماثلا للحرب العالمية الثانية من حيث عواقبه، بل سيبقى نزاعا إقليميا بحتا وفي غضون ذلك لن تساعد دولة عربية واحدة العراقِ أيدت نوايا منظمة التحرير الفلسطينية للمحافظة على قنوات الاتصال مع بغداد وقلت إن موقفنا من احتمال إنشاء لجنة برئاسة المغرب لأجل المحادثات مع بغداد سيكون إيجابياِ ومع ذلك آخذا بنظر الاعتبار المضمون الذي كان يستند إليه ياسر عرفات لفهمه للحل العربي الخاص بأزمة الكويت رأيت من المبرر الإشارة الى أنه يتبغي لغرض حل مشكلة الكويت تنفيذ قرارات مجلس الأمن المعنية ولا شيء عداها وأن المعتدي لا ينبغي له الحصول على جائزة ماِ وشددت على أن هذه المسألة مبدئية ويستحيل إيجاد حل وسط فيهاِ
اعلان الموقف الفلسطيني
كيف ستحل المشاكل المتنازع عليها بين العراق والكويت بعد إعادة سيادة هذه الدولة؟! من الممكن أن تتم تسوية هذه المسائل عن طريق محكمة دولية أو أية هيئة تحكيم تعتمد طرقا شرعيةِ ولكن يجب في البداية أن تغادر القوات العراقية الكويت بلا قيد أو شرط وأن تعاد سيادة الكويتِ هل يضيق هذا مساحة المبادرة العربية؟ نعم بالطبعِ قال أبو مازن ردا على ذلك ان منظمة التحرير الفلسطينية تؤيد الشرعية الدولية وتدرك ضرورة إعادة الحالة الى السابق وأن يكون تنفيذ قرارات مجلس الأمن أساسا للتسويةِ لكن المشكلة تنحصر فيما إذا توجب على الفلسطينيين إعلان مثل هذا الموقفِ قلت ان لكل طرف أن يحدد بنفسه إلى جانب من سيكون في سير الأزمةِ واننا نتفهم الحجج التي عرضها أبو مازن، خاصة أن قرارنا في هذه المسألة لم يكن سهلا بالمرة لأن علاقاتنا الخاصة كانت وثيقة مع العراقِ وأكدت أن موقف المنظمة اقترن حسب الرأي العام العالمي منذ بداية أزمة الخليج مائة في المائة بتصرفات بغدادِ هكذا قدروه في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وفي الكثير من العواصم العربيةِ يقلقنا هذا جدا، لأن مثل هذا الوعي أو الموقف قد يحول دون تسوية المشكلة الفلسطينية بشكل عادلِ يفقد الفلسطينيون التأييد في أوروبا الغربية ويشجع موقفهم النزعة السلبية في سياسة إسرائيل والولايات المتحدةِ وقلت للضيوف : 'أنتم أحسن مني تدركون كيف قبل موقفكم في العالم العربي، وكما تعرفون كم في المواقف العملية من منظمة التحرير الفلسطينية سينتج عنهِ لا أريدكم أن تفهموا كلامي كطلب لإعلان موقفكم من العدوان العراقي كما عرضتموه علينا اليومِ إن هذه قضيتكم، فليس لأحد حق التدخل في ذلكِ لقد قاسمتكم بكل بساطة انطباعاتنا عما ينبغي أن يكون عليه الموقف الفلسطيني وكيف استقبل في الخارج'ِ كان حديثنا طويلا بما فيه الكفاية مع أبو مازن وعبد ربه وتناول مسائل تسوية أزمة الشرق الأوسط والوضع في حركة المقاومة الفلسطينية ومشاكل أخرى متعلقة بذلكِ أما الأزمة الكويتية والتطورات الكبيرة فقد كانت بينة (على الأقل في عقول القيادة الفلسطينية) التي كانت تسير نحو اتخاذ موقف علني، الأمر الذي حصل في النهايةِ يتبع ... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الأربعاء يوليو 29 2015, 21:37 | |
| الحلقه 15 جرى القسم الأكبر للأحداث الكبرى في سبتمبر والمتعلقة بأزمة الكويت في نيويوركِ كان سبتمبر 1990 مميزا بشكل خاص بعد أن ترأس ممثل الاتحاد السوفيتي يولي فورونتسوف مجلس الأمن الدولي الذي اتخذ في هذا الشهر أربع قرارات بعد أن غلبت الأزمة الكويتية محاور جلساتهِ تناول القرار الأول 666 المؤرخ في 13 سبتمبر والمؤيد من قبل 13 صوتا ضد صوتين (كوبا واليمن)، توسيع صلاحيات اللجنة الخاصة بالعقوبات في مسائل إيصال المساعدات الإنسانية والغذائية الى الكويت والعراق (نتج هذا القرار عن لقاء القمة السوفيتية ـ الأميركية في قدر معين)ِ ورد القرار الثاني 667 المؤرخ في 17 سبتمبر على تدخل الجنود العراقيين في مقري السفيرين الفرنسي والكندي في الكويت، وحجز مواطني هذين البلدين هناكِ اتخذ القرار بالإجماعِ وكلف القرار الثالث المتخذ بالإجماع أيضا (القرار 669 المؤرخ في 24 سبتمبر) اللجنة الخاصة بالعقوبات بدراسة طلبات المساعدة الواردة من البلدان المتضررة من الحظرِ وبسط القرار 670 المؤرخ في 25 سبتمبر نفوذ الحظر على كافة الرحلات والاتصالات الجوية مع العراق والكويت باستثناء حالات نقل المساعدات الإنسانية الى هناك التي تسمح بها اللجنة الخاصة بالعقوباتِ أقر القرار الذي كان الرئيس الفرنسي ميتيران المبادر بطرحه، الإجراءات الخاصة بالتفتيش على الطائرات التي تتجه من وإلى العراق والكويتِ وبذلك أقفل القرار إمكان استخدام الطائرات بغية خرق العقوبات الاقتصاديةِ زد على ذلك تضمن إخطار حكومة العراق بأن عدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن السابقة باستمرار قد يؤدي الى إجراءات وعواقب وخيمة جديدة وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدةِ ولكي تفهم بغداد أهمية هذه الإشارة بصورة أوضح وأكبر عقدت جلسة مجلس الأمن غير العادية على مستوى وزراء الخارجيةِ ترأس الجلسة ادوارد شيفرنادزه واشترك فيها عداه 12 وزيرا آخر (مثل كوبا وكوت دي ايفوار فقط مستوى أخفض)ِ رد على عناد العراق
قال شيفرنادزه في تصريحه في مجلس الأمن بأن القرار المتخذ هو 'خطوة منطقية وحتمية ضد رفض العراق العنيد لتنفيذ قرارات مجلس الأمنِ ورد فعل طبيعي على التحدي العراقي المستمر للمجتمع الدولي'ِ وبعد أن استعاد الوزير السوفيتي موقف بلاده قال: 'ان الاتحاد السوفيتي شدد منذ بداية الأزمة في سياسته على اتباع جهود مشتركة مؤسسة على الاستخدام الكامل والأمثل لحقوق وإمكانات الأمم المتحدة وعلى ضرورة حل الأزمة بالأساليب الدبلوماسية والسياسية'ِ وأعرب عن اعتقاده بأنه 'ينبغي أن يكون حل الأزمة بالطرق السياسية في بؤرة الجهود المشتركة'ِ وأشار شيفرنادزه في غضون ذلك الى أن هذا 'لا يخفض من حزمنا للتوصل الى إنهاء العدوانِ وإذا لم تؤد الخطوات المتخذة الآن الى هذا، فاننا مستعدون للنظر في إمكان اتخاذ خطوات إضافية وفقا لميثاق الأمم المتحدة بغية البرهنة على أن العدوان لا يمكن أن ينتج فوائد للمعتدي ولن يأتي بها'ِ وأدلى الوزراء الآخرون في مجلس الأمن بتصريحات مشابهة من حيث الجوهر واللهجةِ وأجرى شيفرنادزه في نيويورك سلسلة من اللقاءات الثنائية مع نظرائه من بلدان الشرق الأوسط والأدنى وأفريقيا وآسيا بما فيهم وزراء خارجية مصر وسوريا والسعودية (مرتين) والأردن واليمن وعمان والمغرب والجزائر وتركيا وإيران والهند وباكستان ورئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينيةِ وأنهى الوزير لقاءه مع وزير خارجية إسرائيل بالاتفاق على تحويل قسم حماية المصالح (في موسكو وتل أبيب) الى قنصلية عامةِ واتفق مع وزير خارجية البحرين على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة وتبادل للسفراءِ علاوة على ذلك، نوقشت الحالة في الخليج مع وزراء خارجية كندا واستراليا ومع رئيسي قبرص وفنزويلا وكذلك مع عدد من وزراء خارجية الدول الأوروبيةِ وكليا، أجرى شيفرنادزه قرابة 60 لقاء ثنائيا منحت مادة واسعة لأجل تقدير موضوعي للوضع المتكون في الخليجِ وتركزت المناقشات السياسية العامة كذلك في الدورة ال 45 للجمعية العامة في الدرجة الأولى على الأزمة الكويتية باعتبارها الأكثر خطورةِ وتغيرت حدة الانتقادات الموجهة لبغداد من كلمة الى أخرى، غير أن الجميع اتفقوا تقريبا على عدوان بغداد المرتكبِ حمل خطاب شيفرنادزه لهجة قاسية بما فيه الكفايةِ وكان ينبغي أن يكون الخطاب على هذا النحو لكي لا يشك أحد ما، وبالأخص في بغداد، في مبدئية وثبات الموقف السوفيتي من العدوان المرتكب من قبل دولة كان للاتحاد السوفيتي علاقات خاصة معهاِ قال شيفرنادزه بهذا الصدد: 'أردنا من هذه المنصة التوجه مرة أخرى الى قيادة العراق، التوجه بصدق وحق الى الأصدقاء القدماء وبحق الى البلد الذي فيه من الرجولة لشجب أعماله غير الصحيحة ضد بعض الدول في الماضيِ ندعوهم الى الثوب الى رشدهم والخضوع الى مطالب القانون وإبداء المسؤولية والإنسانية وقبل كل شيء حيال الشعب العراقي الذي نثق بأنه يتعطش الى السلام والاطمئنان وإقامة علاقات طيبة مع جيرانه'ِ وإذ يعظ الوزير السوفيتي بغداد، اعتبر في غضون ذلك من الضروري التذكير بأن لهيئة الأمم المتحدة الحق في إخماد العدوان وعواقبه وبأن لمجلس الأمن حق اتخاذ التدابير المناسبة لصالح السلام العالمي وبأنه يمتلك الوحدة الكافية والإرادة العالية والوفاق الكاملِ وقال الوزير السوفيتي: 'بطبيعة الحال أشير الى أنه ينبغي أن تستعمل قبل ذلك جميع الأشكال غير العسكرية للتأثير في المعتدي'ِ وأود من جهتي القول بأن هذا الإنذار واضح للغاية: إذا لم يردوا الانصراف من الكويت اختياريا فان مجلس الأمن سيضطر في نهاية الأمر إلى إجبارهم على ذلك بالقوةِ وهذا الموقف منطقي تماما وشريف وعلني، وهو في المعنى القانوني والأخلاقي يخلو من أي عيبِ وكانت بغداد خلال هذا الوقت تحرج الوضع أكثرِ وتزداد خطورته جراء الرهائن وحصار بعض السفارات في الكويت التي قطع عنها الماء والتيار الكهربائي واضطهاد سكان الكويت ونهب البلد المستمرِ وقائمة الاحراجات من هذا النوع أصبحت في نهاية سبتمبر أطول بكثيرِ أعلن العراق في 14 سبتمبر بأن موجودات الكويت في الخارج كافة بما فيها أموال آل الصباح ملك لهِ واتخذ في 19 سبتمبر قرارا بمصادرة ملكية وأموال الحكومات التي جمدت موجودات الكويتِ وصرح صدام حسين في 24 سبتمبر بأن قواته ستنزل ضرباتها على مؤسسات بلدان المنطقة النفطية وعلى إسرائيل إذا شعر العراق بأنه 'يختنق' من آثار الحظرِ وقيل في خطاب صدام حسين المقروء من إذاعة بغداد في 1 أكتوبر 1990 بأن الحديث لا يمكن أن يدور حول إعادة الوضع القائم قبل 2 أغسطسِ وكانت تجري في الوقت نفسه، زيادة القوات والأسلحة بوتائر سريعة في الكويت وجنوب العراق واشتدت معها لهجة وسائل الإعلام العراقيةِ وبطبيعة الحال، فان هذه التطورات أثرت في الخلفية السياسية لأجواء المناقشات في دورة الجمعية العامة التي جرت بشكل عام بروح من عدم قبول سياسة بغداد واستهجنتها بشدةِ
تعرجات سياسة الكرملين ِِ مفاجآت موسكو لادوارد شيفرنادزه
عاد ادوارد شيفرنادزه الى موسكو تعبا، ومرتاحا لنتائج العمل في نيويوركِ غير أن نشاطه في نيويورك استقبل في موسكو بصورة متضاربةِ ولأن الصحافة العراقية انهالت على شيفرنادزه بمختلف الأوصاف بسبب خطه الشديد والصارم، تألب عليه اليمينيون عندنا، وبالأخص جماعة نواب 'الاتحاد' الذين ابدوا تذمرهم من نهج الحكومة السياسي بشكل عام في المسألة الكويتيةِ وكان يمينيونا يفسرون أقوال الوزير على أساس اعتزام الاتحاد السوفيتي إرسال قواته لمحاربة العراق، وهذا الأمر كان يجافي الحقيقة تماماِ ومع ذلك اضطر الوزير لتوضيح الأمر في مجلس السوفيت الأعلىِ وإن كانت نتيجة المناقشات العامة إيجابية بالنسبة لادوارد شيفرنادزه، إلا أنه بقي منقبض النفس وضجرا من الاتهامات الباطلة والهجمات غير العادلةِ وحسب مشاهداتي الشخصية فوجئ شيفرنادزه بإحدى خطوات ميخائيل غورباتشوف غير المتوقعة على الإطلاق بإرساله يفغيني بريماكوف بصفة ممثله الشخصي الى بغداد لغرض اللقاء بصدام حسينِ لا أعرف بالضبط مكنون هذا القرار، غير أنه اتخذ في الأيام الأخيرة لإقامة شيفرنادزه في نيويورك، وكان هذا أمرا غريبا بحد ذاتهِ فما الذي حال دون انتظار عودته الى موسكو؟ أريد الإشارة الى أن الرئيس السوفيتي امتلك صلاحيات واسعة حسب القانون في مجال السياسة الخارجية، وكان له الحق الكامل في إرسال أي شخص وفي أي وقت حسب هواه بصفة مبعوث شخصي الى الخارجِ لكن الأمر ينحصر في الناحية المعنوية وأخلاقيات العلاقات الوظيفيةِ كان غورباتشوف يعرف بالطبع أن شيفرنادزه وبريماكوف يتمسكان بآراء مختلفة من تشكيل الموقف السياسي للاتحاد السوفيتي حيال الأزمة الكويتيةِ وإن لم تكن ثمة خلافات ذات طابع استراتيجيِ بدا الجميع متمسكين بالرأي العام في عدم قبول أعمال بغداد وعدم الانحياز للخيار العسكري لحل الأزمة، لكن الخلافات الملموسة انحصرت في طرائق تحقيق المهمة التي طرحتها الأمم المتحدةِ كان الوزير يؤيد التوصل الى تنفيذ القرار 660 لمجلس الأمن عن طريق الإثبات لبغداد بطلان خيارها في الاعتماد على تناقضات بلدان التحالف وانعدام الحزم اللازم لدى 'الخمسة' الدائمين في مجلس الأمن في التوصل الى الهدف المطروح وإمكان جني ثمار العدوان في هذا الشكل أو ذاكِ وكان هذا يفترض غياب البديل المقبول من الانصراف الكامل غير المشروط من الكويتِ وكان ينبغي أن تقتنع بغداد بأن الاتحاد السوفيتي في المقام الأول الذي كانت له علاقات واسعة مع العراق قبل العدوان أقرب لها من أعضاء مجلس الأمن الآخرينِ أما يفغيني بريماكوف فكان يرى العكسِ وأن الطريقة الوحيدة لدفع صدام حسين للانصراف من الكويت في وفاق هي التسليم له بعض الشيءِ وكان يفسر مثل هذا الموقف وفقا لطباع الزعيم العراقي الشخصية التي تبرز أهمها مسألة 'إنقاذ ماء وجهه'ِ واستشهد ميخائيل غورباتشوف مباشرة برأي يفغيني بريماكوف محاولا إقناع الرئيس الأميركي بوش في هلسنكي لإعطاء 'الكعكة' الى صدام حسينِ لم يكن بريماكوف وحيدا في تقدير هذه الحالةِ فقد كان ملك الأردن حسين وياسر عرفات وبعض الساسة الآخرين يعلنون في ذلك الوقت عن آراء مشابهة من حيث المبدأِ ولهذا السبب كانت لشيفرنادزه أسباب تدفعه إلى اليقظة من قرار الرئيس إرسال بريماكوف بالذات الى صدام حسينِ سافر بريماكوف في 3 أكتوبر والتقى في عمان بالملك حسين وياسر عرفات اللذين وعداه بتقديم كافة التسهيلات والمساعدات لإنجاح مهمتهِ
أما أنا،فقد استقبلت نبأ رحلة بريماكوف بحماس وإن أدهشتني السرية التي كانت تشوب عملية الإعداد للرحلةِ كان حماسي يتحدد بتلك الواقعة في أن إرسال بريماكوف أعطى الفرصة لحل أكثر المشاكل أولوية: سحب المواطنين السوفيت من العراقِ عملت كثيرا في موضوع إخلاء مواطنينا ورأيت كيف تعرقل السلطات العراقية بتعمد إنجاز هذه العملية وتتجاهل كافة احتجاجاتناِ لذلك أملت في أن ظهور رجل يعرف شخصيا 'العراقي الرئيسي' سيساعد في حل القضيةِ زد على ذلك، وصل مع بريماكوف الى بغداد نائب رئيس مجلس الوزراء السوفيتي بيلوسوف ونائب وزير العلاقات الاقتصادية الخارجية موردفينوف المعنيان بصورة أعمق بأمن الخبراء السوفيت في العراق وبعودتهم السريعة الى الوطنِ نشرت جريدة 'برافدا' في فبراير 1991 مقالات يفغيني بريماكوف بعنوان 'الحرب التي كان من الممكن ألا تقع'ِ يتحدث فيها عن اتصالاته مع القادة العراقيين في بغداد ومن ثم في موسكوِ وبوسع القارئ الاطلاع على هذه المواد الممتعةِ صدقت آمالي في أن بريماكوف وبيلوسوف سيساعدان في حل مسألة إخلاء الخبراء السوفيت جزئيا فقط: تسنى لهما وبصعوبة كبيرة التوصل الى الموافقة على رحيل ألف وخمسمائة من مواطنينا خلال شهر واحدِ وبالرغم من الاتفاق على البداية، إلا أن عملية إخلاء السوفيت كانت تجري بصعوبة كبيرة واضطررنا في أكتوبر ونوفمبر إلى طرح هذه المشكلة أكثر من مرة أمام السلطات العراقيةِ وكان الأمر أعقد في ما يخص الرسالة الثانية: إقناع صدام حسين بسحب القوات من الكويتِ وضع بريماكوف وبيلوسوف أمامه كافة الحجج الممكنة بما فيها النتيجة الرئيسية: في حالة الرفض لا مناص من تعرضه لضربة عسكرية من قبل القوات الدوليةِ كانت المناقشات صعبة وغير مثمرةِ وكان صدام حسين وطارق عزيز يتلوان لرفاقنا محاضرات عن حقوق العراق التاريخية في الكويت، ويعربان عن عدم ارتياحهما الكامل من موقف موسكوِ ومع ذلك توصل بريماكوف الى استنتاج بأنه ارتسمت مقدمات تحويل الأمر الى التسوية السياسية لأن طارق عزيز أخبر الوفد قبل رحيله الى موسكو في المطار بأن صدام حسين يطلب أن تنقل إليه اقتراحات القيادة السوفيتية مكتوبة بخصوص الحل 'الشامل' للأزمة الكويتيةِ (يمكننا الظن بأن يفغيني بريماكوف أبدى له أفكارا معينة في هذا الصدد)ِ
عاد بريماكوف الى موسكو في 7 أكتوبر وأخبر ميخائيل غورباتشوف بنتائج الرحلة وحصل على تعليمات بصدد إعداد المقترحات الخاصةِ قصد غورباتشوف من ذلك ضرورة مناقشة المقترحات التي يهتم بها صدام حسين في بداية الأمر مع رؤساء الولايات المتحدة وفرنسا ومصر وسوريا وملك السعودية وبعد ذلك فقط يمكن الالتقاء بقائد العراقِ بعد هذا بقليل، أحال شيفرنادزه مذكرة بريماكوف المؤرخة في 8 أكتوبر الى غورباتشوفِ ألحقت بالمذكرة مجموعة الاقتراحات الخاصة بتسوية أزمة الكويت والمعدة من قبل يفغيني بريماكوفِ كلفني الوزير بدراسة هذه المواد سوية مع إدارة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتقديم آرائناِ يجدر القول بأن طلب صدام حسين أن يحيل إليه الاتحاد السوفيتي مجموعة مقترحاته كتابيا أمر يقظ جداِ لأن خطة بغداد في تفريق التحالف قد اكتشفت في هذا الوقت بوضوحِ ولهذا السبب كانت فكرة مناقشة المقترحات أو الآراء تمهيدا مع المشاركين الرئيسيين في التحالف صحيحة على الإطلاقِ لم يكن أمام الاتحاد السوفيتي غير اتباع هذا السلوك وبشكل منفرد مثلما أرادت بغدادِ بيد أن ضرورة تنسيق الأعمال بشكل جماعي حددها أمران: لم يكن ثمة معنى لاقتراح أشياء غير مقبولة من الولايات المتحدة والشركاء الآخرين في مجلس الأمن والبلدان العربية الرئيسيةِ وكانت مجموعة مقترحات بريماكوف تثير الأسئلة ليس عندي فحسب، بل من قبل مستعربي وزارة الخارجية من وجهة نظر الشك في عدم فائدة الدخول في مثل هذه الاتصالاتِ لفتنا نظر الوزير الى أن تقديم مشكلة التسوية العربية ـ الإسرائيلية الى الأمام من جديد، ولو بدون ربط صارم من حيث المواعيد مع أزمة الكويت، بل جاءت بشكل متحد معها، سيصدمنا فورا مع الأميركانِ لأنهم غير مستعدين لتوحيد هذه المسائل وبالأخص استئناف الأميركان الحوار المقطوع مع منظمة التحرير الفلسطينية والتزام الولايات المتحدة بالتأثير على إسرائيلِ وكتبنا أن صيغة المسألة هذه ستقبل في واشنطن كمساعدة لصدام حسين والانحراف عن الاتفاقات المسجلة في البيان السوفيتي ـ الأميركي المشترك في هلسنكيِ أشرنا كذلك الى عدم إمكان قبول الاتحاد السوفيتي بالادعاءات العراقية في الكويت (ورد في بعض المقترحات بأن العراق سيحصل من قيادة الكويت وبضمانات سعودية على مطالبه التي كانت موضوع المباحثات مع الوفد الكويتي في جدة قبل بدء التدخل في 2 أغسطس)ِ أثر هذا العنصر من مجموعة المقترحات سلبا على علاقات الاتحاد السوفيتي مع الكثير من البلدان الغربية والعربية على السواءِ لأنه فهم كاستعداد لتشجيع المعتدي (وكان هذا الأمر غير مقبول إطلاقا ليس بالنسبة إلى واشنطن أو لندن فحسب، بل من إيران أيضا فضلا عن الكويت نفسها)ِ ولخصنا بأن كلا هذين الظرفين من المشكوك فيه أن يقرب تسوية الأزمة سلميا، بل سيعقدهاِ قد تفهم الولايات المتحدة ذلك كمؤشر لعدم متانة الاتحاد السوفيتي كشريك، الأمر الذي يقدر أن يدفع جورج بوش إلى الإسراع في الحل العسكري وسيدرك صدام حسين بأن التنافر قد نشأ في 'الخمسة' ولذلك سوف لا يستعجل التسويةِ لا أعرف كيف تصرف الوزير مع استنتاجاتنا المذكورة أعلاهِ فبعد أن أحلتها الى الوزير سافرت حالا بمهمة الى تركياِ لكني عرفت بدقة أن الوزير أخبر الرئيس السوفيتي كتابيا بأنه حاول إيجاد عناصر واقعية للموقف في مجموعة مقترحات يفغيني بريماكوف، لكنه لم يستطعِ ومع هذا، وافق غورباتشوف على رحلة بريماكوف الى العواصم الغربيةِ بدأت في 16 أكتوبر وانتهت في العشرين منهِ زار بريماكوف روما وباريس وواشنطن ولندنِ لا أعرف بماذا كلفه غورباتشوف، لكن وفقا لما كتبه وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر في مذكراته فان بريماكوف وصل الى واشنطن بمجموعة المقترحات نفسها التي دار عنها الحديث أعلاهِ ويشير بيكر بشكل خاص الى أن بريماكوف اقترح بصفة الطرق التي تساعد صدام حسين على 'إنقاذ ماء وجهه' عقد مؤتمر للشرق الأوسط ونقل جزر الكويت وحقل الرميلة الى ملكية العراقِ وكانت النتيجة معروفة سلفا: 'كلا' الأميركية الثابتةِ يكتب بيكر ان الرئيس بوش عندما أنهى حديثه مع بريماكوف لم يعترض على رحلته الجديدة الى بغداد بحثا عن السلام، لكنه قال له: 'قل لصدام أنك واجهت جدارا حجريا متماسكا'ِ كتب بوش نفسه عن لقائه ببريماكوف ما يلي: 'وضح بريماكوف اقتراحات مفصلة لما كان على التحالف عمله بعد مغادرة صدام الكويتِ وأرسلت الى غورباتشوف رأيي بأن ذلك يخالف المبادئ الرئيسية التي عرضناها في هلسنكيِ وبدلا من الإصرار على انصراف صدام دون قيد أو شرط فان هذا الموقف يقترح وسائل عملية لإنقاذ ماء وجهه التي تعتبر من كل بد كمكافأةِ زاد حديثي مع بريماكوف تشاؤمي بشأن إمكان إيجاد حل للأزمة أقل من استخدام القوة'ِ بالتالي، كانت نتيجة مأمورية بريماكوف على النحو الذي تكهنا به في المذكرة المرفوعة للوزيرِ بل كانت ناحية كريهة جدا أخرى لشيفرنادزه شخصياِ حصل موضوعيا أنه ناقش في سبتمبر ـ مطلع أكتوبر مع أعضاء مجلس الأمن والوزراء الآخرين وكذلك مع الرئيس بوش أزمة الكويتِ واتفق معهم على خطة سلوك واحدةِ وبعد أسبوعين يبعث غورباتشوف ممثله الشخصي الى واشنطن وعواصم غربية أخرى حاملا أفكارا مختلفة جداِ وحصل في النتيجة أن الرئيس السوفيتي يناقض وزير الخارجية وحتى ينكر وجودهِ كان يمتلك الحق في ذلك، لكنه ليس من المفيد من وجهة النظر الأدبيةِ
ندوة سياسية
ان الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة هي ندوة سياسية عالمية تفتح فيها بفضل مشاركة رؤساء الدول ووزراء الخارجية، الإمكانات الواسعة لأجل إيضاح عقليات المجتمع الدوليِ يتضح هذا من خلال الخطب الرسمية من منصة الجمعية العامة ومن خلال الأحاديث في الأروقة واللقاءات المشتركة على السواءِ وأردت الإشارة من بين هذه اللقاءات الى أهمية لقاء شيفرنادزه في 26 سبتمبر بوزراء خارجية البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الذي أثمر عن بيان مشترك، سجلت الأطراف المعنية فيه موقفها المشترك وهو موقف واحد، من الجهود التي ستتخذها لتسوية النزاعات الأخرى في الإقليم كالنزاع العربي ـ الإسرائيلي والمشكلة الفلسطينية والوضع في لبنانِ وأصبح استعداد الدول الأوروبية للانضمام الى العمل على حل هذه المشاكل النجاح الكبير الثاني للدبلوماسية السوفيتية، بعد هلسنكي، في طريق إعادة مشاكل الشرق الأوسط الأخرى الى مقدمة المسرحِ أما عن أزمة الخليج فقد صرح المشاركون في اللقاء بأن الوقت لا يعمل لصالح المعتدي، بل يقوي من عزم المجتمع الدولي في رد العدوان وإعادة سيادة الكويت بالكاملِ وسجلت في المعنى والتتابع نفسه (أزمة الكويت والتسوية في الشرق الأوسط) الوثيقة المشتركة لوزراء خارجية 'الخمسة' الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والمقرة نتيجة التفاهم واللقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة خافي بيريس دي كويلارِ وجاء فيها: 'طالب الوزراء بأن يسحب العراق، بلا قيد أو شرط وبلا تأجيل، قواته من الكويت تنفيذا لإرادة المجتمع الدولي، وان يعيد سيادة الكويت الكاملة تحت قيادة حكومتها الشرعية وأن يطلق جميع الرهائن الموجودين في العراق والكويت وأن يمنح جميع المواطنين الأجانب فرصة ترك العراق أو الكويت وأن يحترم حصانة السلك الدبلوماسي وحرمة البعثات الدبلوماسية في الكويت'ِ وأشاروا الى أهمية جلسة مجلس الأمن على مستوى الوزراء وأبدوا استعدادهم للمشاركة في مثل هذه الجلسات قدر الضرورة (سيجتمعون بعد مرور شهرين من جديد من أجل هذا الغرض)ِ
يتبع ... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الخميس يوليو 30 2015, 14:16 | |
| الحلقه 16 أريد الإعراب عن موقفي من موضوع إنقاذ ماء وجه القائد العراقي الذي كان يناقش بنشاط في ذلك الوقتِ كان البعض يعتبرون أن صدام حسين لا يستطيع السماح لنفسه بمغادرة الكويت بدون الحصول على شيء مقابل ذلكِ وكما زعم، فانه سيفقد ماء وجهه ولا يستطيع احتمال هذا، مهما كانت الظروف تبعا للعقلية الشرقية، السمعة ِِِالخِ لا أنكر أنه لمسائل عزة النفس و'الإيميج' أهمية كبيرة جدا لأي سياسي، لاسيما لرئيس دولةِ وفي الشرق مميزات من هذه الناحيةِ ومع ذلك لا أظن بأن مشكلة إنقاذ ماء الوجه في حالة صدام حسين كانت ضروريةِ لم تكن ضرورية بالذات بموجب صفاته كإنسان صاحب إرادة قوية وثابت العزم وصاحب الأمر والنهي ومتعود على التصرف كما يريد شخصيا، ويحظى بسلطة لا حدود لها في بلاده وهذا ربما أهم شيءِ إذا نظرنا الى ماضي صدام حسين ورأينا كيف كان يتصرف في الظروف الصعبة لا يمكننا إغفال الاستنتاج بأنه كان يسير حالات خطيرة جدا بلا احتراس ولم يهتم بأمر فقدان ماء وجهه أم عدمهِ كان أهم شيء لديه إبقاء نظام البعث وسلطته الشخصية واعتبر ذلك على الدوام أمرا رئيسياِ بنفسه تحدث عن إحدى هذه الحالات للسفير الأمريكي إيبريل غلاسبي قبل أيام من دخوله الكويتِ تذكر الحالة عام 1975 عندما كان نائبا للرئيس بخصوص المشكلة الكردية، وحين وجد نفسه في وضع يمكنه فيه فقدان كل شيء: كان الثوار الأكراد المعتمدين على مساعدات طهران يحرزون الانتصارات الواحد تلو الآخرِ وحسب اعترافه الخاص كانت المسألة على النحو التالي: إما فقدان البلد كله أو منح نصف شط العرب للإيرانيين رسمياِ وكانت الطريقة الثانية عبارة عن حني الرأس أمام إيران التي فرضت بلا إذن الرقابة على نصف النهر المجاور له (كانت الحدود تمر قبل ذلك بالشاطئ الإيراني وكان النهر تابعا للعراق)ِ فضل صدام حسين التنازل عن جزء من أراضيه مقابل كف إيران عن مساعدة الأكرادِ في النتيجة انهزم الأكراد وحصل صدام حسين على السلطة الفردية في البلد وأصبح الآن رئيسا للدولةِ وصف صدام هذه الحالة في حديثه مع السفير كمثال لمعرفة التضحية بالشيء الأقل مقابل الأكبرِ الحالة الثانية: عندما رأى صدام حسين، بعد التدخل في إيران، أن الخصم لم يتمالك نفسه فحسب، بل يقدر على طرد القوات العراقية من حدود إيران، أعلن في 20 يونيو 1982 عن وقف إطلاق النار من طرف واحد وسحب القوات العراقية من الأراضي المستولى عليها، واقترح في آن واحد على إيران التوحد ضد إسرائيلِ وكان هذا القرار غير عادي بوضوحِ غير أن الإيرانيين لم يستلموا هذه الهدية واستمروا في الحرب بهدف إيقاع الهزيمة بالعراق وإسقاط نظام صدام حسينِ الحالة الثالثة: في سير هذه الحرب، عندما كف الاتحاد السوفيتي عن إمداد العراق بالأسلحة والذخائر كونه المبادر في الحرب ودخلت قواته الى أعماق الأراضي الإيرانية، توجه صدام حسين فورا الى الرئيس المصري أنور السادات بطلب المساعدة بالأسلحة والجنود وإن كان قبل ذلك يدنس اسمه بسبب صلحه المنفرد مع إسرائيل (جمدت عضوية مصر من جامعة الدول العربية في بغداد بالذات في لقاء القمة العربية في مارس 1979ِ ان هذا التحول ب 180 درجة الذي قامت به بغداد كان مهينا بالطبع، غير أن الحرب ضد إيران لم تترك لها خيارا آخرِ الحالة الرابعة: عودة بغداد الى اتفاقية الجزائر 1975 مع إيران التي قطع صدام حسين أمام كاميرات التلفزيون نصها في بداية الحرب ضد إيران في عام 1980، واصبح كافة الضحايا التي تكبدها الشعب العراقي في الحرب حالا صفحة مقلوبة عندما احتاجت بغداد تأمين نفسها من الشرقِ ولم تبرز هنا مسألة إنقاذ ماء الوجه أيضاِ لم يهتم صدام حسين إطلاقا بمن يقبل أو لا يقبل في العراق وخارجه وإن كان حجر الزاوية في السياسة العراقية، حسب تصريحات صدام الكثيرة، ينحصر في أثناء سنوات حكمه الكثيرة في أن العراق لم يعد أبدا الى حدود ما قبل الحرب مع إيرانِ وثمة حوادث أخرى أقل أهمية يرجع فيها صدام حسين عن قرار اتخذه من قبل في حالة اقتضاء الظروف بذلكِ بالتالي، كانت القسوة والإرادة والعناد في هذا الإنسان تتشابك تماما مع البراغماتية إذا كان الخطر يخيم عليه نفسهِ لم ألتق أبدا بصدام حسين، لكني سمعت وقرأت عنه الكثير جداِ ويقنعني صواب الوصف الذي أعطاه إياه يفغيني بريماكوف موضحا طباع صدام حسين الرئيسية على النحو التالي: 'الصرامة التي تتحول دائما الى قسوة، والإرادة القريبة من العناد التابع لهواه، والرغبة في الاقتحام والسعي للتوصل الى الهدف، مهما كلف الأمر، بالاقتران مع عدم التنبؤ من أخطار تصرفاته'ِ غير أن الاستنتاجات التي كنا نستخلصها بصدد إنقاذ ماء وجه صدام حسين كانت مختلفة على ما يبدوِ اعتبرت ووثقت بأني لا ابتعد عن الصواب إن قلت في أن الحالة في العراق نفسه كانت على ذلك الشكلِ فمهما كان قرار صدام حسين حيال الكويت فانه سيقبل كواجب حتى بلا أي تفسير من قبل الزعيمِ وإذا كان الرئيس العراقي في حاجة الى تنظيم مغادرة جميلة ودعائية من الكويت فان ذلك يمكن تحقيقه بسهولة (عوقبت الكويت وعلمت بلدان الخليج الأخرى درسا قاسيا وأعطيت البلدان العربية الأخرى مثالا عن كيفية التصرف من أجل الدفاع عن المصالح، ورفعت أسعار النفط وأظهرت للعالم أجمع وقبل كل شيء لأمريكا قوة العراق وإمكاناته ِِِالخ)ِ وحتى بعد هزيمة العراق التي لا نظير لها، وصفت آلة بغداد الدعائية ذلك بالانتصار العراقي العظيمِ لذلك بالضبط، لم يكن صعبا بالمرة على صدام حسين الانصراف من الكويتِ لأنه لم يشأ التصرف على هذا النحوِ وكانت الأحاديث عن إنقاذ ماء الوجه تروق لبغداد تماما لأنها كانت تبقي مسألة الكويت معلقةِ وكانت استراتيجية صدام حسين تهدف الى المماطلة القصوى في النزاع وأن الوقت يسير لصالحه، وهذا الوقت من شأنه تفتيت وشق التحالف بتأثير ظروف مختلفةِ ومن الواضح أنه مهما كانت خطط التسوية السلمية التي كان يحملها القادة العرب الى صدام حسين ومبعوثيهم ومهما كانت الهدايا التي كانوا يعدونه بها من أجل 'إنقاذ ماء وجهه'، لم تلق خطة واحدة تأييد بغدادِ ولم تحظ بتأييد صدام لأن جميعها تقضي في أساسها بانسحاب العراق من الكويتِ لذا، كنت اعتبر من غير المفيد أن نشتغل نحن في مسألة إنقاذ ماء وجه القائد العراقيِ لأنه لم تكن هناك مثل هذه المشكلة ولم يكن يزيننا ذلك من الناحية الأخلاقيةِ مواصلة رحلات بريماكوف بعد عودة يفغيني بريماكوف من رحلته الى أربع عواصم غربية، أخبر الرئيس ميخائيل غورباتشوف بنتائجها واستلم التعليمات بالسفر فورا الى القاهرة ودمشق والرياض وبغدادِ وكلفه الرئيس بأن يناقش في العواصم المذكورة من جديد إمكان تنشيط 'العامل العربي' بهدف إجبار العراق على سحب قواته دون استخدام القوة العسكرية وبدون مكافأته (!) وأوصى الرئيس أن يرسم بريماكوف في لقاء بغداد الصورة الكاملة للحالة التي سيضطر فيها صدام حسين إلى الاصطدام في حالة رفضه اتباع مطالب المجتمع الدوليِ وكلف بريماكوف كذلك بالعودة الى مسألة إخلاء الخبراء السوفيت من العراقِ في 26 أكتوبر كان يفغيني بريماكوف في مصر عندما كادت إمكانية زيارته الى بغداد مشكوكا فيها لأن القيادة العراقية قررت تخويف موسكو محاولة منها دون اتخاذ قرار جديد من قبل مجلس الأمنِ وهذا القرار بدأ كل شيء منهِ في آن واحد مع الخطوة السياسية في موسكو، استدعى طارق عزيز سفيرنا في العراق فيكتور بوسوفاليوك وقال له إنه في الظروف عندما 'يدفع' الاتحاد السوفيتي، كما زعم، القرار فانه من المشكوك فيه أن يكون وصول ممثل الاتحاد السوفيتي الى بغداد مثمراِ أخبر يفغيني بريماكوف بتطور الأحداث وطلب أن يحاول ممثلنا في مجلس الأمن تأجيل اتخاذ القرار ولو ليومينِ وتصرفوا وفق هذا الطلبِ نفذ فورونتسوف الطلب وإن كانت الحالة حادة: نظر مجلس الأمن في القرار في جلسته الرسميةِ زد على ذلك أيد ممثلنا في الجلسة القرارِ ومع ذلك ساعد رئيس المجلس (الإنكليزي رئيسا في أكتوبر) فورونتسوف في رغبته قطع الجلسة بانتظار أنباء إيجابية من بغدادِ اتصل بعدها يفغيني بريماكوف بطارق عزيز هاتفيا ووضع أمامه الشرط التالي: أما أن تتم زيارته لبغداد كما تم التنسيق لها أو لن تتمِ عندئذ تراجعت بغدادِ أجرى بريماكوف سلسلة من المباحثات المكثفة مع صدام حسين وطارق عزيزِ فيما يخص خبراءنا تسنى التوصل الى تقدم معين، فقد حصلت الموافقة على رحيل ألف شخص خلال نوفمبر والتأكيد على عدم وضع العراقيل السابقة، أي أن المرحلين سيكونون ألفين ونصف الألف خلال أكتوبر ونوفمبرِ ولم يحدث تطور في مسألة انسحاب العراق من الكويتِ وآخذا في الاعتبار أن رحلة بريماكوف لم تجلب النتيجة المنتظرة، استأنف مجلس الأمن في 29 أكتوبر عمله وقرر ب 13 صوتا وامتناع اليمن وكوبا عن التصويت القرار 674 المذكور أعلاهِ ذهب يفغيني بريماكوف من بغداد الى السعودية حيث أجرى محادثات مع القادة السعوديين والكويتيينِ وقامت بغداد في الوقت نفسه بمناورة أخرى عرف عنها العالم عن طريق وزير الخارجية اليمني الأريانيِ فقد أخبر الصحافيين بأن طارق عزيز هاتفه وقال له إن زيارة بريماكوف لبغداد 'لم تكن سلبية بالقدر الذي أعلنوه'ِ وان العراق استثمر اللقاء للإعراب عن رأيه بصدد تناقض الموقف السوفيتيِ وأخبر عزيز اليمني كذلك بأن المبادرة العراقية أحيلت بواسطة بريماكوف الى ميخائيل غورباتشوف وفرانسوا ميتيران وتحتوي على اقتراح بإطلاق سراح الرهائن إذا التزم الرئيسان السوفيتي والفرنسي علنا بموقفهما الرافض للحل العسكري والمؤيد للسياسي السلميِ أتذكر بأني قرأت باهتمام تسجيل النقاش بين غورباتشوف وميتيران الذي جرى في باريس في 28 أكتوبرِ تحدث الرئيسان بمبادرة من غورباتشوف عن هذا الاقتراح (أحال العراقيون حتى مشروعهم للبيان السوفيتي - الفرنسي)ِ وفي غضون ذلك لوحظ في أقوال القائد السوفيتي مدى كبير من التردد: 'إذا لم نعط شيئا لصدام فانه سيقدم على التطرف'ِ وكانت هذه إشارة إلى الاعتراف بأن صدام يحاول كسب الوقت لشق وحدة 'الخمسة'ِ وإذ يستشهد بانطباعات بريماكوف، كان غورباتشوف يحاول إقناع ميتيران بأن صدام حسين قد تغير عما كان عليه قبل أسبوعين أو ثلاثة، وأن فرصة التسوية السلمية بدأت تظهر وإن كانت حتى الآن غامضة جداِ كان ميخائيل غورباتشوف مستعدا لتحرير المشروع العراقي سوية مع ميتيرانِ غير أن موقف ميتيران من هذا الاقتراح كان أكثر تحفظا، لأن مأربه واضح جدا بوضع الاتحاد السوفيتي وفرنسا في مواجهة مع الولايات المتحدة وإنكلتراِ قال ميتيران لغورباتشوف انه من الممكن أن يكون تفاوت في اللهجة والأسلوب وأشياء أخرى بين الموقفين الفرنسي والأميركي، غير أنه لا توجد اختلافات مع الأميركان في حقيقة الأمر، ووضع هذه النقطة في المحادثات بصدد المبادرة العراقيةِ تحدث غورباتشوف لميتيران أنه تلقى في اليوم السابق رسائل بصدد مهمة بريماكوف من جورج بوش ومرغريت تاتشر (منها رسالة قاسية) وقال إنه ينبغي مناصرة قرارات مجلس الأمن المتخذة بالإجماع في المؤتمر الصحفي المشترك مع ميتيرانِ وتذمر من أن الصحافيين سيلحون بالأسئلة الخاصة بنتائج رحلة بريماكوفِ وأيد ميتيران الفكرة بضرورة تنظيم مؤتمر صحفي مشترك في هذا المعنىِ قال الرئيس السوفيتي في تصريحاته في المؤتمر الصحفي إن مهمة بريماكوف 'ليست فرعا مستقلا ما للعمليةِ زد على ذلك انها ليست جزءا مناقضا، بل هي جزء عضوي لجهودنا العامة ِ تجرى الكثير من الزيارات واللقاءات والأحاديث وتتخذ من مختلف الجوانب مادة لهاِ يجري بعضها علانية وهي معروفة للصحافة ويجري الآخر بشكل سري'ِ من الواضح أن غورباتشوف يريد الإشارة الى أن 'موقفنا لم يتغير ولن يتسنى شق وحدة أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وأن من يعتقد هذا فهو في ضلالِ يجب ألا نعطي أية حجة للعراق ونظام الرئيس صدام حسين الذي يأمل في عدم التنسيق بين واضعي القرارات وإضعاف مواقفهمِ نظن أن أعمال المجتمع الدولي مبررة وعلينا أن نعمل لتبقى هذه الوحدة وأن نتوصل الى تنفيذ مطالب المجتمع الدولي'ِ كان في باريس، كما في حالات أخرى غورباتشوفانِ الأول، يبحث مع الرئيس الفرنسي عن حل وسط مع صدام حسين وآخر، السياسي العلني الذي يقول من على المنبر ما ينبغي أن يقوله قائد الدولة العظمى من موقف رسمي مرتبط بالاتفاقات والالتزامات الدوليةِ ان الثنائية أو الازدواجية في السياسة من حيث المبدأ أمر غير مرغوب فيه وضار كقاعدة عامةِ فعلى كل دولة تحترم نفسها أن تتكلم في شخص قيادتها بلغة واحدة وتمارس سياسة واحدة إذا أرادت أن يفهموها جيدا ويثقوا بها وعليها مارسة نهج ثابت وألا تراوغِ كانت الصحافة السوفيتية في ذلك الوقت تكتب بعلانية وصراحة بأن سياسة موسكو حيال الأزمة الكويتية تعتبر سياستين مختلفتين: سياسة شيفرنادزه وسياسة بريماكوفِ وكانت المضاربات في الخارج في هذا الصدد أكثر بكثيرِ كنت أرى بأم عيني بأن سفينة السياسة الخارجية السوفيتية لا تتحرك بطريق مستقيم، بل متعرجِ لم ينحصر الأمر هنا في تصرفات قبطان السفينة ميخائيل غورباتشوف الذي كان يدير الدفة تارة الى اليسار وتارة الى اليمين، انطلاقا من مختلف الظروف السياسية الخارجية والداخلية على السواءِ وكانت تؤثر في السياسة الخارجية تلك الواقعة المتمثلة في أن ميخائيل غورباتشوف كان يرغب أكثر من زعماء 'الخمسة' الآخرين في البحث عن حل سلميِ وكان يخرج أحيانا في سير البحث تحت تأثير النصائح من محيطه من الصف العام ثم يعود الى طابور 'الخمسة' عندما كان عليهم الاشتراك بقرار هام أو عندما لم ينجح بالقيام بأمر ما بشكل مستقلِ سجل مستشار غورباتشوف، تشيرنيايف في مذكراته في 31 أكتوبر 1990 ما يلي: 'أعرف أن غورباتشوف لا يستبعد الطريقة الحربية في الخليجِ وعندما سأله الأكاديمي أرباتوف كيف ينبغي الرد على سفراء الكويت ومصر والسعودية، قال: وضح لهم بأننا لن نضحي أبدا بالتحالف مع الولايات المتحدة في هذه القضية'ِ وبما أن موسكو كانت تبقى دائما بؤرة الاهتمام فان تردد الرئيس السوفيتي كان يثير أسئلة مشروعة من العرب والغربيين على السواءِ وكنا ندرك في وزارة الخارجية أن ذلك إجحاف بمصالح البلد وسمعته وكنا نحاول قدر الإمكان أن تبقى سياسة الاتحاد السوفيتي حيال الأزمة واضحة ومبدئية ومفهومةِ سكان الكويت والرهائن
في النصف الثاني من أكتوبر بدأ في مجلس الأمن العمل على اتخاذ قرار دوري خاص بالعراقِ وكان عليه، كحال القرارات السابقة، أن يكون ردا على حالة أثارتها بغداد وأحرجت الوضع بأعمالهاِ يكون الاحتلال قد استغرق ثلاثة أشهر تقريبا وظهرت في هذا الوقت مشاكل عديدة: توفير المواد الغذائية وماء الشرب لسكان الكويت، مصير الرهائن ومواطني البلدان الثالثة الآخرين، وضع الدبلوماسيين الأجانب في الكويت، الوقائع الكثيرة للخرق الفظ لحقوق الإنسان ونهب البلد المنظمِ وظهرت مسألة ملحة عن مسؤولية العراق حسب القانون الدولي عن الخسائر والأضرار الملحقة بالكويت والبلدان الثالثة ومواطنيها وشركاتها نتيجة الاعتداء على الكويتِ بطبيعة الحال اشترك الاتحاد السوفيتي الى جانب أعضاء مجلس الأمن الآخرين في إعداد مشروع القرار الخاص بمجموعة هذه المسائل كلهاِ كان الرهائن ومواطنو البلدان الثالثة و الدبلوماسيون موضوعا لقرارات مجلس الأمن السابقةِ غير أن بغداد تجاهلتها، ومن المشكوك فيه أن يقلقها بشدة ظهور القرار الجديدِ غير أن مسألة التعويضات واسترجاع الممتلكات والأمتعة الشخصية المأخوذة من أراضي دولة أخرى أثيرت للمرة الأولى، حيث يهدد بغداد في المستقبل الإيفاء بمبالغ كبيرة جداِ من هنا انزعجوا جدا في بغدادِ في 26 أكتوبر جاء السفير العراقي في موسكو الى وزارة الخارجية حاملا احتجاجا على مشاركة ممثل الاتحاد السوفيتي في مجلس الأمن فورنتسوف في إعداد مشروع القرار وركز على عدم قبول العراق المطلق لطرح مسألة التعويضات واسترجاع الممتلكاتِ رفض مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كولوتوشا هذه الاعتراضات بعد استقباله السفير، وأشار الى أنه لا يرى أي تناقض بين سعينا الى الحل السلمي لأزمة الخليج والمشاركة في وضع القرار الذي يستنكر نهب الكويت ويطالب بالتعويض المناسبِ ولفت كولوتوشا نظر السفير الى مشكلة رحيل الخبراء السوفيت ونوه إلى أن الصعوبات التي تظهر باستمرار في هذه الناحية تؤكد الاعتقاد لدى أقربائهم والرأي العام السوفيتي في أن مواطنينا في العراق أصبحوا رهائن مثل مواطني البلدان الغربيةِ ويزداد بالتناسب سيل البرقيات والرسائل الى الرئيس السوفيتي والحكومة ووزارة الخارجية التي تطالب باتخاذ تدابير أنشط بهدف عودة خبرائنا الى الوطنِ وأنذر الدبلوماسي السوفيتي السفير بأن الطرف العراقي لا يدرك بقدر كامل عواقب هذه التصرفات بالكاملِ
يتبع ... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الخميس يوليو 30 2015, 14:24 | |
| الحلقه 17 في هذا الوقت استمر الوضع في منطقة الخليج في التوتر وحشد القوات وزيادة الأسلحة من الجانبينِ وفي لحظة عقد قمة هلسنكي، بلغ عدد المشاركين في القوات الدولية 23 دولةِ ولم ينته الوضع عند هذا العددِ وتجري في العراق دعوة الاحتياط الى الخدمة العسكرية وتتشكل الوحدات الجديدة وزادت التشكيلات العسكرية في الكويت نفسها ثلاث مراتِ وكان تلفزيون وإذاعة بغداد بكافة الطرق يسودان سمعة الأمريكان والسعوديين والمصريين وغيرهم من المشاركين في التحالفِ ويدعوان في آن واحد الشعب إلى شد الأحزمة بشدة استعدادا للحربِ وكانا يوحيان للعراقيين باستمرار بأن انتصار العراق مضمونِ وكانت قيادة البلد نفسها تبادر في ذلك (الرئيس ومجلس قيادة الثورة)ِ وأثر الاستيلاء على الكويت والاستعدادات العسكرية اللاحقة على مصائر مئات الآلاف من البشر بشكل صعب للغايةِ واضطرت الأردن لقبول قرابة 600 ألف لاجئ من العراق والكويت خلال أغسطس وسبتمبر فقطِ وأصبحت عمان البوابة الرئيسية التي يمر عبرها الأجانب، الذين في الأغلب هم مواطنو البلدان الثالثة ممن فقدوا عملهم ووسائل عيشهم في العراق والكويت وبعد ازدياد وضع الأجانب الغذائي والمعيشي سوءا كل أسبوع يمر، ناهيك عن تعرضهم لمختلف أنواع التمييزِ وحاول عشرات الآلاف إيجاد مأوى لهم في إيران وتركياِ وترك نحو مليون شخص الكويت والعراق في شهري الأزمة الأولينِ ومن جهة أخرى، كان مواطنو البلدان المشاركة في القوات متعددة الجنسية يحتجزون كرهائنِ وصلت في غضون ذلك، من الكويت معلومات أشد ظلاما عن احتياج البلد الفعليِ وكان الدبلوماسيون الغربيون الذين بقوا هناك وبعض اللاجئين، مصادر هذه المعلومات من حيث الأساسِ وتشكلت لدينا تصوراتنا الخاصة بعد ان تسنى لموظفي القنصلية العامة للاتحاد السوفيتي في البصرة زيارة الكويت بهدف الإطلاع على وضع السفارة السوفيتية التي أبقيت هناك في كنف السلطات العراقيةِ سجل موظفونا في تقريرهما ما يلي: 'تترك عاصمة الكويت انطباع المدينة المتروكة والمهملةِ لا ترى في البيوت مظاهر الحياة تقريباِ ليس ثمة، عمليا، سكان محليون في الشوارعِ يمكن مصادفة جماعات متكونة من 2 - 3 أشخاص وهم بالأساس فلبينيون وهنود وبنغالِ لم تنظف الشوارع منذ زمن بعيدِ وتنتشر في كل مكان أكوام الأوساخ والقاذورات التي يحرق البعض منها أو ينطلق منه الدخانِ لا توجد في المدينة سيارات مدنية، وبالكاد ما تصادفه تكون عراقيةِ شلت تماما الحياة في المدينة وفي مجال الأعمال، أغلقت كافة المؤسسات، لا تعمل أكثر الفنادقِ ليست هناك في الحقيقة تجارة بعد ان نهبت المحال التجارية غير المحروسةِ أما سوق الخضار في المدينة فموحش جدا'ِ وإليكم انطباع رفيقينا عن الطريق: 'طريق السيارات البصرة - الكويت دائب الحركةِ تذهب السيارات الى الكويت بلا حمولة عدا شاحنات الجيش، بينما تعود محملة حتى نهايتها بمختلف الأشياء حتى مواد البناءِ أما السيارات فوضعت على التريلات'ِ وما يمكن استنتاجه عن عملية نقل مختلف الممتلكات الكويتية الى العراق وعلى نطاق واسع هو سؤال طبيعي: لماذا ينبغي تدمير أسس الحياة العادية في أراض سمتها بغداد رسميا بالمحافظة ال 19 للعراق؟ ألا يعني ذلك أنهم في بغداد يدركون عدم تمكنهم الاحتفاظ بالكويت لذلك قرروا سرقة ما يمكن نقله؟ من جهة أخرى، بدا ان القيادة العراقية تعرف بأنها ستضطر لدفع ثمن كل ذلكِ فلماذا ينبغي إلقاء عبء إضافي على عاتق الشعب العراقي؟ وفي آن واحد الحط من سمعة البلد الذي شوهه أصلا العدوان على بلد مجاور صغير؟ لا نجد في العقل جوابا واحداِ وكان ما يرى على السطح بشعا ومن الممكن ان تعد حقيقة كاذبة تحفيز العراقيين العاديين على الاحتفاظ بالمأخوذ (ليس ما يوجد في الكويت فحسب، بل الاحتفاظ بما يوجد في العراق بما في ذلك المنتشر على رفوف المحال التجارية)ِ وحسب مشاهدات ناسنا، ظهرت في المحلات التجارية العراقية الكثير من البضائع لم تكن موجودة قبل الاستيلاء على الكويت أو كانت أسعارها أغلى بكثيرِ تعتبر فرنسا الدولة الغربية الوحيدة التي تسنى لصدام حسين زيارتهاِ حصل ذلك في عام 1975، وبدأت العلاقات الفرنسية - العراقية بعد هذه الزيارة، تتطور بشكل عاصفِ حتى انتشرت في المجال النوويِ وكان العراق يشتري مختلف أنواع الأسلحة ووصلت في بعض السنوات أكثر مما يشتريه من الاتحاد السوفيتيِ وإن كانت العلاقات الفرنسية - العراقية الخاصة في قدر كبير ثمرة سياسة ديغول، فان الاشتراكي ميتران كان مائلا الى نهج أسلافه ووزيره للدفاع جان بيير شيفينمان يعد أحد مؤسسي جمعية الصداقة الفرنسية - العراقيةِ ونصح طارق عزيز في نهاية أغسطس 1990 على صفحات الجريدة الفرنسية 'فيغارو' الفرنسيين بأن يتذكروا ماهية سياسة ديغول وبومبيدو وجيسكار ديستان عندما سلكوا سياسة تختلف عن الولايات المتحدة وإنكلتراِ ولكي تعطي بغداد لباريس حافزا آخر، أطلقت سراح أكثر من 300 شخصِ وحسب بعض المعلومات كان هذا القرار نتيجة المباحثات غير العلنية التي أجراها وزير خارجية فرنسا الأسبق كلود شيسون مع طارق عزيز لإطلاق جميع الرهائن الفرنسيينِ وعلى العكس، كانت بغداد، بحجزها خبرائنا حتى في نوفمبر، تريد تصعيب وضعنا في المحادثات السوفيتية - الأمريكية المقبلةِ كان عدد الخبراء السوفيت في نوفمبر 5500 شخصِ وفي 12 نوفمبر اضطر مدير إدارة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كولوتوشا لطرح المسألة غير المرضية بالمرة الخاصة برحيل المواطنين السوفيت أمام السفير العراقيِ وأشار كولوتوشا الى ان المشكلة تكتسب طابعا أكثر حدة لأن الطرف العراقي لم ينفذ حتى الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال مباحثات يفغيني بريماكوف الأخيرة مع صدام حسينِ أنذر السفير بأنه من الممكن ان تكون لتصرفات السلطات العراقية عواقب وخيمة على المدى البعيد بالنسبة للعلاقات السوفيتية - العراقية لأن ذلك لا يتفق مع قواعد العلاقات المتمدنة بين الدولِ 200 عسكري روسي
وأود تناول ناحية المشكلة الأخرى الخاصة بالخبراء السوفيت العسكريين العاملين في العراق، ففي لحظة استيلاء العراق على الكويت كان عددهم نحو 200 شخصِ وكنت أظن شخصيا بأنه في ضوء العدوان المرتكب وموقف الاتحاد السوفيتي المبدئي ضد هذا العدوان، بما في ذلك الكف الفوري عن إمدادات الأسلحة السوفيتية الى العراق، ان وجود الخبراء العسكريين فقد أساسه السياسي والأخلاقيِ وأدليت بهذا الرأي في جلسات المجموعة التي تضم الوزارات والمؤسساتِ واعترض جنرال الجيش رئيس هيئة الأركان العامة السوفيتية على هذا الطرح بشكل منفعل جداِ منطلقا من أنه رغم كل شيء، يعتبر التعاون العسكري مع العراق أمرا طبيعيا تماماِ ولم يستطع وزيرا الخارجية والدفاع السوفيتيان حل هذه المسألة بينهما واحتل الرئيس السوفيتي لأسبابه الخاصة موقف المتملصِ في غضون ذلك، أخذوا في الغرب وبعض البلدان العربية ينتقدون موسكو بشكل عنيف جراء هذه التناقضاتِ وإن كانت وزارة الدفاع السوفيتية تصرح علنا أن العسكريين السوفيت العاملين في العراق بعقود ليسوا مستشارين عسكريين بما تعنيه هذه الكلمة، أي أنهم لا يعملون في هيئة الأركان العراقية مباشرة، بل هم خبراء تنفيذيون يساعدون العراقيين على استيعابهم المعدات العسكرية السوفيتية وتنظيم بنية التصليح والصيانة ِِِ الخ، فان جوهر الأمر كان يتغير قليلا: كان الاتحاد السوفيتي بواسطة خبرائه يساعد على تمتين قدرة البلد العسكرية الذي قام بالعدوان بمساعدة الأسلحة السوفيتية بالذات وبالأساسِ وكان جورج بوش قد طرح هذه المسألة في قمة هلسنكي أمام ميخائيل غورباتشوفِ وكرر الرئيس السوفيتي الحجج المعروضة أعلاه لوزارة الدفاع وأضاف قائلا: إن عساكرنا في العراق يتقلص عددهم بالتدريجِ لم يلجأ بوش إلى الضغط وعلقت المسألة، الأمر الذي بنى الأساس لاستمرار الأقوال غير الملائمة تجاه السياسة السوفيتيةِ وبالمناسبة، طالب المجلس الأعلى لجمهورية روسيا الاشتراكية الفيدرالية السوفيتية (البرلمان الروسي الذي كان يترأسه بوريس يلتسين في هذا الوقت) في منتصف سبتمبر من الكرملين ان يسحب جميع الخبراء العسكريين السوفيت من العراقِ وفي مطلع أكتوبر، وصل الجنرال مويسييف (رئيس هيئة الأركان العامة السوفيتية وقتذاك) الى الولايات المتحدة في زيارة عملِ وحسب تقرير جريدة 'نيويورك تايمز' التي أجرت معه لقاء صحفيا، واصل الجنرال تمسكه ب 'الدفاع النشيط' عندما دار الحديث عن الحضور العسكري السوفيتي المستمر في العراقِ وكان ذلك في بداية الزيارةِ ويبدو ان جنرالنا شعر في حالة غير لائقةِ ومهما كان الأمر قال في نهاية الزيارة في مؤتمر صحفي إن الاتحاد السوفيتي سيسحب من كل بد جميع خبرائه العسكريين قدر ما يكون الوضع ممكناِ غير ان الوقت قد فاتِ فالسلطات العراقية ترفض حتى هذا الوقت، السماح برحيل عساكرنا، وحتى أولئك الذين انقضت مدة عقودهمِ وتسنى ليفغيني بريماكوف وحده في نهاية أكتوبر وخلال زيارته الثانية إلى بغداد التوصل بصعوبة كبيرة الى عودة 34 عسكريا إليناِ واستمروا في إمساك الآخرين في العراقِ
محادثاتي في تركيا
كان لموقف الجار الشمالي للعراق تركيا أهمية بالغة بالنسبة للعراق والبلدان التي كانت تواجهه في أزمة الكويت على السواءِ وفي سنوات الحرب العراقية - الإيرانية كانت أنقرة تهادن بمهارة الجارين المحاربين وتتاجر معهما بنشاطِ وفي هذه السنوات ضعفت قابلية مرور النفط العراقي عبر الخط التركي من كركوك الى البحر الأبيض المتوسط والذي كانت تجني منه تركيا ربحا حسناِ وبلغ حجم الصادرات التركية الى العراق سنويا في عام 1990 نحو 750 مليون دولارِ وكانت نحو 5 آلاف شاحنة تجتاز يوميا الحدود التركية - العراقية وتعمل بنشاط شركات البناء والنقل التركيةِ ومن الواضح ان تركيا كانت الدولة الأولى التي زارها وزير الخارجية الأمريكي بيكر بعد اتخاذ قرار مجلس الأمن الخاص بالعقوبات ضد العراقِ وقبل ظهوره في أنقرة أمر الرئيس التركي تورغوت أوزال بقطع خط أنابيب النفط وخفض بذلك إمكانية تصدير العراق للنفط بالثلث تقريباِ وقدر الرئيس أوزال الخسائر التركية جراء العقوبات المفروضة على العراق بقرابة 5،2 مليار دولار في السنةِ واضطر وزير الخارجية الأمريكي لتقديم الكثير من الوعود بغية تثبيت موقف أنقرة في مراعاة العقوبات الصارمة وتقديم تسهيلات لسلاح الجو الأمريكي في استخدام قاعدة أنجيرليك في الجنوب التركي (وعد تركيا بمنحها طائرات فانتوم التي كانت واشنطن ترفض توريدها لها بسبب اعتراضات اليونان وأعطيت الموافقة على إعادة بيع الطائرات التركية 'إف - 16' الى مصرِ ووعد بتأييد انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي وزيادة القروض من البنك الدولي الى 5،1 مليار دولار في السنة)ِ فيما بعد تملصت أنقرة من الانضمام الشكلي الى قوات التحالف، لكنها قدمت مساعدات فعالة له بتركيز تشكيلاتها العسكرية الكبيرة على الحدود مع العراق بما فيها الدبابات مما دفع بغداد الى إبقاء عدة فرق في الشمال على الدوام (جذبت تركيا في هذه الحركة نحو 100 ألف جندي عراقي)ِ وكانت العلاقات السوفيتية - التركية في ذلك الوقت في مرحلة نهضة ملحوظة وخاصة في المجال الاقتصادي والتبادل التجاريِ فقد دخلت تركيا التي كانت تعتبر 'رجل أوربا المريض' بعد انصراف العسكريين من السلطة عام 1983، بسرعة الى مرحلة النهضة الاقتصادية بفضل إصلاحات تورغوت أوزال (في البداية بصفته رئيسا للوزراء ومن ثم كرئيس)ِ وازدادت بشكل ملموس مركبة العلاقات السوفيتية - التركية الاقتصادية، تلتها المركبة السياسيةِ وكنت مسؤولا عن علاقاتنا مع تركيا لكوني نائب وزير الخارجيةِ ولهذا السبب استلمت الدعوة لزيارة أنقرة لأجل إجراء بعض المشاورات السياسية في أغسطسِ ولم أتمكن الذهاب إليها سوى في أكتوبرِ استمرت المباحثات في وزارة الخارجية التركية خلال يومين (10 و 11 أكتوبر)ِ وكان نائب وزير الخارجية توغاي أوزتشيري شريكي الرئيسي فيهاِ وجدنا بسرعة لغة مشتركة وجرى البحث في المسائل بفضل ذلك بيسر وبلا كلفةِ واحتل النظر في نواحي العلاقات المختلفة بين البلدين أساسا لمشاوراتناِ وعبرنا عن ارتياحنا لمستوى علاقاتنا السياسية المعمقة وازدياد حجم التعاون الاقتصادي والتجاري وتنوعهِ وبحثنا بصورة تفصيلية في كل شيء ينبغي عملهِ ووقعت في أنقرة بروتوكولا لاستمرار المشاورات السياسية بين الاتحاد السوفيتي وتركيا الذي وضع تبادل الأفكار في المشاكل الملحة أساسا للتعاون الثنائي وفق العلاقات الدولية وعلى أساس دوريِ ومن ضمن المشاكل الدولية وجهنا اهتمامنا الرئيسي الى أزمة الكويت ولقاء قمة مجلس الأمن والتعاون الأوروبي في باريس ومشكلة قبرصِ شرحت موقفنا العام من أزمة الكويتِ ولخصت موقفنا بصدد الأزمة بمبدأين رئيسيين: إعادة استقلال الكويت والتوصل الى ذلك بالوسائل السلميةِ وركزنا الاهتمام على العنصر الثاني كون خطر النزاع الحربي قائماِ وفي هذا الصدد، راجعنا كافة القرارات المتخذة حتى الآن الموجهة الى إعادة سيادة الكويت بمساعدة التدابير السياسية والاقتصادية على العراقِ واتفقنا على أن ثمة حاجة للوقت لكي تلبي هذه التدابير النتائج المرجوةِ أما عن المستقبل، فمن الواضح ان الأزمة لا يمكن حلها بطريقة سلمية، إلا بشرط ان تبدي بغداد استعدادها لسحب قواتها من الكويتِ وإذا عاندت فان مجلس الأمن سيضطر عاجلا أو آجلا على القيام بالخطوة المنطقية التالية وهي استخدام القوة العسكرية ضد العراقِ لا نظن أن هذا الإجراء قد نضج في ذلك الوقتِ وفي الوقت نفسه ينذر الجانب السوفيتي علنا وبطرق أخرى بإبلاغ صدام حسين بأن مجلس الأمن سيضطر إلى اللجوء للقوةِ وقلنا صراحة لصدام حسين بأنه سيسحق لو اندلع النزاع العسكريِ ونصحناه ان يثوب الى رشده ويظهر المرونةِ وأشرت بأننا لسنا من أنصار انفراد دولة أو مجموعة دول حل النزاع في منطقة الخليجِ ويجب ان يتخذ مجلس الأمن وحده كافة القرارات في هذا الصددِ وأكدت من جديد بأننا نعارض الحل العسكري ولا نريد إراقة للدماءِ ثم تحولت الى رحلة يفغيني بريماكوف الأولى وعن وضع الخبراء العسكريين السوفيت ونظرتنا إلى توزيع القوى العامة في خصوص الأزمة بما في ذلك في العالم العربيِ وأشرت إلى أن بغداد لم تتوقع هذا الرد الدولي الحاد (فعلا) نتيجة استيلائها على الكويتِ وأشرت الى التقدير غير الصحيح لبغداد لرد الفعل السوفيتي الذي يعتبر واحدا من أخطائها الذي لا أشك فيهِ لم يدركوا في بغداد ان التطاول على بلد ذي سيادة نفهمه كضربة للنظام العالمي برمته كما لم يدركوا الدور المناط بالأمم المتحدة وقدرتها على وضع الحد للأفعال العدوانيةِ واعترفت بأنه لم يكن سهلا علينا اتخاذ هذا الموقف بعد عشرات السنوات من التعاون مع العراق في مختلف الاتجاهات والمنفعة التي تجلبها لنا علاقاتنا الاقتصادية معهِ وفي النتيجة قررنا ان خطورة الحالة وصعوبة تكهن نتائجها يدعونا بإلحاح الى زيادة الجهود الجماعية للضغط المناسب على نظام صدام حسينِ قال أوزتشيري إنه يشاركنا بالكامل تقديراتنا ومن المشكوك فيه ان يستطيع إضافة شيء إليهاِ وعرض موقف تركيا الذي اتفق فعليا في الكثير منه مع موقفناِ وخلص إلى إيجاز الموقف التركي على النحو التالي: - فعل عدوان العراق وضم الكويت غير مقبولِ - يجب تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتخذة في حجمها الكاملِ - يجب تهيئة الظروف السانحة الى الحد الأقصى لكي تصل قرارات مجلس الأمن هذه الى أهدافهاِ - تعتبر الوسائل العسكرية للتأثير إجراء أقصى وينبغي استخدامها في إطار ميثاق الأمم المتحدة بحزمِ - عند الضرورة القصوى يمكن لمجلس الأمن اتخاذ عقوبات عسكريةِ قصد أوزتشير من النقطة الأخيرة فرض عقوبات على بغداد جراء عدوانه المرتكب عن طريق إقرار تقييدات عسكريةِ وقال أوزتشيري إن وجهة نظر تركيا في سياق الأزمة تركز على تخفيض الخطر العسكري الآتي من العراق بعد حل الأزمة بالنسبة لبلدان الإقليمِ وانحصر جوهر الخطر برأيه، على تسلح العراق فوق الطبيعيِ كان من المفهوم ان تركيا كبلد مجاور للعراق لا تريد ان يكون على مقربة منها بلد له جيش من مليون فرد وصواريخ وسلاح كيميائي، ومن المحتمل حتى السلاح النووي في المستقبلِ ولكي لا تتحدد المسألة بالتقييدات العسكرية بالعراق وحده رددت على أوزتشيري عن وضع المشكلة الأوسعِ وقلت ان الأزمة أظهرت ضرورة صياغة نظام متين للأمن الإقليمي في المنطقةِ وتكون مسألة مستوى الأسلحة المسموح بها لبلدان الإقليم أحد هذه العناصرِ وذكرت في هذا الصدد ان الجانب السوفيتي أشار قبل سنة الى الكثير من المشاكل التي تطالب باهتمام أكثر ومن الدرجة الأولىِ قمنا بذلك في سير جولة ادورد شيفرنادزه في بلدان الشرق الأوسطِ ونعتقد أنه من المفيد إنشاء مركز لتخفيض الخطر العسكري لهذا الإقليم ونؤيد تحديد التكنولوجيا العسكرية الحديثة بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الصاروخيةِ وقلت ان هذه المسألة يمكن ان تصبح موضوعا لمشاورات خاصةِ أوضح الأتراك أنهم ضد تقسيم العراقِ وقال أوزتشيري ان العالم العربي لم يكن كما كان في السابق بعد انتهاء النزاعِ ولكن ينبغي ألا يدور الحديث حول تغيير الوقائع السياسية والجغرافية وخاصة تغيير الحدودِ كان هذا تصريحا مهما جدا سررت لسماعهِ فمهما كانت نهاية الأزمة، بواسطة الحل السلمي أو استخدام القوة، يجب ان يحافظ العراق على وحدة أراضيهِ أيد الأتراك في هذه اللحظة العقوبات الاقتصادية لوقت ما، وإن كانوا يشكون من الخسائر المالية الكبيرة التي يتكبدونهاِ اعترفوا بأن توقعهم، بأن العقوبات ستحمل بغداد بعد ستة أسابيع على إعادة النظر في الموقف من ضم الكويت، كان متفائلا جداِ ولم يفكروا بعد ذلك الى تسمية مواعيد جديدةِ فمن الواضح ان الحالة لا ترضيهم لو بقي الوضع على ما هو عليه لمدة طويلةِ ومع ذلك لم ألحظ عدوانية عسكرية تجاه بغداد وصدام حسين شخصياِ كانوا مستغربين فقط كيف استطاع ان يرتكب مثل هذا الخطأ الخطير وعدم التكهن برد فعل المجتمع الدوليِ وأشاروا إلى أنهم كانوا خلال سنوات عديدة ينظمون بدقة علاقات التعاون البناء مع العراق التي محيت حالاِ باختصار، وجدوا أنفسهم بحالة شبيهة جدا لحالتنا، بل كانت ربما أكثر حدة وتعقيدا (بسبب الحدود المشتركة مع العراق والمشكلة الكردية وتهديدات طهران بشأن مرابطة الطائرات الأمريكية في تركيا)ِ في نهاية الحديث، كررت ما قلته من قبل في طهران بصدد السيناريو المحتمل للحل السلمي: تصرح بغداد باستعدادها لسحب القوات من الكويت ويرد التحالف بوعد عدم شن هجومِ ويبدأ العراق في سحب قواته مع تقليص جزئي للقوات متعددة الجنسية ِِِالخِ وأشرت الى أنه إذا لا نفكر في آفاق الخروج السلمي من الأزمة فأن الأمور ستنحدر الى تحت الجبلِ ودعوت الجانب التركي الى الانضمام الى عملية البحث عن مخرج سلمي والتأثير بقدر الإمكان على بغداد تأثيرا مناسبا لأن الشرط الأدنى لبدء عملية التسوية السياسية هو إعلان إمكانية الانصراف من الكويت من قبل القيادة العراقيةِ للأسف، لم يكن لدى الأتراك، كما لم يكن لدينا أيضا، الرؤية في كيفية تصرف صدام حسين في نهاية الأمرِ اتفقنا على إطلاع بعضنا البعض على تطور الأحداث وعلى ان لا يكون هذا اللقاء الأخير بينناِ
الابتزاز بالرهائن
بعد ان حولت بغداد مواطني البلدان المشاركة في القوات متعددة الجنسية الى رهائن، بدأت بلا حياء استخدامهم لأغراضها الخاصةِ ومن المفهوم ان أقرباء الموقوفين كانوا يضايقون حكوماتهم وبرلماناتهم ومنظماتهم الاجتماعية الأخرى بالضغط من أجل اتخاذ خطوات ما لتخليصهم، حتى لو وصل الأمر الى اتفاق مع السلطات العراقيةِ أما بغداد، فكانت تحاول إضعاف التحالف وتفصيله طبقة، طبقة، بتصرفات منفردةِ وتلقي دوما الذنب على عاتق الحكومات المعنية لتشجيع قوى المعارضة وبعض الأوساط الاجتماعية المؤثرة والساسة الذين ساهموا بشفاعة بغداد تحرير بعض الرهائنِ كانت الغاية من ذلك استخدام مشكلة الرهائن لأغراض سياسية مغرضةِ وبطريقة ما، تقدم وزراء الخارجية الأوربيون في 3 نوفمبر بتوصية مشتركة بأن لا يتخذ الساسة خطوات منفردة والقيام برحلات الى بغدادِ غير ان هذه التوصية لم تجيء بنتيجة ملحوظةِ في نوفمبر بلغ عدد الزوار أوجهِ في 6 نوفمبر أطلقت بغداد سراح 106 رهائن مع رئيس وزراء اليابان الأسبق نكاسوني أكثرهم من اليابانيينِ وفي 9 نوفمبر نقل المستشار الألماني الغربي الأسبق معه نحو 200 من الرهائن الألمانِ ورحل نحو 40 إنكليزيا مع رئيس الوزراء البريطاني السابق ادوارد هيتِ وقبل ذلك بقليل عاد 47 من الرهائن الأمريكان الى وطنهم مع المدعي الأسبق بمنصب رئيس الولايات المتحدة جيسي جاكسونِ وزار بغداد للهدف نفسه عضو البرلمان البريطاني توني بين وبطل العالم في الملاكمة الأسبق محمد علي كلاي والسياسي الفرنسي اليميني جان ماري لي بين ومحافظ تيغاس الأسبق جون كونيلي والنائب العام الأسبق للولايات المتحدة رامس كلاركِ استخدمت الدعاية العراقية هذه الزيارات على نطاق واسع لتبين لشعبها أن العراق غير معزول سياسيا بالمرة، بل يجذب إليه كالمغناطيس مختلف الشخصيات المعروفة من البلدان الغربيةِ وأصبح قرار البرلمان العراقي المؤرخ في الأول من نوفمبر بإطلاق سراح جميع المواطنين البلغار، على أساس ان بلغاريا خلافا لبعض بلدان أوروبا الشرقية لم تشارك حتى بشكل رمزي في التحالف، مظاهرة سياسيةِ
يتبع ... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الخميس يوليو 30 2015, 19:51 | |
| الحلقه 18 ابتداء من 1 نوفمبر1990 ، انتقلت رئاسة مجلس الامن الى الولايات المتحدةِ ولأن اليمن ستصبح في ديسمبر رئيسا لمجلس الامن ومن ثم يحين دور كوبا، فإن ذلك دليل على ان واشنطن ستحاول عدم تاجيل القرار الذي كان يطوف في اذهان الكثيرين: استكمال العقوبات الاقتصادية على العراق بالتهديد باستخدام القوةِ وفي الحقيقة، لم يخف على احد ابدا، بأنه إذا لم تخضع بغداد وتمتنع من مغادرة الكويت فإنهم سيضطرون في النهاية لإجبارها بالقوةِ ولم تكن العقوبات الاقتصادية المفروضة في اغسطس وسيلة فعالة جدا كما كان الكثيرون ينتظرون بمن فيهم نحنِ فالعقوبات كانت 'تعض' بالطبع، غير ان الشغيلة العراقيين هم اكثر من عانى منها من القوات المسلحة والنخبة بالاخصِ ومهما كان الامر، لم يشعر بأن وضع السكان الغذائي والاجتماعي المزداد سوءا، قادر على دفع القيادة العراقية في المستقبل القريب للانصراف من الكويتِ قال صدام حسين نفسه في 29 اكتوبر في حديثه لوكالة 'سي ان ان' انه ليس للعقوبات المفروضة على العراق فرص للنجاح وهي كإجبار الولايات المتحدة ترك جزر هاواي بمساعدة تدابير مماثلةِ واشار الرئيس العراقي محاولا إثبات فشل الآمال المعقودة لإجبار العراق على ترك الكويت بسرعة الى ان القيادة العراقية تفكر ب 'مقولات السنين'، خلافا لاصحاب مبادرة العقوبات الذين يفكرون ب 'مقولات الشهور'ِ واكد صدام حسين في هذا الحديث على ان ليست لديه اية نية لسحب قواته من الكويتِ الشهر الرابع
في غضون ذلك استمر احتلال الكويت للشهر الرابعِ واصبح الوقت عاملا خطرا اكثر فاكثر بالنسبة لسكان الكويت والرهائن وقوات التحالف على السواءِ لهذا السبب لم نستقبل كمفاجاة تلك الواقعة بأنه بعد انتقال رئاسة مجلس الامن الى الولايات المتحدة سافر فورا وزير الخارجية الاميركي بيكر الى بلدان التحالف المناوئ للعراق واعضاء مجلس الامنِ اعطيت الموافقة على استقباله في موسكو بلا تاجيل، لأنه عدا ازمة الكويت، كانت هناك قضايا عاجلة اخرى تتطلب المناقشة: لقاء قمة مجلس الامن والتعاون الاوروبي المنعقد في نوفمبر والتوقيع المنتظر فيه على معاهدة خفض الاسلحة التقليدية في اوروبا، مشاكل الاسلحة الاستراتيجية، المشكلة الافغانيةِِ وضع جدول اعمال واسع بما فيه الكفاية لهذه الزيارةِ وصل وزير الخارجية الاميركي الى موسكو في 7 نوفمبرِ ونوقش موضوع الكويت معه على مرحلتين في اليوم التاليِ في بداية الامر مع ادوارد شيفرنادزه ومن ثم مع ميخائيل غورباتشوف باشتراك شيفرنادزه (وكانت ثمة مرحلة ثالثة في مقر وزارة الخارجية نظر فيها الى مسائل اخرى من حيث الاساس)ِ جرت المناقشات الخاصة بازمة الكويت بصعوبة بالغة بالنسبة للجانبينِ وكما كان منتظرا وصل بيكر حاملا فكرة رئيسية وهي اتخاذ مجلس الامن لقرار يصادق فيه على استخدام القوة ضد العراقِ وبنى بيكر برهانه على هذا المقترح النظري على النحو التالي: ـ من اجل تامين سمعة الامم المتحدة وعملها الفعال من المهم للغاية المحافظة على وحدة مواقف الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتيِ ومن المهم جدا شيء آخر ايضا وهو ينبغي تنفيذ القرارات التي اتخذها مجلس الامن وبالتالي يجب إيجاد اسلوب يؤمن تحقيقهاِ ـ افضل طريقة للتوصل الى التسوية السلمية هو إفهام صدام حسين بوضوح تماما بأن عليه الانسحاب من الكويت وإلا ستستخدم القوات متعددة الجنسية الموجودة في منطقة الخليج القوة ضدهِ ـ للولايات المتحدة وباقي المشاركين في التحالف الذين توجهت إليهم الكويت بطلب المساعدة، الحق الشرعي في استعمال القوة على اساس المادة 51 لميثاق الامم المتحدة بلا قرار إضافي لهيئة الامم المتحدةِ وتؤيد لندن وبعض البلدان الاخرى بالاضافة الى انصار آخرين هذه الطريقة في واشنطن ايضاِ غير ان الرئيس بوش وبيكر نفسه يعملان للحصول على تفويض من مجلس الامنِ ـ تتخذ بلدان مختلفة مواقف متباينة من مسألة منح العراق بعض الوقت قبل اللجوء الى استخدام القوةِ وترى الولايات المتحدة نفسها بأنه يمكن منحهم 7 ـ 8 اسابيع كحد اقصىِ وفضلت الكويت والسعودية والبحرين ومصر وإنكلترا مواعيد ابكرِ ـ يجب قبل ذلك زيادة القوات متعددة الجنسية في الخليجِ ولهذا اصدر الرئيس بوش تعليمات عن إرسال 149 الف جندي الى هناك وسيعلن عن ذلكِ وسترسل بلدان اخرى قوات إضافية ايضاِ وبعد إقرار مجلس الامن للقرار الجديد ستكون الزيادة إشارة مقنعة لبغداد وستزداد قناعتها لو اتخذ مجلس الامن قراره على مستوى الوزراءِ ـ تاليا، ستستمر العقوبات الاقتصادية اكثر من خمسة اشهر لكي تؤثر بصورة مطلوبةِ لذا لن يستطيع احد ما القول اننا سنقبل على إجراء العمليات العسكرية على عجل او قبل الاوانِ ـ لن يستطيع صدام حسين التحرك لو انه اقتنع بأن المجتمع الدولي سيتخذ موقفا حازما جدا لاقصى حد، وانه مستعد لاستخدام القوةِ بينما يحاول الآن كسب الوقتِ ـ ان الموقف المعروض هو الامل المتاح الوحيد في التسوية السلميةِ وفي هذا السياق نظر الى مسألة 'نافذة الإمكانات' للفعل العسكري المحتملِ فحسب التقديرات الاميركية تعتبر هذه النافذة ضيقة للغايةِ لأن العمليات الحربية في مارس وابريل ومايو مستحيلةِ لهذا السبب لو تمت المماطلة في اتخاذ القرار فسيعرف صدام حسين ان الخطر لم يعد جديا، حيث سيبدا موسم العواصف الرملية ومن ثم يحل رمضان ويحين بعدها موسم الحجِ وبالتالي، في حالة الاتفاق على إرسال إشارة دامغة، ينبغي القيام بذلك الآن، لأن 'النافذة' التالية لخدمة العمل العسكري ستظهر ليس قبل اغسطس ـ سبتمبر للسنة القادمةِ ومن المهم للولايات المتحدة ان تعود قواتها للوطن في اسرع وقت ممكنِ واشار بيكر الى انه يلاحظ ان العقليات المعادية للحرب تزداد في الولايات لمتحدة تحت تاثير الصراع بين الديموقراطيين والجمهوريين وان النهج المتخذ في البيت الابيض عموما ينطوي على خطر كبير بالنسبة للرئيس بوشِ فموافقة إدارة الجمهوريين عليه ليست يسيرة، فهي مدركة ان اي عمل عسكري سيتمتع بالتأييد في الولايات المتحدة لوقت محدود وغير طويل ولن يتمتع بعد هذا بالشعبيةِ ينتج عن ذلك ان موقفا جديا سينشأ من تخطيط العملية العسكرية نفسها التي ستكون مختصرة جدا (بالطبع لن تكون مثل حالات بنما وغرينادا ولن يتم تكرار ما حصل في فيتنام)ِ ونوقشت مسألة: كيف سيرد صدام حسين فعلا في حالة اتخاذ قرار المصادقة على استخدام القوةِ شك شيفرنادزه في ان القرار، سيؤثر تاثيرا واضحا ولازماِ وراى بيكر ان صدام حسين الذي لا يقول له محيطه كل الحقيقة سيفهم القرار ومن الممكن تماما انه سيتخذ في الاول من ديسمبر خطوات ما بالرغم من ان ذلك ليس حتمياِ غير ان شيئا واحدا فقط يمكن إزاحته من الموقف الراهن: عليه ان يعرف ان القوة ستستخدمِ وكان بيكر في غضون ذلك يعتقد ان صدام حسين سيسحب قواته محتفظا بإحدى الجزر وحقل النفط واعتبر ذلك تقدماِ وفي هذه الحالة يجب تحديد الموقف وكيفية التصرف فيما بعدِ وستكون إعادة حكومة الكويت الشرعية وإبقاء القوات في المنطقة ومواصلة الضغط على بغداد واحدة من الطرقِ وطرق المحادثات ممكن ايضاِ وقال وزير الخارجية الاميركي ردا على السؤال الدقيق بصدد ادعاءات بغداد الإقليمية ان الطريقة المقبولة الوحيدة إذا لم نشجع تكرار ما حصل في الثلاثينات هي تنفيذ قرارات الامم المتحدةِ ولا يجوز التسليم باحتلال صدام حسين للكويت ومن ثم يقطع له قطعة من هذا البلدِ وذكر القصة مع مقاطعة سوديتسكايا وتشيكوسلوفاكياِ عارض وزير الخارجية (لم يذكر المؤلف سهوا من منهما ولكنه يقصد بيكر على الارجح لأن الحديث ما زال له ـ ج) بانفعال الاحاديث الخاصة بالسماح لصدام حسين إنقاذ ماء وجههِ وراى انه ليس ثمة فرق بين إنقاذ ماء الوجه ومكافاة المعتديِ واعتبر بيكر ان بغداد تتاجر في الآونة الاخيرة بالرهائن وتستخدم الساسة السابقين في حيلها مثل نكاسوني وهيت وبراندت الذين يقدمون في زياراتهم الى بغداد خدمة الى صدام حسين، حيث يظهر امام شعبه بصورة الزعيم الفعال الذي يسجد امامه كل يوم تقريبا اجانب مرموقونِ وهذا يدلل على اهمية إقناع بغداد على متانة الاتفاق الدولي بواسطة قرار لمجلس الامنِ قام بيكر بعدة خطوات غير مكشوفة بصدد انضمام الاتحاد السوفيتي الى العملية الحربيةِ ولم يبد رفضه الثابت في هذا الصددِ تجدر الإشارة الى ان بيكر وصل الى موسكو دون ان يحمل نصا ما لمشروع القرارِ ولذا لم تناقش اية صيغة لهِ وركز الحديث على الطابع المبدئي للقرار: يقر ام لا يقرِ وصرح بيكر بوضوح بأنه إذا اقر مجلس الامن ذلك فإن الولايات المتحدة لن تتمكن من الاستفادة من المادة 51 للميثاق قبل مضي الموعد المقرر في القرارِ وان القرار نفسه لن يقضي باستخدام القوة تلقائيا (كان هذا مهما جدا بالنسبة لنا إذا اخذنا في الاعتبار ان آلاف المواطنين السوفيت ما زالوا في العراق)ِ واشار بيكر قائلا: نطلب تاييدكم لأننا وانتم على حق ولأننا ندافع عن اهم مبدأ اشتركنا من اجله في الحرب العالمية الثانية وهو عدم الجواز والسماح بنجاح المعتديِ وقال: ندرك انكم لم تتمكنوا من الانضمام للعمل العسكري بسبب مشاكلكم الداخلية وافغانستان وغيرهاِ نطلب منكم فقط الا تعترضوا على اعمالنا وبالاخص اننا على استعداد للانتظار وإعطاء الوقت لكي تعمل العقوبات عملهاِ هكذا طرحت في موسكو المحادثات الخاصة باتخاذ القرارِ ولم يعط شيفرنادزه لبيكر ردا ملموسا، واشار الى انه شخصيا يرى ديناميكية موقف مجلس الامن بشكل مختلف بعض الشيءِ لكن تقدم الجانب الاميركي بحجج جدية بما فيه الكفاية سيساعد على إعادة البحث في موضوع القرار بعد 10 ايام في باريس خلال لقاء قمة الامن والتعاون الاوربيةِ على قدر ما اعرف، عرض بيكر على الرئيس السوفيتي بتركيز شديد سبب وصوله الى موسكو واية افكار ومقترحات يحملِ والفكرة الجديدة الوحيدة التي سمعت من جانبه كانت انتقاد صدام حسين الذي كان يدعو بعض اعضاء الكونغرس الاميركي الى بغداد لإطلاق عدد معين من الرهائنِ وركز غورباتشوف الذي اخبره شيفرنادزه بنتائج مباحثاته مع بيكر اهتمامه الرئيسي على الوحدة السوفيتية ـ الاميركية امام التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي بضم الكويت ومحاولات بغداد الرامية الى شق اعضاء مجلس الامن الدائمين والتفريق بينهمِ واكد ان الجانب السوفيتي لن يقوم باية خطوة منفردة ومنفصلةِ وأشار الرئيس الى أننا حتى لو انطلقنا الآن فإن الحل العسكري موجود، إلا اننا لا نغير من حيث المبدا موقفنا ونفضل التسوية السياسية التي يجب السعي إليها حتى اللحظة الاخيرةِ ومن البديهي ان هذه التسوية يجب ان ترسي العدل والقانون الدولي المداسِ واقترح الرئيس التفكير في مرحلتين: في بداية الامر سيطلب مجلس الامن بشكل إنذار نهائي تنفيذ قراراته ويعين لذلك موعدا نهائياِ وبعد انقضاء الموعد يعود مجلس الامن من جديد للنظر في الحالةِ فإذا بقى كل شيء بلا تغيير فإن قرار استخدام تدابير ما بما فيها التدابير الحربية سيفهمه الجميعِ لم يعجب بيكر مخطط المرحلتين لأنه يؤجل القرار النهائي الى وقت غير محدودِ وذكر بأن بغداد قد بصقت فعلا في وجه المجتمع الدولي عندما رفضت قرار مغادرة الكويت فوراِ وإذا عين المجتمع الدولي لها موعدا ما فإن ذلك سيكون خطوة الى الوراءِ ومع ذلك قام بيكر بخطوة إيجابية صغيرة بإعرابه عن استعداده لمناقشة الرئيس بوش بشان إبعاد ما للموعد الاخيرِ وفي النتيجة تم تاكيد الاتفاق على العودة الى موضوع القرار في باريسِ ابدى الصحافيون اهتماما فائقا لمحادثات بيكر في موسكوِ وكانوا في الغرب يكتبون كثيرا عن اختلاف مواقف الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة التي تتسع كما بدا لهم من ازمة الخليجِ ويؤكدون على ذلك في رحلات بريماكوف الخارجية وبعض تصريحات غورباتشوف العلنيةِ قال مثلا رئيس الاتحاد السوفيتي في باريس نهاية اكتوبر ان استخدام القوة ضد العراق غير مقبولِ واثار حالا موجة من المضاربات (كان بريماكوف يخمد هذه الموجة وقال للصحافيين خلال استقبالهم المهيب في الكرملين في 7 نوفمبر ان اقوال الرئيس لم تفهم بشكل صحيح لأنه لو لم ينصرف العراق من الكويت فإننا سنواجه الحالة الجديدةِ وكان شيفرنادزه وبيكر يردان على اسئلة الصحافيين بحذر لأنه 'لم يكن ثمة اتفاق رسمي على القرار'ِ ومع ذلك انتبه الجميع الى ان شيفرنادزه بإشارته الى ضرورة التسوية السياسية، لم يستبعد إمكانية اللجوء الى القوةِ استقبل الامر كإشارة كبيرة الخطورة بلا شكِ وفي 12 نوفمبر قال كولوتوشا لسفير العراق المهتم بنتائج زيارة بيكر الى موسكو بصراحة ان موقف بغداد القاسي والمتحدي يعطي للاميركان حججا دامغة اكثر فاكثر لصالح استخدام الوسائل العسكرية ضد العراق بهدف إجباره على ترك الكويتِ ومن الطبيعي ان نسمع من الجانب العراقي التاكيد على حقوق العراق التاريخية في الكويت وان ضم الكويت خطوة لا رجعة فيهاِ سافر بيكر من موسكو الى لندن ومن ثم الى باريس للقاء الرئيس ميترانِ وبعدها تحادث مع وزراء خارجية البلدان الاعضاء في مجلس الامن وكندا واثيوبيا وزائير وكون دي ايفوار ورومانياِ وتحدث مع وزير الخارجية الصيني من قبل في القاهرة عندما كانا يقومان برحلة في الشرق الاوسطِ وعرفت بعد مرور سنوات اثناء قراءتي لكتاب بوش وسكوكروفت بأن ميخائيل غورباتشوف الذي لم يلق تاييد بيكر لفكرة القرارين، توجه في هذه المسألة الى الرئيس الاميركي برسالة شخصيةِ وعارض الرئيس (الاميركي ـ ج) ذلك بمجموعة من الحجج الكبيرة، الامر الذي اقنع ميخائيل غورباتشوف على ما يبدو عدم العودة الى هذا الموضوعِ وفور رحيل بيكر، بدأنا الإعداد للقاء باريسِ وكنا ندرك ان من الحسن استطلاع رأي اكثرية اعضاء مجلس الامن والدول العربية الرئيسية، خاصة بعد وضوح نهج بغداد القاسي وروح المحاربة والمواجهة التي تعلن عنها وتهديداتها وسلوكها في الكويت، ومعاملة الاجانب الفظة التي اثارت استياء الجميع لدرجة انه لم تبق اية اسس قانونية وسياسية واخلاقية تعارض تقديم الإنذار النهائي (وبالاخص مفعوله المؤجل)ِ وكان من غير الممكن إبقاء الحالة المتكونة لوقت غير محدودِ وانطلقنا في غضون ذلك من انه بالنسبة لنا وللعراق على السواء يكون من الافضل إعطاء مجلس الامن مجالا للمسؤولية عن منح الذين يستعدون للفعل وفقا للمادة 51 لميثاق الامم المتحدة الخاصة بالحق عن الدفاع الفردي والجماعيِ لذا وجه البحث قبل باريس، ليس لاتخاذ قرار جديد لمجلس الامن، بل لصياغة مبادئه العملية بشكل افضلِ وفي سير إحدى المناقشات مع شيفرنادزه، اوحى نائبه اناتولي كوفاليوف بالفكرة الجيدة التالية: تسمية المرحلة بين اتخاذ قرار مجلس الامن والموعد النهائي بتوقف 'النوايا الحسنة' كانت هذه الخطوة مصوبة لبغداد لإفهامها بأن القرار هو دعوة وليس تهديدا، دون ان يتغير جوهر القرار الرئيسي جراء ذلكِ وظهر كذلك اقتراح بعدم اتخاذ مجلس الامن اية تدابير إضافية ضد بغداد في مرحلة 'التوقف' المذكورةِ وانحصر المقترح الآخر في عدم ذكر بشكل مباشر استخدام القوة ويتحدد بالصيغة 'كل الوسائل الضرورية'ِ واخيرا كنا نريد إيصال الامر لكي يستمر توقف 'النوايا الحسنة' لوقت اطول قدر الإمكانِ اعلمنا ميخائيل غورباتشوف بمجموعة المقترحات وحسب علمي لاقت استحسانهِ
الوقت لمصحة من؟
وافق شيفرنادزه على ضرورة البحث عن طرق لزيادة الضغط على بغداد واعرب عن شكوكه في وجوب اللجوء الآن للبرهنة على استخدام القوة لأن هذا الاسلوب الاخير هو للجم المعتديِ ومكنت المسائل التي طرحها امام وزير الخارجية الاميركي من توضيح بعض الظروف الخاصة بتقدير الحالة وطرق التغلب على الازمةِ اقف عند بعضها: بحث قبل كل شيء في مسألة العقوبات الاقتصاديةِ لأن شيفرنادزه كان يعتقد بأن صعوبات هائلة ستنشأ في كل الاحول لصدام حسينِ وتساءل عن ضرورة العودة الى مجلس الامن لتقويتها ورفع فعاليتهاِ ورأى بيكر من جانبه، انه لم تتخذ الامم المتحدة في تاريخها عقوبات اكثر فاعلية وإلى هذا الحد وانها فاعلة تقنيا بنسبة 95 % وتراقب بحزم من الامم المتحدة والولايات المتحدة والمجتمع الاوروبي على السواءِ وفي النتيجة لا يستطيع العراق بيع النفط في الاسواق الدولية ولا يستطيع تنفيذ عمليات مالية واستيراد قطع الغيار والمعدات الصناعية، وقد اوقف التصدير والاستيراد من و الى العراقِ من الممكن ان بعض المواد الغذائية يتم تسريبها عبر إيران، غير ان الإمدادات من الاردن توقفتِ غير ان للعراق مستوى عاليا للإنتاج الزراعيِ زد على ذلك فإن صدام حسين مستعد لأن يقسو على مواطنيه ويعيشهم في فاقة على ان يجبره احد على التراجعِ راى شيفرنادزه بأنه يوافق على ان القسوة والاساليب الدكتاتورية ستمكن بغداد من البقاء لمدة طويلة، غير ان العقوبات ستنشئ مشاكل كبيرة للعراق، وعلينا الا نستخف بها لأن موارد العراق محدودة وسيحين فيه الوقت الذي سيكف عن التعنتِ ونوقشت مسألة الوقت وهل يعمل لصالح بغداد او التحالف؟ِ وظن بيكر بأن الوقت يعمل في الحالة الراهنة على الارجح لصالح صدام حسين اكثرِ والحجة الرئيسية انحصرت في ان صدام حسين يأمل في الصمود فترة اطول ويحاول استغلال الوقت لشق التحالفِ يرى مثلا ان الرئيس فرانسوا ميتران ادلى في الامم المتحدة بتصريح ذي معنيين ويرى ان المبعوثين يزورون بغداد وفي غضون ذلك يتاجر بالرهائن ويأمل في شق الائتلاف الدولي في نهاية الامرِ واستشهد بيكر بآراء دول الخليج ومصر وسوريا بأن الوقت يعمل لحد الآن لصالح المعتدي بالذات فهو يواصل جمع النقاط في الرأي العام في الاردن وتونس والجزائر واليمنِ وتتحكم بغداد بمهارة في الرأي العام العربي وتتسع إمكاناتها في هذا الاتجاه لو راى الجميع ان التحالف يتفكك ولا يعتزم القيام بشيءِ وحسب رأي بيكر، سيعمل الوقت لصالح المجتمع الدولي لو تؤدي عقوبات الأشهر الخمسة مثلا، إلى إشارة واضحة لصدام حسين بأن الوقت قد حان لمغادرة الكويتِ
يتبع ..... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الخميس يوليو 30 2015, 20:05 | |
| الحلقه 19 كان ثمة أمل في البداية في أن بغداد تريد انتهاز هذه المبادرةِ وزاد هذا الأمل أن النائب الأول لرئيس الوزراء العراقي طه ياسين رمضان أرسل على عجل الى المغربِ وأجرى نائب رئيس الوزراء سعدون حمادي المباحثات مع ملك الأردن ومن ثم سافر الى ليبيا وتونس والجزائرِ ودفعت مبادرة المغرب الاتصالات العربية الاستثنائية الأخرى: ذهب الرئيس المصري حسني مبارك الى ليبيا ومن هناك الى دمشق وكانت الدبلوماسية السعودية نشيطة جداِ غير أن الآمال تناثرت بسرعة وانهارت كبيت صغير من الورقِ وخربت بغداد نفسها فكرة عقد القمة لأنها قدمت شروطا تعجيزية للمشاركة فيهاِ وأهم هذه الشروط: إلغاء قرارات القمة العربية السابقة والموافقة على مناقشة مشكلة الكويت في سياق مشاكل المنطقة الأخرى فقط وخاصة المشكلة الفلسطينيةِ صرح رمضان علنا بذلك مكيلا هجوما شخصيا ضد الرئيس مبارك والملك فهدِ ردا على ذلك، قال وزير الخارجية السعودية ان لقاء القمة سيكون فقدانا للوقت وعديم الجدوى إذا لم يعلن العراق بوضوح استعداده لتنفيذ قرارات مجلس الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة ومغادرة الكويتِ وأعرب حسني مبارك وحافظ الأسد سوية عن خيبة أملهما من موقف بغدادِ وفي هذه الظروف كنا نطرح مع بيتروفسكي في سير مشاوراتنا في العواصم العربية طرق التغلب على الأزمة وشق الصف العربي وحثهم على تنشيط جهودهم لأجل الخروج السلمي من الأزمةِ وثمة حادث آخر: وصل الى بغداد في 14 نوفمبر وزير الخارجية الإيراني ولايتيِ وكانت هذه الزيارة الأولى بمثل هذا المستوى الى العراق في السنوات العشر الأخيرةِ وبطبيعة الحال استلفتت الانتباه وبالأخص لدى بلدان الخليج حيث كان علي أن أجري المباحثات عن الحالة التي كان من الممكن أن يتوقف عليها الكثير في حالة تغيير طهران لموقفها السلبي من الاستيلاء على الكويت وأية تنازلات إقليمية لصالح العراقِ في صنعاء مع الرئيس صالح
وضعت اليمن النقطة الأولى لمساريِ ولم تكن ثمة أهمية لزيارة العواصم بشكل دوريِ غير أن اليمن كانت تحتل موقفا خاصا من بين البلدان التي أزورها، علاوة على أنها عضو في مجلس الأمنِ لذلك كان ثمة معنى معين لزيارتها قبل الآخرينِ وصلت الى صنعاء في 14 نوفمبرِ وكنت أعرف جيدا سفيرنا في اليمن فينيامين بوبوف الذي مضى هناك عدة سنوات ودرس الأوضاع في البلد حسناِ وأخطرناه بأن الحديث مع الرئيس اليمني صالح سيكون معقدا جداِ استقبلني علي عبد الله صالح في اليوم التالي في مقره الشخصي بحضور وزير الخارجية عبد الكريم الأرياني الذي التقيت به كثيرا من قبلِ رأيت صالح لأول مرةِ كان عمره في ذلك الوقت 48 سنة وترأس اليمن الشمالية أثناء السنوات ال 12 الأخيرة ومن مايو 1990 ترأس جمهورية اليمن بعد توحيد الشطرين الشمالي والجنوبيِ وبعد التوحيد ضمت اليمن أكثر من نصف العرب في الجزيرةِ
استمر حديثنا ثلاث ساعاتِ كان مخلصا ووديا من حيث اللهجةِ غير أن الاختلافات في المواقف كانت كثيرة ومنها ادعاءات الجانب اليمني العديدة حيال موسكوِ وانقسم الحديث الى جزءين: تكلمنا في البداية عن الشؤون الدولية ومن ثم عن العلاقات السوفيتية - اليمنية الثنائيةِ وشعرت في الحالتين بقلق ملحوظ إن لم أقل عصبية الرئيس بصدد مجرى الحديثِ وتطبيقا للوضع الدولي كان شيئان يقلقان بشدة اليمنيين: الحضور العسكري الأجنبي وقبل كل شيء الأميركي في الجزيرة العربية والمساحة المائية المتاخمة وعلاقات اليمن المتوترة مع السعوديةِ ورأى الرئيس ان ظهور الأميركان في الإقليم بهذا العدد ليس من أجل اليمن بالمرة، بل ل'تخويف' الجميع وفرض سيطرتهم المباشرة عليهمِ وكان يعتقد بأن القوات الأميركية لن تنصرف من الإقليم واتهم السعوديين الذين جاءوا بالقوات الغربية بدعوتهم لهاِ ونحى صالح في غضون ذلك مسألة استيلاء العراق على الكويت جانباِ بدا كأنه يوافق على أن التدخل العسكري في بلد آخر أمر غير حسن وكان يستغرب في الوقت نفسه لماذا لا تريد القيادة السوفيتية التعمق بالأسباب التي أجبرت صدام حسين للإقبال على هذا الفعل ولماذا أيد الاتحاد السوفيتي اتخاذ مجلس الأمن لقراراته المعروفة (امتنعت اليمن نفسها عن التصويت على خمسة قرارات من 10 اتخذت حتى هذه اللحظة)ِ
وظن الرئيس ان كل شيء يمكن حله بمنتهى البساطة إذا أعطى الاتحاد السوفيتي ضمانات كافية بأنه لن تكون هناك ضربة عسكرية ضد العراق وإعطاء العراق جزيرتي وربة وبوبيان وحقل الرميلةِ وأعرب الرئيس عن اعتقاده بأن 'الأميركان يريدون إحراق الإقليم' ووصف ذلك بالإرهابِ وأعرب عن رغبته في أن تحلل القيادة السوفيتية من جديد الحالة عامة وتعيد النظر في موقفها مما يحدثِ وانتقد الرئيس بشدة القرار الذي يريد مجلس الأمن اتخاذه قريباِ يفهم من سير مناقشتنا الطويلة مع صالح بأنه بالرغم من أن كل واحد منا بقي محتفظا برأيه، إلا أن الحديث لم يكن عديم الجدوى بالمرةِ بل ان هذا الحديث مكننا من معرفة طريقة تفكير الزعيم اليمني ومنحنا ذلك تصورا واضحا عن ماهية الحياد الذي يعلنه اليمن رسميا بالنسبة للنزاعِ ولا أشك في أن ثمة شيئا مشتركا مهما في مواقفنا وهو في الدور الأول إدراك خطورة بقاء الأزمة وضرورة الإسراع في حلها سلمياِ كانت العلاقات اليمنية - السعودية متوترة بالفعلِ ولم يتجاهلوا في الرياض بالطبع، أن اليمن كان من بين الذين رفضوا تأييد القرار الخاص بإرسال قوات عربية للدفاع عن السعودية المتخذ في القمة العربية المنعقدة في أغسطسِ وكان رد الفعل هناك أكثر حدة على التظاهرات التي جرت في اليمن ضد دعوة السعودية للقوات الأجنبيةِ وحرمت السلطات السعودية ردا على ذلك، قرابة مليوني يمني من الساكنين في بلادها الوضع التفضيلي الخاص وساوتهم مع باقي المهاجرين العربِ ومعنى ذلك أن على اليمني لكي يجد عملا والحق في السكن الحصول على كفالة من سعوديِ ولم تكن هذه الإجراءات أمرا بسيطاِ وفي النتيجة اضطر آلاف اليمنيين ترك السعودية والعودة الى وطنهمِ وذكر الرئيس صالح في حديثه معي رقم 750 ألف شخصِ وهذا الرقم كان كبيرا جدا لبلد عدد سكانه نحو 11 مليون نسمةِ وهكذا أحرج العدد الكبير من النازحين حالا وضع اليمن، الذي كان يعد في ذلك الوقت أكبر بلد في الجزيرة من ناحية عدد السكان والأكثر فقرا، بمشاكل البطالة والاجتماعية الأخرىِ وأنهت الحكومة السعودية في الوقت نفسه التغذية المالية لجارها الجنوبيِ ومع ذلك لم يتشكل انطباع بأن القيادة اليمنية لم تكن تنوي تصحيح خطها السياسي الخارجيِ وأكدت الشهور اللاحقة ذلكِ وجرت مناقشة بعض المسائل الثنائية الأخرى التي بدأها الرئيس صالح بعتاب حملني على الاستغراق: 'موسكو تضيق علينا الخناق'ِ واتضح فورا انه يقصد رغبة وزاراتنا ومؤسساتنا الحصول من اليمن على ديونها وتحويل التعاون العسكري الى مجرى مالي جديدِ فمن الصعب إبقاء كل شيء كالسابق، لأن الصعوبات المالية نشأت لدى الاتحاد السوفيتي نفسهِ أما الرئيس اليمني فكان يريد أن يبقى كل شيء كما كان في السابق وأن يستمر اليمنيون التعلم في الأكاديميات والمدارس العسكرية مجانا وأن يتقاضى الخبراء السوفيت المبعوثون الى اليمن مكافآت زهيدة للغاية، وأن تورد الى اليمن دفعات أسلحة وقطع غيار جديدة (بالدين من جديد) وأن تجمد المدفوعات حسب الاعتمادات القديمة والنسب المئوية للسنتين أو الثلاث سنوات القريبةِ وكانت للرئيس ادعاءات تجاه عاملي المجال النفطي السوفيتِ كان للاتحاد السوفيتي في اليمن بالطبع، مصالحه ( دخول السفن، المرابطة الجوية ِِِالخ ) التي كان يقتضي تأمينها خدمات جوابية معينةِ غير أن الحالة العامة وإمكانات الاتحاد السوفيتي، المالية بالأخص، تغيرت بسرعة ليس بالاتجاه الأحسنِ وللأسف، لم يكن شركاؤنا في الخارج مستعدين لأخذ ذلك في الاعتبار على الدوام والاقتناع في الحالة الجديدةِ ومع ذلك نفذت وعدي للرئيس صالح وبعثت الى موسكو برسالة تفصيلية تخص كافة قضايا التعاون الثنائي التي طرحهاِ في القاهرة مع الرئيس حسني مبارك
في 15 نوفمبر وصلنا من صنعاء الى القاهرةِ لم أزر القاهرة منذ صيف 1986 عندما انتقلت من منصب السفير في مصر الى العمل في نيويوركِ وكنت أنتظر رؤية البلد مجددا بفارغ الصبرِ فالعاصمة المصرية ليست كبيرة فحسب، بل مدينة تتطور بصورة ديناميكيةِ وطاب لي على وجه الخصوص عندما احتلت السفارة مبنى جديدا على كورنيش النيلِ وعندما قابلت في عام 1986 الرئيس حسني مبارك لأودعه، قال انني سأرحل عنه مع هدية جيدةِ وكانت الهدية هي البيت السكني نفسه الذي صادره منا في وقت مضى أنور السادات وأعاده الآن الرئيس المصري الى صاحبه الشرعيِ عين مستعربنا المعروف فلاديمير بولياكوف سفيرنا في مصر للمرة الثانيةِ وهذا أمر يحصل نادرا في العمل الدبلوماسيِ وانتصر العدل في هذه الحالة بعد أن اضطر للمرة الأولى الى ترك مصر قبل الموعد بسبب تغيير النهج السياسي الحاد لأنور الساداتِ ناقشنا بالتفصيل أزمة الكويت مع مدير ديوان الرئيس أسامة الباز ومن ثم مع وزير الخارجية عصمت عبد المجيد وفي النهاية مع الرئيس حسني مباركِ كان الحديث في القاهرة يسيرا، لأننا كنا مع الرئيس بعمر واحد تقريبا وعرفنا بعضنا البعض والأهم بسبب تقارب مواقف الاتحاد السوفيتي ومصر بصدد الأزمةِ ولم تكن ثمة حاجة لإقناع أحد ما بشيء ماِ ولوحظ حسب حديث حسني مبارك أنه اعتبر نفسه مخدوعا من صدام حسين ومس كرامته بكلامه اللاذع وتأثر لأن أكثر من 270 ألف مصري اضطروا بعد 2 أغسطس ترك العراق والكويت حيث كانوا يعملون بإخلاصِ وفي الوقت نفسه، كان من الواضح أن الانشقاق الحاصل في العالم العربي وبالأخص التصادم العسكري لا يتفق بالمرة مع تطلعات الرئيس وعن كيفية توجيه زمام الأمور في المنطقةِ وكانت مصر أول بلد استجاب لنداء الكويت والسعودية للمساعدةِ ارسلت مصر في البداية لواء مهمات خاصة ومن ثم فرقة آلية ولواءين للمدفعية وفرقة للدباباتِ وكانت القاهرة مثل موسكو، تفضل الحل السياسي وتعتقد أنه ينبغي منح بغداد بعض الوقت للتفكيرِ واقترح الرئيس مبارك في اليوم نفسه علنا، تأجيل استخدام القوة ضد العراق لشهرين أو ثلاثة، أملا في إنهاء الأزمة في هذا الوقتِ وكان موقف القيادة المصرية إيجابيا من أن مجلس الأمن صادق في مسألة استخدام القوة ويضع بهذه الطريقة بغداد أمام خيارين: إما الانصراف الطوعي من الكويت أو الحرب ضد التحالفِ وقال حسني مبارك: نوجد بين نارينِ من جهة لا نريد الحرب وتدمير العراق ولا ندعو الى الضربة العسكريةِ ومن جهة أخرى لا نستطيع التسليم باحتلال الكويتِ ويمكن النظر في الادعاءات العراقية وراء طاولة المحادثات بعد سحب القوات العراقية الكامل من الكويت وتطبيق قرارات الأمم المتحدةِ ولكي نتوصل الى الحل السلمي يجب أن يدرك صدام حسين أنه اذا لم ينصرف في الوقت المناسب فان الضربة ستكون حتميةِ ولن يكون له دافع للمغادرة إذا لم يحدد موعد نهائي وتهديد مادي مقنع بالضربةِ وهناك مجال للمرونة من خلال الضغط العسكري والسياسي على السواءِ ورأى مبارك أن على الاتحاد السوفيتي وأعضاء مجلس الأمن الآخرين أن يحددوا وقتا معينا وواضحا لبغداد للانصراف من الكويتِ وأن لا يحاولوا التقدم بمبادرات جديدة لصدام حسين تترك له انطباعا كاذبا عن إمكانية المحافظة على ما استولى عليهِ فهو يحاول المماطلة في حل المشكلة وإيجاد ثلم في الائتلاف والمساومةِ وأشار مبارك الى أن الذي يريد الحل السلمي يجب ألا يقدم على الدوام مبادرات سلمية وألا يدخل في مساومات على المبادئِ لأن بغداد لا تزال ترى أن ثمة طريقة ثالثة ما تمكنها من إدارة الأزمة بمساعدة التكتيك والمماطلة والمناورةِ ورأى الرئيس أنه كلما زاد عدد المبادرات، قل وضوح المواقفِ وقال مبارك ان المبادرة الفلسطينية خاطئة لأنها تقضي بتنازلات إقليمية للعراقِ وأصر على التمسك بثبات بقرارات الأمم المتحدةِ ولم يرق للمصريين أيضا فكرة العاهل المغربي بعقد لقاء قمة عربية، لأن الانشقاق في العالم العربي لن يمكن من عقدها بشكل بناء ومقنعِ وعامة، لم يروا في القاهرة أن بإمكان العامل العربي لعب دور ملموس في مثل هذه الظروف وراهنوا على مجلس الأمن والتحالفِ ودعا الرئيس، الاتحاد السوفيتي الى مواصلة إقناع صدام حسين بأن ليس لديه اي خيار آخر وأن له خيارا واحدا مقبولا هو مغادرة الكويتِ ونصح حسني مبارك في غضون ذلك بعدم الاهتمام بانتقادات بغداد لموقف موسكو ومحاولتها زعزعة هذا الموقف ومحاولتها ايضا الإظهار بأنه ليس لدى موسكو كما تزعم، سياسة خاصةِ وأن الاتحاد السوفيتي ينجر خلف الولايات المتحدةِ وأشار الرئيس الى أن أكثرية البلدان العربية تتفهم أن الأمر ليس على هذا النحو ويجب ألا نسقط من الحساب تأثير الدعاية العراقية في بعض البلدانِ ونصح في هذه الناحية بتقوية اهتمامنا بتوضيح الموقف السوفيتي مع السودانيين والتونسيين والفلسطينيينِ وأشار الى تواجد الأحزاب الموالية للعراق في موريتانيا والأردن واليمن تتغذى من المعونات العراقيةِ وتناولت في أثناء الحديث في القاهرة كذلك مسائل نظام الأمن المستقبلي في الإقليمِ وشدد الجانب المصري على أربعة شروط: لابد من مشاركة مصر في هذا النظام، تدمير الأسلحة النووية والجرثومية والكيميائية في الإقليم، عقد مؤتمر التسوية الشرق أوسطية والعلاقة بين الأمن والتطور الاقتصادي لبلدان الإقليم (تطبيقا للظرف الأخير ظهرت فكرة تقديم مساعدات خليجية للبلدان العربية الفقيرة)ِ ولم نناقش في الأحاديث الرسمية مسائل العلاقات السوفيتية - المصرية وثبتنا فقط بارتياح تطورها بتصاعد واتفقنا على مواصلتها وتنسيقهاِ ومهما كان مكوثي في مصر لطيفا، لكني اضطررت السفر في المساء نفسه الى جدة حيث كان يمكث هناك الملك السعودي فهدِ
في جده مع الملك فهد
تعتبر جدة العاصمة السعودية الثانية، حيث يقضي الملك جزءا معينا من السنة فيها لأن الحياة على ساحل البحر الأحمر أفضل من الناحية المناخية من الرياضِ غير أن لخريف 1990 خاصية وهي ازدياد عدد الأجانب بوصول القوات الأجنبيةِ وصلنا الى جدة في ساعة متأخرة من الليلِ وبما أنه لم تكن في السعودية في ذلك الوقت ممثليات سوفيتية فقد استقبلنا الرسميون السعوديون فقطِ انتظرتني في الفندق مفاجأة سمعتها بالراديوِ دار الحديث حول تصريح يفغيني بريماكوف في جريدة 'نيويورك تايمز' عارض فيه اتخاذ مجلس الأمن لقرار استخدام القوة ضد العراقِ واقترح بريماكوف القيام بمحاولة أخرى بغية إقناع صدام حسين ترك الكويتِ وأكد أن هذا قد يتم لو مكناه من إنقاذ ماء وجههِ واقترح بريماكوف أن يرسل أعضاء مجلس الأمن الدائمين وجامعة الدول العربية سوية كمبعوثين الى بغداد حاملين بعض الحوافز المناسبةِ وقيل في الحديث ان هذه المجموعة يجب أن تكون كبيرة وتتضمن آراؤها ربط أزمة الكويت بالتسوية الشرق أوسطية بما في ذلك المشكلة الفلسطينية وكذلك بعض الوصفات التي كانت تقترحها جامعة الدول العربية في حل المسائل المتنازع عليها بين العراق والكويتِ ويرى بريماكوف بأنه لو لم يرض صدام حسين بذلك فيجب في هذه الحالة اتخاذ قرار استخدام القوة في مجلس الأمن والإقدام حالا على العملية العسكريةِ ونتج عن خبر الإذاعة بأن بريماكوف أدلى بهذه الآراء قبل عدة ساعات في نيويورك، ورأى أن مثل هذه الأفكار ستقدم من قبل غورباتشوف بعد أيام في باريس أثناء لقائه مع جورج بوشِ سمعت هذا الخبر الإذاعي ولم أصدق أذنيِ فقبل يومين فقط عندما غادرت موسكو كان تنظيم سلوكنا في باريس مختلفا تماماِ ولم تحتو المحادثات مع بيكر التي جرت قبل أسبوع واحد فقط في موسكو على اصغر تلميح الى إمكانية هذا التحول في الموقف السوفيتيِ وأهم شيء عكر نفسي هو الإشارة المباشرة الى أن موقفنا في باريس سيكون على هذا النحوِ لقد التقيت مع بريماكوف أكثر من مرة وأعرفه كشخص مسؤول لا يرمي كلامه أدراج الرياحِ وفي غضون ذلك علي أن التقي بالملك فهد في الصباح بصفة ممثل ميخائيل غورباتشوف وعلي تشخيص الخط الذي يجب أن أتمسك به في حديثي مع الملكِ الخط السابق أو الخط الجديد الذي قبله الرئيس السوفيتيِ وكان هناك مخرج واحد: يجب الاتصال فورا مع موسكوِ وتصرفت هكذاِ ولحسن الحظ اتصلت هاتفيا بسكرتارية ادورد شيفرنادزه بسهولةِ وتكلمت مع المناوب وبعد أن وصفت له الحالة طلبت منه اطلاعي على الأمرِ لم تكن للموظف المعلومات التي كنت بأمس الحاجة إليها ووعد بتوضيح جوهر المسألة على أن أهاتفه بعد ساعةِ بعد أن نقرت رقم موسكو من جديد اتضح كل شيء حالاِ أخبروني بأن موقفنا كالسابق وأن يفغيني بريماكوف موجود في نيويورك بزيارة وأدلى برأيه الشخصي على ما يبدوِ وفي اليوم التالي عرفت بأن بريماكوف أدلى بآراء ( طابعها شخصي ) في حديث آخر للتلفزيون الأميركي أثارت ضجة كبيرةِ
تحرك سوفييتي في المنطقة
أثناء الحديث بين شيفرنادزه وبيكر في 8 نوفمبر حول العمل مع بلدان المنطقة، ذكر وزير الخارجية الاميركي أن نائبه كيلي يقوم الآن برحلة إلى البلدان العربيةِ واشار شيفرنادزه في هذا الصدد، الى أن الجانب السوفيتي ينوي أيضا إرسال نائب وزير الخارجية الى المنطقة في أقرب وقتِ وعلى هذا الأساس، كلفني شيفرنادزه في اليوم نفسه بوضع جدول هذه الرحلة التي ينبغي أن تستمر عشرة أيامِ نظرت في مختلف الطرق وجداول مواعيد الطائرات واستنتجت أن هذا الدور يجب أن يكلف به مبعوثان أو نائبان لوزير الخارجية في آن واحدِ واقترحت فلاديمير بيتروفسكي شريكا لي في هذه المهمةِ أيد الوزير هذه الفكرة وانقسمنا مع بيتروفسكي: بحيث سيجري المباحثات مع بلدان المغرب وأنا سأجريها مع مصر وسوريا وبلدان الجزيرةِ استلمنا وضع الممثلين الخاصين لرئيس الاتحاد السوفيتي، الأمر الذي رفع من إمكانية الالتقاء بأوائل المسؤولين في الدول التي نتوجه إليهاِ وكان ثمة هدفان أمامنا: الأول، الحصول من الأيادي الأولى على تقدير كامل للوضع المتشكل والطريقة المفضلة للأعمال المقبلة من اجل التغلب على الأزمةِ والهدف الثاني، عرض تصورنا الخاص عن الوضع وآفاقه لرؤساء البلدان العربيةِ وافترضنا مداولة الموقف من قرار مجلس الأمن المعد ودور 'العامل العربي' الذي كان ميخائيل غورباتشوف يدعو الى تنشيطه والموقف من خط بغداد الرامي الى ربط أزمة الكويت بالتسوية العربية - الإسرائيلية ومحاولاتها إضفاء صبغة دينية على الأزمة (المسلمون ضد الكفار) وجر إسرائيل الى النزاع واستخدام الرهائنِِِالخِ كانت ثمة الكثير من الأمور بالفعل يمكن التكلم عنهاِ وإذا قلنا مجازيا، فقد كان علينا ضبط الساعات لنقنع الآخرين بأن خط الاتحاد السوفيتي الاستراتيجي والتكتيكي على السواء يبنى بصورة صحيحة ويأخذ في الحسبان العقليات السائدة في العالم العربيِ ومن المهم أيضا أن نحاول تعديل الصورة ( بالأخص في بلدان الخليج التي تقبل كل شيء بأشد صورته ) عن موقف الاتحاد السوفيتي المبهم بعض الشيء نتيجة تصرفات موسكو نفسهاِ وثمة خاصية طبعت رحلتنا مع بيتروفسكي الى بلدان العالم العربي وهي أن بغداد كانت في هذا الوقت تصعد جدا سلوك المواجهة، وكذلك أصبحت لهجة بلاغتها أعلى بشكل واضحِ وفي 8 نوفمبر وعندما كانت المحادثات تجري في موسكو مع بيكر صرحت الجريدة الحكومية العراقية 'الجمهورية' عبر مقال هيئة التحرير بأن 'أم المعارك (هكذا كانوا يسمون في العراق الحرب المحتملة ضد التحالف) أصبحت اليوم أقرب'ِ وهددت الجريدة بأن العراق لو يكون هدفا للاعتداء ستتحول كل الجزيرة العربية الى رماد وسيرحمون مكة والمدينة فقطِ وأنذرت الجريدة الرسمية بأن 'اللهيب سيشمل كل شيء وفي كل مكان واتجاه'ِ ولم يكشف وزير الخارجية الصيني تسيان تسي تشين الذي زار بغداد في 11 - 12 نوفمبر وتباحث طويلا مع صدام حسين وطارق عزيز، أية دلائل على استعداد القيادة العراقية تنفيذ مطالب مجلس الأمنِ وازداد الانطباع بأن بغداد غير مستعدة حتى البحث عن حل وسط واقعي عندما عرف موقف من بغداد من مبادرة ملك المغرب الحسن الثاني الذي تقدم به لعقد قمة عربية عاجلة خلال أسبوع للنظر في أزمة الخليجِ
يتبع ..... |
|
| |
مشرف
| موضوع: رد: كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف الخميس يوليو 30 2015, 20:17 | |
| الحلقه 20 لنعد الى الإقامة في جدةِ تم لي في الصباح لقاءان مع وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل وبعده مع الملك فهدِ وأظن بأني من الموظفين السوفيت الأوائل الذين استقبلهم الملك فهدِ وأضفى ذلك لوحده على لقائنا خصوصية معينة واهتماما متبادلا على ما يبدوِ ترك عندي الملك فهد انطباعا لطيفا حيث كان محادثا ممتعاِ كان يتكلم بحرية وأبدى معرفة كاملة للوضع الدولي وتصورا بدا لي جيدا لخصائص الموقف السوفيتي إزاء أزمة الخليجِ ومع ذلك خلا حديثنا من الكلفةِ دار في البداية حول تطبيع العلاقات السوفيتية - السعودية الذي تم مؤخراِ لم تكن هذه العلاقات سيئة قبل ذلك، بل لم تكن موجودة على امتداد عشرات السنين لا علاقات سياسية ولا اقتصادية ولا أخرىِ والآن ينبغي أن تصل بعد أيام الى موسكو والرياض جماعات تنظم افتتاح السفارتينِ وخطط في أقرب وقت لزيارة وزير الخارجية السعودي لموسكوِ كنا نتكلم عن ذلك بارتياح وعن التغييرات التي حصلت وآفاقها في مختلف المجالات بما في ذلك الاقتصاديِ وأشار الملك فهد بالأخص الى أنه يشعر بالاحترام والعواطف الطيبة حيال الاتحاد السوفيتي وسياسته، وشدد على رغبة السعودية في تطوير علاقات الصداقة بين بلديناِ وأظهرت الأزمة في الخليج بوضوح أهمية التفاهم المتبادل والتعاون مع الاتحاد السوفيتي بالنسبة لبلده وقيمة التأييد السوفيتيِ وأبدى تقدير بلده للموقف الذي احتله الاتحاد السوفيتي إزاء العدوان العراقي وطلب الملك فهد نقل عواطفه هذه الى القيادة السوفيتية وأعرب عن أمله في أن دور الاتحاد السوفيتي سيكون في حقبة ما بعد الأزمة إيجابيا بالقدر نفسهِ تفادى الملك بلطف مسألة عدم مشاركتنا في القوات متعددة الجنسية مدركا على ما يبدو، عدم واقعية التوصل الى تغيير لموقف الاتحاد السوفيتي في هذه المسألةِ لذا ركز اهتمامه على النواحي السياسية للقضيةِ واتفقنا على أن العمل السياسي يمكنه التغلب على الأزمة والتركيز كالسابق على مجلس الأمن ومطالباته بإنهاء العدوان بلا تأجيل وبلا شرط أو قيد وإعادة سيادة الكويت بالكاملِ وعبر الملك فهد ومن قبله وزير الخارجية عن قلقه البالغ تجاه سياسة ضم الكويت وعامل الوقتِ لأن المماطلة في حل الأزمة وإبقاء نظام الاحتلال لا يزيدان آلام السكان الباقين في الكويت واللاجئين منها ( عددهم في السعودية 300 ألف ) فحسب، بل تمكن بغداد من الاستمرار في تفكيك الكويت كدولة ومجتمع في الكثير من الاتجاهات أيضاِ وكان مفهوما بلا كلمات، أن الأمر لا ينحصر في الكويت والكويتيين فحسب، بل في السعودية نفسها أيضاِ فعامل الوقت كانت لديه أهمية عظيمة بالنسبة لهاِ فقد قام الملك فهد بخطوة صعبة جدا بدعوة قوات الدول غير الإسلامية الى الأراضي السعودية وكان حتى الآن كخادم الحرمين الشريفين مقبوض النفس في مسائل الطقوس الدينية مثل رمضان والحج ( يبدأ رمضان في عام 1991 في 17 مارسِ وبالتالي كان مهما للسعودية وضع حد للأزمة قبل هذا التاريخ )ِ وكانت ثمة ظروف أخرى لم تسمح بالانتظار مدة أطولِ فقد أخذت السعودية على عاتقها جميع التكاليف الخاصة بإنزال القوات الأجنبية وتغذيتها وخدمتها وتأمينها في كل النواحي الأخرى ( زاد عدد أفراد هذه القوات لحظة وصولنا الى جدة على النصف مليون )ِ كان كل يوم يقيمون فيه يكلف السعودية مبلغا هائلا ولم يستبعد اصطدامها بصعوبات ماليةِ لذا كنت انتظر من القيادة السعودية بالذات طرح مسألة الإسراع لاتخاذ مجلس الأمن قراره بالمصادقة على استخدام القوةِ وبالفعل طلبوا منا بإلحاح أن نؤيد هذا القرار في مجلس الأمنِ وأجبت بأن موسكو تدرس في الوقت الحاضر بدقة هذه الفكرة ويتلخص أحد الأهداف الرئيسية لرحلتي استيضاح رأي رؤساء البلدان العربية فيما يخص التصرف فيما بعدِ ورأى المتحدثون بأن تجارب الاشهر الثلاثة ونصف الشهر التي انصرمت من لحظة الاستيلاء على الكويت والتدابير المتخذة من قبل القوات العراقية لتوطيد بقائها والدفاع عن الأراضي التي استولت عليها تدل على شيء واحد فقط: لا تنوي بغداد ترك الكويت طوعاِ واعترف الجانب السعودي مع ذلك بأن للتحالف احتياطيا للوقت لحد الآن، إلا أنه غير كبيرِ وأن الوقت قد حان لتعيين آفاق واضحة للعراق من قبل مجلس الأمن: إما أن ينصرف وإما تستخدم ضده القوةِ و في هذه الحالة ستلحق الخسارة الهائلة بالعراق قبل كل شيءِ وأفهم الملك فهد بوضوح بأن التوصل الى حل مرض في الإطار العربي يستحيل عمليا ولذا يرجح أن تؤدي محاولات بعض الدول ( قصد المغرب ) في عقد قمة عربية أو حتى قمة مصغرة لزيادة المماطلة بالأزمة وليس التغلب عليهاِ وعبر الجانب السعودي عن موقفه السلبي من ربط انصراف العراق بتنازلات على حساب الكويت مهما سمي ذلك بمحاولة إنقاذ ماء الوجه أو المكافأةِ واعتبروا أن كل ذلك لصالح صدام حسين وسيجعل موقفه أكثر قسوة وقد تعد سابقة خطيرة لتسوية مشاكل الإقليم الأخرىِ واتخذ حديثا عن تنظيم الأمور بعد الأزمة طابعا عاماِ ولكن السعوديين أكدوا أن القوات الأميركية والعربية الأخرى لن تبقى على أراضيهم بعد انتهاء الأزمةِ ورأوا بأن اتحاد ثلاثة بلدان: السعودية ومصر وسوريا وبطبيعة الحال بلدان مجلس التعاون الخليجي نواة للاستقرار في المنطقةِ وعندما تحدثوا عن كيفية خروج نظام البعث العراقي من الأزمة، فهمنا بأن الرياض تريد أن تحرم هذا النظام من أنيابه العسكرية حتى لا يكون بوسعه تهديد جيرانهِ وفي غضون ذلك فرقوا بدقة بين العراق كبلد عربي شقيق وقيادته التي سارت في طريق المغامرة العسكريةِ وميزوا كذلك في السعودية بين مشكلة تحرير الأراضي الفلسطينية والموقف من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي لم تظهر بصورة حسنة في مسألة ضم الكويتِ فقد كان الجانب السعودي يعارض قطعيا محاولات بغداد الرامية لربط أزمة الكويت بالتسوية في الشرق الأوسطِ وأظهرت الأحاديث في جدة بشكل عام قرب موقفنا والموقف السعودي وخاصة عدم قبولنا للعدوان وعواقبه وشعرنا بالفرق: كنا نواصل التركيز على لاهتمام بالتسوية السياسية بواسطة الضغط السياسي والاقتصادي، في حين أن السعوديين يقرون أفضلية الحل السلمي، لكنهم ينطلقون من حتمية الحل بالقوة ويبذلون قصارى جهدهم بهدف إعداده ماديا وسياسيا بأفضل طريقةِ فقد كانت السعودية تخشى الخطر العسكري المباشر بالنسبة لها، فبعد الاستيلاء على الكويت سيخرج العراق الى مواقف لفرض سيطرته الإقليميةِ هذه المسألة لم تطرح بالنسبة لموسكو من مثل هذا الباب وكانت لها نواح أخرىِ حملنا نقص الوقت، للأسف، الى مغادرة جدة حالا بعد إتمام حديثنا مع الملكِ وكان علينا الوصول الى دمشق حيث خطط للقائنا في اليوم التالي مع حافظ الأسدِ في دمشق مع حافظ الأسد
وصلنا في منتصف اليوم الثاني في 18 نوفمبر الى دمشقِ وقضينا باقي اليوم والمساء في سفارتنا حيث ناقشنا المسائل السياسية والمالية والكادرِ عين اللقاء مع الرئيس حافظ الأسد في اليوم التالي الساعة السادسة مساءِ كان حافظ الأسد يرأس في هذا الوقت الدولة لعشرين سنة ويتمتع باستحقاق بسمعة كواحد من أكثر القادة العرب حصافة ومهارة، وكان يمسك في يده بصورة أكيدة كافة مقاليد الحكمِ وكانوا يعتبرونه في الاتحاد السوفيتي أحد أكثر أنصار التعاون العربي - السوفيتيِ لذلك كرهوه بصراحة في الغرب وبالأخص الأميركان الذين أبقوه لمدة طويلة في القائمة السوداء لداعمي الإرهابِ وبدأوا يراضونه بنشاط في الوقت الأخير فقط بصدد أزمة الخليجِ
استقبلنا حافظ الأسد مع السفير السوفيتي الكسندر زوتوف في مقرهِ جرى الحديث لساعتين بصورة مشبعة وشيقة واقتنعت بأن الزعيم السوري يتقن التكنيك الدبلوماسيِ ترك انطباع واضح تماما بأن سوريا تؤيد أولا، الخطوات التي يتخذها مجلس الأمن عند تكاتفه للحد الأقصى وبالأخص بين الأعضاء الخمسة الدائمينِ ثانيا، لا تعارض سوريا بالمرة قرار مجلس الأمن الخاص بتحديد الموعد الأخيرِ لكنها لا تريد لأحد أن يشير الى موقفها الإيجابي فالحديث يدور حول استخدام القوة ضد بلد عربي، زد على ذلك من قبل تحالف تلعب فيه الولايات المتحدة دورا رئيسيا وكانت لدمشق لحد الآن علاقات باردة معهاِ كان العداء القديم بين الرئيس السوري والعراقي والمستمر لعشرات السنين معروفا جيداِ ومن البديهي أن استيلاء العراق على الكويت أثار موقف دمشق القاسي من هذه الخطوةِ وأظهر حافظ الأسد هذا الموقف هذه المرة أيضاِ صرح بثبات بأن صدام حسين يتحمل كافة المسؤولية عما حصل وعن عواقبها السيئة على الأمة العربيةِ وقد حان الوقت لوضع حد للعدوان العراقي لخرقه القانون الدولي والتقاليد العربية ويتطلب منه تنفيذ قرارات مجلس الأمن وجامعة الدول العربية بصرامة بلا قبول لأية مساومة وصفقات ومكافآتِ ولا يمكن أن يكون هناك حل عربي للمشكلةِ ورأى الرئيس السوري بأن اليمن والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية تنتصر للعراق فعلا ومن الممكن أنها متلبسة بمقاصده بهذه الدرجة أو تلكِ يبقى الانشقاق في الصف العربي ومع ذلك نجرب فاعلية حل الأزمة سلميا في الإطار العربيِ واعتبر حافظ الأسد ان مصر والسعودية تحملان مشاعر سوريا نفسها فيما يخص سلوك الرئيس العراقيِ وتشاركهما جميع بلدان الخليج في هذا الشعور بقدر كامل أيضاِ أما البلدان العربية التي تقع أبعد من الناحية الجغرافية فانها تشعر بالحالة بأقل حدة وتفصح أحيانا عن أفكار مناسبة قليلةِ واشار الرئيس السوري الى أنه كان يعتقد ان 'بغداد ستتمسك باقتراح المغرب الخاص بعقد قمة عربية عاجلة أو ستصمت على أقل تقدير، غير أنها عملت العكس بتقديمها شروطا جعلت عقدها غير مقبول'ِ لم يخف الرئيس السوري بأن المستقبل يقلقه وخاصة كيفية تأثير هزيمة العراق في توزيع القوى في الشرق الأوسط وان ذلك سيؤدي الى تقوية إسرائيل وأن أميركا ستجهزها بأسلحة بقدر أكبرِ وعارضت سوريا حضور الغرب العسكري الى المنطقةِ ولم يشك الرئيس في ترك القوات البرية الأميركية السعودية، إلا أنه اعتبر ان المواقف الأميركية في الشرق الأوسط ستكون أقوى بعد النزاعِ ورأى حافظ الأسد أن ذلك أمر لابد منه ولم يكن هذا الظرف يسرهِ ورفض الرئيس ربط أزمة الكويت بالتسوية الشرق أوسطيةِ فالكويت ليست أراضي إسرائيليةِ فهل يكون ثمة ربط ما ؟ ولأي سبب يجب إدخال إسرائيل عامة في المعادلة العربية الداخلية ! لم يكن الرئيس نصيرا أيضا للرأي الداعي الى الإقبال فورا بعد تحرير الكويت على تسوية قضية الشرق الأوسطِ وكان يظن بأن العرب يحتاجون في البداية الى ترتيب صفوفهم المختلفة نتيجة الأزمة الكويتية والانتقال بعد ذلك فقط الى التسوية في الشرق الأوسط من موقف أكثر متانةِ ونبه في غضون ذلك الى أن وسائل الإعلام وخاصة الأميركية تعادل تسوية قضية الشرق أوسطية والمشكلة الفلسطينية، الأمر الذي يخرج على ما يبدو خارج قوسين نواحي التسوية الهامة الأخرى (قصد بالطبع مسألة تحرير مرتفعات الجولان وإن لم يسمها مباشرة)ِ وكانت ملاحظة الرئيس ملائمة جدا لأن صحافتنا أيضا يمكن إذنابها بمثل هذا التبسيطِ في سير رحلتي الى بلدان الشرق الأوسط نشأت عمليا في أحاديثي مع كل رئيس عربي مسألة الأوضاع في الاتحاد السوفيتيِ وشعرت بأن هذا يقلق العربِ ومهما كان الأمر، فكانوا على امتداد عشرات السنين يعتمدون علينا في نضالهم من أجل الاستقلال وتوطيدهِ لذلك من الطبيعي أن يراقبوا بقلق ظواهر الأزمة في الاقتصاد السوفيتي وعدم الاستقرار الداخلي وفقدان الكثير من المواقع الدوليةِ وتناول حافظ الأسد هذا الموضوع أيضا، ووجه الي بعض الأسئلةِ وأشار من جانبه الى أنهم لا يزالون في سوريا وبعض البلدان العربية الأخرى يرون في الاتحاد السوفيتي عاملا هاما لإبقاء الأمن في المنطقة ولذا يرغبون في أن يذلل الاتحاد السوفيتي الصعوبات الراهنة ويبقى دولة متكاتفة داخليا وقويةِ انتهت محادثتي التذكارية مع حافظ الأسد بهذه الكلمات الوديةِ وفي الصباح سافرنا الى الخليج مباشرة الى قطرِ لكني أود التكلم في البداية عما جرى في باريسِ فقد صادف وجودي في سوريا مع لقاء باريس بين الرئيسين السوفيتي والأميركيِ
محادثاتي في قطر والإمارات والبحرين
كنت أخطط لزيارة قطر والإمارات العربية من بلدان الخليج العربية الى جانب السعودية وأضيفت البحرين الى هذه البلدان في سير هذه الرحلة بمبادرتها وبفضل معروف من حكومة الإمارات العربية التي قدمت من أجل ذلك طائرتها (وبالمناسبة هذا أحد الدلائل على اهتمام بلدان الخليج بشدة تجاه الاتحاد السوفيتي الذي رأت فيه حالا، وكان ذلك احدى نتائج الأزمة الكويتية، الشريك الثمين الذي لابد من إقامة العلاقات السياسية وغيرها معه)ِ
أما عمان فلم أنو القيام بزيارة هذا البلد لأن الأكاديمي بو أوسيبيان عضو مجلس الرئيس سافر الى هناك في الوقت نفسه لأجل مناقشة شؤون أخرى وطلبنا منه أن يناقش كذلك المسائل التي نهتم بهاِ تقع بلدان الخليج الثلاثة التي زرتها بالقرب من بعضها، ولها الكثير من الظروف المشتركة من الناحية التاريخية ووضعها المعاصر على السواءِ نالت جميعها الاستقلال عندما اضطرت بريطانيا تقليل حضورها في منطقة الخليج وأصبحت كلها ملكية من حيث نظام الحكم (بلا أحزاب سياسية وبرلمانات وانتخابات وغيرها من المؤسسات والخواص الديموقراطية المعاصرة)ِ وتعتمد رفاهية كل بلد على النفط (كانت البحرين أول بلد عربي اكتشف فيه النفط عام 1931، ولكن استثمار مواطن النفط والغاز بدأ في نهاية الأربعينات فقط)ِ وتمكنت هذه البلدان خلال أربعة عقود من رفع نفسها من التخلف الكبير الى درجة عالية جدا من التطور الاقتصادي والاجتماعيِ ولهذه البلدان مشاكل من نوع واحد تقريبا: ازدياد الهجرة السريع (حيث يشكل المهاجرون في الإمارات من إيران، الهند، باكستان والبلدان العربية الأخرى نسبة 80 % من السكان، ويشكلون في بلدان الخليج الأخرى أكثر من النصف بكثير) ونقص مياه الشرب (تضطر لتحلية ماء البحر) والتبعية الكبيرة لاستيراد المواد الغذائيةِ وما رأيته في بلدان الخليج لم يستطع أن يترك لي انطباعا ابتداء من الدوحة التي وصلنا إليها في 19 نوفمبر بأن 75 % من سكان البلد تقريبا يسكنون في العاصمة، ولم تكن في المدينة بنايات أقدم من 15 سنة، وكان كل شيء يسطع بالنظافة والحداثة والتنوعِ ويمكنني قول الشيء نفسه تقريبا عن عاصمة البحرين المنامة وإن كان الدخل السنوي للسكان أقل مرتين عما هي عليه الحال في قطرِ أما أعلى مؤشر لدخل الفرد فكان في ذلك الوقت لصالح الإمارات ويبلغ 20 ألف دولارِ وظهر لي أن رؤساء بلدان الخليج الذين اتفق ان التقيت بهم وتحدثت معهم أشخاص ملمون بالشؤون المعاصرة تماماِ أردت أن أسمي الذين استقبلوني: في الدوحة الأمير الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، وولي العهد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ووزير الخارجية مبارك الخاطرِ في الإمارات العربية المتحدة: رئيس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ونائب رئيس الوزراء الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، ووزير الخارجية رشيد عبد الله، ووزير الدولة للشؤون الخارجية الشيخ حمدان بن زايد آل نهيانِ وفي البحرين: رئيس الدولة بالنيابة ولي العهد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ووزير الخارجية محمد بن مبارك آل خليفةِ ربما حفظت في ذاكرتي أكثر من الجميع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأعزو ذلك الى التباين بين الظاهر والمضمونِ , قال في بداية حديثه معي: 'أنا كما أصدقاؤنا السوفيت راض عن العلاقات الثنائية وعلى يقين بأنها ستتطور بنجاح في روح من الاحترام المتبادل والمساواةِ تمس مبادرات ميخائيل غورباتشوف مصائر ملايين الناس، وقد يقدر التاريخ مبادرات الدول العظمى بعد مرور سنوات تقدير كاملِ وننوي تأدية قسطنا من هذه الأفعال العظيمة عن طريق التعاون مع الاتحاد السوفيتيِ سأشجع رجال الأعمال في الإمارات على تطوير الصلات الواسعة مع الاتحاد السوفيتي، ونحن مستعدون للمشاركة مع الاتحاد السوفيتي في ضرائه وسرائه والمشاركة في نهضة البلد الاقتصادية'ِ كان حديثنا طويلا وله طابع عملي حتى كلماتنا كانت ملموسة أيضا في كل النقاط الأخرىِ وفي البحرين اتفقنا على تبادل السفارتين وبحثنا في إمكان البدء في الإمدادات العسكرية (دار الحديث عن عربات المشاة المدرعة)، وبقيت الأزمة الكويتية موضوعنا الرئيسي بالطبعِ كانت بلدان الخليج العربية كافة تعارض إقناع صدام حسين بأي شيء أو تقديم تنازلات ما له، وتؤيد مراعاة قرارات مجلس الأمن بشكل حازم واتخاذ القرار الأخير مع الإنذار النهائيِ وكانت هذه البلدان تراهن على الحرب بالذات لأنها قبل كل شيء تخاف من انفراد العراق بها، إذا حافظ بعد انصرافه من الكويت على كامل قواه العسكريةِ الموعد النهائي 15 يناير
نسق ادوارد شيفرنادزه وجيمس بيكر في باريس في 18 نوفمبر أساسا نص مشروع قرار مجلس الأمنِ وافق بيكر على 'توقف النوايا الحسنة' واقترحنا تبديل عبارة القوة ب 'كافة الوسائل الضرورية'ِ وبعد لقاء الوزيرين بقيت مسألة واحدة فقط قيد البحث وهي تحديد الموعد النهائيِ اقترح الطرف السوفيتي 31 يناير 1991 أن يكون هذا الموعدِ وكان الأميركان يتمسكون بهذا الموعد أيضاِ (تم حل هذه المسألة نهائيا في نيويورك قبل جلسة مجلس الأمن حيث وافق ميخائيل غورباتشوف وجورج بوش على أواسط يناير)ِ وتم في 19 نوفمبر لقاء غورباتشوف مع بوش لإبرام الاتفاقات التي توصل إليها في اليوم السابق وزيرا الخارجية والخاصة بصيغة القرار، ولم يصاحب الأمر أي جدالِ وركز الرئيس السوفيتي كما كانت عليه الحال في موسكو، اهتمامه على الحل السياسي السلمي وكان الرئيس الأميركي يوافقه على ذلك عن طيب خاطرِ ويمكننا الاعتقاد بأن كلا الرئيسين تفهم أن الأمر اقترب من نهايتهِ وكما قيل في البيان الختامي عن لقاء الرئيسين بأنه 'يجب أن تحل المشكلة ولا ينبغي أن تبقى معلقةِ ويرى الرئيسان ان كل ما اتخذ حتى الآن في إطار هيئة الأمم المتحدة صحيح ويستجيب لنص قرارات مجلس الأمن وروحهاِ وقام جورج بوش وميخائيل غورباتشوف بتحليل الوضع في الخليج بصورة مفصلة في هذا الوقت على أساس المعلومات المتوفرة لديهما وتبينت خطورته الجدية على المجتمع الدولي ووافقا على ضرورة مناقشة الحالة في إطار هيئة الأمم المتحدة من جديد'ِ وبحث ميخائيل غورباتشوف في باريس الحالة في الخليج مع ميتيران وتاتشر وكول وبعض القادة الآخرينِ وقال الرئيس السوفيتي في حديث للتلفزيون الفرنسي في 21 نوفمبر: 'لا نستطيع أن يبقى هذا الخرق الغليظ للقانون الدولي واستقلال الشعوب والحرية عندما تتعرض دولة بأكملها للعدوان وتتعرض للضم وأن يبقى العدوان بدون عقاب، إن هذا لا يقبل بالمرةِ وأثبتنا هذه الآراء مع الرئيس بوش وجميع المشاركين الآخرين معنا في تبادل الآراء'ِ يكتب بوش أن غورباتشوف طلب منه انطلاقا من أسباب داخلية بحتة عدم إفشاء الاتفاقات المتوصلة بينهما لوقت معين والتي من بينها مضمون القرارِ ولهذا السبب لم يذكر أو يقل عنه شيئا لا في المؤتمرات الصحفية ولا في البيان الختامي الرسميِ وأثار ذلك فورا الكثير من الإشاعات عن الاختلافات السوفيتية ـ الأميركية وأجواء اللقاء الباردة بين غورباتشوف وبوشِِِالخِ وفي حقيقة الأمر، حسب تقدير بوش، كان هذا اللقاء أكثر حرارة بينهما من كافة اللقاءات التي تمت من قبل من الناحية الشخصية، ومن وجهة نظر وحدة المواقف في المسائل التي تمت مناقشتهاِ ذهب بيكر من باريس، بغية تنسيق مشروع قرار مجلس الأمن، ليلتقي مع وزراء خارجية اليمن وكولومبيا وماليزيا وهي البلدان التي لم تكن محاطة بالاستشارات من جانب الولايات المتحدة بصفتها رئيس مجلس الأمنِ وسافر شيفرنادزه الى الصين حيث عقد في مدينة أورماتشي لقاء مع وزير الخارجية تسان تسي تشين، ودار الحديث هناك أيضا عن جلسة مجلس الأمن المقبلة وطرق تذليل الأزمة الكويتيةِ وكان شيفرنادزه قد قال لبيكر في موسكو انه يرجح أن تمتنع الصين عن التصويت على القرارِ وتوثق هذا الانطباع في أورماتشيِ لم تنو بكين في كل الأحوال محاصرة القرار، بل كان من الممكن أن تصوت عليه لو وافقت واشنطن على رفع التحديدات والقرارات المفروضة على الصين في عام 1988 بعد أحداث ساحة تيان مينِ وثبت الوزيران على أن ثمة في مواقف البلدين من الأوضاع في منطقة الخليج الكثير من النقاط المشتركةِ
يتبع .... |
|
| |
| كتاب " الكرملين وأزمة الكويت " لنائب وزير الخارجيه السوفيتي السابق الكسندر بيلونوغوف | |
|