كانت مصر محظوظة لأنّ التفجير الانتحاري الذي وقع في المقصد السياحي الشهير في مدينة الأقصر في الحادي عشر من حزيران/يونيو، لم يقتل سوى اثنين من رجال الشرطة. فخلال هجوم مماثل وقع في مدينة الأقصر عام 1997، قُتل 58 سائحاً أجنبياً. وقد نجت مصر هذه المرة من فاجعة جماعية أخرى، إلاّ أنّ هذه الحادثة قد تكون نذيراً لما ستكون عليه الأمور في المستقبل. ففي الواقع، وقبل أيام قليلة فقط من وقوع الانفجار في الأقصر، قُتل اثنين من رجال الشرطة عند أهرامات الجيزة، على مشارف القاهرة.
وتسلط هذه الهجمات الأخيرة الضوء على التدهور الأمني في مصر، وهو التطور الذي يعقّد الجهود المبذولة لتحسين اقتصاد الدولة المتعثر، ويهدد بتقويض نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتشكل سيناء جزءاً كبيراً من هذه المشكلة. فخلال العام الماضي، كان السيسي والجيش غير قادرين على احتواء أو دحر تمرد الجماعة التي تدور في فلك تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في سيناء. وبدأ العنف مع سقوط الرئيس حسني مبارك - الذي شغل منصبه لفترة طويلة - في عام 2011، وأصبح أسوأ تدريجياً. وحتى الآن، قُتل حوالي 1000 من الجنود ورجال الشرطة في محاولة لاحتواء التمرد المتنامي في شبه جزيرة سيناء.
ومع ذلك، لم يقتصر العنف على سيناء فقط. ففي العام الماضي وحده، وقع هناك ما يقرب من 200 هجوم في مصر خارج سيناء، بما فيها حوادث إطلاق النار من سيارات، وهجمات بقنابل يدوية، وتفجير عبوات ناسفة.
وبشكل إنعكاسي، عزت الحكومة المصرية هذه الأعمال الإرهابية لـ جماعة «الإخوان المسلمين»، التي أصبحت محظورة في أعقاب انقلاب تموز/يوليو 2014 الذي أطاح بالرئيس الإسلامي المنتخب ديمقراطياً، وجاء بالسيسي إلى الحكم. وفي حين لم تتبنّ المنظمة صراحةً أي أعمال إرهابية محددة، دعا بيان نُشر في كانون الثاني/يناير 2015 على الموقع الإلكتروني لـ جماعة «الإخوان المسلمين» إلى "جهاد طويل لا هوادة فيه" ضد نظام السيسي.
ولكن التفجير الانتحاري الذي وقع في 11 حزيران/يونيو يمثّل أمراً جديداً، ويشكَّل تصعيداً واضحاً في التكتيكات والأهداف. ولطالما تبرّأت جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر في الماضي من تنفيذ العمليات "الاستشهادية". غير أنّ حادثة الأقصر الأخيرة تشير إمّا إلى أنّ «الجماعة» تشهد تطوّر في أعمالها، أو أنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» يوسّع عملياته غرب قناة السويس.
وفي كلتا الحالتين، تمثل بداية العمليات الانتحارية خارج القناة عودةً إلى فترة التسعينيات، عندما واجهت مصر تمرداً خبيثاً ومتواصلاً بقيادة «الجماعة الإسلامية». وخلال ذلك العقد، عاثت «الجماعة الإسلامية» فساداً في مصر - عندما كان يتزعمها رجل الدين الضرير الشيخ عمر عبد الرحمن - حيث استهدفت رجال الشرطة، والمسؤولين الحكوميين، والمسيحيين الأقباط، والسياح، الأمر الذي أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص.
وبالإضافة إلى الخسائر البشرية المرتفعة خلال ذلك العقد، كانت التكلفة الاقتصادية مرتفعة أيضاً. فطوال التسعينيات، اقتصرت السياحة، التي تشكل حوالي 10 في المائة من الاقتصاد المصري، على نحو 300 ألف زائر فقط شهرياً. وفي عام 1998، أي بعد عام من هجوم الأقصر، انخفضت عائدات السياحة بنسبة تزيد على 25 في المائة، لتصل إلى أقل من 3 مليارات دولار، واستمرت بالنموّ بشكل بطيء إلى أن انقشع دخان أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001. ومع هزيمة «الجماعة الإسلامية» بحلول عام 2011، كان عدد الزوار الأجانب إلى مصر قد ارتفع إلى أكثر من 1.5 مليون زائر شهرياً.
وبحلول عام 2013، أي بعد عامين من سقوط مبارك، صنف "البنك الدولي" مصر في المرتبة 140 والأخيرة في العالم، بعد باكستان واليمن، في مجال سلامة السياح. وبعد عام من وصول السيسي إلى الحكم، كان السيّاح قد بدأوا للتو في العودة إلى مصر. ولكن، إذا ما أصبحت الهجمات الإرهابية التي وقعت الأسبوع الماضي حدثاً عادياً، كما كانت في التسعينيات، فقد تعود أرقام السياحة إلى القاع مجدداً. كما أن التطورات في سيناء يمكن أن تجعل الأمور حتى أكثر سوءً.
وفي 6 آب/أغسطس، سوف يفتتح السيسي ممراً مائياً جديداً يبلغ طوله 37 كيلومتراً، وهو مشروع تبلغ قيمته 8 مليارات دولار وتم تصميمه لزيادة قدرة استيعاب قناة السويس. وتُعد عائدات هذه القناة مصدراً آخر بالغ الأهمية لإيرادات الحكومة، حيث تصل إلى ما يقرب من 5.5 مليار دولار، أو نحو 2 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي" لعام 2014.
وفي آب/أغسطس قبل عامين، أطلق إرهابيون تابعون لـ تنظيم «القاعدة» قنبلة صاروخية على سفينة كانت تعبر القناة. وبشكل مثير للدهشة، لم تتكبد السفينة أضراراً جسيمة. ولكن اليوم، تمتلك الجماعة التابعة لـ تنظيم «داعش» في سيناء أسلحةً روسية متقدّمة مضادة للدبابات قادرة على إغراق سفينة ، وبالتالي عرقلة حركة المرور بشكل فعال عبر قناة السويس.
وتعد كل هذه الأخبار سيئة بالنسبة للرئيس السيسي، الذي كان قد راهن بكل ما يملك على إنعاش الاقتصاد المصري. فقبل كل شيء، يعتمد إنعاش السياحة، وإيرادات القناة، والاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، على إعادة إرساء الأمن في البلاد.
وبعد مضي عام صعب، يبدو أن واشنطن توصّلت إلى تفاهم مع الانقلاب، ومع رئاسة السيسي. ففي نيسان/أبريل 2015، أنهت إدارة أوباما تجميداً طويل الأمد على نقل الأسلحة، وسلّمت عشر مروحيات من طراز "أباتشي" لمصر. وقد تتعرض عمليات نقل أسلحة أخرى، من بينها 12 مقاتلة نفاثة من طراز F-16، كانت الحكومة المصرية قد اشترتها إلى التأخير إلى أجل غير مسمى، وخاصةً إذا ما تم تنفيذ حكم الإعدام بحق عدد من كبار مسؤولي «الإخوان المسلمين».
ولكن إرساء الأمن في مصر - سواء في سيناء أو غرب قناة السويس - لا يتوقف على الدبابات والطائرات المقاتلة أو حتى على المروحيات الهجومية. ومثله مثل مبارك في التسعينيات، لن يتمكن السيسي من النجاح في قمع التمرد إلا إذا تبنى نهجاً جديداً.
ويشكل تعلق الجيش المصري الرجعي بأنظمة موروثة مكلفة وغير ملائمة لحملة مكافحة الإرهاب، إحدى التحديات الدائمة أمام السيسي. فإلى جانب مسألة المعدات، تتجاهل العمليات المصرية في سيناء تقنيات مكافحة التمرد الحديثة التي تم تعلّمها بصعوبة، باستخدامها استراتيجيات حركية (بشكل مفرط في كثير من الأحيان)، بدلاً من استراتيجيات اقتصادية.
وعلى الرغم من حثّ واشنطن للقاهرة، رفضت هذه الأخيرة بعناد أيضاً إعادة تخصيص مبالغ المساعدات العسكرية الأمريكية لتأمين حدودها مع جارتها الدولة الفاشلة، ليبيا. وعلى صعيدٍ أكثر محلياً، قد يحتاج نهج الدولة الصارم تجاه جماعة «الإخوان المسلمين»، التي فازت بـ 50 في المائة من المقاعد البرلمانية في انتخابات 2011-2012، إلى بعض التعديلات أيضاً.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أخبرني جنرال مصري في القاهرة أن الجيش "يفوز" في الحرب في شبه جزيرة سيناء. ولكن، على الرغم من هذه التأكيدات، لا يلوح في الأفق أي نصر في سيناء، ولا ينفكّ الإرهاب يترسّخ أكثر فأكثر على طول ضفاف نهر النيل في مصر.
وعلى الرغم من الهواجس الأولية حول الانقلاب، دعمت إدارة أوباما جدول الأعمال الاقتصادي للسيسي، مشيدةً بإصلاحاته للدعم الحكومي، ومرسلةً وزير الخارجية، جون كيري، لدعم مؤتمر استثماري عُقد في شرم الشيخ في آذار/مارس الماضي. غير أنّ أيّاً من ذلك لن يكون ذا أهمية كبيرة إذا ما استمر الأمن في التدهور. وفي ظل غياب أي تحول نحو اتباع تكتيكات مكافحة الإرهاب الحديثة، قد تواجه البلاد عقداً طويلاً من المشاكل تحت حكم السيسي.
---------------------
الكاتب : ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
المقاله لاتعبر عن رأي المنتدى العسكري العربي بل تعبر عن رأي كاتب النقاله ديفيد شينكر فقط
لذا اقتضت الاشاره