[center]"اعبابو؟" حين يرن السؤال في أذني الحبيب الدخير وإدريس منوار، ضابطي الصف السابقين في هذه المدرسة والمقيمين حاليا على بعد خطوات، يستجمعان كل ذكرياتهما، ويقولان بعبارات متشابهة، إن اعبابو كمدير مدرسة عسكرية كان يتقن عمله، ولا يمكن أن تتلقى استحسانا منه إلا إذا كنت فعلا تستحقه، "حين يسافر إلى دولة ما، فإنه لا يعود خاوي الجعبة، بل يجلب معه فكرة جديدة للمدرسة لتطويرها، وهذا ما لم نعشه مع المدير السابق ، لأن اعبابو كان يريد أن تصبح المؤسسة التي يديرها منفردة ولا مثيل لها، وكل من عمل تحت إمرته يجب أن يكون متميزا، لذلك جلب إليها عدة تجهيزات جديدة، وخلق فضاء سماه ساحة الخطر، وهي الساحة التي توجد فيها حبال طرزان. ويجب أن تكون فعلا طرزان لتقفز من حبل وتمسك آخر معلقا في الهواء، وتتنقل بينها كقرد مدرب، علما أن بينها مسافة، وجميع الطلبة يعرفون أن كل من سقط لا يفتح عينيه إلا في المستشفى بفاس، التي تبعد عن هناك بحوالي 60 كيلومترا".
لم تكن المدرسة مكانا لهدر الوقت، بل كل شبر فيها يصلح لشيء، كل فضاء، حتى تلك المخصصة للترفيه تصلح لتلقين فكرة، "كانت هناك قاعات كثيرة، مجهزة بأحسن التجهيزات الإلكترونية، حتى اللغة لا نتعلمها بطريقة تقليدية أي عبر مدرس وحسب، بل كانت هناك سماعات وأدوات تقنية لمزيد من تلقين اللغة الإنجليزية، أما الفرنسية فتلك من أبجديات المدرسة، عدا الأدوات التي نستخدمها في التدريب العسكري، وحتى الأفلام التي كنا نشاهدها، لم تكن ترفيهية مائة بالمائة، كل شيء يصلح لحشو الرأس بمعلومة. وحين جاء اعبابو طور ذلك بشكل مذهل، وأراد أن يصنع من رجال مدرسة اهرمومو ضباطا وضباط صف من نوع خاص، من نوع يحتذى به، خاصة أنه في ذلك الوقت كان التنافس بين مديري المدارس العسكرية محتدما، والأخبار تنقل إلى المركز بسرعة، وربما يعتقد البعض أن الرجل كان يبحث عن مكانة مرموقة في القصر، لكن ظهر أخيرا أنه كان يبحث عن القصر بعينه"، خلاصة شهادات رجلين مازالا يقيمان بالقرب من مركز أحلامهما.
فكر اعبابو في كل شيء، حتى نوعية الأكل التي كان يتلقاها الطلبة في المدرسة تغيرت في عهده، "كانوا يعانون قلة التغذية، إذ لم يكن المدير السابق يعتني بطلبته جيدا، وكمية ونوعية الأكل المقدم غير كافية لبناء أجساد قوية تخضع إلى تدريب قاس، لذلك حين وصل اعبابو ودون أن يتلقى أي شكوى غير كل شيء، وأصبح الطلبة يجدون على موائدهم أكلا جيدا كمية ونوعية، على الأقل حين يعودون من تدريب قاس فإنهم لا يجوعون، وحتى عندما لاحظ اعبابو أن الماء لا يكفي حل المشكلة بخلق آبار جديدة على مقربة من المدرسة، كما جلب نوعية معينة من الأشجار لغرسها، المهم ليس هناك جهاز أو شيء يمكن أن يفيد هذه المؤسسة في تلك الفترة إلا واستعان به".
موقع المدرسة التي فتحها الاستعمار الفرنسي في سفوح جبال وعرة وقاسية المناخ، إستراتيجي، إذ تنفتح على موقع طبيعي تتوفر فيه كل شروط التدريب القاسي، بدءا من السفوح والتلال والجبال التي لا تفارقها ثلوجها حتى في عز الصيف، والوديان والتضاريس الصعبة والسهلة، أي لم يكن مسؤولو المدرسة في حاجة إلى نقل طلبتهم إلى مناطق أخرى لتلقي تدريبات أهم من تلك التي توفرها لهم نوعية التضاريس في المنطقة وعلى بعد خطوات قليلة من المدرسة.
"رغم أن المكان مناسب لكل شيء، سواء داخل أسوار المدرسة التي كانت تتوفر على كل التجهيزات، أو في الفضاء الطبيعي المنفتحة عليه، كان اعبابو ينقلنا إلى حقول رماية في مناطق أخرى، وكنا نتدرب برصاص حي، وهذا هو السؤال الذي كان يطرح علينا باستمرار لماذا استخدمتم الرصاص الحي في التدريب؟ ألم يجعلكم ذلك تشكون في نوايا اعبابو؟ والحقيقة أن السؤال لم يكن واردا بالنسبة إلينا لأننا استخدمناه عدة مرات، وتدربنا به طيلة الوقت، فلو اقتصر الأمر على تجربة واحدة لربما كان السؤال سيطرح، لكنه لم يكن كذلك بما أننا تعودنا استخدماه في عهد اعبابو، الذي فتح لنا خزائن الأسلحة لنستخدمها في كل مرة ونتدرب بشكل جيد كأننا في ساحة حرب حقيقية" يحكي الحبيب، ضابط الصف ومفتش الأسلحة والمسؤول عن صيانتها في عهد اعبابو، وهي المهمة التي قادته سنتين إلى السجن، بعد أن أصلح سلاح ضابط مشارك في المؤامرة.
بالنسبة إلى ضابطي الصف، لم تكن المدرسة لتصل إلى المستوى الذي كانت عليه، لو لم يحمل إليها اعبابو صرامته وشراسته، وكان بالنسبة إلى الجميع مثالا يحتذى، خاصة أن عمره لم يكن يتجاوز آنذاك 36 سنة، ولكن عند اللحظة التي فهما فيها أن اعبابو دبر محاولة انقلاب الصخيرات، أدركا أنه لم يقم بكل هذا المجهود لخير مستقبلهم، ومستقبل بلدهم، بل كان يبحث لنفسه عن موقع أفضل، وكانوا هم درعه البشرية، دون أن يدركوا ذلك.
المدرسة كانت تكون نخبة المشاة و الكوماندوس
http://www.ma-press.com/2012/04/14/الجيش-المغربي-يعود-إلى-اهرمومو-بعد-عق/