قد تستمر فرنسا في المعاناة من الازمة الاقتصادية العاصفة في مختلف الانحاء وحتى في الدول المنضوية الى الوحدة الاوروبية، لكنها تُبقي على القوى الدفاعية والعملانية الأضخم في اوروبا، اذ لا يزال قطاع الصناعة الدفاعية فيها رائداً عالمياً في ميادين عديدة مثل الطيران، النظم الالكترونية، الفضاء والصواريخ. وتعد فرنسا ايضاً، قوة بحرية اساسية على المستوى الاوروبي، بحيث ترابط سفنها في فرنسا وفي مناطق عديدة من العالم بما فيها الشرق الاوسط، افريقيا، وجزر البحر الكاريبي وجنوبي المحيط الهادىء.
في صلب القوات البحرية الفرنسية لا نستطيع الا ان نذكر الذراع الجوية البحرية القوية جدا والمعروفة تحت اسم "Aeronavale"، التي تشغل اسطولاً مختلطاً من الطائرات الثابتة الجناح والطوّافات من قواعد برية وسفناً حربية مجهزة بسطوح انطلاق وهبوط للطائرات او الطوافات، يتراوح بين سفن الدورية الساحلية والفرقاطات وبين حاملة الطائرات ذات الدفع النووي والسفن الهجومية التي تستوعب الطوافات.
تحافظ فرنسا ايضا على طائرة دورية ذات دفع توربيني عاملة من قواعد برية، يمكنها تأمين مراقبة بعيدة المدى للمحيط مع قدرات مضادة لسفن السطح والغواصات بالاضافة الى قدرات البحث والانقاذ. تعاني ال Aeronavale، كما هي الحال مع اكثرية بحريات دول حلف شمال الاطلسي، من التخفيض الذي طال الميزانيات، لكنها وضعت في مرتبة عالية من سلم اولوياتها قدرتها على نشر قوات على درجة جيدة من التوازن ومتمتعة بالقوة وبسفن متخصّصة، الامر الذي يؤمن القدرة على ارسال قوة صغيرة ذات مهمة محددة الى مناطق تتطلب فيها الحاجة القتالية قدرة جوية مستقلة تعمل من على بعد آمن.
ظهر الامر خلال العمليات في ليبيا عندما تمكنت حاملة الطائرات Charles de Gaulle من تنفيذ الدوريات بعيداً عن الشاطىء وبعيداً عن البصر وارسال طائرات الهجوم والمراقبة للرد على طلبات القوى البرية لتأمين الدعم الجوي الفوري لها. وخلال فترة العمليات في ليبيا، تم الحفاظ على جهوزية وعملانية الدوريات الجوية بشكل مستمر وتلبية طلب المقاتلين البحريين. وقد أمنت تلك الدوريات المستمرة تفوقاً جوياً محلياً، وحماية للقوات البرية والسفن الصديقة، مما سمح بتنفيذ الطلعات الجوية الهجومية في جو غير متنازع عليه.
اتاح ايضا استعمال الاسلحة الهجومية الدقيقة التوجيه مهاجمة الاهداف المؤكدة دون خطر على الطائرة التي تطلقها. وسمحت التغطية الممتازة للطوافات المهاجمة ان تؤمن دعماً نارياً قريباً على مستوى منخفض دون خوف من اعتراض جوي محتمل.
تؤمن طائرة القيادة والسيطرة من نوع E-2C Hawkeye التي تنتجها Northrop Grumman والعاملة من على حاملات طائرات، انذاراً جوياً مبكراً والقدرة على العمل كمركز قيادة طائر لتنسيق عمليات القوات الجوية، البحرية والبرية ولتوجيه طائرات البحرية في كل الطلعات الجوية الدفاعية والهجومية.
يغطي امتلاك القدرة على تغيير المراكز الدائم. لحاملة الطائرات منافع عدة في ما يتعلق بالمرونة في الانتشار والقدرة على الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الموجهة عليها مع الحفاظ على بعدها عن الاستهداف، كما ويتحقق بذلك السماح للعمليات الجوية ان تستمر بغض النظر عن تهديدات السطح او البحر، في حين ان الدفاع عن مدرج تقليدي يقتضي عدة مستويات من الاجراءات الدفاعية المحلية وطرق اعادة تموين تحت التهديد.
تعد حاملة الطائرات قائمة بذاتها معها طائراتها. وتشمل المجموعة الجوية افراد الطواقم وقطع الغيار، وتجهيزات الصيانة والاصلاح المتخصصة والاسلحة، ومقدرات العيش.
تعتبر صيانة حاملة طائرات مكلفة جدا، وتُبقي فرنسا على حاملة طائرات ثابتة الجناح واحدة. استغرقت فترة اعادة تأهيل حاملة الطائرات Charles de Gaulle في Toulon ستة اشهر لتنجز. احتاجت هذه العملية 1000 عنصر عملوا طوال حوالي مليون ساعة عمل. شملت اعادة الطلاء واعادة تجهيز السفينة بمعدات تغذية جديدة.
ونظم اتصالات حديثة بالاضافة الى تحديث عدة نظم على متنها. بالرغم من ان الحاملة Charles de Gaulle تنقل على متنها عناصرها الخاصة للدفاع الجوي الا انها تحمل ايضا صواريخ Aster من انتاج MBDA التي تطلق عموديا من نوع سطح - جو المضادة للطائرات والصواريخ للدفاع الذاتي القريب وعادة ما تواكب الحاملة سفن حربية اخرى تؤمن لها الحماية الخارجية ضد الطائرات والصواريخ او الغواصات.
دون ادنى شك تعد المقاتلة المتعددة الادوار Rafale منDassault العمود الفقري لسلاح جو البحرية الفرنسي. تخدم هذه المقاتلة على متن الحاملة Charles de Gaulle وانطلاقا ايضا من قواعد برية. دخلت Rafale الخدمة في العام 2006 ويتم منذ ذلك الحين تحديث قدرتها العملانية بشكل منتظم عبر ادخال نظم واسلحة حديثة عليها. تهدف هذه العملية الى ضمان احتمال تمتع كل طائرات Rafale التي ستكون قيد الخدمة بمعيار مشترك بحيث انه حتى الطائرات الاولى التي تم تسليمها ستجهز بالتجهيزات والنظم المدمجة ذاتها المعتمدة للطائرات المنتجة حاليا، مما يتيح الاقتصاد في تكاليف عمليات الدعم والصيانة. والتدريب المتخصص. كما انه يمكن كذلك تعزيز مخزون قطع الغيار. هذا، وسيتم تحديث كل مقاتلات Rafale القديمة بعد ان تسلم الطائرات الجديدة الى اسرابها.
يتم الان انتاج كل طائرات Rafale مجهزة برادار المسح الالكتروني النشط من نوع RBE-2 من Thales. والذي يؤمن تقدما واداء محسنا هاما مقارنة مع الرادارات الاخرى التقليدية المتعددة الانساق. يمكن لهذا الرادار تحديد عدد هائل من الاهداف الثابتة والمتحركة في الجو وعلى البحر وتعقبها، كما يؤمن بشكل متزامن معلومات ملاحية ومتعلقة بتلافي الاخطار مع وظائف اوتوماتية اخرى عديدة. علي سبيل المثال، يمكن للرادار ان يؤمن للطائرة تماشيا اوتوماتيا للاراضي المنخفضة، ليلا نهارا، مع سرعة تعقب ايضا الاهداف، معطيا الاولويات ومطلقا الاسلحة كما هو مطلوب في دور الدفاع الجوي، في الدفاع الذاتي، بالاضافة الى نظم حرب الكترونية متطورة في نسق الهجوم، يمكن اطلاق الصواريخ التي تطلق عن بعد آمن وقنابل الاستهداف الدقيق خلال المهمة ذاتها. تؤمن مجموعة الدفاع الذاتي الالكترونية Spectra التي تنتجها Thales ايضا، الحماية ضد التهديدات الليزرية والكهرمغناطيسية والعاملة بالاشعة تحت الحمراء مع عمليات رد مؤتمتة بحسب المعلومات التي يقدمها المستشعر. تدمج معلومات المستشعر بشكل جيد ويمكن للنظام استخدام الاجراءات المضادة الاكثر تناسبا مع الوضع. لا يؤثر تصميم الاجراءات الالكترونية المضادة على البصمة الرادارية المنخفضة لمقاتلة Rafale. واذا نظرنا الى الطائرة بشكل شامل فان قدرتها العملانية في نموذجها الاحدث هي قريبة الان للجيل الخامس من الطائرات النفاثة المقاتلة، مقارنة مع وضعها كجيل رابع عندما دخلت الخدمة في العام 2006.
تؤمن Thales أيضاً حاضن الاستهداف Damocles.
تتضمن الاسلحة التي تستخدمها مقاتلة Rafale، من جهتها، صاروخ Scalp من انتاج MBDA بامكانه تدمير الاهداف المدعمة مع دقة بالغة حتى عند اطلاقه من مدى بعيد آمن. تحمل المقاتلة سلاحاً هجومياً اخر عالي النجاح وهو الصاروخ الدقيق Hammer من انتاج Sagem يمكن حمله على قاذفات سلاح ثلاثية يحملها عمود واحد يركب تحت الجناح. ستحمل كل طائرة Rafale عادة ستة اسلحة من نوع AASM Hammer بالاضافة الى صواريخ جو - جو.
حالياً، يعتبر صاروخ Mica من MBDA صاروخ جو - جو نموذجي لسلاح جو البحرية، وهو مجهز بباحث ثنائي الانساق ورادار بالاشعة تحت الحمراء، ويمكن استعمال الصاروخ في كل من حالات القتال القريب او ضد اهداف تتواجد في وراء خط مدى النظر (Beyond Visual Range BVR) وهذا الصاروخ ذو مقاومة حالية للتشويش ويمكن استعماله في نمط مع البحث والتعقب الكهربصرية، والعاملة بالاشعة تحت الحمراء المدمجة الخاصة بمقاتلة Rafale.
اما صاروخ Meteor من الجيل المقبل العامل لما وراء مدى البصر (BVR) من انتاج MBDA العالي السرعة وذو الدفع النفاث الضغاطي فسيعطي مقاتلة Rafale قدرة دفاع جوي موسعة اكثر بكثير مما يتيح تنفيذ مهمات الاعتراض والتدمير من مدى ابعد وأكثر امناً. بالرغم من ان البحرية الفرنسية تنوي تدعيم اسطولها الجوي المقاتل بطائرات Rafale الا انها لا تزال تشغل سرباً من طائرات Super Etendard. تطير تلك الطائرات الى جانب ال Rafale من على متن الحاملة Charles de Gaulle ويمكنها القيام بعمليات اعادة تزويد الطائرات الصديقة بالوقود اثناء الطيران من خلال حواضن خاصة لاعادة التزود بالوقود جداً والمعلقة تحت الأجنحة، كما وتنفذ مهمات الاستطلاع والدفاع الجوي مستخدمة الصاروخ جو - جو R-550 Magic.
بالاضافة الى المهمات الهجومية الاخرى، ان طائرة Super Etendard هي ذات سرعة تحت صوتية. وكل الطائرات Super Etendard سيتم استبدالها في السنوات القليلة المقبلة.
لم تضطلع شركة DCNS الفرنسية باعادة تأهيل الحاملة Charles de Gaulle فحسب، بل سفن الهجوم من نوع LHD من فئة Mistral، التي دخلت اثنتان منها الخدمة والمجهزة بسطح طيران مسطح لتشغيل 16 طوافة متوسطة الحجم. يعد سلاح جو البحرية 30 طوافة Panther 565 من انتاج Eurocopter وطوافات من نوع EC 225 واسطولاً من 27 طوافة NH90 على متن الفرقاطات والمدمرات. كانت طوافة Lynx Agusta Westland الطوافة الاساسية المضادة للغواصات العاملة من على متون السفن الصغيرة على امتداد عقود ثلاثة، الا انه يتم استبدال هذا الاسطول بطوافات NH90.
تقوم البحرية الفرنسية بتطوير اسطولها من سفن السطح ب 11 فرقاطة متعددة الادوار من فئة FREMM التي تشغل طوافات NH90.
هناك اسطول قوي مؤلف من 20 طائرة دورية بحرية من نوع Atlantique ATL2 تخدم في سربين بحريين على البر. سيتم اعادة بناء 15 من تلك الطائرات وفق معيار جديد بحيث ستعزز بنظام مهمة متعدد الادوار فتقدم مدمج، من انتاج Thales متضمناً مستشعرات جديدة تؤمن تعقباً، دقيقاً لأهداف السطح في كل الظروف المناخية وقدرة حرب مضادة للغواصات وحسب، ايضاً بل دوراً شبكياً للاستعلام والمراقبة والاستطلاع، مع نظم شاشات عرض جديدة خاصة بالمشغل تعمل باللمس، مع حجرة طيار رقمية جديدة بالكامل.
سيحسن برنامج التحديث قدرة طائرات ATL2 على التعامل مع التهديدات الجديدة والناشئة في كل الظروف المناخية في ادوار الردع الاستراتيجي وفي الصراعات الاتناسقية التي قد تستخدم فيها الغواصات الصامتة والخفية، والسفن العالية السرعة والعربات البرية، الخ... وستجهز الطائرة لتبقى في الخدمة العملانية لما بعد العام 2030.
تقود البرنامج شركتا Dassault Aviation وThales بالشراكة مع DCNS وعاملة مع SIAé. ستكون Dassault Aviation مسؤولة عن دمج النظم الثانوية وتحويل نموذج طائرة اولي لاختبار الطيران. كما ستطور النظام الاساسي بما في ذلك نظام المهمة LOTI2 الذي طورته اساسا DCNS. اما Thales، من جهتها فستطور النظام الثانوي IFF3 الراداري والنظام الثانوي في الجيل الاحدث للمعالجة السمعية الرقمية (STAN). سيستفيد الرادار من التكنولوجيات الاحدث المعتمدة على تلك المطورة لصالح Rafale. وسيعالج النظام الثانوي STAN الاشارات المرسلة من كل الطافيات الصوتية الحالية والمستقبلية، بحيث يكشف الاهداف على نطاق ترددي اوسع ويجعل من الممكن مواجهة انواع جديدة من التهديدات.
سوف تطور DCNS برمجية LOTI، وسترسم صورة تكتية شاملة تعتمد على بيانات من مستشعرات عدة، وتدمير نشر الطوربيد والصواريخ والاسلحة الاخرى. يتيح هذا النظام التعاوني لعدة مشغلين بردات فعل في الوقت نفسه. اما شركة SIAé فمسؤوليتها تكمن في تطوير كونصولات العرض التكتية المحدثة وادارة عمليات تحديث الطائرات كاملة.
تعمل طائرات Falcon 50 وFalcon 200 كطائرات دورية بحرية الى جانب طائرات Atlantique الاضخم. يشغل سلاح جو البحرية اسطولا مختلطا من طائرات التدريب والاتصالات بما فيها طائرات Falcon 10 من Dassault وXingus وSR20 وSR22 من Embraer وطائرات Dauphin.
تتواجد البحرية الفرنسية وسلاح جوها على مستوى عالمي وهي ناشطة في دعم العمليات المضادة للتهريب والقرصنة والارهاب في المحيط الهندي والبحر الاحمر. وهي واسعة الانتشار من الكاراييبي الى جنوبي المحيط الهادئ مع قواعد خارج فرنسا في دجيبوتي، دكار، غوايانا الفرنسية، المارتينيك، ابوظبي وتاهيتي. بالاضافة الى سلاحها الجوي واسطولها من سفن السطح القويين. تستمر البحرية الفرنسية بتشغيل اربع غواصات قاذفة للصواريخ البالستية، ونووية الدفع.