المدفعية artillery صنف رئيسي من صنوف القوات يملك الوسائل النارية التدميرية الأساسية المعدة لدعم أعمال قتال الصنوف الأخرى بنيرانها. ومصطلح المدفعية يشمل المدافع وقواعد إطلاق القذائف الصاروخية الموجهة من مختلف الأنواع والحجوم والعيارات، إلى جانب القوات المتخصصة باستخدام هذه الأسلحة. والسلاح المدفعي أو قطعة المدفعية artillery piece سلاح أكبر وأثقل بكثير من أن يُصنَّف سلاحاً صغيراً أو خفيفاً. ويختلف الحد الأدنى للحجم والعيار باختلاف تسليح القوات المعنية، لكن المصطلح يطلق عموما على أي مدفع أو قاذف يستخدم ذخيرة يزيد عيارها على 25.4مم (1 بوصة) وغير مخصص للرمي يدوياً أو من الكتف.
لمحة تاريخية :
عدت المدفعية من حيث مفهومها العام، ومنذ أن وجدت «إلهة الحرب» لقوتها النارية الكبيرة وتأثيرها الفعّال على أهدافها. وكانت القذائف المُحرقة تُقذف قديماً بالمنجنيق إلى مسافات محدودة إلى أن اخترع البارود[ر] وطُورِّت وسائط القذف. ويتفق معظم المؤرخين على أن اختراع البارود كان على يد الصينيين، وأنهم استخدموه أول الأمر في الألعاب النارية. كما استخدم البارود في نوع من الصواريخ والمقذوفات والشهب النارية منذ القرن السابع (القرن الثالث عشر الميلادي). ومن المؤرخين من يعطي العرب دوراً أساسياً في تطوير البارود واستخدامه في الأسلحة النارية، ولا شك في أنه انتقل إلى أوربا عن طريق المغرب والأندلس، وعن طريق الحروب الصليبية في أواخر ذلك القرن. وهناك مخطوطات عربية تفيد أن عرب الأندلس استخدموا المدافع منذ أوائل القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي). وقد سبقت المدافع الأسلحة النارية الأخرى إلى تسليح القوات المتحاربة.
ومع تطور وسائل التعدين وتزايد الاعتماد على الأسلحة النارية ظهر نوعان من المدافع الأساسية؛ الأول مركب على عجلة لها دواليب لمرافقة الجيوش في الميدان، والثاني ثقيل جداً ولا يرمي إلا من على قاعدة ثابتة، ويُستخدم أساساً لدك الحصون والأسوار. وقد أطلق على هذين النوعين من المدافع فيما بعد اسم مدفعية الميدان. وكان أول استخدام فعال لمدفعية الميدان وبكثافة في حرب المئة عام (1337-1453). ويُعد ملك فرنسا شارل السابع أول من نظم إدارة خاصة بالمدفعية في الجيش يرأسها «كبير المدفعيين» master of artillery. وكان للمدفعية العثمانية دور كبير في سقوط القسطنطينية وإنهاء الامبراطورية البيزنطية على يد السلطان العثماني محمد الثاني سنة 1453م.
المدفع :
كانت المدافع في بادئ الأمر تصنع من النحاس أو البرونز، ثم صارت من الحديد الصب. وكانت تتألف أساساً من أنبوب معدني مجوف ومفتوح من الفوهة فقط، ويشبه البرميل الأسطواني التقليدي في تلك الأزمنة، وإليه تنسب تسمية السبطانة بالإنكليزية barrel. أما التسمية العربية للسبطانة (الماسورة) فتعني قناة مجوفة من قصب كانت تستعمل لرمي البندق. وكانت قذائف المدافع مجرد كرات من الحجارة أو من الحديد تلقّم في المدفع من فوهته بعد وضع شحنة كافية من البارود، ثم صارت تصنع من قذيفة مجوفة تملأ بكريات صغيرة أو قطع معدنية وتنفجر في الهواء أو عند اصطدامها بالأرض، وكان تأثيرها شديداً في الفرسان والمشاة المكشوفة.
في القرن السابع عشر للميلاد طرأ تطور كبير على استخدام المدفعية بوضع أنظمة الرمي وتوحيد مواصفات المدافع والقذائف والتدريب. ويعد البلجيكيون (الفلمنغ) والألمان خاصة أصحاب اليد الطولى في تطوير صناعة المدافع وتحسين مواصفاتها حتى غدت سلاحاً فعالاً يملك قوة تدميرية شديدة. وتحول استخدام المدافع والقذائف إلى علم قائم بذاته منذ القرن التاسع عشر يدعى «القِذافة» أو علم المقذوفات ballistics، ومايزال في تطور إلى اليوم.
تنوعت المدافع بحسب أهدافها واستخداماتها وأنواع قذائفها، ورُكِّبت على عجلات، وصارت تلقم من مؤخرتها عن طريق كتلة المغلاق، وأضيف إليها المغلاق وموانع الارتداد ومواسك الفوهة، وأدخلت الحلزنة على قناة السبطانة لإحكام ضغط غازات البارود خلف القذيفة، زيادة في المدى. وعدل شكل القذيفة وبنيتها ونوعية الحشوة المتفجرة لتناسب الغرض منها، فصارت أسطوانية متطاولة ذات نطاقات إحكام من المعدن الطري لإحكام الضغط وتسهيل دوران القذيفة داخل السبطانة لتحافظ على توازنها في الهواء. وزودت القذيفة بصمامة متفجرة موقوتة أو تصادمية تنفجر عند الهدف، وتنوعت أشكالها ومبادئ عملها واستخداماتها بحسب الغاية منها. وصُنِّفت المدافع في أنواع ثلاثة هي:
الهاونات " المورتر "
القذّافات
المدافع.
وزيد في تخصصها فظهرت المدفعية المضادة للدبابات والمضادة للطائرات ومدافع الاقتحام ومدافع التخريب ومدفعية السفن ومدافع الطائرات، إضافة إلى المدفعية الصاروخية.
استخدمت الهاونات والأسلحة المضادة للدبابات والمدفعية الصاروخية إبان الحرب العالمية الثانية على نطاق واسع، وفي نهاية تلك الحرب وما بعدها ظهرت الصواريخ أرض ـ أرض التي أخذت على عاتقها تنفيذ مهام المدفعية لمسافات بعيدة تجاوزت مدى المدافع.
الوظيفة العامة للمدفعية وخصائصها القتالية
تعد المدفعية القوة النارية الضاربة الأساسية للقوات البرية، وهي قادرة على التأثير في مختلف الأهداف المكشوفة والملتجئة (ضمن مساتر)، وكذلك الأهداف الثابتة والمتحركة، الأرضية والعائمة، المرئية (المرصودة) وغير المرئية.
يُحدد دور المدفعية ومكانها في المعركة المشتركة الحديثة استناداً إلى المهام التي تنفذها، وهي مرهونة أساساً بمواصفاتها وخواصها القتالية، التي تتلخص في سرعة الرمي المقدّرة بعدد الطلقات التي يطلقها المدفع في الدقيقة الواحدة، ومدى الرمي الكبير، والقوة النارية، والمرونة في المناورة بالنيران ونقل الرمي من هدف إلى آخر وتركيزها، مع دقة الإصابة، إضافة إلى القدرة الكبيرة على التنقل والمناورة في حقل المعركة، وتنوع التأثير في الأهداف وطول مدته، وتنسيق نيران المدفعية ومناورتها مع وحدات الصنوف الأخرى وقطعاتها، ودعمها نارياً في أي وقت وفي جميع أحوال الطقس.
مبادئ استخدام المدفعيةتستخدم الكتلة الأساسية من المدفعية ونيرانها على الاتجاهات الأكثر أهمية في ميدان القتال، وهي قادرة على فتح رمايات فورية وفعّالة على أهم الأهداف المعادية، وتقديم الدعم الناري للقوات العاملة في الميدان والتعاون معها ومع الطيران ونيران الأسطول البحري.تصنيف المدفعية1ـ بحسب المهام ونوع العتاد: تصنف المدفعية على أساس المهام التي تكلف بها ونوعية الوسائط التي تستخدمها، ولمّا كان من المتعذر تنفيذ تلك المهام بنوع واحد من المدافع وبنوع واحد من الذخيرة فقد صُنفت المدافع في أنواع رئيسية لكل منها خصائصه وميزاته الفنية:
أ- العتاد ذو السبطانة المحلزنة ويقسم إلى:
- المدافع: وتتميز بسبطانات طويلة، ورمي متوتر (محرك القذيفة شبه مستقيم) أو رمي سابح (مِحرَك القذيفة شبه منحنٍ)، وسرعة ابتدائية كبيرة للقذيفة تراوح بين 600-1000م/ثا للمدافع المضادة للدبابات والطائرات ومدافع الميدان الكبيرة العيار، ومدى رمي كبير. أما عيار المدفع (قطر الجف) فيراوح بين 37-155مم.
- القذّافات: وتتميز بسبطانات قصيرة، ترمي رمياً منحنياً (مِحرَك القذيفة منحنٍ)، السرعة الابتدائية للقذيفة غير كبيرة (تراوح بين 100- 600م/ثا)، ومدى الرمي صغير نسبياً.
- المدافع القذَّافة: وهي مدافع تجمع بين خصائص المدافع الطويلة والقذَّافات من حيث شكل محرك القذيفة والمدى والسرعة الابتدائية.
ب - العتاد ذو السبطانة الملساء:
- الهاون: ويتميز بجف أملس، وسبطانة قليلة السماكة، خفيف الوزن نسبياً، سهل الصنع والاستعمال. مِحرَك قذائفه منحنٍ، وسرعتها الابتدائية قليلة. يستخدم الهاون للرمي على الأهداف غير المرصودة، والموجودة خلف المساتر كالأودية والخنادق وغيرها.
وتراوح عيارات الهاونات بين 61مم (في تسليح جماعات المشاة) و240مم للهاونات الثقيلة.
- المدافع عديمة الارتداد: وهي عادة مدافع ملساء السبطانة ونادراً ما تكون محلزنة السبطانات، خفيفة الوزن ترمي قذائف صاروخية، وتستخدم في الرمي المباشر للصراع ضد الدبابات والأهداف المدرعة، وتجمعات المشاة المكشوفة.
ج- المدفعية الصاروخية:
وهي نوع من المدفعية يعمل وفق مبدأ الدفع الارتكاسي النفاث (الفعل ورد الفعل). وتتميز غالباً بتعدد سبطانات القذف. وهذا النوع من المدفعية سريع المناورة، غزير النيران، كبير مدى الرمي، ويعتمد على مساحة التناثر الكبيرة في التدمير لقلة دقة الإصابة.
2- بحسب العيار والقدرة النارية:
- مدفعية صغيرة العيار (أقل من 80 مم).
- مدفعية خفيفة العيار (81-122مم).
- مدفعية كبيرة العيار (ثقيلة) (122-155مم).
- مدفعية من عيارات استثنائية (أكبر من 155مم).
3- بحسب الغاية المخصصة لها:
- مدفعية ميدان: تعمل لمصلحة القوات البرية في ميدان المعركة.
- مدفعية ساحلية: تستخدم لحماية السواحل ضد القطع البحرية والإنزالات البحرية المعادية، وتعمل غالباً من مرابض وقواعد ثابتة.
- مدفعية بحرية: وهي المدفعية المحمولة أو المركبة على سفن السطح والمراكب البحرية.
- مدفعية مضادة للطائرات: وهي مخصصة أساساً للرمي على الأهداف الجوية، ومزودة بالعتاد المناسب لإدارة الرمي وكشف الأهداف وتمييزها، وغالباً ما تكون ذاتية الحركة ومؤتمتة.
- مدفعية مضادة للدبابات: هي مخصصة أساساً للصراع مع الأهداف المدرعة.قذائف المدفعية: تختلف قذائف المدفعية وعياراتها ومبادئ عملها باختلاف الغاية منها وهي نوعان:
- القذائف الأساسية:
وأهمها :
القذائف المتفجرة المتشظية، وتستخدم للتأثير في القوى الحية والوسائط النارية المكشوفة أو ضمن المساتر الخفيفة.
القذائف الشديدة الانفجار وتستخدم لتخريب المنشآت الدفاعية وتدمير القوات الملتجئة فيها.
القذائف الخارقة للدرع وهي على أنواع: فمنها القذائف الخارقة المصمتة، ومنها القذائف ذات الحشوة الجوفاء أو المخففة العيار.
القذائف الخارقة للخرسانة، التي تستخدم لتخريب المنشآت المحصنة.
القذائف الحارقة، وهي تحوي حشوة حارقة لنشر الحرائق على مساحات كبيرة.
- القذائف ذات الوظيفة الخاصة:
ومنها :
القذائف المضيئة لإنارة أرض المعركة.
القذائف الدخانية التي تستخدم لنشر الستائر الدخانية وإعماء العدو.
القذائف اللغمية والموقوتة وتستخدم لزرع الألغام في عمق العدو.
قذائف الدعاية وتستخدم لبث المنشورات التي تحث جنود العدو على التخاذل وتثبط من إرادة القتال لديهم
الرمايات التي تنفذها المدفعية
تختلف رمايات المدفعية وأساليب تنفيذها وأنواع القذائف التي تستخدمها بحسب بعد العدو وقربه وإمكانية رصد الأهداف المعادية ونوعية تلك الأهداف والغاية من الرمي. وتصنف في نوعين أساسيين:
1-رمي مباشر: ويتم بالتسديد إلى الهدف المرئي من الرامي بالعين المجردة وبالاستعانة بمنظار التسديد أو بأجهزة التسديد المطورة مع مراعاة المسافة التي تفصل الهدف وطبيعته وحركته واتجاه الريح وسرعتها.
2- رمي غير مباشر : فيتم على أهداف مرئية أو غير مرئية بعد حسابات معقدة لتحديد مسافة الهدف ونوعيته واتجاه حركته وسرعة تحركه وسرعة الريح واتجاهها وشروط الطقس وارتفاع المِحرَك عن الأرض وعن أعلى عائق على اتجاه الرمي وغير ذلك.
يتبع ..........