أعلنت وزارة الدفاع الروسية في النصف الثاني من شهركانون الأول/ديسمبرالماضي أنها ستقبل أي قرار تتخذه فرنسا في ما يتعلق بصفقة الميسترال، فيما لمح الرئيس الفرنسي الى استحالة تسليم حاملة المروحيات في ظل السلوك الروسي في الأزمة الأوكرانية، الذي يتعارض مع ركائز الأمن الأوروبي، وعلى روسيا أن تعي ذلك.
بعيداً عن المنحى السياسي للصفقة وتأجيلها، لم تحتاج روسيا إلى الميسترال بالذات؟ وما هي المواصفات التي تتميز بها حاملة المروحيات تلك؟
يعتبر قرار روسيا شراء الميسترال جزءاً من خطة سابقة تقضي بشراء سفن أجنبية لإعادة بناء جيشها، بعد سنوات من الإهمال. فحاملات الطائرات الروسية من العهد السوفياتي أخرجت كلها من الخدمة، ما يجعل روسيا تملك حالياً حاملة طائرات واحدة فقط لا غير، وهي "الأميرال كوزنستوف" ثاني أكبر حاملة طائرات في العالم، في الوقت الذي تملك فيه الولايات المتحدة 10 حاملات طائرات، وباقي أعضاء حلف شمال الأطلسي 6 حاملات. من هنا، وقعت روسيا في صيف 2011 عقداً مع فرنسا بقيمة 1.12 مليار يورو، تقوم بموجبه شركةDCNS الفرنسية ببناء حاملتي مروحيات للبحرية الروسية.
وما يميز الميسترال بالدرجة الأولى ليس أسلحتها، بل تكنولوجيا القيادة والسيطرة التي تفتقر إليها روسيا. فالميسترال تمتلك مواصفات فنية وتكتيكية فريدة وهي مجهزة بنظام سينيت (SENIT) الفرنسي الذي يتلقّى معلومات من أنظمة استشعار مختلفة كالرادارات والأقمار الاصطناعية ويدمجها في نظام موحّد لإدارة القتال. وبذلك تصبح الـميسترال مرشحاً مثالياً كسفن قيادة وغرف عمليات للأساطيل الروسية، التي لا تملك حالياً برامج قيادة على هذا المستوى.
وتشير بعض التقارير إلى أن سعي روسيا لامتلاك الميسترال يشكل فرصة لإنشاء أحواض سفنٍ جديدة وتطبيق تقنيات البناء الحديثة - التي تعتمد على تجميع قطعٍ مسبقة الصنع - لتعزيز صناعة السفن لديها وادخالها الى العصر الحديث، بعد أن خسرت بسقوط الاتحاد السوفياتي أهمّ ورش بناء السفن التي كانت في اوكرانيا. اما الأحواض المتبقية في سيفماش وبالتيسكي زافود وغيرها، فهي تركّز على بناء الغواصات، وما زالت تستخدم تقنيات قديمة، فضلاً عن عدم قدرتها على تزويد سلاح البحر الروسي باحتياجاته كمّاً ونوعاً.
وبحسب تقرير روسي صدر عام 2009، فإن استمرّ الوضع على حاله، لن يتبقّى لروسيا أكثر من 50 قطعة بحرية في الخدمة بحلول عام 2020.
وفي تصريح آخر العام 2011، أدلى به الاميرال فيسوتسكي قائد سلاح البحر الروسي: "إن الحصول على سفن ميسترال - التي تعتبر من اكثر انواع السفن تطورا - سيزيد الى حد كبير من فاعلية قيادة الوحدات البحرية على كافة المستويات وبمختلف الطرازات في مياه البحار والمحيط العالمي".
تبلغ حمولة حاملة المروحيات 21 طنا وطولها الاقصى 210 أمتار، فيما تزيد سرعتها عن 18 عقدة، ومدى ابحارها عن 20 ألف ميل، فيما يتكون طاقمها من 160 فردا. وبوسع الميسترال حمل 450 فردا من قوات الإنزال، أو 900 فردا لمدة قصيرة. وتضم مجموعة المروحيات المرابطة على متن السفينة 16، مروحية تتواجد 6 منها على مدرج الإقلاع في آن واحد. كما تمتلك السفينة 4 زوارق خفيفة للإنزال، أو زورقين عاملين على الوسادة الهوائية. ويمكن لمستودعات الشحن في السفينة أن تتسع لما يزيد عن 40 دبابة أو 70 عربة.
وتستخدم حاملات المروحيات من طراز ميسترال في القوات البحرية الفرنسية، كما شاركت في العمليات العسكرية البحرية التي تقوم بها قوات الناتو في ليبيا.
وفي حال حصلت روسيا على الحاملتين، فستلحق السفينة الأولى بأسطول المحيط الهادئ الروسي، والأخرى بأسطول الشمال الروسي.
وتنفذ الميسترال العديد من المهام، فهي سفينة برمائية ويمكن استخدامها كسفينة قيادة، تستطيع نقل العتاد الحربي والافراد وانزالهم الى الساحل غير المجهز، وذلك باستخدام المروحيات وزوارق الانزال السريعة وقيادة الطائرات في الجو.
وبفضل المركز المجهز على سطحها، يمكنها قيادة القوات على شتى المستويات، وعلى اي بعد عن القاعدة البحرية. اما التكنولوجيات المستخدمة لدى تصنيع هذا النوع من السفن فتسمح بتكاملها مع منظومات الاسلحة الروسية، بما فيها وسائل الانزال والطائرات البحرية الروسية الصنع. كما يمكن استخدام تلك السفينة كسفينة قيادة تقوم بالتنسيق في عمليات الوحدات في اي من مناطق المحيطات في العالم، بغية حل مهام حفظ السلام والمهام الانسانية. وتزيد امكانات السفينة الخاصة بتقديم المساعدة الانسانية للسكان عن امكانات سفن الانزال المتوفرة حاليا في سلاح البحر الروسي بعدة أضعاف.
ستبقى صفقة الميسترال معلقة طالما أن الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي غير راضية عن روسيا. وفي حال تم التراجع عن التسليم، ستضطر فرنسا إلى دفع غرامة مالية كبيرة تصل إلى مليار دولار، بحسب ما ينصه العقد الموقع بين الطرفين.