بالحديث عن صناعة السفن بوجه عام، فإن بناء القطع البحرية لا يعتبر أمراً جديداً على العرب وخصوصاً أبناء الخليج العربي الذين امتهنوا البحر منذ آلاف السنين بين تجارة بحرية رائجة مع بلدان شرق آسيا والغوص في الأعماق لاستخراج كنوزه من اللؤلؤ وخلافه، غير أن متطلبات العصر فرضت مجالات جديدة لخوض البحر ودراسة العلوم والتقنيات المرتبطة به، فشهد العقد الأول من الألفية الثانية تطورات غير مسبوقة بريادة إماراتية.
وحيث توافرت الإرادة والعزيمة بدأ العمل على نقل معارف وخبرات بناء السفن الحربية الحديثة إلى العالم العربي بريادة إماراتية، أثمرت عن صُنع "بينونة" أول سفينة حربية بالكامل بتم بناؤها بسواعد إماراتية. وتعتبر "بينونة" أول سفينة حربية من هذا النوع وبهذا الحجم يتم صناعتها بالكامل في دولة الإمارات والعالم العربي، حيث جاءت فكرة بناء هذه السفينة الحربية المتطورة تجسيداً لطموح واقعي نحو ضرورة تطوير القوات البحرية الإماراتية ومنحها قدرات وطنية معرفية وتقنية، فانطلق العمل داخل مركز التأهيل والتطوير في شركة أبوظبي لبناء السفن لإنشاء أول طرازات سفينة "بينونة" الحربية لتكتمل أعمال بنائها مع بداية العام 2011.
وكان النموذج الأول لهذه السفينة قد تم بناؤه في فرنسا بتكليف من شركة أبوظبي لبناء السفن، أما النسخة الإماراتية فتم بناؤها في أبوظبي، لتشكل العمود الفقري للقوات البحرية لدولة الإمارات، ويبلغ طول هيكل "بينونة" الفولاذي حوالي 70 متراً، وعرضه 11 متراً، وبإزاحة تبلغ 950 طناً وبغاطس لا يتعدى طوله 3 متر، ما يمنحها القدرة على الإبحار حتى في المياه الضحلة، ولهذا تم صنع هيكلها السفلي من الفولاذ أما الجزء العلوي، الذي جرى تجهيزه بمواد تعكس أشعة الرادارات، فمصنوع من الألومنيوم، وذلك لمنحها التوازن المطلوب.
وقد كان لتصميم السفينة الهندسي الحديث والمبتكر الفضل في منحها القدرة على مصارعة الأمواج حتى الدرجة الخامسة، كما أنها تتميز بمرونة فائقة وقدرة على المناورة من خلال ثلاثة محركات نفاثة، وما يسهم في إكسابها المزيد من المرونة والرشاقة هو اعتمادها على تقنية حديثة للدفع وذلك عبر شفط المياه ثم ضغطها ومن ثم طردها سريعاً عبر قنوات نفاثة، كما هو الحال في الطائرات النفاثة، بعكس السفن التقليدية التي تعتمد على مراوح الدفع "الرفاص" ما يجعلها أيضاً قادرة على التقدم في المياه الضحلة، والإبحار بسرعة تصل إلى 32 عقدة في الظروف العادية ومدى يزيد على 2400 ميل بحري.
أما من الداخل، فهي مجهزة بمعدات تشغيل وإدارة تعتمد أحدث التكنولوجيات وأكثرها تطوراً في مجال الدفاع البحري، ما يمنح طاقمها إمكانية التركيز على تنفيذ مهامهم الأساسية، مع إمكانية تخزين مؤن تمنح طاقم السفينة القدرة على البقاء في أعالي البحار لمدة طويلة، وفي حال اقتضت الضرورة، فإن بينونة مزودة أيضاً بمهبط للطائرات العمودية لإعادة التموين.
ومن الناحية العسكرية، وبالإضافة إلى معداتها القتالية المتطورة من قاذفات ومدافع ورشاشات آلية ومنصات لإطلاق الصواريخ، فإن قمة السفينة مزودة بعمود يحمل العديد من المجسات المتطورة لاستشعار البيئة المحيطة خلال الابحار، فضلاً عن منظومة رادار كاملة تمنحها القدرة على مراقبة ما حولها من جميع الاتجاهات بما فيها أعماق البحر.