"يتخيل الناس أن الثورات سهلة، ولكن لا يمكن القيام بثورة ناجحة في 18 يوما. إنها عملية، عملية طويلة، لا يمكن أن تحدث في بضعة أيام". بحسب الإعلامي المصري باسم يوسف الذي كان يتحدث عن نتائج الثورة المصرية عام 2011.
بدأت رحلة باسم يوسف قبل أربعة أعوام، عندما عمل كطبيب ميداني أثناء الاحتجاجات ضد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، قبل أن يبدأ بتقديم مقاطع فيديو ساخرة على موقع يوتيوب.
وبعد تسع حلقات بُثت على يوتيوب، تلقى عرضا لبث البرنامج على إحدى قنوات التليفزيون في مصر وأصبح معروفا بلقب "جون ستيورات مصر".
وحتى العام الماضي، كان جمهور التليفزيون في مصر يحبسون الأنفاس كل أسبوع انتظارا لبرنامجه الساخر الذي حظي بشعبية كبيرة من خلال السخرية من الحكام.
وكان الرئيس السابق محمد مرسي، المسجون حاليا، هدفا دائما في عرض يوسف الساخر بالإضافة إلى رجل مصر القوي الجديد عبد الفتاح السيسي.
وكان ذلك سببا في التهديد بالسجن وعمليات التخويف والترهيب التي تعرض لها الإعلامي الساخر، ما اضطره في النهاية إلى وقف البرنامج ومغادرة البلاد في حزيران/ يونيو لاعتبارات تتعلق بأمنه.
وكانت واحدة من الشائعات التي انتشرت في الصحافة عن باسم يوسف تفيد بأن جون ستيورات، الذي تربطه به صداقة في الوقت الحالي، حاول تجنيده كجاسوس.
يقول يوسف "كدت أموت من الضحك. إنه أمر مضحك جدا، والأكثر اضحاكا أن بعض الناس يصدقونه بالفعل".
لكن ما هو مضحك هنا مرعب إلى حد ما أيضا!
أضاف يوسف: "أشعر ببعض الانزعاج، نعم بعض الانزعاج. إنه لجنون، ما يمكن لوسائل الإعلام أن تفعله بعقول الناس".
قابلت باسم يوسف في أروقة مقر هيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي في لندن، كانت عينا الرجل البالغ من العمر 41 سنة مجهدتين، إذ كان قد وصل للتو من رحلة الطائرة، فهذا البلد الرابع الذي يزوره خلال أسبوع واحد.
وكان يوسف قد ظهر قبل بضعة أيام في برنامج "دايلي شو" مع جون ستيورات كمراسل كبير من الشرق الأوسط، وهو الجميل الذي كان ستيورات قد رده عندما ظهر في برنامج باسم يوسف قبل أن يوقف بثه. وكان الإعلاميان الساخران التقيا للمرة الأولى قبل ذلك بسنوات قليلة ونشأت بينهما صداقة وصفها يوسف بأنها "حب من النظرة الأولى".
لذلك وجهت إليه سؤالا عن أيهما أكثر شعبية في مصر الآن، هو أم النسخة الأصلية (ستيورات)؟
وكانت الإجابة الساخرة أن "جون ستيورات أصبح اليوم أكثر شهرة مما كان عليه منذ أربع سنوات".
وأضاف أن "هناك ما يشبه المعاهدة بيني وبين جون ستيوارت، بموجبه يجعلني أكثر شهرة في الغرب في حين أجعله أكثر شعبية في مصر".
والآن، يقوم يوسف بجولة حول العالم، يُمنح الجوائز، ويلقي المحاضرات في جامعة هارفارد، ويكتشف المواهب عبر الإنترنت للعمل في مشروعه الجديد "تيوب ستار نتوورك"، وهو شبكة اكتشاف وتطوير مواهب مقرها في دبي.
وكان قد أوقف بث برنامجه الساخر ببعض الكلمات أبرزها "لقد تعبت من القلق والكفاح من أجل سلامتي وسلامة أسرتي".
ولكن، هل تغير الوضع الآن؟
كان هذا سؤال طرحته عليه، وأجابني قائلا: "أتمنى أن يعود البرنامج، لكني لا أتوقع أن يعود الآن. ولا أعتقد أن الظروف الحالية مناسبة لعودته. إنه أمر خارج عن إرادتي".
بدت على وجهه علامات التردد عندما سألته عن إمكانية أن يعيش إعلامي ساخر في أمان في مصر.
لكنه أجاب متهكما: "هل يمكنه العيش في أمان؟ نعم، نأمل أن يتمكن من ذلك – ما رأيك في هذه الإجابة؟".
عندما يتحدث عن الثورة، تبدو على وجهه علامات المرارة مع أنه يضحك طوال الوقت. فهي الثورة التي يعتبرها لم تف بما وعدت به فيما يتعلق بالديمقراطية.
يقول يوسف: "لاأعتقد أن هناك عدلا على ظهر هذا الكوكب، فهو كوكب ظالم كلية. وأقصد بذلك أن المنتصر هو من يكتب التاريخ بالصورة الجميلة حسب رؤيته، ولكنه عالم الأقوياء والقادرين الذين غالبا ما ينتمون إلى فئة الطغاة. لذلك لا أظن أن العدالة تتحقق للمسحوقين والضعفاء".
وسألته، هل كان ذلك هو رأيه منذ أربع سنوات؟
فأجاب: "لا، لم يكن كذلك، فالأمر يتعلق بالمناخ المحيط الذي يجعلك تنظر إلى الأشياء بطريقة مختلفة. لذلك أعتقد أنه عالم غير عادل تماما".
وأضاف أن "سنوات عصيبة مرت علينا مخلفة قدرا كبيرا من الانقلابات، أمثال انقلابات واضطرابات عاطفية، وانقلابات في المشاعر، وفي التغيرات السياسية، أثرت على الجميع".
وأضاف "لا يمكن فعليا تبسيطها في أن تكون متفائلا أو متشائما.أنها أقرب إلى القول إننا كنا في قلبها كليا ... وهكذا يمكن القول أنها انطوت على أيام كانت أفضل بكثير من غيرها".
وأجرؤ على القول أن العديدين في الغرب يعتبرون باسم يوسف وجها لليبرالية الجديدة في مصر.
رد يوسف "إنها مجاملة كبيرة، وجه مصر الليبرالية ! هل لدينا ليبرالية في مصر؟ إذا كان لدينا ليبرالية، فيسعدني أن أكون وجها لها. شكرا لك على هذه المجاملة، ولكن أين يمكنني استلام جائزتي؟ شكرا للأكاديمية".
ليست هذه محاولة لرسم صورة شخص كئيب، فهو ليس كذلك. إذ في لحظة ما اثناء رحلتنا بالسيارة، بينما كنا نناقش المخاطر التي تواجه الإعلامي الساخر، نظر إلى شيء خارج النافذة وصرخ : "يا إلهي، خراف صغيرة، إنها لطيفة جدا. لو كانت طفلتي هنا لقفزت من السيارة".
وعند مغادرتنا لمقر بي بي سي لاحقا بدا باسم يوسف مسرورا لمشاهدة عناصر من "الحرس الويلزي" في الخارج. وتجنبنا بصعوبة حادثا دبلوماسيا، بعد اقناعه بعدم التقاط صورة بشكل ارتجالي (غير متفق عليها) مع الجنود.
يزور باسم يوسف الآن جامعة هارفرد، كزميل زائر، حيث يلقي محاضرات يمكن وصفها بأنها نسخة جديدة من برنامجه الساخر. أو كما يقول يوسف: "ببساطة، أروي قصة الثورة عبر عيني ساخر".
ويشارك أيضا في كتابة فيلم سينمائي بعنوان "كوميديا العرب" في استلهام من مسرحية شكسبير "كوميديا الأخطاء".
يقول يوسف لنقل إنها عن إرهابي يحاول أن يكون فنانا كوميديا (ارتجاليا)، (Stand-up comedian )".
وأخيرا يبدو أن يوسف سيظل إلى الأبد مرتبطا بالثورة المصرية، التي صنعته، والتي يبدو أنها خذلته في النهاية.
وبعد الثورة التي غيرت بلاده وغيرت حياته، يبدو أنه ما زال يحاول تلمس طريقه في عالم جديد.
يقول يوسف: "أصاب بالارتباك عندما أوصف بالكوميديان، لأنك عندما تقول (أنا كوميديان) يتوقع الناس أنك سوف تلقي بنكتة. قد أستخدم الضحك والسخرية لحمل الناس على التفكير".
وأضاف: "لا أعرف ماذا تسمون ذلك، فنان فكاهي؟ فنان ساخر؟ كوميديان يقدم كوميديا سوداء؟ لا أعرف. لكن الفنانين الساخرين قد يكونوا سوداويين (يقدمون الكوميديا السوداء)".
وقال وهو يظهر تعبيرا متجهما على وجهه "الساخر الأسود(الفنان الذي يقدم الكوميديا السوداء)، مثل الفارس الأسود، يصلح لقبا لبطل خارق".
ثم أكمل مطلقا ضحكات مكتومة "يمكن أن يكون هذا لقبك (باسم يوسف، الساخر الأسود)، ومن ثم يمكنك القول "لم أجده ظريفا أبدا، ولا أدري لِم يحبه معجبوه ؟"