بمجرد إنتهاء مرحلة الدفاع النشط فى فبراير 1969 بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة بتكليف من عبدالناصر فى وضع الخطط الهجومية الكفيلة بتحقيق الأهداف المرحلية المنشودة مع مداومة تطويرها طبقا لمختلف العوامل المؤثرة .
وقد إشترك كبار القادة المنتظمين فى كلية الحرب العليا عامى 1968 و1969 فى وضع الخطط الهجومية التى تحقق تلك الأهداف المرحلية ، وكانت تلك الخطط المقترحة ترفع إلى القيادة العامة للقوات المسلحة وإلى هيئة العمليات الحربية للإستفادة منها .
كان الهدف المحدد من حرب الإستنزاف هو الحفاظ على الروح المعنوية للمقاتلين ، ورفع معنويات الشعوب المصرية والعربية وتهيئة الظروف المناسبة للإنتقال إلى مرحلة العمليات التعرضية ن وإبقاء مسألة إحتلال إسرائيل للأرض العربية فى قائمة المشاغل الدولية ضمانا لإستمرار الإتحاد السوفيتى فى الإمداد بالأسلحة والمعدات الأكثر تطورا وإزعاج القوات الإسرائيلية وإقافها ووضعها وشعب إسرائيل تحت الضغط المعنوى المستمر نتيجة ما يقع بجنودها فى الجبهة من خسائر مستمرة .
أما الزعم بأن القيادة السياسية أخطات بالدخول فى حرب الإستنزاف فيجبه أن تلك الحرب كانت ضرورة سياسية وعسكرية للحفاظ على تماسك الجبهة المامية والخلفية وفرض إستمرار القضية ساخنة والحفاظ على إرادة القتال وإكتساب الكفاءة القتالية الميدانية وتطوير الخطط الحربية تبعا لتغيير العوامل المؤثرة عليها ، والحصول على المعلومات عن العدو والأرض عن طريق الإستطلاع بقوة الشىء الذى يتعذر تنفيذه بغير القتال الفعلى .
كما كان الحصول على المعلومات الخاصة بتدابير الحرب الإلكترونية المعادية ، وإتخاذ التدابير المعتادة لها يتطلب نشاطا قتاليا لتحسين وتطوير قدراتنا الذاتية فى تلك الحرب التى أصبحت تحتل مكانا بارزا فى الحروب الحديثة .
ولما كان أغلب تشكيلات قواتنا المسلحة لم يسبق له الإشتباك الفعلى بالعدو ، فقد كان من الضرورى إتاحة الفرصة لهذه التشكيلات للتصادم مع العدو فى معارك محدودة لكسر حاجز الجهل به ، وهو ما شكل إحدى الركائز الأساسية لنجاح حرب أكتوبر 1973 .
وقد إتفقت آراء أغلبية قادة ومخططى حرب أكتوبر1973 على أن مرحلة حرب الإستنزاف كانت ضرورية ، كما كانت من ألمع الفترات التى مرت على قواتنا المسلحة فى الزمن المعاصر .
ولعل الكثيرين ممن عايشوا مرحلة حرب الإستنزاف وما أعقبها من خمول ران على الجبهة يذكرون ما أصاب الرأى العام الداخلى من ملل ظل يتصاعد حتى تحول إلى جدل بين صفوف الشعب والقوات المسلحة عن جدية نظام الحكم فى خوض الحرب ، ثم ظل هذا الضغط الجماهيرى يتصاعد ويتسع حتى بلغ الذروة التى لم يعد بعدها يقبل عذرا لتسويف جديد فى موعد الهجوم .
كما ترتب على هذا الخمول أن بدأت المحافل الدولية والصهيونية تعيد القول بأن قواتنا المسلحة قد خمدت أنفاسها وأصبحت جثة هامدة ، وقد إشترط الدكتور هنرى كيسينجر قبل فتح ملف قضية الشرق الأوسط من سباته العميق فى قاع أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية أن تحقق مصر تحركا يثبت أن قواتها المسلحة ليست جثة هامدة .
ولا يكتمل التقويم الصادق لحرب الإستنزاف إلا بمراجعة ما صدر بشأنها من جانب قادة إسرائيل حيث نجد الجنرال عيزر وايزمان نائب رئيس الأركان العامة الإسرائيلية إبان حرب الإستنزاف يقول فى كتابه " على أجنحة النسور " ما نصه : " إن حرب الإستنزاف التى سالت فيها دماء كثيرة لأفضل جنودنا مكنت المصريين من إكتساب حريتهم على مدى ثلاث سنوات للتحضير لحرب أكتوبر العظمى عام 1973 . وعلى ذلك فإنه قد يكون من الغباء أن نزعم بأننا كسبنا حرب الإستنزاف ، فعلى العكس كان المصريون ـ رغم خسائرهم ـ هم الذين حصلوا على أفضل ما تلك الحرب ، وفى الحساب الختامى فسوف تذكر حرب الإستنزاف على أنها أول حرب لم تكسبها إسرائيل ، وهى نفس الحقيقة التى مهدت الطريق أمام المصريين لشن حرب يوم الكيبور "
وفى مجال المقارنة بين ما بذل من جهد خلال فترة حكم عبدالناصر وفترة حكم السادات فإن من خدم فى كلتا الفترتين من قادة القوات المسلحة يفخرون بما بذله الشعب والجيش فى إعادة البناء ، وفى التحضير للجولة الحتمية القادمة ، وفى خوض حرب الإستنزاف ، وفى التدريب الواقعى على مهام القتال المقبلة ، وفى تجهيز مسرح الحرب والقاعدة الخلفية للدولة للحرب ، وغير ذلك من الأعمال العظيمة التى تم أغلبها فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر القائد الأعلى للقوات المسلحة .
وينبغى ألاّ ننسى نجاح قوات الدفاع الجوى فى الزحف بحائط الصواريخ حتى حافة القناة الشىء الذى مكّن القوات المسلحة من إقتحام القناة وإجتياح حصون بارليف والإستيلاء على رؤوس الكبارى وتأمينها تحت سماء لا تملك إسرائيل ـ ولأول مرة ـ السيادة الجوية عليها .
كما أن المكانة المحلية والإقليمية والدولية الرفيعة التى كان يتمتع بها الرئيس عبدالناصر كانت الدافع للإتحاد السوفيتى إلى الإستجابة لطلباته المتتالية التى بلغت حد قبوله ـ ولأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية ـ أن يبعث بقوات سوفيتية مقاتلة لتأمين سماء وعمق مصر وتوفير وسائل الإستطلاع الفضائى والإستراتيجى ، علاوة على وسائل الحرب الإلكترونية فائقة التطور ، وغير ذلك من المساعدات .
وعلاوة على ما سبق ن فقد تميزت فترة رئاسة عبدالناصر فى المجال السياسى بجمع كلمة العرب على مقررات قمة الخرطوم ، والإحتفاظ بالمبادأة السياسية التى رفضت من المقترحات والمبادرات ما يعتبر أفضل مما أمكن الوصول إليه بعد نصر 1973 ، سواء بالنسبة لمصر أو لدول لطوق العربى وشعب فلسطين.
وفى آخر إجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى شهر أغسطس1970 أعاد الرئيس جمال عبدالناصر التـأكيد بكل وضوح على أن أحد الأسباب الرئيسية التى دفعته إلى قبول مبادرة روجرز كان إتمام دفع حائط الصواريخ إلى حافة القناة لتهيئة أرض المعركة للعملية الهجومية التى سوف يأمر بها فور إنتهاء الفترة المتفق عليها لوقف النيران . أما الزعم بأنه قبل مبادرة روجرز بسبب تزايد خسائره على خسائر إسرائيل فهو مجرد مبرر إضطر إلى أن يسوقه لياسر عرفات حيث لم يكن فى حل ليفصح عن السبب الحقيقى سالف الذكر .
)محاضر هذا الإجتماع وغيرها من إجتماعات عبدالناصر مع القادة العسكريين ، محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى بالصوت ومكتوبة ويوجد صورة منها فى سجلات القيادة العامة للقوات المسلحة وكان يقوم بالتسجيل كل من العميد إبراهيم سلامة من المخابرات الحربية والمقدم عادل إبراهيم محمد السكرتير العسكرى لرئيس الجمهورية ) .
وتؤكد تلك الحقائق على وجود خطة هجومية كان الرأى قد إستقر فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة وفى مجلس الدفاع الوطنى على تنفيذها خلال فترة زمنية أقصاها ثلاثة شهور من بدء وقف النيران فى 8أغسطس1970 .
أما الزعم بأن مثل هذه الخطة كانت ستصيب مصر بكارثة فيما لو دخلت قواتنا المسلحة فى حرب تحرير فى أواخر حياة عبدالناصر ، أو فى أعقاب رحيله فليس له ما يبرره ، إذا ما عرفت طريقة تخطيط أية عملية حربية هجومية كانت أم دفاعية .
والواقع أن تصورات كل من الفرقاء أول محمد فوزى ومحمد أحمد صادق وكذا المشير أحمد إسماعيل تتقارب فى شكلها العام ، وإن كانت تختلف فى مراحل التنفيذ وتوقيتاتها ومداها .
فالدارس المتخصص لتلك الخطط الثلاثة وخرائطها ومرفقاتها يلاحظ أن هدفها النهائى هو تحرير كل أرض سيناء وقطاع غزة ، أما وجه الإختلاف بينها فيبرز فى أن هدف المرحلة الأولى من خطة محمد صادق هو الإستيلاء على شرق المضايق ، فى حين أن خطة محمد فوزى كانت إلى القبض على المضايق نفسها فى المرحلة الأولى ، أما خطة أحمد إسماعيل فتكتفى بتأمين رأس كوبرى على الضفة الشرقية للقناة وبعمق 12ـ15 كيلومترا .
كما تختلف تلك الخطط أيضا فى عدد وعمق المراحل التالية ، ومدى الفواصل الزمنية بينها .
ويتضح مما سبق أن الزعم بحدوث كارثة فيما لو دخلت قواتنا المسلحة فى حرب تحرير فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر أو بعد رحيله مباشرة غير ذى موضوع ، وذلك لأن تصرف القائد حيال أى موقف قتالى معاكس قد يطرأ أثناء تنفيذ خطته لا يدع مجالا لوقوع مثل تلك الكوارث وهو الأمر الذى تحرص كل خطة حربية على مناقشته فى مؤتمر تنظيم التعاون الذى يعد لكل إحتمال مساعد أو معاكس عدته ، ويرتب له الحل السليم والقوات الكافية والمناورات المناسبة ، فإذا ما صادفته فرصة مواتعية أسرع بإستغلالها ، أما إذا كانت معاكسة فإنه يبادر بتجنبها .
ولقد كان من الطبيعى بعد رحيل عبدالناصر فى 28سبتمبر1970 وتولى أنور السادات مسئولية الحكم مكانه أن يقبل مد فترة إيقاف النيران إلى أن يمسك بزمام السلطة ويطلع على دخائلها وتستتب له الأمور ، فلما طالت تلك المدة بدأ الرأى العام المصرى والعربى يتململ ويجنح الرأى الدولى إلى أن السادات لا يقدر على إشعال حرب ، وسرعان ما تحول الجدل الداخلى إلى مناقشة مدى جدية نظام الحكم فى العزم على خوض المعركة ، بينما راحت أبواق الدعاية الصهيونية تؤكد أن جيش مصر أصبح جثة هامدة ، الأمر الذى زاد من ضغط الجماهير فى مصر والدول العربية مطالبة بتحديد موعد للمعركة التى لم يعد يقبل عذرا لتسويفه .
وفى إجتماع مجلس الدفاع الوطنى بالقيادة العامة للقوات المسلحة يوم الخميس 2فبراير1971 الذى ترأسه السادات وحضره كل من حسين الشافعى وعلى صبرى وعبدالمحسن أبو النور ومحمود رياض وشعراوى جمعة والفريق أول محمد فوزى وسامى شرف وأحمد كامل والفريق محمد أحمد صادق وقام بأعمال السكرتارية اللواء محرز مصطفى عبدالرحمن مدير المخابرات الحربية ـ وهذه الجلسة مسجلة ومحضرها محفوظ فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى وسجلات القيادة العامة للقوات المسلحة وقام بتسجيلها العميد إبراهيم سلامة والمقدم عادل إبراهيم محمد ـ . أقر الجميع فى هذا الإجتماع بعد أخذ الأصوات ، قرارا بدخول الحرب ضد إسرائيل ، إلا أن الرئيس السادات أرجأ إعتماد هذا القرار لحين عرض الأمر على مجلس الأمة يوم السبت 4فبراير1971 ، إلا أنه بدلا من من أن يعرض الأمر على مجلس الأمة إذا به يعلن عن مبادرة جديدة للسلام ـ لم يستشر أى مسئول أو مؤسسة فى الدولة بخصوصها بل لقد فوجئت انا شخصيا بها عندما وصلنى مسودة الخطاب الذى سيلقيه السادات فى المجلس ـ الشىء الذى أوردته تفصيلا فى مكان آخر من هذه المذكرات ، وقد حدد السادات فى هذه المبادرة معالمها بإنسحاب إسرائيل جزئيا من سيناء مقابل قيام مصر بتطهير القناة فورا وفتحها للملاحة أمام جميع السفن دون إستثناء مع صرف النظر عن ربط فتح القناة لسفن إسرائيل بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التى طردوا منها عامى1948و1967على نحو ما كانت تعتمده قرارات مجلس الأمن الصادرة فى هذا الشأن .
ملحوظة من المؤلف : أعدت مسودة هذا الخطاب بواسطة الستاذ محمد حسنين هيكل الذى أيضا لم يبلغ أحدا من المسئولين المعنيين بمحتويات الخطاب أو الأقكار الواردة فيه !
وعلى الرغم من أن عبدالناصركان قد تلقى عروضا أقل إهدارا للحقوق العربية عما تنازلت عنه هذه المبادرة الجديدة فإن إسرائيل رفضت مبادرة السادات على لسان وزير دفاعها ، ثم أكدت رئيسة الوزراء هذا الرفض وأصرت على الفصل التام بين مشكلة قناة السويس وبين مهمة السفير جونار يارنج أو مباحثات الدول الكبرى .
وبفشل تلك المبادرة أعلن السادات فى شهر مارس 1971 بإستراحة القناطر الخيرية بحضور على صبرى و بعض الوزراء هم وزراء الحربية والخارجية والداخلية وشئون رئاسة الجمهورية أنه قرر دخول الحرب ضد إسرائيل وحدد لها توقيتين كان أولهما خلال شهر أبريل والثانى خلال شهر مايو1971 .
ثم أصدر السادات صباح يوم 9مايو1971 قرار الإستعداد للحرب لوزير الحربية وكان ذلك بمنزله فى الجيزة وقبيل إجتماعه بالمستر جوزيف سيسكو وكيل وزارة الخارجية الأمريكية مباشرة ، وقد أوضح السادات لوزير الحربية وقتئذ ضرورة إستعداد القوات المسلحة لشن الهجوم قبل أول يونيو 1971 .
وعندما أخطر محمد فوزى مساعديه بهذا القرار لبدء العمل على تنفيذه إقترح محمد صادق الإلتزام بدواعى السرية وعدم تحديد اليوم إكتفاء بذكر أنه سوف يكون خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو 1971 ، وذلك فى الوثيقة التى سوف يوقعها السادات ، الذى رفض أن يضع عليها توقيعه يوم 12مايو1971 مما دفع وزير الحربية إلى أن يحرر إستقالته .
وهناك الكثيرين من الأحياء من الوزراء وقادة القوات المسلحة من أعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة ومجلس الدفاع الوطنى على علم تام بهذه الحقائق .
أما الزعم بوجود " فارق هائل " بين القوات المسلحة المصرية التى خاضت حرب أكتوبر وبين القوات التى كان يعدها عبدالناصر ومعاونوه لحرب التنحرير فإن أحدا من كبار قادة تلك القوات خلال هذين العهدين لن يقر هذا الرأى الذى يجافى الحقيقة .
فلا مقدار الزيادة فى الكفاءة القتالية ، ولا مقدار الزيادة فى الحجم ولا مقدار الفاصل الزمنى بين رحيل عبدالناصر ويوم 6 أكتوبر1973 الذى لا يتعدى السنوات الثلاث فقط يسمح بحدوث فارق هائل فى القوات المسلحة .
كما أن العلم العسكرى المزعوم بأنه طبق فى عهد السادات على أرفع مستوياته هو نفس العلم الذى طبق فى عهد عبدالناصر لأن من طبقه فى الحالتنين كانوا هم نفس الأشخاص العسكريين عدا نفر قليل جدا ممن أزاحهم السادات عن مراكزهم ن ومن المعروف أنه لا يترتب على تغيير بضع أشخاص فى مؤسسة ما حدوث تغيير جذرى فى أدائها أو كفاءتها بما يبيح وصفه " بالفارق الهائل " بين العهدين أو الزعم بأن مستوى العلم العسكرى كان فى أرفع مستويات فى عهد السادات عنه فى عهد عبدالناصر . بل إن أبطال حرب أكتوبر الذين أستشهد بهم للتدليل على صحة هذه المزاعم هم أنفسهم الذين أكدوا فى مضابط جلسات تسجيل التاريخ العسكرى لحروب 1967والإستنزاف و1973 ، أن فترة رئاسة عبدالناصر لا تقل إن لم تزد على فترة رئاسة السادات فيما بذل من جهود وفى مدى الإلتزام بتطبيق العلم العسكرى فى التخطيط والأداء كما أكدوا أيضا أن حرب الإستنزاف كانت من ألمع الفترات التى مرت على قواتنا المسلحة فى الزمن المعاصر وأكثرها فائدة فى إكتساب الخبرة وغرس روح القتال كما أن الزيادة التى طرأت على أسلحة ومعدات ومستوى كفاءة جنود القوات المسلحة خلال ولاية عبدالناصر تزيد على ما طرأ عليها خلال ولاية السادات خاصة وأن دخول الجنود المثقفين للخدمة العسكرية بدأ فى عهد عبدالناصر ولم يستثنى أحد من التجنيد الإجبارى كما حدث فى عهد السادات وفى نفس الوقت فقد نزح عن مصر فى عهد السادات وقبل حرب أكتوبر عدة تشكيلات مقاتلة صديقة من قوات الدفاع الجوى والقوات الجوية والإستطلاع الإستراتيجى والحرب الإلكترونية مما أحدث فراغا إستراتيجيا وتعبويا تعذر ملء أكثره ، وظلت قواتنا المسلحة تفتقر إلى بعضه حتى نهاية حرب أكتوبر مما ترك الساحة خالصة لإسرائيل المدعومة بقدرات الولايات المتحدة الأمريكية وكان أحد أسباب ثغرة الدفرزوار وما حدث بعدها .
أما الزعم بأن الإعداد لحرب أكتوبر 1973 لم يبدأ إلا بعد وفاة عبدالناصر فإن الكتاب الرسمى الذى صدر عن تلك الحرب للأسواق المدنية ، والذى يحمل فى صفحته الأولى كلمة الرئيس السادات قد ذكر فى الفقرة الأولى من الباب الثانى أن الإعداد للحرب بدأ منذ إنتهاء جولة صيف1967 .
وهناك الكثيرين من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وكبارالقادة الباقين على قيد الحياة على إستعداد للشهادة بذلك وخاصة هؤلاء الذين ظل عبدالناصر يجتمع بهم الساعات الطويلة حتى الفجر فى عشرات المؤتمرات الدورية لمناقشة أدق تفاصيل إستكمال القدرة القتالية ورسم الخطط الحربية حتى الأيام الأخيرة من عمره . ويضم الملحق الوثائقى صور بخط اليد لما كان يسطره اللواء عبدالمنعم خليل قائد الجيش الثانى الميدانى فى أحدهذه الإجتماعات .
ولا يفوتنا فى هذا المجال أن نؤكد على أن عملية دفع حائط الصواريخ إلى حافة القناة كانت تتم بإشراف ومتابعة عبدالناصر لحظة بلحظة وأنها إستلزمت جهدا سياسيا وعسكريا وعصبيا مضنيا بينما كانت تلك العملية تجرى وعبدالناصر يعانى من آلام المرض الذى كان يلحظه كل الجالسين حوله فى مؤتمراته المتتالية .
إن القيادتين السياسية والعسكرية لم تتردد فى تحمل الجهود الشاقة والخسائر الشديدة لدفع هذا الحائط حتى حافة القناة ـ وهو الإنجاز العظيم الذى تم فى عهد عبد الناصر والذى شكل حجر الزاوية فى نجاح العبور إلى الضفة الشرقية للقناة بعيدا عن تدخل طائرات إسرائيل التى أبعدتها تلك الصواريخ ـ ولأول مرة ـ عن سماء المعركة .
أما الزعم بأن إسرائيل عمدت إلى تغيير خططها للمعركة بعد بناء حائط الصواريخ فيضحضه الجنرال أبراهام أدان الذى وضع الخطة " سيلا " فى مطلع عام 1969 والتى ظلت القوات الإسرائيلية تلتزم بها حتى نهاية حرب أكتوبر 1973 وهو ما ذكره واضع تلك الخطة فى كتابه " On The Banks Of The Suez “ فى الصفحات 42 ـ 45 بالطبعة الإنجليزية .
وقد يلفت النظر أن ما أصاب السلاح البحرى الإسرائيلى من خسائر على إمتدادا عمره وقعت كلها خلال حرب الإستنزاف فقط بدء بإغراق المدمرة إيلات ومرورا بتدمير الحفار " كيتينج " وتحطيم السفينتين المسلحتين " داليا " و " هيدروما " ثم ناقلة الجنود " بيت شيفع " فالغواصة " داكار " ثم السفينة التجارية " بات يام " وسفينة أبحاث البحرية " ، وانتهاء بقصف ميناء إيلات ثلاث مرات متتالية ، فلولا حرب الإستنزاف لظلت البحرية الإسرائيلية تتباهى بأنها السلاح الذى لم يتعرض لخسارة قط ، وغنى عن البيان أن كل ذلك حدث خلال عهد عبدالناصر