لقد كانت القضية الرئيسية بشأن البرنامج النووي الإيراني خلال مفاوضات فيينا على المحك للاختيار بين الشرين.
فمن جهة، كان هناك خيار التوصل الى اتفاق سيء والى رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على إيران من دون تجريدها من قدراتها على انتاج السلاح النووي، ولكن في نفس الوقت خلق بيئة من التعاون والحد من التوتر في العلاقات بينها وبين بقية الدول الغربية.
من ناحية أخرى -في حال عدم التوصل الى اتفاق – فإن إيران ستكون قادرة على المضي قدما نحو انتاج أول قنبلة نووية، وعندها قد يقع هجوم عسكري إسرائيلي أو غربي على إيران من شأنه أن يتطور الى تشكيل جبهة من الدول الغربية المتحالفة في مجموعة 5 + 1 باستثناء الصين وروسيا.
ان التوصل الى اتفاق لهو موضع اهتمام جاد من كلا الجانبين. فإيران حريصة على رفع العقوبات التي تضر اقتصادها، الذي تدهور بشكل أكبر خلال الأشهر القليلة الماضية مع انخفاض حاد في أسعار النفط. وتعتمد الميزانية الإيرانية للعام المالي 5/2014 على سعر برميل النفط أكثر مما هو حاليا فقد أخذت الميزانية بعين الاعتبار 140 دولارا سعر البرميل غير ان السعر هبط حاليا الى 80 دولارا فقط للبرميل الواحد. وهذا يعني أن هناك عجزا كبيرا في الميزانية الإيرانية. ملايين الإيرانيين يتطلعون نحو مستقبل أفضل - ولكن إيران بحاجة الى خطوة إضافية صغيرة تقربها من تطوير السلاح النووي.
عندما نتحدث عن "إيران"، فعن ماذا نتحدث في الواقع؟ الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف -كبير المفاوضين الايرانيين في محادثات فيينا، يمثلان التيار المعتدل والإصلاحي في الدولة؟ أما عندما نتحدث عن المتشددين، فهم ممثلين بقادة الحرس الثوري الإيراني ورجال الدين الراديكالي. وبينما يحرص الإصلاحيون على تحسين العلاقات مع الغرب، حتى إذا كان عليهم دفع ثمن ما من باب المساومة على البرنامج النووي، فالمتطرفون لا يثقون بأمريكا، ويعارضون كل ما تطرحه بعناد ويأبون تقديم اي تنازلات. القرار النهائي، في مثل هذه الحالة مسألة بالغة الأهمية من الناحية الاستراتيجية، كما هو الحال دائما، وهو في يد المرشد الأعلى فقط، علي خامنئي.
واجهت إيران عبر طاولة المفاوضات في فندق "كوبيرغ" الكائن، ويا للمفارقة الغريبة، في مجمع في فيينا اسمه "ثيودور هرتزل بلازا"، وزراء خارجية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وسبب سعي قيادة الدول الغربية للتوصل الى اتفاق مع ايران هو محاولة اخماد التوتر وتحسين العلاقات مع إيران، حتى تتمكن الشركات الغربية من استئناف نشاطاتها التجارية في الجمهورية الإسلامية – فهي سوق مربحة. وبطبيعة الحال، فإن اتفاقا كهذا يعفي الرئيس الأمريكي من عبء اتخاذ قرار ما إذا سيلجأ الى القوة العسكرية في حال واصلت ايران التقدم ببرنامجها النووي.
وكما يقال فإن الشيطان يختبئ في التفاصيل، ولكن في الحالة امامنا فإن التفاصيل هي أقل أهمية. والنقاط الخلافية هنا شكلية للغاية:
كم عدد أجهزة الطرد المركزي المسموح لإيران الاحتفاظ – 5 آلاف؟ 6 آلاف؟ 9 آلاف؟ (حاليا، إيران لديها عمليا ما بين 10 - 19 ألف منها تعمل).
أي نوع من أجهزة الطرد المركزي سيتم العمل به؟ القديم أو النماذج الجديدة المصممة من قبل إيران علما بأنها مركبة من عناصر مسروقة من الدول الغربية؟
في ما يتعلق بموقع تخصيب اليورانيوم، هل سيتم تشغيل أجهزة الطرد المركزي في نتانز فقط، أم في منشأة مدينة قم الحصينة كذلك؟
عقبة أخرى، هي الكمية التي سيسمح لإيران بتخصيبها (وعلى أي مستوى) وكم منها سيتم إرساله إلى الخارج (ربما لروسيا) لتحويلها إلى قضبان يورانيوم.
ومن الجدير بالذكر ان تحويل اليورانيوم منخفض التخصيب إلى قضبان، هو أكثر صعوبة في هذه العملية. انها مثل تحويل عجة البيض مرة أخرى إلى البيض الخام. ولكن قبل كل شيء، يتركز السجال حول صياغة مقتضبة لاتفاق حول كيفية ضمان سبل المراقبة الدولية للتحقق من أن إيران لا تخادع، كما فعلت هذا من قبل، حين قامت سرا بإنشاء موقع آخر لتخصيب اليورانيوم لصنع قنبلة نووية - وربما موقع سري كهذا قائم بالفعل.
إيران لديها المعرفة والتكنولوجيا لإنتاج قنبلة، ومع أجهزة الطرد المركزي واليورانيوم الذي سيتوفر لديها، فمن الواضح أنها قد تصل إلى حالة الدولة على اعتاب النووية.
ينبغي على أي اتفاق مع ايران ان يندرج في سؤال واحد: كم من الزمن تبقى لإيران لانتاج قنبلة نووية - سنة واحدة؟ سنتين؟ ثلاث سنوات؟
متابعة نشطة لذلك من جانب إسرائيل، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تعمل بتعاون وثيق وسري على احباط الصفقة. وبالنسبة لهذه البلدان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن اتفاقا سيئا - الذي يبدي الغرب استعداده لقبوله - هو أسوأ من عدم التوصل الى اتفاق على الإطلاق. ولكن يبدو أن هذه الجهود تبدو محدودة، إن لم تفشل. بالتأكيد، دور إسرائيل بقيادة نتنياهو (وعلاقته السيئة مع الرئيس الامريكي باراك اوباما) يقتصر في التأثير على عملية التفاوض.
مع أو بدون اتفاق فإن إيران وإسرائيل ستعودان إلى المربع الأول – الى كيفية التعامل مع إيران التي تبدي مجددا رغبة في القضاء على اسرائيل ومحوها من الخريطة حسب ما قال المرشد الأعلى.
ومرة أخرى، إن الخيارات الإسرائيلية، رغم ما يصدر من تصريحات، تبدو محدودة للغاية. من الناحية النظرية، فإن الهجوم العسكري الإسرائيلي لا يزال مطروحا على الطاولة، ولكن من الناحية العملية، فقد تبخرت الفرصة بعد الخطوة الصغيرة التي اتخذتها القوى الغربية في سعيها لتحقيق الانفراج مع آيات الله.---------------------------
الكاتب : يوسي ميلمان هو محلل أمني واستخباراتي اسرائيلي ومؤلف مشارك لكتاب "جواسيس ضد الأرماغيدون: داخل حروبات اسرائيل السرية، ومدوّن في www.israelspy.com،