طرأت في السنوات الأخيرة تغييرات كبيرة وضخمة في الحرب الاقليمية، والتي تحضر لها القليل من الدول، فقد جلب ما يسمى بالربيع العربي التفاؤل في تغييرات قد تقود الى ادارة وطنية افضل واستقرار اكثر، الأمر الذي يفضي الى حرية وازدهار اكثر وبالتالي نزاعات اقل. وباستبدال الحكومات غير الشعبية التي اسقطت، بمجموعات فوضوية، تمدد تهديد الارهاب وانتشرت الفوضى في بلدان شمال افريقيا والشرق الأوسط وتحولت المدن الى ركام، حصد مئات الألوف من القتلى.
اما الأحداث الأخيرة في اوكرانيا فقد سببت في ابداء القوى الغربية القلق بشأن النوايا الروسية في ما يخص اوروبا الشرقية وظهرت حرب باردة جديدة بين الشرق والغرب ولو انها مقتصرة الآن على العقوبات الاقتصادية.
بعد انتهاء الحملة العسكرية الغربية في افغانستان لوحظ القليل من الحماسة بين الشعوب والقادة الغربيين لاعادة الانتشار خلف البحار عبر استخدام قوات برية واسعة ولو أن التدريب والدعم اللوجستي المعززين قد اصبحا وشيكين. اما الآن فتتم الاشتباكات الاساسية في الجو فوق غرب العراق وسوريا وشمال نيجيريا.
تعتبر مهمات الدعم البري التقليدية التي تنفذ في كل هذه المناطق العملانية، والتي تتم من خلال الطائرات المحلقة على ارتفاع منخفض، خطرة جداً لأن الطائرات المغيرة قد تستهدف بصواريخ ارض - جو. وتشكل الصواريخ التي تطلق من على الكتف مصدر التهديد الأكبر للطائرة، ومع ذلك يمكن ان تكون نيران الرشاشات الثقيلة والمدفعية المتحركة فعالة اذا توافر وقت انذار كاف للقوات المدافعة للرد.
بغية مواجهة هذه التهديدات يأتي الدعم الجوي القريب من النفاثات المقاتلة المحلقة على علو مرتفع، عبر استعمال مزيج من الأسلحة الدقيقة وأجهزة التعقب الكهربصرية المستقرة والعاملة بالأشعة تحت الحمراء التي يمكنها استعمال ذخائر موجهة بالليزر او بال GPS لتضرب الأهداف التي تم تحديدها بدقة كبيرة ولتفادي الأضرار الجانبية. يمكن للطائرات دون طيار، ان تؤمن مراقبة جوية دائمة على امتداد مناطق واسعة، مرسلة المعلومات الاستخباراتية المحدثة التي من شأنها توجيه الضربات الجوية ضد الارهاب المؤكدة، والتي تبدد تجمعات القوى المعادية وتعطل تحركات الآليات والمؤن.
تجدر الاشارة في هذا الصدد الى أنه حيث يكون استخدام القوة الجوية وحدها، في المناطق المدينية يتم ذلك على نطاق محدود جداً لأن العناصر المعادية تستخدم السكان للاحتماء بينهم او في الحالات القصوى لتشجيع الضربات الجوية التي ستسبب عدداً بالغاً من الاصابات بين المدنيين، والتي يصار استثمارها لدوافع الدعاية. في حالات كهذه، من الأفضل نشر القوى الجوية لمنع حرية التحركات المعادية من والى المنطقة المدينية ولضرب اهداف خاصة تم رصدها وتحديدها بوضوح.
شكل وضع مراقبين جويين متقدمين (Forward Air Controllers) على الارض او في الطوافات، الذين يعطون احداثيات الاهداف الدقيقة او التعليم الليزري للطائرات الضاربة، جزءاً اساسياً من تأمين الدعم الجوي القريب لفترة طويلة ولكن يمكن ان يكون خطراً جداً على المدنيين في سيناريوات مدينية كما حصل في الصومال والعراق وأفغانستان. من جهة اخرى يسمح توفر حواضن الاستهداف على الطائرات المقاتلة بتنفيذ الهجمات الدقيقة بشكل مستقل او بالتعاون مع الطائرات دون طيار حيث يكون توحيد المراقبين على الارض مقيداً.
من التغييرات الاكثر اهمية في تأمين الدعم الجوي القريب، هو كيفية تأمين الطائرات دون طيار الادوار الاضافية كالضربات جو - ارض والمراقبة الجوية والتحكم المتقدمين. ولأن الطائرة دون طيار يمكنها البقاء في موقعها ساعات عديدة ولا تخضع للمتطلبات الجسدية للطيار، فإن التغطية على مدار الساعة ممكنة عبر تخصيص عدة طائرات دون طيار للمهمة واستبدال كل طائرة فقط في حال اعادة التزويد بالوقود او اعادة التسليح. وبهذه الطريقة يمكن الابقاء على الدعم الجوي المستمر لأيام او اسابيع بحيث يحرم العدو على البر من فرصة الهروب من المراقبة ويعرضه لهجوم محتمل من منصة جوية غير مرئية.
تخدم مجموعة الطائرات دون طيار نوع Reaper من General Atomics مع المئات من المشغلين اكانوا اميركيين ام من القوات الحليفة. لا يزال نموذج المراقبة الاساسي الاوسع استعمالا وقد اشتهر بالاعتمادية خلال المهمات على المسرح الافغاني. هذا، وقد جعل النموذج المسلح Predator الذي يمكنه حمل قنابل دقيقة وصواريخ Hellfire من الممكن لطائرة واحدة ان تحدد مواقع الاهداف المشبوهة وتحدد هويتها وتؤكدها وعند اطلاق الصاروخ او القنبلة مع مفعول مدمر جدا. وعلى خلاف الطائرات المحلقة على علو منخفض او الطوافات الاكثر حساسية، فان طائرات Predator المسلحة او الطائرات الاخرى المشابهة تبقى غير مرئية وعلى ارتفاعات معينة لانها صامتة ولا تولد ضجيجا. اما ليلا فيمكنها العمل على ارتفاعات ادنى اذ ان بصمتها البصرية والصوتية المنخفضة تعني ان الذين يتم استهدافهم سيفاجأ بشكل كامل بان نشاطاتهم سيوضع لها حد بشكل عنيف وسريع.
تعد الطائرة دون طيار من نوع Watchkeeper التي تنتجها Thales، مثلا آخرا من تلك الطائرات غير المقودة المخصصة للمراقبة والتي جهزت برادار ذي فتحات تنسيقية متطور وبقدرات كهربصرية، مع اجهزة تأشير على الاهداف المتحركة (Moving Target Indicators - MTI)، وقد دخلت Watchkeeper الخدمة في الجيش البريطاني. طلبت بريطانيا اسطولا من 60 طائرة وقد شهد عدد منها عمليات فوق افغانستان مؤمنا حماية القوات بحيث غطى عمليات توقف ومغادرة القوات البريطانية من 150 قاعدة جنوب هذا البلد.
يشكل تشغيل الطائرات دون طيار في المجالات الجوية الاوروبية المحصورة جدا والمتميزة بكثرة ممرات الملاحة الجوية المدنية، يشكل تحديا من حيث التشغيل مقارنة مع المناطق الصحراوية المفتوحة. ولهذه الاسباب خصصت مناطق للتدريب ومسالك طيران بعيدا عن الطرقات الجوية الطبيعية في بريطانيا وسيعمل بها في الدول المنضمة الى حلف شمال الاطلسي وبذلك يمكن تطوير عمليات الطائرات دون طيار واخذها لتدمج في التمارين الواقعية مع القوات البرية. ومع ان الكثير من هذا التدريب، بالنسبة للمشغلين يمكن اجراؤه عبر استعمال المشبهات الارضية وحدها، فان قيمة استخدام الطائرات دون طيار الحالية اثناء الطيران والقادرة على توزيع الصور الجوية لحظيا والعمل مع القوات البرية تبقى مهمة هامة. يتزايد استخدام الطائرات دون طيار المسلحة لدى الجيوش حول العالم ومن المحتمل ان يستمر هذا التوجه في التنامي بحيث يؤمن ردا سريعا ويزيل ايضا المجازفة التي تتعرض لها الاطقم الجوية اذ انها قابلة للاسقاط والاسر مع كل الدعاية السيئة والسلبية التي يولدها هذا الامر. ويقدم التوفر المذكور ردا مرنا يمكن زيادته في العمق مع عدد قليل من العاملين المنتشرين الذين يلجأ اليهم للمواجهة العملانية والصيانة الروتينية. وقد حصل الامر في افغانستان عندما تم نقل اعداد واسعة من الطائرات دون طيار جوا الى المنطقة على متن طائرات نقل واعيد تجميعها محليا في ساعات قليلة، في حين بقي المشغلون في القواعد الاساسية على بعد آلاف الاميال. لكنه في حين نشاهد زيادة في استعمال الطائرات دون طيار للدعم الجوي القريب، فان دور الطوافات المسلحة يستمر في التزايد لتأمين الوسائل الفعالة في مواجهة القوى البرية المعادية.
ولدت المواجهات القريبة بين مقاتلي طالبان والقوات النظامية لقوة IFOR الدولية التي يقودها حلف شمال الاطلسي مرارا اوضاعا وجدت فيها قوى الحلف مهددة مشلولة في مكانها ومطوقة من قبل اعداد كبيرة من العناصر المعادية والجيدة التسليح. وبفضل توافر الطوافات الثقيلة التسليح، حصلت القوى بشكل عام على رمايات تغطية سريعة وموجهة على مواقع القوى المعادية وجاءت النتائج دائما لمصلحة وحدات قوى الحلف النظامية.
برهنت الطوافة AH-64 Apache من انتاج Boeing الطوافة المسلحة الاساسية التي استخدمتها في افغانستان وحدات الجيشين البريطاني والاميركي، وبفضل تدريعها الثقيل والنظم المساعدة الدفاعية الشاملة، مع تأثرات الشهب والعصائف واجهزة التشويش الليزرية، عن قدرتها على الصمود امام الاصابة بعدة طلقات من الاسلحة الخفيفة.
وقد جهزت كل طوافات Apache التابعة للجيش البريطاني برادار Longbow ومحركات محدثة من Rolls-Royce مما يعطيها اداء عاليا في الظروف العملانية الحارة والصعبة والاهم في ذلك، ان هذه الطائرات تمكنت من صَلي العدو بنيران تدميرية قوية جدا عبر رمايته بصواريخ Hellfire واستعمل مدفع ذي استون دوار عالي وتيرة الرمي. وامكن لهذه الاسلحة ان تدمر مناطق واسعة حيث كان الرماة يختبئون في الاقبية او المباني، وتمكنت من تدمير الآليات الصغيرة المتحركة او المتوقفة. وفرضت قوة النيران هذه الهيبة على العناصر المعادية التي سرعان ما كانت تعمد الى فك الاشتباك والاختفاء عندما تصل طوافات ال Apache الى المنطقة.
سمحت مناظير الرؤية الليلية بتنفيذ مهمات الدعم الجوي القريب في اي وقت من الليل او النهار. وانتشرت اعداد قليلة من طوافات Tiger المسلحة في شمال افغانستان. لكنها استعملت في غالب الاحيان للدوريات المسلحة ولم تزج في القتال القريب او الاشتباكات العنيفة، التي كانت من مهمات ال Apache اليومية.
هناك ايضا سوق متنامية للمنصات الجوية الصغيرة الهجومية وللدعم القريب التي يدفعها محرك بالدفع العنفي، وهي نماذج مجهزة بالشكل المناسب طورت من طائرات التدريب المتقدم، تقودها في السوق طائرة Super Tucano من Embraer وانضم اليها النموذج المسلح من Beechcraft A/T-6 Texan II الذي يمكن ان يجهز ايضا بالقنابل والقذائف الصاروخية والصواريخ جو - ارض والمدفعية.
اشتركت Embraer North America وSierra Nevada في انتاج طائرة A-29 Super Tucano المعدلة لتلبي متطلبات سلاح الجو الاميركي لطائرة دعم جوي خفيفة لاغراض مكافحة التمرد، لتجهيز اسلحة الجو لدول ما وراء البحار. خصصت الطائرات العشرون الاولى التي ستجمع في الولايات المتحدة لسلاح الجو الافغاني حيث ستحل محل الطوافات الهجومية الروسية نوع Mil-35 وستكون هذه الطائرة الثابتة الجناح الاولى لذلك السلاح منذ وقف استعمال الطائرات المشابهة روسية الصنع. اما طائرة الخدمات العامة مثل Cessna Caravan وحتى طائرات رش المحاصيل الزراعية المحوّلة فيمكن تجهيزها للدعم الجوي القريب، بواسطة التدريع ضد النيران البرية ويمكنها ان تحمل القنابل والمدفعية والقذائف الصاروخية. يمكن لهذه الطائرات ايضا ان تقلع من مدارج قصيرة ووعرة وحتى من على الحصى وهي مناسبة جدا ايضا للحرب غير النظامية اذ انها سهلة التشغيل وقليلة التكلفة. الا ان هذه الطائرات هي حساسة تجاه الصواريخ ارض - جو لانها تحلق على ارتفاع منخفض وبسرعة منخفضة نسبيا، وعليه فانه عندما يكون هناك تهديد قوي من الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات، فان العديد من اسلحة الجو يفضل استعمال طائرات القتال النفاثة السريعة المجهزة باسلحة دقيقة.
طور سلاح الجو الملكي البريطاني في افغانستان تكتيك دعم جوي قريب برهن عن فعالية عالية دون الحاق اضرار جانبية او الاسراف في استعمال الاسلحة الدقيقة، وهذا التكتيك عبارة عن الاقتراب من الموقع المعادي على علو منخفض جدا وبسرعة عالية لكن دون سرعة الصوت، من اتجاهات مختلفة. ولّد هذا الامر صدمة وبلبلة وخوفا لان الطائرة حلقت فوق رؤوس العدو ونتج عن ذلك فرار العناصر المستهدفة ودون اللجوء حتى الى اطلاق النار.
اما في فييتنام، فقد نشرت القوات الاميركية طائرات نقل محوّلة ضمّت طائرات ال C-130 وC-47 جهزت بمدافع دوّارة الاستون على جانبيها وفيما بعد بمدفعية هاوتزر ثابتة.
تميزت هذه الطائرات المسلحة بفعالية خاصة خلال العمليات الليلية وكانت تطوّق الهدف بنيرانها مع نتائج مدمّرة جدا. لا يزال سلاح الجو الاميركي يستعمل حتى اليوم طائرات C-130 مسلحة ومحدثة، ويمكن للشارين الاجانب ان يستمروا في تحقيق طائرات C-130J من انتاج Lockheed Martin يتوفر نموذج مسلح من طائرة النقل العسكري المتوسطة الاصغر C-27 Spartan الثنائية المحرك من Alenia، والتي تم انتاجها بالتعاون مع شركة ATK للاسلحة الخاصة.
قد تكون قاذفات فئة B-52 الطائرات الاضخم في سلاح الجو الاميركي المستعملة لعمليات الدعم الجوي القريب. خدمت ال B-52 لاكثر من 50 عاما ولا تزال تحدث بحيث يمكنها رماية اسلحة دقيقة مع دقة اكثر من ذي قبل. تتضمن المنصات الجوية المقاتلة الحديثة الاخرى المستعملة على نطاق واسع للدعم الجوي القريب، تتضمن مقاتلات F-16 وF/A-18 وAV-8B Harrier وA-10 وRafale، وTyphoon وTornado.
وفي كل هذه الامثلة، تمثل تلك الطائرات القوة الجوية الافضل في اسلحة الجو العالمية ويمكنها استثمار القدرات الاحدث في مجال الاسلحة ومجسات الاستهداف لتزويد القوات البرية بالدعم الجوي الفوري والدقيق والموضعي الذي تطلبه. في حين ان اسلوب تنفيذ الدعم الجوي قد تبدل بشكل جوهري الا ان المفهوم الاساسي للدعم الجوي للقوات البرية لم تبدل الا قليلا منذ ان ادخل للمرة الاولى من حوالي 100 عام.