عمان ـ «القدس العربي» من بسام البدارين: قد لا تفيد تلك الرسالة التي أبلغها الرجل الثاني في تنظيم «الدولة الإسلامية» العراقي أبو محمد العدناني لمتواصلين معه من التيار السلفي الجهادي الأردني، على أمل نقلها للرأي العام الأردني، والتي تقول ان مؤسسة القيادة العربية لدولة الخلافة لم تكن المسؤولة بصورة مباشرة عن ملف احتجاز ثم تفاصيل إعدام الطيار الشهيد معاذ الكساسبة بصورة بشعة.
فاتت الفرصة عمليا على أي استدراكات من أي نوع خصوصا بعدما فضح المنظر السلفي الجهادي البارز الشيخ أبو محمد المقدسي «تجاهل» العدناني لرسائل الوساطة التي طرحها بإشراف المؤسسات الأمنية الأردنية والتي كانت تنطوي على «مرونة كبيرة» من الجانب الأردني على أمل تأمين مبادلة تنتهي بالإفراج عن الطيار، مما يظهر بوضوح الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة الأردنية لإجراء اتصالات ومفاوضات عبر وسطاء قبل الواقعة المؤلمة لإعدام الشهيد الكساسبة.
متعاطفون مع الجناح «البعثي» في قيادة «دولة الخلافة» بالساحة الأردنية نشطوا خلال اليومين الماضيين في بث تسريبات تفيد بأن الجناح الممثل لبلاد الشام في تنظيم «الدولة» لم يكن راضيا عن تفاصيل ما جرى.
لكن المزاج العام في الدولة الأردنية وحتى في الشارع لا يسمح بأي تساهل في اللغة الاجتثاثية التي تطال تنظيم الدولة والنظر لهذه الشروحات على أساس انها «مريبة».
فكرة العدناني الذي تواصلت معه أيضا قيادات في مشايخ الأنبار على صلة قرابة بالسجينين اللذين تم إعدامهما في الأردن، ساجدة الريشاوي وزياد كربولي، تمثلت في العمل على اختراق البنية الشعبية التي دخلت في مزاج الحرب المفصلية مع تنظيم «داعش» حيث لا مجال لأي تعاطف أو تفهم من أي نوع.
المقدسي، وعلى أمل منع نقل المواجهة لصفوف التيار الجهادي السلفي المحلي، تكفل بمهمة «فضح» مراوغة وما أسماه بـ «كذب» العدناني وغيره في الوقت الذي توضح فيه التفصيلات اللاحقة للإفراج عن المقدسي أن الدولة الأردنية، وخلافا لما تدعيه بعض الأطراف في الداخل والخارج فتحت باب التفاوض على مصراعيه واختبرت نيات الطرف الآخر، عندما اشترطت تقديم دليل ملموس على وجود الأسير قبل استشهاده على قيد الحياة لمبادلة أسير ياباني بالريشاوي.
بعد الإفراج عنه وامام نخبة من المناصرين وبعض الإعلاميين شدد المقدسي، في اليوم التالي لمقابلته التلفزيونية الشهيرة مع شاشة فضائية «رؤيا» الأردنية على ان الكذب مورس عليه حصريا من قبل العدناني قبل غيره وقال للحاضرين: كان كذبا صراحا… لقد نصحتهم وخدعوني.
مداخلات المقدسي أثارت قدرا من الجدل فالرجل كوفئ بوضوح على دوره بمغادرة السجن، ومن المرجح أن مرحلة مواجهة الفكر الداعشي داخل الأردن تتطلب دورا له ولرفاقه في التعبيرات الأكثر اعتدالا أو «أقل جنونا» على حد تعبير أحد الوزراء.
رغم ذلك لا يعجب ظهور المقدسي كثيرين، فقد كتب فهد الخيطان في صحيفة «الغد» اليومية يقول: نعم للعب ببعض الأوراق، لكن المقدسي وأمثاله ليسوا شريكا ولا يمكنهم ان يكونوا.
في إيحاءات العدناني التي تلوكها ألسن بعض مناصري التيار الجهادي في الأردن معلومات عن مسؤولية «الكتيبة الشيشانية» في ازمة الطيار الشهيد وعن الإخفاق المركزي في التواصل مع هذه الكتيبة وأميرها، بسبب القصف وطبيعة الوضع الميداني وتركيبة الهرم القيادي والشرعي في «داعش».
حتى في القراءة الرسمية والأمنية الأردنية من المرجح ان الكتيبة الشيشانية فرضت بتصرفها البشع والإجرامي مع الكساسبة وبقية الرهائن شكلا جديدا ومختلفا للمعركة بعدما دخل الأردن بثقله وبإسناد من دولة الإمارات وبعيدا حتى عن التحالف.
لكن في سياق القراءة المعمقة نفسها لا تقدم شروحات العدناني أو غيره، ولا تؤخر في التداعيات والنتائج، فقائد سلاح الجو الأردني الذي لا يظهر بالعادة خرج في مؤتمر صحافي ليعلن «سنمسح تنظيم الدولة».
الملك عبدالله الثاني، نفسه، وقبل إعدام الكساسبة كان قد ألمح في لقاء مغلق مع سياسيين ورؤساء وزارات إلى ان رسالته تم إيصالها لقادة «داعش» بعنوان «لا تختبروا الأردن في قضية الطيار الأسير».
أخفق الدواعش عمليا بالتقاط الرسالة ووضعوا جميع الأردنيين في حالة «الاختبار».
والنتيجة اليوم إعلان حرب حاسمة وقطعية وبلا هوادة من جانب الأردن بغطاء شعبي عارم، يحاول الكثير من الأطراف في منظومة الخليج والإدارة الأمريكية وكذلك الجيش العراقي، ركوب موجتها.
لذلك تبدو «التسريبات» التي يتقدم بها العدناني هامشية وبلا فائدة ولن تحدث فارقا فـ16 طائرة إماراتية مقاتلة مع طواقمها اليوم في الأرض الأردنية، فيما بدأت قيادات في الكونغرس تضغط على إدارة الرئيس أوباما، لأنها ترفض بيع الأردن تقنية الطائرات بلا طيار ووصلت نجومية «الأردنيين» في أمريكا والخليج وأوروبا بسبب جرأتهم ولغتهم ضد «داعش» إلى مستويات لم تصل لها من قبل.
الأمن الداخلي يراقب كل مشتبه محتمل بالتعاون مع داعش أو التعاطف معه، والتعميمات التي يقول السلفيون إنها صدرت من قيادة «داعش» للاعتداء على طيارين أردنيين «لن تجد من يجرؤ على تنفيذها» في الساحة الأردنية حسب خبراء في التيار السلفي الجهادي.
فوق ذلك أرسلت بريطانيا 60 مستشارا عسكريا، وبدأ الحديث عن دخول بري منسق ضخم وعمان تنسق مع الأكراد وحكومة العبادي في بغداد وحتى مع النظام السوري والإتصالات التنسيقية في غارات الطيران مع نظام بشار الأسد «تنمو» خلف الستارة فيترك المجال لطائرات التحالف منذ الصباح الباكر وحتى الثانية عشرة بعد الظهر وتتحرك الطائرات السورية في وقت المساء والهدف دائما وأبدا «كل ما يتحرك في دولة الخلافة».
http://www.alquds.co.uk/?p=293255