تعدّ زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى باكستان علامة هامة في العلاقات بين البلدين، خاصة في ضوء زيارة الرئيس فلاديمير بوتين المرتقبة إلى هذا البلد في كانون الأول/ ديسمبر 2014. وإذا ما تسنى إخراج التعاون العسكري التقني مع باكستان من حالة "التجميد"، فسيكون ذلك ورقة إضافية في يد روسيا عند تفاوضها مع الهند حول المشاريع الروسية- الهندية المشتركة، بما فيها المشاريع العسكرية. وفي هذا الصدد، يرى خبراء أن التعاون العسكري التقني مع باكستان لن يؤثر على العلاقات التحالفية بين روسيا والهند.
جتمع وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر، في إسلام آباد، مع نظيره الباكستاني خواجة محمد آصف. وأسفر اللقاء عن توقيع اتفاق أولي للتعاون العسكري- التقني. للوهلة الأولى، تبدو زيارة شويغو خطوة جوابية على تنويع الهند مشترياتها من السلاح، حيث خفضت حصة المعدات العسكرية الروسية في قواتها المسلحة.
أما من وجهة النظر الجيوسياسية، فيمكن تقويم هذا اللقاء كمسعى روسي لإقامة علاقات عملية مع جميع بلدان منطقة المحيط الهادئ الآسيوية، المتنازعة فيما بينها، أي الصين والهند وباكستان على وجه الخصوص. ونظرا لصغر حجم الصفقات مع باكستان، ولعدم رغبة موسكو بإفساد علاقاتها مع شريك كبير كالهند، فإن تنويع التعاون العسكري يبدو ثانويا هنا.
وفي هذا الصدد، يرى خبراء هنود أن التعاون الجديد لن يفسد العلاقات بين الحلفاء القدامى.
وبحسب قول الفريق براكاش كاتوش، عضو مجلس مؤسسة الخدمات المتحدة في الهند فإن بلاده "ستتفهم الاتفاق الروسي-الباكستاني الحالي المتعلق بالدفاع، على أنه قائم على العلاقات العملية التي تدفع إليها العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. لدى الهند علاقات ممتازة مع روسيا وهي ستتدعم أكثر عند لقاء رئيس الوزراء ناريندرا مودي مع الرئيس بوتين الشهر القادم".
إلى ذلك، فإن وصول الزعيم الهندي الجديد، ناريندرا مودي، إلى سدة الحكم يرغم روسيا على إقامة علاقات جديدة مع شريك قديم. وفي هذا السياق، تعدّ خطوتها باتجاه باكستان محاولة منها لحل بضع مهام في آن واحد، منها ما هو تكتيكي، وما هو استراتيجي، وما هو بينهما. ومن مهام "الدائرة القريبة" المحافظة على عائدات التعاون العسكري التقني، ومساعدة الحليف الأقرب، أي الصين. أما على صعيد المهام الاستراتيجية، فتطمح روسيا للعب دور الحَكم في الخلافات الإقليمية التاريخية بين الصين وباكستان والهند.
الجري وراء التقنيات الراقية
يمكن لتكاليف الإنتاج المنخفضة أن تدفع الهندَ لتغدو، بعد الصين، بلدا ذا اقتصاد ضخم. ما يتطلب توفر قاعد تقنيات عالية لا تمتلكها الهند، ولكنها موجودة في البلدان الغربية.
تقيم الهند علاقاتها في إطار إيديولوجيا السوق، مكررةً، كتعويذة سحرية، مقولات "تنويع المشتريات"، و"التقنية بدلا من السلعة"، و"اجتذاب الاستثمارات إلى البلد". يقول رئيس المركز الروسي للدراسات الاستراتيجية والتقنية، رسلان بوخوف، في حديث لصحيفة "فزغلاد"، إن "الجهات المعنية في روسيا اعتادت بيع دلهي كثيراً من المعدات التقنية مقابل غير كثير من المال. أما اليوم، فيَصل نموّ الناتج المحلي الإجمالي في الهند إلى 9% سنويا. وهذا يعني توفرَ الأموال لديها، وتوجهَ الهنود نحو الأوروبيين والأمريكيين".
دفعت الحاجة لامتلاك سلاح عصري من صنع هندي، سلطات هذا البلد إلى رفع عتبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في صناعاتها العسكرية من 24% إلى 49%.
وتعلق القيادة السياسية الهندية الجديدة آمالاً كبيرة على الولايات المتحدة الأمريكية التي ما فتئت تقدم لها الوعود بمقاسمتها التقنيات الحديثة. ولكن واشنطن لا تزال تفضل حل هذه المسألة عبر حلفائها؛ فبمبادرة من جون كيري، جرى لقاء بين رئيس وزراء اليابان ونظيره الهندي. وكانت النتيجة الأهم لزيارة ناريندرا مودي إلى طوكيو أوائل أيلول/سبتمبر، الاتفاق على تنظيم إنتاج جزئي في الهند للطائرات الجو- مائية US-2. ومن الواضح أن اليابان، وبمبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية، قد خففت من قيودها على انتقال التقنيات العسكرية. وعلى الرغم من ذلك، فإن العقد بين الجانبين لا يضمن انتقال التقنيات بشكل كامل. وعلى أية حال، نجح رئيسا الوزراء في التوصل إلى اتفاق حول جملة من المشاريع المدنية، التي تنفذ باستخدام تقنيات راقية، لتطوير البنية التحتية والطرق في الهند.
وإلى جانب البلدان الغربية، تتمتع روسيا بأفضليات تنافسية في التقنيات الراقية لصناعة الطائرات العسكرية والمدنية. ولروسيا مشاريع مشتركة مع الهند أكثر مما للشركاء الغربيين. وبموجب تراخيص روسية، تُصنَع صواريخ "براهموس" ودبابات "تي-90 س"، وطائرات "ميغ- 29 ك" لسفن الأسطول، ومقاتلات من طراز "سو-30م ك إ"، وقذائف للدبابات. وثمة عمل مشترك لتصميم وتصنيع مقاتلة من الجيل الخامس، وحوامة متعددة المهام. ولكي تتمكن روسيا من المنافسة بنجاح في السوق الهندية، لا بد لها من إقامة مزيد من المشاريع المشتركة بين الطرفين مع نقل التقنيات الضرورية لذلك. وهذا من شأنه أن يغدو أرضية ملائمة لمزيد من تنامي العلاقات بين روسيا والهند.
"لطالما كانت روسيا شريكاً موثوقاً للهند، وهي كانت على الدوام تقدم الأسلحة والتقنيات التي كان يرفضها الغرب". ذلك ما يقوله الفريق براكاش كاتوش، عضو مجلس مؤسسة الخدمات المتحدة .
استرايجية جديدة في التعاون التجاري
أصبح موقف الجانب الهندي من صيغ المشتريات انتقائيا للغاية، وابتعد عن استراتيجية "بائع - مشتري سلعة جاهزة".
في هذا الصدد، يقول راهول بونسيل، المحلل في وكالة "مخاطر آسيا" :" ثمة ثلاث مسائل يمكن مقارنتها هنا؛ التقنية، قابلية المشاركة والسعر. لدى روسيا بعض التقنيات التي تمتلك فيها الريادة، وتستطيع منافسة الولايات المتحدة. في الوقت الذي تمتلك الولايات المتحدة الريادة في نواح أخرى. لذلك فإن على الهند أن تختار على أساس الدولة التي ترغب في مشاركتها التقنية، بالإضافة للسعر المطروح. لذلك، يمكن القول إن الهند في موقع "المفاصلة".
جرت، يوم 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، مباحثات بين شركة "فيرتوليوتي روسيي" والجانب الهندي حول إمكانات إنشاء مصنع مشترك في الهند. تنتج شركة "فيرتوليوتي روسيي" القابضة حوامات من طراز "كا-22ب"، و "آن سات"، و"مي-17".
وتصّدر إلى الهند اليوم حوامات من طراز "مي-17". ولكن الولايات المتحدة الأمريكية وحواماتها من طراز "آباتشي" منافس جدي لروسيا. فأمامها فرص واقعية لتصدر إلى الهند 22 حوامة مقاتلة من طراز " AH-64D "آباتشي" من شركة "بوينغ"، يبلغ ثمنها 1.4 مليار دولار. ولذلك، فإن فوز روسيا في الصراع التنافسي مرهون بتقديم عروض لتصميم وإنتاج الحوامات الروسية بالتشارك مع الطرف الهندي.