حمل وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون نظيره الأميركي أشتون كارتر يوم أمس، إلى الحدود اللبنانية، لاطلاعه على «الخطر» الذي يمثّله «حزب الله»، والذي يشكّل في نظره جزءا من الخطر الإيراني المتصاعد.
ووعد كارتر، خلال الجولة على الحدود، إسرائيل بالمساعدة. وقال «بالطبع يحصل حزب الله على دعم من إيران، وهذا أحد الأسباب التي ستجعل الولايات المتحدة تواصل مساعدة إسرائيل للتصدي للنفوذ الإيراني الضار في هذه المنطقة».
ومن الواضح أنه رغم انشغال «حزب الله» في القتال الدائر في سوريا، لم يتغير الموقف الإسرائيلي من هذه القوة، حيث لا تزال الاستخبارات الإسرائيلية تعتبرها الخطر الأكبر على هذه الجبهة. وهذا ما حاول المعلّق الأمني في «يديعوت أحرونوت» رونين بيرغمان عرضه في تحقيق موسّع عن خطر «حزب الله» على الجبهة اللبنانية.
ويلخّص بيرغمان تحقيقه بالتأكيد أنه رغم تورط «حزب الله» في القتال الدائر في سوريا، وخسارته للمئات من مقاتليه هناك بأعداد أكبر من كل التي خسرها في حروبه مع إسرائيل، إلا أن استعدادات هذا الحزب لحرب لبنان الثالثة في تزايد مستمر. ويشدد على أن بين خطط «حزب الله» لخوض الحرب المقبلة احتلال مواقع ومستوطنات في الجليل، وهي مخططات لم تتغير حتى بعد الاتفاق النووي مع إيران.
وأوضح بيرغمان أن هناك اليوم في أسرة الاستخبارات الإسرائيلية من يسمون الحزب بصيغته الراهنة «حزب الله الجيل الثالث». وفي نظرهم فإن الجيل الأول هو جيل المؤسسين في عهد الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني، فيما الجيل الثاني هو «حزب الله في حرب لبنان الثانية، وحالياً حزب الله المختلف عن سابقيه. والجيل الثالث من حزب الله هو المتورط في المستنقع السوري، لكنه في الوقت نفسه من يحظى بخبرة قتالية هائلة وتعامل مع أسلحة متطورة سوف يستخدمهما في وقت لاحق ضد إسرائيل». ويرى أن السؤال حول موعد المواجهة المقبلة مع إسرائيل غير معلوم، ولكن هذا هو حال القوة العسكرية التي كانت و«كما يبدو، ستبقى العدو رقم واحد لإسرائيل. نعم حتى وداعش يقف عند الحدود».
ويشير بيرغمان إلى أن «حزب الله» حاول في بداية الحرب السورية إخفاء ضلوعه في المعارك الدائرة هناك بعكس ما كان يفعل في حربه ضد إسرائيل، ولكن مع مرور الوقت لم يعد يخفي عمق مشاركته، وصار يبرزها في مواجهة التكفيريين من تنظيم «داعش». ويبين أن «حزب الله» الجديد لم يعد يخفي مقتل رجاله في سوريا بل صار يتفاخر بذلك، لأنهم يسقطون على طريق إبعاد العدو الذي يهدد البشرية بأسرها.
وفي نظر بيرغمان لا تأخذ إسرائيل بعداء حزب الله لـ «داعش». وينقل عن العميد احتياط رونين كوهين، الذي كان مسؤول ملف الإرهاب في لواء الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، قوله إن «حزب الله هو العدو المتحدي أكثر لإسرائيل، وهو موضع النسبة المركزية لدينا منذ 30 عاما». ويشرح كوهين واقع أن «حماس» تشكل، هي الأخرى، تحدياً مهماً لإسرائيل «لكنها على الدوام كانت الشقيق الأصغر والذي يقف في الظل الكبير لحزب الله». ويضيف «منذ اتفاق الطائف الذي أبقى حزب الله التنظيم المسلح الوحيد على الأرض اللبنانية، فهمنا أن هذا هو الخطر الاستراتيجي المركزي من ناحيتنا. وتفعيل منظومات قيادة وسيطرة، وتدريبات برعاية إيرانية، وأسلحة، خصوصا منظومة الصواريخ ونظريات القتال نسخت واحدة تلو أخرى في غزة».
ويقول بيرغمان إن المؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية تفهم أن وضع «حزب الله» تغير جدا بعد حرب لبنان الثانية. ويفيد بأنه رغم تكرار التهديدات من جانب الحزب لإسرائيل إلا أن الاستخبارات الإسرائيلية لا ترى هجوماً قريباً من «حزب الله» على إسرائيل بسبب انشغاله في القتال في سوريا. وفي النهاية سيعود للتمركز على الحدود مع إسرائيل بوصفه المدافع عن لبنان. وينقل بيرغمان عن مسؤول سابق في شعبة الاستخبارات يعتبر مرجعا بشأن «حزب الله»، وهو الدكتور شمعون شابيرا قوله إن «حزب الله» يعيش الآن أسوأ وضع لأنه انجرَّ للقتال في العمق السوري. وتقدر الاستخبارات مشاركة «حزب الله» في سوريا بحوالي 6 آلاف مقاتل، ويمكن أن يصل العدد إلى 8 آلاف. وترى أن «حزب الله» دفع ثمناً باهظاً لمشاركته في الحرب، وأن هذا الثمن استدعى انتقادات داخل الحزب وفي محيطه.
ويذكر بيرغمان أن مشاركة «حزب الله» في القتال في سوريا استدعت عمليات تفجيرية من جانب التكفيريين السوريين في لبنان. وهذا فتح جبهة جديدة للحزب الذي حاول أيضاً من سوريا العمل ضد إسرائيل في هضبة الجولان المحتلة. وأشار إلى المعركة المفتوحة بين إسرائيل و «حزب الله»، سواء باغتيال شخصيات قيادية مثل الشهداء عماد مغنية وحسن اللقيس وأخيرا جهاد مغنية، أو بتنفيذ غارات على قوافل أو مواقع تخزين أسلحة بين سوريا ولبنان.
وبعد أن يعرض بيرغمان للمصاعب التي يواجهها «حزب الله» على أكثر من صعيد، يشير إلى أن ذلك لم يفت في عضد الحزب الذي يواصل استعداداته للحرب المقبلة ضد إسرائيل. وينقل عن مصدر عسكري رفيع المستوى قوله عن رجال الحزب «أنهم يعملون في هذه المنطقة، وكأن الحرب على وشك أن تنفجر في الصباح». وحسب التقديرات فإن لدى «حزب الله» 80 إلى 100 ألف صاروخ موجهة جميعها نحو إسرائيل، وعدا ذلك طور الحزب منظومة طائرات من دون طيار، بينها طائرات انتحارية، يمكنها الوصول إلى مناطق بعيدة في إسرائيل وتفجيرها.
وبحسب بيرغمان فإن إسرائيل ليست غافلة عما يجري في «حزب الله»، وهي تزيد بشكل جوهري رصدها الاستخباراتي لكل حركة عسكرية في لبنان. ومثال ذلك الطائرة من دون طيار التي تحطمت قبل أيام قبالة طرابلس. ومع ذلك يعترف بأن هناك أسئلة تحير الجيش الإسرائيلي تجاه «حزب الله»، وبينها هل هناك أنفاق حفرها «حزب الله» بقصد استخدامها ضد إسرائيل؟ وهناك سؤال آخر، وهو يتعلق بمدى ردع إسرائيل للحزب بعد حرب لبنان الثانية؟. وهناك أسئلة تتعلق بالجيش اللبناني، وأعداد الجنود والضباط الشيعة فيه ومدى قربهم من «حزب الله»، وهذا ما يدفع بعض الخبراء في إسرائيل للقول إنه «في الحرب المقبلة سيضطر الجيش الإسرائيلي لأخذ الجيش اللبناني أيضا بالحسبان».