تلغراف - ف. نيلسون | ترجمة: إكرام السعيدي
يحاول فريزر نيلسون من خلال المقال التالي، أن يحلّل ماضي الأحكام الإسلامية ويربطها بالأحكام التي تنفذها" داعش" أو أحد التنظيمات الإرهابية التي تدّعي أن مرجعيتها الأساسية هي الدين الإسلامي. كما يبتغي الكاتب من خلال المقارنة أن يبيّن كون همجية داعش التي صدمت العالم بأسره بعيدة كثيرا عمّا يُحكى عن أحكام راجت في العصور الوسطى.
وقد استهل الكاتب مقاله بفكرة يوضح من خلالها كون الإنسان في هذا العصر ''يريحه كثيرا أن يتصور أن التاريخ يسير على هواه، وأننا نقنع أنفسنا أن عدونا هو الماضي٬ لكن قطع الرؤوس والحرق الوحشي الذي ابتدعه تنظيم الدولة الإسلامية ظهرا في العصر الرقمي، أي عصرنا''، يؤكد نيلسون.
لا توجد كلمات يمكن أن تصف مدى الاشمئزاز من الفظائع التي تقترفها الجماعات الإرهابية حسب الكاتب، لكن القادة السياسيين من منظوره يحاولون العثور على بعض المصطلحات عند وقوع حادث إرهابي، وهنا يستحضر نيلسون كلاما لجون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، الذي قال حول المجزرة الأخيرة التي راح ضحيتها تلاميذ المدارس في باكستان إن ''قتلة طالبان يخدمون رؤية ظلامية تعود للقرون الوسطى تقريبا''.
يتذكر الكاتب أن ديفيد كاميرون أيضا قال في حديث سابق له إنه ''قد ساد تهديد خلال القرون الوسطى، والعالم الآن يشهد تفشي نفس أخلاق القرن الثالث عشر، التي تم زرعها بطريقة أو بأخرى لتحيى إلى غاية يومنا هذا''، لكن الحقيقة حسب الكاتب ''أسوأ بكثير٬ لأن العالم في العصور الوسطى لم يشهد أبدا مثل هذه الشرور٬ فهذا نوع جديد تماماً''.
ويعود نيلسون إلى تحليل داعش، قائلا ''إن التفكير في آن مآل داعش وحركة طالبان سيكون الفشل، يعد مريحا للغاية، لكن الأمر حسب الكاتب غير مناسب في هذا الزمن:''الحداثة جعلت تنظيم داعش واقعا٬ فهو نتاج العصر الرقمي، وظاهرة جديدة كما هو حال وسائل الإعلام الاجتماعية التي يعتمد عليها التنظيم اعتمادا كبيرا، فهو يهدف إلى الانتشار في جميع أنحاء العالم من خلال نشر الفيديوهات الخاصة بجرائمه من خلالها٬ خاصة تلك التي توثق عمليات قطع رؤوس بعض الأسرى، وحرق آخرين وهم على قيد الحياة، فهذه الفيديوهات تساهم في تجنيد الناس من كل أنحاء العالم، وهذا النوع من الدعاية يمكّن الآن من الولوج مباشرة إلى منازل الملايين٬ تمامًا كما حصل مع تنظيم القاعدة، التي تفوقت عليها داعش بوحشيتها، إن هذا التنظيم هو شر في عصرنا بالفعل'' يقول نيلسون.
يستمر الكاتب في تحليله للتنظيم، خاصة الشق المتعلق بوحشيتها٬ التي اعتبرها الكاتب جديدة على الجميع، ''فعقاب الرجم حتى الموت٬ وسيلة عقاب عادت للظهور في السنوات الأخيرة٬ سمعنا بها هذا الأسبوع، حين ألقى التنظيم برجل سوري من برج مكون من سبعة طوابق كعقاب له على ''جريمة'' الشذوذ الجنسي٬ لكن نجاته من الموت، أدت لتعرّضه للرجم حتى لقي حتفه٬ كما وقع رجم رجل حتى الموت بتهمة الزنا خلال غشت الماضي''.
في أكتوبر الماضي٬ يتذكر الكاتب أنه قد ''انتشر شريط فيديو لمتشددين موالين لداعش، أظهر رجم امرأة "زانية" حتى الموت٬ وعند تطبيق الحكم عليها كان منفذ الحكم يقول لها "لا أحد أجبركِ على ذلك، لذلك أنت بحاجة إلى قبول شريعة الله"، وأردف قائلا "الإسلام هو الخضوع لإرادة الله"، وهنا ما يمكن للمرء استنتاجه من كل هذا، حسب الكاتب، هو أن الرجم حتى الموت كان أشهر وأقصى عقاب لدى المسلمين في أيام القرون الوسطى.
طموحات ما يسمى الدولة الإسلامية شمولية للغاية، وبعيدة عما ساد خلال القرون الوسطى حسب ويلسون، وذلك لأنها تريد السيطرة على كل جانب من جوانب حياة الناس٬ نعرف هذا ومعلومات أخرى بسبب وثيقة لمقاتليها نشرت العام الماضي، وترجمت إلى الإنجليزية من قبل مركز أبحاث مكافحة المتطرفين ''كويليام''.
تقول الوثيقة إنه ''يمكن للمرأة أن تترك المنزل فقط لحضور الدراسات الدينية، أو من أجل الجهاد في سبيل الله''، كما أنه ليس من المستغرب أن بيان داعش يصرّ على أن ''المرأة يجب أن تبقى خفية ومستترة''. ولكن سيكون من الخطأ، حسب ويليام، ''أن نشيع أن هذه الفكرة مرعبة بالنسبة للجميع٬ ففي الآن نفسه٬ يمكن القول إن شعبية الحجاب حديثة نسبيا٬ فصُور المرأة الفلسطينية والأفغانية في الستينات، كانت تظهر تعرّي نساء العالم المسلم بشكل أكبر بكثير من نظيراتهن الغربيات''.
ويعود ويلسون لفكرته الأساسية، مذكرا بأنه ''يناسبنا كثيرا ويريحنا أن نتصور أن التاريخ يسير على هوانا، كما أن فكرة إبادة الأشرار تعتبر مفارقة تاريخية تجعلنا نتعلق بالحياة من أجل القضاء على الشر''، ليختم مقاله قائلاً:"''نحن جيدون في استخدام كلمات مثل ''العصور الوسطى''، ولكننا لسنا واثقين في قدرتنا على الإسهام في صياغة المستقبل، لآن ضحايا "داعش" ينتظرون مساعدتنا الآن وتحريك التاريخ في الاتجاه الصحيح".
المصدر