قالت صحيفة نيويورك تايمز في تقريرها المعنون « إصابة القوات الاميركية في العراق بغاز أعصاب نادر» الذي كتبه سي جي شيفيرز ان هجوما في 15 أيار/ مايو 2004 كان في بدايته يشبه الكثير من الهجمات. فقد كانت دورية اميركية تسير على الطريق السريع في بغداد من اجل الكشف عن سلامة الطريق لقافلة لاحقة وكان هناك مهاجم أخفى نفسه ينظر الى بقعة محددة وضعتْ فيها عبوة ناسفة سرعان ما إنفجرت حال وصول الدورية الى منطقة القتل، وكان الانفجار صغيرا لكن ثمة شيء يختلف تماما عن الانفجارات المعتادة لقنابل الطرق. وعلى الرغم من ان الجنود لم يعرفوا نوع القنبلة لكنها في الحقيقة كانت قنبلة محورة لم ير مثلها سابقا. فلقد تم تحوير قذيفة مدفعية لتطلق غاز الاعصاب.
والنتيجة كانت إطلاق غاز السارين، ويصف محللون مختصون بالذخائر هذه الحالة بانها الاولى في التاريخ التي يتم فيها استعمال غاز الاعصاب في عبوة ناسفة. واصيب اميركيان اثنان من الفنيين المختصين بالتخلص من الذخائر.
وبعد صدور التقرير جاء احد الجنود المشاركين في حرب العراق وقدم صورا عن الفحص الاولي ونماذج لسائل السارين، ما كشف عن الاسلحة غير الاعتيادية التي تم استعمالها في العراق.
وتقول الصحيفة انه على الرغم مما يرافق استعمال الاسلحة الكيمياوية من تداعيات عاطفية وسياسية إلا ان هذه القنبلة كانت ذات فعالية هامشية. وإنها لم تُطلقْ كقذيفة على وفق تصميمها الاصلي وانها لم تنشر غاز الاعصاب في منطقة واسعة. كذلك فانها لم تقتل اي شخص، لكنها فقط أصابت اثنين ممن حاولا معالجتها من دون ان يرتدوا ملابس واقية واقنعة. وبعد الانفجار تم فتح الطريق السريع بسرعة واستمرت الحرب. واذا حسبنا القذيفة من اسلحة الدمار الشامل فان الاضرار كانت طفيفة.
لكن ما نتحدث عنه لا يهدف الى التقليل من خطورة آثار السارين فقد اصيب احد الخبيرين وهو متقاعد حاليا بآثار ملفتة وخبيثة فهو يشكو جملة امور تتعلق بالجهاز العصبي ومن مشاكل في الذاكرة والتوازن، ولو كان صانع القنبلة قد استعمل قذيفة تقليدية شديدة الانفجار لكان الضرر اشد من استعمال عبوة من السارين.
ويقول كثير من فنيي الذخائر الذين قاموا بمعاينة موقع الهجوم ان من زرع القنبلة التي هي من النوع المستعمل في الثمانينات لم يكن حتى على علم بان القذيفة كانت كيمياوية، ولو كان يعرف ذلك فانه لم يكن يعرف كيف يوسع من انتشار غاز السارين.
ومن الجدير بالذكر أنه حتى لو عرف صانع القنبلة طبيعة ما عنده وما تحتوي عليه فان ذلك ليس بالشيء الجديد، فالقنبلة يمكن ان تكون نسخة اقل كفاءة فنيا من تصميم اميركي اكثر كفاءة في اثناء الحرب الباردة.
ففي خمسينات القرن الماضي قامت الولايات المتحدة بتصميم اللغم الارضي أم 23 الذي كان يحتوي على نحو 10 ارطال من غاز الاعصاب في اكس. وفي الستينات اقترح مختبر تابع لجامعة كورنيل إضافة جهاز دفع الى اللغم بمقدوره دفع حاوية اللغم الى مسافة 65 قدما في الهواء،لترتفع ل وتنفجر وتنشر غاز الأعصاب كما ينتشر الدخان في الهواء. كما اوضح تقرير المختبر انه بالامكان استعمال اللغم ضمن « مصائد المغفلين- قنابل مموهة كأنها العاب اطفال او يتم ربطها بخيط..الخ». وبالتالي فان عبوة السارين المتفجرة في العراق هي نسخة بدائية نسبيا من سلاح فكر بصناعته الغربيون قبل عقود.
وتقول الصحيفة ان الجنود تصوروا انهم تعرضوا الى انفجار قنبلة تقليدية، وهكذا طلبوا فريق التخلص من الذخائر لتنظيف المكان وإزالة الأنقاض. ووصل المختصان ليعثراعلى قذيفة ملقاة على الأسفلت، وراسها مفتوح ومتصدع. وأخطأ الفنيان وتصورا انها قذيفة اعتيادية فحملاها على شاحنة للتخلص منها في وقت لاحق في مكان أكثر أمنا.
ولم يدرك الفنيان طبيعة الخطر المحدق بهما على وفق ما يقول تقرير صدر لاحقا من مجموعة مسح العراق، وهي قوة شكلتها وكالة الاستخبارات المركزية بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. لقد كان الجنديان ينقلان واحدا من اندر اسلحة العراق، انها إنموذج من غاز السارين الثنائي في قذيفة عيار 152 مليمترا وكان انتاجها تجريبيا محدودا في ثمانينات القرن الماضي، والقذيفة نشرت غاز السارين في الشاحنة.
وحانت اللحظة القاتلة حين وضع الفنيان القنبلة على المقعد الخلفي في حين كانا يجلسان على المقاعد الامامية.
والقذائف الكيميائية الثنائية تعمل وفق مبدأ بسيط. فبدلا من أن وضع عنصر كيميائي نشط في خزان داخل سلاح، يتم وضع عنصرين كيمياويين اثنين في عبوات منفصلة يتم تصميمها لتتمزق بعد اطلاق القذيفة. وتختلط المواد الكيميائية في اثناء دوران قذيفة في طيرانها، مكونة عنصر كيمياوي جديد.
والسؤال المحير هو: كم قذيفة تحتوي على الغاز الثنائي موجودة في العراق؟ وقد ادعى العراق في رسالته للامم المحدة عام 1996 انه قام باختبار لتعديل قذائف 152 ملم لاغراض دعائية (تستعمل لتوزيع المنشورات) وتحتوي على الألومنيوم، وربما البلاستيك. وقالت الرسالة ان 27 من هذه القذائف قد تم اطلاقها في اختبارات عبر الرمي.
وتقول وكالة الاستخبارات الاميركية ان نحو 40 قذيفة قد تم تخزينها لمعرفة مقدار التسرب على المدى الطويل في مختبرمؤسسة المثنى الحكومية.
وكان هذا إنموذج من قذيفة نادرة جدا، وغير معلن عنها ابدا. وقد نجح جاك ماك جورج، وهو محلل ذخائر من الأمم المتحدة، في لجنة التحقق والتفتيش، ومجموعة مراقبة ترسانة العراق،في ضم صورة لما كان يعتقد أنها واحدة من القذائف الكيماوية والذخائر البيولوجية كدليل على وجود ذخائر غير تقليدية في العراق.