بحلول يوم الـ25 من آب 1990 , شرعت الولايات المتحدة بتنفيذ حصار بحري كامل ضد العراق, الامر الذي يعد مؤشراً ضمنياً على إن الحرب آتية لا محالة ما لم يعمد صدام حسين الى الانسحاب من الكويت. لكن مقر قيادة الـKGB " المخابرات السوفييتيه " كان قلقاً جداً ازاء آفاق التعاون السوفيتي الاميركي التي يمكن إن تضعف من نفوذ الاتحاد السوفيتي في الشرق الاوسط.
مهمة في بغداد
و بدعم من رئيس جهاز الـKGB فلاديمير كريشكوف و وزير الدفاع السوفيتي ديمتري يازوف, اقتنع غورباتشوف بموضوع ارسال يفغيني بريماكوف و هو احد خبراء الشرق الاوسط ضمن المجلس الاستشاري الرآسي و له صلات و علاقات مع جهاز الـKGB تعود الى 30 عاماً, اقتنع بارساله في مهمة الى بغداد.
كان جيمس بيكر معجباً بمهارات بيرماكوف و دهائه, فضلا عن سعة معرفته بالتاريخ العربي, رغم انه كان يعتبره من المدافعين عن قضية صدام حسين. من جانبه, اعلن بريماكوف عن إن هدفه يتمثل في ايجاد تسوية تعيد للعراق جزيرتين متنازع عليهما مع حقل نفطي مقابل انسحابه من بقية ارجاء الكويت, فضلا عن وعد بمؤتمر دولي بخصوص القضية الفلسطينية.
من وجهة نظر بيكر, كانت مقترحات بريمكاوف تمثل استسلاما اكثر منها حلولا وسط. كما إن بريماكوف اغرى صدام حسين لتعديل استراتيجيته بهدف اضعاف التحالف العربي ضده عبر ربط ازمة الكويت بالصراع العربي الاسرائيلي الاكبر . و كما هو الحال مع بيكر, كانت لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية شكوك عميقة حيال لعبة الاغراء التي لعبها بريماكوف مع صدام .
و لم يكن الامر مختلفاً مع شيفرنادزة الذي تحدث سراً عن شكوكه تلك مع بيكر شخصياً. شهر تشرين الاول من ذلك العام" 1990 " , تحدث شيفرنادزة الى بريماكوف, بوجود غورباتشوف و كريشكوف, قائلا ان مقترحاته ستكون كارثية على الشرق الاوسط و سياسة الاتحاد السوفيتي الخارجية. و كما اقر هو لاحقاً, فأن بريماكوف فقد اعصابه و سخر من ثقافة و معرفة وزير الخارجية السوفيتي بخصوص العراق.
و قال بريماكوف شيفرنادزة بسخرية “كيف تتجرأ يا من تخرجت بشهادة في المراسلات التجارية من كلية كوتايسي, كيف تتجرأ و تلقي علي محاضرة عن الشرق الاوسط, تلك المنطقة التي كنت وما زلت ادرسها و ادرس عنها منذ ايام المدرسة!.”
عندها, تدخل غورباتشوف و قال “يفغيني, توقف الان!.″
و حسب ما كتب بيكر, فقد شعر شيفرنادزة بالاذلال من قبل غورباتشوف الذي سمح لبريماكوف بالتحرك بمبادرة سلام سمحت له باغتصاب سلطة شيفرنادزة كوزير للخارجية.
احباط عميق
بحلول شهر كانون الاول من العام 1990, و جراء احباطه العميق من تصاعد قوة الخط المتشدد في موسكو, ذلك الخط الذي كان شيفرنادزة محقاً بالشك انه يسعى للقيام بانقلاب, عمد الاخير الى الاستقالة من منصبه كوزير الخارجية, و اكد دعمه العلني لسياسة غورباتشوف, مطلقاً في الوقت ذاته وصف “احتجاجي” على قرار استقالته ضد ما وصفه بهجوم الدكتاتورية .
لم تفض مهمة بريماكوف لبغداد الى أي نجاح يذكر, فيما بات صدام اكثر شكاً ازاء حقيقة النوايا السوفيتية الى درجة انه فشل حتى في اظهار أي اهتمام بحبل النجاة الذي كان بريماكوف يحاول إن يرميه اليه. و قد قال صدام لمستشاريه إن تحذيرات بريماكوف من إن العراق سيواجه هجوماً بقيادة تحالف دولي اذا ما لم تحصل مفاوضات تسوية إنما كان, ببساطة, مجرد محاولة سوفيتية لترويع صدام حسين .
هجوم اميركي
و قد بقي صدام حسين على رفضه تصديق كلام بريماكوف حتى اللحظة الاخيرة التي انطلق بها الهجوم الجوي بقيادة الولايات المتحدة, و الذي تبعه هجوم بري لاحق .
كما إن شكوك صدام ازاء السياسات السوفيتية إنما دفعته الى عدم تصديق معلومات استخبارية كانت على اعلى قدر من الاهمية الاسراتيجية. فقبيل بدء الهجوم البري, ضمن عملية عاصفة الصحراء, بوقت قصير جداً, اظهرت صور التقطت بالاقمار الاصطناعية السوفيتية قدمها خبراء سوفيت عسكريون متخصصون للقيادة العراقية, اظهرت ادلة مقنعة على إن قوات التحالف كانت بصدد شن هجوم التفافي خلف القوات العراقية, و على النقيض مما كان متوقعاً من حصول عملية هجوم برمائي مباشرة ضد قوات الجيش العراقي التي كانت تحتل الكويت. الا إن صدام حسين لم يفسر تلك المعلومات الاستخبارية الا على انها مجرد محاولة اخرى للخداع السوفيتي بالاتفاق مع الولايات المتحدة, و بالتالي لم يعمد الى أي محاولة لتعزيز مواقعه ضد الهجوم الالتفافي . و نتيجة لذلك, سحقت القوات العراقية و طردت من الكويت في غضون معركة برية لم تدم اكثر من 100 ساعة و حسب.