نظراً للتصريحات العلنية المكررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول توقعاته لاتفاق نووي مع إيران، ونظراً لأن إسرائيل تعتبر أن برنامج طهران يشكل تهديداً وجودياً لها، فليس من المستغرب أن تأتي ن انتقادات نتنياهو بصورة قوية ودون تردد تجاه معايير إطار الإتفاق التي نشرتها الولايات المتحدة مؤخراً. وقد قال في الثاني من نيسان/أبريل "إن هذا الإتفاق سوف يمهد الطريق أمام إيران لصنع قنبلة نووية بدلاً من أن يسده". وعشية عيد الفصح، عقد احتماع استثنائي للحكومة المصغرة [المعنية بالشؤون الأمنية] التي قال إنها "متحدة في معارضة الاتفاق المقترح" والذي يقول عنه أنه قد يهدد بقاء إسرائيل.
ويتمثل جوهر الانتقادات الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة لم تستخدم نفوذها الكامل في المفاوضات، وأن هدف واشنطن تحوّل خلال المحادثات من القضاء على البرنامج النووي الايراني إلى مجرد الحد منه. وقد أدت العقوبات إلى قدوم ايران الى طاولة المفاوضات، لذلك ترى إسرائيل أنه كان من الممكن انتزاع المزيد من التنازلات من طهران لو كان المجتمع الدولي يتمتع بقيادة أكثر تصميماً. ومن هذا المنظور، كان الوقت الى جانب واشنطن، ويعود ذلك أولاً إلى انخفاض أسعار النفط - الذي هو مصدر الدخل الرئيسي لإيران - إلى النصف في الأشهر القليلة الماضية، وثانياً لأن العالم كان متحداً ضد أي تخصيب نووي إيراني بفضل ستة قرارات من قبل مجلس الأمن ذات صلة بالموضوع.
وعلى نطاق أوسع، تؤمن إسرائيل أن إيران لم تتخذ قط قراراً استراتيجياً يتنصل من الأسلحة النووية، وأن الغرب أقترب من طهران بصورة أكثر خلال المحادثات وليس العكس من ذلك. ووفقاً لهذا التفكير، تشعر إيران أن واشنطن هي أكثر تحبيذاً للحوافز من المثبطات، ولم تؤمن بتاتاً بأن الولايات المتحدة ستهاجم في الواقع برنامجها النووي. ويؤمن مسؤولون إسرائيليون أيضاً أن هناك الكثير من التفكير القائم على التمني حول النوايا الإيرانية في أعقاب الإتفاق. على سبيل المثال، أشاروا إلى أنه قبل أيام فقط من الإعلان عن معايير إطار الإتفاق، أعلن الجنرال محمد رضا نقدي قائد قوات التعبئة ("الباسيج") في إيران أن تدمير إسرائيل "غير قابل للتفاوض"، إلا أن وسائل الإعلام الأمريكية تجاهلت ذلك التصريح إلى حد كبير.
ولا تنصب انتقادات إسرائيل حول شروط الاتفاق فحسب، بل أيضاً حول التداعيات التي قد تكون لها على دور إيران في الشرق الأوسط. وتبرز هناك ثلاثة مخاوف.
أولاً، تشير معايير إطار الاتفاق على ما يبدو إلى أن إيران ستكون قادرة على الحفاظ على بنية تحتية نووية بالحجم الصناعي عند انتهاء مدة الاتفاق بعد خمسة عشر عاماً، من بينها الوصول غير المقيد وبسهولة أكبر إلى أجهزة الطرد المركزي المتقدمة بهدف إنتاج اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة. ويؤمن الإسرائيليون أنه تحسباً لهذه القدرات الإيرانية المستقبلية من المرجح أن يؤدي بناءها إلى قيام سباق تسلح في الشرق الأوسط يهدف إلى استباق طهران، وربما يشمل ذلك تعاون نووي أوثق بين باكستان والمملكة العربية السعودية. وقد تؤدي أي تطورات من هذا القبيل إلى تغيير الوضع الراهن في المنطقة.
ثانياً، يخشى مسؤولون إسرائيليون من أنه لن يتوفر للمفتشين الدوليين ما يحتاجونه من النفاذ الضروري بعد التوقيع على الاتفاق، وبالتالي فإن التحقق من الامتثال الإيراني سوف يكون أقل صرامة مما تتصوره واشنطن. وهم قلقون بشكل خاص من [عدم سماح طهران للمفتشين الدوليين] من الوصول إلى المواقع العسكرية الإيرانية. ويقلق الإسرائيليون أيضاً من أن هناك القليل من الوضوح حول آلية تحديد الانتهاكات الإيرانية وكيف سيتم تنشيط عقوبات "شرط الانقضاء" إذا لزم الأمر. فمن وجهة نظرهم، إن اختلاف المصالح التجارية بين أعضاء مجلس الأمن سيجعل من الصعب تطبيق عقوبات على الصعيد العالمي، وبالتالي فإن الطريقة الأضمن لتجنب الانتهاكات الإيرانية في المقام الأول تكمن في التوضيح مقدماَ وبصورة غير مبهمة ما هي العواقب التي تترتب عن ذلك.
ثالثاً، تقلق إسرائيل من أن يؤدي الاتفاق النووي إلى تشجيع طهران على لعب دور أكثر زعزعة للاستقرار في المنطقة. ففي أعقاب الاتفاق لن تعد إيران دولة منبوذة، كما أن رفع العقوبات سوف يزيد من إيراداتها دون شك، الأمر الذي يتيح للنظام زيادة مساعداته إلى «حزب الله» أو انخراطه في أشكال أخرى من رعاية الإرهاب. وفي الوقت نفسه، تقلق إسرائيل من عدم رغبة واشنطن مواجهة طهران بشأن هذه الأنشطة الإقليمية خوفاً من الإخلال بالاتفاق النووي، نظراً لأمل الولايات المتحدة المتصوّر بأن الإتفاق سيحوّل إيران إلى دولة أكثر طبيعية. وهنا أيضاً، تؤمن اسرائيل أن الطريقة الأضمن لتفادي المشكلة هو قيام الولايات المتحدة بالتوضيح مسبقاً كيف ستقوم بمعاقبة إيران إذا ما اختارت هذه زيادة زعزعة الاستقرار في المنطقة.
ومع استمرار النقاش حول إيران في الأسابيع المقبلة، سيكون لدى واشنطن فرص لدحض الإدعاءات الإسرائيلية، وليس هناك شك بأنه سوف تظهر صورة أكثر دقة نتيجة لنقاط التوضيح التي ستُعرض ونقاط التعارض التي ستظهر بين الطرفين. وفي هذا الصدد، دعا الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين، نتنياهو أن لا يعارض الاتفاق بشكل مطلق، بل عليه الحصول على المزيد من التوضيحات من إدارة أوباما حول مجموعة من الأسئلة التي لم يتم حلها مع دخول اتفاق مرحلة الصياغة، من بينها قضايا الإنفاذ.
وسوف يظهر تخمين ثاني داخل إسرائيل أيضاً. وعلى وجه الخصوص، سوف يطرح الكثيرون فكرة ما إذا كان توقيت خطاب نتنياهو في 3 آذار/مارس في الكونغرس الأمريكي قد أسفر عن نتيجة غير مقصودة وهي مساعدة الرئيس أوباما على تعزيز خاصرته الديمقراطية لمعارضة أي جهود يقوم بها الكونغرس لتجاوز الإطار النووي بشكل أفضل. ومع ذلك، سيكون الخلاف الرئيسي بين البيت الأبيض وإسرائيل وليس داخل إسرائيل، لذلك يمكن للمرء أن يتوقع قيام قدر كبير من الاضطرابات في العلاقات الثنائية في المرحلة القادمة.
-----------------
الكاتب : ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.