تعرض رئيس الوزراء الهندى الجديد ناريندرا مودى لضغوط دعائية ودبلوماسية ومخابراتية غربية على مدى سنوات سابقة على وصوله إلى السلطة. ولكن يبدو أن الهند أدركت أن الوقت قد حان «لترويض» الولايات المتحدة وبريطانيا باستخدام صفقات السلاح التى تعد "جزرة" ضخمة قادرة على أن تزيغ أعين وعقول متخذ القرار فى الدول الغربية.
ومن هذا المنطلق كانت صفقات السلاح ومشاريع الطاقة النووية هى المدخل الأمثل والأسرع لأن تجذب الهند قادة وحكومات الدول الغربية الكبرى وشركاتها إلى نيودلهى لتقديم كل ما لديهم من عروض مغرية وجذابة فى مجال توريد السلاح والخبرات النووية أملا فى عقد صفقات هائلة مع الهند تساعد على دعم اقتصادات دولهم المتأثرة بالأزمة المالية والاقتصادية العالمية.
وكانت الهند قد أنفقت زهاء ٦ مليارات دولار على وارداتها من السلاح عام ٢٠١٣. وأخيرا أشارت الحكومة الهندية إلى أنها مستعدة للسماح لشركات التصنيع بصنع المزيد من المكونات الدفاعية دون تراخيص لتسهل بذلك دخول الشركات الهندية فى مشاركة مع نظيرتها الأجنبية.
ووفق التشريعات الهندية فإن الشركات الدفاعية الأجنبية لايسمح لها بالاستثمار فى مشروع دفاعى بالهند بحصة استثمارية تتعدى ٢٦٪ دون الالتزام بنقل تكنولوجيا تصنيع السلاح. ولكن قبل الإنتخابات الأخيرة سربت مصادر فى حزب بهاراتيا جاناتا الذى ينتمى إليه مودى أنباء عن خطة لرفع النسبة إلى ٤٩٪، وقامت إدارة السياسة الصناعية والترويج الهندية بتوزيع وثيقة «تقترح» السماح بالملكية الأجنبية الكاملة بنسبة ١٠٠٪ لاستثمارات أجنبية مباشرة فى الإنتاج الدفاعى، والسماح بحصة استثمارية لاتتعدى ٧٤٪ فى المشروعات الدفاعية إذا أبدى المستثمر الأجنبى استعدادا لتقديم أسرار تكنولوجيا تصنيع السلاح.
وكانت تلك الإيماءات كفيلة بأن تزيغ أعين وعقول متخذ القرار فى العديد من الدول الغربية الكبرى التى تعمل فى مجال تجارة السلاح. استقبلت العاصمة نيودلهى وزير الخارجية الفرنسى لوران فابيوس الذى ناقش صفقة توريد طائرات مقاتلة فرنسية للهند بمليارات الدولارات واتفاقا حول بناء مفاعلات نووية وفق ما سربته وكالة الأنباء الألمانية. ويتردد أن صفقة بـ١٥ مليار دولار لشراء ١٢٦ مقاتلة فرنسية «رافال»، من إنتاج شركة «داسو أفياسيون» الفرنسية لصناعة الطائرات، قد وصلت للمرحلة الأخيرة من المفاوضات.
وفيما يتعلق بالشق النووى كانت مفاوضات قد بدأت عام ٢٠١٠ بشأن بناء ستة مفاعلات نووية بمعرفة شركة «أريفا» الفرنسية. وجرى تأجيل هذا الإتفاق بعدما قرر الجانبان مراجعة مسائل أمنية فى أعقاب كارثة فوكوشيما النووية باليابان فى مارس ٢٠١١، وترقب فرنسى لمعرفة الآثار المترتبة على القانون الصارم للمسئولية والأضرار النووية الذى مررته الهند عام ٢٠١٠. وقال فابيوس, الذى يعد أول مسئول غربى رفيع المستوى يزور الهند بعد فوز مودي, إن فرنسا اقترحت تقديم وكالة التنمية الفرنسية ضمانات ائتمانية للهند بمليار يورو (١.٤ مليار دولار) على مدى ثلاث سنوات بغرض تمويل مشروعات البنية الأساسية والتوسع الحضرى. وبعد ساعات من اللقاءات الهندية الفرنسية المثمرة وقبل مغادرة فابيوس الهند تلقت الولايات المتحدة لطمة هندية فى ضوء تقارير تحدثت عن التصريح لوكالة الأمن القومى الأمريكية بالتجسس على حزب رئيس الوزراء مودى فى عام ٢٠١٠. وقد ألقى التوتر بظلاله على زيارة كان يقوم بها السناتور الأمريكى جون ماكين للبلاد. فقد اضطر ماكين لإلغاء مؤتمر صحفى كان مقررا أمام وزارة الخارجية الهندية دون تقديم سبب واضح فى الوقت الذى استدعت فيه نيودلهى دبلوماسيا أمريكيا رفيعا وطلبت منه تفسيرا لما جاء بالتقارير وسط تلميحات هندية بضمان عدم تكرار مثل هذه المراقبة. ولم تكن زيارة ماكين تتعلق بشخصه فقط بل انسحبت على مصالح أمريكية فى مجال تصدير السلاح. فماكين هو السناتور الجمهورى عن ولاية أريزونا التى توجد بها مشروعات شركتى بوينج ورايثيون الأكبر فى مجال الصناعات الدفاعية وهو ما كان دافعا لأن يتحدث ماكين فى مجلس الشيوخ الامريكى منذ اسبوعين مطالبا بالتعاون مع الهند اقتصاديا و«عسكريا» فى محاولة غير مباشرة لخدمة مصالح بلاده ومن قبلها مصالح الولاية التى إنتخبته ليمثلها فى الكونجرس. ووفقا للمعلومات الواردة بنشرة جينز الدفاعية فإن الولايات المتحدة تمكنت فى العام الماضى من إزاحة روسيا عن مركز الصدارة فى مجال توريد معدات الدفاع للهند. أما بريطانيا فقد بدأت تتحرك نحو سوق السلاح الهندى فى محاولة للحفاظ على مصالحها. ولم تخف وكالات الأنباء البريطانية إستعدادات وزير الخارجية وليام هيج ووزير المالية جورج أوزبورن لزيارة الهند خلال الشهر الحالي.
وكانت بريطانيا قد ترقبت بطء عملية التفاوض على صفقة الطائرة الفرنسية «رافال» المنافس الأوحد للمقاتلة الأوروبية «تايفون» التى نافست الطائرة الفرنسية قبل أن تعلن الهند تفضيلها الطائرة الفرنسية. ولكن عندما تعقدت المباحثات مع فرنسا بسبب زيادة التكلفة وخلافات حول تصنيع الطائرة بالمشاركة مع شركة هندوستان ايرونوتيكس الهندية التابعة للدولة عاد الأمل إلى لندن واستعدت للعودة إلى السباق. وهكذا استخدمت الهند أدواتها الدفاعية والاقتصادية والدبلوماسية بما يخدم مصالحها التسليحية بالإضافة إلى «ترويض» بعض الدول التى مارست ضغوطا مكثفة على رئيس الوزراء الجديد وعمليات تجسس ضد الحزب الحاكم.