موضوع: DARPA ... الهيئة الهندسية للجيش الأمريكي الإثنين أغسطس 24 2015, 12:23
في عصر لم تصبح فيه القوة العسكرية تعتمد اعتمادا كليا على أعداد الجنود الفاعلين والاحتياط، أو حتى التفوق النسبي للجندي من الناحية البدنية، بل أصبحت معتمدة اعتمادا شبه كلي على العتاد والتقنيات والتسليح المتقدم الذي يزيد من قدرة الجندي على أرض المعركة، يبرز دور العلماء والمهندسين، الضامن الوحيد لتفوق الجيوش في هذا العصر. وتدرك جيوش الدول المتقدمة أهمية هذا الدور، فتقوم بإنشاء الهيئات الهندسية المتقدمة، المدعومة بألمع العلماء في مختلف المجالات، وبميزانيات غير محدودة، وذلك لضمان التفوق العسكري الدائم.
وعند الحديث عن هيئات هندسية عسكرية لها وزن حقيقي على الساحة، سنجد أن دربا DARPA هي خير مثال لذلك. فمنذ أنشأها الرئيس الأمريكي أيزنهاور سنة 1958 ردا على إطلاق السوفييت لـسبوتنك1 - Sputnik 1 أول قمر صناعي في الفضاء، يعمل علماؤها جاهدين لتطوير تقنيات فعالة تضمن التفوق العسكري على جميع أعداء الولايات المتحدة المحتملين لعقود قادمة.
الحرب الباردة كانت البداية..
البداية كانت في أوج الحرب الباردة بين السوفييت والولايات المتحدة، الحرب التي بدأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، بتفوق واضح للولايات المتحدة مع امتلاكها للقنبلة النووية، والتي لم يصبر السوفييت حتى استطاعوا انتاجها وتجريبها لأول مرة عام 1949. وبالتزامن بدأت الكتلتان في تطوير برنامج صاروخي يستطيع حمل تلك القنابل لمسافات بعيدة، معتمدين على خبرات علماء الصواريخ الألمان الفارين من دولتهم بعد الحرب، والذي كان ضرورة لضمان السيادة العسكرية. ومع تطوير البرنامج الصاروخي بدأت محاولات الخروج للفضاء، والتي نجح فيها السوفييت أولا بإطلاق القمر الصناعي سبوتنك 1 عام 1957، ثم إرسال يوري جاجارين خارج الأرض بعد ذلك عام 1961.
فبعد ذلك النجاح الساحق للسوفييت، والذي رفع من أسهمهم كثيرا، قرر أيزنهاور قبول التحدي، فأعلن تغييرات ثورية وشاملة في نظام التعليم الأمريكي. وأطلق حملة قومية هدفها تطوير التعليم العالي وخصوصا العلمي، وأسس وكالة ARPA والتي تغيرت لـ DARPA لاحقا. كما أعلن أيضا عن إنشاء وكالة الفضاء الأمريكية NASA. وكل هذا كان بهدف إيصال إنسان لسطح القمر خلال 10 سنوات، واستعادة الكرامة الأمريكية، التي امتهنها السوفييت بإنجازهم الغير مسبوق، والفوز باحترام وتقدير العالم مرة أخرى.
ما هي DARPA؟!
DARPA هي اختصار لـ Defense Advanced Research Projects Agency، هيئة أبحاث المشروعات الدفاعية المتطورة بوزارة الدفاع الأمريكية. وهي هيئة عسكرية مستقلة داخل الجيش الأمريكي، تتبع وزير الدفاع بشكل مباشر. ويعمل فيها 240 عالم ومهندس يتحكون في ميزانية سنوية تبلغ 3 مليار دولار، ويعملون على مشاريع قصيرة الأمد، تتخطى حدود التقنيات العسكرية الحالية، وتضمن التفوق للجيش الأمريكي مستقبلا.
وساهمت DARPA على مدى تاريخها في تطوير تقنيات استخدمت أيضا خارج الإطار العسكري كبعض تقنيات الإنترنت، والحوسبة. كما أن العديد من المشاريع تتم بالتعاون والشراكة مع بعض المراكز البحثية داخل أمريكا. وسنتحدث هنا عن بعض مشاريع DARPA التي تركت بصمة واضحة، وأيضا بعض مشاريعها المستقبلية التي تشبه أفلام الخيال العلمي أحيانا.
أوائل المشاريع..
في بدايتها، كانت لـ DARPA أهداف سريعة مطلوبة منها، وكان أغلب عملها في ذلك الوقت يهدف لتطوير برنامج الفضاء، ومنصات الدفاع ضد الصواريخ الباليستية، وإنشاء منظومة للكشف المبكر عن الاختبارات النووية العسكرية. لكن بعد إنشاء ناسا، انتقل تطوير برامج الفضاء لها، مما ممكن للعلماء في DARPA من التركيز في المشاريع الدفاعية، كـمشروع defender لحماية الولايات المتحدة من أي هجوم صاروخي بعيد المدى، ومشروع Vela للكشف عن الانفجارات النووية، والذي طوروا من خلاله العديد من تقنيات الرادار، ورصد الأشعة تحت الحمراء، وأشعة جاما، والأشعة السينية. كما بدأت DARPA بعض تجارب البرمجة الحوسبية، وبعض أبحاث علوم دراسة السلوك.
وفي عام 1959طورت DARPA نظام أولي لتحديد المواقع باستخدام الأقمار الصناعية يسمى NavSat، بالتعاون مع جامعة جون هوبكينجز Johns Hopkins وبتمويل من البحرية الأمريكية. ويعتبر NavSat الأب الروحي لنظام تحديد المواقع العالمي GPS المستخدم الآن في كل الأجهزة الالكترونية تقريبا. كما طورت DARPA نظام ARPANET وهو نظام شبكة بدائي يصل بين الحواسيب في أماكن محدودة، وتطوير ARPANET كان أحد الخطوات المهمة في تطور شبكة الإنترنت.
وبدأت DARPA أيضا بعض أبحاث الذكاء الصناعي، والتعرف الآلي على الكلام، وطوروا بعض آليات تستطيع القيام بمهام محدودة باستخدام تقنيات الذكاء الصناعي الممكنة وقتها كــ Shakey the robot وطوروا أيضا تقنيات بدائية متعلقة بـالواقع الافتراضي virtual reality. ويتبين لنا من المشاريع التي كان علماء DARPA يعملون عليها في ستينات القرن الفائت أن خيالهم وطموحهم كانا بلا حدود، فبعض التقنيات التي كانوا يعملون عليها وقتها مازالت حتى الآن تحت البحث، وإن كانت قد وصلت لمراحل متقدمة بالفعل، إلا أنها لم تصل للصورة النموذجية التي يبتغيها العلماء.
الإنجازات الدفاعية في ثمانيات وتسعينات القرن الماضي..
آمن مايك مانسفيلد Mike Mansfield زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ الامريكي وقتها بأن DARPA خرجت عن الدرب المرسوم لها مسبقا، وذلك ببحثها وتطويرها تقنيات غير مفيدة عسكريا. ولذلك عمل على إصدار قانون سمي Mansfield Amendment يجبر DARPA على تطوير تقنيات عسكرية حصريا وذلك لكي يوافق مجلس الشيوخ على تمويلها من أموال دافعي الضرائب. وأوقف هذا القانون تمويل العديد من المشاريع العلمية والحوسبية التي كانت تمولها DARPA، ولهذا اعتبره البعض ضربة قاصمة للبحث العلمي بأمريكا، لكنه في مقابل ذلك وجه كل طاقات DARPA لهدفها الأصلي الذي كان الغرض من إنشائها، وهو الأبحاث العسكرية.
وفي تلك الفترة طور علماء DAPRA الكثير من التقنيات المهمة، كبعض أنواع الدروع المضادة للرصاص، والأسلحة الخارقة للدروع، والكشف بالأشعة تحت الحمراء، واستخدامه في أبحاث الفضاء، واستخدام أشعة الليزر من الفضاء في توجيه الصواريخ، وأجهزة الكشف عن الغواصات، وتطوير بعض الصواريخ الحربية، والطائرات المقاتلة، وتطوير صواريخ كروز ذاتية التوجيه. وقد أدت الأبحاث في تلك الفترة إلى إنشاء نظام توجيه ذاتي وتعرف على الأهداف Automatic target recognition تستخدمه الطائرات بدون طيار وأيضا الصواريخ بعيدة المدى. كما تم استخدام أنظمة التوجيه الذاتي مع أنظمة الكشف عن الصواريخ من الفضاء، والتي طورتهم DARPA، في تطوير برنامج الدرع الصاروخي الأمريكي والذي يعرف الآن باسم Missile Defense Agency، وهو فرع شديد الأهمية في الجيش الأمريكي.
قرن الخيال العلمي..
كل ما سبق على أهميته لا يُقارن بما تفعله DARPA في السنوات الأخيرة. فالكثير من المشاريع التي تعمل عليها تقترب بالفعل من حدود الخيال العلمي. ومن الواضع أن أحلام علمائهم تتخطى الخيال بالفعل، فمع المقاتل الآلي الخارق، أو الجندي الذي لا يحتاج للنوم، وحتى الدبابة التي تستطيع الطيران، والطائرة التي تصل سرعتها لعشرين ضعف سرعة الصوت، يمكن القول بكل ثقة أن علماء DARPA يدورون في فلك آخر. ولو استطاعوا تحقيق كل أحلامهم لأصبح الجيش الأمريكي بلا نزاع الجيش المهيمن على العالم للعقود القادمة. فأبحاث DARPA المستمرة على تطوير النظم الهجومية والدفاعية والأسلحة الشخصية للجيش الأمريكي، تضمن لهم ذلك. وسنذكر هنا القليل جدا من المشاريع التي أعلنوا عنها والتي ستشعرنا بحجم الفجوة بين واقعنا، وبين ما يحاولون هم الوصول إليه.
أبحاث التكنولوجيا الحيوية، وخلق الجيل الجديد من المقاتلين..
تعمل DARPA على تطوير القدرات القتالية للجنود بأكثر من طريقة، يحاول العلماء هناك صنع مقاتل خارق وذلك بتزويده بهيكل خارجي داعم يزيد من قدراته وقوته وتحمله في المعركة.
لكن هذا ليس شيئا. فالعلماء يهدفون هناك لخلق مقاتل خارق على المستوى الحيوي. ولذلك أنشأت DARPA في 2014 مكتب الأبحاث الحيوية Biological Technologies Office، والذي يهدف لدراسة التكنولوجيا الحيوية وتأثيرها على القوة الفيزيائية للجنود. ويعمل المكتب على ثلاث محاور رئيسية:
المحور الأول هو محاولة تخطي القدرات المحدودة للجسد في تحمل الإصابات وفقدان كميات كبيرة من الدم وفقدان الأطراف. وهدفهم هو تقليل فترة الشفاء التي يحتاجها الجندي قبل العودة لميدان المعركة، وأيضا صنع أطراف صناعية يمكن التحكم بها من خلال شرائح مزروعة في المخ. كما يحاولون من خلال برنامج biochronicity program التحكم في تأثير العمر على أجساد الجنود، مما يخلق في النهاية جندي أطول عمرا، يشفي في وقت أقل، ويعود لميدان المعركة بشكل أسرع، ويتحمل آلاما أقل.
المحور الثاني هو خلق قدرات خاصة للجنود من خلال خلق جينات مصنعة artificial chromosome تحمل شفرات وراثية معينة. ولكي نستوعب الأمر يجب أن نعلم ما يطمح إليه العلماء، فقط تخيل أن هناك جندي لا يحتاج للنوم! وآخر احتياجاته الغذائية محدودة جدا! وثالث له عين متطورة تستطيع رؤية الأشعة تحت الحمراء في الظلام. تخيل جيشا كاملا بتلك القدرات! سيمكنهم بتلك التقنيات بناء جندي كامل من الصفر بالمواصفات التي يحتاجونها. وربما بدا كل هذا خيالا علميا منافيا لطبيعة الخلق، لكن استثمار البنتاجون في الأبحاث المبدئية حوالي 20 مليون دولار سنويا يشي بأن هناك شيئا ما يجري ربما سيفاجئنا قريبا بهذا الخصوص.
والمحور الثالث هو منع انتشار الأوبئة بين الجنود، وذلك بدراسة طرق انتشار الأوبئة في المجتمعات على نطاق واسع ومحاولة الوصول لطرق جذرية تمنع انتشارها، وتوقفه تماما. وتثير تلك التجارب الكثير من المعضلات الأخلاقية، وخصوصا أنها تتطلب ممارسات بحثية وإجراءات تجارب على البشر، لكن تقول DARPA أنها تجري تجاربها بشكل آمن وعلى أفراد متطوعين بشكل كامل.
السيطرة على أجواء المعركة باستخدام نظام SoSITE..
أعلنت DARPA في 2015 عن بدء تطوير هذا النظام، System of Systems Integration Technology and Experimentation نظام تكامل الأنظمة التقنية والتجريبية. وهو يهدف على المدى البعيد إلى زيادة القدرة القتالية في المعارك الجوية، وتمكين الطيارين من السيطرة على الأجواء بشكل غير مسبوق. ويهدف النظام لتطوير أنظمة استشعارية وتسليحية للطائرات، منفصلة تماما عن هيكل الطائرة. وتعمل تلك الأنظمة الجديدة بتقنية موحدة على جميع أنواع الطائرات الحربية، بحيث يمكن تحميل أي نظام ممكن على أي طائرة سواء كانت بطيار أو بدون طيار.
فإذا كانت لديك مهمة في مكان شديد الخطورة يمكن تحميل أنظمة تسليحية على طائرة بدون طيار، بينما في المعارك الجوية المباشرة يمكن تحميل أنظمة استشعارية على طائرات بدون طيار يمكنها اختراق قوات العدو. وتتصل تلك الأنظمة جميعا بشبكة واحدة، توفر كل معلوماتها مباشرة للطيار، والذي يستطيع خلال سير المعركة رؤية نتيجة استطلاع أنظمة الاستشعار مباشرة، وبالتالي يمكنه كشف أكبر قدر ممكن من البيئة المعادية المحيطة به، دون أن يجازف بحياته.
EXACTO، حين يكون القنص كما لم يكن من قبل..
EXACTO هي اختصار لكلمة Extreme Accuracy Tasked Ordnance وتعني الذخائر الموجهة عالية الدقة، وهي طلقات مدفع قناص قادرة على تغيير مسارها في الهواء مستعينة بشعاع ليزري موجه من القناص، وذلك لضمان أكبر دقة ممكنة لإصابة الهدف، حتى لو تحرك بسرعة من مكانه، أو تدخل عامل ما كالرياح الشديد في تغيير مسار طلقة القناص. وتُمكن EXACTO القناص من إصابة هدف متحرك بدقة من على بعد أكثر من 1500 متر. وأجرت DARPA تجارب ناجحة بالفعل، لكنها -بالتأكيد- لم تعلن عن آلية عمل طلقات EXACTO، والتي ستعتبر نقلة هائلة في عالم القنص بقدرتها على إصابة هدف محدد بشكل دقيق عن بعد مهما كانت الظروف.
مشروع Phoenix program لتصنيع وصيانة الأقمار الصناعية في الفضاء..
تطوير وتصنيع الأقمار الصناعية حاليا يعتبر عالي التكلفة مقارنة بما تقدمه تلك الأقمار، ومقارنة بمتوسط أعمارها في الفضاء قبل أن تتلف أو تخرج عن مدارها وتتحطم، وتحاول DARPA تغيير ذلك بمشروع Phoenix program. والمشروع الذي في مراحله التجريبية الآن يهدف لتصنيع أقمار صناعية مكونة من وحدات محددة لها مهام معينة، كوحدات بطارية ووحدات استشعار ووحداث بث، بحيث تكون خفيفة الوزن، ويمكن إرسالها في الفضاء لتجميعها هناك باستخدام آليين. وتوفر تلك التقنية إمكانية تغيير الوحدات التالفة من القمر الصناعي، أو تطويره بتبديل الوحدات القديمة بوحدات أحدث، وأكثر قدرة، وإعادة استخدام الوحدات التي تعمل في أقمار أخرى.
وعلى المدى الطويل سيخفض هذا المشروع من التكلفة التي تتحملها الخزانة الأمريكية من أجل إطلاق أقمار صناعية في مختلف المجالات العسكرية والمدنية، وذلك بزيادة متوسط عمر القمر الصناعي، وإماكنية صيانته وتطويره، وذلك بدلا من تركه يتوه في الفضاء، بلا جدوى.
السيطرة على أعماق المحيطات أيضا مع مشروعي Hydra و UFP..
كما تحاول DARPA فرض سيطرة الجيش الأمريكي على السماء وعلى الفضاء، لم يتركوا المحيطات أيضا، خصوصا وأنها تغطي حوالي ثلثي سطح الأرض. ولذلك تطور DARPA العديد من التقنيات التي ستساعد الجيش الأمريكي في فرض السيطرة، نذكر منهم Hydra و UFP. وهيدرا، اسم أحد الوحوش متعددة الرؤوس في الميثولوجيا الإغريقية، يهدف لمد شبكة من المنصات المغمورة في المياه الدولية. وتلك المنصات ستكون، حسب الخطة، قادرة على إطلاق طائرات بدون طيار، وغواصات صغيرة بدون قائد، ذات قدرات تجسسة واستكشافية، وأيضا قادرة على حمل أسلحة وصواريخ لاستخدامها وقت الضرورة، في أي معركة تجري في العالم.
أما UFP -Upward Falling Payloads- وتعني الحمولات الساقطة لأعلى، فهي منصة إمداد سريع مغمورة أيضا، قادرة على تحمل ضغط الماء لسنوات عديدة في قاع البحار والمحيطات، وتحمل وسائل إعاشة وإمدادات طبية وعسكرية، ووسائل إتصال. وتهدف DARPA لمد شبكة منها في جميع مسارات تحرك السفن المدنية والعسكرية، والغواصات. وعند وقوع أزمة طارئة يمكن للبحارة إرسال إشارة للمنصة لتصعد بسرعة لسطح البحر وتوفر لهم المدد اللازم حتى تأتي المساعدة من أقرب جهة.
تحدي الآليين السنوي (DARPA Robotics Challenge DRC) حدث DARPA الأعظم:
أحد أهداف DARPA الرئيسية حاليا هو تصنيع جنود آليين قادرين على مساعدة الجنود في ميدان المعركة، أو في الكوارث الطبيعية. حيث سيتمكن الجندي الآلي من رفع أوزان أثقل، والتحرك بشكل أسرع، وتحمل إصابات أكثر، وربما يكون قادر على إجلاء المصابين. ولتحقيق هذه الأهداف يجب على DARPA مجابهة معوقات كثيرة تتعلق بسعة البطارية ووزن الآلي وسرعته وقدرته على التحرك في ميدان المعركة المعقد بشكل سلس.
ولحل تلك المعضلات، تجمع DARPA أقوى وأهم الفرق البحثية والهندسية في مجال الروبوتات في مسابقة سنوية تختبر فيها DARPA التقنيات التي طوروها، وتكافئهم أيضا مكافئات سخية عند نجاحهم في الاختبارات المعقدة التي تجربها DARPA. ومانراه في المسابقات سنويا يؤكد أنهم مازالوا في بداية الطريق المعقد، وما زال أمامهم الكثير لصناعة روبوت قادر على القيام بكل تلك المهام المعقدة بسرعة وسلاسة، لكنهم على الطريق الصحيح على الأقل. وأقيمت آخر مسابقة في يونيو 2015 وفاز فيها الفريق الكوري Team Kaist وآليهم Hubo.
ختاماً، كل ما سرد في المقال أعلاه بدأ بمجموعة من المشاكل والتحديات، داخل منظومة تستطيع تشخيص المشكلة وتصنيفها، ثم وضع حل أو مجموعة حلول مناسبة. وما نتعلمه من DARPA هنا هو أن اللحظة الفارقة في حياة الأمم يجب أن نستغلها أفضل استغلال وذلك عن طريق قدرة تلك المنظومة على إجادة التفكير النقدي الصحيح لحل المشاكل، ومحاولة وضع الخطط طويلة الأمد، والتي تستثمر في الأمة نفسها لتصبح أكثر قوة، وأكثر قدرة.
وهنا نجد أن أيزنهاور منذ ستين عاما قرر في لحظة فارقة أن يوجه كل مجهودات الدولة تجاه تطوير التعليم، لتربية جيل جديد أقوى. وكانت النتيجة أنه بعد أكثر من نصف قرن، ظلت الولايات المتحدة الكيان الأقوى اقتصاديا. كما أن الجيش الأمريكي مازال هو أقوى جيوش العالم، وبفارق شاسع عن أقرب منافسيه، وسيظل كذلك لفترة طويلة قادمة. DARPA كانت هي بداية الحل.