يسارع الدبلوماسيون من إيران و «مجموعة الخمسة زائد واحد» - الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا - إلى إبرام اتفاق نووي قبل حلول الموعد النهائي الذي فرضوه على أنفسهم في 24 آذار/مارس. وفي حين لا تزال العديد من التفاصيل غير متوفرة، يتمحور النقاش التقني بدرجة كبيرة حول "بند الانقضاء" الذي ينص على انتهاء مدة سريان القيود الدولية على البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم بعد مرور فترة زمنية محددة، مع الإشارة إلى إمكانية رفع بعض القيود في وقت مبكّر كمكافأة على حسن السلوك. إلا أن منتقدي هذا الاتفاق - وعلى رأسهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - يقولون أنه لا يمنع إيران من إنتاج الأسلحة النووية بل قد يفتح لها المجال لبلوغ هذه الإمكانيات تحت غطاء قانوني.
وفي هذا السياق، تعتبر المقاربة الروسية للمفاوضات أشبه بمزيج معقد من التشكيك والسياسة الواقعية، ويجب أن ينظر إليها من خلال عدسة السياسة الروسية الأوسع تجاه الولايات المتحدة. فمن جهة، لاحظ المسؤولون الإيرانيون أن الكرملين لا يزال أقرب حليف لهم في المحادثات. ووفقاً لسيرغي تشيميزوف - المدير العام لشركة "روستيخ" الروسية المختصة بالأنظمة الدفاعية، الذي أدرج اسمه على لائحة العقوبات الأمريكية منذ نيسان/أبريل 2014 على خلفية الأزمة الأوكرانية - عرضت موسكو على طهران بيعها منظومة الدفاع الجوي المتطورة "أنتي-2500" في الشهر الماضي. ومن جهة أخرى، سبق أن هددت روسيا وقامت بسحب مثل هذه العروض في الماضي، ومثال على ذلك هو العقد المجمّد الذي أبرم في عام 2010 لشراء منظومة أقل تطوراً تعرف باسم "أس-300". بالإضافة إلى ذلك، يعتبر المسؤولون الأمريكيون عموماً أن سلوك روسيا في المفاوضات الفعلية هو أكثر فائدة من عدمها، وأن روسيا احترمت إلى حد كبير التزامها بتطبيق بعض العقوبات الدولية على إيران - على الرغم من تشكيكها في جدوى هذه التدابير ومن سعيها سابقاً إلى تخفيف حدة العقوبات الأكثر صرامة. ومع ذلك، تواجه المصالح الأمنية الأمريكية تحديات جمّة جرّاء العلاقات الوثيقة بين روسيا وإيران والسياسات الروسية الأوسع في الشرق الأوسط، ولذا يتعين على واشنطن أن تكيّف مقاربتها تجاه إبرام الصفقات والدبلوماسية الروسية على هذا الأساس.
زيادة التعاون الاقتصادي والعسكري
تشهد حالياً العلاقات الروسية - الإيرانية تقارباً غير مسبوق إلى درجة أن العديد من الدبلوماسيين الإيرانيين يشيرون علناً إلى موسكو كـ "صديقة". فعلى الجبهة النووية، قامت الشركة الحكومية الروسية "أتومستروي إكسبورت" بمساعدة الإيرانيين في إكمال بناء محطة بوشهر النووية وسلّمتهم الإدارة الرسمية لتلك المنشأة في أيلول/سبتمبر 2013. وخلال تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أعلنت شركة "روساتوم" الحكومية للطاقة النووية عن اتفاق لبناء مفاعلين نوويين جديدين في إيران مع احتمال أن يتبعها إنشاء ستة مفاعلات أخرى.
وقد تنامى التعاون الثنائي بين البلدين وتوسع ليشمل قطاعات أخرى في ظل الجمود القائم بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والغرب بسبب العدوان الروسي في أوكرانيا. على سبيل المثال، أعلن وزير الطاقة الروسي في آب/أغسطس 2014 عن اتفاق بقيمة 1،5 مليار دولار في الشهر لمقايضة النفط بالسلع مع إيران؛ ووفقاً للأحكام المقترحة لهذا الاتفاق تقوم إيران بتزويد روسيا بنحو 500 ألف برميل من النفط الإيراني يومياً بسعر مخفض مقابل سلع وخدمات روسية. ورغم أن المحللين شككوا في إمكانية تطبيق الاتفاق من الناحية اللوجستية، إلا أنه لا يزال مطروحاً وإن كان وضعه الحالي غامضاً.
وبالمثل، يُقال أن السفير الإيراني لدى روسيا مهدي سنائي أعلن في كانون الأول/ديسمبر عن خطط لتعزيز التجارة الثنائية ورفع قيمتها الحالية المتراوحة بين 3 و5 مليارات دولار إلى 70 مليار دولار. وفي وقت سابق، أجرت معه المجلة النافذة "روسيا في الشؤون العالمية" مقابلة في حزيران/يونيو 2014 قدم خلالها النصائح حول كيفية تقليص تأثير العقوبات الغربية وأشاد بالدور البارز الذي تؤديه موسكو على الساحة الدولية.
وفي الوقت نفسه، التقى الرئيس الإيراني حسن روحاني بالرئيس بوتين أربع مرات خلال العام الماضي، بينما عقد كبار المسؤولين الآخرين عدة اجتماعات أيضاً. وقد سافر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى طهران خلال كانون الثاني/يناير في زيارة هي الأولى التي يقوم بها مسؤول في منصبه إلى إيران منذ خمسة عشر عاماً. وخلال زيارته وقّع الوزير الروسي مع نظيره الإيراني حسين دهقان مذكرة تفاهم حول التعاون العسكري. وبينما لا يزال هناك القليل من التفاصيل حول ما تشمله المذكرة، يبدو أنها تنص على تدريبات عسكرية مشتركة بين الطرفين. وتزداد التقارير الصحفية الروسية حول هذا التعاون، في الوقت الذي تتكثّف فيه محادثات «مجموعة الخمسة زائد واحد» هذا الشهر.
معارضة لفرض عقوبات صارمة
عموماً، سعت موسكو إلى الحد من العقوبات الصارمة على إيران، بحيث تكررت مزاعم كبار المسؤولين عن عدم وجود أي أدلة بأن طهران تجري أبحاثاً حول الأسلحة النووية. وبالفعل، حين أعلنت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 أن طهران تعمل على ما يبدو منذ عدة سنوات على تصنيع سلاح نووي، اتهم الكرملين الوكالة بالانحياز وقال إنها تتدخل في المساعي الدبلوماسية الهادفة إلى التوصل إلى حل. كما جادل وزير الخارجية سيرغي لافروف بأن إيران تستحق أن تكون "شريكاً متساوياً" في معالجة مشاكل الشرق الأوسط وأن العقوبات تضر بالتجارة بين روسيا وإيران.
وخلال مفاوضات «مجموعة الخمسة زائد واحد»، برزت روسيا كمؤيد كبير لتخفيف العقوبات. وفي عام 2010 وافق الكرملين على دعم العقوبات المقترحة، إلا أنه أقنع الأمم المتحدة بتخفيف حدتها، كما انتزع منها تنازلاً غير مسبوق وهو رفع العقوبات الأمريكية عن مؤسسة الجيش الروسي بما يتيح مبدئياً لروسيا بيع البطاريات المضادة للطائرات إلى طهران. ومع ذلك، وكما ذُكر سابقاً، وافقت روسيا على تعليق (ولكن ليس إلغاء) العمل بعقد عسكري بقيمة 800 مليون دولار مع إيران لبيع صواريخ "أس-300" المضادة للطائرات - مع الإشارة إلى أن هذه المنظومة قادرة على إسقاط الطائرات الحربية الأمريكية أو الإسرائيلية إذا شنّت ضربة جوية على المنشآت النووية الإيرانية.
وعلى النحو نفسه، لعبت روسيا دوراً بارزاً في اتفاق جنيف الذي أبرم في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 بهدف تخفيف العقوبات عن إيران. وقد أشار بوتين إلى النجاح الذي حققته الدبلوماسية الروسية في تلك المفاوضات؛ ووفقاً لتقرير صدر الشهر الماضي عن وكالة الأنباء التابعة للكرملين "ريا نوفوستي" قال بوتين: "لقد طرحنا قاعدة نظرية للمضي على هذا الطريق، تتمثل في مبادئ التدرجية والتبادلية. وهذه مقاربة لقيت دعم جميع المعنيين."
المواءمة مع المصالح العالمية في روسيا
بغض النظر عن تصريحات موسكو وإيران العلنية النبيلة حول الصداقة والتعاون، تبقى مصالح روسيا العالمية الدافع الأخير وراء سياستها تجاه إيران: وتتمثل هذه المصالح على وجه التحديد بالحد من نفوذ الغرب وزيادة نفوذ روسيا، حتى وإن جاء ذلك على حساب الأمن. وتتوافق المصالح الإيرانية بشكل كبير مع هذه الأهداف، الأمر الذي يجعل التعاون مع طهران يتناسب بصورة جيدة مع أجندة موسكو. أما الدعوة إلى مقاربة "متعددة الأقطاب" التي يرددها بوتين فهي مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف وليست اهتماماً حقيقياً في مذهب تعددية الأطراف.
وانطلاقاً من هذا المنظور، يعرب المحللون الإيرانيون وراء الكواليس عن تحفظاتهم حول النطاق الفعلي للتعاون الروسي مع إيران، كما يعتبر المحللون الروسيون أن الإيرانيين لم ينسوا الإساءة التي تعرضوا لها بسبب صفقة صواريخ "أس-300". ولا شك في أن طهران ستشعر أكثر طمأنةكثرأطمأنة إذا ما رفضت موسكو العقوبات كلية، لكن وفاء روسيا بوعودها على الجبهة الاقتصادية أمرٌ مشكوك فيه أيضاً. ومع ذلك، تملك الدولتان مصالح جيوسياسية ودفاعية مشتركة واضحة وسوف تحاولان التعاون لخدمة هذه المصالح على الرغم من العقوبات الدولية، كما يتبين من العرض الأخير لبيع منظومة "أنتي-2500".
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المقاربة القائمة على المصالح قد تؤثر على مستقبل إيران النووي أيضاً. فمن جهتها، شهدت الصناعة النووية الروسية نمواً قوياً منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، كما أن الكرملين ينوي توسيع دور الطاقة النووية بشكل كبير، فضلاً عن توسيع تكنولوجيا المفاعلات الجديدة وصادرات السلع والخدمات النووية. على سبيل المثال، وفقاً لـ "الرابطة العالمية النووية"ً، تعدّ روسيا دولة رائدة على المستوى العالمي في مجال تكنولوجيا مفاعلات النيوترون السريعة. وبالتالي فإن تعميق التعاون مع إيران في مجال الطاقة النووية يلائم الخطط الروسية بشكل جيد. وغالباً ما تؤكد موسكو أن إيران ليست "منبوذة"، وبالتالي لا ترى أي مبرر لإيقاف التعاون معها.
وتعارض كلتا الدولتين أي محاولات لدعم الحركات الديمقراطية في الشرق الأوسط. وأبرز أعمالهما في هذا السياق هو استمرارهما بدعم نظام الأسد في سوريا وامتلاكهما آراء متشابهة حول حركة "طالبان" في أفغانستان.
ما الذي يمكن أن تتوقعه واشنطن من روسيا؟
لا شك في أن موسكو ستواصل التشديد على أهمية الحل المتعدد الأطراف للمسألة النووية الإيرانية - وستستمر أيضاً في استخدام هذه المنصة المتعددة الأطراف لخدمة المصالح الذاتية الخاصة بها. وعلى الرغم من أن موسكو لا تريد أن تقوم طهران بتطوير سلاح نووي، إلا أنها لا تجد في البرنامج الإيراني تهديداً لها بقدر ما يشعر به الغرب. من هنا، إذا تعذر على «مجموعة الخمسة زائد واحد» التوصل إلى اتفاق، تستطيع موسكو أن تنتظر قبل أن تستمر بتوسيع نطاق تعاونها النووي مع طهران. أما إذا تم التوصل إلى اتفاق، فستسعى موسكو جاهدة لضمان أن تسمح لها شروط الاتفاق بالحفاظ على مثل هذا التعاون.
وفي كلتا الحالتين، بإمكان الولايات المتحدة الإعتماد على موسكو بأن تستخدم إيران كأداة مساومة من أجل انتزاع تنازلات من الغرب على عدة جبهات، على غرار تقليص الضغط الدولي المتعلق بسلوك روسيا في أوكرانيا وسوريا. ويعلم بوتين أن واشنطن ترغب في الاتفاق النووي أكثر مما ترغب به روسيا، فلمَ لا يستفيد من هذا التباين؟
وفي الواقع، سيواصل الكرملين دعم الرئيس الأسد بوجود اتفاق أو غيابه، وسيواصل أيضاً اعتداءاته في أوكرانيا ومحاولاته للاستفادة من النزاعات الإقليمية. على سبيل المثال، كشف تشيميزوف للصحفيين في شباط/فبراير أن النزاعات في الشرق الأوسط تساعد مبيعات الأسلحة الروسية التي بلغت قيمتها 13 مليار دولار في عام 2014، ويقول: "لا أخفي هذا الأمر، والجميع يعرف أنه كلما كثرت النزاعات، ازدادت كميات الأسلحة التي يتم شراؤها منّا. وحجم مبيعاتنا آخذٌ في الارتفاع على الرغم من العقوبات."
لذلك، إذا كانت واشنطن تأمل بالتصدي لهذه الاستراتيجية، قد تضطر إلى تذكير الكرملين بأن التسلّح النووي الإيراني لا يصب في مصلحة روسيا على المدى البعيد، وأن لعب دور بنّاء في الحد من طموحات ايران النووية قد يرقى بمكانة روسيا كقوة عالمية تساهم فعلاً في ضمان الأمن العالمي والإقليمي. ومع ذلك، ففي النهاية، يجب أن لا تكون لدى واشنطن أية أوهام بشأن نوايا بوتين، ويجب عليها أن لا تتسرع في تقديم التنازلات السخية مقابل الحصول على القليل.
----------------
الكاتب : آنا بورشيفسكايا هي زميلة مساعدة في معهد واشنطن وزميلة في المؤسسة الأوروبية للديمقراطية.