تشكل مسألة ترسيم الحدود البحرية المصرية تحدياً رئيسياً للبلاد، حيث أن السلطات المصرية تطالب حالياً بترسيم هذه الحدود في منطقة شرق المتوسط، بما يثبت حقوقها فى حقول الغاز في البحر المتوسط وفقاً للقوانين الدولية.
فمن المعلوم أنه حدثت أخطاء في ترسيم الحدود البحرية في منطقة الشرق الأوسط، ما جعل الحدود البحرية بين مصر وإٍسرائيل وقبرص ولبنان وتركيا واليونان تخلّف صراعات خفية، قد تتحول في أي لحظة إلى صراعات عسكرية في حال تشابكت المصالح. وفي هذه الأثناء، بدأت كل من قبرص وإسرائيل ببسط نفوذهما واستغلال بعض حقول النفط والغاز، مع الإشارة إلى أن إسرائيل تسعى إلى الحفاظ على سيطرتهاعلى موارد النفط والغاز بكل الوسائل الممكنة، مما يجعل البعض يقول أن إمكانية استفادة مصر من هذه الحقول تبقى مجرد كلام يستحيل أن يتحول إلى حقيقة.
أثار هذا الموضوع قلق مصر مما جعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يدعو إلى قمة الكالاماتا الثلاثية، التي جمعته في تشرين الثاني/نوفمبر 2014 برئيس وزراء اليونان أنتونيس ساماراس، ورئيس قبرص نيكوس أناستاسيادس، ودارت مجرياتها الرئيسية حول "ترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط"، حيث نص إعلان القاهرة الصادر عن القمة على مسكونية “Ecumenicality” تطبيق قانون البحار، بمعنى انطباقه على كل الحالات - وهو الاتفاق الذي يعطي اليونان حقاً في شريط مائي يمتد بين مصر وتركيا، ويقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر - الأمر الذي وصفه مراقبون بأنه تنازل جديد تقدمه مصر في حقوقها البحرية لأهداف سياسية.
يعود الخطأ في ترسيم الحدود المصرية إلى اتفاقية وقعتها الحكومة المصرية عام 2003، مهملة ثروات من حق مصر الاستفادة منها. وعلى الإثر، أعلنت إسرائيل وقبرص عن اكتشافات للغاز الطبيعي تعدت احتياطاته نحو 1.22 تريليون متر مكعب، تقدر قيمتها بنحو 220 مليار دولار. هذه الاحتياطات تنوء تحت التهديد الفعلي لمطامع إسرائيل وقبرص اليونانية، رغم أنها تقع فى مناطق متداخلة مع الحدود الشمالية للمنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة لمصر - ومنها حقل غاز داخل المنطقة البحرية الاقتصادية شمال دمياط - مع العلم أن حقلي الغاز ليفاثان وأفروديت يقعان فى المياه المصرية الاقتصادية الخالصة، في السفح الجنوبي لجبل إيراتوستينس الغاطس، والمعروف الانتماء لمصر منذ عام 200 قبل الميلاد.
اتخذت إسرائيل إجراءات أمنية لحماية حقول الغاز في مياه البحر المتوسط، منها استئجار قاعدة عسكرية في قبرص حتى العام 2016، فأشعلت بذلك فتيل الأزمة بشأن حقوق استغلال آبار نفط وغاز المنطقة المتنازع عليها في مياه البحر المتوسط.
كما ثبّتت منظومة «القبة الحديدية» لصدّ الصواريخ على طول السواحل الإسرائيلية - قبالة المياه الإقليمية - إضافة إلى تكثيف تحركاتها الاستخبارية، بهدف السيطرة ورصد حركة العمل في مياه هذه المنطقة.
وعلاوة على ذلك، فقد أقامت إسرائيل تفاهما استراتيجيا أمنيا مشتركا - ذا طابع سري - مع الولايات المتحدة وبالتنسيق مع تركيا، وذلك لإجهاض أيّة تحركات دولية ترمي إلى التنقيب عن الغاز وإيقافها، عن طريق الوحدة العسكرية المثبتة في قبرص، أو بالتعاون مع الاسطول الأميركي السادس في مياه البحر المتوسط. هذه الاجراءات الإسرائيلية تفقد مصر سنويا ما يقارب المليار دولار خسائر، تتحملها الميزانية المصرية بسبب عدم استغلال آبار الغاز المكتشفة في المياه الإقليمية في البحر المتوسط.
أضف إلى ذلك، وبعد ان كانت مصر تمدّ إسرائيل بالغاز المصري بأقل الاسعار فى عصر مبارك، ها هي اسرائيل اليوم تقوم بحفر الآبار في سواحل غزة - القريبة من آبار الغاز المصرية – وتستنزفها، مستغلة انشغال مصر بقضايا الامن والارهاب، لا وبل وان اسرائيل تعرض الان بيع هذا الغاز الى مصر بالأسعار العالمية.
يرى خبراء استراتيجيين المصريين، كالرئيس الأسبق لهيئة العمليات في القوات المسلحة اللواء سليمان، أن الحل الأمثل لتلك الأزمة هو التدويل واللجوء إلى المحكمة الدولية، مشيراً إلى أن تلك القضية والفصل فيها يحتاج فعليا إلى وقت طويل، لكن لابد من ذلك للحفاظ على حقوق مصر وهيبتها. غير ان خبراء آخرون كاللواء المصري محمد علي بلال، يعتبرون أن "القوات المسلحة المصرية هي الأقدر على حل تلك الأزمة، حتى لو كان حلا جزئيا يكمُن في تأكيد الحدود المصرية البحرية".
ويبقى السؤال، هل ستتمكن مصر يوماً من استعادة ثرواتها والإستفادة منها؟!
--------------
الكاتب : جومانا مطر