أمام غضب الشعب الأميركي الناجم عن إعدام تنظيم داعش الرهائن الأميركيين الأربعة، سمحت الإدارة الأميركية بالكشف عن بعض تفاصيل عملية تحريرهم الفاشلة، التي تم تنفيذها فجر الرابع من تموز/ يوليو 2014، ذكرى عيد الاستقلال الأميركي، انطلاقا من القواعد الأردنية.
فقد نشر موقع واشنطن بوست أنّ الخطة بحد ذاتها كانت بالغة التعقيد وعلى درجة عالية من المخاطر، فقد نصت على استخدام أكثر من 100 جندي من القوات الخاصة - كوماندوس بالإضافة إلى مجموعة من الطائرات ذات الأجنحة الثابتة وطوافات البلاك هوك. وقد تطلبت الخطة العديد من الموارد والجهود والوقت اللازم لنشر القوة المكلفة تنفيذها، كما اشتملت على عدة إجراءات لتضليل وتشتيت جهود مسلحي داعش المتمركزين في محيط مكان احتجاز الرهائن، ولتورية الأهداف الحقيقية للمهّمة.
وأرسلت وزارة الدفاع الأميركي من جهتها إلى البيت الأبيض يوم الخميس الموافق 26 حزيران 2014 خطة إنقاذ الرهائن مشابهة لتلك التي اعتمدت لإلقاء القبض على أسامة بن لادن. وفي اليوم التالي اجتمعت كافة الأجهزة الأمنية ووكالات الامن القومي في البيت الأبيض لبحث الخطة و مراجعتها بهدف عرضها على الرئيس الأميركي بعد توفير كافة الإجابات حول الخطة والمخاطر المصاحبة لها.
قُدِّمت الخطة للرئيس الاميركي باراك اوباما صباح السبت، وكان هناك تخوف من عدم موافقته عليها نظرا لنقص المعلومات الاستحباراتية واحتمالات تداعيات فشلها على سلامة الرهائن والجنود الأميركيين المكلفين تنفيذها، إلّا انه وقبل انفراط عقد الاجتماع أصدر الرئيس الأميركي موافقته الخطية عليها.
تلت موافقة الرئيس الأميركي خطوات عدة للمباشرة بالتنفيذ، فقد سعت الولايات المتحدة للتعاون مع دول إقليمية عدة لا سيما الأردن لإنجاح الخطة ولتامين قواعد انطلاق ولوجستية لنشر قوة الكومندوس المكلفة التنفيذ، فالأردن يحتاج الى الاطلاع والموافقة عليها. يشار إلى أنّه توجب أيضا جمع القوات الخاصة المكلفة بالتنفيذ في ثكنتهم الأم "فورت براغ"، في ولاية جورجيا بهدف نقلهم في ما بعد إلى الشرق الأوسط.
استوجبت الخطة وضع القوى الموجودة في منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأميركية الوسطى (CENTCOM) على أهبّة الاستعداد، ونشر الطائرات والطوافات لمواكبة عمليات الإخلاء والاستطلاع والتمويه عند التنفيذ. بالإضافة إلى ذلك، فقد استلزم التنفيذ دراسة ظروف الطقس ودرجة اكتمال القمر بعناية لتوفير اكبر قدر من الظلمة لضمان نجاح المهمة. يشار إلى أنّ تمّ تحديد تاريخ تنفيذ العملية ليتزامن مع عيد الاستقلال الأميركي لما لذلك من رمزية ومحاولة لرفع معنويات الشعب الأميركي ولتحفيز القوى المشاركة في المهمة على رغم المخاطر المحدقة بها.
وكان موقع تلغراف البريطاني قد نشر في 22 آب/ أغسطس 2014، مقالا حول تفاصيل عملية التحرير الفاشلة استخباراتياً، نقلا عن شهود عيان من سكان منطقة العقيريشة، قام بإعداده كل من روث شرلوك وكارول معلوف وجوزي انسور.
وانطلقت وحدات الكومندوس فجر الرابع من يوليو / تموز 2014، بواسطة طوافات البلاك هوك التابعة لفوج العمليات الخاصة الجوي160 والذي يعرف ب "نايت ستالكرز" باتجاه منطقة العمليات.
يشار إلى أنّه قد تم إسقاط القوّة بواسطة المظلات فوق مصفاة نفط تبعد مسافة ثلاثة إلى أربعة كيلومترات عن احد مكان احتجاز الرهائن وأهم مقرات قيادة التنظيم، يطلق عليه اسم مخيم أسامة بن لادن العسكري في منطقة عقيريشة، ويبعد حوالي 11 كلم جنوب شرق مدينة الرقة. ترافق ذلك مع تدمير عدة مقرات قيادة وثكنات لتنظيم داعش في محيط منطقة العمليات؟
أحكمت قوات الكومندوس سيطرتها على مواقع الاقتراب من مدينة الرقة، وباشرت الاشتباك مع المسلحين وتطهير وتفتيش كافة المنازل في محيط بلدة العقيريشة بحثا عن الرهائن، فأرسلت داعش بدورها المسلحين من مدينة الرقة لدعم عناصرها المتمركزين في المخيم. استمرت المواجهات ما بين قوات الكومندوس لحوالي ثلاث إلى أربع ساعات. يشار إلى أنّ عدد كبير من مسلحي داعش قُتلوا أثناء الاشتباكات، كما أصيب خلال العملية احد أفراد قوة الكومندوس بعد تعرض طوافته لإطلاق نار من قبل المسلحين.
لم تعثر قوة الكومندوس على الرهائن إذ يعتقد انه قد تم نقلهم قبل ساعات قليلة من تنفيذ العملية، وعند حوالي الساعة الثالثة فجرا انسحبت قوات الكومندوس بعد فشل عمليات البحث والتفتيش.
لم يتم الإفصاح عن العملية الفاشلة إلا بتاريخ 20 آب/ أغسطس، اليوم التالي لبث شريط إعدام المواطن الأميركي جيمس فولي احد الرهائن الأربعة الذين تم التخطيط لتحريرهم.
يشار إلى أنّ التنظيم أعدم بحلول نهاية عام 2014، ثلاثة رهائن أمريكيين ونشر مقاطع فيديو تصّور عملية قطع رؤوسهم، وتمّ في 11 شباط/ فبراير 2015، الإعلان عن وفاة الرهينة الرابعة كايلا مولر وإرسال صور قتلها لعائلتها.
أثار فشل واشنطن في إنقاذ الرهائن العديد من الأسئلة وتسبب في حزن أقارب الضحايا الذين اتهموا الإدارة الأمريكية بالانتظار وقتا طويلا لإرسال من ينقذهم، وانتقدت سياسة الولايات المتحدة بعدم التفاوض مع محتجزي الرهائن.
أما الإدارة الأميركية فاعترفت من جهتها بأنه كان من الممكن تنفيذ ما هو أفضل من ذلك والتواصل مع الأسر على الرغم من الرفض المستمر لدفع الفدية، وبدأ المركز الوطني لمكافحة الإرهاب بالمراجعة، وأكد أوباما أن إدارته ستفعل ما بوسعها للحفاظ على مستقبل الأمريكيين.
وقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الأشخاص الذين شاركوا في عملية الإنقاذ أقروا بأنفسهم أن البيت الأبيض كان جزءا من فشل المهمة لإنقاذ الرهائن، وأعرب مسؤولون من المخابرات وعسكريين أمريكيين عن خيبة أملهم إزاء فشل المهمة وإحباطهم من تأخير عملية اتخاذ القرار. فوجد بعض المسؤولين في مجال الدفاع أنفسهم مجبرين على الكشف عن بعض التفاصيل، فقد تحدثت سوزان رايس مستشارة الرئيس الأميركي للأمن القومي، عن أنّ مهمة إنقاذ جيمس فولي وكايلا مولر وستيفن سوتلوف وبيتر كسينج بدأت يوم الجمعة وانتهت السبت، وأنه لم يكن بالإمكان الإسراع بتنفيذ العملية نظرا لتعقيداتها وخطورتها ولم تتمكن القوة المولجة تنفيذ المهمة من تحرير الرهائن، وأنّ الإدارة الأميركية ستفعل ما بوسعها لحماية المواطنين الأميركيين والاقتصاص من المجرمين وسوقهم للعدالة.
-------------------