الحاج موسى جبارين يكشف لصحيفة هآرتس كيف نسق مع ياسر عرفات محاولة اغتيال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان
كشف الحاج موسى جبارين (76 عاما) من مدينة ام الفحم العربية في شمال اسرائيل، للكاتب الصحفي في جريدة "هآرتس" العبرية، جاكي خوري، تفاصيل تنشر لأول مرة حول محاولة اغتيال وزير الدفاع الإسرائيلي في سنوات الستينيات، موشيه دايان.
ويستعيد الحاج موسى جبارين ذكرياته فيقول انه كان ينتابه شعور بالبهجة وعدم اليقين حين وقف امام مدخل مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في غزة، قادما للقائه بعد ان طال غياب الرجلين عن بعضهما.
في تلك الايام، لم تكن قد مرت سوى ثلاثة شهور منذ وصول عرفات رسميا الى قطاع غزة عقب توقيع اتفاقات اوسلو. والحاج موسى جبارين الذي كان يبلغ آنذاك الـ 57 من عمره، يتابع فيقول انه وصل من مدينته أم الفحم الى قطاع غزة مباشرة دون دعوة رسمية او تنسيق مسبق مع مقر عرفات.
ولم يكترث الحارس لطلب جبارين بمقابلة عرفات، بل وبخه ثم ابلغه بـ"أن الرئيس غير موجود"، في إشارة منه الى ان يغادر الضيف المكان فورا. الا ان جبارين أصر على مقابلة الرئيس قائلا "اعلم انه هنا، سيارته الرسمية مركونة هنا، اتصل بالمكتب وابلغهم برغبتي بمقابلته". توعد الحارس الضيف العنيد بالاعتقال في حال لم يغادر المكان فكان رد الحاج جبارين بكل اصرار انه اذا اقدم الحارس على اعتقاله، فسيجلب على نفسه مشاكل هو بغنى عنها، مؤكدا على عدم تنازله عن ملاقاة عرفات.
وفي نهاية المطاف استسلم الحارس، واتصل بالمكتب الرئاسي، جاء الرد من الجانب الآخر "ليدخل حالا". وكان عرفات (أبو عمار) بانتظار جبارين في مدخل المكتب وتعانقا طويلا، حتى اغرورقت عينا الاثنين. فآخر لقاء سري جمع بين الاثنين كان قبل 26 عاما بين عامي 1967 و 1968. في حينه لم يكن عرفات الزعيم الاول للحركة الوطنية الفلسطينية، وجبارين حاله كحال عشرات الشباب الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، أراد الالتحاق بركب النضال الوطني بعد "هزيمة" عام 1967 وخيبة الأمل الكبيرة والمريرة من القادة العرب.
جبارين الذي ورث لقب "عزارئيل" من ابيه الذي شارك في الحرب ضد اليهود في العام 1948، وكان قناصا ماهرا، قال ان ياسر عرفات وجد في الفلسطينيين من مواطني إسرائيل "رأس حربة في الكفاح المسلح ضد اليهود". وقال جبارين (عزرائيل) "كانت وظيفتي ان اتتبع وزير دفاع إسرائيل موشيه ديان حتى يتسنى لنا اغتياله، ومن خلال تتبعه استطعنا تحديد المكان الملائم لتنفيذ الاغتيال".
ويشير جبارين "انه بعد هذه العملية التي استغرقت عدة اشهر من المراقبة والتتبع، انكشف امرنا، وساورتنا الشكوك بأن احد افراد الخلية التي شكلناها خصيصا لتنفيذ هذه العملية قد وشى بنا، ثم تحقق لاحقا امر الوشاية، وربما حصل الواشي على مكافأة بأن تم توظيفه معلما او مديرا لإحدى المدارس لقاء هذه الخدمة، أتدري .. كل وظيفة حكومية مهما كانت تافهة في حينه، كان الحاصل عليها يرى فيها إنجازا عظيما في تلك الأيام. اما انا فكنت اعتبر ذلك خيانة".
في 8 أكتوبر 1968 تم اعتقال جبارين في تل أبيب وتم اقتياده للاستجواب. وعن ذلك يقول: "وضعوني في زنزانة في سجن الجلمة شرق حيفا. استجوبوني لعدة أسابيع. وكان التحقيق باللغة العربية، أحد المحققين كان من أصل يمني. اتهموني بتهريب الأسلحة والمشاركة في تنظيم غير مشروع. حوكمت أمام محكمة عسكرية وتم سجني لمدة أربع سنوات بتهمة التخطيط لاغتيال موشيه ديان".
وتابع جبارين: "كانوا يعرفون أن هناك خطة لاغتيال ديان، ولكنهم فضلوا إبقاء الأمر مخفيا والا يخرج الى الملأ، لم يرغبوا ان يعلم الجميع ان الفدائيين بلغوا تل ابيب، وانهم يلاحقون وزير دفاع إسرائيل".
وفقا لشهادة جبارين، كان عرفات في ذلك الوقت يقيم في عمان. وقال انه علم بخبر الاعتقال في أعقاب خبر بثته إذاعة صوت فلسطين. وجمع عرفات مبلغ وقدره 41 ألف دينار اردني لتمويل الدفاع القانوني عن المعتقلين. كل المال، والنقود المعدنية، كانت مخبأة في وسادة. والرجل الذي حاول نقل النقود من الأردن تم اعتقاله عندما حاول عبور الحدود الى إسرائيل، وبالتالي فلم تصل النقود الى عائلته، وأطلق سراح جبارين بعد أربع سنوات.
كانت هذه السنوات الحرجة بالنسبة لعرفات. في سبتمبر عام 1970، وقعت صدامات بين الفصائل الفلسطينية والجيش الأردني، وسلسلة من الأحداث عرفت باسم "أيلول الأسود"، ادت في نهاية المطاف الى مغادرة القيادة الفلسطينية الى سوريا ولبنان. هذه الاحداث تعتبر مفصلية في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية.
ويختتم الحاج موسى جبارين قائلا: "بالنسبة لي، عرفات ما زال الزعيم والقائد العام للثورة الوطنية الفلسطينية. لن أنسى ذلك أبدا طالما بقيت على قيد الحياة. اعترف العالم بأنه ثوري، وقالت عنه إسرائيل انه إرهابي، شهد له شعبه انه قائد عظيم ويحمل شعلة الثورة، ان أبو عمار بالنسبة له أولا وقبل كل شيء أخ وصديق".