بالإضافة إلى الدعم الذي يحظى به النظام السوري من قبل حليفتَيه التقليديتَين، إيران وحزب الله، في ساحة المعركة المادية، بدأت مجموعة من القراصنة واسمها "الجيش السوري الإلكتروني" بالعمل عام 2011 من أجل الإضرار بأعداء نظام الرئيس السوري بشار الاسد في العالم
تُغيّر الحرب الأهلية الشاملة التي تجري في سوريا، في السنوات الأربع الأخيرة، من وجه سوريا ووجه المنطقة، من خلال إنشاء لاعبين وقوى جديدة تشارك في تلك المعارك التي تجري بين النظام الحالي وبين التيارات المختلفة المعارضة له. تهدف إحدى القوى التي نشأت خلال هذه الفترة إلى الدفاع عن النظام الحالي ليس في الساحة المادية، وإنما تحديدا في الإنترنت: الجيش السوري الإلكتروني، وهو هيئة غامضة تهدف إلى حماية الدولة ورئيسها، بشار الأسد، في ساحة الإنترنت، وقبل كل شيء إلى الانتقام من أعدائها المختلفين في هذا المجال.
بدأ "الجيش السوري الإلكتروني" نشاطه بعد وقت قصير من بدء الانتفاضات في شهر آذار 2011 في سوريا، والتي أدت إلى الحرب الأهلية المستمرّة حتى يومنا هذا. يتم التعبير عن هذا النشاط ضدّ أعداء سوريا الماديين وعبر الإنترنت، على الأقل، وفقا لرؤية هذا التنظيم، من الداخل وبشكل أساسي من الخارج. تُشغل هذه الهيئة موقع إنترنت غيّرت وجهه خلال السنين عدة مرات (بل وتمت ملاءمته لمشاهدته من خلال الأجهزة المحمولة)، وحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وتحديدا تويتر (وفي إنستاجرام أيضًا، بل وفي موقع التواصل الاجتماعي الروسي VK) الذي تذكر فيه نشاطها باللغتين الإنجليزية والعربية. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن نجد في موقع التنظيم الادعاء بأنّ هذه النشاطات تتمّ ممارستها من قبل عدة شبان متطوّعين سوريين مستقلّين، والذين وضعوا لهم هدفا وهو محاربة أعداء النظام السوري على شبكة الإنترنت. وذلك إلى جانب الادعاء بأنّ نشاطهم مستقلّ وليس مرتبطا بالنظام السوري، وهو ادعاء بحسبه لا يمكن تقييم مصداقيّته، فضلا عن هوية المجموعة، أعضائها ومن يقف خلفها.
خلال أربع سنوات منذ تأسسها عملت الهيئة ضدّ أعداء النظام السوري وذلك على عدة مستويات. كان أساس نشاط "الجيش السوري الإلكتروني" ضدّ جهتين رئيسيّتين: الدول العربيّة ودول الغرب، وذلك وفق تقسيم واضح: اختراق نظم المعلومات للجهات الحكومية في دول الشرق الأوسط وتسريب المعلومات الذي يهدف إلى الإضرار بتلك الدول وإحراجها. في المقابل، يتمّ القيام باختراق وسائل الإعلام (وخصوصا حسابات تويتر) الغربية (وخصوصا بريطانيا)، حيث إنّه في معظم الحالات توضع رسالة تُعْلم بالاختراق، دون استغلالها لإيجاد ضرر كبير مثل وضع رسائل فيها حرب نفسية، تسريب معلومات وما شابه. إلى جانب ذلك، تمّ تنفيذ نشاطات متنوعة بهدف الكشف عن التنظيم والناشطين فيه، وضمن من ذلك ادعاء الكشف عمّا يفترض أنّه ناشط ما في المجموعة من وقت لآخر.
وفي إطار العمل ضدّ وسائل الإعلام البريطانية يمكن أن نعدّد اختراق عشرات حسابات تويتر لـ Financial Times، ولمواقع التواصل الاجتماعي التابعة للقناة التلفزيونية ITV, The Telegraph, Sky News, Forbes, Wall Street Journal, The Sunday Times, The Sun, Time Out, PC World, The Evening Standard, International Business Times. كل ذلك مع التركيز على اختراق حسابات التويتر تلك. إنّ العمل ضدّ وسائل الإعلام الغربية التي ليست بريطانية هو هامشيّ نسبيًّا، وفي هذا الإطار تم توثيق اختراق لحساب تويتر لصحيفة Le Monde الفرنسية. بالإضافة إلى ذلك، فقد شوهد نشاط قليل أيضًا ضدّ الولايات المتحدة، في هذا الإطار تمّ نشر ادعاءات التنظيم لاختراقه بعض الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي لإحدى الحملات الانتخابية للرئيس الأمريكي أوباما، وبعض مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لـ CNN.
أما النشاط ضدّ دول الشرق الأوسط فهو موجّه بشكل أساسيّ ضدّ تركيا، السعودية وقطر. في هذا الإطار، تم اختراق خادم البريد في مكتب رئيس حكومة تركيا، بالإضافة إلى مكاتب حكومية أخرى. وتم تنفيذ اختراقات لحواسيب وزارة الدفاع السعودية أيضًا، وهوجمت مواقع أخرى تابعة للحكومة القطرية. في معظم الحالات تحظى الوثائق التي يتمّ تسريبها بالنشر في موقع التنظيم في منطقة مخصّصة لمختلف التسريبات. ومع ذلك، فإنّ العمل الموجّه ضدّ المعارضة السورية هو الأكثر هامشيّة وتمثّل حتى الآن باختراق موقع الائتلاف السوري المعارض. كان عمله ضدّ إسرائيل هامشيّا حتى الآن، وتمثّل باختراق خوادم وزارة المواصلات وتلك التابعة لصحيفة "هآرتس" وتسريب معلومات قليلة من تلك الاختراقات. كان آخرها اختراق المدوّنة الرسمية للجيش الإسرائيلي باللغة الإنجليزية خلال عملية "الجرف الصامد". ومع ذلك، فعندما نُسب للتنظيم في أيار عام 2013 اختراق نظم الحاسوب التابعة لبلدية حيفا، نفى التنظيم هذه الأخبار جملةً وتفصيلًا.
يمكننا أن نجد في الهجمات عبر الإنترنت ليس فقط المنظّمات والدول، بل أيضا على المستوى العربي العام. وقد جرى حدث واحد كهذا في آذار 2013 تمّ خلاله اختراق خوادم "الجامعة العربية" من قبل التنظيم وسُرّبت رسائل البريد الإلكتروني بما في ذلك التابعة للأمين العام للجامعة. ويمكننا أن نرى نشاطا ما أيضًا ضدّ الشركات الدولية، مثل اختراق حسابات التويتر التابعة لـ Xbox، Viber (صفحة دعم للزبائن، صفحة تطبيق في App Store بل وتسريب معلومات أكبر شخصيّتين في الشركة) بل والسيطرة لوقت قصير على جزء من عناوين eBay و PayPal.
يظهر هذا التنظيم وهذه الظاهرة ليس فقط المجموعة الواسعة والمتنوعة من الأعداء من الداخل، وبشكل رئيسي من الخارج، كما يفهم ذلك النظام السوري، وخصوصا أولئك المؤيّدين له، وإنما يظهر أيضا كون المساحة عبر الإنترنت هي ذراع حازمة وطويلة، تتجاوز قيود تفعيل القوة الجسدية أو اجتياز الحدود المادية، من أجل قدرات أوسع، أقوى وأكثر تنوّعا للإضرار بالأعداء وبطرق غير ممكنة في الفضاء المادّي.