الإحباط قد يكون الكلمة التي تختزل الحال السائدة في إسرائيل بعد التوصل إلى اتفاق في فيينا بين الدول الكبرى وطهران.
وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تفاجأ بتوقيع الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، ولم تكن ردّة فعلها مفاجئة أيضاً، فقد سارع رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، إلى شن هجوم على الاتفاق ومن خلاله أيضا على الإدارة الأميركية، قائلا "عندما يكون هناك استعداد للتوصل إلى اتفاق بكل ثمن تكون هذه النتيجة".
وأضاف أنه "يمكن الجزم بأن الاتفاق خطأ تاريخي بالنسبة للعالم، حيث تم تقديم تنازلات هائلة لإيران في جميع الملفات التي كان يمكن أن تمنع امتلاكها لسلاح نووي، كما أنها ستلقى مئات مليارات الدولارات لشحن آلتها الإرهابية والتمددية في المنطقة والعالم".
وتابع: "لا يمكن منع اتفاق عندما تقدم الأطراف المفاوضة تنازلات، حتى عندما ردّدت دعوة: "الموت لأميركا" أثناء المفاوضات لم نلتزم بمنع اتفاق، لكننا التزمنا بمنع امتلاك السلاح النووي، وهذا التعهد يبقى قائما".
ودعا نتنياهو قادة الأحزاب في إسرائيل إلى توحيد الصفوف في مواجهة أكثر القضايا "مصيرية" بالنسبة لإسرائيل وأمنها، بعد أن وجه له نواب معارضون انتقادات، وألقوا عليه اللوم في تصدّع العلاقة مع البيت الأبيض، وإبقاء إسرائيل خارج دائرة التأثير على مجريات التفاوض ونتائجه. أما وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعالون، فأعرب عن صدمته من قبول العالم أن يمر تمويل إيران لما وصفها بـ"أذرع إرهاب متعدد الرؤوس" من أوسع أبواب المجتمع الدولي.
طالما تغنّى نتنياهو بنجاحه في حمل الأسرة الدولية على فرض عقوبات غير مسبوقة على إيران منذ العام 2010، الذي شهد المرة الوحيدة التي كادت خلالها إسرائيل تشن هجوما على المنشآت النووية الإيرانية، وهو الآن قد بدأ يفقد ذلك الإنجاز وبات الخاسر الأكبر، فالعالم اختار احتواء إيران والتفاهم معها عوضا عن مواجهتها، ولم يلتفت "للصراخ" الإسرائيلي غير المنقطع بأن الاتفاق سيقود إلى تكرار النموذج الكوري الشمالي الذي وقعه الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، ولم يمنع تصنيع كوريا الشمالية لقنابل نووية أضحت ترسانة فيما بعد.
ولعل أكثر ما يحبط الإسرائيليين عجزهم عن فهم كيف تنازل الغرب عن مبدأ "التفتيش المفاجئ" للمنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، وقبل بإبلاغ طهران قبل 24 يوما، وإن رفضت يصار إلى لجنة "تحكيم" بين الجانبين، وهو ما تعتبره إسرائيل فتحا للباب أمام تقدم إيران نحو صنع القنبلة النووية، كما أن الخيار العسكري شطب عن طاولة الأسرة الدولية، ولم يعد قائما جديا في حسابات الإسرائيليين أيضاً.
يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي كمن يخوض "معركة دونكيشوتية" يحارب فيها طواحين الهواء، وهو خالي الوفاض من أي ذخيرة قد تسعفه، فخياراته تبقى ضيقة، ولم يتبق أمامه إلا محاولة أخيرة لتعطيل الاتفاق محكوم عليها بالفشل مسبقا على الأغلب، وستكون مكلفة سياسيا، وهي محاولة إسقاط الاتفاق في الكونغرس الأميركي بإقناع 13 نائبا ديمقراطيا بالانضمام إلى 54 نائبا جمهوريا في معارضة الاتفاق، وهو أمر صعب المنال حد الاستحالة.
فحتى لو تحقق له ذلك فإن أوباما يملك حق الفيتو لتمرير الاتفاق مع إيران، ومن ثم فإن ذلك سيعقد الأزمة الشخصية بين نتنياهو وأوباما، وقد يضر بالعلاقة الاستراتيجية.
وفيما ستواصل إسرائيل حملتها غير المجدية ضد الاتفاق، فإنها لن ترفض ما سبق أن تعهد به الأميركيون بتقديم تعويض نوعي وكمي عسكري لإسرائيل يضمن تفوقها، ويعطيها كل ما ينقصها حتى لتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية، ويتمثل في سربين من مقاتلات الشبح -f-35 الأميركية وطائرات تزويد الطائرات بالوقود جوا وقنابل خارقة للتحصينات، إلى جانب إنتاج منظومات دفاع صاروخية إضافية بتمويل أميركي.
وبعد الاتفاق ستكثف إسرائيل جهدها الاستخباراتي لمتابعة سلوك إيران النووي لقناعتها بأن إيران لن تلتزم بالاتفاق، وأن الدول الغربية لن تخرج عن طورها لكشف أي "خداع إيراني" بعد أن وافقت في اتفاق من 118 صفحة على إدخال إيران إلى نادي الدول النووية، حتى لو بتأجبل ذلك لسنوات، بحسب القراءة الإسرائيلية.