ليوناني الذي اخترعت بلاده أول نقود بالعالم، ومنها استمد العرب الفلس والدرهم والدينار، محروم منذ اليوم الاثنين من المال، حتى ولو كان يملك الملايين بالبنك، لأن المصارف مغلقة في وجهه طوال الأسبوع الحالي، وليس مسموحاً له أكثر من 60 يورو يوميا من ماكينات السحب الخاصة، أي 60 دولارا، وهي قيود تهدف إلى حماية النظام المالي لبلاد مطلوبة بأن تدفع الثلاثاء مليارا و600 مليون يورو تستحق لصندوق النقد الدولي، وإلا أعلنت إفلاسها.
صحة اليونان الاقتصادية ليست على ما يرام، وهي تعيش في غرفة العناية الفائقة على أجهزة التنفس الاصطناعي، طبقاً لما تشير إليه أخبار الوكالات أمس واليوم، كما المنشورة في صحفها التي أطلعت "العربية.نت" على المترجم من بعضها، ومعظمه أبرز ما قاله البنك المركزي الأوروبي، من أنه لن يزيد تمويله الطارئ لإسعافها أكثر مما هي واقعة فيه.
وكانت الحكومة اليونانية أجرت مفاوضات للإفراج عن التمويل قبل حلول موعد المبلغ المستحق لصندوق النقد، لكن رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس طلب فجأة، وباكرا يوم السبت الماضي، مزيداً من الوقت لإتاحة الفرصة لليونانيين للتصويت في استفتاء على شروط الاتفاق، إلا أن الدائنين رفضوا طلبه، وحشروا اليونان في زاوية، ردت منها بما وعدت أن تفعله كعلاج مؤقت وسريع ووحيد: جمّدت الأموال المودعة في البنوك حتى حلول الاستفتاء يوم الأحد المقبل، تاركة اليونانيين بلا معين.
والاستفتاء الذي صوت على إجرائه البرلمان ليل السبت الماضي، هو حول عرض قدمه الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بشأن ديون اليونان، المستاء منها دائنون أغلقوا السبت باب المفاوضات معها، في وقت أعلن فيه رئيس مجلس وزراء مالية منطقة اليورو، يروين ديسلبلوم، أن خطة المساعدة المالية التي تستفيد منها أثينا منذ 2012 "ستنتهي في 30 يونيو الجاري" مضيفاً فيما طالعته "العربية.نت" أيضا، أن اليونان قطعت من جانب واحد المفاوضات، وأعلنت عزمها إجراء الاستفتاء.
وتفاءل رئيس الحكومة تسيبراس بأن يقول اليونانيون "لا كبيرة ضد إنذار الدائنين" في الاستفتاء الذي سيطلب منهم التصويت بكلمة "نعم" أو "لا" على الإجراءات التي قدمها الدائنون، وهم صندوق النقد الدولي ودول الاتحاد الأوروبي، ممن اقترح ممثلوها تمديد برنامج المساعدة لليونان 5 أشهر، مع رزمة قروض بقيمة 15 مليار و500 مليون يورو، بواقع 12 من الأوروبيين و3,5 من صندوق النقد، مقابل إصلاحات وإجراءات تقشف مالي وجدتها اليونان صعبة، لأن مدة التمديد قصيرة والمبلغ لا يكفي.
وكان وزراء مالية منطقة اليورو، أعلنوا السبت الماضي، أنهم سيستخدمون كافة ما لديهم من وسائل لضمان "استقرار" منطقة اليورو، بعد الاجتماع الأخير للدول الأعضاء (من دون اليونان) وهو اجتماع تم تخصيصه لبحث خطة B بديلة، أي كيفية مواجهة عجز اليونان عن سداد المبلغ المستحق لصندوق النقد، وهو ما يشكل سيناريو كارثيا قد تنهار معه بنوك اليونان ومؤسساتها المالية وتتحول إلى ما يشبه "تايتنك" غارقة بمن عليها.
وفي أول استطلاع أجراه "معهد كابا" لصحيفة "فيما" اليونانية، أيد 47.2 %التوصل إلى اتفاق، مقابل 33% ضد، فيما لم يعبر 19.8% عن موقفهم. وفي استطلاع آخر أجراه "معهد ألكو" لصحيفة "بروتو ثيما" اليونانية، عبر 57% عن تأييدهم للاتفاق مقابل 29% فضلوا المواجهة مع الدائنين، حتى ولو خرجت اليونان من منطقة اليورو وعادت إلى الدراخما، عملتها التاريخية.
ووصل صدى الأزمة اليونانية باكرا اليوم الاثنين إلى الشرق الآسيوي، فتراجع سعر صرف اليورو إلى أقل من 1.10 دولار في أول التعاملات، بحسب ما قرأت "العربية.نت" مما بثته الوكالات "بسبب سعي المستثمرين إلى تفادي المخاطر المرتبطة بالأزمة اليونانية" فتراجع سعره في طوكيو صباحا إلى 133.80 ين، بعد أن كان 138.26 ين.
أما "دراخما" التي قد تعود اليونان إليها فيما لو خرجت من منطقة اليورو التي دخلتها قبل 14 سنة، فهي عملتها القديمة، وذكرها المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت، الراحل في 425 قبل الميلاد، بقوله إن صكها من ذهب وفضة كان في مملكة ليديا، ومن Drachma اشتق العرب كلمة درهم، ومن كلمة "ديناريوس" اليونانية الرومانية اشتقوا "دينار" ومن Follies التي تعني الكيس الصغير، اشتقوا كلمة فلس المستخدم عندنا للآن.