|
| مذكرات وزير الدفاع السوري السابق العماد اول مصطفى طلاس | |
| كاتب الموضوع | رسالة |
---|
مشرف
| موضوع: مذكرات وزير الدفاع السوري السابق العماد اول مصطفى طلاس السبت يوليو 04 2015, 14:37 | |
| لعب وزير الدفاع السوري السابق العماد أول مصطفى طلاس دورا سياسيا مؤثرا في سوريا طوال العقود الاربعة الماضية، وكان من صانعي القرار السوري والاقليمي في فترات عدة، وفي كتابه الجديد «مرآة حياتي»، يكشف عن الكثير من الاسرار ويزيل الغموض عن أمور عدة ، ولاسيما انشقاق العميد رفعت الاسد شقيق الرئيس السوري حافظ الاسد
الجزء الاول الرئيس كان يعرف في أوائل شهر شباط (فبراير) من العام 1984 كنت متوجهاً الى مكتبي في القيادة العامة ولدى مروري قرب حديقة الجاحظ لاحظت عدّة صور ملصقة على الحيطان لشقيق الرئيس «العميد رفعت الأسد» وكانت الصورة تمثله وهو رافع قبضة يده كدليل على القوة والتحدّي,,
ولم أكن مرتاحاً نفسيّاً لهذه المناظر المؤذية والغبية وقلت بنفسي طالما أنّني انزعجت منها فلابدّ أنّ الرئيس حافظ الأسد سيكون أشدّ انزعاجاً لأنّ هذا الموضوع يخصّه بالدرجة الأولى قولاً واحداً. كان الرئيس الأسد الشخص الوحيد الذي يتابع المواضيع الأمنية داخل الوحدة /569/ (سرايا الدفاع) ذلك أنّ العميد رفعت عندما كان يستشعر أنّ أحد ضبّاط الأمن في وحدته يتعامل مع شعبة المخابرات كان يزجّ به في السجن الخاص بالوحدة ولا يعود أحد يعرف عنه شيئاً، لذلك أصبحت الوحدة تشكل (غيتو) خاصاً يصعب انتهاكه، ومع هذا فقد كان للقائد الرئيس حافظ الأسد بعض الضباط داخل الوحدة يزوّدونه بأخبارها الخاصة عبر قنوات سريّة للغاية لم يستطع حتى رفعت نفسه أنْ يحيط بها, وبدأت تتشكّل القناعة لدى القائد الأسد أنّ رفعت يبيّت شيئاً ما وأنّ الوحدة في حالة استنفار دائم مع أنّ الظروف المحلية لم تكن تستوجب ذلك. اقصاء قائد الكتيبة "170" في منتصف شهر شباط فبراير عام 1984 وجّه القائد حافظ الأسد بنقل قائد الكتيبة «170» (كان القائد الاسد يهدف من وراء عملية حماية القيادة العامة من سيطرة العميد رفعت المباشرة عليها كما ان تغيير القائد المحسوب شخصيا على رفعت وبخاصة في هذا المركز وفي هذا الظرف يعني ان صاحب القرار في تعيين الضباط ونقلهم هو الرئيس الاسد قولا واحدا, كما ان نقل هذا الضابط يعتبر اول ثقب في قلعة رفعت الاسد) وهي الوحدة المكلّفة بحراسة مبنى القيادة العامة ووزارة الدفاع وكان قائد الكتيبة العقيد سليم بركات من أتباع العميد رفعت الأسد ومن المحسوبين عليه شخصيّاً وقد تمكّن رفعت من اقناع الرئيس الأسد بتعيين هذا الضابط (رغم قلة كفاءته المسلكية) في فترة نشاط الاخوان المسلمين في أواخر السبعينيات ورغم معرفتي بتفاهة هذا الضابط ويشاركني في الرأي رئيس الأركان العماد حكمت الشهابي ورئيس شعبة المخابرات اللواء علي دوبا فانّنا لم نُبدِ رأينا بصراحة وتركنا الأمر يصدر دونما لفت نظر للسيد الرئيس لأننا كنّا نعلم أنّ رفعت كان هو وراء هذا التعيين وكان الهاجس الأمني هو المسيطر على ذهن السيد الرئيس ولذلك كانت الكفاءة العسكرية تتراجع الى المرتبة الثانية. ولمّا كان أول الغيث قطرة فقد صدر الأمر بنقل الضابط المذكور بتاريخ 19/2/1984وتعيين المقدّم علي يونس عوضاً عنه وتمّ ابلاغ أمر النقل لقائد الكتيبة «170» من قِبل العماد حكمت الشّهابي لأنه يتبع اليه مباشرة وكان ذلك في 18/2/1984 الساعة الحادية عشرة صباحاًَ كما تمّ ابلاغ اللواء علي دوبا من قِبل العماد حكمت أيضاً بأنّ قائد الكتيبة المنقول محظر عليه دخول مبنى القيادة العامة بتاتاً. غادر قائد الكتيبة «170» مبنى القيادة العامة وهو بحالة غضب شديد وتوجّه مباشرة الى مقر قيادة العميد رفعت الأسد في القابون وشكا له الأمر وكان توجيه رفعت للضابط بأنّ يعود مساءً الى قيادة الكتيبة ويتسلّم قيادتها من جديد وكان العميد رفعت يعتقد بداخل نفسه بأن القائد الأسد أصدر أمراً بنقل أربعة عشر ضابطاً من المحسوبين على رفعت الأسد بتاريخ سابق ولم ينفذ أحد منهم الأمر وسكت الرئيس الأسد على مضض ولو لم يكن هؤلاء محسوبين على شقيقه رفعت لكان مصيرهم السجن أو العزل من الجيش في أضعف الاحتمالات. في الساعة الخامسة بعد الظهر عاد قائد الكتيبة المنقول العقيد سليم بركات الى مقر القيادة العامة ولم يمانع الحرس لأنّهم أساساً من عناصره وطلب الى قادة السرايا أنْ يجمعوا له عناصر الكتيبة بلباس الميدان الكامل وبعد دقائق كان الاجتماع جاهزاً في ساحة الأركان الخلفية فخطب بهم قائلاً: «لقد عيّنت قائداً للكتيبة بتوجيهات من العميد رفعت الأسد ولن أغادر هذه الكتيبة الاّ بأوامر شخصية من القائد رفعت الأسد (كان هذا التعبير يروق كثيرا للعميد رفعت ولذلك كان عناصر سرايا الدفاع كافة يردّدون هذه العبارات وكذلك المنافقون من عسكريين ومدنيين). وعَلِمَ اللواء علي دوبا بالأمر من قائد الكتيبة الجديد فتوجّه مباشرةً بسيارته الى مقر قائد الكتيبة وطلب الى العقيد أسعد صباغ والمرافقة أنْ تلحق به وصعد مباشرة الى حيث يتواجد العقيد بركات وتوجّه نحوه قائلاً: لقد انتهى كل شيء ولم يعد لك مكان في هذه الكتيبة وعليك أنْ تغادر فوراً, وصرخ العقيد بركات وهو شاهر مسدسه: سيدي اللواء لا تقترب منّي رجاءً,, فقال له اللواء دوبا: بل سأقترب منك يا ابن الكلب. وفي هذه اللحظة وصل العقيد صباغ وعناصر المرافقة (أربعة مساعدين مسلّحين بالبنادق الروسية) وقاموا بتجريد العقيد بركات من سلاحه وهتف اللواء دوبا الى العماد حكمت بأنّ المسألة قد حُلّت,, والتفت الى العقيد سليم قائلاً: أتشهر مسدّسك عليَّ يا سليم فقال له: معقول يا أبا محمد أنْ أشهر مسدّسي عليك,, وهنا قام اللواء دوبا بصفع العقيد بركات على خدّه: أنا اللواء علي دوبا ولست أبا محمد سأحاكمك يا سليم بركات, ثم أمر اللواء دوبا باطفاء الأنوار في الكتيبة وأمر العقيد أسعد صباغ بانزال العقيد بركات في سيارته وزجّه في سجن الشرطة العسكرية بموقع القابون وانتهت الحادثة دون ضجيج وبقي أشخاص معدودون يعلمون بها.
بداية المواجهة بين الطرفين
لم يهضم العميد رفعت الأسد هذا الاجراء، ولذلك قرّر المواجهة بعد نصائح أصدقائه، في الداخل والخارج، التي أخفقت معها الأساليب كافة للسيطرة على قرار الرئيس حافظ الأسد المستقل والذي يخدم المصلحة السورية ويتناغم مع مصلحة الأمة العربية، ولهذا وجدت واشنطن الفرصة مناسبة لكي توجّه عملاءها نحو تصعيد الأمور في وجه الرئيس الأسد، لأنّ شقيقه رفعت سيكون حتماً مطواعاً لسياسة البيت الأبيض وعلى النقيض من شقيقه وفقاً لحساباتهم ومعلوماتهم ومعلومات أصدقائهم, وكما ذكرت فانّ الرئيس الأسد كان الشخص الوحيد في القوات المسلحة الذي يمسك ببعض الخيوط الأمنية في سرايا الدفاع وعندما تأكّد أنّ المواجهة قادمة لا محالة وأنّ رفعت الأسد قد رفع الجاهزية القتالية في سرايا الدفاع منذ أسبوع أي أنّ العملية جديّة وليست عملية اختبارية لتفقّد الجاهزية القتالية للتشكيل, وفي الساعة الثانية الاّ ربعاً من صباح 25/2/1984 هتف لي الرئيس الأسد الى المنـزل وأعطاني التوجيه التالي: «ارتد لباسك العسكري وتوجّه مباشرة الى مكتبك في القيادة العامة واستنفر التشكيلات الضاربة القريبة من دمشق وارفع درجة استعدادها القتالي الى الكامل لأنّ العميد رفعت الأسد استنفر سرايا الدفاع بالكامل وهو يعدّ العدّة للسيطرة على دمشق لذلك يجب أنْ تتّخذ الاجراءات كافة لاحباط خططه وليكن في علمك أنّ رفعت جادٌّ هذه المرة في موقفه وأنا أعرف أنّك لا تخاف من أحد ولكن يجب أنْ تضع في اعتبارك أنّ المواجهة قائمة لا محالة ولذلك ليس أمامك من طريق سوى اشعاره بأنّ المواجهة مع الجيش ستكون عملية انتحارية له ولأتباعه كافة".
يتبع .......... |
| | |
مشرف
| موضوع: رد: مذكرات وزير الدفاع السوري السابق العماد اول مصطفى طلاس السبت يوليو 04 2015, 15:26 | |
| الجزء الثاني اتصالات بيني وبين الرئيس وفي دقائق معدودة كنت مرتدياً لباس الميدان ووصلت الى مبنى القيادة العامة الساعة الثانية وخمس دقائق واستنفرت فوراً لواء الصواريخ المحمول على دبابات والذي تبلغ دقّته بضعة أمتار كما استنفرت اللواء «65» المضاد للدبابات والذي يقوده العميد علي هرمز والوحدة «549» (سرايا الصراع ضد الدبابات) والتي يقودها العميد عدنان الأسد (ابن شقيق السيد الرئيس)، كما استنفرت قائد الفرقة الأولى اللواء ابراهيم صافي وقائد الفرقة الثالثة اللواء شفيق فياض وقائد الفرقة السابعة العميد علي حبيب و قائد الفرقة التاسعة اللواء عدنان بدر الحسن وتمّ هذا الاجراء في أقل من خمس دقائق وبعد ذلك وصل الى مكتبي تباعاً اللواء علي دوبا واللواء محمد الخولي وقال لي كلّ منهما: انّ الرئيس الأسد وضعنا تحت تصرّفك لكي ننجز المهمّة التي كلفت بها، قلت لهما: لقد استنفرت الوحدات والتشكيلات التي سبق ذكرها ودونكما الهواتف على مكتبي فقوما باستنفار الوحدات القريبة من دمشق وبدا مكتبي كأنّه غرفة عمليات وكل واحد منّا يتكلّم مع قائد تشكيل ويطلب اليه رفع الاستعداد القتالي الى الكامل,,, وهكذا تمّ استنفار بقيّة ألوية الصواريخ و القوة الجوية والدفاع الجوي وألوية مدفعية احتياط القيادة العامة وسرايا المهام الخاصة في شعبة المخابرات وسرايا الشرطة العسكرية ومفارز مخابرات القوة الجوية,,, يعني لم نترك قائداً قريباً من دمشق وبأمرته وحدة مقاتلة الاّ وتمّ رفع جاهزيّته القتالية الى الكاملة، مع تأكيدنا للضباط كافة أنّ الرئيس الأسد يضع ثقته المطلقة بهم. وأعلمت الرئيس الأسد بالوضع في الجيش وأنّ الوحدات والتشكيلات القريبة من دمشق أصبحت جاهزة لتلقّي أيّة مهمّة وشكرني على هذا الانجاز وأوصاني بالمتابعة. وهنا لابدّ من أنْ أقول كلمة حول ذاكرة الرئيس الأسد بأسماء التشكيلات وأرقامها, فلم يترك سريّة أو كتيبة أو لواء أو فرقة في القوات المسلحة الاّ وذكرها وطلب استنفارها وعندما كنت أقول له: لقد تمّ الأمر سيدّي، وبعد خمس دقائق يرنّ جرس الهاتف والمتكلم كان بالطبع الرئيس الأسد الذي كان يذكّرني بوحدة جديدة ، وكنت أقول له لقد تمّ استنفارها ولم تهدأ المكالمات والاتصالات الاّ قرابة السابعة صباحاً حيث طلبت من الرئيس راجياً أن يخلد الى الراحة ويأخذ قسطاً من النوم وقلت له مازحاً: «بقي رب العالمين لم نستنفره بعد»!, فقال ضاحكاً: لأنّه معنا، طيّب الله يعطيك العافية (اجرى القائد الاسد معي في تلك الليلة اكثر من مئة اتصال هاتفي ولو انني استخدمت آلة التسجيل لحصلت على وثيقة نادرة تبرهن مدى قوة واتساع ذاكرة الرئيس الاسد ولكن يبدو ان هذا الموضوع اصبح يتمتع باجماع عربي ودولي). كان اللواء علي دوبا واللواء محمد الخولي قد استأذنا في الساعة الرابعة صباحاً للنوم في مكاتبهما و بقيت وحدي في المكتب أتلقى اتصالات السيد الرئيس, وفي احدى المكالمات قلت للرئيس: صحيح أنّنا غيّرنا قائد كتيبة الحراسة لكنّنا لا نعرف الألغام التي وضعها رفعت في الكتيبة كما أنّ حراسة القيادة القطرية (1) القريبة من مبنى القيادة العامة هي من سرايا الدفاع ولذلك فان أمننا القريب لا يوحي بالاطمئنان فهل تسمح لي بأن أنقل فوجاً من الوحدات الخاصة ليكون احتياطاً قريباً في يدي,, فقال لي: هل تستطيع ذلك دون أن تخبر اللواء علي حيدر (وكان الرئيس الأسد يعلم بأنّ هناك تنسيقاً كاملاً بين شقيقه رفعت وعلي حيدر) فأجبته أنّني قادر على ذلك ولمّا سألني أي فوج مغاوير سوف تُحضر من لبنان؟ أجبته: الفوج «35» الذي يقوده العميد صبحي الطيب ورئيس أركانه العقيد محسن سليمان, فأجاب: أشك في أنّك سوف تنجح في هذه المهمة ! فقلت له أنا على يقين من النجاح طالما أنّني مغطّى بأوامرك,, فقال: استخدم صلاحيّاتي المطلقة في هذا المجال وتمنّى لي التوفيق.
الوحدات الخاصة تبدّل ولاءها
في الساعة التاسعة صباحاً كان في مكتبي العميد صبحي الطيب ورئيس أركانه العقيد محسن سليمان وأعطيتهما فكرة عن الموقف وقلت لهما لابدّ من قلب معادلة الأمن القريب وهذا لا يكون بعناصر الشرطة العسكرية وانّما برجال من المغاوير المتمرّسين على القتال ولذلك أطلب اليكما باسم الرئيس حافظ الأسد أن تأمرا الجنود والضباط كافة الذين بأمرتكم أن يتوجهوا فوراً من مكان تمركزهم الى معرض دمشق الدولي وهو المكان الذي حدّدته كنقطة ازدلاف للجميع، وذلك لقربه من القيادة العامة ولأنّ أجنحته المتعددة والواسعة تسمح بمبيت الرجال دون أنْ نلفت انتباه أحد, وعندما سألني العقيد محسن: كيف نتصرّف اذا حاولت مفارز سرايا الدفاع من الألوية المحيطة بدمشق منعنا؟,, وكان جوابي: انّ الحركة يجب أن تكون انفرادية على السيارات العابرة وبوساطة عربات المبيت شريطة ألا تشكّل العربات أي رتل اطلاقاً وعندما تواجهون عناصر سرايا الدفاع عليكم بضربهم بأخمص البندقية واذا استمرّوا في الممانعة فما عليكم الاّ أن تقلبوا لهم ظهر المجن ووجّهوا نحوهم فوهة البندقية التي تنبع منها السلطة السياسية في الحالات الثورية كما قال الرفيق «ماوتسي تونغ»، عند ذلك سوف تجدونهم يفرّون من المجابهة لأنّ ارادة القتال لديكم أقوى بكثير وأنتم حُماة السلطة وهم الخارجون على القانون. وأخيراً سألني العميد صبحي الطيب والعقيد محسن سليمان: طيّب ماذا سنقول للّواء علي حيدر اذا سألنا عن سبب ارسال قواتنا الى دمشق من دون علمه ؟ فقلت لهم: الجواب في منتهى البساطة لقد سأل عنك العماد طلاس فلم يجدك ونظراً لخطورة الحالة فقد استدعانا الى مكتبه وطلب الينا تنفيذ توجيهات الرئيس الأسد وهكذا صار. وصافحتهما متمنيّاً لهما التوفيق, وتوجّه قائد الفوج ورئيس أركانه الى منطقة عنجر وقاما بتنفيذ المهمة على أكمل وجه.
انقلاب علي حيدر
في الساعة التاسعة والنصف صباحاً حضر الى مكتبي العماد حكمت الشهابي والعماد علي أصلان حيث وضعتهما في صورة الموقف وقلت لهما انّ سبب عدم استدعائهما كان أولاً من أجل تنفيذ عملية الاستنفار بشكل سرّي بحيث لا تعرف به شعبة العمليات الا لاحقاً حتى لا يعرف العميد رفعت الأسد بالموضوع، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لم يكلّفني ذلك سوى بضعة اتصالات هاتفية مع قادة الفرق وقادة التشكيلات وأنتما معتبران حكماً مع الرئيس حافظ الأسد قولاً واحداً, وكان جوابهما: انّ هذا الموضوع لا يحتاج أبداً الى نقاش فنحن مع القائد حافظ الأسد على السرّاء والضرّاء. في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر حاولت أنْ أخلد الى النوم بعد عمل أربع عشرة ساعة متواصلة ولكن مدير مكتبي بعث اليّ بقصاصة يُعلمني بها بأن اللواء علي حيدر يرغب في مقابلتي، قلت له: دعه يدخل، واستقبلته كالعادة لكنّني لاحظت علائم الاضطراب على وجهه فبادرني قائلاً: سيدي ماذا صنعت أنا لكم وللرئيس حتى تعاملوني كالزوج المخدوع أي آخر من يعلم ؟
وكان الرئيس الأسد قد رسم لي خطّة لمعالجة هذا الموقف الطارئ, قلت له بوضوح: اذا كنت حقّاً معنا فما عليك الاّ أن تطلب من مكتبي العميد رفعت الأسد وتقول له بصراحة موقفك وعند ذلك فقط سوف أتّصل أمامك بالرئيس وسوف أرسلك لمقابلته فوراً لجلاء أي موقف غامض في قناعة السيد الرئيس، فقال لي: اطلب لي العميد رفعت حالاً، وطلبت العميد رفعت على الهاتف المباشر وكان على الخط في أقل من ثوانٍ وقلت له: أخي أبو دريد اللواء علي حيدر يريد أن يكلمك فسألني: هل هو عندك!، فأجبته طبعاً، فقال لي: صار لي من الصبح وأنا أفتش عنه دونما جدوى ( في الوقت الذي كان رجال الوحدات الخاصة يتوجهون الى دمشق من كل فج عميق كان اللواء علي حيدر يتناول الغداء في منزل علي حمية في حور تعلا بالبقاع، وعندما علم بالموضوع قال لعامل المقسم: اريد صبحي الطيب حيا او ميتا, وعندما اخذ الهاتف العميد صبحي الطيب قال للواء علي حيدر: لقد استدعاني العماد طلاس الى مكتبه مع العقيد محسن سليمان وطلب الينا نقل الفوج /35/ الى المعرض لمواجهة عناصر رفعت الاسد وان هذه الاوامر عكس توجيهات الرئيس الاسد شخصيا فماذا تريدنا ان نفعل ؟ فقال له: نفذ اوامر نائب القائد العام ) . وناولته سمّاعة الهاتف فقال له اللواء علي حيدر: «أبو دريد ما بتعرف أنه في هذا البلد لا يوجد سوى قائد واحد هو الرئيس حافظ الأسد، كيف يقوم عناصر من سرايا الدفاع بهذه الأعمال المشينة التي تسيء الى انضباط القـوات المسلحة؟ وكان جواب العميد رفعت: أنت الآن تريد أن تعطيني درساً في الوطنية يلعن أبوك ابن كلب ! وأغلق السماعة في وجهه فقال لي اللواء علي حيدر «عجبك»، لقد شتمني وأغلق الهاتف بوجهي، قلت له: الآن حقّ الحق, واتّصلت بالسيد الرئيس وأعلمته بالحادثة فقال لي: أرسله فوراً الى القصر الجمهوري، وتوجّه من مكتبي الى القصر وتمّ التأكيد على ولاء الوحدات الخاصة للرئيس الأسد، وطبّق اللواء علي حيدر حكمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب «الرجوع الى الحق خير من التّمادي في الباطل». وفي الساعة السابعة مساءً أخذت الاعلام بأن ألفي ضابط وصف ضابط وجندي من الوحدات الخاصة أصبحوا متمركزين في معرض دمشق الدولي، وبذلك أصبح الأمن القريب لمبنى القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة جيداً وانقلبت المعادلة لصالحنا كنسبة وتناسب في القوى والوسائط. ولم أكتف بذلك فطلبت الى العميد عدنان الأسد أن يرسل سّريتي م/د واحدة «مالوتكا» حقائب والثانية من طراز «فاغوت» وتم تمركزهما على سطح مبنى القيادة العامة، وبذلك غدت القيادة العامة قلعة محصّنة لا تُنتهك. اتفقت مع عدنان الأسد على تهريب الصواريخ إلى منزل الرئيس في سيارة الإسعاف لأن سرايا الدفاع كانت تحيط بدمشق كان لابدّ من اصدار الأمر بتشكيل الحرس الجمهوري لافهام القوات المسلحة بخاصة وبقية فئات الشعب بعامّة بأنّ القصر الجمهوري يحرسه الحرس الجمهوري ولم يعد لسرايا الدفاع أي دور في حماية السيد الرئيس . اتّفقنا على أنْ يكون قوام الحرس الجمهوري فرقة مدرّعة يضاف اليها ثلاثة أفواج حراسة تماثل ملاكاتها أفواج المغاوير في الوحدات الخاصة, وحتى يولد الحرس الجمهوري واقفاً على رجليه من لحظة تشكيله اقترحت على سيادة الرئيس أن نأتي بوحدات جاهزة من الفرق والتشكيلات مباشرة، وضربت مثلاً اذا أخذنا كتيبة مشاة أو دبابات أو مدفعية من أي فرقة فلن تتأثر جاهزيتها ومن السهل عليها تشكيل كتيبة أخرى من قوام الفرقة وهكذا ظهر في أمر التشكيل للمرّة الاولى اسم الوحدة التي ستنضم الى الحرس الجمهوري,,, وقد حاول رفعت الأسد عرقلة هذا التشكيل الذي اعتبره حربة موجّهة الى عنقه، ومنع بالقوة بعض الكتائب من الالتحاق بالحرس الجمهوري الاّ أنّ وحدات الدبابات تمكنت من خرق الحصار له والتحقت بالتشكيل الجديد، وكان في المقدمة الكتيبة «259» من اللواء «81» الفرقة الثالثة أول الملتحقين وانّي لأشعر بالزّهو والاعتزاز بأنّ هذه الكتيبة هي أول كتيبة دبابات تسلّمت قيادتها في حمص بعد ثورة الثامن من آذار المجيدة, وهكذا بدأ الحرس الجمهوري يقف تدريجياً على قدميه ليقوم بمهمّته النّبيلة. تهريـب الأسلحـة المضـادة للدبابات
كان منـزل الرئيس الأسد هو الهدف الأول لسرايا الدفاع ولذلك فقد كان يشكل بالنسبة لي هاجساً أمنيّاً يؤرّقني ليل نهار,, ولكن هذا الهاجس كان بالنسبة للعميد عدنان مخلوف (الذي عُين قائداً للحرس الجمهوري) كابوساً لا يطاق, ولمّا كانت وحدة سرايا الصراع التي يقودها عدنان الأسد مرشّحة للاصطدام فوراً بعناصر سرايا الدفاع التي سوف تتحرك باتجاه دمشق، فقد رأيت من الأفضل أنّ نسحب صواريخ «الفاغوت» من اللواء «65» (مضاد للدروع), ولمّا كان العميد رفعت قد نشر ألويته المحيطة بدمشق وأصبح مسيطراً على المداخل فقد اتفقت مع العميد عدنان بأنّنا سوف نلجأ لتهريب الصواريخ الى منـزل الرئيس حافظ الأسد بالعربات الصحيّة (سيارات الاسعاف) وعليه أن يفرّغ حمولة العربات ويعيدها الى مصدرها، واتصلت بالعميد هرمز قائد اللواء أن يحضر ثماني عشرة قاعدة صاروخية من طراز «فاغوت» مع ثلاث وحدات نارية لكل قاعدة ويرسلها الى منـزل الرئيس الأسد على دفعات (عربات منفردة) وأن يربط جندياً بالشاش الأبيض من يديه ورأسه ويكون (الميكروكروم) بديلاً للدم النازف، وفهم قائد اللواء الغاية من العملية التمثيلية وقلت له: يجب أنْ توصي سائق الصحية بأن يفتح (زمور الخطر) قبل الحاجز بمدة كافية وأن يسابق الريح في الوصول الى دمشق، وهكذا انطلت اللعبة على العميد رفعت وتم نقل القواعد الصاروخية المطلوبة كافة وأصبحت حول منـزل الرئيس حافظ الأسد، ولكن هذا الموضوع لم يبق سرّاً بيننا نحن الثلاثة وانّما شاركنا العميد رفعت بالمعلومات عن طريق وشاية قام بها أحد عملائه في اللواء «65» وهو الرائد يوسف العلي، وقد كشف هذا المغفّل عن نفسه بسرعة ولذلك وضعه العميد هرمز تحت الرقابة المشددة، وما أن سافر العميد رفعت الى موسكو حتى تم نقله الى مكان ثانوي لا يستطيع به أن يعضّ أو يخرمش,, وتم تصنيفه في عداد الضباط غير الجديرين بثقة القيادة العامة، كما تم وضع حواجز حديدية قنفذية حول بيت الرئيس الأمر الذي يعوق حركة الدبابات ويجعلها هدفاً ثابتاً للأسلحة المضادة، وبهذا العمل تمّت عملية تحصين بيت قائد الأمّة ورمزها المفدّى.
تنفيذ أمر نقل الضباط المحسوبين على رفعت
وفي غمرة لعبة عض الأصابع بيننا و بين العميد رفعت الأسد استأذنت السيد الرئيس القائد العام بتنفيذ أمر النقل للضباط المحسوبين على شقيقه والذين ماطلوا في التنفيذ مستندين الى دعم العميد رفعت وتعهّدت له بأنّ هذه العملية سوف تتم في جوٍّ ودّي ولن نريق قطرة دم واحدة,, فقال لي: أشكُّ في أنهم يقبلون ونحن في ذروة الأزمة، فقلت له اذا أعطيتني الضوء الأخضر فغداً تراهم وقد أصبح كلّ منهم في مكانه الجديد, فقال: اذا كنت قد عزمت فتوكّل على الله, وطلبت من مدير مكتبي أن يبلغ الضباط المنقولين وعددهم أربعة عشر بأن يتواجدوا في مكتبي غداً الساعة السادسة صباحاً, وتمّ ابلاغ الضباط جميعاً وكان جوابهم لماذا في هذا الوقت المبكر ونحن نعلم أنّ العماد طلاس يبدأ دوامه الساعة العاشرة صباحاً وينتهي الساعة العاشرة مساءً فلماذا نحضر قبل الدوام الرسمي بساعة ونصف؟ وكان جواب مدير المكتب: الأمر واضح ولا لبس به وأنتم مطلوبون غداً الساعة السادسة صباحاً. في صباح اليوم التالي حضر الضباط المعنيون الى مكتبي متأخرين ساعة ونصفاً عن الموعد ولمّا سألتهم عن السبب؟ أجاب كبيرهم: هل تريد أن نقول لك الحقيقة؟، قلت: نعم، قال: كنّا عند أبي دريد (يعني رفعت الأسد)، قلت لهم: اذاً لم يكن الرئيس الأسد مخطئاً عندما نقلكم من أماكنكم وها أنتم الآن تعترفون دونما أي ضغط أو اكراه أنّكم كنتم لدى قائد سرايا الدفاع, المهم نحن الآن أولاد اليوم وعفا الله عمّا مضى, ولكن قبل أن أُعطيكم توجيهات القائد العام أودُّ أن أطرح عليكم السؤال التالي: مَنْ منكم تقدّم اليَّ بطلب شخصي أو عام ولم ألبِّ طلبه؟ فسكت الجميع ولم يحر أيّ منهم جواباً, قلت لهم: اذاً لماذا تلعبون بذيولكم وتضعون ثقتكم وولاءكم لغير قائدكم؟ (فسكتوا أيضاً) وتابعت : الآن أمرني القائد العام أنْ أنفّذ أوامره بنقلكم الى وظائفكم الجديدة, من ينفذ الأمر سوف يُعفى من أيّ عقوبة أو مساءلة مسلكية (عدم تنفيذ أمر القائد العام يعتبر في حالة الحرب جناية يعاقب مرتكبها بالسجن سبع سنوات كحدٍّ أدنى) أمّا في حال اصراركم على غيّكم فأنا كلفت نوّابكم في التشكيلات والوحدات أن يعتقلوكم ويرسلوكم مباشرة الى السجن المركزي، وفي حال المقاومة والعصيان العسكري فانّ لدى نوّابكم الأمر منّي شخصيّاً باطلاق النار عليكم وأنتم تعرفون أنّنا لن نحاسبهم على النتائج مهما كانت لأنّهم ينفّذون الأوامر والتعليمات وأنتم الخارجون على القانون, أما في ما يتعلّق بأمور التسلم والتسليم فاعتبروا أنّ لديكم براءة ذمّة مصدّقة من وزير الدفاع وسوف تصلكم بالبريد، أما بالنسبة لحاجاتكم الشخصية فيمكنكم أن ترسلوا السائق لجلبها من مكاتبكم وحذار من الالتفاف على الأوامر واذا مكرتم فانّ مكرنا أشد واذا تطاولتم على القائد العام فانّ يدي ستطول هذه المرة رقابكم, وضربت بقبضتي على الطاولة (وكانت الغاية من ذلك ادخال الرهبة في نفوسهم) وكان صوتي المرتفع والجدّي يدلُّ على مدى الحسمية وعدم التساهل أبداً في الموضوع, فأذعن الجميع للتعليمات وأدّوا التّحية العسكرية وتوجّهوا الى أماكن وظائفهم الجديدة ولم يحاول أي منهم المناورة كما لم يعد أي منهم الى الاتصال بالعميد رفعت أبداً. وأعلمت الرئيس الأسد بنجاح المهمة وكان مرتاحاً للغاية وقلت له: ليس الجيش والشعب معك في هذه الأزمة وانّما العناية الالهية كذلك، ورويت له قصّة الشيخ أحمد عبد الجواد الذي جاء من المدينة المنورة لنجدة الرئيس الأسد، وحتى يكون القارئ معنا سأروي له الحكاية كما حدثت:
-------------------- يتبع ....... |
| | |
مشرف
| موضوع: رد: مذكرات وزير الدفاع السوري السابق العماد اول مصطفى طلاس السبت يوليو 04 2015, 15:54 | |
| الجزء الثالث رؤية وصلاة في 3 أماكن في أوائل شهر شباط (فبراير) من العام 1984 اتصلت زوجتي لمياء الجابري (أم فراس) بالشيخ أحمد عبد الجوّاد وطلبت منه أن يأتي الى سوريا وكان جوابه: انّني الآن في المدينة المنورة وأمامي المدفأة الكهربائية ولا أقوى على برد الشام في شهر شباط, فقالت له أم فراس: اذاً على خاطرك وفوجئنا في اليوم التالي به يطرق الباب مع الشيخ محمد الهندي, وبعد أن رحّبت بمقدمه وقلت له: من الذي أتى بك الينا؟ أجاب اسأل زوجتك أم فراس، فقلت: أريد أن أسمع منك, فقال: بعد هاتف أم فراس توجّهت الى مسجد الرسول وبدأت بالصلاة وتلاوة القرآن حتى غلبني النّعاس فنمت في الروضة الطاهرة (ورأيت حلما دفعني الى المجيء الى الشام) وأمام هذا الحدث اتصلت بشركة الطيران السعودية وغادرت المدينة المنورة على أول طائرة متوجّهة الى دمشق وها أناذا بينكم.
بعد أن شربنا القهوة قال لي: انّني مكلّف (للصلاة) في مكان مرتفع في دمشق على مدى ثلاثة أيام ونقوم سويّة بالدّعاء بأن يحفظ الله البلد والقائد حافظ الأسد، وأجبته: حبّاً وكرامة، ورجاني أن نستخدم سيارة الشيخ محمد الهندي لأنّها متواضعة ولا يجوز أن نتقرب الى الله ونحن نركب أفضل السيارات، وأجبته لا مانع لديّ مطلقاً, وصعدنا الثلاثة الى جبل قاسيون وصلّينا قرب (نصب الجندي المجهول) وقمنا بالدّعاء حسب الأصول. في اليوم الثاني طلب منّي أنْ نصلّي في أعلى مكان في دمشق قرب شارة التلفزيون على جبل قاسيون وتوجّهنا الى هناك وكنت أجلس الى جانب السائق وتعرّف عليّ قائد الحرس، وهو من عناصر سرايا الدفاع، وفتح لنا الحاجز بعد أن أدى التحية العسكرية وقمنا بالصلاة والدّعاء الى الله بأن يحفظ البلد وقائدها الأسد,, وشعرت وأنا أصلّي بوجود حركة غير طبيعية في الموقع فالدبابات خارجة من مخابئها وسدنة الدبابات يقومون بتنظيف الذخيرة ومسح المدافع وتنظيفها، من أعمال الصيانة وقلت في نفسي ربّما تصادف مجيئنا مع يوم المرآب في سرايا الدفاع. في اليوم الثالث قال الشيخ أحمد لسنا بحاجة لكي نصلّي في مكان مرتفع ويمكننا أن نصلي في حديقة المنـزل. وهبطنا مع سجادات الصلاة الى الحديقة وصلّينا وتوجهنا الى الله بالدعاء نفسه. وانّني أعترف للقارئ بأنني أكبرتُ في هذا الرجل محبته للقائد الأسد دون أن يراه أو يقابله شخصياً. وقد حدثت هذه الواقعة في أوائل شهر شباط (فبراير) 1984، وقبل أن يكتشف أحد باستثناء السيد الرئيس نوايا العميد رفعت في عزمه على كشف أوراقه بشكل مبكر وقد بقي الشيخ أحمد في سوريا حتى انفرجت الأزمة وسافر العميد رفعت الى روسيا (علمت بعد انتهاء الازمة بأن الرقيب اول رئيس الحرس الذي فتح لنا الحاجز على قمة جبل قاسيون عاقبه العميد رفعت عشرين يوما في سجن الوحدة).
الشيخ أحمـد الرفاعـي يتراءى لي فـي المنام
كان الرئيس الأسد أحرص مني على نفسي وقال لي في بداية الأزمة: ليس من الضروري أن تنام كل يوم في مكتبك, بل يمكن أن تناور وتبيت كل يوم في أحد مكاتب القيادة العامة وتعلمني عن رقم هاتف المكتب, وكان جوابي: انني مصمم على المبيت في مكتبي مهما كانت النتائج وحتى أعطي مثلاً للآخرين بأنّ القائد يموت دفاعاً عن وطنه حتى ولو كان في مكتبه, فقال: اذا كان هذا رأيك فأنا موافق لأنّه من الضروري أن تترك أمثولات ومآثر للتاريخ. و في 12 آذار (مارس) 1984 كنت نائماً في مكتبي واذا بي أسمع بعد منتصف الليل جلجلة كبيرة في ساحة الأمويين وقدّرت أنّه يوجد في الساحة نحو ألف رجل يرقصون رقصة الحرب وكان على رأسهم الشيخ الجليل أحمد الرفاعي, كانت سيوف الجنود تلامس الأرض الاّ قليلاً وكانت الرماح تتطاول حتى لتنوف على شرفة مبنى القيادة العامة وكانت الأيدي تمسك بالأيدي والأكتاف متراصّة كأنّها بنيان مرصوص وقائد الدبكة الحربية يقول بصوت جهوري يشق عنان السماء: «يـا أيهـا النبـي والكوكـب الـدرّي أنت امام الحضرة سلطانها القوي» (قال لي الشيخ عربي قباني (رحمه الله): اننا نتناقل هذا النشيد في المدائح النبوية ونقول: سلطانها الغيبي فأجبته هذا ما سمعته من الشيخ احمد الرفاعي دونما تحريف او تصحيف). وعندما يصل الشيخ أحمد الرفاعي الى كلمة (سلطانها القوي) تهوي ألف قدم على الأرض فترتج ساحة بني أمية وكأنّ زلزالاً ضربها. استيقظت من نومي وطليت من النافذة فلم أجد شيئاً وخرجت الى الشرفة ومعي مرافقي المساعد سيف الدين سعدة فلم أجد شيئاً وعدتُّ الى النوم من جديد وما هي الاّ نصف ساعة حتى عاودني المنام ونهضتُّ من السرير وكرّرت المحاولة ولم أجد شيئاً وهكذا حصل معي في الرؤيا الثالثة ، وسجلت تاريخ الليلة على مفكرة المكتب، وبعد انتهاء الأزمة اعترف النقيب مالك مصطفى من سرايا الدفاع بأنَّ العميد رفعت الأسد أمره ثلاث مرات بأن يطلق قذيفة مدفعيّة محمولة من طراز «غفوزديكا KVOZDIKA» على مكتبي وبعد خمس دقائق كان يأتيه أمر معاكس بأن ينـزع القذيفة, وهكذا كانت العناية الالهية تحرس مبنى القيادة العامة.
خطّة العميد رفعت للسيطرة على دمشق
كان العميد رفعت الأسد يستغل فترات ضغط الاخوان المسلمين على مرافق الدولة المختلفة ويطلب في ذروة الأزمة ضباطاً ومجندين الى الوحدة، وكانت ادارة شؤون الضباط تستجيب له وكذلك شعبة التنظيم والادارة الأمر الذي رفع تعداد الوحدة من ستة عشر ألفاً الى أربعين ألفاً من مختلف الرتب, وقد ساعده في ذلك أن التطوّع كان مفتوحاً لديه ولهذا فانَّ كل مجند يأتي الى الوحدة يكون زيادة على الملاك, وحتى تستوعب سرايا الدفاع، التي هي في الأساس (فرقة مدرعة) + لواء مشاة جبلي + ثلاثة أفواج انزال + كتيبة «مغاوير خاصة» + كتيبة دبابات مستقلة، هذه الأعداد الكبيرة من الجنود، شكّل العميد رفعت بصورة غير نظامية أربعة ألوية مشاة أطلق عليها «الألوية المحيطة» وأعطاها أرقاماً من عنده وكلّف كل لواء منها بمهمة السيطرة على المحاور المؤدّية الى دمشق وفقاً لما يأتي: ـ اللواء الأول: محور حمص ـ دمشق. ـ اللواء الثاني: محور بيروت ـ دمشق. ـ اللواء الثالث: محور القنيطرة ـ دمشق. ـ اللواء الرابع: محور درعا والسويداء ـ دمشق.
كانت الفكرة الأساسية للسيطرة على دمشق تقضي باغلاق المحاور الأساسية فيوجه الوحدات والتشكيلات الضاربة المتمركزة خارج دمشق والتي ولاؤها معقود للقائد حافظ الأسد، وفي اللحظة نفسها تتحرّك ثلاث مفارز قوامها سرية دبابات + سرية مشاة ميكانيكية + فصيلة هندسة عسكرية بمهمة السيطرة على منـزل رئيس الجمهورية من قبل المفرزة الأولى، بينما تقوم المفرزة الثانية بالسيطرة على مقر القيادة العامة، والمفرزة الثالثة تقوم باحتلال مقر الاذاعة والتلفزيون وتعلن مباشرةً على العالم نبأ استلام «رفعت الأسد» مقاليد السلطة في البلاد, ولاشعار سكان العاصمة دمشق بأنّ القبضة التي استلمت الحكم هي قبضة فولاذية، تقوم كتائب المدفعية «ب م ـ 21» بقصف دمشق عشوائياً لارهاب السكان وقطع أنفاس الناس حتى يصبح أهل الشام مثل أهل بغداد أيام «الحجّاج» سابقاً وأيام «صدّام» لاحقاً. بعد ذلك تقوم مفارز المشاة من سرايا الدفاع بعملية نهب وسلب للمدينة المنكوبة وقد أبلغ العميد رفعت ضبّاطه وجنوده أنّ المدينة ستكون لهم حلالاً زلالاً مدّة ثلاثة أيام بلياليها، وبعدها لا يجوز أبداً أن يظلّ فقير واحد في سرايا الدفاع, واذا طلب أي جندي بعدها مساعدة أو اكرامية ستقطع يده, ولذلك على من يكتبوا تاريخ سوريا الحديثة أن يقدّروا مدى وأهميّة الحكمة البالغة التي استخدمها الرئيس حافظ الأسد بنـزع فتيل الأزمة على نار هادئة.
رفعت وقصف دمشق ومفرزة لصوص
يمكن لكتيبة واحدة من ان تطلق 720 طلقة في دقيقة وعشرين ثانية وهي الجيل المطوّر عن قذائف (الكاتيوشا) التي ابتكرها المهندسون الحربيون الروس في الحرب العالمية الثانية وكان لها دور مؤثر في الضربات النارية, وفي حديث هامس لابي دريد «رفعت الاسد» مع مستشاره السياسي «محمد حيدر» وكانا يمشيان في ضوء القمر بمعسكرات القابون: «مو حرام واسافه ان تهدم هذه المدينة الجميلة», فأجابه محمد حيدر: «والله صحيح حرام واسافة ولكن شو طالع بأيدينا غير هيك». في أوائل نيسان (ابريل) من العام 1984 وقرابة الساعة الرابعة بعد الظهر تلقيت اتصالاً هاتفياً من قائد قواتنا في طرابلس العميد سليمان حسن وأعلمني أنّ علي عيد جهّز مفرزة من اللصوص قوامها نحو مئتي عنصر مع عشرين سيارة متنوعة وهم مسلحون ببنادق كلاشينكوف ومدافع مضادة للدروع (ر,ب,ج,7) وقنابل يدوية ومسدسات,, وهناك اتفاق ضمني مع أبي دريد يعني العميد رفعت الأسد بأنّ هذه المجموعة سوف تشارك في نهب محال المجوهرات وخصوصا في دمشق عندما تحين ساعة الصفر لاستباحة المدينة ثم يهربون بالمسروقات الى لبنان (طرابلس الشام) وهناك تتم عملية الاقتسام. اتصلت فوراً بقائد فرقة الدفاع الجوي في المنطقة الوسطى اللواء أحمد غميض وأسندتُّ اليه مهمة القبض على اللصوص وقلت له: اذا كنت غير قادر على مجابهتهم فأنا على استعداد لأن أعطي أمراً لمدير كلية المدرعات العميد فاروق عيسى لكي يضع تحت تصرّفك سرية دبابات من فوج البيانات العملية، فأجابني لا لزوم لذلك فأنا قادر على مجابهتهم والقاء القبض عليهم,,, وبعد ربع ساعة اتصل بي اللواء غميض وقال لي: «لقد زمق» (زمق في اللغة العربية تعني فتح القفل، وفي العامية السورية تعني هرب من مكان ضيق) اللصوص الى دمشق ولم نستطع الامساك بهم، قلت لقائد الفرقة: ألم أقل لك اذا كنت غير قادر على التنفيذ أعلمني حتى أسند المهمة لغيرك!, فأجابني: سيدي «زمقوا»,,, «زمقوا» لم نستطع أن نعمل لهم شيئاً. أنهيت المكالمة واتصلت على الفور باللواء شفيق فياض قائد الفرقة المدرعة الثالثة والمتمركزة في القطيفة وأسندت له مهمة القبض على اللصوص وطلبت اليه أن يحرّك سرية مشاة ميكانيكية من اللواء عشرين وأن يضع عربة مدرعة على مفرق معلولا وعربة ثانية على المحور القديم، وبقية العربات على المحور الأساس, وأن يكون الاتصال بالنظر بين الجميع, وكان جوابه: سيدي اتركوا لي التفاصيل وسوف تسمعون الأخبار الطيّبة بعد أقل من ساعتين. كان وصول اللصوص الى دمشق سيشكل اهانة لسمعة القوات المسلحة اذ انهم تمكنوا من خرق الحواجز الأمنية كافة على الطرقات, صحيح أنّهم يرفعون أعلام الحزب وشعاراته على سياراتهم وصور رفعت الأسد ولكن هذا لا يغيّر من حقيقتهم، وهو أنّهم لصوص لا يجوز أبداً أن نسمح لهم بدخول دمشق وممارسة مهام التخريب والسلب التي كانوا يمارسونها سابقاً في بيروت عندما أطلقوا على أنفسهم «فرسان البعث» وهم خليط من سرايا الدفاع وعناصر علي عيد، وقد انسحبوا من بيروت الى طرابلس الشام ولم يتصدّوا للقوات الاسرائيلية أثناء اجتياحها للعاصمة اللبنانية في صيف العام 1982.
لذلك فانّ قواتنا المسلحة الباسلة لا تحترمهم أبداً، بل تحتقرهم، وبعد ساعة ونصف الساعة تماماً اتصل اللواء شفيق فياض ليعلمني بنجاح المهمة وأنّ اللصوص أصبحوا رهن الاعتقال بعد أنْ تم تجريدهم من أسلحتهم وذخائرهم وسياراتهم، قلت للّواء شفيق: يجب أن يعاملوا باحتقار كما يعامل البدوي الجمل الأجرب، وكما يعامل الفلاحون الكلاب الشاردة, فقال: لا توص حريصاً فهم موضوعون في العناية الثورية المشددة, وسينالون عقاباً وضرباً شديداً على مؤخراتهم بعد رشّهم بخراطيم المياه، حتى لا ينسوا هذا الحدث في حياتهم, وتم احتجاز اللصوص شهراً ونيف ولم يطلق سراحهم الاّ بعد أن انتهت الأزمة وسافر العميد رفعت الى موسكو. الطائفة المرشديّة تعلن ولاءها للسيّد الرئيس
كان الرفيق محمد ابراهيم العلي قائد الجيش الشعبي قد وضع أوراقه مبكّراً مع العميد رفعت ولم يكن هذا الموضوع ذا قيمة اطلاقاً قُبيل الأزمة لأنّ كثيراً من المنافقين وبخاصة منتسبي «رابطة الدراسات العليا» كانوا يحومون حول العميد رفعت كما تحوم الغربان على بقايا الحيوان. وكان من عادة الرفيق قائد الجيش الشعبي أنّه كثير التجوال متطلّع دائماً للجديد من الأخبار بعد ثورة الثامن من آذار (مارس)، ولم تزل هذه العادة تسكنه حتى الآن على الرغم من مرور أربعة عشر عاماً ونيّف على الحركة التصحيحية, وكان يمرُّ على مكتبي بمعدّل مرة واحدة في الأسبوع وكان يسأل دائماً عن أحوال الدنيا وكنت أطمئنه أنّها بخير وهي مازالت تدور وللأمانة التاريخية فانّ ضباط القيادة العامة لم يكونوا يقدّرون الرفيق أبو ندى حقّ قدره ولم يكن في القيادة سوى الرئيس الأسد وأنا نعرف نضال محمد ابراهيم العلي وتضحياته في سبيل الحزب والثورة من حركة الضباط الأحرار في حلب الى حركة 23 شباط (فبراير) وكان هذا الموقف يؤلم الرفيق محمد ولذلك لم يكن يزورهم الاّ لماماً. بعد الحدث الجلل أقفلت مكتبي في وجه قائد الجيش الشعبي، وطلب مقابلتي مرات عدّة وكنت أعتذر دائماً غير أنّه ألحّ على المقابلة فوافقت أخيراً, ولمّا حضر سألني مستغرباً هذا الموقف منه، وقلت له في مثل هذه الأمور لا توجد حلول وسط فامّا أن تكون مع الرئيس الأسد أو أن تكون في الجهة الأخرى , فقال: أنا مع الرئيس حافظ الأسد (شيله,,, بيله) وحتى أقطع الشك باليقين فانّني جاهز لكي آتي بأبناء سليمان مرشد من «حمص» ومن «جوبة البرغال» لمقابلة السيد الرئيس، فقلت له: وما أهميّة الطائفة المرشدية في الأزمة ؟، قال لي: ألا تعلم أنّ العميد رفعت الأسد يعطي أهميّة خاصة لهذه الطائفة فبالاضافة لشراكته مع النور المضيء والمهندس فؤاد تقلا بالأعمال التجارية فانّ عدداً كبيراً من أبناء الطائفة انخرطوا في سرايا الدفاع تنفيذاً لتعليمات قيادتهم الروحية وهم يشكلون العمود الفقري لسرايا الدفاع ويأتي ترتيبهم بالأهمية بعد الشريحة العلوية مباشرة، قلت له توكّل على الله ويجب أن أسمع في القريب العاجل أخباراً طيّبة، فأجاب: لا قريب ولا بعيد غداً سوف يكونون خلال ساعات عدّة في القصر الجمهوري. وصدق محمد ابراهيم العلي في وعده واستقبل الرئيس حافظ الأسد في مكتبه ابناء الطائفة وفي مقدّمتهم النور المضيء واستغرقت المقابلة ثلاث ساعات ونيّف وما تسرّب منها كان الآتي: قال أولاد سليمان المرشد للسيد الرئيس: نحن لا يمكن أن نكرّس الخيانة كمبدأ للطائفة، ففي الماضي اتّهمنا الانكليز بأننا عملاء فرنسا، واليوم يتّهمنا الوطنيون القوميون في سوريا بأننا عملاء اميركا، نحن باختصار رجال حافظ الأسد وقد أحببنا أخاك رفعت لشعورنا بأنّه جناحك الأيمن ، أمّا وأنّه قد شقَّ عصا الطاعة عليك فلا ولاية له علينا ونحن جاهزون منذ هذه اللحظة لأن نتسلم مهمة الحراسة على مكتبك أو بيتك، وكان جواب السيد الرئيس: لا لزوم لكلّ ذلك, المهم أن تُفهموا أبناء الطائفة بهذا التوجّه الجديد «واليوم قبل بُكرة»,, وانصرف الاخوة الثلاثة من مكتب رئيس الجمهورية، وبطريقة تشبه السحر تم الاتصال بأبناء الطائفة كافة وأخذوا جميعهم التّوجّه الجديد, وبدلاً من قلعة الأسرار التي لا تنتهك أصبحت سرايا الدفاع مثل الغربال يتسرّب منها كل ما يحدث فيها, وشعر رفعت بالحدث واستدعى الى مكتبه كبيرهم النور المضيء وبقي يتحاور معه زُهاء سبع ساعات لم يأخذ منه لا حقاً ولا باطلاً. وأخيراً قال له رفعت بعد أن سئم من المناقشة والمماحكة: أتعرف أنّك لن تكلّفني سوى رصاصة واحدة في رأسك !، فأجابه النور المضيء أعرف ذلك ولكن هل تعرف أنّ الطلقة الثانية ستكون في رأسك أنت، ولمعلوماتك أنّ الحاجب الذي قدّم لنا القهوة والشاي الآن هو من عشيرتي أي باختصار هو مرشدي وليس علويا, هنا أنهى رفعت المناقشة على أمل اللقاء مرّة ثانية للمتابعة، ولكنّه بدا كمن أُصيب في مقتل, وطلب الى المسؤول عن التوجيه السياسي في سرايا الدفاع بأن يُجري سبراً عشوائياً لمئة جندي مرشدي ويسألهم سؤالاً وحيداً: هل أنتم معي أم مع أخي الرئيس حافظ الأسد؟ وفي اليوم التالي صُعق رفعت الأسد عندما جاءه الجواب بأن نسبة المؤيّدين للرئيس الأسد مئة من مئة وليس تسعة وتسعين, وبلغ الغضب أشدَّه لدى رفعت ومحازبيه وصمّم على أن ينتقم من الطائفة المرشدية وأمر عناصره بأن يفتشوا عنهم في كل مكان وفي أي تشكيل وجمعهم قرب قلعة «برقش» شمال غرب مدينة قطنا وقام بتجريدهم من أسلحتهم الفردية وأركبهم عربات نقل عسكرية كبيرة وقذفهم على الحدود السورية اللبنانية ـ الفلسطينية وفي مواجهة الجيش الاسرائيلي مباشرةً، ولم ترد اسرائيل على هذا الاجراء لأنّ الجنود الذين في مواجهتم شبه عراة وكان الوقت ليلاً, وعلى الفور أعلمت الرئيس الأسد بالأمر وأرسلت لكل واحد منهم بندقية ووحدة نارية مع كيس بحارة وتعيين عمليّاتي يكفي ثلاثة أيام. وطلبت الى اللواء جميل حسن رئيس شعبة التنظيم والادارة أن يوزّعهم على وحدات الجيش كافة، من القامشلي الى صلخد، وكان عددهم ثلاثة آلاف ومئتين وخمسة وعشرين ضابطاً وجندياً. وخلال ثلاثة أيام تم تصفية ذيول هذه المشكلة، ولكنّ العميد رفعت كان قد أصيب بجرح بليغ، صحيح أنّ نسبة القوى والوسائط لم تكن في الأساس لصالحه لأنّ سرايا الدفاع كانت في ذروة الأزمة تعادل نحو أربعين ألف عسكري (كان العدد الحقيقي لسرايا الدفاع حسب يومية الوحدة «كشف القوة الشهري» بتاريخ 15/2/1984 (40094) بينما بقية وحدات الجيش نحو 360 ألفاً ولكن خروج الطائفة المرشدية منها بهذا الشكل زعزع كيانها وهزّ بنيانها, ومن هذا الموقف المتشكّل قرّر العميد رفعـت أن يؤدّب أولاد سـليمان المرشـد في عقر دارهم أعني جوبة البرغال, فجهز لهذه المهمة كتيبة مغاوير وأركبها في سبع حافلات ووجّهها باتّجاه اللاذقية,,, وعندما علمت بهذا النبأ اتصلت برئيس فرع المخابرات العسكرية في اللاذقية العقيد أسامة سعيد وأعلمته بالأمر وقلت له عليك أن تومّن حماية النور المضيء بمفارز سريعة من عندك أو من الشرطة العسكرية واذا لزم الأمر يمكن أن تطلب العدد الذي تحتاجه من الجنود من قائد القوى البحرية فقال لي: سيدي لا نحتاج لأي مساعدة لأنّ نحو خمسمئة مسلّح من الطائفة المرشدية أصبحوا متواجدين في جوبة البرغال حول قصر أبناء سليمان المرشد، ومرّة ثانية تؤكّد الحقائق والوقائع أنّ أسلوب الاتصال لهذه الجماعة أرقى من أسلوب اتّصال أي مخابرات في العالم حتى بعد استخدامها لأقنية الاتصالات في الأقمار الاصطناعية. وصلت طلائع سرايا الدفاع الى جوبة البرغال فوجدت أنّ الحراسة كثيفة حول بيت سليمان المرشد وأنّ المعركة لن تكون في صالحهم أبداً، وبعد أن اتصلوا بالعميد رفعت طلب اليهم أن يهبطوا الى الساحل ويتمركزوا في معسكر تلة الصنوبر التي تبعد عن اللاذقية الى الجنوب بنحو سبعة كيلومترات, ولم يحتج حلفاؤنا الجدد لأي دعم مادي أو عسكري, وبعودة الطائفة المرشدية الى حمى الرئيس الأسد بدأت تتآكل سرايا الدفاع من الداخل ولم يعد لها تلك الهيبة التي كانت لها أيام زمان.
يتبع ........ |
| | |
مشرف
| موضوع: رد: مذكرات وزير الدفاع السوري السابق العماد اول مصطفى طلاس السبت يوليو 04 2015, 22:38 | |
| الجزء الرابع محاولة فتح جبهة ثانية في اللاذقية كانت سرايا الدفاع تملك مركز تدريب لعناصر اللواء الجبلي في منطقة جوبة البرغال, واضافةً لذلك فقد احتلّ العميد رفعت تلة الصنوبر التي تقع على البحر مباشرة وكان يتمركز في هذه المنطقة كتيبة أو أكثر من أفواج الانزال الجوي، ولمّا أخفقت التدابير التي نفذّها العميد رفعت ضد الطائفة المرشدية أمر عناصره المرسلة من دمشق لهذه الغاية أن تتمركز في الموقع المذكور لتعزيزه ولأهميّته البالغة لقربه من مركز المحافظة وأعني بذلك مدينة اللاذقية. ولمّا كان العميد رفعت يعتمد بشكل جدّي على أبناء الطائفة العلوية قرّر نقل الصراع الى هناك لأنّ المنطقة حسّاسة وكان يتصوّر أنّه من الصعب على السيد الرئيس أنْ يأمر سلاح الطيران بقصف الأماكن التي ينشب فيها النـزاع ، وكذلك الأمر بالنسبة للمدفعية والصواريخ ،
ومن هذا الاحساس الخاطئ بدأت حركات رفعت تتعثّر خطوةً خطوة لأنّ ما بني على باطل فهو باطل. كان رفعت يدغدغ أحلام المتعصّبين طائفياً بأن وعدهم أنّه سيقيم الدولة العلوية هناك كما أقام اليهود الدولة العبرية في فلسطين، وكما كان غلاة المتعصبين من الموارنة يحلمون باقامة الدويلات الطائفية التي ستدور بفلك اسرائيل قولاً واحداً. وشجّع رفعت أنّ اميركا سوف ترحّب بالفكرة لأنّها مع أي تفكّك للأمة العربية لأنّ هذا يخدم مصالحها الوطنية ومصلحة حليفتها الاستراتيجية اسرائيل، ونسي العميد رفعت أنّ والده الراحل سليمان الأسد ـ رحمه الله ـ كان من أشدِّ المقاومين الشرسين لانشاء الدولة العلوية وكان في طليعة المناضلين الوطنيين في أواسط الثلاثينيات لمقاومة هذه الفكرة واجتثاثها من جذورها. بدأ تحرّش العميد رفعت بالنّظام هناك بأن أوعز الى أنصاره في اللاذقية بأن يكتبوا على الجدران عبارات تمجّد بشخصه دون غيره مثل (رفعت الأسد الشمس التي لا تغيب)، كما بدؤوا بنصب الحواجز الطيّارة لاشعار المواطنين أنّهم موجودون بقوّة على الساحة في محافظتي الساحل (اللاذقية وطرطوس), واتصلت بالرئيس الأسد وأعطيته المعلومات المتوفرة لدينا عن نوايا العميد رفعت باللاذقية وانّه حاول السيطرة على مسقط رأس الرئيس الأسد حتى يقول للعالم: اذا كان أخي لا يستطيع السيطرة على المحافظة التي ولد فيها فهو بالأحرى غير قادر على السيطرة في باقي المحافظات,,. كانت توجيهات القائد الأسد واضحة وضوح الشمس: لا مهادنة أبداً مع الخارجين على النظام، اضربهم اليوم قبل الغد لأننا كلّما تأخرنا بضربهم وتصفية الحسابات معهم كلّما ازدادوا شططاً في أعمالهم وتصرّفاتهم وتمادوا في ايذاء الناس والمواطنين وأعطوا العالم العربي والخارجي فكرة مغلوطة عن واقع الحال في سوريا. تصفية معسكر اللاذقية
اتصلت بقائد القوى البحرية اللواء فضل حسـين وقلت له: عليك أن تنـذر المتمرّدين في معسكر سرايا الدفاع بالاستسلام خلال ساعة واحدة وبعد ذلك اذا لم يستجيبوا عليك أن تضربهم بالمدفعية الساحلية وأن تحرّك باتّجاههم كتيبة المشاة البحرية مدعومة بالفوج »826» دبابات، كما طلبت اليه أن يحرك كاسحتي ألغام وستة زوارق صواريخ وأن يتم الرمي على المتمرّدين بالمدافع المضادة للطائرات (رمي مباشر) وأن يتم تقرب هذه القوات الى الساحل لضربهم بقذائف الأعماق (المضادة للغواصات) وبالأسلحة الرشاشة الثقيلة المضادة للطائرات والمركبّة على زوارق الصواريخ, وعندما لاحظتُ عليه امارات التردّد والخوف وعدم الحسمية أكدتُّ عليه بأنّني أعطي الأوامر نيابة عن القائد العام واذا كان غير قادر على تنفيذ المهمّة فنحن جاهزون لارسال فوج مغاوير (انزال جوّي) ليتكفّل بتصفية المتمردّين، وأعطيته الأمر أنّه بعد ساعة واحدة تنتهي مهلة الانذار وعليه أنْ يبدأ بقصف المعسكر بالمدفعية, وبعد ساعة من هذا الأمر اتصلت بقائد القوى البحرية وقلت له هل بدأت الرمي، فقال لي: لقد رشقناهم رشقة ونحن الآن نحصي خسائرهم. وتيقّنت من لهجته أنّه كاذب (عندما انتهت الازمة وجهّ القائد رئيس الجمهورية بانهاء خدمات هذا الضابط من الجيش السوري و تعيين اللواء مصطفى طيارة قائدا لسلاح البحرية في نشرة 1/7/1984) ومراوغ وغير جدّي في معالجة الموضوع, وخائف. قلت له: أين المقدّم علي خضّور قائد الفوج المدرّع؟ فقال لي: انه بجانبي, وطلبته على الهاتف وقلت له: اصعد بنفسك على أول دبابة في الفوج واطلب الى الرماة أن يسددوا مدافعهم على العربات المصفّحة ( BMP) التي يضعها المتمردّون على مدخل المعسكر وتدمّرها تماماً بصلية تركيز من سرية دبابات، أي أريد أن ترمي عشر دبابات بآن واحد، وكانت غايتي الأساسية احداث صدمة معنوية ضد القوى المناوئة. وبعد دقائق نفّذ الأمر وتم تدمير ثلاث ناقلات وجرى اخلاء القتلى والجرحى، واستنجد العميد رفعت متوسّلاً الرئيس الأسد بأن نوقف النار لأنّه قرّر أن يُخلي المعسكر وينفّذ تعليمات القيادة العامة, وهكذا تم حسم المشكلة في المنطقة الساحلية وتم استرداد المعسكر وعادت العناصر التابعة لسرايا الدفاع الى دمشق. ولابدّ من اعلام القارئ بجوِّ احدى المناقشات التي جرت في القيادة العامة بعد الاشتباك مباشرة، قال العماد حكمت الشهابي وأيّده في ذلك العماد علي أصلان: بعد أن رجع الى حمص وطرابلس أكثر من خمسمئة سيارة أصبحت المشكلة مكشوفة للناس جميعاً ولا نستطيع بعد اليوم أن نتستر عليها,, وكان جوابي: لن تُقدم أيّ وكالة أنباء على اذاعة هذا الخبر اطلاقاً وذلك لسببين: الأول: أنّ وكالات الأنباء الغربية والموجّهة من اميركا لن تذيع النبأ لأنّه يبرز انتصار الرئيس الأسد وهم لا يرغبون بذلك. الثاني : وكالات الأنباء التي تدور في فلك موسكو لن تذيع هي الأخرى هذا النبأ حتى لا تسبب لنا أي احراج لأنّنا نحن لم نقم باذاعته. وصدقت نبوءتي ولم تقم أيّ وكالة أنباء أو صحافة أجنبية باذاعة هذا النبأ، بما في ذلك الصحف اللبنانية المحسوبة على الخط الاميركي.
تزامنات تدل على أنّ المعلّم واحد
كان من أبرز خصائص هذه الأزمة العاصفة أن يتزامن تصعيد الموقف العسكري من قبل العميد رفعت كلّما زارنا الرئيس اللبناني أمين الجميّل. ومع أنّ السياسيين في لبنان بعامة لا يحبّون أبداً قطع شعرة معاوية مع اميركا ولكن المنتسبين منهم الى حزب الكتائب اللبنانية وعلى رأسهم أمين الجميّل يعتبرون الولاء لاميركا قضية مقدّسة لا يعلى عليها شيء, ومع أنّهم يزعمون أنّ فرنسا هي أمّهم الحنون ولكنّهم كاذبون لأنّ عينهم دائماً على اميركا.
وخلال ثلاثة شهور ونيّف من عمر الأزمة زارنا الرئيس اللبناني ثلاث مرات ولم يحدث في تاريخ العلاقات المميزة مع أي دولة في العالم أن يقوم رئيسها بزيارة بلد آخر بمثل هذه الكثافة، وهذا ما يؤكّد أنّ الزيارات كانت تتم بايحاء وتوجيه من الادارة الاميركية، ولأنّ اميركا تعرف ما يدور في سرايا الدفاع عن طريق عميلها النقيب جوزيف صنصيل ولكنّها تجهل تماماً ما يجري في دائرة الرئيس الأسد، ومن هنا جاء الطلب الى الرئيس أمين الجميّل بأن يشدَّ الرّحال الى دمشق ليعرف ماذا يدور خلف الأكمة، وللأمانة التاريخية كان الرئيس اللبناني يعود الى بيروت صفر اليدين لأنّ الرئيس الأسد يتمتّع بموهبة خارقة في اخفاء نواياه على خصومه, ومع أنّه لم يلعب «البوكر» ولا مرّة واحدة في حياته فانّ وجهه بالنسبة لمن يقابله وبخاصّة من المحسوبين على اميركا أو الدائرين في فلكها يبدو كوجه لاعب «البوكر» لا يمكن لأحد أن يأخذ منه شيئاً لا بحق ولا بباطل، وهكذا كانت التقارير ترسل الى واشنطن وكلّها تشير الى أنّ الرئيس الأسد في أحسن حالاته، وخاب فأل الادارة الاميركية وأهدافها الخبيثة. رفعت الأسد قال لرئيس جامعة دمشق أثناء الامتحانات: العمى في قلبكم ابعثوا لنا أستاذا يدلنا أين توجد أجوبة الأسئلة ما كاد العميد رفعت الأسد يحصل على الاجازة في التاريخ في العام 1974 ،عندما كان منتسبا الى الجامعة (قسم التاريخ) حتى شكا لي رئيس القسم الدكتور محمد خير فارس بان رفعت يأتي مع مفرزة من الحرس الى الجامعة ايام الامتحان ولا احد يجرؤ من المراقبين ان يقول له شيئا فماذا افعل؟ قلت له: لا تفعل شيئا لانه لن يعمل لديكم استاذ تاريخ! وما كاد رفعت ينهي الاجازة في التاريخ حتى سجل في كلية الحقوق هو وزوجته «لين» وابنه «دريد» ، وكانوا يقدمون الامتحان سوية في غرفة رئيس الجامعة «الدكتور زياد شويكي» حرصا على امن الطلاب وامن المعلومات، وعندما جاءتهم الاسئلة مع فناجين القهوة وكتب السنة الاولى قال لهم رفعت: العمى في قلبكم .. ابعثوا لنا استاذا يدلنا اين توجد الاجوبة لهذه الاسئلة ! ثم أسّس (رابطة خرّيجي الدراسات العليا) وأخذ موافقة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية (تأسست الرابطة استنادا الى الامر رقم (985) تاريخ 26/9/1974 وحلت استنادا الى الامر رقم (1212) تاريخ 10/9/1984) على ذلك لكي يكون عمله تحت المظلّة القانونية، وأعطى تبريراً لعمله بأنّ مصلحة الرئيس الأسد أن يكون خريجو الدراسات العليا موالين للنظام على اعتبار أن شقيقه رفعت هو رأس الهرم في هذه الرابطة، وانتشر الخبر بسرعة البرق ولم يبق انتهازي أو متسلّق أو متطلّع الى السلطة أو التقرّب من وهجها الاّ وانخرط في هذه الرابطة (كخرط الدب على العنب). وتمّ توزيع السيارات والهدايا غير الرمزية على كبار المريدين والمسبّحين بحمد رئيس الرابطة وفضله، واختير السيد غسان شلهوب نائباً لرئيس الرابطة (كانت الدكتورة «لين الاسد» زوجة العميد رفعت هي النائب الاول وكانت القرارات التي تصدر بغياب «ابو دريد» وقرينته باطلة, ورغم ذلك قبل غسان شلهوب بهذه الوظيفة الشكلية. وجاءت أحداث الاخوان المسلمين في نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات لتعطي الدليل القاطع أنّ الرابطة لا وجود لها وأنّ هذا العدد الضخم كان كغثاء السيل أو حزمة من القش لا تغني عن الحق شيئاً. وعندما حدثت الأزمة ظنّ أعضاء الرابطة بأنّ الوقت قد حان لقطف ثمار جهودهم فبدؤوا يهاجمون جهراً الرئيس حافظ الأسد في مجالسهم الخاصة ويتّهمونه بالديكتاتورية، وأنّ العميد رفعت راعي الديمقراطية في هذا البلد وعقدوا مؤتمراً لهم في فندق «الشيراتون» حضره من هبَّ ودبَّ (من الجنادب والخنافس والقراد) (قال الشاعر العربي «نديم محمد» يصف المنتسبين الى الاتحاد القومي ايام الوحدة: من هؤلاء؟ من الجنادب والخنافس والقراد. ابهم تزهو وتنتصر البلاد؟) ولم تسعف القريحة العميد رفعت فبدأ حديثاً سياسيّاً مشوّشاً عن الديمقراطية والأوضاع العامة في سوريا بحيث لا يمكن لأحد أنْ يفهم منه شيئاً حتى ولو حاول ذلك وبذل قصارى جهده وانفضّ المؤتمرون وهم في حيص بيص وأدركوا أنّ أيام الرابطة غدت قريبة وأنّ أحلامهم ذهبت أدراج الرياح لأنّ ما بني على باطل فهو باطل. وعلى الرغم من ادراكي المسبق أنّ الرابطة أصبحت في حكم المنتهية فقد اتصلت بعدد من الأصدقاء المتورّطين بالانتساب الى الرابطة وطلبت اليهم الانسحاب وبذلك قد أسهمت في تهديمها من الداخل والخارج. وفي زحمة العمل على الاتّجاهات كافة اتّصل بي هاتفياً الرفيق وفيق عرنوس عضو الرابطة وقال لي: هل تضمن لي سلامتي؟ فأجبته بأنّي سوف أضمن لك عدم دخولك السجن اطلاقاً، أمّا موضوع فصلك من الحزب فلا أستطيع أبداً أنْ أعد في ذلك، ومقابل هذا الضمان وعدني بأنّه سيوافيني بالسجلات كافة الموجودة في الرابطة وأنْ يأتي بها الى البيت حتى لا يشاهده أحد. وفي الساعة الواحدة ليلاً أعلمتني زوجتي بأنّ الأمانة وصلت. قلت: أرسليها فوراً الى المكتب وقضيت ليلةً كاملةً وأنا أراجع ملفّات رابطة خريّجي الدراسات. المهم أرسلت الوثائق الى القصر الجمهوري فأمر السيد الرئيس بوضع رابطة خرّيجي الدراسات العليا تحت الرقابة المشدّدة, وبعد أن انتهت الأزمة، أصدرت القيادة القطرية قرارها رقم /574/ تاريخ 5/7/1984 طلبت فيه الى الرفاق المنتسبين الى الرابطة أنْ يتخلّوا عن هذا الالتزام ويكرّسوا كلّ نشاطهم السياسي للحزب وأنذر القرار بفصل كل رفيق يخالف هذا التوجيه، وبذلك اختفت من الساحة رابطة خرّيجي الدراسات العليا التي كان ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
زيارة الوحدات والتشكيلات
بعد أنْ أصبحت القيادة العامة للقوات المسلحة في وضع آمن وكذلك القصر الجمهوري ومنـزل السيد الرئيس قرّرتُ أنْ أنطلق بزيارات ميدانية لأنواع وصنوف وتشكيلات قوّاتنا المسلّحة كافة، وكان يرافقني بهذه الزيارات العماد علي أصلان نائب رئيس الأركان, وفي كلمتي التوجيهية العامّة التي كان يحضرها الضباط وصف الضباط والجنود كنت أهاجم بقسوة الهيمنة الاميركية وعملاءَها في المنطقة ودعم اميركا غير المحدود للعدو الصهيوني وتحيّزها المكشوف له ومعاداة كل هدف يخدم مصلحة الأمة العربية, وكنت أنوّه بالمآثر القيادية للرئيس حافظ الأسد ودوره في بناء سوريا الحديثة وحرب تشرين (اكتوبر) وحرب الاستنـزاف والحرب التي خضناها ببسالة منذ أقل من عامين للدفاع عن استقلال لبنان ليبقى دائماً عربيّ الوجه واليد واللسان، كما كنت أشيد بالدور الوطني الذي لعبته المقاومة اللبنانية ضد الجيش الاسرائيلي وضد الجيوش الأجنبية التي جاءت لتشدّ من أزرِ اسرائيل ضد أمّتنا العربية، وكانت هذه الكلمات تلاقي صدىً ايجابياً لدى المستمعين كافّة. وفي اللقاءات الخاصة مع الضباط حتى مستوى قائد كتيبة كنت أضعهم في صورة المؤامرة كاملةً وأسمّي الأسماء على المكشوف بصراحتي المعهودة، وفي نهاية الجولة كان التشكيل الذي أزوره يقدّم لي وثيقة عهد بالدم ولاءً للسيد الرئيس. وكانت أخبار اللقاءات تصل للسيد الرئيس حافظ الأسد سواء عن طريق القنوات الرسمية أو الخاصة، وكان سعيداً بالنتائج وأنّ الجولات بدأت تعطي ثمارها ميدانياً وقد سحبت البساط من تحت أقدام رفعت ولم يعد أحد في القوات المسلحة ينخدع بأنّه الحارس الأمين لشقيقه سيادة الرئيس، وسألني القائد الأسد فيما اذا كنت أقوم بهذه الجولات يوميّاً، واعترفت للرفيق الأمين العام للحزب بأنّ العماد مصطفى طلاس لم يعد مثل المقدّم طلاس أيام زمان عندما كان يفلح الأرض شرقاً وغرباً في أوائل ثورة الثامن من آذار (مارس) وابّان الحركة التصحيحية وفي أيام الاعداد لحرب تشرين المجيدة!, فقال: اذن كيف تبرمج وتيرة العمل؟ فأجبت أقوم بزيارة التشكيلات يوماً وأرتاح في العمل المكتبي يوماً آخر، فقال: هذا جيد تابع العمل على الوتيرة نفسها والنّهج ذاته. وكان موعد السابع عشر من نيسان (ابريل) 1984 مكرّساً للقاء مع الفرقة الخامسة في موقع ازرع، وطلبت الى قائد الفرقة اللواء أحمد عبد النبي أنْ يدعو قيادة الفرع في درعا وأمناء الشعب الحزبية كما يدعو الوجهاء والمثقفين والمخاتير وزعماء العشائر كافة في حوران لأنّ السابع عشر من نيسان (ابريل) هو عيد وطني لشرائح المجتمع كافة ويجب أنْ يعكس الاحتفال هذه الحقيقة، ولبّى المدعوون جميعاً الدعوة وازدان المكان بصور الرئيس حافظ الأسد وأعلام الحزب وأعلام الجمهورية غير أنّ أمين الفرع أحمد زنبوعة، والمحافظ محمد مصطفى ميرو اعتذرا عن الحضور بحجّة أنّ لديهما جولة حزبية في وادي اليرموك، قلت لقائد الفرقة : ألم تقل لهم إنّني قادم الى المحافظة بتوجيه من السيد رئيس الجمهورية حافظ الأسد وإنّ اللقاء رسمي وليس جولة عسكرية أو حزبية، فقال: والله لقد قلت لهم ذلك ولكنّهما آثرا التملّص لسبب ما أجهله، فقلت له: انّهما من المنافقين المرتبطين مع العميد رفعت الأسد وسوف أجعلهما يدفعان ثمن الهروب مهما طال الزمن (قمت برد الجميل لهذين الرفيقين اثناء الانتخابات للمؤتمر القطري الثامن التي جرت في خريف العام 1984 وكلفت اللواء عدنان بدر حسن ان يتابع الموضوع، ورشح المذكوران نفسيهما في شعبة الصنمين هروبا من المواجهة في مركز المحافظة (درعا)، ولم يعلما ان ايدينا واصلة لانحاء سوريا كافة في الحزب والسلطة، وما هي الا جولة انتخابات واحدة حتى تهاوى الرفيقان ساقطين على الارض مثل المشمش الكلابي وخرج الرفاق المقترعون من الشعبة واصطفوا حلقة دبكة فرح وكأنهم في عرس وطني، اما الرفيقان الساقطان على دروب النضال فقد خرجا وهما مطأطئي الرأس وعلى محيا كل منهما ترتسم كل معاني الهزيمة والخيبة والاعتراف بالذنب، وقد تأكد لي بعد ذلك ان الرفيق (ميرو) كان ضحية (زنبوعة) الذي اوحى له بان الاخوة لن يتقاتلوا خلينا على الحياد, وبعد عتاب رقيق للاخ ابو مصطفى قلت له: صافي يا لبن خلي كل اوراقك مع الرئيس حافظ الاسد). علم العميد رفعت الأسد بهذه الزيارات الميدانية فحاول أنْ يستبق الموضوع وبعث الى سيادة الرئيس عهداً كاذباً بالدم من سرايا الدفاع ولكن الكلام الذي يخرج من القلب يدخل الى القلب أمّا الكلام الذي يخرج من اللسان فلا يكاد يتجاوز الآذان ومن هذا المنطلق لم يجد (عهد النّفاق بالدم) الذي أرسله العميد رفعت أي صدىً لدى سيادة الرئيس. وبعد اثنتين وستين جولة ميدانية في المناطق العسكرية كافة وتشكيلات قوّاتنا المسلّحة بأنواعها وصنوفها تمّت صياغة كتاب (عهد بالدم) الذي قدّمته لسيادة الرئيس في عيد ميلادي الثاني والخمسين أي في 11/5/1984. وكانت المقدّمة التي تصدّرت وثائق العهد بالدم من أروع ما كتبت في النواحي السياسية والقومية, ولذلك رأيت أنْ أذكرها تفصيلاً في نهاية هذا الفصل ليعيش معي القارئ الأجواء التي كانت تدور فيها لعبة الصراع على السلطة.
يوم الجمعة الحزينة
في الساعة الخامسة بعد الظهر اتصل اللواء علي حيدر من مقرّه في معسكرات القابون وأبلغني بأنّ المعلومات المتوافرة لديه أنّ سرايا الدفاع بدأت بالتحرّك من بين أشجار الزيتون باتجاه دمشق، وبعد لحظات اتصل العميد عدنان الأسد قائد سرايا الصراع ضد الدبابات وقال إن سرايا الدفاع تحرّكت باتجاه دمشق وانّه يراها من معسكر «المعضّميّة» بالعين المجرّدة، كما أعلمت مفارز المخابرات العسكرية المنتشرة على محاور الطرق كافة المتّجهة الى دمشق بهذا التحرّك، وهاتفت الرئيس الأسد وأعلمته بالأمر وبعد أقل من دقيقة هاتفني الرئيس الأسد وقال لي: لقد اتصلت بالعميد رفعت وأكّد لي أنّ المعلومات التي أعلموك بها كاذبة ولا أساس لها من الصحّة, وقلت للرئيس الأسد انّني على يقين كامل بأنّ العميد رفعت قد أمر عناصره بالتحرّك وهو يريد أنْ يكسب الوقت، وقال لي: سأتّصل من جديد وأعلمك, وبعد خمس دقائق لم يتّصل وانّما اتصل العميد عدنان مخلوف قائد الحرس الجمهوري وقال إن السيد الرئيس قد توجّه بمفرده الى مقر شقيقه رفعت الأسد (في ضواحي المزّة) وأعطاه التوجيه التالي: اذا لم أعد بعد ساعة من الآن قل للعماد طلاس أنْ ينفّذ الخطّة وعليك في الوقت نفسه أنْ تعطي التعليمات لقادة الفرق ألا ينفّذوا أيّ أمرٍ الاّ اذا كان صادراً عن العماد طلاس. كانت الساعة التي غاب فيها الأسد عن عرينه تعادل دهراً بكامله (وأنّ يوماً عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون) (سورة الحج الاية 47) كانت القيادة تعيش على أعصابها وكذلك قادة التشكيلات الضاربة لأنّ المعركة ستكون ضارية ولا أحد منّا يريد أنْ يصاب مواطن بريء بأذى، وكان العميد رفعت يطبّق تكتيكات صديقه ياسر عرفات (أبو عمار) لأنّ من عادة المذكور الاختباء بين المدنيين حتى لا تطاله الضربة مباشرةً, وجاءنا الفرج قبل خمس دقائق من الموعد المحدد لتنفيذ الخطّة، فقد تمكّن الأسد بحكمته وشجاعته وحنكته من أنْ ينـزع فتيل الأزمة وتمّ سحب الدبابات من المواقع التي وصلت اليها في جنوب وشمال دمشق, وحتى يعيش القارئ في جوّ الأحداث سأروي له ما جرى في تلك الجمعة الحزينة.
يتبع ....... |
| | |
مشرف
| موضوع: رد: مذكرات وزير الدفاع السوري السابق العماد اول مصطفى طلاس السبت يوليو 04 2015, 23:11 | |
| الجزء الخامس وجها لوجه اتّفق الرئيس الأسد مع شقيقه رفعت على أنْ ينتظره رفعت في نهاية طريق «أوتستراد المزّة» ومن هذه النقطة توجّها الى الطريق المحلّق الذي يؤدّي الى المطار والى دوّار «كفر سوسة», وفي دوار «كفر سوسة» ترجل الرئيس وشقيقه وقال له: انظر بعينيك الى الدبابات التي كنت تزعم أنها لم تتحرك وطلب الرئيس الأسد الى قائد السرية الملازم أول معين بدران أن يعيد الدبابات الى مكان تمركزها، ولكن قائد السرية بقي في مكانه متجاهلاً أوامر سيادة الرئيس وكأنه آخذ سيجارة حشيش, وكان رفعت مسروراً من هذا المنظر لكي يوحي الى السيد الرئيس بأن الأمور خرجت من يده و أنه غير قادر على لجم اندفاع الضباط وحماستهم في مؤازرته للاستيلاء على السلطة، هنا خرج الرئيس الأسد عن هدوئه المعهود وقال لقائد السرية بصوت قصم ظهره: أنا قلت لك أرجع الدبابات يعني أرجع الدبابات الى أماكنها فوراً، عندها صعد العميد رفعت بحركة مسرحيّة على ظهر الدبابة وصفع الملازم معين كفاً على خدّه قائلاً له نفّذ أوامر الرئيس هل أنت أطرش لا تسمع (في الليلة نفسها ارسل العميد رفعت الى قائد السرية المذكور مبلغ عشرين الف ليرة (تعادل خمسة الاف دولار في ذلك الحين) كترضية عن الكف الذي صفعه اياه, ولما مات هذا الضابط بعد سبع سنوات من الحادثة رثاه العميد رفعت بكتاب يدل على عمق ارتباطه به) وعادت الدبابات الى أماكنها وعاد الرئيس الأسد والعميد رفعت كلّ الى مقر قيادته, وهكذا انزاحت الغيمة السوداء عن صدورنا، وعن صدر الوطن.
خطّة القيادة فـي مجابهة سرايا الدفاع
لم نضع خطّة عمليّاتيّة لمجابهة المشكلة التي نواجهها لسبب بسيط وهو اختلال ميزان القوى وميلانه بشكلٍ راجح الى جانب الرئيس حافظ الأسد، وكانت سرايا الدفاع تعادل واحدا الى عشرة بالنسبة لقوّة الجيش البريّة بالاضافة الى سلاح الطيران وقوات الدفاع الجوي وسلاح المدفعية والصواريخ والاستطلاع والهندسة والتسليح، ووحدات وتشكيلات القيادة العامة كافة هي مع الرئيس الأسد حُكماً ، واذا كان هناك بعض الخروقات فقد انقلب المنافقون على أعقابهم بمجرّد الاعلان أنّ رفعت الأسد أصبح مناهضاً للنظام وقد سُحِبت عنه مظلّة أخيه الرئيس حافظ الأسد وغدا بمفرده يحيط به بعض أصحاب المصالح مثل محمد حيدر نائب رئيس مجلس الوزراء السابق، والعماد ناجي جميل رئيس مكتب الأمن القومي والقوة الجويّة السابق، وحفنة من المرتزقة تذكّرنا بقول الشاعر سليمان العيسى يصف جماهير المنافقين والانبطاحيين والامعات من الاتحاد القومي في حلب الذين هرعوا الى المطار وتزاحموا مثل الكلاب على الطريدة الميتة ولم يتركوا مجالاً للمثقّفين وأصحاب الشأن للقيام بواجبهم. والتفت شاعرنا وقد أضاع «شاروخه» في الزحمة الى زميله المقدّم مروان السباعي المسؤول الأمني في المنطقة الشمالية وقال له: «وحولك «رَكَّةٌ» تدعى اتّحاداً فَخُذْ نعلاً ودق بها وآجر». ومع كل هذه الحقائق والتوضيحات فقد وضعنا تصوّراً لمجابهة التمرّد على الشكل الاتي: لدى تحرّك وحدات سرايا الدفاع لاحتلال الأهداف الرئيسة في مدينة دمشق يقوم سلاح الطيران بتوجيه ضربة كثيفة بالقنابل الارتجاجية والصواريخ المضادة للدبابات مدّتها ثلاثون دقيقة, بعد ذلك تقوم صواريخ أرض ـ أرض بتوجيه ضربة نارية الى مواقع الخصم وفي الوقت نفسه تقوم طائرات «الغازيل» والـ «مي 25» التي تحمل صواريخ «جو ـ أرض» بالتحليق فوق التشكيلات المناوئة لضرب أي تحرّك!, كما تقوم بالمهمة نفسها وحدات سرايا الصراع ضد الدبابات واللواء «65» (احتياط القيادة العامة المضاد للدبابات). في اللحظة نفسها ومع بداية الضربة الجوية يكون الرئيس الأسد والعماد رئيس الأركان ونائب رئيس الأركان لشؤون العمليات والتدريب وعدد من الضباط الأمراء والمساعدين من الاختصاصات كافة قد غادروا دمشق الى موقع قيادة تبادلي في معسكرات الجلاء (الكسوة)، ويبقى اللواء «91» دبابات كحراسة مباشرة لمقر القيادة بينما تتوجّه بقية ألوية الفرقة لتشتبك مباشرة مع ما تبقّى من سرايا الدفاع في معسكر »المعضّميّة«، وتكون الفرقة التاسعة نسقاً ثانياً للفرقة الأولى لمتابعة مهمّتها اذا لزم الأمر,. كما تقوم الفرقة الثالثة بالاستيلاء على مقرّات وحدات سرايا الدفاع في موقع «يعفور»، وكان موقع تمركزها الميداني في وادي القرن يساعدها على انجاز المهمة وتكون الفرقة السابعة كاحتياط للفرقة الثالثة اذا لزم الأمر. وتم الاتفاق على أنْ أظلَّ في مقر القيادة الرئيس ومعي رئيس هيئة العمليات وقائد القوى الجوية وقائد الدفاع الجوي ورؤساء الهيئات التي لها علاقة بالتأمين القتالي (المادي والفني والطبي). كان قادة التشكيلات يحثّونني على اقناع الرئيس الأسد بتنفيذ الخطة وكذلك أجهزة القيادة العامة جميعاً، وكان أكثر المتحمّسين العماد حكمت الشهابي والعماد أصلان واللواء علي دوبا وقادة الفرق كافة، وكنت أقول لهم: لقد كلّمت الرئيس ثلاث مرّات حول الموضوع وكان جوابه الوحيد: أبو فراس اتركوا لي هذا الموضوع فأنا أعالجه بحكمة وعلى نارٍ هادئة، يجب أن تظلّوا في حالة الجاهزية الكاملة وعيونكم مفتوحة. فقلت له: إنّ أعصاب الرفاق محروقة, فقال: أعطيهم مهدّئات، وكنت أنقل للرفاق في القيادة والتشكيلات المقاتلة توجيهات السيد الرئيس، ومع ذلك كانوا يلحّون عليّ يومياً ويقولون: متى نبدأ؟ وكنت أجيب ظلّوا هكذا والاصبع على الزناد، على أنّ ضغط ضباط القيادة والتشكيلات كان بكفّة وضغط زوجتي أم فراس كان بكفّة ثانية، فزوجتي بطبعها محروقة ولذلك كل يوم وعبر القناة الهاتفية تطالبني بالحسم وكان جوابي دائماً اتركي لنا هذا الموضوع، ولكنّها لم تيأس فكانت دائماً تلجأ الى ولديَّ (فراس ومناف) لكي يعزفا على اللحن نفسه ولكن النتيجة كانت واحدة في جميع الحالات, ولم تهدأ الأعصاب وتستقر النفوس الاّ بعد أنْ بدأت المفاوضات الجديّة بين الرئيس الأسد وشقيقه الأصغر لحلِّ الأزمة.
فشل كمين مطعم العندليب
كان قادة الفرق والتشكيلات يتكلّمون مع العميد رفعت الأسد بقصد اخافته وارهابه بأنّ أي تحرّك معاد ضد الرئيس الأسد سوف يجابه بالقوة، وكانوا ينقلون ردود فعله الى سيادة الرئيس أولاً ثم الى القيادة العامة ثانياً، وفي احدى المرات، قال له اللواء ابراهيم صافي قائد الفرقة المدرعة الأولى : أخي أبو دريد شو رأيك بأنْ أدعوك الى الغداء في مطعم العندليب وهناك تلتقي مع قادة الفرق وتحدّثهم بنفسك عن أسباب الأزمة الناشبة بينك وبين سيادة الرئيس دون مراسلين؟ وكان جواب العميد رفعت بالموافقة وتم تحديد التوقيت الساعة الثانية بعد الظهر. أعلمني اللواء ابراهيم صافي بذلك وقال لي لقد وضعت الرئيس الأسد بالصورة وكذلك العماد حكمت واللواء علي دوبا, والشباب محضّرون وجاهزون لاعتقاله مع مرافقته. اتّصلت بالرئيس الأسد وقلت له: اذا رفض العميد رفعت الاستسلام وأصرّ على المقاومة، ماذا نفعل؟ فأجاب: انّها شريعة الحرب امّا غالب وامّا مغلوب وأنا لا أريدك الاّ غالباً. جاء نهار الغد ونحن ننتظر ساعة الصفر، ولكن العميد رفعت كان حذراً مثل القاق الأسود (يرى العماد حكمت الشهابي ان اللواء شفيق فياض قائد الفرقة الثالثة نصح العميد رفعت بعدم تلبية الدعوة حقنا للدماء ولاعتقاده الجازم بان رفعت سوف يستسلم من تلقاء نفسه فلماذا العجلة لاسيما كانت هناك اخبار مصاهرة بين علاء فياض ابن اللواء شفيق وابنة العميد رفعت «تماضر الاسد») فلم يحضر الى المكان المذكور وأرسل بدلاً منه ست عربات (G,M,C) بيك آب مزوّدة بزجاج دخاني تسمح لمن بداخلها فقط بأنْ يرى ولا يُرى، وهي مملوءة بالعناصر المرقّطة والمبرقعة. وبدلاً من أنْ تتوقّف أخذت تمرّ من أمام المطعم لتقول نحن جئنا حسب الموعد، فماذا تنتظرون؟ وسألني اللواء صافي ماذا نفعل؟ فأجبته: اتركهم وشأنهم وسيعودون الى وكرهم اذا أبديتم عدم اهتمامكم, وأعلمت الرئيس الأسد بالأمر، فقال: حسناً تصرّفت.
مآثـر لا تُنسى
وقبل أنْ أُنهي هذا الحديث لابدّ لي أنْ أتكلّم عن بعض المآثر التي نفّذها ضباط وصف ضباط وجنود من رجال جيشنا ومواطنون أثناء الأزمة ليكون ذلك عبرةً للأجيال القادمة. ـ عندما جدّ الجد وتبيّن للعالم كلّه أنّ العميد رفعت الأسد ليس الحامي لشقيقه الأكبر وانّما الطامع في السلطة دونما وجه حق، هرب عدد من ضباط سرايا الدفاع وانضمّوا الى قواتنا وكان في مقدمهم العقيد علي ديب، حيث التحق بالفرقة الثالثة المدرّعة (وذلك لقرابة بينه وبين قائد الفرقة اللواء شفيق فياض) كما التحق عدد من من ابناء بلدتي «الرستن» بمكتبي وأبقيتهم في مفرزة الحراسة حتى نهاية الأزمة. ـ ورغم حرص الأم على أولادها فانّ زوجتي لم تمنع ولدينا (فراس ومناف) من حمل السلاح الفردي والمبيت في مبنى القيادة العامة كحرس مباشر لأمني القريب مع أنّني أكثر الناس ايماناً بالقضاء والقدر وأنّ صاحب العمر الطويل لا تقتله المصائب، ومع ذلك عندما أتذكّر هذه المآثرة تعود بي الذاكرة الى أيام العرب الأولى كيف كانت القبيلة طرفاً واحداً كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضاً. - قام عدد من صف الضباط في سرايا الدفاع بِنـزعِ ابر مدافع دباباتهم من كتلة المغلاق ووضعوها في سلّة وقدموها هدية شخصية لسيادة الرئيس، وهذا ما أعطانا الاطمئنان بأنّ جاهزيّة الدبابات في سرايا الدفاع قد هبطت الى النصف بعد هذه العملية الجريئة والمفاجئة والتي تستحقُّ كلَّ تكريم. ـ كان التفاف المواطنين بفئاتهم كافة حول القائد الأسد ذا معنى كبير جعل معسكر الخصوم في (حيص بيص) لا يدرون ماذا يفعلون وكان كلّ يوم يمضي تزداد قوّتنا وتتضاءل قواهم حتى وصلوا الى حد القناعة المطلقة بأنّ أي صِدام بين الطرفين سيكون وبالاً عليهم لا محالة. حقّاً انّ شعبنا العربي السوري من أفضل شعوب الأرض قاطبةً والشعوب والأمم لا تُعرفُ الاّ عند الشدائد، وقد أثبت شعبنا جدارته بالحياة والمجد حين تعلّق بالرئيس الأسد وترك المغريات الأخرى كافة التي طرحها الطرف الآخر ومن جملتها الانفتاح الاقتصادي. أجل لقد جاء الانفتاح الاقتصادي ولكن في عهد الرئيس الأسد جاء لمصلحة الشعب كلّه، ولو تمّ في عهد سواه لكان نصيب القطط السمان هو نصيب الأسد ونصيب الشعب كلّ الفُتات الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع.
|
| | |
رقيب
الموقع : EU
| موضوع: رد: مذكرات وزير الدفاع السوري السابق العماد اول مصطفى طلاس الأحد يوليو 05 2015, 08:45 | |
| مع كامل إحترامي وتقديري أخي الدكتور قتيبه ولكن ربما تكون قد أعطيت لهذا النكره مصطفى طلاس أكثر مما يستحق!!!
هنالك الكثير من القادة العظام يستحق أن تكتب عنهم .ولكن طلاس هذا وبحكم ما أكده الكثير من الضباط السوريون لم يكن بمستوى ان يقود او يامر أو أن يتسنم أي منصبا أو رتبة في الجيش السوري !
وتم تنصيبه ذلك المنصب ليس ككفاءة منه وإنما بحكم ولائه وتبعيته فقط لرئيس البلاد حافظ الأسد!
وقد بينت بعض الحقائق عنه سلفا ولا أريد أن أعطيه أكثر من حجمه للأسف الشديد !
برأيي الشخصي والخيار لك طبعا أن تستمر بالكتابة(تشويقا وفائدة) عمن هو يستحق بأن يكتب عنه وإما بحسب شهرته او مواقفه أو أهمية ما كان يغرفه عن حقبة مهمة من الحقبات التي مرت بنا. فمثلا مذكرات ومقابلات الفريق الشاذلي أو محمد فوزي أو اللواء جمال حماد وكذلك مذكرات الجنرال شوارسكوف أو الحاكم المدني للعراق بول بريمر...
ويا حبذا لو تنعشنا بمذكرات أو معلومات عن جنرالات الحرب العالمية الثانية من امثال الفيلد مار شال رومل أو هملر أو غورينغ أو تشرشل أو ستالين على سبيل المثال!
ونحن بالإنتظار لكل ما تكتبه ومع الشكر والتقدير. |
| | |
مشرف
| موضوع: رد: مذكرات وزير الدفاع السوري السابق العماد اول مصطفى طلاس الأحد يوليو 05 2015, 11:56 | |
| - emas alsamarai كتب:
- مع كامل إحترامي وتقديري أخي الدكتور قتيبه ولكن ربما تكون قد أعطيت لهذا النكره مصطفى طلاس أكثر مما يستحق!!!
هنالك الكثير من القادة العظام يستحق أن تكتب عنهم .ولكن طلاس هذا وبحكم ما أكده الكثير من الضباط السوريون لم يكن بمستوى ان يقود او يامر أو أن يتسنم أي منصبا أو رتبة في الجيش السوري !
وتم تنصيبه ذلك المنصب ليس ككفاءة منه وإنما بحكم ولائه وتبعيته فقط لرئيس البلاد حافظ الأسد!
وقد بينت بعض الحقائق عنه سلفا ولا أريد أن أعطيه أكثر من حجمه للأسف الشديد !
برأيي الشخصي والخيار لك طبعا أن تستمر بالكتابة(تشويقا وفائدة) عمن هو يستحق بأن يكتب عنه وإما بحسب شهرته او مواقفه أو أهمية ما كان يغرفه عن حقبة مهمة من الحقبات التي مرت بنا. فمثلا مذكرات ومقابلات الفريق الشاذلي أو محمد فوزي أو اللواء جمال حماد وكذلك مذكرات الجنرال شوارسكوف أو الحاكم المدني للعراق بول بريمر...
ويا حبذا لو تنعشنا بمذكرات أو معلومات عن جنرالات الحرب العالمية الثانية من امثال الفيلد مار شال رومل أو هملر أو غورينغ أو تشرشل أو ستالين على سبيل المثال!
ونحن بالإنتظار لكل ما تكتبه ومع الشكر والتقدير. انا نقلت هذه المذكرات لسبب واحد : تسليط الضوء على مرحلة الصراع بين الاخوين حافظ الاسد ورفعت الاسد منتصف عقد الثمانينات هذا الصراع الذي كاد ان يتحول الى حرب اهليه في سوريا قد لايعرف عنها الناس الكثير لاتقلق , مذكرات من ذكرتهم في الطريق ان شاء الله " يبدو ان مواضيع القاده العراقيين قد شبعت منها " |
| | |
رقيب
الموقع : EU
| موضوع: رد: مذكرات وزير الدفاع السوري السابق العماد اول مصطفى طلاس الأحد يوليو 05 2015, 21:11 | |
| - mi-17 كتب:
انا نقلت هذه المذكرات لسبب واحد :
تسليط الضوء على مرحلة الصراع بين الاخوين حافظ الاسد ورفعت الاسد منتصف عقد الثمانينات
هذا الصراع الذي كاد ان يتحول الى حرب اهليه في سوريا قد لايعرف عنها الناس الكثير
لاتقلق , مذكرات من ذكرتهم في الطريق ان شاء الله " يبدو ان مواضيع القاده العراقيين قد شبعت منها " -------------------------------------------------------------------------------- بالعكس اخي قتيبه ! فأنا مولع جدا بمواضيع القادة العراقيين وليس فقط لأنني عراقي ! ولكن حجم المعارك التي خاضوها أولائك القادة والكم الهائل جدا من المسؤوليات والتحديات والمخاطر والتهديدات والظروف ناهيك عن إحتمالية حصول الاعدامات الميدانية رميا بالرصاص ومن دون محاكمة تجعل من القادة العراقيين نموذجا فريدا من الرجال !!! ولكنني لا أستطيع التعليق أو الإضافة إلا بحسب ما اعرفه وبما متاكد منه. فمثلا لم احظى بأي مواجهة مع كل الشخصيات القيادية العراقية سوى الفريق أول الركن نزار الخزرجي ولمرة واحدة فقط! ولكنني ترددت فقط بالتعليق حول اللواء قوات خاصه الركن بارق الحاج حنطه (أعدمه صدام حسين عام 1991).وبحسب ماعرفته شخصيا من خلال تواجدي بالكويت وتحديدا من بداية الغزو والى آخر يوم منه. حيث أن هنالك موقفا حدث أيام ذلك الغزو الكارثي للكويت. وحصل انه كان ضابطا من القوات الخاصة وبرتبة ملازم اول وكان مكلفا بالسيطرة والإشراف على احد المخابز بالكويت وتحديدا في منطقة حولي. وكان أنه قد تلاطفت معه إمراة عربية وليست كويتيه ومن بلد مجاور لفلسطين تحديدا . وكان تلاطفها بقصد عدم الوقوف بالطابور لغرض الحصول على مادة الخبز! وهذا ما ادى الى ركوب الشيطان الرجيم والعياذ بالله منه الى رأس ذلك الضابط الذي قام بملاحقتها ومع عدد من افراد حمايته ومن ثم دخلوا الى شقتها وقاموا بربط وتكميم زوج تلك المراة ومن ثم قام ذلك الضابط بعملية إغتصابها !!! وقامت تلك المراة العربية بالشكوى على الضابط عند مقر قيادة قوات الخليج والتي كان اللواء قوات خاصه الركن بارق يشغل منصب رئيس أركان تلك القيادة ومقرها في مدينة كاظمه . وكان قائد قيادة قوات الخليج حينها الفريق قوات خاصه الركن كامل ساجت (أعدمه صدام حسين عام 1999) ولكنه كان حينها يتمتع بإجازة . فما كان من بارق الى قام بإحضار ذلك الضابط ومن ثم الامر بإعدامه ميدانيا رميا بالرصاص وحسب صلاحيته (تخويل صلاحية الإعدام ميدانيا لجميع القادة بامر من الرئيس صدام حسين ومن دون محاكمة). ولما تم تنفيذ الإعدام الميداني والفوري امام تلك المرأة قامت بالصراخ وضرب الوجه والبكاء ندما على ما رأت عيناها من منظرا تتطاير فيه الأشلاء والدماء ومن تمزيقا للجثة شر ممزق!!! وتم رفع الجثة رأسا من بعد تنفيذ عملية الإعدام!!! ولم يتم تشكيل أي محاكمة او مجلسا للإعدام إلا من بعد التنفيذ!!! ولم يكن الرئيس صدام حسين على علم بما حدث إلا فيما بعد ذلك !!! ولكن عندما سقط حكم الرئيس صدام حسين وسيق الى المحاكمة إدعى كذبا بأنه هو من أمر بتشكيل مجلسا تحقيقيا والحكم بإعدام ذلك الضابط وكذلك الامر بإبقاء جثته لمدة 3 أيام على عامود الإعدام ليكون عبرة لغيره!!! ورواية سعد البزاز لا أساسا لها من الصحة إطلاقا !!! فالذي متاكدا منه انا شخصيا بان مشاجرة جرت بين بارق وصدام حسين وقام صدام حسين بشتم عرض وشرف بارق وقام بارق بإعادة الشتم بوجه صدام حسين وقام صدام حسين بسحب مسدسه الشخصي ورمي إطلاقات عدة على رأس بارق فاصابت إحدى الإطلاقات إسفل الرأس مما أدى الى مقتله بالحال!!! واما اللواء قوات خاصه الركن صابر عصمت فقد تم التحقيق معه اولا وبإستخدام الضرب والكي ومن ثم تم إطلاق رصاصة واحدة على راسه فقط !!! وهنالك 12 قائدا آخر تم إعدامهم جميعا وبنفس الطريق وهي توجيه تهم الخيانة والتقصير والفشل في عملية الإنسحاب من الكويت. |
| | | | مذكرات وزير الدفاع السوري السابق العماد اول مصطفى طلاس | |
|
| |