-العنوان: من طائرة الكونكورد إلى القبة الحديدية
-المؤلفان: أفيغدور زونشتاين، شوكي شتاوبار
-عدد الصفحات: 280
-الناشر: معهد التخنيون للأبحاث- جامعة حيفا
-سنة الصدور: 2015
-اللغة: العبرية
يتناول هذا الكتاب الإسرائيلي ما باتت تعرف بـ"هندسة القتال" في القرن الحادي والعشرين، في ضوء الانتقال من "طائرة الكونكورد" التي شكلت قمة الصناعات العسكرية في القرن العشرين إلى المنظومات المضادة للصواريخ كـ"القبة الحديدية والمعطف السحري وحيتس"، التي كان لها دور بارز في الحروب الإسرائيلية في العقدين الأول والثاني من الألفية الثالثة، لاسيما في لبنان وفلسطين.
القوى البشرية
يبدأ الكتاب حديثه بمقدمة تناولت عدم التكافؤ في الموارد العسكرية بين إسرائيل والعرب، لاسيما في مجال الحرب التقليدية، فالعالم العربي يضم عددا أكبر من الجنود، ويملك كمّا أكبر من الأسلحة. ولمقابلة هذا "التخلف الكمي"، سعت إسرائيل لإيجاد تفوق نوعي من الجنود والأسلحة، وكانت قواتها البشرية أفضل من ناحية الكفاءة الجسدية، وأفضل تعليما، وأكثر تحفزا من نظرائهم العرب.
أدرك مخططو الحرب الإسرائيليون هذه الحقيقة منذ البداية، وسعوا دوما لتطوير القوى البشرية، وركزوا على التفوق بعدة وجوه، أهمها مواظبة الجيش الإسرائيلي على التدريب القاسي والواقعي، لا سيما الوحدات المقاتلة، لأن تدريب الطيارين في سلاح الجو أصعب من أي تدريب للطيارين في العالم، فضلا عن تبنيه الإبقاء على جو الحرب في المستويين العملياتي والتكتيكي، في سبيل زيادة قدرة قواه البشرية.
ويرى المؤلفان أن نتائج الإصرار على إيجاد تفوق نوعي، والحفاظ عليه، ظهرت جلية في ساحات المعارك الإسرائيلية، فرغم تراجع الجيش في بعض الأحيان في الحروب الشاملة والنزاعات "المنخفضة الوتيرة"، فلم تتفوق عليه قوة عسكرية عربية، وكان ذلك الجيش المنتصر في جميع الحروب الشاملة، باستثناء حرب الاستنزاف، كما نجح في الدفاع عن إسرائيل في أوقات النزاعات المنخفضة الوتيرة، مع أنه لم يكن قادرا على تسديد ضربة قاضية للمنظمات الفدائية العربية أو المظاهرات.
ويبقى الجيش الإسرائيلي اليوم ملتزما بمبدأ التفوق النوعي في الأسلحة والقوات والمعدات، فالقوى البشرية مستعدة للحرب كما في أي وقت مضى. وتكنولوجيًا، فإن الجيش مستعد أكثر من أي وقت مضى للإبقاء على تفوقه العسكري على الجيوش العربية، لكن موقفه تغير من مسألة "الكم".
وخلال ربع القرن الماضي زاد حجم الجيش الإسرائيلي لدرجة أن مخازن السلاح التابعة له تحوي 800 طائرة مقاتلة، و4 آلاف دبابة، و2000 قطعة مدفعية، مما يجعلها من أكبر المخازن في العالم، ومع ذلك فإن الالتزام بجيش أصغر وأذكى سيقود لاختزال كمية الأسلحة مع مرور الوقت.
يستعرض الكتاب الإسرائيلي ما بدا من عيوب وثغرات بنيوية في بناء القوة العسكرية الخاصة بالجيش الإسرائيلي ووسائله القتالية، حيث اعتمدت المؤسسة العسكرية خطة تقوم على أساس خمسة فروع مركزية، بعضها بدأ الجيش بتطبيقها، على النحو التالي: دفاع متعدد الشرائح، وتحسين قدرات المناورة، وطول نفس لوجستي، والتدريبات، وذراع طويلة المدى.
صناعة الأسلحة
يقدم الكتاب مسحا إحصائيا بأهم ما درجت إسرائيل عليه في صناعة الأسلحة، وتطورها كما ورد في العنوان "من طائرة الكونكورد إلى القبة الحديدية"، إذ تطورت هذه الصناعة بثبات حتى وصلت لأن تصبح اليوم متطورة بشكل يشابه ما وصلت إليه نظيراتها في أي مكان آخر في العالم، ومع ذلك بقيت إسرائيل معتمدة على أسلحة أجنبية -أغلبها أميركية- لضمان أمنها القومي في منطقة تعصف بها التهديدات من كل جانب.
لقد صممت صناعة الأسلحة الإسرائيلية وأنتجت، خلال العقود الماضية، مختلف أنواع الأسلحة، مما يعد -وفقا للكتاب- إنجازا مذهلا لدولة من هذا الحجم.
ومن منتجاتها في مجال الفضاء، أنها صنعت أقمار استطلاع وصواريخ مساندة، وصواريخ بالستية متوسطة المدى، وصواريخ كروز طويلة المدى، تستطيع حمل رؤوس نووية متطورة، ونظام الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، والأنظمة الإلكترونية، بما فيها الرادارات وأجهزة الاتصال والتجمعات الاستخبارية والرؤية الليلية، والطائرات من دون طيار، وما تحتاجه أجهزة المخابرات.
هذا فضلا عن صناعة مختلف أشكال أنظمة الحرب البرية، بما فيها دبابات الميركافاه، والمركبات المصفحة المقاتلة، وأنظمة مدفعية كالبنادق، والصواريخ وأسلحة صغيرة وذخائر.
الكتاب الصادر حديثا يتناول، من خلال 22 مقابلة أجراها المؤلفان مع كبار الضباط والخبراء العسكريين في إسرائيل، الأهمية الفائقة لدور التكنولوجيا العسكرية في ساحة المعركة، والمهام المنوطة بها لدى أجهزة المخابرات في التعرف على ما لدى العدو من قدرات عسكرية، وتأثيرها على سير المعركة، من خلال سرد عدد من حالات الإخفاق التي واكبت عمل الجيش الإسرائيلي انطلاقا من هذه الثغرة، وحالات أخرى من النجاح المقابلة.
ويرى المؤلفان أن العلاقة بين المعلومات الأمنية والتكنولوجيا العسكرية بالغة الأهمية، كون الأولى تقوم بدور محوري في بناء القوة العسكرية الحديثة، فضلا عن توفيرها جملة من الاحتياجات الاستخبارية خلال سير المعركة مع العدو.
ويقدم الكتاب تفصيلا مطولا لما أسماها "ثورة المعلومات" وأثرها على سيرة القتال عبر تقديم عدد من النماذج القتالية الإسرائيلية، من خلال ما يفرده بالحديث عن بناء النظرية الأمنية الإسرائيلية الحديثة المستندة في بعض محاورها إلى البعد التكنولوجي المعلوماتي.
كما أن هذا البعد يشكل بحد ذاته قوة عملياتية في الميدان، ويوفر الشروط المطلوبة للتفوق التقني على العدو، إلى جانب مهامه في الصناعة الأمنية، وما يساهم فيه من خلال طريقة اتخاذ القرارات العسكرية والأمنية، والثورة التي يحدثها في ساحة القتال المستقبلية.
وينوّه المؤلفان إلى أن صدور الكتاب يتزامن مع تزايد التهديدات التي تعيشها إسرائيل من جبهات مسلحة مجاورة، وما يرافقها من وتيرة متسارعة في التحضيرات العسكرية لاحتمالات وقوع حرب أو مواجهة، مما دفع بالكتاب للإشارة إلى الاتجاه السائد لدى قيادة الجيش الإسرائيلي نحو التكنولوجيا العسكرية، لافتا الأنظار إلى حجم جهود المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وشركاتها الدفاعية المنصبة على تخطي التحديات العسكرية التي واجهتها في حروب سابقة.
ينشغل الكتاب كثيرا بالإشارة إلى أهم الأهداف التي تسعى القيادة العسكرية الإسرائيلية لتحقيقها من خلال سعيها الدؤوب لتطوير تكنولوجياتها العسكرية، لاسيما التصدي للصواريخ المدفعية، وإيجاد الحلول المثلى لتقليل الأضرار، وإزالة قوة ردع الجهات المسلحة المعادية لها، إلى جانب تحديث منظومة الإنذار المبكر وعمليات الدفاع المدني لتقوية صلابة الجبهة الداخلية، وتمكينها من الصمود في حرب قد تطول أسابيع أو حتى شهورا.
الحروب العصرية
مؤلفا الكتاب يتطرقان لما قالا إنها تطورات هائلة جارية في مجال التكنولوجيا العسكرية على الصعيد العالمي، ووصول تكنولوجيا عسكرية متطورة للعديد من دول الشرق الأوسط، بالذات فيما يتعلق بالقدرات في مجال الصواريخ الباليستية والأسلحة الدقيقة الموجهة، مما يهدد بإمكانية استخدامها ضد إسرائيل في أي مواجهة عسكرية مقبلة.
يسعى الكتاب الذي جاء في سبعة فصول، لوضع صناع القرار العسكري الإسرائيلي في صورة التطورات التكنولوجية ذات الاستخدامات العسكرية، لاسيما وأن الجيش الإسرائيلي فقد خلال مواجهته الانتفاضة الفلسطينية خاصيته "كجيش عصري"، معد لحروب عصرية تستخدم أحدث التكنولوجيات العسكرية، وأحدث ما تنتجه صناعات الأسلحة في العالم، والقدرة على الحسم في معارك وحروب قصيرة.
المثير في الكتاب أنه يصدر في وقت تحاول إسرائيل استخلاص الدروس من حروبها الثلاث الأخيرة في غزة، بما يشمله ذلك من إعادة النظر في مقاربتها للمسائل العسكرية، بعد أن اختبرت في هذه الساحة شكلا جديدا من أشكال القتال، بما يدفعها للتركيز على التكنولوجيا الجديدة، خاصة "الإنسان الآلي المُسَير عن بعد"، الذي يعمل في ساحة المعركة، مع الاحتفاظ بقواتها الدفاعية التقليدية لمواجهة هجوم محتمل من جيش كلاسيكي، كجزء من توجه عسكري إسرائيلي لتطوير منظومة جديدة من الأسلحة الرادعة، لتمكين الجيش من الإصابة الفردية للعدو الذي يحاربه.
وتبعا لذلك، باشرت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عمليا بتوظيف أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا، واكتشفت أن ما باتت تسمى بـ"التكنولوجيا الصفرية" هي الأداة المناسبة والرد الأنجع على تحديات أساليب المنظمات المعادية لها.
يكتسب الكتاب أهمية إضافية في كون مؤلفيه من ذوي الباع الطويل في مجال الهندسة القتالية وإدارة المعارك، فالأول أفيغدور زونشتاين حاصل على الدرجات الجامعية الثلاث في الهندسة الصناعية، والأبحاث العملياتية، والدكتوراه من جامعة أريزونا في الهندسة القتالية، وتولى مناصب عليا في هيئة الصناعات العسكرية الإسرائيلية "رفائيل"، ثم ترأس اللجنة الحكومية الرسمية لإدارة المعهد القتالي، وهو باحث زميل في مركز "غوردون" لهندسة المعارك، والمنظمة الدولية لهندسة القتال، ويعمل متطوعا في عدد من المنظمات العالمية.
أما المؤلف الثاني شوكي شتاوبر فهو ضابط سابق في الجيش الإسرائيلي، وصحفي ومستشار ومحاضر جامعي، ألّف 13 كتابا، وقدم مئات المحاضرات، ونشر مئات المقالات الدورية في المجلات الاقتصادية، أهمها "غلوبس"، وهو حاصل على الشهادة الجامعية الثانية في إدارة الأعمال من جامعة تل أبيب.
----------------