المنتدى العسكري العربي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

مرحبا بك في المنتدى العسكري العربي

يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى

سنتشرف بتسجيلك

شكرا

ادارة المنتدى
المنتدى العسكري العربي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

مرحبا بك في المنتدى العسكري العربي

يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى

سنتشرف بتسجيلك

شكرا

ادارة المنتدى
المنتدى العسكري العربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالقوانينالتسجيلدخول

شاطر
 

 حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 05 2016, 01:21

الحلقه الاولى 

حلقات غنية بالمعلومات والتاريخ من كتاب الدبلوماسي الأميركي دينيس روس (السلام المفقود.. خفايا الصراع حول سلام الشرق الأوسط) THE MISSING PEACE The Inside Story of the Fight for Middle East Peace وروس غني عن التعريف، فقد عمل مبعوثا لبلاده للشرق الأوسط من 1988 الى عام 2000، أي لاثنتي عشرة سنة كاملة، عمل خلالها مع جورج بوش الأب لأربعة أعوام، ثم لثمانية أعوام مع الرئيس السابق بيل كلينتون. ويقينا فقد أتاحت له سنوات بهذا التواصل أن يكون شاهد عيان ومواكبا، بل وصانعا لأحداث كثيرة في سلام الشرق الأوسط في مساراته الثلاثة، والإشارة هنا الى المسار الأردني والفلسطيني والسوري، فتجده يحدثك عن كواليس اتفاق وادي عربة مع الأردن، فيقدم تحليلا لمواقف العاهل الأردني الراحل الملك حسين، وسياسات الأردن منذ جده الملك عبد الله الأول. ومن الطبيعي أن يقدم روس صورة قريبة للانحناءات والتعرجات التي شهدها المسار الفلسطيني، سواء مع وتائر التغيير الذي صاحب القيادة الإسرائيلية، بدءا من اغتيال رابين، مرورا بفوز نتنياهو، وانتهاء بقدوم باراك، والتأثير المباشر لهذه الشخصيات على مسار الحدث الاسرائيلي والفلسطيني، أو لطبيعة المخاض الذي عايشته القيادة الفلسطينية منذ قمة مدريد واتفاق أوسلو وانتهاء بقمة واي بلانتيشن وكامب ديفيد وصفقة الـ13 في المائة، مستشهدا بما سمعه. وطبيعي أن لا يغفل الصعود والهبوط الذي لازم المسار السوري.
ومن هنا لم يكن غريبا أن يولي المؤلف أيا منها حقه من تغطية تجمع بين ما هو تاريخي صرف، وتحليلي عميق، وبأسلوب أحسنت دار الكتاب العربي ببيروت، التي تعاقدت على نقل نص هذا الكتاب الى اللغة العربية، في نقله لقارئ اللغة العربية. والكتاب يقع في نحو 800 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على 26 فصلا بالإضافة الى مقدمة واستهلال، وحمل إهداء موحيا يقرأ: الى أطفال الشرق الأوسط.

* في أعقاب الاجتماع، اتصلتُ بفايز وأفهمته بأننا نبذل قُصار جهدنا لاستنباط أفكار خلاّقة لتلبية الاحتياجات الأردنية. قُلت له إن الملك حسين مدعو إلى أن يكون دقيقاً جداً مع الرئيس كلينتون بشأن احتياجاته الأكثر أهمية من سواها. أضف إلى ذلك أنه سيُساعدنا حتماً على استقطاب الرئيس كلينتون ويمنحنا شيئاً نستخدمه مع الكونغرس «حبّذا لو يُخبر جلالته الرئيس بأن رسميين أردنيين وإسرائيليين سيجتمعون معاً عما قريب في كلٍ من الأردن وإسرائيل».

فهم فايز فحوى كلامي، وأشار إلى أن الملك يفكّر في هذه المسألة بالذات، وأنه سيبعث برسالة إلى الرئيس في المساء يُحدّد فيها بخطوط عريضة أهمّ احتياجاته ومتطلباته، والنواحي التي يُمكن أن نكون فيها مفيدين لهم. ووعدني فايز بتزويدي بنسخة من الرسالة حالما تتم صياغتها.

لخّصت رسالة الملك احتياجاته الاقتصادية والأمنية، وتعهَّد عبرها للرئيس بالسير نحو السلام، بشرط الاستجابة لاحتياجاته، طلب مني الرئيس كلينتون، في الحقيقة، إبداء الاستعداد للوقوف بجانبه. وقد ضم إلى رسالته ملحقاً يحتوي على عشرة مقترحات مختلفة أُعدّت للتعامل مع ظروف الأردن الاقتصادية والأمنية الآخذة في التحسّن. أعدّ مارتن المذكرة الإيجازية للرئيس، وضم إليها رسالة الملك وملحقها.

حين دخلنا على الرئيس في المكتب البيضاوي لتقديم إيجاز له قُبيل بدء اجتماعه بالملك حسين، كان قد قرأ الرسالة والملحق. أعرب الرئيس عن الرغبة في الاستجابة لطلبات الملك، وسأل أي المقترحات يُمكنه أن يُعطي بعض الردود الإيجابية عليها. على أية حال، كانت معظم البنود التي اقترحتها على شكل حزمةٍ يتم تقديمها للأردنيين، شبيهة إلى حد ما بما هو مدرج في طلبات الملك: معونة زراعية بموجب القانون العام 480، ضمانات قروض من مؤسّسة الاستثمارات الخاصة فيما وراء البحار، استعداد للضغط على حلفاء أميركا للتخفيف من الديون المستحقّة لهم، وتزويدهم بالذخائر وبالفائض لدينا من الأعتدة العسكرية (كان القانون يسمح لنا بتقديم ما يفيض عنا من أعتدة ومعدات عسكرية إلى بلدان نُصنّفها نحن مساوية لعلاقتنا بدول حلف شمال الأطلسي).

لا مشاحة في أن الملك سعى مع مرور الوقت إلى الحصول على المزيد من المعونة العسكرية والاقتصادية، لكن هذا كل ما طلبه في ذلك الحين.

قمنا بلفتُّ نظر الرئيس إلى الأثر الهائل الذي سيتركه أي تخفيفٍ مهمّ لديون الأردن على نفسية الملك. لكنني شدّدت، وكذلك فعل مارتن، على أن الملك يجب أن يعلم بأنه من دون خطوات مهمّة يتخذها على الصعيد السياسي تجاه إسرائيل، فلن تكون هناك أية فرصة لحلحلة موقف الكونغرس من الدَّيْن. وبعدما أشرتُ إلى أن استعداد الملك للقاء رابين علناً سيُمثّل خطوة كبيرة ولا شك، ذكرتُ بأنني لا أتوقع حصول شيء من هذا القبيل الآن، ولذلك من الأهمية بمكان في هذه المرحلة إقناع الملك بالموافقة على اجتماعات يعقدها المتفاوضون الإسرائيليون والأردنيون في كلا البلدين.

أدرك الرئيس قصدي، إنما بقي يُفضِّل التركيز باتجاه اجتماع الملك برابين. إن أسلوب كلينتون وإحاطته بالتفاصيل الدقيقة، كان لهما دائماً أعمق الأثر في من يلتقيهم. وقد اتضح ذلك جليا في هذا الاجتماع بالذات. فقد أدار كلينتون الاجتماع من دون الاستعانة بأية ملاحظات أمامه، فعكف وبقدرة على استعراض جميع النقاط الواردة في رسالة الملك وملحقها من غير الاستئناس بأية رؤوس أقلام، مما أثار إعجاب الملك وكبار معاونيه. ومن خلال تناوله مسائل المعونة إلى الأردن الأشبه ما تكون بالألغاز، وتبيانه ما نستطيع عمله وما لا نستطيع، استطاع الرئيس أن يُقنع الملك بأنه شخصياً متبحّر بعمق في احتياجات الأردن كافة، وأنه يبحث بنفسه عن طُرُق للاستجابة لها.

وبالنسبة للملك حسين، الزعيم الذي طالما علّق أهمية كبرى على العلاقات والالتزامات الشخصية، فقد أقنعته براعة الرئيس الفائقة في التعاطي مع التفاصيل بأنه، أي الرئيس، يضع الأردن وعاهل الأردن على رأس سلم أولوياته. وبعد استعراض كل مطلب من مطالب الأردن العشرة المدرجة في الملحق، ركّز الرئيس جُلّ وقته على الرغبة لديه في عمل شيء ما للتخفيف بدرجة كبيرة من أعباء الديون التي تُثقل كاهل الأردن. قال إنه يعلم أن ذلك هو المطلب الأهمّ من بين جميع مطالب الأردن الاقتصادية، وبأنه يُدرك بأن من واجبنا أن نُقنع كبار الدائنين الآخرين بالاستجابة لهذا المطلب أيضاً. لكن حتى يكون لنا أثر فعّال في الآخرين، ينبغي أن نتقدم الآخرين بضرب المثل الذي يُحتذى بأنفسنا.

وغير ذلك، أي الاكتفاء بحضّ الآخرين على التسليم باحتياجات الأردن، لن ينفع بأي حال. إن الرئيس يريدنا بالأحرى أن نكون قادرين على الإظهار للآخرين بأننا نعفي الأردن فعلاً من ديونه. وهذا ما سيجعل لنداءاته إلى الآخرين، ولا سيما إلى أبرز الدائنين من حلفائنا، أثراً أقوى بكثير.

بعد ذلك، تحوّل الرئيس للحديث عن واقعنا السياسي، فشرح أن الكونغرس سيرفض إعفاء الأردن من ديونه ما لم تكن في حوزتنا حجّة قوية نستخدمها بالنيابة عنه: «واجتماعكم العلني برابين سيعطيني تلك الحجّة». وأردف كلينتون بأنه سيكون سعيداً جداً أن يستضيف مثل هذا الاجتماع في أي وقت يُناسب الملك ورابين إذا كان ذلك سيسهّل عليه الأمر.

دعا كلينتون الملك إلى التفكير في الموضوع، فردّ الملك بأنه سيفعل، وانفضّ الاجتماع على ذلك. وإثر الاجتماع، سأل الرئيس الحاضرين في المكتب البيضاوي عما إذا كنا نظنّ بأن الملك سيجد لديه الرغبة في القدوم إلى اجتماع كهذا في وقت قريب. أجبته ومارتن بأن لدينا إحساساً يقول إن الملك سيفعلها، إنما ليس على الفور. ولما كنتُ أعرف أن الملك لا يودّ أن يحبط الرئيس، ومع ذلك ربما يكون غير مستعدٍ للاجتماع برابين كخطوة أولى، فقد اقترحتُ أن نسعى في الوقت الحاضر إلى رفع الاجتماعات الثلاثية في الأردن إلى المستوى الوزاري. في تلك الاجتماعات، سوف نقرّب بين الشخصيات السياسية، ويُمكن أن يحضرها كذلك وزير الخارجية الأميركية، ولسوف نجعل منها شيئاً أشبه ما يكون بالمَعْلَم السياسي على الطريق في المنطقة. قال الرئيس: «هذا جيد. ولكن إذا كان في المستطاع كسب المزيد، فأنا مستعدٌ لاستضافة لقاء يُعقد بين الزعيمين» (على غرار ما حصل مع رابين وعرفات في أيلول(سبتمبر) 1993 ، كان الرئيس يومذاك يُفكِّر بمفردات أكثر طموحاً من مفرداتي).

وتلقيتُ الأمر بالمسير. ما إن غادرتُ المكتب البيضاوي حتى اتصلتُ هاتفياً بفايز. كان المفتاح هو العزف على ما خرج به الملك من الاجتماع، أعني انخراط الرئيس شخصياً في العملية. هنا كنتُ كمن يدفع باباً مفتوحاً. ففايز كان لا يزال يفيض عاطفة على الاجتماع، متحدثاً عن أن الملك لم يشهد اجتماعاً كهذا مع أي رئيس أميركي منذ أيزنهاور. أجبته بالحرف: «يجب أن نبني على اهتمام الرئيس من دون تأخير يا فايز. فدعنا لا نضيع دقيقة واحدة». إن الرئيس يتطلع إلى استجابة الملك حيال فكرة الاجتماع برابين. «فلنفعل شيئاً على وجه السرعة; شيئاً قد يُساعدنا على إعداد المسرح له. ماذا لو عقدنا الاجتماعات الثلاثية في البحر الميت، ولتكن على المستوى الوزاري، هذا طبعاً ما لم يكن الملك مستعداً للاجتماع برابين والرئيس في الحال». وكمن يردد صدى كلمات الملك، قال فايز إنه سيُراجع في الأمر ويعود إليّ ثانيةً . لئن كانت هذه ليست «نعم» مؤكّدة، إلاّ أن فايز لم يكن يتصرف كما لو أن هذا الاقتراح في حُكم المستحيل.

وأكد إفرايم بدوره وقع الاجتماع على الملك. أفادنا بأن الملك كان «منذهلاً» أمام الرئيس، وقد «استثارته» زيارة واشنطن. فشرحتُ له ماذا فعل الرئيس للملك، ثم شدّدت على أنني وإن كنتُ لا أتوقع أن يقفز الملك إلى اجتماعٍ مع رابين في الوقت الحاضر، إلا أنه من اللازم أن نثبّت الاجتماعات الثلاثية في الأردن ونرفعها إلى المستوى الوزاري. قال هاليفي إنه سيلتقي بالملك في لندن، وسيُطلعني على ما ستؤول إليه الأمور في القريب العاجل، وقد يكون ذلك في الأسبوع المقبل.

لكنّي لم أسمع منه شيئاً لما يزيد على أسبوعين. فهاليفي لم يقابل الملك في لندن بسبب إصابة الملك بوعكة صحية. كما أفادني فايز، هو الآخر، بأنه لم تُتخذ أية قرارات، وإن كانت الحماسة التي تلت الاجتماع قد بردت الآن، وهو يرى أن الملك وولي العهد ربما يفضّلان عقد أولى الاجتماعات مع الإسرائيليين على الحدود، وعلى مستوى دون الوزاري.

هنا ساورتني الخشية من حدوث تراجع، وضغطتُ على فايز كي يعي أنه لا بد من ثمن إذا أُريد للأمور أن تجري مجراها الطبيعي. كان فايز عليماً بالواقع السياسي في «كابيتول هيل» (الكونغرس الأميركي)، وكان يفهم سبب إلحاحي، لكنه لم يكن قادراً على استخلاص الأجوبة من عمّان، لكن ذلك تبدلّ في 4 تموز(يوليو).

* رابين ترك وبإصرار غريب بيريس خارج الصورة تماما في مشروع اتفاقه مع الأردن

* عُدنا إلى عمّان بعد جولة تمتعنا فيها بمناظر البتراء الرائعة، وهي أوابد تعود إلى الحضارة النبطية المتطوّرة جداً في القرن الرابع. لقد كان يوماً مدوّخاً وعاطفياً. لكن مارتن حُرم من المشاركة فيه لسوء حظه. وفيما كنتُ أطفو، بمعنى الكلمة، داخلاً إلى غرفتي، إذا بمارتن يُعيدني إلى الأرض من جديد بإخباري أنه التقى ولي العهد، وأنه من الواضح أن الأردنيين والإسرائيليين عاكفون على صياغة مسوّدة الإعلان سرّاً.

بعد تركه ولي العهد، اتصل مارتن بإيتان هابر ليقول له إذا كُنتم تتوقعون منا أن نستضيف الحدث يوم الاثنين ونوظّف فيه الجهد الجهيد، فمن غير المقبول على الإطلاق تركنا نتخبّط في الظلام. ردّ إيتان بأنه سيُراجع رابين في الموضوع ويتصل ثانيةً; وحين عاود الاتصال، أخبر مارتن بأنهم يعملون على صياغة معاهدة سلام فعلية، وحوّل الخط إلى رابين. قال رئيس الوزراء لمارتن إن الرئيس والوزير وحدهما يجب أن يعلما بما يجري، وأن شخصاً واحداً فقط إلى جانب إيتان في إسرائيل يعلم بالأمر، وأن إيتان سيُطلعه على العناصر المكوّنة لمشروع المعاهدة الذي يعملون عليه.

وليس بالأمر المستغرب أن تكون النقاط الأساسية فيه لا تختلف كثيراً عما رسمناه نحن. إذ كانت تتحدث عن وضع حدٍ لحالة العداء أو الحرب، وفتح الحدود، والسياحة المحدودة، وربط الخطوط الهاتفية وكذلك شبكتي الكهرباء، وإقامة ممر جوي، والتحرّك السريع نحو معاهدة سلام.

بيد أنه كان هناك بند واحد مفاجئ لنا، ألا وهو الإشارة إلى دور خاص للأردن في إدارة الأماكن المقدسة في مدينة القدس، والإقرار الإسرائيلي بأنه عند التفاوض على الوضع الدائم بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، سوف تضع إسرائيل «على رأس سلم الأولويات الدور التاريخيّ للأردن في تلك الأماكن». ما من شيء يُمكن أن يكون أوضح من ذلك في التدليل على الأهمية التي يوليها الملك حسين لأن يكون طرفاً في أية مفاوضات حول الترتيب النهائي لمدينة القدس. مع ذلك، فهي لم تكشف النقاب عمّا يفعلون بصدد معاهدة السلام الفعلية.

انتقلنا بعد ذلك إلى إسرائيل حيث اختلى كريستوفر برابين، الذي أطلعه على مشروع المعاهدة. وقد شدّد على سمع كريستوفر (كما سبق وفعل على الهاتف) أن اثنين آخرين فقط في إسرائيل يعلمان بأمر المفاوضات. وختم بالقول إنه سيُطلعنا باستمرار على سير النقاشات، وكان من الواضح أنه لا يريد أن تكون لنا يد في تلك المحادثات.

رضي كريستوفر بهذا التدبير، بشرط أن يصلنا نصّ المعاهدة مساء الأحد، أي عشية انعقاد مؤتمر القمة. فوافق رابين.

انتقلنا بعد ذلك إلى إسرائيل حيث اختلى كريستوفر برابين، الذي أطلعه على مشروع المعاهدة. وقد شدّد على سمع كريستوفر (كما سبق وفعل على الهاتف) أن اثنين آخرين فقط في إسرائيل يعلمان بأمر المفاوضات. وختم بالقول إنه سيُطلعنا باستمرار على سير النقاشات، وكان من الواضح أنه لا يريد أن تكون لنا يد في تلك المحادثات.

رضي كريستوفر بهذا التدبير، بشرط أن يصلنا نصّ المعاهدة مساء الأحد، أي عشية انعقاد مؤتمر القمة. فوافق رابين.

عُدنا إلى واشنطن يوم السبت، وقد لحق بنا رابين وبيريز، وكان لنا اجتماع غريب معهما في غرفة رابين بالفندق مساء الأحد. قبل الاجتماع سألني كريستوفر إن كنتُ أظن أن رابين أطلع بيريز على نص المعاهدة. وبالعودة إلى تاريخهما الشخصي، قُلتُ إنني لن أُفاجأ لو كان بيريز لا يزال يجوس في الظلام. وقد صدقت نبوءتي.

وفي الاجتماع، تبيّن لنا بسرعة أن بيريز ليس «ثاني الاثنين»، وأنه غير دارٍ بما سيحدث في الغد. ولم تكن تلك المرة الأولى أو الوحيدة في العملية التي نجد فيها أنفسنا في موقف مُحرج نضطر فيه إلى تلقي تلميحات من رابين حول ما يجب أن نقوله لبيريز (في تلك المرحلة، كان رابين لا يزال ينظر إلى بيريز على أنه منافس أكثر منه شريكاً).

في تلك الليلة، عكفتُ ومارتن على درس نص المعاهدة. لم يتغيّر كثيراً عما رآه كريستوفر في إسرائيل من حيث الجوهر، لكنه كان أكثر صقلاً، ونوّه تنويهاً أكبر بدور الرئيس كلينتون في جعل المعاهدة ترى النور. ولئن لم تحسم المعاهدة أياً من المسائل العالقة بين البلدين، إلاّ أنها كانت مهمّة جداً من حيث كونها إعلاناً سياسياً، وفتحت صفحة جديدة في العلاقات بينهما.

* روس : يوم أن غضبنا من تصرفات الأردن وإسرائيل مع أسلوب عقد قمة ثلاثية

* من سوء الطالع أن الأمور تشابكت بعضها ببعض. فالإسرائيليون لم ينتظرونا إلى أن نبعث بالردّ إلى الملك. فقبل أن نتمكّن من حمل جواب الرئيس، بصورة رسمية، سمعنا أن الأردنيين والإسرائيلين اتفقوا على اجتماع رابين وحسين في 19 يوليو (تموز) على الحدود، ومن ثم يتوجهان إلى واشنطن.

علانا شحوب، وبدا الأمر كما لو أننا تلقينا رسالة سرية من الملك، شاركه فيها الإسرائيليون، ليستخدموها ضدنا. خابرتُ إيتامار وطلبتُ منه تفسيراً. كما اتصل مارتن بإيتان هابر، مدير مكتب رابين وكبير مستشاريه السياسيين، وقال له إنه كان الأجدر بهم أن يُعاملونا بطريقة أليق من مجرد كوننا متعهّدي تقديم طعام «الكُشر».

كانت ردة الفعل الأوّلية من جانب الإسرائيليين هي أنهم لا يجادلون في مسألة الاجتماع على الحدود في 19 منه، فالملك هو من أراده. فاتصل الوزير بالملك حسين ليشرح له مباشرة كيف نرى الأمور ـ إن قُدرتنا على الإيفاء بالنسبة للإعفاء من الديوان إنما هي رهنٌ بقدرتنا على حمل الكونغرس في واشنطن على تغيير رأيه. واقترح الوزير سياقاً للخطوات يبدأ باجتماع المتفاوضين على الحدود في 19 منه، ثم يُعقد الاجتماع الثلاثي في اليوم التالي في الأردن، ومن ثم تُعقد القمة في واشنطن في مطلع أغسطس (اب) ـ وهو تسلسل يسمح له بالقيام برحلة سبق تأجيلها إلى آسيا.

تفهّم الملك حُجّتنا في عقد اجتماع قمة في واشنطن، لكنه لم يكن راغباً في الانتظار طويلاً. وقد قرّر ويريد أن يتصرّف على أساسه.

رجعتُ إلى الوزير وحثثته على تبديل خططه .. إما العزوف عن حضور اجتماع «رابطة شعوب جنوب شرقي آسيـا» (ASEAN) ، أو عقد القمة في موعد أبكر ومن ثم التوجه ولو متأخراً إلى اجتماع الرابطة. كان الملك على حق في استعجاله عقد القمة بأسرع ما يُمكن، فبعد كل شيء هناك خطر وقوع أعمال إرهابية أو حوادث في العالم العربي قد تجعل انعقاد القمة متعذراً.

وافقني كريستوفر الرأي. فعاودتُ الاتصال بإيتامار ولم أتصنّع في كلامي. أما وأن الإسرائيليين يعتمدون علينا في تحمّل ثمن الإعفاء من الديون، من بين أشياء أخرى، «فكان الأجدر برئيس وزرائكم أن يُراعي حاجتنا إلى عقد اجتماع القمة الأوّلي عندنا هنا، وكذلك حاجتنا إلى ملئه بشحنة درامية وإحاطته بجو من الهيصة».

بقيت هناك مشكلتان بالطبع : فلا موعد محدّداً لدينا على روزنامة الرئيس، ولا أية خطة معدّة للقمة نفسها وماذا ستسفر عنه. لم أكن قد تخليتُ بعد عن فكرة اجتماع ثلاثي قبل القمة، إنما صرتُ الآن أقلّ تفكيراً برموزها وأكثر اهتماماً بدورها الجوهري: الإعلان عن تفاهمات محدّدة بين الأردن وإسرائيل. قال كريستوفر إنه سيرتّب موعداً للقمة مع الرئيس، وعلينا نحن أن نعمل على إقناع الإسرائيليين بقبول الاجتماع الوزاري في المنطقة قبل القمة.

بيد أن رابين لم يعد يحبّذ الآن الاجتماع الوزاري، مفضِّلاً عليه عقد قمة مبكرة. ها نحن نواجه، مرة أخرى، مقاومة حول مسألة إجرائية ـ مسألة نعتبرها الآن مهمّة وأساسية للخروج بقمة ناضجة. توجهتُ ومارتن إلى مقابلة إيتامار، واستهللتُ اجتماعنا بالقول إن الأسبوع الجاري لم يكن أسبوعاً موفّقاً بالنسبة للتنسيق الأميركي ـ الإسرائيلي. فمن الرئيس والوزير ونزولاً، خامرنا إحساس بأن الإسرائيليين يستغلّوننا. فعدا عن المسّ بالثقة بيننا، تجدهم يتصدّقون علينا بالغفران كما لو أننا نحن المفترض بهم التنفيذ عن الأردنيين.

وقبل أن يتمكن إيتامار من الردّ، تلقيتُ مخابرة من الوزير، يُخبرني فيها أن الموعد الوحيد المتاح لعقد القمة في واشنطن هو الاثنين في 25 يوليو. قُلتُ لإيتامار إن السيناريو المعقول هو التالي: يجتمع المتفاوضون يوم الاثنين في 18 يوليو (أي بعد أربعة أيام من الآن)، ويُعقد الاجتماع الوزاري في الأردن في 20 منه، والقمة في 25 منه. فأخذ إيتامار على عاتقه مهمة إقناع رابين بقبول هذا السيناريو، وقد فعل ـ أعلمني بذلك في صباح اليوم التالي مع تحفّظ وحيد هو أن تعلن الأطراف الثلاثة هذا السياق التسلسلي بحلول ظهيرة اليوم بتوقيت واشنطن.

وهذا ما تسبّب بإشاعة جو من الهرج منذ الصباح، نظراً للحاجة إلى وضع البيت الأبيض على أهبة الاستعداد، وصياغة نص التصريح، والتأكد من موافقة الأردنيين عليه. تولّى مارتن مهمة كتابة التصريح، وانصرف الوزير وأنا معه إلى الاتصال بالملك حسين. وفيما كان الوزير يتحدث إلى الملك، اتضح لنا أن ما يشغل باله بالدرجة الأولى هو الحرص على تضمين التصريح نقاطاً معيّنة مهمة بالنسبة إلى الأردن. وربما بسبب تواضعه المميّز لم يشأ أن يظهر كمن يُطالب بما يُشبه التقريظ لنفسه، فقال إنه سيحوّلني على الأمير حسن، ولي العهد، ليبحث معي احتياجات الأردن في التصريح.

* قالوا عن هذا الكتاب:

* الرئيس الأميركي السابق كلينتون:

«السلام المفقود» هو الحساب الحاسم لأزمنة متهيجة، حفلت في الغالب بصراعات عانت من التشوهات والعذابات ضمن عملية سلام الشرق الأوسط، يستعرضها من مقدمة ركب ذلك السباق أحد اللاعبين الأساسيين، ذلك هو دينيس روس. فلا يوجد أحد عمل بقوة من أجل السلام أكثر من دينيس، فقد أعطى ذلك السلام كل شيء يملكه، فخدم أمتنا بطريقة جيدة جدا، وها هو الآن يقدم لنا حسابا غنيا عن ما حدث، وذلك أمر مهم لفهم الماضي والمسارات المحتملة للمستقبل.

* هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي السابق:

تمتلك قلة من الأميركيين مشاركة حميمية أكثر في القضايا المعقدة التي تقسم الشرق الأوسط بصورة أكثر من دينيس روس، و«السلام المفقود» يقدم صورة صريحة وتفصيلية ومعمقة لعملية السلام وللمشاركين فيها.

* جورج شولتز، وزير الخارجية الأميركي السابق:

قدم دينيس روس خدمة عامة عظيمة كمفاوض لا يعرف التعب خلال عمله كمبعوث للشرق الأوسط، وها هو يقدم خدمة أخرى عظيمة بهذا الكتاب المعين على التثقف والجيد الإعداد، ولا غنى لأي مهتم بالشرق الأوسط عن قراءة هذا الكتاب.

* وارن كريستوفر، وزير الخارجية الأميركي في ولاية كلينتون الأولى:

لا أعرف، وعلى الإطلاق، أحدا ملتزما بعمق لقضية السلام في الشرق الأوسط أكثر من دينيس روس، وهذا الكتاب لا يعكس فقط تكريس جهده للسلام، وإنما أيضا ذكاؤه في الكتابة عنه بطريقة زاهية الألوان وشاملة.

* مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية في ولاية كلينتون الثانية:

إنه السرد الذكي للتاريخ وهو يدور ويصنع وراء الكواليس، ودينيس روس وحده الذي يستطيع كتابة كتاب كهذا حافل بالحيوية والإثارة والخفايا.


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.257949

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 05 2016, 01:24

الحلقه الثانيه 

* قمّة واي

* كان من المنتظر أن تبدأ قمّة واي في 15 أكتوبر (تشرين الأول). وكانت انتخابات نصف المدّة على بعد أسبوعين ونصف الاسبوع. كيف يمكن أن يتأثّر الديمقراطيّون بفضيحة لوينسكي؟ ومتى يستطيع الرئيس أن يلحق بركب الحملة الانتخابيّة ويساعد مرشّحي الولايات والمرشّحين المحليّين؟ كان النافذون في البيت الأبيض متلهّفين لمشاركة الرئيس في الحملة، لأنّ الكثير من المرشّحين الديمقراطيّين راغبون في حضوره ولم يديروا ظهورهم له. وكثيراً ما سمعت في الأيام التي تلت أنّ علينا إنهاء القمّة للسماح للرئيس بالتأثير على وقائع الانتخابات.

* اليوم الأول

* كان من المقرّر أن يلتقي الرئيس بالزعيمين في البيت الأبيض قبل التوجّه إلى مزرعة واي ريفر على الشاطئ الشرقيّ لخليج تشيسبيك. وكان هدف الاجتماع الابتدائيّ مراجعة القواعد الأساسيّة للقمّة: كنّا بصدد فرض تعتيم إعلاميّ جديد، كان الناطقون الصحافيّون الأميركيّون فقط هم الذين سيصدرون بيانات يوميّة بالتنسيق مع الجانبين، ولن يتمّ الاتفاق على شيء إلى أن يتمّ الاتفاق على كل شيء، وكنّا سنقدّم نصّنا عندما نشعر بأنّنا فعلنا كل ما بوسعنا للوفاء باحتياجات كل من الجانبين. وقد أضاف هذا الاجتماع بعداّ دراميّاً، ولا شكّ في أنّه أعطى الفلسطينيّين الشعور بأنّهم «وصلوا»، بأنّهم قدموا إلى المكتب البيضويّ على قدم المساواة مع الإسرائيليّين، وهو أمر سعوا إليه وأكّدوا عليه، لكنّه شيء، ساورتهم شكوك طويلة بأنّهم سيتمكّنون من تحقيقه بالفعل. أردت أن أجيد هذه الدراما مع ياسر عرفات، وبخاصة أنّني رأيت في ذلك الطريقة التي ستدفعه على الأرجح إلى التقدّم في المضمون. وقد انطبقت سيكولوجيا المعاملة على قدم المساواة على المسائل الأمنيّة. كان التبادل هو المصطلح المفضّل لدى بيبي [نتنياهو]، لكنّ عرفات أراد أن ينطبق على الأمن أيضاً، وأراد ، كما أشار دحلان مراراً ، أن تتخذ إسرائيل إجراءً ضدّ المستوطنين الذين عمدوا إلى تطبيق القانون بأنفسهم ضدّ الفلسطينيّين، ونادراً ما كانوا يعاقبون. إذا كان الفلسطينيّون سيقومون باعتقال الفلسطينيّين، هل سيتحرّك الإسرائيليّون ضدّ المستوطنين «الأشرار»؟ ولما كنت أعرف أنّ هذا ما يدور في ذهن عرفات، طلبت من جمال أن يقابل عرفات قبل الاجتماع في البيت الأبيض لينقل إليه اقتراحاً منّي. كان اقتراحي أن يثير عرفات قضيّة عنف المستوطنين مع بيبي على العشاء في المساء أمام الرئيس. ففي هذا الجوّ الخصوصيّ والمسترخي، يجب أن يقول لبيبي، «من العدل والصواب بوصفك رئيس وزراء إسرائيل أن تعرف دقائق الخطط الفلسطينيّة لمحاربة الإرهابيّين نظراً لأنّ حياة الإسرائيليّين معرّضة للخطر. ولسوف نقدم على ذلك لأنّه الصواب. ولكن مثلما عليك أن تتحمّل المسؤوليّة أمام شعبك، عليّ أيضاً أن أتحمّل المسؤوليّة أمام شعبي عندما يدوس مستوطن على جمجمة صبيّ في العاشرة أو يطلق النار على فتى في السادسة عشرة، ومن العدل والصواب بالنسبة إليّ أن أطّلع منك على خطّتك لحماية شعبي».

أردت بهذه الفكرة أن أظهر لعرفات أنّنا حسّاسون تجاه مخاوفه، ونفكّر في كيفيّة معالجتها، في حين أذكّره أيضاً ببراعة بمسؤوليّاته تجاه الإسرائيليّين. ولا أدري إن كان «قد أدرك» أيّ شيء، لكنّه قدّر الرسالة بشكل واضح. فقبيل دخوله المكتب البيضاويّ توجّه إليّ في غرفة الحكومة وطوّقني بذراعه وشكرني على إرسال جمال مع اقتراحي. وللاستفادة من هذه السانحة والتشديد على أهميّة الاستجابة من الرئيس، قلت، «حضرة الرئيس، هذا ثالث رئيس أعمل معه، وليس هناك من يهتمّ بهذه القضيّة مثل اهتمام بيل كلينتون. لقد طلب منه كافّة مستشاريه عدم القيام بذلك [عقد القمّة] إلى ما بعد انتخابات الكونغرس في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) . لكنّ الرئيس أصغى إلينا، لا إلى مستشاريه السياسيّين، فلا تخذله». استمع عرفات وأمسك بيدي وأومأ برأسه. كانت لغة جسده تبشّر بالخير، لكنّنا كنّا على وشك أن نعرف إن كانت الرسالة قد وصلته.

***

حان وقت العمل. بعد أن جرت مقابلة بيبي أوّلاً في البيت الأبيض صباحاً، قرّرنا أن نعكس الترتيب وأن يلتقي الرئيس أوّلاً بعرفات في واي صباحاً. وفيما كان الرئيس ملتقياً بعرفات، جلست أنا ومادلين مع بيبي. التزم الرئيس مع عرفات بالخطّة الابتدائيّة إلى حدّ كبير. فضغط على عرفات لإنهاء خطة العمل الأمنيّة، وعندما تصبح هذه الخطّة بيده يمكننا السعي للتأثير على الإسرائيليّين للاستجابة لاحتياجات الفلسطينيّين. وبدونها لن يكون لدينا ما نضغط به على الإسرائيليّين. انضمّ جورج تنيت إلى الاجتماع وقال عرفات للرئيس، «إنّنا نعمل مع جورج تنيت وسوف نقوم بما هو ضروريّ». كل شيء يسير بشكل حسن حتى الآن.

في هذه الأثناء، ضغطنا أنا ومادلين على بيبي لكي يضع انتقال 14.2 بالمئة من أراضي المنطقة «ب» إلى المنطقة «أ» في جيب الفلسطينيّين ويبحث إعادة الانتشار الثالثة بشكل غير رسميّ مع أبي مازن وأبي علاء ـ الأولى لكي يكون لدى الرئيس ما يعرضه على عرفات عندما تدعو الحاجة إلى الاستمالة لا الضغط فقط ، والثانية للحيلولة دون أن تعطّل الخلافات بشأن إعادة الانتشار الثالثة مفاوضات الوضع الدائم. لكنّ بيبي لم يستجب إلى نسبة الـ 14.2 بالمئة ورفض بحث إعادة الانتشار الثالثة مع أبي علاء وأبي مازن مخافة أن يدخل في مفاوضات بشأنها. لكنّه قال إنّه مستعدّ للتحدّث بشأنها بشكل غير رسميّ مع عرفات على العشاء في وقت لاحق من تلك الليلة.

* روس : مزاعم سخيفة من عرفات أغناني أبو مازن عن الرد عليها

* حان الآن وقت لقاء الرئيس ببيبي، وتوجّهت أنا ومادلين لمقابلة عرفات. أثرت أهميّة التوصّل إلى تفاهم بعدم السماح لإعادة الانتشار الثالثة بتعطيل مفاوضات الوضع الدائم. استمع عرفات فحسب دون الإدلاء بأيّ ردّ. وعندما أبلغته أنّني أعرف بأنّه يتعاون مع جورج تنيت بشأن خطّة العمل، أومأ برأسه موافقاً. وبقدر أهميّة ذلك، كنّا بحاجة إلى ردّ رجاله على نصّنا بخصوص الوضع الأمنيّ، وكنت أريد أن أستمع إلى اقتراحات دحلان التي يفترض أن يقدّمها إليّ.

هنا ارتكبت خطأ ، فقد ظهر بسرعة أنّ دحلان لم يبلغ عرفات بحوارنا على الشاطئ. فردّاً على إشاراتيّ الغامضة إلى التدقيق الأمنيّ وجمع الأسلحة، زعم عرفات بأنّ الإسرائيليّين يعتمدون سياسة الباب الدوّار بشأن الإفراج عن المعتقلين، وأنّهم مسؤولون عن الأسلحة غير القانونيّة في الأراضي (المحتلّة). هنا تدخّل أبو مازن بسرعة إدراكاً منه أنّني سأردّ على مثل هذه الملاحظات السخيفة الصادرة من عرفات قائلاً إنّ الفلسطينيّين سيقدّمون اقتراحاتهم لنا. أجبت قائلاً، «حسناً، لكن يجب أن تكون واقعيّة وإلا لن نتمكّن من استخدامها». لم يكن بوسعي أن أدع تعليقات عرفات تمرّ دون الردّ عليها تماماً. أدرك أبو مازن الأمر ولم يقل عرفات شيئاً.

أنهينا اجتماعنا لكنّنا وجدنا أنّ الرئيس لا يزال مختلياّ مع بيبي. وعندما ظهر قدّم لنا موجزاً عن الاجتماع. رغم أنّنا شدّدنا قبل الاجتماع على وجوب أن يضغط للحصول على نسبة 14.2 بالمائة من بيبي، إلا أنّ الرئيس، رغم إثارته لهذا الأمر، سلك طريقاً مختلفاً لدفع بيبي إلى قبول فكرة أنّ من مصلحته خروج عرفات قويّاً لا ضعيفاً من هذه القمّة. فلو خرج عرفات ضعيفاً لن يتمكّن من تنفيذ ما يحتاج إليه بيبي، لكنّه سيتعرّض لضغوط من أجل الإعلان الأحاديّ عن إقامة الدولة في 4 أيار (مايو) 1999، وهو موعد نهاية الفترة الانتقاليّة التي يدعو إليها إعلان المبادئ. وقد وصف الرئيس بيبي بعد خروجه من مباحثاته الفلسفيّة معه بأنّه متجاوب.

رغم أنّني شعرت بأنّ ما فعله الرئيس مع بيبي كان مفيداً، إلا أنّني كنت أفضّل أن يضغط بشدّة للحصول على نسبة 14.2 بالمائة في إعادة الانتشار. لكن في حين أنّني كنت أركّز على الأسس، كان الرئيس يحاول التأثير على رئيس الوزراء نفسيّاً بدلاً من الضغط عليه في أمور محدّدة.

* روس: لم يعترف عرفات رغم نصيحتي بمخاوف إسرائيل فتحدّى نتنياهو مباشرة

* وجّهنا اهتمامنا صوب العشاء الخاصّ المقبل الذي يحضره الرئيس وبيبي وعرفات فقط. سألني الرئيس عما يجب أن يغطّيه في الاجتماع. كنت أشعر أنّ هناك موضوعين مفيدين، الأوّل هو إعادة الانتشار الثالثة ـ التوصّل إلى تفاهم غير رسميّ لكي لا يصبح هذا الأمر معيقاً لنا فيما بعد. والثاني قلق الفلسطينيّين من عنف المستوطنين ـ «قضيّة التبادل». أبلغت الرئيس عما اقترحته على عرفات، ولماذا يشكل العشاء المكان المناسب لهذا البحث، ووافق على ذلك. كما وافق أيضاً على اقتراحي «الاجتماع مع بيبي» لتليين موقفه بشأن ذلك قبيل العشاء. كان العشاء مقرّراً في ستيوارت هاوس، وهو مقرّ فاخر لكنّه صغير وناءٍ يستخدم في الغالب للزوّار المميّزين وحفلات العشاء الخاصّة. وكان الرئيس سيتناول العشاء مع الزعيمين في غرفة الطعام. وكنّا أنا ومادلين وساندي سننضمّ إلى الآخرين في عشاء موازٍ في غرفة مجاورة أكبر.

وصل بيبي قبل عرفات، وطلبت أن ألتقي به عدّة دقائق على انفراد. كان من الواضح أن مزاجه مسترخٍ، وتلك إشارة جيّدة إلى أنّ الرئيس قد طمأنه. أبلغته عن قلق عرفات بشأن «التبادل» ـ وبخاصّة فيما يتعلّق بعنف المستوطنين ـ واقترحت عليه أن يوضح بأنّ الحكومة الإسرائيليّة لا تقبل هذا العنف ولا تغضّ الطرف عنه. «أبلغه أنّك مصمّم على التعامل مع الأمر وأنّك لن تتحفظ على إعلان ذلك على الملأ». فأجاب بيبي بقوله «حسناً». ثم أثار قضيّة الثلاثين الذين ارتكبوا أعمال عنف ضدّ الإسرائيليّين ـ ثلاثة عشر منهم تابعون لجهاز الأمن الفلسطينيّ ـ وقال إنّ هذه مسألة صعبة. فسألت إن كان عامي أيالون ومحمّد دحلان قد بحثا هذه المسألة. فأجاب بيبي بأنّهما لم يبحثاها. فشرحت له الآن أنّ دحلان راغب في توقيف كل من لا يستخدمه بشكل نشط ضدّ حماس. إنّ عددهم صغير لكنّهم وفقاً لدحلان فعّالون في محاربة حماس. أراد بيبي المطالبة باعتقال الثلاثين جميعاً، لكنّه كان يريد أيضاً ضمان السيطرة على حماس. ففرك جبينه، وتلك دلالة واضحة على التشوّش، قائلاً إنّه لا يعرف كيف يفسّر ذلك. «كم هو عددهم؟ أليس بوسعه أن يدع هؤلاء فقط طليقين»؟ قلت له إنّني لا أعرف، لكنّني سأستعرض الخيارات بهدوء مع دحلان وأردّ عليه. وافق بيبي على هذا النهج مشدّداً على أنّه لا يريدني أن أتحدّث إلى أحد في فريقه عن ذلك. كان النقاش صريحاً على مائدة عشاء الزعماء. ووفقاً لوصف الرئيس، فقد بدأ النقاش بالطلب من عرفات التحدّث عن مخاوفه الأمنيّة. لم يعترف عرفات، رغم نصيحتي، بمخاوف إسرائيل لكنّه تحدّى بيبي مباشرة متهمّا إياه بأنّه «يطلق الأشخاص الذين يرتكبون العنف ضدّ الفلسطينيّين». أجاب بيبي قائلاً إنّ لدى إسرائيل نظاماً قضائيّاً وإنّ الإسرائيليّين يودعون في السجون على الجرائم المرتكبة ضدّ الفلسطينيّين. فردّ عرفات بأنّ لديه قوائم بكل الإسرائيليّين الذين قتلوا أو جرحوا فلسطينيّين وليسوا في السجون، وعندما لم يطلب بيبي هذه القوائم، تخلّى عرفات عن هذه المسألة وأثار مخاوفه الأمنيّة: التهديدات من القوى الإسلاميّة المتطرّفة في المنطقة ـ وهو خوف يمكن أن يتفّق عليه مع بيبي. تأخّر الوقت ولم تتمّ مناقشة إعادة الانتشار الثالثة بعد. لذا اقترح الرئيس تناول غداء خاصّ في اليوم التالي وأعطى بيبي وعرفات تكليفاً يعملان عليه في أثناء ذلك: طلب منهما العمل على التوصّل إلى تفاهم بشأن إعادة الانتشار الثالثة، والتفكير أيضاً بشأن الخطوات التي يعتقد كل منهما أنّ عليه القيام بها من الناحية السياسيّة بعد التوصّل إلى اتفاق يمكن أن يخلق مشاكل للجانب الآخر ـ وكيفيّة التخفيف منها. وافقا على الغداء، وكنت أنا ومادلين سننضم إليه بعد ساعة من المناقشات الخاصّة.

كان الرئيس منشرحاً، معتقداً على حقّ أنّ ما كلّفهما به يتعامل مع إحدى المشاكل الجوهريّة في عمليّة أوسلو حتى تاريخه: فكلا الفريقين لا يبدو أنّهما يفكّران في الاحتياجات اليوميّة للفريق الآخر. مع ذلك لم أكن أعتقد أنّ أيّاً منهما سيبدأ التفكير في احتياجات الفريق الآخر إلى أن نقترب من التوصّل إلى اتفاق.

عند اختتام الاجتماعات، لاحظت أنّ اليوم الأوّل كان معنيّاً بالسيكولوجيا، بجعل كل زعيم يشعر بالارتياح. وقد يكون ذلك ضروريّاً، لكنّني أميل إلى الاعتقاد بأنّ الاتفاقات تبرز من الأوضاع التي تعلو فيها الرهانات حيث يشعر كل جانب بعدم الارتياح. فلا أحد يتخذ قراراً صعباً ما لم يكن مضطرّاً إلى ذلك.

وقع تطوّر غريب بعد العشاء. ففيما كان الرئيس يطلعنا على ما دار على العشاء، كان ذراعه على كتف مارتن إنديك، الذي كان معنا على العشاء. بعد مغادرة الرئيس، سألت «ما الأمر»؟ أوضح مارتن أنّ الرئيس أثار معه بشكل مفاجئ مسألة جوناثان بولارد ـ الأميركيّ الذي تجسّس لصالح إسرائيل وأودع السجن منذ سنة 1985 .

* في اليوم الثاني للقمة: لم يتقدم نتنياهو مع عرفات إلى الباب فاعتبر ذلك إهانة

* كان يوم الجمعة جميلاً، حيث جلس بيبي وعرفات بمفردهما، ومعهما جمال بمثابة مترجم، تحت مظلّة على السطح خلف ريفر هاوس، مقرّ الإسرائيليّين. وعندما وصلنا أنا ومادلين، أوجز بيبي ما دار من نقاش. قال لنا إنّه بدلاً من القيام بما طلبه الرئيس ـ أي التركيز على ما بعد الاتفاق ـ شعر بأنّ الأهمّ هو التركيز على ما يلزم للتوصّل إلى اتفاق. لذا اختار إثارة مسألة اجتماع المجلس الوطني الفلسطينيّ و«تسليم» الثلاثة عشر شرطيّاً الموجودين على لائحة الثلاثين الذين قتلوا إسرائيليّين. كان وجه عرفات يعكس عدم الرضى، وعندما جاء دوره للتحدّث تجاهل مسألة المجلس الوطني الفلسطينيّ وتناول بدلاً من ذلك مسألة «التسليم».

كان صريحاً. لم يكن يثق باللوائح التي يقدّمها الإسرائيليون. وكان يعتقد بأنّها «مختلقة وتستند إلى أقوال من يُدفع لهم ليكونوا مخبرين».

في تلك اللحظة استُدعيت وزيرة الخارجيّة لتلقّي مكالمة هاتفيّة، وفي غيابها التفت بيبي إليّ وسألني، بعدما سمعته، إذا كان لديّ اقتراح. دهشت لأنّه أثار مسألة رجال الشرطة الثلاثة عشر أصلاً بالنظر إلى النقاش الذي دار بيننا في الليلة الماضية. أما الآن بعدما تفحّصت الرجلين، سألت إذا ما كان الإسرائيليّون قد سلّمونا هذه القائمة لنرى ما إذا كان يمكننا الركون إليها. وللإشارة إلى عرفات بأنّنا لسنا خاتماً مطّاطيّاً على القوائم الإسرائيليّة، أضفت بأنّنا لا نشارك الإسرائيليّين رأيهم بما يجب العمل مع الأشخاص الذين توجد عليهم إثباتات قاطعة، لأنّنا «نقرأ الاتفاقيّة المؤقّتة بشكل مختلف عن الإسرائيليّين بشأن سجن المشبوهين من قبل القوى الأمنيّة الفلسطينيّة، لا تسليمهم إلى السلطات الإسرائيليّة». سأل بيبي عرفات إن كان لديه أي ردّ على اقتراحي وقال عرفات إنّه ليس لديه أي تعليق. عادت وزيرة الخارجيّة، فأوضحت ما فعلناه في غيابها، وقال بيبي الآن إنّه ليس لديه تعليق أيضاً على اقتراحي. ثم نقل الحديث إلى عقد المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ. كانت فكرته تقضي بإقناع المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ بالتصديق على الاتفاقيّة التي يتوصّل إليها هنا والتعامل مع الميثاق. «وبذلك لا تبدون كأنّكم تعقدون اجتماع المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ من أجل الميثاق». بقي عرفات ملتزماً عدم الردّ، وفي جوابه عن سؤال من وزيرة الخارجيّة عما يمكن عمله الآن، قال إنّ على كل اللجان التي تغطّي كل هذه القضايا أن تجتمع. أنهينا الاجتماع باتفاق على أن يطلع رؤساء اللجان، الزعيمين ووزيرة الخارجيّة ، على مناقشاتهم في وقت لاحق من ذلك اليوم. ودّع بيبي عرفات، لكنّه لم يرافقه إلى باب ريفر هاوس ـ وتلك بنظر عرفات إهانة سبّبت له الإزعاج. كشف الاجتماع عن جدول أعمال بيبي. إنّه يريد سجن الثلاثين مشبوهاً أو تسليمهم ويريد التئام المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ بشأن الميثاق كجائزتين. وكان يأمل في إقناع عرفات بهاتين القضيّتين لكنّه لم يصل إلى نتيجة. لم يسفر اجتماعهما كما هو متوقّع عن أي ردّ على ما كلّفهما به الرئيس ولم تبد ثمة إشارة إلى أنّ أيّاً منهما لديه الرغبة في التعامل مع ذلك. بعد الغداء، في هذا اليوم الثاني، لم تبد أي إشارة إلى أنّنا سنتقدّم بسرعة. كانت خطّتي التي عرضتها في الصباح الطريقة الوحيدة لتحريك الأمور. ولسوء الحظّ لم نكن قد تسلّمنا بعد الاقتراحات الأمنيّة الفلسطينيّة التي نحتاج إليها، وعندما بحثت عن أبي مازن، اكتشفت أنّه ذهب للتسوّق من متجر غير بعيد عن واي. وعندما تمكّنت من الوصول إليه في النهاية، وعد بالعمل، ولكن وجدت مرّة ثانية أنّنا الوحيدون الذين لدينا إحساس بالإلحاح.

التقت اللجان في وقت متأخّر من بعد الظهر، وقبل قليل من حلول عطلة السبت، أطلع رؤساء اللجان، الزعيمين ووزيرة الخارجيّة، عما دار في هاوتن هاوس، مقرّ الفلسطينيّين. كان التركيز منصبّاً بأكمله تقريباً على المشاكل الاقتصاديّة والممرّ الآمن بين الضفّة الغربيّة وغزّة، وهما قضيّتان تؤثّران بشدّة على الحياة اليوميّة للفلسطينيّين رغم أنّهما ليستا مركزيّتين في أي اتفاق. لم يقل عرفات الكثير طوال الاجتماع، سوى طلبه من بيبي التفكير «رجاء» في الإجابة عن كلّ مسألة.

رغم أنّ الاتفاقيّة المؤقّتة تنصّ على ممرّين آمنين بين غزّة والضفّة الغربيّة، لم يتمكّن الجانبان قطّ من التفاوض على تنفيذهما. فالقيود الأمنية التي سعى الإسرائيليّون إلى فرضها على هذين الطريقين، اللذين يجب أن يمرّا في إسرائيل، تجعل السفر في نظر الفلسطينيّين «غير آمن وغير حرّ».


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.258103

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 05 2016, 01:25

الحلقه الثالثه 

كنت أعلم أنّ الإسرائيليين لن ينهضوا باكراً صباح عطلة السبت. وكنت قد أبلغت ناتان وإسحاق مولخو بأنني سآتي إليهما لنمشي معاً في حوالي الساعة الحادية عشرة. بدلاً من ذلك انتظرت صائب عريقات وأرسلت خبراً بأنّني سأراهما بعد الظهر. لكن تبيّن لي أنّ ذلك متعذّر لأنّه كان عليّ إطلاع الرئيس القادم من البيت الأبيض على ما جرى. ونتيجة لذلك لم ألتقِ بأي إسرائيليّ قبل لقاء الرئيس مع بيبي في الرابعة بعد الظهر، تاركاً لهم أن يتساءلوا عما نعدّه مع الفلسطينيين. لم تكن تلك حركة ذكيّة من جانبي. لكنني كنت سأحصل على ما أريد من الفلسطينيين.
جاء صائب وحده إلى غرفتي في الحادية عشرة صباحاً. وكان معي آرون وجمال فقط. قال «إنني لست هنا للتفاوض أو للتلاعب على الكلمات. هل يريد الإسرائيليون إعلانات أو مضموناً؟ إذا كانوا يريدون المضمون فسيحصلون عليه، ولا يمكننا القيام بالإعلان إلا على حساب المضمون. سأكون صريحاً معك وأبلغك ما يمكننا عمله في الجانب الأمنيّ من النصّ الذي عرضته على دحلان. يمكننا القبول به كله تقريباً».

ركّزت على «تقريباً» لا على «كله»، وانتظرت بقيّة كلامه. وقد جاء في صيغة ألطف مما توقّعت. فقد ذكر أربع نقاط يجب تغييرها ذاكراً أنّهم يقومون بما نريده في كل نقطة لكنّهم يحتاجون إلى نصّ جديد: «لا تأتوا على ذكر القائمة المحددة للمشبوهين الذين يجب القبض عليهم، ولا تأتوا على ذكر آلية التدقيق في إطلاق السجناء، ولا تذكروا نقل الولايات المتحدة الأسلحة المصادرة بصورة غير قانونية، ولا تذكروا شيئاً عن تقديم الفلسطينيين لائحة بمكان توجّه الأعداد الفائضة من رجال الشرطة». كرّر صائب النقطتين اللتين اعترض عليهما دحلان بشدّة، وأضاف مشكلتين أخريين، لكنّه، خلافاً لدحلان، قال صراحة إنّهم سيقبلون بقيّة النصّ الأمنيّ.

كان ذلك مفيداً، لكن لم يكن بوسعي أن أدعه يعتقد بأنّنا نستطيع القبول بإزالة كل إشارة إلى هذه النقاط الأربع. قلت له «صائب، لقد سمعتك وأتفهّم موقفك تماماً. وأنا مستعدّ للنظر فيما تطلبون، لكنني لا أستطيع أن أعدك بأننا سنتمكن من مسايرتكم. فالجانب الإسرائيليّ سيقول إنّه لا يوجد غموض في التزاماته وستنقلب الأمور عليكم والنصّ واضح. يجب على الأقل أن يكون لدينا شيء في النص يمكننا من التعامل مع كلّ من هذه القضايا».

بحثنا كلاًّ من هذه القضايا: قائمة المشبوهين والتدقيق في إطلاق السجناء، وجمع الولايات المتحدة الأسلحة غير القانونية وماذا يحدث للفائض في رجال الشرطة. واقترح صائب صيغاً غامضة لكل منها قائلاً إنّ هذا حدود ما هو ممكن.

طلب التحدّث معي على انفراد، فمشينا في الخارج حيث أطلعني على مسوّدة للتعليقات السلبية. وقال إنّ أبا مازن رفض ما أراد الآخرون قوله، لعلمه أنّك ستقول لنا «بلطوا البحر» (كان مصيباً). وتابع قائلاً «قال لي أبو مازن اذهب وأنجز الأمر. لقد أقنعت دحلان وهو يستطيع التعايش مع ما وصفته لك. سننفذ المضمون، لكن لا تحشرنا في الزاوية. لا تسلبنا احترامنا لأنفسنا. إنني لا أفاوض الآن، بل أحاول أن أنهي الأمر بطريقة يرضون عنها ونرضى عنها».

قلت لصائب إنني أعرف أنه يبذل جهداً صادقاً وإنني أقدر ذلك. لم يكن بوسعي تقديم وعود، لكن سأرى ما يمكنني أن أفعله. فقال صائب، «حاول يا دنيس، حاول حقاً».

بعد أن ذهب صائب، توجهت إلى مادلين وأخبرتها أن لدي أنباء طيّبة وأنباءً سيّئة: لقد كان الردّ الفلسطيني على الجانب الأمني أفضل مما توقعت، حيث توجد فيه مقاطع حاسمة مثل تعقب المجموعات الإرهابية وبنيتها التحتية التي بقيت سليمة. لكن حذفت أربع نقاط رئيسية من النص، ولا أظن أن الفلسطينيين سيكونون أكثر صراحة علناً. سيقول بيبي «إنّك تقتطع من المضمون لا الأسلوب» وسيحاجج بأننا «ندمّر ما يفترض أن تحصل عليه إسرائيل من الفلسطينيين».

أبلغت وزيرة الخارجيّة أن بيبي سيكون محقّاً من وجهة نظر سياسته. وسيكون علينا أن نقول له إننا ننتج المضمون الذي يحتاج إليه، وأن ذلك يعتدّ به أكثر من الرموز في نهاية المطاف. واصلت الاعتقاد بأن بيبي سيقبل اتفاقاً إذا حصلنا على التزامات صلبة من الفلسطينيين بشأن ما سيقومون به عملياً في كل المسائل الأمنية. كنت أعرف أنه يريد تسويق اتفاق ينسحب فيه من أرض في الضفة الغربية ـ وتلك هرطقة إيديولوجية بالنسبة لقاعدته ـ بإظهار أنّه يحصل من الفلسطينيين على أكثر مما يعتقد الناس أنه ممكن، وأكثر دون شكّ مما حصل عليه حزب العمل. لذلك فإنّه يحتاج إلى «الجوائز». وكنت الآن أكثر تعاطفاً مع رغبته في الجوائز، لا سيّما أنّ علينا أن نضعف مظهر ما سيحصل عليه في الجانب الأمني.

لكنني شدّدت أمام مادلين على أن أولويتنا الأولى يجب أن تكون الحصول عملياً، في خطة عمل يمكن الركون إليها، على توقيف أو اعتقال القائمة وآلية التدقيق والإجراءات ضد البنية التحتية المدنية الداعمة للإرهاب ومصادرة الأسلحة غير القانونية. على الفلسطينيين أن يفعلوا هذه الأشياء بالفعل، حتى وإن كانوا لن يصفوا التزاماتهم علناً بهذه الصراحة. علينا الحصول على هذه الالتزامات قبل أن نضغط على بيبي لقبول لغة أكثر ليونة مما توصلنا إليه معه في كل المسائل الأمنية.

وافقت مادلين على أن تلك هي الاستراتيجية الصحيحة التي نتبعها، لكنها أرادت أن تعرف ماذا سيفعل الرئيس مع بيبي وعرفات عند عودته للاجتماع بهما بعد ظهر اليوم.

نحتاج مع بيبي إلى أن يقول جورج كينيت أمام الرئيس إن الفلسطينيين قدموا الآن خطة يمكن الركون إليها، وهي تشمل كافة المستويات ـ العسكريّة والمدنيّة ـ وتعطي صورة واضحة عما سيقوم به الفلسطينيون.

عندئذ أعتقد أن الرئيس يمكنه أن يطلب من بيبي إعطاءه الـ 14.2 بالمائة في جيبه وأن يعطينا المزيد من حرية التصرف بشأن اللغة المستخدمة لإعادة الانتشار الثالثة. وإذا ما تمكن الرئيس كلينتون من الحصول على هذه الأشياء، سنكون في موقف يمكننا من الذهاب إلى عرفات والحصول على المزيد، بما في ذلك التفاهمات الخاصة بالأمن والتي سيكون الحصول عليها ضروريا جداً بالنسبة إلينا.

وافقت مادلين لكنها أرادت مراجعة كل ذلك مع ساندي عند وصوله.

* دنيس روس: خدعة ودراما إسرائيلية كاذبة انطلت على الفلسطينيين ولكن ليس علينا..!

* أنتج يوم الأربعاء الأزمة التي تنبّأت بها. فكما هو متوقّع، عندما حصل الإسرائيليّون على النص الفعلي، كان لديهم مشكلة كبيرة معه، مشكلة كبيرة جدّاً بحيث إنّهم هدّدوا بمغادرة واي.

كنت أنا ومادلين نتناول طعام الفطور في واي سنتر. كنّا نحاول ترتيب اجتماع بين اولبرايت ونتنياهو عندما أفادنا بات كنيدي ـ المسؤول عن الأمور اللوجستيّة في القمّة لكل الفرقاء ـ بأنّ الإسرائيليّين طلبوا منه المساعدة للتوجّه إلى مطار أندروز في الساعات القليلة التالية. نظرت إليّ مادلين وسألت ما العمل، وكيف نستجيب إلى ذلك؟

قلت إننا كنا نتوقع حدوث أزمة معهم عندما يرون اللغة اللينة مكتوبة على الورق، وأنهم لن يحصلوا على كل ما يريدون. كما أنهم ربما يرفعون من غضبهم لكي يقنعونا بأنّ الأمور سيّئة جدّاً بحيث نعطيهم بعض التطمينات الجانبيّة. وقلت، «إنّ أهمّ ما يمكننا القيام به هو أن نوضح أنّنا لن ننزعج من تمثيليتهم الصغيرة. لنبلغهم بأنهم إذا أرادوا الرحيل فإننا راغبون في مساعدتهم على القيام بذلك». وختمت حديثي بإبلاغ مادلين أن ذلك «نهج لا خسارة فيه بالنسبة إلينا. إمّا أن نتحدى بيبي بأن ينفذ تهديده وإما إذا تبين أنه لا يهدد ـ وهو أمر أشكّ فيه كثيراً ـ وترك بيبي محادثات السلام، فعليه عندئذ أن يفسّر لماذا أعطى ظهره لمحادثات السلام».

وعندما وضع فريقه حقائبهم خارج ريفر هاوس بعد وقت قصير، علمنا أنها خدعة. فإن كنت تريد المغادرة تغادر فحسب. تجري ترتيباً لموعد مغادرة طائرتك وتستدعي الشاحنات المقفلة وتشحن الحقائب في الشاحنات. لم يكن هناك أيّ إثارة في وضعهم الحقائب في الخارج، بل دراما كاذبة فحسب.

رأى الفلسطينيون بالطبع العرض المسرحي الإسرائيلي. وكان من الطبيعي أن يفترضوا أن الإسرائيليين يواجهون مشكلة معنا. استخدمت ذلك لبناء مصداقية جهودنا. لم يكن بوسعي تقديم النصّ بأكمله إلى الفلسطينيين بعد لأننا لم نحصل على تعليقات من الإسرائيليين ـ وربما نجري بعض التغييرات على هذا النص المنقح لجعله أكثر استساغة بالنسبة إليهم. لكنني التقيت بصائب ومفاوض فلسطينيّ آخر، حسن عصفور، وأوضحت أننا نراجع الصياغات الأمنية مع الإسرائيليين، وأننا حاولنا أن نأخذ المخاوف الفلسطينية بالحسبان وأنّ الإسرائيليين لم يرقْ لهم ذلك. لكن قلت لا تخدعوا أنفسكم، فنحن لا نستطع «أن نجاريكم في تليين النصّ إلا إذا حصلنا على تطمينات واضحة منكم بشأن توقيف المشبوهين والتدقيق في إطلاق المسجونين والشرطة ومصادرة الأسلحة غير القانونيّة».

تجاهلنا الإسرائيليين، فيما بقيت حقائبهم في الخارج معظم النهار، وعملنا مع الجانبين على التطمينات. ركزنا مع الفلسطينيين على توجيه رسالة إلى وزيرة الخارجية من عرفات تتقدّم من قضيّة إلى أخرى وتطمئننا أنّ الفلسطينيين سيفون بواجباتهم، وبخاصة أنّه لن يكون هناك «باب دوّار» بشأن إطلاق المساجين. كنّا بحاجة إلى هذه اللغة لاستخدامها مع بيبي.

كان اجتماعنا مع بيبي ووزرائه ـ شارون ومُردخاي وشارانسكي ـ يستحقّ الاهتمام لسببين. أولاً، وافقت وزيرة الخارجيّة على طلب بيبي رسالة تؤكّد على أنّ تنفيذ الفلسطينيّين لكافة التزاماتهم يجب أن يتمّ قبل أن نتقدم من مرحلة إلى التالية في الجدول الزمنيّ. ثانيا، رداً على بيان وزيرة الخارجيّة بأن للفلسطينيّين الحق بأن يتوقعوا التنفيذ من الإسرائيليين أيضاً، استاء شارون ونعت الفلسطينيين بأنهم «عصابة من المجرمين».

* روس: أعطينا الإسرائيليين النص المقترح للإتفاق فهددونا إذا لم نقبل تعديلاتهم

* كان اجتماعنا مع بيبي ووزرائه ـ شارون ومُردخاي وشارانسكي ـ يستحقّ الاهتمام لسببين. أولاً، وافقت وزيرة الخارجيّة على طلب بيبي رسالة تؤكّد على أنّ تنفيذ الفلسطينيّين لكافّة التزاماتهم يجب أن يتمّ قبل أن نتقدّم من مرحلة إلى التالية في الجدول الزمنيّ. ثانيا، ردّاً على بيان وزيرة الخارجيّة بأنّ للفلسطينيّين الحقّ بأن يتوقّعوا التنفيذ من الإسرائيليّين أيضاً، استاء شارون ونعت الفلسطينيّين بأنّهم «عصابة من المجرمين».

في أعقاب الاجتماع مع بيبي، أنهيت تفاهماتنا الجانبيّة بمفردي مع إسحاق مولخو. لم يكن ذلك يعني أنّ مصاعبنا قد انتهت، بل أنّ الإسرائيليّين سيعطوننا الآن تعليقاتهم على النصّ بأكمله لنردّ عليها. كنت أتوقّع أنّ المباحثات مع إسحاق وداني نافيه ودانييل ريزنر ستكون صعبة، حيث سيحاولون قراءة النصّ كلمة كلمة ليروا ما المزيد الذي يمكنهم الحصول عليه.

طلبت من مارتن وآرون وجون شوارتز الانضمام إليّ في المباحثات. وكان البحث يتخذ المسار الذي توقّعته عندما أحضر مساعدي، نيك راسموسن، تقريراً من رويترز يستشهد بأفيف بوشينسكي، وهو الناطق الرسميّ الصحفيّ الإسرائيليّ، الذي «هدّد» بمغادرة واي إذا لم يكن الإسرائيليّون راضون عن نتائج المراجعة التي يجرونها للنصّ المقترح. لم يكن «التهديد» سلوكاً مقبولاً، لكنّه كان سلوكاً مع ذلك. والأهمّ من ذلك أنّ الإشارة إلى أنّنا نقوم حاليّاً بمراجعة النصّ مع الإسرائيليّين تخرق تفاهمنا على أنّ إطلاعهم على النصّ قبل تقديمه إلى الفلسطينيّين يستند إلى السريّة التامّة. وخرق القاعدة، كما أكّدنا طوال الطريق، يعني أنّنا لن نعود ملزمين بأي تفاهمات توصّلنا إليها فيما بيننا، وقد أبلغتهم بذلك. علينا التشاور مع وزيرة الخارجيّة بشأن ما يجب عمله عند هذه النقطة.

عرف الإسرائيليّون أنّهم يواجهون مشكلة. فبعد أن قطعنا المفاوضات بوقت قصير، اتصل داني نافيه وزلمان شوفال وسألا إن كان بوسعهما المجيء لمقابلة وزيرة الخارجيّة. أخبراها أنّ بيبي لم يكن يعرف بالبيان الصحفيّ، وردّت وزيرة الخارجيّة أنّ «من الصعب تصديق» ذلك. واقترح داني وزلمان أن تتوجّه وزيرة الخارجيّة للقاء رئيس الوزراء بمفرده لتصفية الجوّ. وقد وافقت.

فيما كانت تستعدّ للذهاب إلى ريفر هاوس، دخل جورج وأعلن، «لقد حصلنا عليه، الصفقة الأمنيّة« تمّت بين مردخاي ودحلان. وقد «وافقا على خلاصتي لتفاهمهما»، وسيكون أمام الفلسطينيّين أسبوع واحد لإتمام خطّة العمل التي تستمرّ ثلاثين يوماً.

بوجود اتفاق مردخاي بيدنا، أبلغت وزيرة الخارجيّة أنّ لديها الكثير من أوراق الضغط على بيبي. لم يعد علينا مطاردته أو العمل وفق جدول عمله. يمكننا العمل وفق جدول عملنا الذي يحدّده الآن الفريق السياسيّ في البيت الأبيض. وقد أصرّوا، نظراً لأنّ انتخابات نصف المدّة ستجري بعد ستّة أيّام فقط، على أن ينضمّ الرئيس إلى الحملة، وأن يكون غداً ـ الخميس ـ آخر يوم لتواجد الرئيس في واي.

ذهبت مادلين للقاء بيبي وأفادت عند عودتها أنّ بيبي مستعدّ الآن لمتابعة مراجعة النصّ ومحاولة الانتهاء من كل شيء غداً.

اجتمعت بإسحاق وداني وأبلغتهما أنّ «رئيس الوزراء وافق على أن نقدّم النصّ إلى الجانبين الآن». بدا أنّهما تفاجآ وقالا إنّهما فهما أنّ علينا مراجعة النصّ قبل تقديمه إلى الفلسطينيّين، لكنّهما «سيراجعان رئيس الوزراء».

كانت تعليماتي تقضي بإعطاء النصّ للفلسطينيّين الآن، ولم يكن في خاطري إضاعة الوقت فيما ذهبا لمقابلة بيبي. أبلغتهما ذلك، لكنّني قلت إنّني سأعطيهما نصف الساعة التالية لإنهاء مراجعة تعليقاتهما. وقد شكراني لكنّ سعادتهما سرعان ما تحوّلت إلى ألم حقيقيّ. وقبل الاختتام أبلغتهما أنّنا لن نقدّم رسالة بشأن عدم الانتقال من مرحلة إلى التالية إلا بعد إتمام الواجبات، ولا جدولاً زمنيّاً تأتي فيه المسؤوليّات الفلسطينية قبل تنفيذ الواجبات الإسرائيليّة. فعلى الرغم من وعد وزيرة الخارجيّة في وقت سابق ورغبتنا في الاستجابة للمطالب الإسرائيليّة، إلا أنّ التسريب قوّض مصداقيّتنا مع الفلسطينيّين ـ «كنّا نعني ما قلناه عن عدم انعقاد التفاهم إذا لم يحترموا مبدأ السريّة». بدا إسحاق وداني كأنّهما لكما على معدتهما، لكنّهما سرعان ما سلّما بالأمر. وقد أشار ذلك بوضوح شديد إلى أنّها مستميتان لإبرام الصفقة.

كانت مادلين متلهّفة للتقدّم، وبناء على إلحاحها طلبت من آرون تقديم النصّ ـ مع بعض التعديلات التي تأخذ في الحسبان ما سمعناه من الإسرائيليّين ـ إلى الفلسطينيّين خلال ساعة. وقد فعل ذلك وأفاد بأنّهم استمعوا إلى شرح كل مقطع وطرحوا بعض الأسئلة. لكنّ آرون قال إنّهم «كانوا في مزاج مستكين». قلت لم لا؟ لقد رأونا نتصارع مع الإسرائيليّين طوال اليوم، وهو ما لم يكونوا يتوقّعونه تماماً.

* كلينتون لم يحبذ لقاء منفردا بنتنياهو وقال: ماذا أفعل معه لوحدنا

* دخلنا لنطلع الرئيس على ما دار. كان رام إيمانوئيل، لعلّه أهم مستشاري الرئيس في القضايا الداخلية، قد رافق الرئيس إلى واي، وطلب مني أن أذكر ما يجب أن يقوله الرئيس. فقلت «سيّدي الرئيس، ما عليك إلا أن تقول لقد حصلت على خطّة أمنيّة حقيقيّة، وعليك الآن يا بيبي أن تضع بضعة أشياء في جيبي».

قال الرئيس إنّه أدرك الأمر، لكنّه سأل ألن يكون من الأفضل بالنسبة إليه أن يفعل ذلك في مجموعة صغيرة بدلاً من اجتماع بين شخصين؟ أومأنا جميعاً بالإيجاب، وسأل عندئذ، ماذا أفعل معه لوحدنا؟ اقترحت أنّ بوسعنا أخذ استراحة قصيرة بين الاجتماعين لبحث ما قد يكون من المفيد عمله بعد ذلك. وافق الرئيس ومشينا مسافة الخمسمئة ياردة إلى ريفر هاوس وكنّا نبدو كجيش مع حشود من رجال الأمن ومعنا فريقنا بأكمله يمشون مثقلين. شعر الرئيس بسخف هذا المشهد فالتفت إلى جورج وقال، «أتعتقد أنّ لدينا ما يكفي من الأشخاص معنا؟».

لسوء الحظّ، عندما وصلنا إلى هناك، ذهبت خطّتنا المحبوكة جيدّاً أدراج الرياح. رحّب بيبي بالرئيس، وعندما اقترح الرئيس اجتماعاً لمجموعة صغيرة أولاً، أجاب بيبي «حسناً» وأحضر معه ثمانية أشخاص إلى السقيفة. ولأنّ الإسرائيليين لم يلتقوا بأيّ أميركيّ طوال اليوم، كانوا متوتّرين ومن ثمّ كان الوفد الموسّع. تراجعت إلى الخلف لجعل مجموعتنا أصغر، ومن حيث كنت أقف كان بوسعي أن أرى جورج وساندي ومادلين في جانبنا، وضعف العدد في جانب بيبي. وبعد بضع دقائق، طلب مني ساندي أن أنضمّ إليهم. فحشرت نفسي على كرسيّ أحضره مساعد بيبي العسكريّ وأدركت أنّ الاجتماع يسير على طريقة بيبي، لا على طريقتنا. لقد ارتكبت خطأ كبيراً في عدم التوجّه إلى ريفر هاوس نهاراً، على الأقل لأصافح الإسرائيليّين وأهدّئ شكوكهم وأشرح لهم ما نقوم به.

عندما جلست، كان بيبي يتحدّث إلى جانبه بقدر ما يتحدّث إلى جانبنا، وشدّد على أنّه لم يسمع أي شيء عن احتياجاته. وبدلاً من الردّ بشكل مباشر، طلب الرئيس من جورج أن يشرح ما الذي يتمّ عمله بالنسبة للاحتياجات الأمنيّة الإسرائيليّة وأين تقف الأمور في خطّتنا. ربما كان نجح ذلك لو لم يصرّ بيبي على أن يسمع الإسرائيليّون ذلك بشكل مباشر لا عن طريق طرف ثانٍ. وقال بيبي، «بقدر ما نثق بكم، الأمر يتعلّق بأمننا، ويجب أن يستمع شعبنا إلى خطط الفلسطينيين من الفلسطينيين».

رغم أنّ جورج كان واثقاً أن لدينا الآن خطّة عمل من الفلسطينيين، فقد شعر بعدم الارتياح فيما كان يزعم أنّ هناك خطّة عمل تلبّي الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية عندما قال رئيس وزراء إسرائيل أنّ ذلك خبر جديد بالنسبة إليه. فالإسرائيليون يجب أن يروها على الأقل وأن يقبلوا أنّه يمكن الركون إليها. ونتيجة لذلك آثر جورج عدم مواجهة مقولة بيبي. لقد أبطلت المقدّمة المنطقيّة لهذا الاجتماع وما نقوم به فيه. وبدلاً من السماح لبيبي بأن يضعنا جميعاً في موقف دفاعيّ، آثرت أن أتدخّل: «اسمع يا حضرة رئيس الوزراء، إنّ ما سمعه رجالك الأمنيّون من الفلسطينيّين حتى هذه المرحلة يشمل المستويين العسكريّ والمدنيّ ويتجاوز كثيراً الخطّة الشاملة لسنة 1996 التي لطالما اعتبرتها نموذجاً يحتذى. وشعبك يقول إنّ هذه الخطّة جدية».

ردّ بيبي واصفاً الخطّة بأنّها واعدة ولكن غير كاملة، والآن، بعدما ووجه جورج بمقولة بيبي، قال، في نهاية المطاف «إنّه أمنك وسنعمل لكي نحمل الفلسطينيين على تقديم خطّة حقيقية»، معترفاً بأنّنا نحتاج إلى الحصول على المزيد من الفلسطينيين لكي يكون هناك خطة حقيقية. هنا تدخّل الرئيس طالباً من بيبي أن يراجع احتياجاته. مررنا عليها واحدة بعد الأخرى، فيما كان بيبي يذكر احتياجاته ثانية، وأخيراً نظر الرئيس إليّ. وقبل أن أستجيب، قال ساندي: «السيّد رئيس الوزراء، إنّنا نعمل فقط على جدول أعمالك، أنت لا تضع شيئاً في جيبنا. عليك أن تضع شيئاً في جيبنا إذا أردتنا أن نحصل على ما تحتاج إليه». تملّص بيبي من الإجابة قائلاً، «لقد قدّمنا ما يمكن أن نقدّمه».

ملت على ساندي وقلت، «هذا جوّ رهيب، لن يعطي بيبي شيئاً أمام كل هؤلاء الأشخاص. لندع الرئيس يجتمع به على انفراد ويحصل على الـ 14.2 بالمائة في جيبه. وامنحني دقيقة واحدة مع الرئيس قبل أن يجتمع مع بيبي على انفراد». وافق ساندي واقترح على المجموعة أنّه ربما يكون من المفيد أن يجتمع الزعيمان معاً على انفراد عند هذه النقطة.

جاء الرئيس ليتحدث إلي وقال، «لم أستطع أن أوقفه أمام كل هؤلاء الأشخاص. ماذا تريدني أن أفعل معه الآن؟» قلت، «سيعالج جورج الموضوع الأمني وستكون هناك خطّة يمكن الركون إليها، وعلينا أن نعرف إن كنّا سنحصل على الـ 14.2 بالمائة في جيبنا. أبلغه فقط أن عليك أن تحصل على ذلك». قال الرئيس كلينتون «فهمت». وقد حصل بالفعل على ما يريد.

لكن في الاجتماع الخاصّ أثار بيبي اقتراحاً جديداً. لماذا لا نسعى إلى اتفاق جزئيّ؟ فذلك يحدث تقدّماً دون إجباره أو إجبار عرفات على عمل ما لا يستطيعانه في هذه الفترة. ونظراً لأنّ عرفات لا يستطيع في الظاهر تلبية طلب بيبي بشأن القتلة الثلاثين ولا عقد اجتماع المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ بشأن الميثاق، يستطيع بيبي تنفيذ الـ 13 بالمائة لكنّه بحاجة إلى هاتين الخطوتين من عرفات لنقل السلطة من 14.2 بالمائة من المنطقة «ب» إلى المنطقة «أ». وإذا كان ما يحتاج إليه بيبي صعباً جدّاً على عرفات الآن، لم لا نحدث تقدّماً ولكن باتفاق على حزمة أقل؟

كان من المفترض أن يلتقي الرئيس بعرفات على انفراد الآن. وبدون أن يسألنا، قال الرئيس إنّه لا يعتقد أنّ عليه أن يراجع كل هذه الأمور في هذه المرحلة، فما الذي يجب أن أفعله؟ قلت لن نصل إلى أي مكان بدون الخطّة الأمنيّة. وعليك أن تكرّر ثانية وجوب أن نحصل على خطّة عمل يمكن الركون إليها وإلا لن نحصل له على شي. يجب أن يشارك جورج في اجتماعك مع عرفات ويجب على عرفات أن يصدر تعليمات إلى رجاله الأمنيّين ليعطوا جورج ما يحتاج إليه. أومأ الرئيس برأسه، وقال عرفات إنّه سيفعل ما طلبه الرئيس. وأبلغ الرئيس أيضاً عرفات على انفراد أنّ لديه الـ 14.2 بالمائة في جيبه، وذلك يعكس بوضوح رؤية الرئيس بأنّه يحتاج إلى إعطاء عرفات شيئاً. وفيما وصل اليوم الثالث إلى نهايته، تساءلت إذا ما كان عرفات سيعطينا ما نحتاج إليه.


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.258203

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قحطان السامرائي

عريف أول
عريف أول




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 05 2016, 02:27

شكرا للمجهود
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 05 2016, 17:58

الحلقه الرابعه 

لم يقل الرئيس شيئاً، بانتظار أن يسمع ما الذي سأقوله. لم نكن في الموقف الذي كنت أتمنّى أن أقفه أمام بيبي، لكنّني قلت إذا كنّا نتحدّث عن الانتهاء يوم الخميس، علينا تسليمه الليلة إلى بيبي. سوف يخلق أزمة معه، لكنّني أشكّ في أنها ستكون للعرض أكثر مما هي حقيقيّة. استمع الرئيس وقال، «افعل ذلك».
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بقليل. اتّصلت بمولخو وأبلغته بخطّتنا وأوضحت أنّنا بحاجة إلى ردّهم في الصباح لأنّنا نريد أن نعرض النصّ على الفلسطينيّين في وقت لاحق من ذلك اليوم. فقال مولخو، «سأبلغ بنيامين نتنياهو. متى سنحصل عليه؟»، قلت بعد نصف الساعة. وتابعت «إسحاق، أنت تعرف القواعد، تعامل مع الأمر بتكتّم، لن يحصل الفلسطينيّون عليه قبل يوم غد».

بعد أن تجاوزت الساعة الواحدة صباحاً، ذهبت لأقدّم تقريري إلى الرئيس. كان الرئيس موجوداً في واي سنتر يتحادث مع مادلين وساندي عن انتخابات الكونغرس. وعندما رآني الرئيس، غيّر الحديث، وسأل إن كان الإسرائيليّون قد حصلوا على النصّ، وعندما قلت له إنّهم حصلوا عليه، طلب من ساندي ومادلين المغادرة لكي يبحث بعض الأمور معي.

افترضت أنّه يريد أن يتحدّث عن مكان وقوف مباحثاتي الخاصّة مع بيبي ودحلان بشأن «الثلاثين». لكنّني كنت مخطئاً، لم يكن يريد التحدّث عن «الثلاثين»، بل عن جوناثان بولارد. «هل هي قضيّة سياسيّة كبيرة في إسرائيل؟ وهل تساعد بيبي؟»، أجبت «نعم» لأنّه يعتبر جنديّاً لإسرائيل «وهناك خصيصة مميّزة في إسرائيل بأنّك لا تترك البتّة جنديّاً في الميدان». وأضفت، إنّك إن كنت تريد نصيحتي، لا تطلق سراحه الآن. «ستكون تلك مكافأة كبيرة لبيبي، وليس لديك الكثير مثلها في جيبك. وفّرها للوضع النهائيّ. وسوف تحتاج إليها لاحقاً، لا تستعملها الآن» (*) كان موقف الرئيس مختلفاً. قال، أنت تعرف «أنّني أتفق معك عادة، لكنّ هذا الجمود دام طويلاً، بحيث أنّه خلق نوعاً من الإمساك. نطلق سراحه فيصبح الكثير ممكناً. لا أعتقد أنّ بوسعنا الانتظار، وإن كان بولارد مفتاح إنجاز الأمر فسوف نفعل ذلك».

دخلت مادلين الغرفة في نهاية حديثنا وسألتني لاحقاً عنه. أبلغتها مكرّراً رأيي أنّ من الخطأ الإفراج عن بولارد من أجل هذه الصفقة، لكنّني أوضحت أنّ الرئيس يفكّر جدّيّاً في فعل ذلك.

(*) قلت أيضا إنني أحبذ إطلاق سراحه لاعتقادي بأنه تلقى حكما أقسى من الآخرين الذين ارتكبوا جرائم مماثلة، وانني أفضل عدم محاولة الافراج عنه مقابل أي اتفاق، لكن إن كان ذلك ما سنقوم به، فإنني أفضل حفظه للوضع النهائي.

* أولبرايت لنتانياهو: إذا واصلت على هذا المنوال لن تحصل لا على السلام ولا على الأمن فهل هذا ما تريد؟

* بعد الذهاب للنوم في الثانية والنصف صباحاً، أيقظني ساندي في الثالثة والربع: لقد وقع عمل إرهابيّ في إسرائيل، وهو يسأل عن رأيي فيما سيكون لذلك من تأثير. قلت إنّ ذلك يتوقّف على الظروف ـ أين وقع الهجوم وكم يبلغ عدد الضحايا ـ لكن في كل الاحتمالات سيرتاح بيبي ويصبح عرفات في موقف الدفاع. ويمكننا على الأقل الاستفادة من ذلك مع عرفات.

تراخيت عند ذهابي إلى الفراش وأنا أشعر بالكآبة والخوف من أنّ الإرهاب يمكن أن يتغلّب على كل ما كنّا نقوم به. وبعد أربع ساعات عرفت ما الذي حدث بالفعل: هجوم بالقنابل اليدويّة في بئر السبع في موقف للحافلات خلّف 67 جريحاً، بينهم أكثر من 20 جنديّاً، لكن لم يقتل أحد. تمّ إلقاء القبض على المهاجم، وبدت الأمور تحت السيطرة في إسرائيل. وقد قال الرئيس الإسرائيليّ عيزر وايزمن إنّ الهجوم يزيد من أهميّة نجاح المفاوضات، ولم يهدّد بيبي بالمغادرة ـ وهو أمر غير مفاجئ، كما أبلغت وزيرة الخارجيّة، لأنّ بيبي لا يستطيع المغادرة خالي الوفاض لئلاّ يظهر غير قادر على توفير الأمن أو السلام على السواء.

كنت أتوقّع أن يبادر بيبي إلى الهجوم هذا الصباح، فاقترحت على مادلين أن تلتقي به وتقدّم مواساتها عن الهجوم وتتمسّك بمواقفها وتشدّد على وجوب أن نواصل العمل من أجل الوصول إلى صفقة كاملة.

وافقت مادلين، فقد كانت تريد المضيّ قدماً، كما عبّرت عن ذلك، ووقف كل "هذه المناقشات الجميلة وإبلاغهم أنّ علينا عمل شيء أو وقف كل شيء". ذهبنا أنا ووزيرة الخارجيّة والتقينا بيبي في السقيفة خارج ريفر هاوس. وكما كان متوقّعاً، أبلغنا أنّ هذا الهجوم يثبت أنّ على الفلسطينيّين تقديم شيء في الجانب الأمنيّ وإلا لن يكون هناك اتفاق. أثار ذلك مادلين فتحوّلت إلى الهجوم وأبلغت بيبي: «إذا واصلت على هذا المنوال، لن تحصل على السلام ولا على الأمن، فهل هذا ما تريد؟ أنت تعامل الفلسطينيّين دون احترام ودون كرامة وتقدّم المطالب دائماً. ونحن لن نستمر على هذا النحو. ربما يتعيّن علينا الاعتراف بأنّ الأمر قد انتهى».

أنكر بيبي بغضب أنّه لا يحترم الفلسطينيّين ودفعني إلى القول، «ماذا عن هذا الصباح؟ لقد حاول عرفات الاتصال للتعبير عن مواساته ورفضتَ تلقّي المكالمة، ربما يكون ذلك مثالاً صغيراً، لكن يجب ألا تقلّل من تأثير هذه الإهانات على الجانب الآخر». قال إنّه سيتلقّى المكالمة، وعندما اقترحت أن يتصل به الآن، فعل ذلك فشكر عرفات على اهتمامه وأشار أنّ على الفلسطينيّين أن يفعلوا المزيد لوقف مثل هذه الهجمات.

وعندما أنهى بيبي مكالمته انهمك في العمل. فوافق بسرعة على مسوّدة بيان نصدره نيابة عن الجانبين يدين الهجوم. ثمّ طلب مراجعة عناصر الصفقة الجزئيّة قائلاً «علينا أن نغادر حاملين معنا شيئاً». مع ذلك لم تحقّق المباحثات اختراقاً، لكن بعد قليل من مغادرتنا أنا ومادلين، وصلتني رسالة بأنّ بيبي يريد لقائي. عدت إلى ريفر هاوس وجلس بيبي بمفرده معي. فأطلعني على دفتر ملاحظاته الأصفر مع بعض التنقيحات على ما يمكن أن يدخل في الصفقة الجزئيّة. كان مستعداً لأن يدخل فيها المنطقة الصناعيّة في غزّة وربما أحد الممرّين الآمنين. لكنّه بقي مقتنعاً بأنّنا لا نستطيع السعي وراء الصفقة الشاملة. خالفته الرأي قائلاً، «تريد حلاًّ لقضيّة الثلاثين ومقاربة لإعادة الانتشار الثالثة والمجلس الوطنيّ الفلسطينيّ للسعي إلى الصفقة الشاملة، أليس كذلك»؟ أومأ برأسه. قلت له ليس لدي إجابة بشأن المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ، لكن لديّ بعض الأفكار بشأن الثلاثين وإعادة الانتشار الثالثة. أصغى إلي بيبي باهتمام.

قلت، في مسألة الثلاثين ماذا لو كان هناك حالات خاصّة لاثنين أو ثلاثة من بين الثلاثة عشر شرطيّاً؟ ماذا لو كنت تعلم أنّ سبعة وعشرين أو ثمانية وعشرين سيعتقلون حتماً وسيعامل اثنان أو ثلاثة لا أكثر في تفاهم خاصّ بين عامي أيالون ومحمّد دحلان. لا شكّ أنّه يجب أن يقتنع عامي بأنّ هؤلاء الاثنين أو الثلاثة مهمّون حقّاً في المجهود الأمنيّ. فإذا كان كذلك، لن يعتقلوا، وإذا لم يكن اعتُقلوا. إذا كانت اتفاقيّة واي تتعلّق بالأمن في نهاية المطاف، لتكن الاعتبارات الأمنية هي التي تحكم نتيجة هذه المسألة. لم يكن بيبي مستعداً أن يلزم نفسه بذلك، لكن كان بوسعي أن أعرف أنّه أعجب بالفكرة.

بعد ذلك تحدّثت عن إعادة الانتشار الثالثة. قلت إنّ المشكلة تكمن في كيفيّة حديثنا عن لجنة لإعادة الانتشار الثالثة، فالفلسطينيّون يريدون أن يكونوا قادرين على القول إنّ إعادة الانتشار الثالثة ستبحث، في حين أنت تريد أن تكون قادراً على تجنّب الظهور بمظهر أنّك تريد التفاوض بشأن إعادة الانتشار الثالثة، لا سيّما أنّها تثير المخاوف بأنّك ستجبر في نهاية المطاف على تنفيذ إعادة انتشار رئيسيّة. واقترحت عليه قائلاً، دعنا نستعمل رسالة كريستوفر. فهي توضح أنّ إعادة الانتشار مسألة يعود التقرير فيها إليكم لا للتفاوض، لكنّها توضح أيضاً أنّ إعادة الانتشار يجب أن تكتمل. ماذا لو قلنا بأنّ إعادة الانتشار ستعالج بما يتفق مع رسالة كريستوفر ويتعلّق بمفاوضات الوضع النهائيّ؟ الأولى تحميك، لأنّ كريستوفر يقول إنّ هذه مسألة يعود القرار فيها إليكم، والثانية تحميهم لأنّها توضح أنّه سيكون هناك بحث ـ وسيكون متّصلاً بالوضع النهائيّ. لم يلزم نفسه بشيء ثانية، لكنّه كان مهتمّاً بوضوح أنهينا الاجتماع وبيبي يبلغني أنّه يريد التفكير في هاتين الفكرتين اللتين أثرتهما وسيردّ عليّ فيما بعد. ومن معرفتي ببيبي، علمت أنّ لدينا الآن فرصة في مسألتي «الثلاثين» وإعادة الانتشار الثالثة. وعرفت شيئاً آخر أيضاً: لن يغادر بيبي واي بدون التوصّل إلى اتفاق. وكان استعداده لتجميل الصفقة الجزئيّة إشارة إلى ذلك، وانفتاحه على أفكاري إشارة أخرى.

أبلغت الأمر إلى وزيرة الخارجيّة فاستبشرت لكنّها سألت ما الذي يجب أن ننجزه قبل عودة الرئيس كلينتون في اليوم التالي.

كنت أحاول التغلب على صيغة إعادة الانتشار الثالثة من أجل أهداف واي فحسب. كما أنّني أردت صيغة تسمح لنا بإبقاء التركيز حيث يجب متى وصلنا إلى اتفاق هنا: بشأن الوضع النهائيّ لا إعادة الانتشار الأخيرة.

* مخاض المفاوضات العسير بين الصفقة واللاصفقة في قمة واي ريفر

* بدأ الغداء في واي بالإشارة إلى أنّها الذكرى الخامسة والعشرون لعبور شارون قناة السويس في حرب سنة 1973 ـ «وهو يوم مريب لنجتمع فيه ونتحدّث عن السلام». وأطلق تعليق الرئيس سلسلة من الذكريات على لسان شارون، استخدمها بيبي ليشرح لماذا يصعب على إسرائيل تقديم تنازلات ولماذا ترغب في تقديم مثل هذه التنازلات في عمليّات إعادة الانتشار قيد البحث. ما الذي يحتاج إليه لتقديم مثل هذه التنازلات؟ من المفارقة أنّه أجاب عن سؤاله لا بالتركيز على الأمن بل بالتشديد على أهميّة انعقاد المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ لإلغاء الميثاق الفلسطيني الذي، كما جاء على لسانه، «سيظهر للرأي العام الإسرائيليّ أنّ إسرائيل تأخذ في واي، لا أنّها تعطي فحسب». وتابع حديثه في هذا الجوّ من الثقة ليقول إنّ ذلك ليس صعباً على عرفات لأنّه يملك خمسمائة صوت في المجلس الوطني الفلسطينيّة. ناقش نائب الرئيس هذه المسألة معه، لا من ناحية قيمة المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ ولكن من ناحية السهولة النسبيّة لتحقيق ذلك بالنسبة لعرفات بوجود المجموعات الرافضة في المجلس الوطني الفلسطينيّ.

عند انتهاء الغداء، ذهب الرئيس وبيبي بمفردهما واجتمعا عند سقيفة مطلّة على النهر، وهناك اختليا في نقاش استمرّ نحو ساعة تقريباً. كان مع بيبي دفتر ملاحظات أصفر يعرضه على الرئيس. أخيراً انفضّ الاجتماع، وسار الرئيس خلف بيبي ونظر إليّ فأظهرت نظرته غضباً. أبلغنا عندما اجتمعنا ثانية في تنس هاوس أنّ بيبي أعاد طرح الصفقة الجزئيّة معتبراً أنّ من المستحيل العمل على الصفقة الشاملة. وفي الصفقة الجزئيّة التي عرضها بيبي، يحصل عرفات على 13 بالمائة والمطار وتخفيف القيود التجاريّة مع الأردن (لن يعطي 14.2 بالمائة والمطار والممر الآمن وإطلاق الأسرى وضريبة الشراء والمنطقة الصناعيّة في غزّة). ويحصل بيبي في المقابل على التعاون الأمنيّ وخطّة العمل الأمنيّة ومصادرة الأسلحة غير القانونيّة ومرسوم منع التحريض. ويترك كل شيء ـ المرحلة الثالثة والمجلس الوطني الفلسطينيّ والقتلة الثلاثين والممر الآمن والمسائل الاقتصاديّة الأخرى ونسبة 14.2 بالمائة ـ إلى ما بعد ثلاثين يوماً من الآن.

سألنا الرئيس عن رأينا. عارض ساندي ومادلين ذلك بشدّة: سيحصل عرفات على القليل جدّا الذي لا يبرّر ما سيكون عليه تقديمه. وبدون أن يعبّر الرئيس عن رأيه، قال إنّه سيطلع عرفات على الأمر إذ يجب أن يعرف الخيارات التي لديه. وافقت على ذلك قائلاً دعونا لا نستبق الحكم على مواقف عرفات. إذا كان الخيار الذي أمامه صفقة جزئيّة أو لا صفقة، دعونا لا نكون واثقين من أنّه سيختار اللاصفقة. وطرحت نقطتين إضافيّتين. أولاً، يجب ألا يبدو الرئيس أنّه يحاول ترويج صفقة بيبي، بل يقوم فقط بنقلها لأنّه مدين بذلك لعرفات. ثانياً، على بيبي أن يعرض المزيد على عرفات لجعل الصفقة الجزئيّة جذّابة. لكنّنا سنترك أمر ذلك إلى عرفات، فإن كان مهتمّاً سيبلغنا بالأشياء الأخرى التي يحتاج إليها. وإذا لم يكن مهتماً، لن نخسر شيئاً بعرضها على أي حال. كما أنّ عرفات يجب أن يعرف أنّنا نبلغه الحقيقة ويجب بالتالي ألا يكون واثقاً مما إذا كنّا نستطيع دفع بيبي إلى القبول بالصفقة كاملة.

لم يكن ساندي مرتاحاً مخافة أن نبدو كأنّنا نحاول إقناع عرفات بصفقة جزئيّة. وعندما شاهد الرئيس جمالاً جالساً في الزاوية، سأله عن رأيه فيما سيكون عليه ردّ فعل عرفات. قال جمال إنّه لا يعرف، لكنّ عرفات يمكن أن يقدّر الأمر «إذا ما عرضه الرئيس بالطريقة التي اقترحها دنيس. لن تبدو كأنّك تقنعه بشيء. بل تعتقد أنّه يجب أن يعرف. وأنت لا تعرف إذا كنت ستتمكّن من التوصّل إلى الصفقة الشاملة، لكنّك مستعدّ للمحاولة وتريد أن يسمع عرفات ما اقترحه بيبي وأن تحصل على ردّ فعله».

أومأ الرئيس برأسه قائلاً سأشدّد على أنّني أريده أن يخرج من هنا أقوى لا أضعف مما هو عليه، ويجب أن يقول لي ما يريدني أن أفعله ـ «وإذا ما كانت الصفقة الجزئيّة تجديه نفعاً أم لا».

وقبل الطلب إلى جمال دعوة عرفات إلى تنس هاوس، أثرت المسألة الأمنيّة ثانية. أبلغت الرئيس بأنّ جورج لا يملك الآن ما يشعر بأنّه يحتاج إليه من الفلسطينيّين، وبخاصّة في أعقاب الاجتماع مع بيبي في الأمس. يجب أن نحصل على ذلك. وقلت، مردّداً ما أصبح الآن موضوعا متكرّراً، «لا يستطيع بيبي أن يكون في موقف يمكّننا من إثبات أنّه خرج من هنا لتسجيل نقاط سياسيّة بعد رفض صفقة تعرض على إسرائيل ما تحتاج إليه من الفلسطينيّين من الناحية الأمنيّة. ذلك رهاننا الأفضل للحصول على صفقة وجعل بيبي يدفع الثمن إذا لم يفعل ذلك. وعلى عرفات أن يدرك أيضاً أنّ الفشل سيكون بسببه إذا لم نحصل على ما نريد في الجانب الأمنيّ». استدعي جمال للترتيب للاجتماع مع عرفات، وبعد 45 دقيقة وصل عرفات بصحبة أبي مازن وأبي علاء ونبيل أبي ردينة. وانضممنا ساندي ومادلين وأنا إلى الاجتماع.

قدّم الرئيس وصفاً عما دار مع بيبي وما عرضه الأخير، واقترح أنّ عرفات ربما يريد التشاور مع زملائه لدراسة الصفقة الجزئيّة مع العودة خلال ثلاثين يوماً قبل أن يقدّم لنا أيّ ردّ فعل.

لكن قبل أن يفعل ذلك أراد الرئيس أن يسمع عرفات رأيي في الجانب الأمنيّ. لم يكن الرئيس قد أبلغني أنّه سيلجأ إليّ في الاجتماع لأدلي بهذا التعليق. لكنّه فاجأني بأنّه كان يحاول أن يتجنّب أن يكون مدافعاً في هذه اللحظة.

كان عرفات ينظر إليّ مباشرة طوال مدّة حديثي. وعندما فرغت، أومأ برأسه ثم قال إنّه يودّ التشاور مع زملائه. سأل الرئيس إذا كان يودّ أن يقوم بذلك هنا، فقال عرفات لا، سيعودون إلى مقرّهم وسيتّصلون بالرئيس عندما يصبحون مستعدّين لمتابعة النقاش.

عاودنا الاجتماع بعد ذلك بساعتين في منزل الضيوف المجاور لهاوتن هاوس، حيث انضمّ إلينا جورج. أبلغ عرفات الرئيس أنّه لا يريد قبول صفقة جزئيّة، وأنّه على استعداد للبقاء عدّة أيام إضافيّة إذا كان ذلك ما يلزم للوصول إلى اتفاق. وإذا لم يكن من الممكن إنجاز كل شيء في الوقت المتوفّر للرئيس في هذه المرحلة ـ وكان المكوث مدّة أطول يخلق مصاعب أمام الرئيس ـ فإنّه مستعدّ للتوقّف الآن أو في الغد والقول إنّنا حقّقنا تقدّماً، والعودة بعد أسبوع أو عشرة أيام. كان يشعر أن الانتظار شهراً مدّة طويلة جدّاً.

* عرفات رأى أنّنا نستنزفه حتى الجفاف بطريقة تجعله مكشوفا في غزة

* كنت أعلم أنّ البحث بشأن الصفقة الجزئيّة سيعاود البروز اليوم. وكان ساندي ومادلين يعارضانها بشدّة وينظران إليها على أنّها خدعة أخرى من بيبي لتجنّب عمل ما هو ضروريّ فيما يخلق انطباعاً بحدوث تقدّم. ولم أستبعدها أنا تماماً لأنّني كنت أعتقد أنّ على عرفات أن يعرف ما هي خياراته. فقد يجد أن الصفقة الجزئيّة أكثر جاذبيّة من اللاصفقة، أو أنّ الوصول إلى اتفاق في هذه المرحلة صعب جداً عليه. ومع ذلك كنت أعرف، بحكم معرفتي ببيبي، أنّه للوصول إلى صفقة جزئيّة مقنعة، يجب من الناحية التكتيكيّة أن نضغط عليه من أجل صفقة كاملة. وقد شرحت ذلك لساندي ومادلين لكنّهما لم يقتنعا به. كانا يعتقدان أنّ صفقة جزئيّة من أي نوع تشكّل كارثة على عرفات، ولم يريدا أن يفكّر الرئيس بهذه التعابير. كنّا جميعاً نعلم أنّه لا يمكن تحقيق الكثير إذا بقيت الورقة الأمنيّة في جيب بيبي لا جيبنا. ولذلك بدأ جورج تنيت اليوم في العمل مع رجال الأمن الفلسطينيّين. وعلى رغم طمأنة عرفات الرئيس بشأن الجانب الأمنيّ، سرعان ما واجه جورج مشكلة ـ فقد شعر دحلان أن الأهداف تتحرّك بشكل مستمرّ. كنّا نشعر بالرضى، أما الآن فلا. وبصرف النظر عما يقوله لنا، سيواصل الإسرائيليّون طلب المزيد وسنجاريهم بكل بساطة. وهو يرى أنّنا نستنزفه حتى الجفاف بطريقة تجعله مكشوفاً في غزّة. لذلك كان يريد أن يعرف أننا سنقف عند نقطة ما وستكون نهائيّة ـ لا مزيد من الأسئلة عما سيقدّمه ولا مزيد من المطالب. ونتيجة لذلك قاوم ما كان يطلبه جورج، لا سيّما من ناحية مكافحة البنية التحتيّة المدنيّة كجزء من مواجهة الإرهاب. وهنا يكمن التحدّي الذي علينا التغلّب عليه.

إنّه يوم أحد، وسيصل الرئيس في حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً، وسينضم إليه نائب الرئيس غور. وكنّا قد حدّدنا في برنامجنا نحو ساعة من المباحثات مع الرئيس لكي يكون مستعدّاً للغداء المزمع مع بيبي ووزرائه ـ وزيري الخارجيّة شارون والدفاع مردخاي اللذين وصلا في هذا الصباح. وللاجتماع والإعداد للغداء ويوم العمل، انتقلنا إلى منزل منعزل آخر في المجمّع ـ تنس هاوس الواقع على نهر واي وعلى بعد مسيرة خمس دقائق على الأقدام من واي سنتر.

استخدمنا وقت تقديم المعلومات الموجزة لتكرار ما نحتاج إليه من بيبي إذا كنّا سنأمل في الوصول إلى اتفاق. ووقف ساندي ومادلين ضدّ الصفقة الجزئيّة على أساس أنّها تضعف عرفات. ووافق الرئيس. وكان كلاهما يريدان من الرئيس أن يعرض حزمة إجماليّة على بيبي ويقول هذا ما يمكننا عمله، فإذا لم يكن بوسعك القبول بها لنعترف ببساطة بعدم إمكانيّة القيام بذلك.

كان سلوك هذا الطريق مقامرة، لكنّني قلت إنّ التصرّف مفيد في إجبار بيبي على البوح بما لديه. وكان ساندي يعتقد أنّ بيبي قد يتراجع، فيما اعتقدت مادلين أن الوقت حان لكي يعرض بيبي ما لديه أو يسكت (وكانت ترى أن السكوت هو الأرجح).

استمع الرئيس ونائبه إليهما وإلى ما قلته بشأن ما يمكن أن تضمّه الحزمة. ثم سألني الرئيس عن رأيي فيما يجب أن نفعله. قدّمت تقييمي لبيبي: لا يمكنه المغادرة بدون صفقة من أي نوع، ولو صفقة جزئيّة، تظهر حدوث تقدّم دون أن تجبره على الانفصال عن اليمين. فالوسط في إسرائيل يشكّ في قدرة بيبي على عقد أيّ صفقة، حتى لو كانت لصالح أمن إسرائيل. صحيح أنّ بيبي لا يريد أن يخسر اليمين بتقديم الكثير، لكنّه لا يستطيع أن يخسر الوسط ـ وسيحدث ذلك إذا ما أعلنّا إنهاء جهودنا. إنّ ذلك يوفّر لنا القدرة على الضغط، وعلينا ألا نخجل من استخدامه.

وعلى ضوء ذلك اقترحت أن يوضح الرئيس بجلاء بأنّه لا يستطيع مواصلة المباحثات ليس إلاّ. عليه أن يعرض الحزمة بأكملها على بيبي ويقول له هذا ما نحن مستعدّون لحثّ عرفات عليه وعلينا أن نعرف إذا ما كان علينا أن نتقدّم أم لا.

سأل الرئيس نائبه غور عن رأيه. فأجاب نائب الرئيس بأنّه لا يوجد احتمال يزيد على 10 بالمائة للوصول إلى اتفاق. وكان يشكّ في أنّ بيبي قادر على ذلك. لكنّه كان يعتقد أن النهج الذي أجملته هو المسار الصحيح الذي نسير عليه. ورأى غور أنّه لكي ندفع بيبي إلى التقدّم، علينا أن نظهر مدى الشوط الكبير الذي قطعناه ومقدار ما سيتخلّى عنه بيبي بتجاهل ما حقّقناه لأمن إسرائيل. وكان يعتقد أنّ من الأفضل للرئيس أن يطرح هذا التعليق أمام الوزراء الآخرين على الغداء. وافق الرئيس على جوهر تعليقات نائبه ـ وعلى تقييمي ـ لكنّه لم يوافق على اقتراح طرح ذلك أمام بيبي ووزرائه معاً. كان يعتقد أنّ علينا أن نمنح بيبي فرصة لاستمالة الآخرين إلى طريقه، لا أن يبدو كأنّه يتنازل أمام الرئيس.


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.258341

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 05 2016, 18:00

الحلقه الخامسه 

كان الاجتماع بين بيبي وعرفات ورفاقهما لا يزال منعقداً، وقرّر الرئيس أن يأخذ إغفاءة صغيرة وكان ساندي ومادلين قلقين من انسلال اليوم. هل انضمّ إلى الاجتماع سألت مادلين؟ قلت لها «لا. بيبي يريد التوصّل إلى صفقة، وعرفات يعرف الآن أنّ اليوم هو الأخير، لكنّه يريد أن يعرف بشكل مباشر ما الذي يمكنه أن يحصل عليه من بيبي. دعيهما يعملان». استمرّت مباحثاتهم ساعة أخرى. وفيما كان الاجتماع ينفضّ، أبلغ أبو مازن وأبو علاء جمالاً أنّ مردخاي وبيبي قدّما أفكاراً لحل مسألة المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ: اجتماع موسّع في غزّة يجمع أعضاء المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ وأعضاء من المنظّمات الأخرى، بحضور الرئيس كلينتون ـ كانت هذه فكرة بيبي ـ لطلب حشد التأييد لرسالة عرفات بشأن الميثاق. من الواضح أنّ الرئيس أثار فكرة الورقة الرابحة عن ذهابه إلى غزّة في اجتماعه مع بيبي في الصباح ـ وكان أبو مازن وأبو علاء يشعران أنّ ذلك قد ينجح.
لكن سرعان ما واجهنا مشكلة: كانت فكرة الورقة الرابحة في النقاط الموجزة المكتوبة، لكنّني أثرتها شفهيّاً أثناء الاجتماع مع الرئيس في الصباح الباكر. ولم يكن ساندي على علم بها وقد مانع كثيراً عندما تقدّم إليه ناتان وأوضح، بعبارات جديدة، أنّ هناك الآن حلاًّ لمسألة المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ، وهو يشمل ذهاب الرئيس إلى غزّة للظهور أمام المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ والطلب إلى الأعضاء التصويت على إلغاء الميثاق. فخوفاً من إحراج الرئيس، أبلغ ناتان، «لا يمكنك أن تضع الرئيس في هذا الموقف»، وذهب للتحدّث إلى كلينتون.

كنّا قد انتقلنا إلى خيمة مرفقة بواي سنتر، وكان ساندي والرئيس ومادلين متجمّعين تحت قسم منها. وكنت أنا وناتان شارانسكي في قسم آخر وانضمّ إلينا بيبي، وقال لي، «دنيس، سوف ينجح ذلك، لا تدع ساندي يتحدّث إلى الرئيس عنه. كل ما يلزم هو أن يطرح الرئيس السؤال على المجموعة ويمكنهم أن يصفّقوا أو يرفعوا أيديهم». قلت: «لا يمكنك أن تجعل الرئيس يقود المجموعة، ليقف على المنصّة مع عرفات وليطلب عرفات من المجتمعين إعادة تأكيد رسالة عرفات إلى الرئيس بشأن الميثاق. بدا الانفراج على بيبي بوضوح لأنّني أدعم الفكرة الأساسيّة وردّ بحماسة قائلاً، أجل، دعهم ليرفعوا أيديهم ويضربوا الأرض بأقدامهم».

انضمّ الرئيس إلينا وسألني عن رأيي. قلت إذا كان ذلك مقبولاً من الجانبين، علينا أن نساعد في تحقيقه، لا أن نزيده صعوبة. ولم أفاجأ بموافقته لأنّني كنت واثقاً أنّه أثار الفكرة مع بيبي. «اسمع، أعرف كيف أدير الحشد، وأستطيع أن أجعلهم متجاوبين». كان ساندي لا يزال قلقاً، لكنّني طمأنته قائلاً، «لن يضع عرفات نفسه في موقف يُرفض طلبه أمام الرئيس».

عند هذه النقطة شعرنا أنّنا تمكنّا أخيراً من التغلّب على قضيّة المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ. كانت قضيّة «الثلاثين» القضيّة الأخرى التي بدا أنّ هناك اختراقاً ممكناً بشأنها: وافق عرفات على اعتقال الثلاثين جميعاً. فوافق بيبي من جانبه على 30 ألف شرطيّ للفلسطينييّن.

فجأة بدا أنّ كل شيء أخذ ينتظم في مكانه. كانت الساعة الخامسة بعد الظهر، فاقترح الرئيس أن نجتمع كمجموعة لحل القضايا المتبقّية، وفي أثناء ذلك، «سيصوغ ذلك دنيس للتأكّد من أنّ الجميع موافقون». وهكذا اجتمعنا حول طاولة كبيرة مستطيلة: الرئيس ومادلين وساندي وأنا من جانبنا، وبيبي وشارون ومردخاي وداني وإسحاق في الجانب الإسرائيليّ، وعرفات وأبو مازن وأبو علاء ونبيل أبو ردينة من الجانب الفلسطينيّ.

فيما بدأ الرئيس الاجتماع، سألني ما إذا كانت قضيّتا المطار ورجال الشرطة قد حلّتا ـ قلت نعم من حيث الجوهر ـ وانتقلنا لوضع قضيّة المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ في لغة متّفق عليها. كانت القضيّة الحرجة هنا ضمان حضور عدد كافٍ من أعضاء المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ لإضفاء الشرعيّة على قرار المصادقة على رسالة عرفات. اقترح أبو علاء توجيه دعوة عامّة إلى كافّة أعضاء المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ ـ فضلاً عن آخرين تتمّ دعوتهم ـ على أن يصدرها رئيس المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ ورئيس المجلس التشريعيّ وعرفات. قال الرئيس إنّ ذلك يبدو معقولاً، وتمّت الموافقة على اقتراح أبي علاء. وعملت على وضع مسوّدة لفقرة تصف ما اتفق عليه وهدف اجتماع المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ على السواء: «لدعم عمليّة السلام والقرارات التي سبق ذكرها» بشأن إلغاء الميثاق كما جاء في رسالة عرفات وأعاد التأكيد عليها بعد ذلك اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير والمجلس المركزيّ. ووافق الجميع على المسوّدة.

* عريقات قال لي : لغة الخطة جيّدة لكنّ أبو علاء يعارضها بشدّة وقد أقنع عرفات بذلك

* تجمّع بيبي مع شارانسكي وشارون ومردخاي في الغرفة العامّة التي تشرف على النهر إلى جانب عرفات وأبو مازن وأبو علاء ونبيل أبو ردينة (الذي عمل مترجما). واجتمع الفريق الأميركيّ في غرفة صغيرة جانبيّة للغداء. وبعد تناول الطعام، طلبت مقابلة صائب لأنّني أردت أن أحاول إقناعه بصيغتي لإعادة الانتشار الثالثة. طلبت من آرون إحضاره إلى الطابق العلويّ، إلى الغرفة الأخرى الوحيدة في هذا المبنى.

كانت الغرفة بسيطة لا تحتوي سوى على طاولة وكراسي تُطوى. وكانت مليئة بنسيج العناكب. لم أستطع أن أتبيّن إذا ما كانت حقيقيّة أو من النوع الذي يشتريه المرء للزينة في عيد البربارة (هالوين). ظننت أنّها للزينة ـ وتمنّيت أن يكون ذلك صحيحاً.

عندما وصل صائب، أخبرته بأنّنا سنسمّي هذه غرفة نسيج العنكبوت، لكنّنا سنستخدمها لنكون خلاّقين. وعرضت الصيغة التي طرحتها مع عرفات بشأن إعادة الانتشار الثالثة وشرحت لماذا تستجيب لمخاوف الفلسطينيّين. وأبلغته أيضاً بأنّنا لن نحصل على أفضل منها.

قال صائب، «دعني أكون صريحاً معك. أعتقد أنّها لغة جيّدة لكنّ أبو علاء يعارضها بشدّة وقد أقنع عرفات بذلك. لا يمكنني أن أقبل الآن. لا يمكنني أن أقبل بلغة توجد فيها كلمة (علاقة)». فأبو علاء يعتقد أنّه باستخدام كلمة «علاقة» لربط المباحثات بشأن إعادة الانتشار الثالثة بالوضع الدائم نقدّم تنازلاً غير مقبول ـ لكن «لا تسألني أن أشرح لماذا». صدّقت صائب وسألته، ماذا لو جئت بمرادف لكلمة «علاقة»؟ فقال، «استنبط شيئاً وجئني به لإقناعهم». أبلغته بأنّني سأحاول استنباط شيء بدون كلمة «علاقة»، لكنّني سأضطر في النهاية إلى العودة إلى اللغة التي عرضتها على عرفات.

انضمّ إلينا مارتن عند هذه النقطة، وسأل صائب إن كان بوسعنا استعراض النصّ وتحضيره للإنهاء. طلبت منه أن يبدأ ذلك مع مارتن فيما حاولت إيجاد طريقة للحفاظ على جوهر لغتي بشأن إعادة الانتشار الثالثة ولكن بدون كلمة «علاقة». انضمّ نبيل شعث إلينا الآن وبدأ العمل معي على الصيغ المختلفة التي تنشأ فيها لجنة لبحث إعادة الانتشار الأخيرة والوضع النهائيّ من دون استخدام كلمة مسيئة.

* كواليس الحوار حول السجناء الفلسطينيين

* اليوم السادس:

بحلول بعد ظهر يوم الثلاثاء، يومنا السادس في واي، لم نكن قد توصلنا إلى اتفاق بين جورج والفلسطينيين والإسرائيليين بشأن خطة العمل. لكننا لم نكن قد راجعنا بعد اللغة الرسمية للقسم الأمني من الاتفاقية مع بيبي ولم يعد بإمكاننا تأخير ذلك مدة أطول. وعندما بحثنا ذلك قاوم في البداية قائلاً «إنكم تلينون أكثر ما أحتاج إليه». وبعد بعض الأخذ والرد المتوقع، قال إن الطريقة الوحيدة التي تجعله يقبل مثل هذه اللغة هي حصوله على «تفاهم سري» معنا بشأن كل من هذه القضايا، لاستخدامه لتطييب خاطر حكومته. قلنا له، أنا ومادلين، إننا سنقدم التفاهمات الجانبية على كل قضية، لكن لأننا نعرف أن أعضاء الحكومة قد يسربونها، قلنا إنها لن تكون صريحة بالقدر الذي يريده. فقال إنه لا يستطيع اتخاذ قراره بشأن النص قبل أن يرى هذه التفاهمات الجانبية.

هنا اخترنا ترك الأمور حتى قدوم الرئيس في بداية المساء. شعرت أننا قضينا اليومين الخامس والسادس لتكييف الجانبين مع ما سيأتي. ولم يكن يعني ذلك أنهما سيعجبان بالنص أو لن يقاوماه، لكنهما لن يفاجآ به. فالمفاجآت في المفاوضات تمدد الوقت اللازم للتغلب على المشاكل، ذلك لأن أحد الجانبين سيشعر بالحاجة إلى الرد على المفاجأة بإثارة نقطة، وعندما يصل المرء إلى مرحلة «وضع النقاط» لن يكون من الوارد حل المشاكل.

تجمعنا أمام موقد النار الملتهبة في واي سنتر. بدأ الرئيس الاجتماع بشكل مريح قائلاً: «إن هذه هي المجموعة الملائمة التي تلتئم لتتقدم بنا نحو حل كل القضايا». وقال إنه يريد التقدم قضية إثر قضية ليعرف أين نقف وما الذي يمكن أن نتفق عليه الآن وما القضايا التي نتركها للقادة فقط.

طرحت قضية المساجين من قبل أبي مازن في التماس عاطفي لإطلاق سراح عدد كبير منهم، وقدم الرئيس ردا عاطفيا تجاه حساسية هذه القضية، وهي حساسية اختبرها بنفسه كحاكم لولاية أركنساس حيث ارتكب سجين عفا عنه جريمة بعد وقت قصير من إطلاقه. كان يعلم أن عائلات المساجين تحملت الكثير، لكن على المرء أن يأخذ في الحسبان مشاعر أسر الضحايا. وتحدث عن احتمال وضع فئات مختلفة للمسجونين، في حين أن بيبي قال إن هناك فئة من المساجين الذين لا يمكن إطلاق سراحهم: أولئك الذين تلطخت أيديهم بالدماء. وقال أبو مازن إنه يتفهم مشكلة رئيس الوزراء، لكنه شدد على أن رئيس السلطة الوطنية يواجه مشكلة أيضاً، لا سيما أن كثيراً ممن يقبعون خلف القضبان موجودون هناك رغم أن الحقبة تغيرت. وناشد التوصل إلى طريقة لإطلاق سراح المسجونين ووافق ناتان شارانسكي على الاجتماع به ليرى ما يمكن عمله.

بعد ذلك تناولنا قضية الثلاثين ووضعت لغة عامة لذلك النص، وتمت الموافقة عليه. بعد ذلك أثار الفلسطينيون قضية المسجونين. وكانت قد بحثت عدة مرات، وبدأت بجدية بعد اجتماعنا ليلة الثلاثاء عند لقاء شارانسكي ومردخاي بأبي مازن. قال بيبي إنه يتفهم أهمية القضية للفلسطينيين وانه راغب في إطلاق أكبر عدد منهم، قدر ما يستطيع، شريطة ألا يكونوا من حماس وألا تكون أيديهم ملطخة بالدماء. وقال إن المشكلة انه لا توجد أعداد كبيرة من فتح في السجون ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وأن إسرائيل لم تفرق يوماً بين من تلطخت أيديهم بدماء الإسرائيليين أو بدماء العرب. وكان يعتقد أن هناك مائة فقط أو نحو ذلك من هذه الفئة. وقال أبو مازن إن أهم شيء هو إنشاء آلية، استناداً إلى معايير من الاتفاق المؤقت، لمحاولة إطلاق سراح المزيد بمرور الوقت. وسأل الرئيس: «أليس هناك من طريقة لإطلاق سراح عدد أكبر؟».

قال بيبي إنه يستطيع إطلاق المسجونين لأسباب غير أمنية، من كانوا يعملون بدون أذون عمل والمسجونين لاعتداءات جرمية. وبهذه الطريقة يمكنه أن يطلق سراح ما يصل إلى عدة مئات. التفتت إلي مادلين وهمست، «هل نضغط لإطلاق سراح من تلطخت أيديهم بدماء العرب لا بدماء الإسرائيليين كطريقة لرفع العدد؟»، فقلت لها الأمر جدير بالمحاولة، لكن ربما الأفضل أن يأتي من الفلسطينيين لا نحن. واقترحت أن تذهب إلى أبي علاء لترى إن كان سيثير هذه المسألة. وقد فعلت وأثارها أبو علاء، وقال بيبي إنه سينظر في ذلك.

* روس: عرفات يتبنّى موقفاً متصلّباً إذا كانت المباحثات ثلاثيّة أو مع أي شخص سوى الرئيس

* اليوم الثامن:

أجاد روب كتابة الموجز في صفحة واحدة. وقد راجعته مع مادلين على طعام الفطور، وقدّمته إلى الرئيس عند قدومه. وقد وافق على مجمل الاستراتيجيّة، وكنّا جاهزين للبدء في الساعة العاشرة.

في حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحاً، رتّب ساندي أن نجتمع أنا وهو وجورج تنيت مع الرئيس. بدأ ساندي بشرح أنّ الرئيس ينظر في إطلاق بولارد. وأوضح بحضور الرئيس أنّ ذلك قد يلزم لإتمام الصفقة وهو يريد أن يكون قادراً على اتخاذ هذه الخطوة عند الضرورة. ثار غضب جورج وقال، «لا يمكنك عمل ذلك يا سيّدي الرئيس». وأوضح أنّ إطلاقه يشير إلى أنّ التجسّس يمكن أن يحدث مع حصانة، وأنّ ذلك سيضعف كثيراً معنويّات مجتمع الاستخبارات التي عمل جاهداً على استعادتها. وختم قائلاً يجب على الأقلّ، إن كنت تنظر في إطلاقه، أن تضع إجراء يمكن من خلاله أن تعبّر كل الهيئات عن رأيها ـ «وإلاّ ستتعرّض لانتقاد قاسٍ».

لم يتأثّر الرئيس بشكل عامّ. وفيما كان جورج لا يزال يبربر، ذهبت أنا وهو إلى الممرّ العريض. أخبرني أنّه إذا أطلق الرئيس سراح بولارد، لن يكون أمامه خيار سوى الاستقالة من وكالة الاستخبارات المركزيّة. فبعد مكوثه أسبوعاً في واي، سينظر إليه مجتمع الاستخبارات على أنّه مشارك في الصفقة. وسيفقد مصداقيّته وتأثيره.

نقلت ذلك إلى ساندي، فطلب من جورج مقابلة الرئيس على انفراد.

بهذه المقدّمة، بدأنا اليوم المحتوم الأخير في واي. وجرت المفاوضات طوال اليوم في مجمع غرفة الطعام في واي الذي يشرف على النهر. كان يوماً لا نهاية له، يوماً بدأ فيما الشمس ساطعة في الساعة العاشرة صباحاً وانتهى تحت الشمس الساطعة بعد ظهر اليوم التالي. كان يوماً من الألم والامتعاض. وكان يوماً ذا عواقب حاسمة على السلام ومستقبل بنيامين نتنياهو. بدأ الرئيس اليوم بالاجتماع إلى بيبي الذي وصل قبل عرفات بوقت قصير. وبعد وصول عرفات، اجتمعت به وزيرة الخارجيّة وبحثت معه عدد الشرطة الفلسطينيّة(?). حاولت أن تعرف إذا كان يقبل رقم 28000 لأفراد الشرطة، وهو عدد أثرته مع بيبي في اليوم السابق ـ لا 30000 كما يريد الفلسطينيّون، ولكن ليس 24000 كما يريد الإسرئيليوّن. «(? ) وفقاً للاتفاقيّة المؤقّتة، يمكن أن يكون لدى الفلسطينيّين 30000 شرطيًّ، لكن بعد اكتمال عمليّة إعادة الانتشار. ونظراً لأنّ العدد المسموح به لهم الآن 24000 شرطيّ وكنّا نتحدّث عن تنفيذ إعادتي الانتشار الثانية والثالثة، كنت أعتقد أنّه يجب السماح للفلسطينيّين بـ 28000 شرطيّ، أو ثلثي الستّة آلاف الإضافيّة».

كنت مخطئاً في أنّ عرفات سيعتبر أنّ رقم 28000 خطوة في اتجاهه. انضممت إلى وزيرة الخارجيّة بعد نحو عشر دقائق، وبدا واضحاً أنّ عرفات لن يرضى بأقل من 30000 . وأحسست أنّ عرفات يتبنّى موقفاً متصلّباً إذا كانت المباحثات ثلاثيّة أو مع أي شخص سوى الرئيس.

ذهبت أنا ومادلين بعد ذلك لمقابلة الرئيس، فأبلغنا أنّه أخبر بيبي بأنّه أعدّ خطاباً مفاده أنّنا فعلنا أفضل ما بوسعنا ولم نتمكّن من التوصّل إلى اتفاق، وأّنه سيشعر بالأسى لاضطراره إلى التخلّي عنه لكنّه سيفعل ذلك إذا لم نتوصّل إليه اليوم. وقد قال بيبي، «لنعمل على إنجازه اليوم».

بوجود عرفات في موقع المترقّب، اقترحت أن نغيّر خطّة اللعبة. قلت إنّه لا معنى الآن لجمع الزعيمين معاً، فعناد عرفات يمكن أن يدفع بيبي إلى التصلّب. وأبلغت الرئيس، نظراً للردّ الذي أبداه بيبي، لم لا تعود بدلاً من ذلك إليه وتسأل عن حدوده الدنيا؟ أخبره أنّك بحاجة إليها لتعرف ما الذي عليك أن تحصل عليه من عرفات.

وافق الرئيس قائلاً، «تعال معي وسنعمل أنا وأنت على بيبي ثمّ نتوجّه للعمل على عرفات». وبناء عليه راجعنا كل قضيّة مع بيبي وعرض ما يلي:

بشأن مصادرة الأسلحة، يحتاج فقط إلى جمع وتدمير «مسرحيّ» للأسلحة، وستكون الأسلحة التي تدمّر أياً من الأسلحة التي أحضرها الفلسطينيّون إلينا لتدميرها (كان الفلسطينيّون قد اعترضوا على تدمير مقدار صغير من الأسلحة، وكان ذلك اقتراح بيبي للالتفاف على الممانعة); بشأن المطار، يقبل بالتفتيش المطلوب لطائرة عرفات فقط عندما يستعمل طائرة معارة له، وهو مستعدّ للموافقة على نظام مراقبة بالكاميرا أو أعمال تفتيش أميركيّة; بشأن الشرطة، يوافق على 28000 كإجماليّ العدد المسموح به; بشأن إعادة الانتشار الثالثة، رأى أنّ صيغة «اللجنة» التي اقترحتها ذكيّة وأنّه يمكن أن يوافق عليها; بشأن المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ، فإنّه يحتاج إليه، وبشأن الثلاثين «قاتلاً»، يجب توقيف الجميع مع تفهّم أنّه سينظر بهدوء في عدد صغير جدّاً من الحالات للتعامل معها بشكل خاصّ.

التقيت أنا والرئيس بعد ذلك بعرفات الذي لم يكن مستعدّاً للموافقة على أي من هذه المواقف، رغم أنّنا راجعنا كلاًّ منها ووضعنا جانباً ما اعتقدنا أنّه ممكن. عن المطار، لن يقبل بأي تفتيش يقوم به الإسرائيليّون أو نحن للطائرات المعارة له. وعندما اقترحت احتمال نظام من الكاميرات كشكل من أشكال الضمان يستخدم لمراقبة كل الطائرات، بما فيها تلك المعارة له، قال إنّه سينظر في الأمر. وعن الشرطة، لن يغيّر موقفه من العدد الإجماليّ، وبشأن إعادة الانتشار الثالثة، استمع إلى صيغتي وكيف أنّها تستجيب إلى احتياجاته وطلب منّي أن أراجعها مع أبي علاء. سألته إذا كان لديّ تفويض منه فأجاب «دائماً». وعن المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ والميثاق، كان لا يزال يفكّر في جمع المجلس المركزيّ والمجلس التشريعيّ معاً، ولم يجبنا عن قضيّة الثلاثين محيلاً هذه القضيّة إلى رجاله الأمنيّين.

عندما فرغنا من الاجتماع بعرفات، كان موعد الغداء قد حان. سأل الرئيس ما الذي سنفعله الآن. أجبت إنّ عرفات لا يزال يفاوض دون شكّ، ولمساعدته على التركيز، عليك أن تعود إليه بمفردك وتكرّر عليه النقطة التي أثرتها مع بيبي: اليوم هو يوم الحسم، إما أن نتوصّل إلى اتفاق وإما أن نعلن أنّنا لا نستطيع. فعل الرئيس ذلك وقال عرفات إنّه فهم. في هذه الأثناء، اقترح إسحاق مولخو على جمال أن يجتمع الجانبان بمفردهما ـ بدون الأميركيّين، بل إنّ جمالاً لن يكون حاضراً للترجمة. وفي أعقاب المحادثة المغلقة بين الرئيس وعرفات، طلبت من جمال أن ينقل طلب مولخو إلى عرفات فوافق على الاجتماع المنفرد.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 05 2016, 18:01

الحلقه السادسه 

سأل رئيس الوزراء الرئيس عن موعد اتصاله بمبارك بشأن عزّام عزّام وقال الرئيس إنّه سيفعل ذلك على الفور. ثم سألني بيبي إذا كان بوسعي إقناع الفلسطينيّين بقبول اللغة التي بحثناها بشأن لجنة المرحلة الثالثة. أبلغته أنّني حاولت وأنّ أبو علاء يحاربها. أريته ما يمكن أن يقبل به نبيل وصائب، وأشرت إلى أنّهما يحاولان المساعدة. لكنّه لم يستطع قبول لغتهما لذا اقترحت أن أحضر معي نبيلاً لمقابلة بيبي لمحاولة التوصّل إلى اللغة معاً. فوافق بيبي.
أخذنا استراحة لكي يتصل الرئيس بمبارك الذي رفض بالمطلق الالتماس بشأن عزّام عزّام. وأجرى عرفات مكالمته الخاصّة مع مبارك وكانت النتيجة هي نفسها. قبل حلّ لغة لجنة إعادة الانتشار الثالثة ـ وهو ما تطلّب أولاً عملي مع نبيل وبيبي، ثم نبيل وأنا لإقناع عرفات والوفد الفلسطينيّ، وأخيراً العودة إلى بيبي ونبيل باقتراح أخير ـ حاولنا آخر مناورة مع مبارك للحصول على عزّام عزّام. حاولنا إجراء مقايضة: حدّد بيبي أنّ إسرائيل تحتجز مصرياً للتجسّس وأنّها مستعدّة لمبادلته مقابل عزّام عزام. وفي حين كنّا نعتقد أنّ ذلك قد يحمل بعض الأمل لأنّه يوفّر لمبارك تفسيراً لإطلاق سراحه، خاب ظنّنا جميعاً عندما اتصل الرئيس بمبارك ثانية وأعلن مبارك أنّه غير مهتمّ بهذا السجين أو بأي مبادلة أخرى.

خاب رجاء بيبي، لكنّه شعر أنّ الرئيس وعرفات فعلا ما بوسعهما، بل إنّ بيبي أخذ عرفات جانباً وشكره على مسعاه مع مبارك. وعند هذه النقطة كان الشيء الوحيد الذي يمكننا عمله هو إنهاء النصّ.

كان مارتن يعمل مع جون وصائب ودانييل ريزنر لمراجعة كل شيء بخصوص النصّ والجدول الزمنيّ لتنفيذ المسؤوليّات التي يوضحها النصّ. استغرق ذلك نحو ساعتين، حتى الخامسة والنصف صباحاً، عندما جاء مارتن حاملاً الأنباء بأنّه لم يبق سوى بضع نقاط عالقة بشأن النصّ والجدول الزمنيّ. أوضح مارتن أنّ ما يثير المشاكل أنّ الإسرائيليّين يريدون أن تكون المراحل الثلاث لمصادرة الأسلحة واعتقال الثلاثين مذكورة بوضوح في الجدول الزمنيّ. وعلى عكس ذلك، لم يكن الفلسطينيون يريدون ذكر مراحل جمع الأسلحة أو قضيّة الثلاثين صراحة في الجدول الزمني. أحضرنا بيبي وعرفات وجماعتيهما الرئيسيّتين معاً في الغرفة الجانبيّة للرئيس.

* روس: كيف كهربت مناقشة موضوع غازي الجبالي الأجواء وأخرجت كلينتون وعرفات عن طوريهما

* خرجت لطباعة اللغة الخاصّة بالممر الآمن والميناء البحريّ. وعندما عدت، كان النقاش يتركّز ثانية على قضيّة المسجونين. كان عرفات يشدّد على أهميّة المسجونين بالنسبة للرأي العام الفلسطينيّ، والرئيس يسأل عما يلزم لهذه القضيّة. قال عرفات إنّه بحاجة إلى 1000. وردّ بيبي بقوله إنّه مستعدّ للوصول إلى 500 على ثلاث مراحل من فترة التنفيذ التي تمتدّ اثني عشر أسبوعاً.

عند هذه النقطة طلب بيبي لقاء الرئيس وعرفات على انفراد. اجتمع الثلاثة لمدّة عشر دقائق وكان جمال يقوم بالترجمة. ثمّ فجأة نهض عرفات وعاد إلى الطاولة غاضباً. وعندما نهضت لأستطلع ما حدث، برز الرئيس وهو يصيح «هذا غير معقول، هذا خسيس، إنّه شيء تافه، لست مستعدّاً لتحمّل هذا النوع من البذاءة». ونهض وخرج غاضباً تاركاً بيبي جالساً وحده.

أصيب جميع من في الغرفة بالذهول. اقترب جمال منّا وأبلغنا أنا وساندي ومادلين أنّ بيبي قال إنّه لا يمكنه إطلاق سراح 500 أسير إلا إذا حرص عرفات على «الاهتمام» بغازي الجبالي ـ قائد الشرطة في غزة الذي يتهمّه الإسرائيليّون بإصدار الأوامر بمهاجمة المستوطنين الإسرائيليّين في وقت ما ـ واعتُقل رجال الشرطة الثلاثة عشر الواردة أسماؤهم في قائمة الثلاثين في الأسبوعين الأوّلين من الجدول الزمنيّ. وردّ عرفات بالقول، ما الذي يفترض أن أفعله مع الجبالي، هل أعدمه؟ ووفقاً لجمال، ردّ بيبي بطيش قائلاً، لن أسأل ولن تعرف». عندئذٍ قال عرفات ليس هناك ما نناقشه ونهض وذهب إلى الطاولة. ثمّ انفجر الرئيس بعد ذلك.عاد الرئيس إلى الغرفة الخلفيّة، وغادر ساندي ومادلين للانضمام إليه. طلب مني مولخو التحدّث إلى بيبي. كان يجلس بمفرده والذهول بادٍ عليه وهو يشعر بأنّه الضحيّة، وسألني «لماذا تعامل إسرائيل بهذه الطريقة، ولماذا أعامل على هذا النحو؟ ما الذي فعلته لأستحقّ كل هذا؟» (صدمت لأنّه يعتبر أنّه وإسرائيل واحد وأنّه الضحيّة البريء لسوء المعاملة).

رددت بالقول «ما الذي تنتظره؟» التزمت بشيء بشأن غازي الجبالي كجزء من الاتفاق على الثلاثين (استثناؤه من الاعتقال) ثم اخترت أن تضيف شروطاً لاحقاً ـ بعد أن حصلت على التزامات منهم. لم تقل قطّ، طوال مدّة وجودنا هنا، أنّ رجال الشرطة الثلاثة عشر يجب أن يعتقلوا في الأسبوعين الأوّلين. بل على العكس من ذلك، أصررت على أنّ يتمّ ذلك في ثلاث دفعات، يتطابق كل منها مع كل مرحلة في الجدول الزمنيّ. لذا عندما تردّ أخيراً على شيء تعرف أنّه مهمّ جدّاً بالنسبة إليهم، تضع شروطاً على التزامك بعد أن قطعته».

كان بيبي يشعر أنّه في موقف الدفاع فسألني «ما الذي يجب أن نفعله»؟ قلت له إنّني سأقابل الرئيس، لكنّني أشعر «أنّ اجتماعاً مغلقاً بينك وبين الرئيس هو وحده الذي يمكن أن يصلح الأمور».

عندما قابلت كلينتون، كان حانقاً، يذرع الغرفة جيئة وذهابا قائلا «إنّ ابن(.... كلمة بذيئة والإضافة من الشرق الأوسط ) لا يريد الاتفاق. إنّه يحاول أن يذلّ عرفات ويذلّني في هذه العمليّة. ما الذي ينتظر أن يفعله عرفات في هذا الموقف؟». توقّف هنيهة ونظر إليّ، فأطلعته على محادثتي مع بيبي. في البداية لم يستطع الرئيس التصديق ـ كيف يمكن أن يشعر بيبي بأنّه الضحيّة. وعندما بدأت الحديث قائلاً «إنّه الآن في موقف دفاعيّ»، أمسك ساندي بذراعيّ وهمس لي «لا تهدّئ من غضبه، دعه يرى بيبي وهو يشعر الشعور نفسه». وفيما كان الرئيس ينظر إليّ منتظراً أن أكمل، دخلت نائبة رئيس أركان البيت البيض، ماريا إتشافست، وأبلغت الرئيس أنّ «رئيس الوزراء يريد رؤيتك على انفراد».

كاد ساندي أن يدفعنا خارج الغرفة، وأخبرني ثانية أنّه لا يريد أن يتبدّد غضب الرئيس.

اجتمعا بمفردهما خلف أبواب مغلقة لمدّة خمس وأربعين دقيقة، وقد سمعنا صوت الرئيس المرتفع في القسم المبكر من الاجتماع. وفيما كنّا ننتظر، تمشّيت في الغرفة الخارجيّة ورأيت عدداً كبيراً من الوفد الفلسطينيّ جالساً حول عرفات. وانضمّ إليهم دحلان ومحمّد رشيد. أومأت إلى أبي ردينة لينضمّ إليّ، وأبلغته أنّني آمل أن يعرف ما الذي يعنيه أن يتصرّف على ذلك النحو. وقال إنّهم يتحدّثون عن ذلك بالضبط وكيف أنّهم ذهلوا لاستعداد الرئيس لأن يثور على بيبي أمام الجميع في الغرفة. وفيما لم أكن أعرف ما الذي سينتج عن اجتماع الرئيس مع بيبي، أردت أن يدرك الفلسطينيّون أنّهم يدينون إلى الرئيس بشيء.

قبل أن يدخل بيبي ليرى الرئيس، اقترحت مادلين على الرئيس أن يضغط للإفراج عن 750 أسيراً، نقطة الوسط بين 500 بيبي و1000 عرفات. وعندما خرج الرئيس من الاجتماع المغلق، قال إنّ بيبي وافق على 750، وإنّه سيوافق على الإفراج عمن لم تتلطّخ أيديهم بدماء الإسرائيليّين، ما يعني الإفراج عن 340 من الأسرى الأمنيّين والبقيّة ستكون من المجرمين العاديّين، وإنّه لن يصرّ على إدراج غازي الجبالي بين المطلوب اعتقالهم. قال الرئيس هذه هي الأخبار السارّة: أما الأخبار السيّئة فهي أنّه يحتاج إلى تنفيذ «عطاءات» هارحوما (جبل أبو غنيم) ويحتاج إلى إطلاق المصريّين عزّام عزّام(?). شاهد الرئيس تعابير وجهي بشأن هارحوما فأضاف بسرعة، «لم أوافق على ذلك، ولا يزال يمكننا بحث الأمر معه. كما أنّني لم أعد بأن أقنع مبارك بإطلاقه، لكنّني قلت إنّني سأتصل بمبارك محاولاً تحقيق ذلك».بعد ذلك قال الرئيس «أعتقد أنّ عليّ رؤية عرفات الآن لأبلغه بما حصلت عليه من بيبي». طلبنا من عرفات أن يدخل، وأطلعه الرئيس على ما أطلعنا عليه بالضبط. وبحث قضيّة المساجين، بما في ذلك إجماليّ الـ 750 وفئات الأسرى الأمنيّين الذين يمكن إدخالهم في ذلك الإجماليّ. وأبلغه عن الجبالي، وقد فاجأني عندما أبلغه عن عزّام عزّام وهارحوما أيضاً. وذهب عرفات لإطلاع فريقه على ما سمع. وجاء إليّ أبو علاء فيما بعد وقال «كيف يمكنه أن يصرّ على تنفيذ هارحوما»؟ فأجبت «تحدّث إلى بيبي مباشرة بهذا الشأن». (? ) (تعني «عطاءات» هارحوما أنّ الإنشاء الفعليّ لوحدات سكنيّة سيبدأ في الموقع الآن بعد أن تمّ إخلاء الأرض وتسويتها. وقد اعتقل المصريّون عزّام عزّام للتجسّس لصالح إسرائيل. ) من المثير للاهتمام أنّ هاجسي الأول كان محاولة إقناع بيبي بالعدول عنها. فالإعلان عن اعتزام إنشاء هذا الحيّ في القدس الشرقيّة، بحيث تُعزل بيت لحم فعليّاً عن الضواحي العربيّة للقدس، أسفر عن حالة جمود استمرّت أكثر من ثمانية عشر شهراً. وكنّا نحاول كسر الجمود، وكان بوسعي أن أقول لا لبيبي بشأن هارحوما من دون أن أذكر ذلك للفلسطينيّين في هذه المرحلة. لكنّني عندما فكّرت في ما فعله الرئيس على الأقل فيما يتعلّق بإبلاغ عرفات عن هارحوما، خطر لي أنّ أحاسيسه صحيحة وأحاسيسي خاطئة. فقد فهم الرئيس وهو محقّ في ذلك أهميّة تكييف عرفات بشكل فعّال مع ما يتوقّعه. وبهذه الطريقة لن تحدث مفاجأة في وقت لاحق. كما أنّه كان يمنح عرفات فرصة لكي يوضح ما يمكنه القبول به وما لا يمكنه. فلو انفجر عرفات بشأن هارحوما وقال إنّها ستجعل الاتفاق مستحيلاً، كان بإمكاننا نقل ذلك إلى بيبي. وربما كان بوسع بيبي أن يعرض بعض المُحلّيات على عرفات ليجعلها مستساغة بالنسبة إليه، أو بدلاً من ذلك، ربما حدّد شيئاً آخر يهمّ أهدافه المحليّة وسعى إلى الحصول على إذعان عرفات.

وكانت إحساس الرئيس بإبلاغ عرفات مفيدا أكثر، لا أقل، في بناء ثقة عرفات بالرئيس. فقد صار يشعر أنّه لا يوجد شيء مخبّأ عنه. مرّة ثانية كانت تلك الأخبار السارّة، أما السيئ في هذا الموقف فهو أنّه عندما يكون عرفات بمفرده لم يكن دائماً ينتبه كثيراً للتفاصيل. وأصبحت تلك مشكلة لاحقاً فيما يتعلّق بقضيّة المساجين. كانت هارحوما شيئاً، لكنّ التفاصيل بشأن المساجين أصبحت شيئاً مختلفاً تماماً.

* كيف خرجنا من ورطة اعتقال قائمة الثلاثين فلسطينيا

* كان لا يزال علينا حلّ مشكلة اللغة الخاصّة بلجنة إعادة الانتشار الثالثة. لكنّ بيبي أراد قبل التعامل معها الجلوس مع الرئيس ليعرف كيف سار البحث مع عرفات. طلب مني الرئيس أن أنضمّ إليه، والتقينا أنا وهو مع بيبي. أبلغه الرئيس أنّ عرفات يبدو متقبّلاً للترتيب الخاصّ بالمساجين. كما أبلغ بيبي أنّ عرفات قال إنّه سيرى ما بوسعه عمله مع مبارك للمساعدة بشأن عزّام عزّام. فوجئ بيبي كثيراً بذلك وقال إنّه سيبلغ رئيس السلطة الوطنيّة تقديره لأي شيء قد يكون قادراً على عمله.

تحاشى الرئيس قضيّة هارحوما، متجنّباً التعليق على عرفات وسؤاله عن رأيي بشأن العطاءات (كانت تلك حركة ذكيّة من جانبه، كان بوسعه البقاء بعيداً عن الشجار ومع ذلك يدع لي أمر التحاور ضدّها مع بيبي، وكان يعرف من دون شكّ أنّني سأفعل). التفتّ إلى بيبي قائلاً «هذا ما أعاقنا في المقام الأول يا حضرة رئيس الوزراء، وأخشى أنّك تقلّل ثانية من تأثير اتخاذ هذه الخطوة».

أجاب بيبي بالقول إنّه لن يبدأ، فهو لن يستعجل التنفيذ، لكن عليه القيام بذلك: «ليس أمامي خيار من الناحية السياسيّة». أطرق الرئيس رأسه ونظر إلي منتظراً ردّي على ما يبدو. كرّرت أنّني أعتقد أنّ ذلك خطأ كبير، لكنّني سألت إذا كان بوسعه الانتظار حتى أيار/مايو (اعتقدت أنّ ذلك سيمنحنا ثمانية أشهر من مفاوضات الوضع الدائم، فإما أن نكون قد حقّقنا تقدّماً يجعل ذلك ممكناً، وإما يكون على بيبي أن يقرّر ما إذا كان سيقدم على مثل هذه الخطوة ويطلق إعلان الفلسطينيّين عن الدولة ردّاً على ذلك. كان الإعلان من جانب واحد عن الدولة شأناً خطيراً. فأين ستكون الحدود؟ وهل ستعترف دول أخرى بالدولة الفلسطينيّة في حدودها المزعومة؟ وهل ستشعر إسرائيل بأنّ عليها الردّ بضمّ أراضٍ معيّنة لها تقدّرها تقديراً كبيراً؟ كنّا نعارض مثل هذه الخطوات الأحاديّة الجانب مشدّدين على أنّ الدولة لا يمكن أن تظهر إلا من خلال المفاوضات).

قال بيبي إنّه سيؤخّر قدر ما يستطيع لكنّه يتوقّع «أن يجبرني أولمرت على ذلك». ( كان يشير إلى إيهود أولمرت، رئيس بلديّة القدس الليكوديّ ) وهو سيبذل «قصارى جهده للقيام بذلك بعد إعادة الانتشار الأولى»، لكنّ ذلك هو حدود ما يستطيع. استمع الرئيس مرسلاً فعليّاً رسالة بأنّه يتفهّم احتياجات بيبي السياسيّة وأنّه لن يتقاتل معه على هارحوما إذا تمّت بهذه الطريقة.

مضت الأمور بشكل سيئ في البداية. كان بيبي يضغط بشأن اعتقال الثلاثين، مصرّاً على توقيفهم على أساس ثلث إثر ثلث وفقاً للجدول الزمنيّ أسبوعين وستّة أسابيع واثني عشر أسبوعاً.

ردّ دحلان بقوله إنّه قد لا يعتقلهم جميعاً. ردّ بيبي «هل لا يزال ذلك مسألة مفتوحة؟»، تنبّه الرئيس فجأة والتفت إليّ وقال «دنيس، إنّه (دحلان) يفتح القضيّة وسوف ينهار كل شيء». وفيما كان النقاش جاريا، كان الرئيس يواصل النظر إليّ للتدخّل، وكنت أرفع يدي نحوه مشيراً إلى أنّ الأوان لم يحن بعد. غير أنّني تدخّلت هنا قائلاً بشكل حاسم: «لا، محمّد يعرف أنّ رئيس السلطة الوطنيّة التزم بالثلاثين وسوف يعمل على ذلك». فردّ دحلان، «حسناً لكن عليّ أن أعرف ما هي اللائحة التي يفترض بي أن أعمل عليها، والإسرائيليّون يغيّرون اللوائح باستمرار». ثم أخرج اللائحة التي أعطيته إياها وقال إنّه سيعمل على هذه اللائحة إذا وقّعت عليها. قلت إنّي سأفعل وأبلغت بيبي أنها اللائحة التي أعطيتها من قبل جماعته، ووقّعت اللائحة فيما الجميع يراقبون ومن دون اعتراض من جانب الإسرائيليّين(?). (بعد كل الإصرار الإسرائيليّ على عدد الثلاثين، وبعد أن تقدّمت بعدّة طلبات لإعطائي الأسماء مع أعمال الإرهاب التي ارتكبها كل منهم، كانت اللائحة التي قدّمها الإسرائيليّون في النهاية تضمّ ثمانية وعشرين اسماً فقط، لا ثلاثين). بقيت قضيتا مصادرة الأسلحة و«الثلاثين»، وإذا ما كانتا ستظهران صراحة في النصّ، و/أو الجدول الزمنيّ من دون حلّ. لم يكن جوهر الجدال يدور حول موضوع ما إذا كان الفلسطينيون سيتخذون هذه الخطوات أم لا، بل على ما إذا كان سيعلن عنها بطريقة ما. وكما هي الحال طوال أعمال واي، لم يكن الفلسطينيّون يريدون كشف هذه الخطوات وكان الإسرائيليّون يريدون كشفها على أوسع نطاق، أي ذكرها صراحة في النصّ وفي الجدول الزمنيّ.

لذا وقفت الآن وقلت «هناك ثلاث قضايا فعليّة». والتفت إلى بيبي وقلت «أنت تريد ذكر مصادرة الأسلحة في النص وفي الجدول الزمنيّ، وتريد الإشارة إلى اعتقال الثلاثين وتوقيت الاعتقالات في النصّ، وتريد أيضاً تقسيم الاعتقالات ثلثاً ثلثاً بحيث تنعكس في الجدول الزمنيّ في الأسبوع الثاني والسادس والثاني عشر. ورئيس السلطة يريد العكس. إنّني أقترح تسوية شرق أوسطيّة نقسم فيها هذه المسائل الثلاث وأعطي كلاًّ منكما واحداً ونصف».

وفيما كان الجميع ينظرون إليّ نظرة متسائلة، مضيت لأقول: «السيّد رئيس الوزراء، يمكنك أن تحصل على مصادرة الأسلحة في النصّ والجدول الزمنيّ، وهذا واحد لك، والسيّد رئيس السلطة، تحصل على إبقاء اعتقال الثلاثين وتوقيت الاعتقالات ثلثاً ثلثاً خارج النصّ والجدول الزمنيّ (في ضمانة جانبيّة لخطّة العمل) بحيث لا تكون علنيّة، وذلك واحد لك. وسنقول في النصّ إنّ اعتقال كافّة المشبوهين سيتمّ في فترة الاثني عشر أسبوعاً، فيحصل كل منكما على نصف: تحصل حضرة رئيس الوزراء على إشارة إلى الإطار الزمنيّ للاعتقالات في النصّ، وتحصل سيّد رئيس السلطة على إشارة غير مباشرة إلى الثلاثين مرتبطة بفترة التنفيذ بأكملها. إنّها صفقة عادلة. هل اتفقنا»؟

كانت هذه الفكرة وليدة الساعة، لكن عرفات وقف وحيّاني قائلاً «موافق». وقال بيبي «حسناً». لم أكن أعرف ما إذا كان الجميع فهموا ما الذي فعلته، لكنّه بدا عادلاً وتمّ الاتفاق. وبدأ الجميع يتصافحون ويتقدّمون إليّ ليهنّئونني. كان دحلان مسروراً، لكنّه، فيما يبدو نذيراً لما سيحدث لاحقاً، قدّم تنبيهاً: «سأقوم بهذه الاعتقالات شريطة أن يكون السجناء الفلسطينيّون حقيقيّين. احرص على أن يكون السجناء السبعمائة والخمسون سياسيّين، لا تدعهم يكونون مجرمين. فهذا ما يمكّن من القيام بكل هذه الاعتقالات».

كان الجميع مسرورين، ولم يكن أحد، وأقلّهم أنا، يريد مزيداً من التفاوض. لكنّني كنت أعرف أنّ دحلان أثار نقطة لا يمكنني أن أدعها تمرّ من دون الردّ عليها. لذا قلت له «سنبذل قصارى ما نستطيع في موضوع السجناء، لكنّهم لن يكونوا جميعاً من الأسرى الأمنيّين أو السياسيّين». فقال ثانية لا يمكن أن يكونوا مجرمين، وكرّرت أنّنا سنفعل ما بوسعنا لكنّنا لن نخرج 750 من دون مجرمين. لم يطل النقاش لأنّ عرفات كان يستعدّ للمغادرة بعد مصافحة الرئيس وبيبي.


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.258684

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 05 2016, 18:03

الحلقه السابعه 

الساعة الآن السادسة والنصف صباحاً تقريباً. خرجنا إلى الغرفة العامّة وتوجّه بيبي إلى الأريكة وجلس بمفرده. وذهب الرئيس للانضمام إليه. كان بوسعي أن أرى تغيّر محيّا بيبي بأكمله. كان الجميع في الوفدين الأميركيّ والإسرائيليّ يتحدّثون ويضحكون، لم يكن ذلك تعبيراً عن السعادة العارمة في التوصّل إلى اتفاق بل الارتياح لخروجنا من هذه المحنة ونجاحنا.
لكن كان ثمّة تنافر في هذا الجوّ من المرح وكان بوسعي أن ألاحظه. كان الرئيس وبيبي يجلسان بمفردهما دون أن تصدر عنهما ابتسامات، بل نظرات قاسية فقط. وكانا بالكاد يتحدّث أحدهما إلى الآخر، وبدا بيبي مصدوماً بشكل واضح. في هذه اللحظة، قدم إليّ جيمي روبن وجو لوكهارت ـ الناطقان باسم وزارة الخارجيّة والبيت الأبيض ـ وسألاني إذا كان بوسعهما إعلان التوصّل إلى اتفاق. وقد ذهلا عندما قلت «ليس الآن». وسألا معاً لماذا، «الفلسطينيّون يعلنون عنه وأعتقد أنّ الإسرائيليّين يقومون بذلك أيضاً. لقد انتهيتما أليس كذلك»؟

طلبت منهما ألا يفعلا ذلك، لسنا مستعدّين بعد. ابتعد جو، وسألني جيمي لماذا أتردّد، فأجبته، "لا أعرف يا جيمي لكن ثمة شيئا ما، انظر إلى بيبي والرئيس. هناك شيء ما».

ترك الرئيس بيبي وتقدّم نحوي وطلب مني الذهاب معه. مشينا متجاوزين مادلين وساندي ودخلنا الحمّام. جلس على المنضدة وأخبرني أنّ بيبي لن يوقّع الاتفاق ما لم يطلق بولارد. أخبره أنّه لا يستطيع ذلك وقال بيبي إنّه لا يستطيع توقيع الاتفاق بدونه. قال إنّه قدّم تنازلات في موضوع السجناء استناداً إلى الافتراض بأنّه سيحصل على بولارد وعلى هذا الأساس وافق على الأسرى، بل وافق على الاتفاق بأكمله. وهو لا يستطيع قبول الاتفاق بخلاف ذلك، ويعتمد على بولارد ولذلك وافق على ما وافق عليه.

سألني الرئيس بعد ذلك ما الذي عليه أن يفعله. فسألته، «هل التزمت بإطلاق بولارد؟ إن كان كذلك عليك إطلاقه». أقسم الرئيس أنّه لم يقدّم أي وعود، قال إنّه سينظر فيما يستطيع أن يفعل، لكنّه لم يقدّم أي وعود. قلت عندئذ، إذا لم تعده يجب ألا تذعن في هذه المسألة. «إنّها مشكلة بيبي ولا يمكن الدفاع عنها. هل سيتخلّى عن اتفاق يعزّز أمن إسرائيل ويكسر الجمود الذي أصاب السلام ويعطي العمليّة دفعة كبيرة من أجل الحصول على بولارد؟ هذا أمر لا يمكن القبول به في إسرائيل. لا يستطيع فعل ذلك، ولا يمكنك الإذعان لهذا النوع من التفاهات». استمع الرئيس لكنّه لم يستجب. لذا تابعت قائلاً، «إنّني أعرف أنّ بيبي يريد ذلك وربما يعتقد أنّه بحاجة إليه، لكن لا يمكنه التخلّي عن الاتفاق مقابل بولارد. هذه خدعة وعليك أن تكشفها».

هزّ الرئيس رأسه وقال إنّه لن يطلق بولارد. وعندما غادرنا الحمّام، جمع الرئيس ساندي ومادلين وأبلغهما بما يجري. وكانا متشدّدين مثلي في عدم الإذعان لذلك. عاد الرئيس للتحدّث إلى بيبي. كان بيبي لا يزال جالساً على الأريكة والتجهّم يعلو وجهه. وكان قد تحدّث إلى داني نافيه وأفيف بوشينسكي. وقد بقي سلوك بيبي على حاله عندما جلس الرئيس بقربه.

بعد نحو عشرين دقيقة جاء الرئيس وقال لنا إنّ بيبي لم يتزحزح عن موقفه مع أنّه ضغط عليه بشدّة. وقد أبلغه الرئيس أيضاً أنّه فيما لا يستطيع إطلاق بولارد الآن، فإنّه سيطلب مراجعة قضيّة بولارد خلال الأسبوعين القادمين. وذلك هو أقصى ما يمكنه عمله الآن.

قال بيبي إنّه بحاجة إلى إطلاق بولارد لكي يتمكّن من الترويج للاتفاق. وعليه التحدّث إلى وزرائه في الحكومة قبل اتخاذ أي قرارات نهائيّة. أبلغنا الرئيس أنّه يعتقد أنّ بيبي يواجه مشكلة حقيقيّة، وفي حين أنّه لم يقدّم وعوداً لبيبي بشأن إطلاق بولارد، تصرّف بيبي على افتراض أنّه سيطلق وذلك ما زيّن لبيبي تقديم التنازلات. لذا استخلص الرئيس أنّ بيبي في مأزق حقيقيّ.

قال ساندي، إن كان الأمر كذلك فهو مأزق من صنع يديه ولا يرجع إلينا أمر إنقاذه. وكانت مادلين غاضبة من بيبي لأنّها رأت أنّ القضيّة لا تعدو أن تكون ابتزازاً. وكانت تعرف موقف جورج تنيت، ووافقت على ألا نجامل بيبي أياً تكن الظروف.

عاد الآن شارون، وكان قد غادر إلى ريفر هاوس قبل التوصّل إلى الاتفاق. وفيما دخل لمقابلة بيبي، أدرك أنّ هناك مشكلة حقيقيّة وأنّ عليه التحدّث إلى رئيس الوزراء بشأنها. تحدّث برهة إلى بيبي ثمّ قرّر بيبي مغادرة واي سنتر والعودة إلى ريفر هاوس. ومشينا عبر الممر العريض عائدين إلى المبنى الأساسيّ لواي سنتر والغرفة المخصّصة للرئيس حيث احتشدنا أنا والرئيس وساندي ومادلين. كان الرئيس مصرّاً على أنّه لم يعد قطّ بإطلاق بولارد. قدم إلينا جو لوكهارت وأخبرنا أنّ الإسرائيليّين يشيعون بأنّ الاتفاق معلّق على بولارد ـ وأنّه نقل عن البعض قولهم إنّ الرئيس نكث وعده بإطلاقه، فيما يقول آخرون إنّ بولارد سيطلق عما قريب.

قال لوكهارت إنّ علينا أن نقول شيئاً. اتفقنا على أن يكون بياننا موجزاً بدون تناول قضيّة بولارد. وتحدّث الرئيس مع بيبي على الهاتف وأبلغه بيبي أنّه سيأخذ سنة من النوم وسيقرّر ما سيفعله بعد ذلك. وتحدّثت مادلين إلى مردخاي الذي قال إنّه سيأتي بعد نحو ساعة للمساعدة في حل المشكلة. اخترت الذهاب إلى ريفر هاوس لرؤية بيبي لكنّني كنت مستعدّا للتحدّث إلى جماعته إذا كان نائماً حقّاً. مشيت إلى ريفر هاوس وتبيّن لي أنّ بيبي مجتمع مع شارون ومردخاي والآخرين في غرفة المكتب. وعندما فتح الباب كان بوسعي سماع صوت بيبي. من الواضح أنّه لم يكن نائماً. جاء داني نافيه وإسحاق مولخو للتحدّث إليّ. وقرّرت أن أقول ما لديّ لكل منهما لعلمي أنّهما سينقلانه إلى بيبي.

قلت اتضح لي أنّ هناك سوء تفاهم: الرئيس يصرّ على أنّه لم يعد بإطلاق بولارد، ومن الواضح أن بيبي يعتقد بأنّه حصل على مثل هذا التأكيد. لا يمكننا تسوية ذلك، لكن لنكن صريحين بشأن ما ستواجهونه. بصرف النظر عن المكاسب السياسيّة الفوريّة للعرقلة بشأن بولارد الآن، أين سيكون بيبي في الأسبوع المقبل عندما يتّضح أنّه ضحّى باتفاق يخدم المصالح الأمنيّة لإسرائيل، وأنّه لا يستطيع الآن إلا الرجوع إلى الوراء مع الفلسطينيّين، وأنّه دمّر علاقته مع الرئيس؟ كم ستكون شعبيّة موقفه من بولارد عندئذ؟

لم يحاول داني مناقشة الأمر قائلاً إنّ بولارد قضيّة مهمّة جدّاً وإنّه يشعر بها شخصيّاً لأنّه زار بولارد في السجن. لم يوحِ بأنّ الثمن الذي سيدفع سيكون باهظاً إذا تمّت التضحيّة بكل ما اتفق عليه من أجل بولارد الآن. لكنّه سأل إن كان بوسعنا أن نضع أنفسنا مكان بيبي: لقد قدّم تنازلات صعبة وكانت قائمة على افتراض أنّه سيحصل على بولارد. ألا يمكننا أن نمنح بيبي التزاماً بأنّ بولارد سيطلق في موعد محدّد؟ قلت مستحيل. فقد دمّرت أي فرصة في هذا الصدد، وأنا أعتبرها ضئيلة جدّاً على أي حال، بعد كل تسريباتهم عن بولارد إلى الصحافة الإسرائيليّة. ومع ذلك أوضح الرئيس أنّ قضيّة بولارد ستدرس. وذلك شيء مهمّ، لن يكون بوسعهم الحصول على المزيد الآن ـ وإذا لم يكن ذلك كافياً، لن يكون هناك أي اتفاق، وهو موقف مؤلم بالنسبة لنا، ولن تراجع قضيّة بولارد.

انضمّ إلينا إسحاق مولخو لكنّه لم يقل الكثير إلى أن غادر داني. قال إنّ الأمر تعقّد جدّاً بالنسبة لبيبي الآن. كرّرت أنّ تسريباتهم جعلت التماس الدهاء لمعالجة الأمر مستحيلاً الآن. ثم قلت، «لن يتزحزح الرئيس الآن. أبلغ بيبي أنّه سيخسر كل شيء إذا ما انهار الاتفاق من أجل بولارد. أنت من يستطيع أن يقيّم الضرر الذي سيلحق به في إسرائيل، لكنّني أستطيع أن أقول لك إنّه سيقتل نفسه هنا». تنهّد إسحاق تنهيدة تنمّ عن اليأس، لكنّني عرفت أنّه أدرك جيّداً ما الذي يراهن عليه وكنت واثقاً من أنّه سيتحدّث إلى بيبي.

عدت إلى واي سنتر ودخلت غرفة الرئيس. كان قد تحدّث إلى نائب الرئيس وإلى رام إيمانوئيل، وقد فهم، مع أنّه لم يكن مرتاحاً، أنّ عليه أن يثبت على موقفه. وما ساعد الموقف السياسيّ في جانبنا بشكل واضح أنّ ساندي تحدّث إلى رئيس مجلس النوّاب نيوت غينغرتش. استشاط غينغرتش غضباً من مجرّد بحث قضيّة بولارد كجزء من الاتفاق. وأوضح أنّه يعارض تماماً إطلاق بولارد.

كان مردخاي على وشك الوصول. التقى في البداية بمادلين ومارتن وبي. كان متلهّفاً لإيجاد مخرج. لكنّ اقتراحه الوحيد هو أن يلتقي الرئيس وبيبي ثانية. وقال إنّه سيساعد في «إصلاح أي شيء»، لكن بيبي بحاجة إلى مقابلة الرئيس مرّة أخرى. وقد التقى بالرئيس بضع دقائق وكرّر النقاط نفسها، ووافق الرئيس على مقابلة بيبي. كانت الساعة الآن الواحدة ظهراً تقريباً، وكنّا بحاجة إلى حل الأمور بطريقة أو بأخرى. كان الوقت يداهمنا بالفعل إذا كنّا سنقيم حفلاً للتوقيع في البيت الأبيض. كان اليوم الجمعة، ولا بدّ أن ينتهي الاحتفال مع غروب شمس هذا النهار نظراً لحلول عطلة السبت.

* روس: سمحت باستمرار الغموض وبذلك خرقت إحدى قواعدي الأساسيّة في المفاوضات

* وصل بيبي قبل الثانية بعد الظهر بقليل. وقابل الرئيس بمفرده وغادر. (المؤلف يشير في كل الكتاب الى نتنياهو بكنية بيبي فيما يذهب بإشاراته المستمرة لكلمة الرئيس الى بيل كلينتون.. الايضاح من «الشرق الأوسط») وعندما خرج الرئيس لإطلاعنا على ما جرى، كان منفرج الأسارير. سيبرم بيبي الاتفاق. كان يفكّر في خفض عدد الأسرى من 750 إلى 500، لكنّه شعر أنّ عرفات يجب ألا يدفع ثمن مشكلة فيما بيننا نحن الاثنين. غير أنّ بيبي سيغيّر الخليط في الشريحة الثالثة من الأسرى المفرج عنهم بحيث يكون هناك مجرمون أكثر وقليل جدّاً من الأسرى الأمنيّين. وأرادنا بيبي أن نبلغ عرفات بذلك. سأل الرئيس إذا كان عرفات يمكن أن يقبل بذلك. فقلت نعم شريطة أن نوضح أنّه سنعمل جاهدين بين الفينة والأخرى على ضمان إطلاق المزيج الأصليّ. ولم يكن لدى الرئيس مشكلة في ذلك. وقال الرئيس وساندي أنّ عليّ أن ألتقي بعرفات لإبلاغه بذلك قبل أن نعلن عن الاتفاق ونذهب إلى البيت الأبيض من أجل الحفل. لم أكن أميل إلى الذهاب، كنت أخشى أنّني إذا ذهبت الآن حاملاً هذه الرسالة فسيعتبرها عرفات نوعاً من التفاوض وربما يطلب شيئاً في المقابل. أردت أن أستبق ذاك الاحتمال. قلت إذا كنا نشعر أنّ علينا إبلاغه بذلك، يجب أن تذهب وزيرة الخارجيّة، مشدّداً على أنّ عرفات سيدرك أنّ وزيرة الخارجيّة لم تأتِ للتفاوض بل للإبلاغ فحسب. وختمت أن الخطر سيكون أقل بكثير إذا ما ذهبت وزيرة الخارجيّة. وافقت مادلين ورافقتها.

أبلغت مادلين عرفات ما جرى مع بيبي. وأخبرته في النهاية أنّ بيبي مستعدّ لقبول الاتفاق من دون ضمانة بشأن بولارد، بل مجرّد رغبة الرئيس في مراجعة قضيّته. لكنّه سيغيّر المزيج في الشريحة الثالثة من الأسرى المفرج عنهم وأنّنا سنعمل جاهدين للعودة إلى حيث كنّا. هل عرفات مستعدّ للتوجّه إلى البيت الأبيض من أجل التوقيع؟ نظر مبتسماً وقال نعم.

لعلي ارتكبت خطأ، إذا أعدنا النظر إلى تلك الأحداث. كان عليّ أن أشدّد أكثر على ما فهمه الرئيس بشأن ما كان يعنيه بيبي بتغيير مزيج الشريحة الثالثة من الأسرى المفرج عنهم. فقد اكتشفت لاحقاً أنّ بيبي كان يعني عدم إطلاق أي أسير تلطّخت يداه بالدماء، نقطة على السطر. لو أنّني فهمت ذلك، وكان يجدر بي أن أفكّر أكثر في ذلك وقتئذٍ، لعرفت أنّ ذلك سيعيدنا إلى أقل من 200 أسير بدلاً من 350 تقريباً مع اتساع وقت تنفيذ ذلك. وقد أراد عرفات وأبو مازن وأبو علاء وصائب، وكانوا حاضرين في الاجتماع الأخير، معرفة ذلك. لكن في العجلة لإنهاء الاتفاق بعد تسعة أيام مرهقة وليلة لم يغمض لنا فيها جفن، شاهدنا خطّ النهاية ولم نكن نرغب بمزيد من التعقيدات.

كانت تلك استجابة إنسانيّة جدّاً، لكنّها شوّشت تفكيري. وقد اعتبرت أنّ من المسلّم به أن بوسعنا العمل مع بيبي في سياق التنفيذ الجاري، وبخاصّة إذا كان الفلسطينيّون يفون بواجباتهم، وأنّنا سنصلح مشكلة الأسرى. لكنّني لم أكن أفكّر في كيف يمكن أن يغيّر بيبي قاعدة اللعبة في قضيّة السجناء وكيف يمكن أن يخلق ذلك مشاكل في تلك الأثناء. لو أنّني ضغطت على الرئيس لربما عرفت أنّ بيبي ألغى عرضه بإطلاق الفلسطينيّين الذين لم تتلطّخ أيديهم بدماء الإسرائيليّين. لم يقل الرئيس ذلك، بل إن المزيج في الشريحة الثالثة سيتغيّر ليس إلا. ربما لم يكن بيبي بهذا الوضوح. وربما قدّم الأمر إلى الرئيس على هذا النحو. لكن لأنّني لم أضغط ولم اسأل نفسي ماذا يعنيه ذلك من ناحية عمليّة، سمحت باستمرار الغموض. وبعملي ذلك خرقت إحدى قواعدي الأساسيّة في المفاوضات: من الأفضل مغادرة اجتماع بمشاعر مريرة على مغادرته بسوء تفاهم.

لم يكن ذلك بالطبع مجرّد اجتماع بل «إعادة إغلاق» للاتفاق أيضاً تحت ضغط وقت حدثٍ يجب أن يعقد في البيت الأبيض قبل غروب شمس يوم الجمعة. ومع اقتراب انتخابات الكونغرس، كان الرئيس بحاجة إلى الخروج إلى الشارع، وكان ثمة سؤال عن وقت إجراء حفل التوقيع إذا لم يحدث بعد ظهر هذه الجمعة. كنّا بحاجة إلى حدث. كنّا بحاجة إليه، لا لأنّ الرئيس يستحقّ مثل هذا الحدث، وسيكون مفيداً له من الناحية السياسيّة، بل لأنّ التوصّل إلى مثل هذا الاتفاق يجب الاحتفال به والاعتراف به. ومثل هذه الاتفاقات ستكون مثيرة للجدل دائماً، وستنتج معارضة دائماً. ويجب تعبئة الدعم الشعبيّ بسرعة، وتوليد الزخم على الفور. كنّا بحاجة إلى حفل البيت الأبيض لإعطاء الاتفاق منصّة الوثب التي يحتاج إليها فيما يواجه ما كنت أعرف أنّه معارضة عارمة من الذين يخشون التقدّم أو الذين يكرهونه. وفيما كنّا نركب السيّارة عائدين من غرفة عرفات في الطريق إلى المروحيّة، هنّأني جيمي روبن ورأى التردد بادياً على وجهي. سأل ما الأمر. فأجبته «لقد سرق بيبي فرحتنا في التوصّل إلى اتفاق». لكن لم أكن أعرف كثيراً حينئذ كم ستصبح هذه الملاحظة صحيحة.

* روس : باراك وكما رابين يرى اتفاقيّة السلام مع سورية هي وسيلة الوقاية الفضلى من التهديدات التي تأتي من إيران والعراق

* تعهّد المرشّح إيهود باراك بسحب القوّات الإسرائيليّة من لبنان خلال سنة. وكان باراك يعلم أنّه إذا توصّل إلى اتفاقيّة سلام مع سورية، فسوف تكون إسرائيل قادرة ـ نظراً للسيطرة السوريّة على لبنان ـ على الانسحاب من لبنان بسلام أيضاً. لكن بدون الاتفاق مع سورية، فهناك خطر واضح لا لبس فيه بأن تستمر الهجمات من لبنان بعد الانسحاب، وبخاصّة لأنّ سورية طالما استخدمت لبنان كنقطة ضغط على إسرائيل. فذلك أسلم من السماح من انطلاق الهجمات من سورية، الأمر الذي سيؤدّي حتماً إلى انتقام إسرائيليّ مباشر.

لذا فإنّ التزام باراك بشأن لبنان لا بدّ أنّه عنى مقاربة «سورية أولاً» في السلام. لكن ذلك لم يكن السبب الوحيد لتركيزه على سورية. فباراك كان يرى في سورية (خلافاً للفلسطينيّين) تهديداً استراتيجيّاً لوجود إسرائيل. لا شكّ في أن العنف الفلسطينيّ يجعل الحياة صعبة على الإسرائيليّين، لكن باراك، على غرار الكثير من الإسرائيليّين في ذلك الوقت، لم يكن يعتقد أنّ الفلسطينيّين يمكن أن يشنّوا حرباً عليهم. غير أنّ سورية تستطيع ذلك.

وكان باراك أيضاً مشدوداً إلى التعامل مع حافظ الأسد أكثر بكثير من التعامل مع ياسر عرفات. فالأسد في نظره يمثّل كل ما لم يكن عرفات يمثّله. فلديه دولة حقيقيّة مع جيش حقيقيّ يمتلك آلاف الدبّابات ومئات الصواريخ، وكان عدوّاً صلباً، لكنّه عدوّ يحافظ على التزاماته، ويحظى باحترام ورهبة من قبل الزعماء الآخرين في المنطقة.

أخيراً، رأى باراك، على غرار إسحاق رابين، أنّ اتفاقيّة السلام مع سورية هي وسيلة الوقاية الفضلى من التهديدات التي تأتي من إيران والعراق. فتنحية إسرائيل عن هذين البلدين وبناء ائتلاف إقليميّ مشترك ضدّهما، وعزلهما في المنطقة، يتوقّف كله على إيجاد قضيّة مشتركة مع سورية.

ولا شكّ في أنّ باراك كان يعرف بأن لا سلام مع سورية بدون إعادة مرتفعات الجولان إلى الأسد. وقد أقنعته رؤيته للأسد بأنّ التوصّل إلى اتفاق أمر ممكن. فقد تابع الأسد عن كثب بوصفه رئيساً للاستخبارات العسكريّة، وكان كرئيس لأركان الجيش الإسرائيليّ يطلب بشكل روتينيّ معرفة انطباعي عن الأسد ـ ويحرص على استيعاب كل نبذة من المعلومات.

وقد عزّز نقاش باراك مع باتريك سيل، وهو صحافيّ بريطانيّ وواضع السيرة الذاتيّة المتعاطف مع الأسد، اعتقاد باراك بأنّ باستطاعته التوّصل إلى اتفاق مع الأسد. وبعيد انتخاب باراك، أبلغه سيل (وكان باستطاعته الوصول بسهولة إلى الأسد) بأنّ الأسد جادّ بشأن التوصّل إلى اتفاق، لكنّ ذلك يتطلّب تدخّلاً شخصيّاً من الرئيس كلينتون، ولا شيء أقلّ. وقد ساعد سيل بعد ذلك، كما لو أنّه كان يثبت مصداقيّته، في تنظيم تبادل غير مسبوق للبيانات بين باراك والأسد بعيد فوز باراك في الانتخابات. فقد دفع باراك إلى الإشارة إلى ميراث الأسد بوصفه «سورية القويّة والمستقلّة والواثقة من نفسها... سورية مهمّة جدّاً للاستقرار في الشرق الأوسط». ثمّ حثّ سيل الأسد بأن يمتدح لأول مرّة علناّ زعيماً إسرائيليّاً واصفاً باراك «بأنّه رجل قويّ وصادق». وقد كان هذا التبادل العلنيّ استثنائيّاً، حتى وإن بصورة غير مباشرة.

إنّ اعتقاد باراك بأنّ حدوث اختراق مع الأسد قد يكون ممكناً بتدخّل أميركيّ، جعله متلهّفاً أكثر للتحرّك نحونا وأكثر تردّداً للتحرّك تجاه الأسد، لئلا يضع في جيبه أي تنازلات إسرائيليّة استباقاً لمعاهدة سلام تتوسّطها الولايات المتحدة. لكن حتى هذا التحفّظ التكتيكيّ لا يمكن أن يفسّر عدم رغبته في قبول وديعة رابين. فما الذي يفسّره ؟ اتضح لي من مباحثات بلير هاوس إلى زوريخ أنّ باراك ورفاقه تلقوا معلومات أقنعتهم بأنّ الأسد سيكون راغباً في التعايش مع شيء أقلّ من التزام إسرائيليّ بالانسحاب إلى خطوط 4 حزيران/ يونيو 1967. وقد كنت مرتاباً ونبّهت داني وتسفي بأن يأخذا مثل هذه المعلومات بتحفّظ، لكنّهما بديا مقتنعين. بعد زوريخ مباشرة، علمت ما الذي ـ أو بالأحرى من ـ أقنعهم بذلك. لقد كان رونالد لاودر، رجل الأعمال الأميركيّ وصديق بيبي نتنياهو. فقد استخدم بيبي لاودر كرسول إلى الرئيس الأسد بدءاً من صيف 1998، حيث كان يذهب إلى دمشق حاملاً رسائل من نتنياهو. وعندما سألتني وزيرة الخارجيّة عن ذلك، قلت لها: لا مشكلة لدينا في التوصّل إلى شيء بمفردهم ـ إذا أمكنهم ذلك.

ومع أنّ بيبي خرج الآن، إلا أنّ لاودر لا يزال في الداخل. فعند عودتي من زوريخ، علمت أنّ باراك اتصل بالرئيس كلينتون وأبلغه أنّه تحدّث إلى لاودر عن اجتماعاته مع الأسد ويبدو أنّهم مهتمّون جدّاً. وفي مكالمة أخرى، ذهب باراك إلى أبعد من ذلك بكثير معلناً أنّ لدى لاودر ورقة تتكوّن من عشر نقاط زعم أنّ الأسد وافق عليها إلى حدّ كبير. وإذا كان الأمر كذلك، فقد شعر باراك أنّ من الممكن التوصّل إلى اتفاق بسرعة مع سورية. هل كان الأسد مستعدّاً «للإقرار» بها؟ وحده الرئيس كلينتون يستطيع معرفة ذلك، لذا كان باراك يعتقد أنّ من الضروريّ أن يقابل كلينتون لاودر ليقرّر بنفسه إذا كان ذلك مساراً واعداً يمكن متابعته. فإذا كان الأمر كذلك، فإنّه يتمتّع بميزة التغطية السياسيّة الإضافيّة لأنّه يمكّن باراك من القول لليمين الإسرائيليّ إنّه يوافق فقط على ما قبل به نتنياهو.


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.258881

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالأربعاء يوليو 06 2016, 21:31

الحلقه الثامنه 

كان ساندي ومادلين حذرين،(المؤلف يكتفي بالاسم الاول لساندي بيرغر ومادلين اولبرايت، الايضاح من «الشرق الاوسط») وغير مستعدّين لقبول مقترحات باراك بأن يقابل الرئيس لاودر منفرداً «بالنظر إلى حساسيّة الأمر». فقد كانا يريدان أن أجلس في الاجتماع إلى جانب الرئيس «لأخبرهما إن كان الأمر حقيقيّاً أم لا». جاء لاودر بمفرده وأمضى عشرين دقيقة يشرح فيها كيفيّة نشوء قناته مع الأسد. وفي صيف 1998، التقى بوليد المعلّم في واشنطن وأبلغه أنّ بيبي جادّ بشأن محاولة التوصّل إلى اتفاق وأنّه يريد أن يفتح قناة سريّة خاصّة مع الأسد. وقد رتّب وليد لاجتماع ابتدائيّ مع الأسد، وخلال خمسة أسابيع تمكّن لاودر من التوجّه جيئة وذهاباً بين الزعيمين بشكل متكرّر. وقد أمضى خلال هذه الفترة ساعات كثيرة مع الأسد.
أبلغه الأسد بأنّه يعتقد بأنّ الاتفاق غير ممكن إلا بمثل هذه الآليّة، وأنّه يعتقد بأنّ المفاوضات الماضية كانت معقّدة جدّاً وكثيرة الأوراق، وبدلاً من ذلك فإنّ ورقة بسيطة من صفحة أو اثنتين يجب أن توضح الاتفاق على القضايا الأساسيّة. وقال لاودر إنّهما توصّلا في الأساس إلى اتفاق بشأن كافّة القضايا ـ الحدود والترتيبات الأمنيّة والسلام ولبنان ـ وأنّهما أوجزاها في عشر نقاط كان يمكن أن يصيغاها بصورة نهائيّة لولا إصرار الأسد على مراجعة الخرائط بشأن الحدود والترتيبات الأمنيّة، ورفض بيبي لئلا يفقد قابليّة التراجع عنها. ثم جاءت واي والاتفاق مع الفلسطينيّين، كما أوضح لاودر، ولم تكن لدى بيبي التغطيّة السياسيّة لمتابعة المسعى. وقال لاودر إنّه يحمل ورقة بعشر نقاط معه وأنّه أكّد لباراك أنّه سيطلع الرئيس فقط عليها، وقدّم الاعتذار عن طلبه بأن أغادر المكتب البيضاويّ. وقبل الخروج، طرحت عدداً من الأسئلة. أولاً، أين أبدى الأسد مرونة؟ أجاب لاودر بشأن الحدود والترتيبات الأمنيّة وبشأن محطّة إنذار مبكّر. أخرجت خريطة وطلبت منه أن يحدّد لي المرونة بشأن الحدود، فأشار إلى أنّ الأسد كان مستعدّاً لرسم الحدود بعيداً عن بحيرة طبريّة وعن نهر الأردن. ثانياً، ماذا يعني «توصّلا في الأساس إلى اتفاق»؟ فكان جوابه أنّ ما سيريه للرئيس هو اتفاق بنسبة 99 بالمائة. هل يشكّل الواحد بالمائة اختلافاً على أي من القضايا الأساسيّة ـ أي تعيين الحدود ومبدأ الترتيبات الأمنيّة (بما في ذلك الإنذار المبكّر) ومضمون السلام وتوقيت تنفيذ كل شيء؟ لم يكن لاودر يعتقد بوجود أي اختلاف هنا. فقد كانت المسائل المفتوحة بالنسبة إليه تتعلّق في التوضيح والتطبيق على الخرائط أكثر مما تتعلّق بالمفاوضات.

بعد أن غادر لاودر استدعاني الرئيس إلى المكتب البيضاويّ، وسرعان ما انضمّ إلينا ساندي ومادلين. سلّمني الرئيس الورقة التي تحتوي على النقاط العشر. كان عنوانها «معاهدة سلام بين إسرائيل وسورية». كانت هناك ديباجة قصيرة تفيد بأنّ إسرائيل وسورية اتفقتا على إقامة سلام بينهما وأنّ السلام يستند إلى مبادئ الأمن والمساواة واحترام سيادة الجانبين وسلامة أراضيهما واستقلالهما السياسيّ.

وقد اتفق «الجانبان» على عشرة أحكام : (1) إنهاء حالة الحرب بينهما عند توقيع الاتفاقيّة، (3) تسحب إسرائيل قوّاتها من «الأراضي السوريّة التي أخذت في سنة 1967» إلى «حدود متّفق عليها على أساس الخطّ الدوليّ لسنة 1923»، (3) يتمّ الانسحاب على ثلاث مراحل لكن تُركت الفترة الزمنيّة فارغة (وكتب الرئيس في الهامش أنّ الموقف السوريّ هو ثمانية عشر شهراً، فيما الموقف الإسرائيليّ ثلاثون شهراً)، (4) يوقّع لبنان اتفاقيّة مع إسرائيل، بشكل متزامن مع سورية وإسرائيل، ويبذل السوريّون أقصى الجهود لضمان عدم القيام بمزيد من الأنشطة شبه العسكريّة أو العدائيّة ضدّ إسرائيل انطلاقاً من لبنان، (5) وردت هذه النقطة بين قوسين، وكانت نصّاً عن الترتيبات الأمنيّة مستعاراً من ورقة «الأهداف والمبادئ»، وعليها تعليق للرئيس مفاده «يجب صياغة النصّ»، (6) ستكون هناك ثلاث مناطق تحدّ من انتشار القوّات ـ منطقة منزوعة السلاح ومنطقة محدودة السلاح ومنطقة خالية من الأسلحة الهجوميّة (وقد حدّدت ملاحظة الرئيس موقع كل منطقة في الجانب السوريّ من الحدود : سيكون الجولان منزوعاً من السلاح، وستمتد المنطقة الخالية من الأسلحة الهجوميّة إلى الطريق السريع قبل دمشق)، (7) يمكن أن تبقى محطّات الإنذار المبكّر والمراقبة القائمة حاليّاً في مرتفعات الجولان ولكن بإدارة متعدّدة الجنسيّات من أفراد أميركيّين وفرنسيّين وسوريّين (وبين قوسين، هناك إشارة إلى وجود إسرائيليّ في مركز المراقبة المتعدّد الجنسيّات)، (8) إقامة تطبيع كامل للعلاقات ينسجم مع القوانين السارية في كل من البلدين، (9) سيتمّ التعامل مع الاحتياجات والحقوق المائيّة وفقاً للمعايير الدوليّة، (10) ستسعى سورية إلى جعل السلام مع إسرائيل شاملاً في المنطقة.

ما أن فرغت من تفحّص الورقة حتى بادرني الرئيس بالسؤال عن رأيي. قلت له إنّها «شديدة الحسن بحيث يتعذّر تصديقها». لكنّني فهمت الآن لماذا كان يعتقد باراك ورفاقه بأنّهم ليسوا بحاجة إلى الالتزام بوديعة رابين وخطوط 4 حزيران/ يونيو.

انضمّ إلينا الآن ساندي ومادلين، وأخبرهما الرئيس بأنّني متشكّك بشأن مضمون الورقة. لكن هل أعتقد بأنّ لاودر كان كاذباً ؟ قلت لا، إنّه صادق وإنّني أعتقد أنّه يؤمن بالكثير مما يقول. لكنّي أخشى أنّه ليس دقيقاً وأنّ ما يعتقده اختلافات ثانويّة ليس ثانويّاً. كما أنّني أعتقد أنّ هناك بعض التعلّل بالآمال هنا. وأين تكمن شكوكي الكبرى؟ كنت أعرف أنّ خطّ 1923 ليس فكرة صالحة البتّة بالنسبة للأسد، فتلك حدود استعماريّة في نظر الأسد ولن يقبل بها قطّ في أي وثيقة. كما كانت لديّ شكوك كبيرة بأنّ يقرّ الأسد بوجود إسرائيليّ في محطّات الإنذار المبكّر في الجولان بعد الانسحاب الإسرائيليّ، فما بالك بالقبول به. لكنّ وصف لاودر بأنّ الأسد لا يريد وثيقة معقّدة كان صحيحاً، وكذا حال عدد من النقاط العشر.

قال الرئيس، «علينا التدقيق فيها مع الأسد بطريقة ما». وكان يعتقد بوضوح بأنّ هناك شيئاً ما في ورقة لاودر، وكان متلهّفاً لمتابعته. لكن كيف ؟ هل نطلب من لاودر مقابلة الأسد ؟ لم يكن ساندي ومادلين مرتاحين إلى ذلك، في حين قرّر الرئيس الاتصال بالأسد. لكنّنا أبلِغنا، بصورة غير مألوفة، بأنّ الأسد لن يتمكّن من تلقّي المكالمة قبل عدّة ساعات ـ ما دفعني إلى الاعتقاد بأنّه مريض. (كنّا نتلقّى عدداً متزايداً من التقارير عن تدهور صحّة الأسد وحدّة ذهنه.) اقترحت أن أقابل لاودر أنا ومادلين لسبر أعماقه في المجالات التي تثير شكوكي الخطيرة، وإبلاغه بأنّنا ننوي إرسال الوثيقة إلى الأسد مع رسالة مفادها أنّه إذا كان يجدها مقبولة من حيث الأساس ، فإنّ الرئيس يعتقد بوجود إمكانيّة للتقدّم بسرعة كبيرة نحو اتفاقيّة نهائيّة بين سورية وإسرائيل. أعجب الرئيس كلينتون بهذا النهج وطلب منّا السير فيه.

جاء لاودر إلى مكتب مادلين ليقابلنا. فشرحت ما نعتزم القيام به، فوافق على أنّ ذلك أمر معقول. ثم سألته ما هي الأسئلة التي يعتقد أنّ الأسد يمكن أن يطرحها بشأن الورقة. فقال إنّ الأسد سيواجه مشكلة في النصّ المكتوب بين أقواس بشأن الوجود الإسرائيليّ في محطّة الإنذار المبكّر ـ وأنّ هذا كل شيء. وماذا عن خطوط سنة 1923 وليس خطوط 4 حزيران/ يونيو 1967؟ ولشدّ ما أدهشني إصراره على أنّ الأسد وافق على ذلك ـ وأنّنا سنرى أنّها ليست مشكلة عندما يتلقّى الأسد الورقة.

* روس: الأسد أقر لكلينتون بلقاءاته مع رونالد لاودر ولكنه أنكر علمه بقصة النقاط العشر

* عندما عدنا إلى البيت الأبيض، اتصل الرئيس بالأسد ثانية. وقد تلقّى الأسد المكالمة هذه المرّة. أبلغه كلينتون عن هذا الاجتماع مع لاودر، (إشارات المؤلف المستمرة للاودر مقصود بها رونالد لاودر، فيما يكتفي بالإشارة لبيل كلنتون بكلمة الرئيس ولنتنياهو ببيبي..الإيضاح من «الشرق الأوسط») وورقة النقاط العشر. فهل يوافق الرئيس الأسد على هذه النقاط بالفعل؟ كان ردّ الأسد يميل إلى تعزيز شكوكي. قال إنّ «ذلك غريب نوعاً ما». أقرّ بأنّه التقى عدّة مرّات بلاودر، لكنّه أبدى عدم علمه بشأن النقاط العشر. وقال إنّ المسعى معه انتهى إلى الفشل. وانّه لا يريد إحراج أحد ويفضّل عدم مجيء لاودر إلى دمشق ـ وهو ما اقترحه كلينتون الآن. وبدلاً من ذلك طلب من الرئيس أن يرسل إليه الورقة التي قدّمها لاودر وسيردّ عليها.

بعد المكالمة طلب مني الرئيس إعداد الورقة مع ملاحظة تفسيريّة تبيّن المجالات التي قال لاودر إنّها بحاجة إلى توضيح. واستناداً إلى حواره مع لاودر ومعنا، اقترح أن نلطّف النص المتعلّق بمركز المراقبة لاستبعاد الإشارة إلى الوجود الإسرائيليّ. اعترض ساندي بحقّ قائلاً لا يمكن أن يكون لدينا نسخة اطلع عليها باراك ونسخة ثانية للأسد. واقترح ألا نجري هذا التغيير إلا إذا قبله باراك ـ وعندما راجعنا باراك في الأمر، قال إنّه لا يريد إدخال تغييرات على الورقة: «فهذه هي الورقة التي يفترض أنّ الأسد قبلها، وأنّ علينا اختبار ردّه». فقد كان باراك متلهّفاً إلى معرفة كيفيّة ردّ الأسد عليها.

سأل كلينتون «كيف سترسل الورقة إلى الأسد؟»، أجبته بأنّني سأرسلها بفاكس آمن إلى سفيرنا في دمشق مع تعليمات مشدّدة بأنّه هو وحده من يستطيع تسلمها من ماكنة الفاكس، وأنّ عليه أن يضعها في مغلّف وأن يأخذها إلى القصر الرئاسيّ على الفور دون أن يعرض أيّ تعليقات عليها. أجاب الرئيس، «حسناً». وبعد يومين، أجاب الأسد داعياً الرئيس إلى القول إنّ سورية لم تقبل هذه الورقة من قبل ولن تقبل بها الآن. انتهى المسعى مع لاودر، الأسد يفضّل العمل انطلاقاً من التزام رابين ـ «الوديعة» ـ ودعانا إلى تقديم مقترحات إلى الجانبين.

اتّضح الآن ما كنت أشكّ فيه طوال الوقت: لقد كانت مقاربة باراك الابتدائيّة للسوريّين تستند إلى مقدّمة خاطئة: أن ليس عليه إعادة التأكيد على التزام رابين «المشروط» بالانسحاب إلى خطوط 4 حزيران(يونيو).

تشجّع الرئيس بحماسة باراك، بعد أن ارتفعت آماله مع لاودر، ووافق على محاولة إقناع الأسد بقبول القناة السريّة. لكن قبل أن يتصل بدمشق، أخبرته بأنّ الأسد يقاوم من حيث المبدأ فكرة الدبلوماسيّة السريّة مع إسرائيل لأنّها كانت الطريقة التي أنجز بها الجميع الأمور ـ السادات والملك حسين، بل وحتى الفلسطينيّين. وأنّ على الأسد أن يظهر الآن أنّه يؤدّي العمل على طريقته (كانت قناة لاودر سريّة لكنّها لم تكن مباشرة). ولإقناع الأسد بالعمل في قناة سريّة، لا بدّ من أن تكون قناة ثلاثية الأطراف لا قناة ثنائيّة. فذلك سيسمح للأسد بأن يظهر أنّه مختلف، لا يسعى وراء الدبلوماسيّة السريّة مع الإسرائيليّين ولكن العمل مع الراعي الأميركيّ المشترك وفقاً لشروطه.

أبدى الأسد اهتماماً، لكنّه أراد أن يعلم من سيرسل باراك إلى الاجتماع. فكان الجواب أوري ساغي، وكنت أعرف أنّ ذلك سيسرّ الأسد. فساغي، وهو جنرال متقاعد ورئيس سابق للاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة، أقرّ علناً بأنّ الأسد مستعدّ لعقد سلام مع إسرائيل إذا انسحبت إسرائيل من مرتفعات الجولان، كما أنّه من المؤيّدين المعروفين للتوصّل إلى مثل هذا الاتفاق. وكان أيضاً صلة الوصل بين باراك وباتريك سيل، كاتب السيرة الذاتية للأسد.

لا شكّ في أنّ الأسد كان متحمّساً بشأن ساغي، وقال عنه إنّه يحظى بسمعة طيّبة لدى الجانب السوريّ. وقال إنّه سيرسل رياض الداووديّ ـ وهو محام سوريّ شارك في المحادثات الإسرائيليّة السوريّة في واي سنة 1996.

سأل الأسد من سنرسل نحن؟ فأجابه الرئيس أنّه سيرسلني. فقال الأسد، «لم يكن السيّد روس إيجابيّاً معنا دائماً». فكان ردّ الرئيس: بإمكان دنيس الانتقال بشكل سريّ، ولا يمكنني أن أرسل وزيرة الخارجيّة، كما أنّه يعرف التفاصيل والتاريخ بطريقة لا يجاريه فيها أحد. وردّ الأسد على ذلك قائلاً، «ذلك صحيح، لكنّنا نأمل أن يكون إيجابيّاً أكثر».

وفي وقت لاحق سألني الرئيس، «ما الذي كان يعنيه؟». أبلغت الرئيس أنّه ربما يكون هناك العديد من الأسباب وراء ذلك التعليق. أولاً، أنّني جئت لتمثيل عمليّة السلام في المنطقة في عهد بيبي فقط، وفي أثنائه ركّزنا على المسار الفلسطينيّ بشكل حصريّ تقريباً. وأنا لم أذهب إلى دمشق منذ سنة 1996، وأنّ الأسد شعر من دون شكّ بأنّه تمّ تجاهله. ثانياً، كنت شديداً معه بشأن الإرهاب في اجتماعنا الأخير، وكان قد عُقد بعد وقت قليل من انفجار رحلة طائرة «تي دبليو أ 800»، حيث أبلغته أنّه إذا تبيّن أنّ الانفجار عمل إرهابيّ وثبت أنّ لأي من المجموعات الرافضة التي تتخذ من سورية مقرّاً لها، فإنّنا سنحمّله المسؤوليّة عن ذلك. ثالثاً، أنّ الأسد كان يحاول وضع الرئيس ووضعي في موقف دفاعيّ بحيث نكون أكثر استجابة له.

* سيناريوهات جولة سويسرا السرية بين دمشق وتل أبيب

* اقترحت أن أمدّ يد المساعدة «بصيغة أميركيّة». وقلت إنّها ستمكّن رياض من الإشارة إلى شيء من قبلنا، ويستطيع أوري القول، إنّ هذه صيغة أميركيّة، ولا تلزم إسرائيل بالطبع. )المؤلف يشير هنا الى رياض الداوودي المفاوض السوري وأوري سارغر المفاوض الإسرائيلي وهما المبعوثان من قبل حافظ الأسد وإيهود باراك .. الإيضاح من «الشرق الأوسط»)، أعجب الاثنان بالمقاربة، وأخذنا استراحة وذهبت لأكتب الصيغة.

أردت أن أبتكر شيئاً يكون جديداً بشكل واضح من وجهة النظر السوريّة ولا يكون صريحاً من وجهة النظر الإسرائيليّة. وبهذه الخلفيّة في ذهني، صغت مسوّدة نصّ تفيد بأنّ وديعة رابين التي قدّمت إلى الرئيس كلينتون بشأن المواقف من الانسحاب الكامل يجب ألا تُسحب ويجب أن ترشد نتيجة المفاوضات إذا أريد التوصّل إلى اتفاق. وفي حين أنّني لم أفصح عن وديعة رابين من حيث خطّ 4 يونيو(حزيران) بالتحديد، كنت أشير إليها ضمناً وأضيف شرطي، أنّها «يجب أن ترشد» و«يجب ألا تسحب». راجعت الصيغة مع ساندي ومادلين، وحثّني ساندي على تأكيد الأمر مع باراك، وبخاصّة لأنّ الولايات المتحدة لن تكون الآن حافظة لوديعة رابين فحسب، وإنّما تقول إنّها يجب أن ترشد النتيجة.

راجعت الأمر مع أوري فأراد أن يتأكّد من أنّ باراك سيكون مرتاحاً للصيغة قبل تقديمها إلى الداووديّ. نبّهت أوري إلى أنّني لا أستطيع الانتظار طويلاً لئلا يعتقد الداوويّ بأنّني أقوم بإعداد الأمر مع الإسرائيليّين ـ ما يميت الصيغة عند ولادتها. تفهّم أوري ذلك ونجح على الفور تقريباً في الحصول على موافقة باراك، شريطة «ألا أتقدّم أكثر». وذلك يتجاهل الواقع بوجوب حدوث بعض الأخذ والردّ بشأن الصيغة. بيّنت لأوري أنّني تعمّدت استخدام «يجب» بدلاً من «سوف» أو «س». وقلت قد يكون عليّ يا أوري أن أعطيه «سوف» أو «س» ـ لا سيما لأنّه سيضغط بالتأكيد لذكر 4 يونيو صراحة ولأنّني لن أعطيه ذلك.

فهم أوري ذلك، ومن المثير للاهتمام أنّه أرادني أن أكون متعاوناً قدر الإمكان، مع أنّه يعتقد أنّ الصيغة تقف عند الحدود الخارجيّة لما يمكن أن يتقبّله باراك. فقد رأى أنّ الداووديّ رجل يمكنه التفاوض معه ويريد أن يدعمه لدى الأسد.

عندما أطلعت رياض على الصيغة، أراد بالطبع تغيير «يجب» وإحلال «سوف» أو «س» مكانها، كما أراد ذكر خطوط 4 يونيو صراحة. فقلت له إنّني ذهبت بعيداً في وضع مسوّدة هذه الصيغة، فالولايات المتحدة ستنتقل من حافظ غير فاعل لوديعة مقدّمة من رابين إلى تبنّي موقف فاعل بأن ترشد الاتفاق. وذلك يمنح السوريّين ضمانة بشأن الوديعة لم تكن لديهم البتة. وثمة تساؤلات أثيرت بالفعل في واشنطن بشأن تولّينا مسؤوليّة جديدة، وأبلغت رياضاً بأنّني أشكّ في قدرتي على الذهاب إلى أبعد من ذلك: «لديك يا رياض شيء مهمّ منّا، فخذه».

أقرّ بأنّ الصيغة تشكّل خطوة مهمّة إلى الأمام، لكنّه كان قلقاً من ألا تكون كافية في دمشق. فقرّرت أن أجرّب مسلكاً آخر. سحبت ورقة لاودر وأطلعته عليها مع تعليقات الرئيس (تبدو الإشارة هنا للرئيس كلينتون ..الإيضاح من «الشرق الأوسط»). وأبلغته أنّ الحماسة دبّت في الرئيس عندما شاهد النقاط العشر، وذكّرته بقيمة أن يكون لديك مشاركة رئاسيّة متحمّسة. ومفتاح الحلّ بالنسبة إلينا أن نأخذ بعض هذه النقاط وننشئ عليها بنية تتمحور حول العناوين التقليديّة للانسحاب والسلام والأمن والجدول الزمنيّ. علينا أن نستخدم الصيغة التي استنبطتها كطريقة لتجاوز عتبة قضيّة استئناف المفاوضات. وأضفت أنّنا في النهاية «نتفاوض الآن وأنّك سمعت بالفعل أشياء من أوري لم تُقل من قبل مباشرة أمامكم».

راجع الداووديّ نقاط لاودر وأبدى إعجابه بملاحظات الرئيس في الحاشية. لكنّه قال، «لقد اطلعت على هذه النقاط يا دنيس، وقد صرفنا ثلاث عشرة ساعة في دراستها وهي لا تعكس أياً من تعليقاتنا. هذه هي المسوّدة الأولى التي أعطيت لنا، لا النسخة الأخيرة» ـ والتي كان يعرف أنّهم أصرّوا فيها على إحلال خطوط 4 يونيو محل خطوط 1923.

أجبت بأنّ معرفتنا بذلك مثيرة جدّاً للاهتمام. ومع ذلك، ثمة نقاط مشروعة في ورقة لاودر، وأنّ لدينا قناة الآن ويجب الاستفادة منها. أبلغني أنّه سيحاول أن يفعل شيئاً. كان المساء قد تقدّم الآن، فتناولنا عشاء اجتماعيّاً استفسر فيه كل منّا عن أسرة الآخر. وبدا من الواضح أنّ أوري ورياض مشغولان فغادرا فور انتهاء الطعام للاتصال بعاصمتيهما.

وبعد قليل على مغادرة أوري، اتصل بي رئيس الوزراء باراك. لقد تحدّث إلى أوري، لكنّه يريد أن يعرف انطباعاتي عن المحادثات. أخبرته بأنّ الداووديّ منفتح بشكل ملحوظ وأنّه يحاول أن يجد طرقاً لكي يكون متجاوباً، لكنّ الأسد مصرّ على الصيغة، وأخشى أنّنا بدلاً من الدخول في دبلوماسيّة الأخذ والعطاء الحقيقيّة، فإنّنا سنغرق في الخلاف بشأن كيفيّة معاودة المفاوضات الرسميّة. وقد حاولت القفز على ذلك الاحتمال بالصيغة التي وضعتها وبمراجعة نقاط لاودر مع الداووديّ. وأبلغته بأنّ ذلك لم يجدِ نفعاً لأنّ مسوّدة نقاط لاودر كان ينقصها التعليقات السوريّة ـ وهو اكتشاف مثير جدّاً للإزعاج.

انزعج باراك بشكل مماثل من كشف الداووديّ لهذا الأمر، لكنّه لاحظ بعدئذ بأنّ الأسد قبل التفاوض حول نقاط لاودر معهم، حتى وإن كانت غير دقيقة. لقد اعترف الداووديّ بهذا القدر. ويريد باراك أن يكون قادراً على إجراء مثل هذا التفاوض مع السوريّين دون أن يكون عليه دفع الثمن بقبول أي شيء يتجاوز الصيغة التي وضعتها الآن. هذا هو الحدّ وقال باراك دون مواربة: «سأبلغ الرئيس (كلينتون) بأنّني أعارض أي صيغة أميركيّة تتجاوز تلك التي وضعتها».

في الصباح التالي طلب الداوودي أن يجتمع بي على انفراد. لقد تحدّث إلى وزير الخارجيّة الشرع، ونقاط لاودر خارج نطاق البحث. إن سورية تطالب بصيغة صريحة بشأن خطوط 4 يونيو ولورقة «الأهداف والمبادئ» أيضاً. وهذه هي نقطة انطلاق معاودة المفاوضات الرسميّة، وأي شيء دون ذلك غير مقبول.

تملّكني شكّ في أنّنا وصلنا إلى غاية ما يمكننا هنا في بيرن. فقد أبلغت رياضاً بأنّني لا أستطيع أن أحسّن الصيغة التي قدّمتها له وهو الآن غير قادر على قبولها.

لكنّني اقترحت ألا نيأس. لقد سمع رياض مبدأ خطوط 4 يونيو من أوري وبإمكانه الإفادة عن ذلك إلى الرئيس الأسد. وبإمكانه الإفادة عن موقفنا المتقدّم أيضاً. فوزيرة الخارجيّة ستزور المنطقة خلال بضعة أيام ووعدت بأن أفكّر في أفضل السبل للاستفادة من اجتماعاتها المنتظرة مع الأسد وباراك. ومن المثير للاهتمام أنّ أوري كان يشعر بأنّ الاجتماعات حقّقت نجاحاً مدهشاً، لقد بات أكثر اقتناعاً من ذي قبل بأنّ الأسد يريد التوصّل إلى اتفاق. وما علينا إلا إيجاد الطريقة الصحيحة لإدارة «المفتاح في الباب وفتح قفل التقدّم المتوفّر». قلّبت فكرة أوري في ذهني. وكانت تلازمني أيضاً ملاحظة باراك بأنّ مسعى لاودر أنتج أخذاً وردّاً جدّيين بشأن الورقة. وفيما كنت عائداً إلى زوريخ لأستقل طائرة إلى القاهرة، راودتني فكرة جديدة. لم لا نعيد فتح مفاوضات غير مباشرة على ورقة شبيهة بنقاط لاودر. يمكننا أن نحضر الجانبين إلى موقع سريّ، ويمكننا التحدّث بشكل مكثّف إلى الجانبين كل على حدة، وفي ضوء هذه المباحثات يمكننا عندئذ أن نستنبط وثيقة، ويستطيع الجانبان بعد ذلك التفاوض حول الوثيقة. وبهذه الطريقة لن يكون الأخذ والردّ حول صيغة عامّة لاستئناف المفاوضات، ولكن على فحوى كل من القضايا التي يجب حلّها.

حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.259355

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالأربعاء يوليو 06 2016, 21:32

الحلقه التاسعه 

لدى وصولي، كانت الخطة التي نويتُ اعتمادها تقضي بمطالبة عرفات بمحاسبة المسؤولين عن تفجيرات «محانيه يهودا»، واللّعب على وتر الرغبة لديه في أن تزور الوزيرة أولبرايت المنطقة وتلتقي به. ولطالما اعتقد عرفات أن زيارات رفيعة المستوى كهذه تُعلي من شأنه ومن شأن القضية الفلسطينية. أردته أن يفهم أنه إذا كان ذلك مهمّاً بالنسبة إليه، فعليه أن يُعطيني شيئاً كي أحقّقه له ـ وهذا الشيء هو التعاون الأمني المستمر، والمتضمن تبادلاً للمعلومات وتصدّياً لكل من يُشكِّل خطراً أو تهديداً. وتقرّر أن أحضر اجتماعاً ثلاثياً في مساء اليوم التالي، لذا قلتُ إنه يُحسن بالفلسطينيين أن يكونوا جدّيين، فلا يستخدمون المنتدى للتذمر والشكوى، بل لمناقشة المعطيات التي يملكها الإسرائيليون حول تهديدات محدّدة، والخروج بردّ مشترك عليها. وإذا رأينا أن مسؤولي الأمن الفلسطينيين لا يضعون ما يُتفق عليه موضع التنفيذ، ستمتنع الوزيرة عن المجيء إلى المنطقة.
أنصت عرفات إلى كلامي، وأبدى موافقة على كل ما طالبته به، وإذا بالتعاون الأمني يُستأنف في ظرف أسبوعين من الزمن. صحيح أنه لم يكن مثالياً، فتبادل المعلومات بقي محدوداً، والفلسطينيون يبدون مترددين في اعتقال جميع المدرجة أسماؤهم على اللوائح الإسرائيلية، ولا تُتخذ سوى خطوات قليلة ذات معنى ضد البنية التحتية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي ـ إلا أن «الشين بيت» تقول إن أجهزة الأمن الفلسطينية تبذل الآن جهداً، والمفروض بنا أن نشجع هذا الجهد لا أن نرفضه.

في تلك الأثناء، التقيتُ بنتنياهو وعرفات كليهما، كما اجتمعتُ بمسؤوليهما الأمنيين لإبقاء الضغط قائماً، وفي نهاية الشهر بعثتُ بتقرير إلى الوزيرة يُفيد أن المعيار الذي وضعته للمجيء إلى المنطقة قد تحقق. وهكذا استعدنا من جديد توازننا للقيام بمسعى أكثر جدّية في سبيل المفاوضات. ومن جديد، أُجهض مسعانا هذا بفعل عمل إرهابي آخر.

ففي الرابع من أيلول/ سبتمبر، ضرب المفجّرون الانتحاريون وسط مدينة القدس، فقتلوا خمسة إسرائيليين وجرحوا 186 آخرين في متنزّه بن يهودا للمشاة. كانت مادلين قد سبق وأعلنت أنها ستصل إلى إسرائيل في الأسبوع القادم. ومن شأن إلغاء الزيارة الآن أن يُرسل إشارة إلى الإرهابيين بأنهم قادرون على إحباط مساعينا. وفي إدانتها للإرهاب، أهابت الوزيرة بعرفات أن يبذل جهداً أكبر، في الوقت الذي أعلنت فيه «أننا لا يُمكن أن نستسلم للإرهاب. وانطلاقاً من قناعتي هذه، أعتزم التوجه إلى الشرق الأوسط كما هو مقرّر».

إنما لم يكن هناك الكثير مما يُمكن عمله في تلك الرحلة. فنتنياهو كان واضحاً، ويتحدث من موقع قوة: لن يُقدِّم أية تنازلات في وجه الإرهاب; وحتى لو أراد ذلك، فهو مستحيل سياسياً.

أمضت الوزيرة أُولبرايت قرابة أسبوعا في الشرق الأوسط تجول في كل أنحاء المنطقة ; وحيثما ذهبت، كانت تسمع اللازمة إيّاها: على الولايات المتحدة أن تعمل أكثر مما عملت حتى الآن. وكان جوابها أنه ليس هناك الكثير مما يُمكن عمله إذا ما استمرت التفجيرات الانتحارية. كان في وسعها أن تتحدّث، وقد تحدّثت بالفعل، عن الإجراءات الإسرائيلية التي يجب أن تتوقف كذلك، خصوصاً أن عرفات يتشكّى علناً من انتهاكات الإسرائيليين لالتزاماتهم بموجب اتفاقية أوسلو. لكن عملية بن يهودا ضمنت أن تتمحور تلك الزيارة على الأمن، وبدا أن عرفات فهم أن عملية التفجير قد أضرّت به وفي الوقت غير المناسب بالضبط. عندما تحدثتُ إلى عرفات وأبي مازن عند اختتام زيارة الوزيرة، صارحتهما بأنها كانت فرصة ضائعة. فأقر أبو مازن بأنّي على حق: لم يكن أمام السلطة الفلسطينية من خيار غير أن تعمل ضد حماس. اكتفى عرفات بالاستماع، ولم يُعلّق بكلمة. نظرتُ إليه وسألته ما إذا كان سيعمل ضد حماس؟ أجاب بالإيجاب، وقد فعل في الواقع. إذ شملت الاعتقالات، أقلّه في دفعتها الأولى ـ «أسماك قرش وليس سرديناً» حماس والجهاد الإسلامي ـ إذا ما استعرنا هنا وصفاً كان من الجائز أن يستخدمه بيبي (نتنياهو ). لكن حيث إنه لم يجر أي تفكيك للبنية التحتية لحماس، فقد بدا ذلك كما لو أنه رسالة جديدة موجَّهة إليها: استمري أنتِ في تفجيراتك الانتحارية، وننقضّ نحن عليك كأطنان الحجارة.

ولم يقع أي هجوم انتحاري آخر لمدة تنوف عن السنة كان فيها عرفات يسعى جاهداً إلى قلب الطاولات على نتنياهو. كان يريد آنئذ أن تقع التبعة على بيبي وليس عليه هو. أما من ناحية بيبي، فقد واصل ارتكاب زلاّته بلا كلل، ومنها زلّةٌ كادت تنسف علاقات إسرائيل بالأردن.

* أسرار صفقة إطلاق سراح الشيخ ياسين ومحاولة اغتيال خالد مشعل

* لم يقع أي هجوم انتحاري آخر لمدة تزيد عن السنة، كان فيها عرفات يسعى جاهداً إلى قلب الطاولات على نتنياهو. كان يريد آنئذ أن تقع التبعة على بيبي (المؤلف يشير دائما لنتنياهو بكنية بيبي.. الإيضاح من «الشرق الأوسط») وليس عليه هو. أما من ناحية بيبي، فقد واصل ارتكاب زلاّته بلا كلل، ومنها زلّةٌ كادت تنسف علاقات إسرائيل والأردن.

فقبل الساعة السابعة بقليل من صباح السبت 27 أيلول/ سبتمبر، جاءتني في البيت مكالمة تفيد أن رئيس الوزراء نتنياهو سيتصل بي بعد قليل على خطي الهاتفي المأمون. لم يكن من عادة بيبي أن يتصل بي في يوم سبت ، النهار الذي يقضيه في النوم إلى ما بعد الظهر. لا بد أن شيئاً قد وقع.

ما إن وصلوني به هاتفياً حتى دخل بيبي رأساً في الموضوع: أخبرني أن هناك مشكلة كبرى، وأن الملك حسين يُهدّد بقطع العلاقات مع إسرائيل بحلول منتصف الليل. وقال إن عليّ أن أتصل به، أو أُقنع الرئيس كلينتون بالاتصال به، لمنعه من تنفيذ ما قد يرقى إلى مستوى الكارثة على حد وصفه. كان بيبي لحظتذاك نهباً لمشاعر القلق الشديد.

قلتُ له: «سيدي رئيس الوزراء. عليكم أن تخبروني بما يجري. ما الذي حصل؟».

كنتُ اطلعتُ على تقارير تفيد أن أحد قياديي حماس، خالد مشعل، قد هوجم في عمّان، إلا أنني لم أُعرها كبير اهتمام. فشرح لي بيبي الآن أن الهجوم كان من تدبير الموساد الإسرائيلي، وقد حدث خلل ما في العملية. لقد هاجمه عدة عملاء إسرائيليين يحملون جوازات سفر كندية وحقنوه بمادة سامّة، وأن اثنين منهم قد اعتقلتهم الشرطة الأردنية فيما كانا يحاولان الفرار بطريقة خرقاء. قال إن مشعلاً راقد الآن في المستشفى، وسوف يقضي نحبه حتماً إذا لم يُعط ترياقاً مضاداً للمادة السامّة، وأن الأردنيين يطالبون إسرائيل بتركيبة الترياق من دون أن يعدوا بإطلاق سراح عميلي الموساد. وها هو الملك يوجه إليهم إنذاراً نهائياً، مهدِّداً بقطع العلاقات معهم بحلول منتصف الليل.

ومع وعيي التام بأنني على الخط أتحدث مع رئيس وزراء إسرائيل، إلاّ أنني لم أتمالك نفسي عن نهره من دون تفكير: «بماذا عساك كُنتَ تفكِّر؟». وحين أجاب بأن الهجوم جاء ردّاً على عمليتي التفجير في محانيه يهودا وبن يهودا، سألته: «لماذا لم تذهب إلى الأردنيين وتَرَ ما إذا كانوا سيُوقفون مشعلاً ويسلمونه إليكم سرا ؟». كان جواب بيبي الوحيد أن الموساد كان متأكداً من قدرته على النيل من مشعل. فسألته ثانيةً: «ألم يخطر ببالك أن خللاً ما قد يحصل؟»; وقد صُعقتُ عندما أجابني: «كلا».

أدركتُ عندئذٍ أن لا معنى لتقريع بيبي أكثر من ذلك. فإذا كان حسّه بعدم المسؤولية هو الذي تسبّب بالأزمة فإن لنا مصلحة كبيرة وكبيرة جداً في تفادي إقدام الأردن على قطع علاقاته بإسرائيل، الذي إنْ حصل سوف يكون من العسير إبطال مفعوله، وقد يحفز مصر على أن تحذو حذوه.

قلتُ لبيبي بأن عليه أن يُسلِّم الأردن الترياق في الحال. أبدى ممانعة في القيام بذلك إذا لم يُطلق سراح العميلين الإسرائيليين. قلتُ له: «لقد أوقعتم الملك في وضع حرج; فقد استغلّيتم علاقتكم الخاصة به لأغراض أمنية، وعليكم الآن أن تبادروا إلى تصحيح الخطأ فوراً. ابدأوا بإرسال الترياق، وقدّموا اعتذاراً، مع وعدٍ قاطع بعدم تكرار مثل ذلك مرة أخرى، وبأن هذين العميلين لن يطآ أرض الأردن ثانيةً. وبإمكانكم أن تقولوا له إنه إذا ما شعرتم بوجود تهديد ما داخل الأردن، سوف تأتون إليه وتشرحون له ماهية ذلك التهديد». قال بيبي إنه مستعد أن يوفد داني ياطوم، الذي صار الآن رئيساً للموساد، إلى الأردن في الحال حاملاً معه الترياق، لكنه يخشى من أن يرفض الملك مقابلته. وعدتُه بأن أُقنع الرئيس كي يتصل بالملك لهذا الغرض، إنما يتعيّن عليه أن يُسرع إلى تصحيح خطئه.

اتصلتُ بساندي بيرغر وشرحتُ له الوضع، قلتُ له ثمة ضرورة لأن يتصل الرئيس بالملك، ويُهدّئ من خواطره، ويقترح عليه أن يُطلق سراح العميلين الإسرائيليين سرا، لقاء وعدٍ بأن لا يعودا إلى الأردن أبداً.

أجرى الرئيس الاتصال. وبعد أن نفَّس الاحتقان لدى الملك حسين، أقنعه بألا يقطع العلاقات الدبلوماسية، وبأن يُفرج في صمتٍ عن العميلين الإسرائيليين. وكان يجب أن تكون تلك نهاية القصة، لكنها لم تكن.

طلب الملك من الرئيس كلينتون أن تُلبّى له عدة مطالب: الترياق، الاعتذار، ووعد بعدم حصول شيء مثل هذا مرة أخرى. لكن بيبي كان يخشى أن يستبقي الملك العميلين في الحجز فترةً من الزمن، وألا يستأنف التعاون الأمني معهم; وهو حاجة أساسية للأمن الإسرائيلي بالنظر إلى حدود الأردن الطويلة مع إسرائيل.

لذا، سارع بيبي إلى تقديم «حلوانة» إلى الملك: السماح للشيخ أحمد ياسين، الزعيم الروحي لحماس، الضرير(*) والكسيح (هكذا في الأصل، وهو ما ليس صحيحاً، فالراحل الشيخ ياسين مقعدا ولكنه ليس ضريرا.. الإيضاح من «الشرق الأوسط»)، بالعودة إلى غزة عبر الأردن، وهو امتياز سعى الملك إليه، لكنه لم يجعله شرطاً لتسوية الأزمة. وما بدأ كعملية لإظهار الكلفة الباهظة لقيادة حماس في خارج المناطق، انتهى بالسماح لزعيم حماس الروحي بالعودة إلى غزة عودة الأبطال. عملية سيئة التصوّر منذ البداية، انتهت بخطأ فاضح آخر بعد: تقوية ساعد حماس في العملية ،( بناءً على ما أعرفه من عقل عرفات التآمري، فهمتُ كذلك أنه سيرى أن الرئيس كلينتون سيرى في عودة ياسين إلى غزة جزءاً من مؤامرة إسرائيلية للتواطؤ مع حماس من أجل إضعاف مكانته والمساس به).

* أغضبنا عرفات بالحديث عن نسب إعادة الانتشار

* كُنا في تلك المرحلة نتحدث عن إعادة الانتشار الإضافية. وكان بيبي (نتنياهو) يقول إن 13 في المائة هي كل ما يستطيع عمله من أجل المراحل الثلاث لإعادة الانتشار الإضافية، وهنا أيضاً قلتُ له: «سيدي رئيس الوزراء. لا مجال لمن يقرأ الاتفاق الانتقالي أن يستنتج بأنكم يجب أن تحتفظوا بالقسم الأكبر من الأرض بعد استكمال جميع مراحل إعادة الانتشار الإضافية».

اللافت للانتباه أن بيبي لم يُجادل في هذه النقطة. وحتى عندما تدخلت مادلين وقالت إنه مدعوٌ بعد إلى تنفيذ مرحلتين أولى وثانية معقولتين من إعادة الانتشار، لم يناقشها قط في الأمر. بدلاً من ذلك، سأل إن كنا نقبل مرحلة إعادة الانتشار الأولى التي عرضها في آذار/ مارس ولم تُنفذ. أومأ كلانا ـ مادلين وأنا ـ برأسينا أننا نقبلها. وأردفتُ أقول إننا إنما نركّز هنا على ما يمكنكم عمله بالنسبة للمرحلة الثانية كي تجعلوا المرحلتين الأوليين معاً معقولتين. وجاء دوره الآن كي يومئ برأسه. وقد فعل.

وفي طريق عودتنا إلى الفندق، لم أكن واثقاً من مقدار ما أنجزنا، إنما ذكرتُ لمادلين أنه كان هناك، على الأقل، تطور واحد مثير للاهتمام: لقد ركّز بيبي طوال الوقت على المزيد من إعادة الانتشار; وسمعنا عن قيود إسرائيل بدلاً من تسلّم لائحة بالمطالب التي يتعيَّن على الفلسطينيين الالتزام بها. إن بيبي يُراعي أجندتنا الآن، ولا يحاول تجنُّبها ليس إلاّ.

في اعتقاد مادلين أن بيبي بات الآن يعمل جاهداً للقيام بخطوة أخرى في إطار إعادة الانتشار. سألتني هل أظنّه سيؤدي ما عليه فعلاً؟ قلتُ إني لستُ متأكداً، إنما أخبرتها بأن المفتاح سيكون في حمل عرفات على الأداء هو الآخر; فمن شأن ذلك أن يضغط على بيبي إذا ما عرفنا كيف نجعل من الجمهور الإسرائيلي حليفاً لعرفات.

في اليوم التالي، ضغطت الوزيرة على عرفات لجهة ما يتوجب عليه فعله في مجال الأمن تفصيلاً. أما هو، فكانت لديه أفكار أخرى بالطبع. كان يريد أن تبقى التبعة ملقاة على كاهل بيبي، ووظّف في ذلك الاستراتيجية القديمة القائلة إن خير طريقة للدفاع هي الهجوم. فكان في كل مرة تضغط مادلين عليه، يتحدّث لها عن متاعبه السياسية. قال إنه في موقف حرج أمام شعبه، مكرراً التلاوة عينها عن كل ما فعله نتنياهو: هارحوما، مصادرة بطاقات الهوية وإكراه الفلسطينيين على ترك القدس، منع الفلسطينيين من العمل داخل إسرائيل من خلال اتباع سياسة الإغلاق، هدم البيوت، النكث بالتزاماته حيال إعادة الانتشار الإضافية، مطار غزة، الممر الآمن، السماح للمستوطنين بـ«إرهاب» الفلسطينيين... إلخ. إن كل ما يطلبه هو «التطبيق الدقيق للاتفاقيات» ـ الاتفاقيات التي كنا نحن الأميركيين شاهدين أو متفاوضين عليها.

هنا تدخلتُ، مُشيراً إلى أن بعض الخطوات التي يعترض أكثر ما يعترض عليها، كالإغلاقات مثلاً، إنما جاءت بعد عمليات التفجير التي حصلت في إسرائيل. فإذا كان يُريد أن يساعدنا على إلغاء تلك الخطوات، فلا محيص عن المقاربة المنظومة إلى الأمن التي دأبت الوزيرة على مُطالبته بها. وكان على شفير الاشتياط غضباً حين استطاع السيطرة على نفسه.

لم يسبق لي أو لجمال أن رأيناه على وشك الانفجار ولم ينفجر. فما الذي منعه من ذلك الآن يا تُرى؟ هل استذكر الدرس الذي أعطيته إيّاه كيف ينبغي ألا يُعامل كريستوفر؟ أو كان بسبب ظنّه، وهو ابن مجتمع تقليدي، أنه من غير اللائق الاهتياج والزعيق في وجه امرأة، حتى ولو كانت هذه المرأة وزيرة خارجية الولايات المتحدة؟

أو تُراه مجرد تكتيك آخر من تكتيكاته؟ على كل حالٍ، غيّرت مادلين وجهة النقاش بعيداً عما كنا نُطالبه به إلى الحديث عن مطالبه هو حسب المبتغى. لكن ما كان لديه ليقوله عن إعادة الانتشار الإضافية لم يزد عن أنه سلّط الضوء على الفجوات العميقة القائمة بين الطرفين حول المسألة.

ذكر عرفات من دون قيد أو شرط أن له الحقّ في 30 في المائة (لم يكن عرفات يمّيز قط بين نفسه وبين قضيته، لذلك فإن عبارته الحرفية: «الإسرائيليون يدينون لي بـ 30 في المائة» لم تفاجئني على الإطلاق). لماذا 30 في لمائة؟ ومرة أخرى قال، مكرّراً، كما لو كان يقرأ في كتاب مقدس إلى ما لا نهاية، إن له الحق في 30 في المائة في كل عملية من عمليات الانتشار الإضافية، لأنه وفقاً للاتفاق الانتقالي، المسائل الوحيدة التي لا تدخل في مراحل إعادة الانتشار هي القدس، المستوطنات، ومواقع عسكرية محددة، التي تُركت إلى مفاوضات الوضع الدائم. وتبعاً لحساباته، فإن المستوطنات والمواقع العسكرية المحدّدة لا تُشكّل سوى 9 إلى 10 بالمائة من الضفة الغربية. لذلك، ووفقاً لتقديره، يجب أن يحوز الفلسطينيون 91 في المائة من الأرض عند اكتمال جميع مراحل إعادة الانتشار الإضافية. والمشوّق في الأمر أنه ذكر أن المستوطنات لا تتعدّى الـ 3 في المائة من الضفة الغربية، وجعل نسبة المواقع العسكرية المحدّدة لا تزيد على 3 إلى 4 في المائة (وثمة فارق كبير هنا حتى مع العُماليين في إسرائيل، الذين يستثنون المواقع العسكرية المحدّدة، فضلاً عن المناطق التي تكتسي أهميّة من الناحية الأمنية، من إعادة الانتشار الإضافية ويُقدِّرون مساحتها بأكبر من ذلك فعلياً). والسقف النهائي عند عرفات هو التالي: إذا كان له الحق في 91 في المائة من الأرض باكتمال عمليات إعادة الانتشار الثلاث، فيجب أن يحصل إذاً على 30 في المائة في كل عملية.

هنا حارت مادلين جواباً. أما أنا فقد فعلتُ شيئاً ليس من شيمتي: لقد اخترتُ أن أخبره في تلك اللحظة بالذات أن ليس له الحق، ولا كذلك الحظ، في الحصول على شيء من قبيل الـ 30 في المائة في العملية الثانية من عمليات إعادة الانتشار الإضافية، دع عنك الـ 60 في المائة لقاء العمليتين الأُوليين معاً. وهذا ما انتهك ركناً أساسياً من أركان مقاربتي للمفاوضات: خيرٌ لك أن تترك الاجتماع في كدرٍ من أن تخلف انطباعاً خاطئاً أو سوء فهم. الأول غير سار، لكن الثاني يفرّخ مشاكل أكبر لك على الطريق.

ماذا دهاني حتى حصرت جوابي هكذا؟ لا شك في أنني كنتُ غير معني بأن ينفجر عرفات غضباً. بيد أن ذلك لم يكن مشكلتي الحقيقية: فأنا لم أُهيئ الوزيرة بما فيه الكفاية لجواب عرفات، الذي كان يجب ألا يُفاجئني بحالٍ. ولما كنتُ وإيّاها لا نستطيع البحث في كيفية الردّ عليه في الحال، فقد وضعتُ فقط توكيداً خفيفاً على هذه النقطة، قلتُ: «هناك فارق كبير بين رؤيتكم لما ينصّ عليه الاتفاق الانتقالي حول إعادة الانتشار الإضافية والرؤية الإسرائيلية». لم يجب عرفات بكلمة واحدة; أما مادلين، التي استشفّت قصدي من «التوكيد»، فقالت إن هناك حاجة إلى بحث هذا الموضوع بحثاً إضافياً. ثم طرقت فكرة عقد اجتماع ثانٍ، فوافق عرفات. وحين حثّته على الإتيان بشيء ملموس على صعيد الأمن، تحوّل فجأة إلى شخص متجاوب (لا بل أوحى لي في الواقع ونحن خارجون من الاجتماع، بأن عليّ أن أُرتّب اجتماعاً أمنياً ثلاثي الأطراف لهذا الغرض).


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.259500

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالأربعاء يوليو 06 2016, 21:34

الحلقه العاشره 

انكشفت قصة مونيكا لوينسكي على نحو مثير في 21 يناير، ما بين اجتماعَي نتنياهو وعرفات. وعلى حين غرة، اندلع ما يُشبه الهستيريا الإعلامية حول ما إذا كانت للرئيس علاقة جنسية بالمتدرّبة السابقة في البيت الأبيض، وما إذا كان هو أو صديقه ومستشاره فرنون جوردان قد أشار عليها بحجب الحقيقة عن علاقتهما إذا ما استدعاها للشهادة المدّعي المستقل، كين ستار، أمام هيئة المحلفين الكبرى.
كان تعرف عن الرئيس كلينتون قُدرته الفائقة على التبويب والتفريع; لكنه في ذلك النهار وُضع قيد الاختبار، فظهر في المساء في برنامج «ساعة الأخبار مع جيم لهرر» حيث أنكر أن تكون له أية «علاقة شائنة»، أو أنه أوحى لأحد بألا يقول الحقيقة. واغتنم فرصة المقابلة ليقول إنه يجهد نفسه في العمل الوطني ومن أجل الأمن القومي بالأخصّ، مُشيراً إلى أنه اجتمع برئيس الوزراء نتنياهو حتى ما بعد منتصف الليل ويزمع الاجتماع بالرئيس عرفات غدا، باذلاً كل ما يستطيع من أجل إعادة العملية السلمية إلى السكة من جديد.

وإذا كان بيبي يعمل على البقاء دائماً محط اهتمام، فمن الصعب على الآخرين أن يجاروه في ذلك. فقد اتصل نتنياهو بالرئيس من قاعدة أندروز الجوية، وهو على أهبة المغادرة عائداً إلى إسرائيل، قائلا له بالحرف: «اثبت مكانك. هذه أمور لا تلبث أن تنقضي». كان واضحاً أن بيبي يعرف أن الضغط حلّ الآن على الرئيس وزال عنه.

وصل عرفات في ذلك المساء بالذات. سألني الرئيس إنْ كان هناك من وسيلة لحمل عرفات على إسقاط المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار الإضافية; كنتُ أشعر بأن الأمل ضعيف جداً في أن يقبل بذلك، فالمرحلة تلك، برغم كل شيء، تعود إليه بموجب الاتفاق الانتقالي.

سأل الرئيس: «ماذا عسانا نستطيع أن نقدم له»؟ لمحتُ إلى خطوة رمزية واحدة يُمكننا أن نعده بها، قلتُ: «يُمكنكم سيدي الرئيس، أن تخبروه بأنكم تعلمون كم هو صعب عليه التنازل عن المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار. لكنكم موقنون بأن مثل هذه الخطوة الآن نحو الوضع الدائم هي أفضل سبيل إلى تحقيق الأماني الفلسطينية; وأنه إذا ما وافق على صرف النظر عن المرحلة الثالثة، سوف تتعهّدون له بتأييد فكرة الدولة الفلسطينية في مفاوضات الوضع الدائم». وأردفتُ: إنها قفزة بالنسبة إلينا، حيث إننا لم نتخذ موقفاً من فكرة الدولة أثناء عملية أوسلو، رغم أننا كنا نعارضها في السابق. وفي الحال أُعجب الرئيس كلينتون بالفكرة، وقال: «أجل، لعلّ هذه تنجح تماماً». وما إن طرحتها، حتى ساورني شيء من عدم الارتياح. قلتُ، عليكم سيدي الرئيس أن تخفّفوا الأمر بعض الشيء. إنكم لن تلتزموا هنا بدولة ذات سُلطات أو حدود معيّنة، وعرضكم سيكون مشروطاً بإلغاء المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار الإضافية. قال الرئيس: «مفهوم»; وأملتُ ذلك. لم يُثر الرئيس كلينتون فكرة الدولة إلا في اجتماعه المسائي بعرفات. أولاً، في لقائه مع الرئيس المخصّص لالتقاط الصورة التذكارية، جلس عرفات جامداً وقد خلت قسماته من أي تعبير فيما كان الرئيس يتلقى الأسئلة عن مونيكا لوينسكي.

أما الاجتماع في المكتب البيضاوي الذي تلا ذلك، فكان طقسياً إلى حد بعيد. إذ قدّم فيه عرفات مطالعة طويلة من الشكاوى بحق نتنياهو حتى وهو في صدد الإشارة بانهماك الرئيس شخصياً في محاولة دفع عجلة السلام قُدُماً. شكره الرئيس على رسالته التي تتضمن إعادة تأكيد قرار 1996 حول الميثاق، وحثه على وضع جدول زمني بالخطوات التي يزمع الفلسطينيون اتخاذها في الموضوع الأمني، مقترحاً الأخذ بمقاربة «الالتزامات المتوازية» ذات المراحل التي كنتُ تقدمتُ بها، ومفادها أنه في حال نفذ الفلسطينيون في الحال التزاماتهم الأوّلية حيال الاعتقالات ومصادرة الأسلحة، سيجد الإسرائيليون لزاماً عليهم أن ينفذوا مرحلة جزئية من إعادة الانتشار الإضافية في غضون الأسبوعين الأوّلين من الجدول الزمني; والجزء المتبقي بعد مرور ثلاثة أشهر لا خمسة.

إن هذا لا يدخل في باب الأداء الفلسطيني المديد قبل مباشرة الإسرائيليين بتنفيذ أي من التزاماتهم. وقد سُرّ عرفات بالطرح، لكن حين لمح الرئيس إلى إسقاط المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار، حرن عرفات ولم «يشترِ» ذلك، حتى بعدما حاول كلينتون إقناعه بمزايا الانتقال رأساً إلى الوضع الدائم بدلاً من التصبب عرقاً بالركض وراء المرحلة الثالثة، وحجّته هنا أن تلك المرحلة سوف تسلب نتنياهو الرأسمال السياسي الذي يلزمه كي يُسلِّم بالحدود الدائمة. أعرب عرفات عن شكّه في أن يُبرم نتنياهو في أيما وقت اتفاقاً للوضع الدائم، وأنه غير مستعد شخصياً للتنازل عما هو حقٌ له. فعلى إسرائيل أن تنفّذ التزاماتها، ولا سيما تلك المتعلّقة بالأرض.

ولما كان الرئيس قد قابل بيبي أيضاً في المساء وتحديداً في الجناح الشرقي من البيت الأبيض ـ القسم المخصص لإقامة الرئيس في البيت الأبيض ـ كان من المفروض أن يُعامل عرفات بالمثل (وهذه أيضاً مثلت نقطة تحوّل مهمّة من حيث احتمالاتها: إن عرفات الآن يحظى بمعاملة مشابهة للتي يلقاها رئيس وزراء إسرائيل. وهذا ما شكّل بياناً غير سار بالمرة لبيبي، بقدر ما كان بادرة تهدف إلى استثمار المضامين الرمزية في محاولة للتأثير في عرفات من حيث الجوهر).

وفي الاجتماع المسائي في الجناح الشرقي، قرّر الرئيس أن يلعب ورقة الدولة. فإذا قَبِل عرفات التوجه إلى مفاوضات الوضع الدائم، سوف يدعم الرئيس فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة في المفاوضات. وهذه، كما لمح الرئيس، خطوة تاريخية لم يُقدم عليها أي رئيس أميركي سابق. لكنه مستعد أن يخطوها في حال تخلّى الرئيس عرفات عن المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار الإضافية والتحرّك بسرعة نحو محادثات الوضع الدائم.

بقي عرفات هادئاً وغير مكترث. كان أبو مازن حاضراً، ولما لمح إلى أن الفلسطينيين ربما يقبلون بما يعرضه الرئيس عليهم، وأن المفاوضات يجب أن تبدأ فوراً، صاح فيه عرفات: «حسناً، سأستقيل وتعود أنت إلى غزة وتدير كل شيء». هنا أطبق أبو مازن ساكتاً. إن عرفات لن يتنازل أبداً عن المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار الإضافية، لا بل إنه شرع يُذكِّر الرئيس بأن كل ما يطلبه هو ما تنصّ عليه الاتفاقيات.

لم ينتهِ الرئيس إلى أية نتيجة، حتى بعدما لعب ورقة الدولة. وخلافاً لاجتهادي الشخصي، بقيتُ خارج الاجتماع على أمل أن يُدرك عرفات أن الوقت وقت تقرير لا وقت تفاوض. فجعلتُ ألوم نفسي على طرحي فكرة الدولة على الرئيس. لقد لعب الرئيس ورقة الدولة، فرآها عرفات الآن شيئاً يُمكنه الحصول عليه لاحقاً، وليس له أن يدفع لقاءها أي عربون مُقدماً.

* روس: أبو عمار هو الشخص الوحيد الذي لا أتمنى أن ألعب معه البوكر من بين كل من فاوضت

* ذهبتُ لرؤية عرفات في فندقه في اليوم التالي. كان محمد رشيد قد اتصل بي قائلاً إن عرفات بحاجة إلى بعض التطمينات; لقد حضر إلى واشنطن وهو مفعم بالأمل، فإذا به الآن شديد القلق. لقد وجد الرئيس مستعداً للقفز فوق المرحلة الثالثة، مع أنها جزء لا يتجزأ من الاتفاق الانتقالي. غير أن السؤال الأكبر يظل حول صحة الرئيس السياسية. والقفز المتخيّل كان مرتبطاً في أذهان الفلسطينيين بفضيحة لوينسكي. إنهم يشعرون بأن الرئيس كلينتون ضعيف، وهو لذلك لن يضغط على بيبي كي يفي بالتزاماته; لا بل قد يُعزل حتى من منصبه. فماذا بعد؟ إن عرفات مشغول البال. وهذا ما خلق لي فرصة كي أُوصل رسالةً إلى عرفات. لما كنتُ مُصدِّقاً لإنكار الرئيس، وأشكّ في أنه فعل شيئاً يستوجب عزله من الرئاسة، فقد طمأنتُ الرئيس عرفات إلى أن كلينتون باقٍ حيث هو.

ثم أخبرته بأنه وإنْ كان من ضمن حقوقه أن يصرّ على تنفيذ المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار، إلاّ أن الرئيس عرض عليه أن تؤيد أميركا فكرة الدولة ـ وهي خطوة تاريخية، بل سابقة بالنسبة للولايات المتحدة ـ «فكان أن أقنعه جوابكم بأنه ربما كان أخطأ في طرح الفكرة أصلاً». وعليه، فإن الفكرة ليست الآن على الطاولة. فماذا على الطاولة إذاً؟ قلتُ لعرفات إن ظنّي يقول لي إننا ربما نتقدم بباقة من المقترحات قريباً، بما فيها الالتزامات الإسرائيلية حيال الأداء الأمني، وتعليق مؤقّت للتصرفات السيئة، وجدول زمني بالالتزامات المتوجبة على كل طرف، مع وضع معالم على الطريق لاستكمال مسائل المرحلة الانتقالية والمباشرة بمفاوضات الوضع الدائم.

كنتُ مجتمعاً به على انفراد (وحده جمال هلال كان حاضراً)، وقد جلس عرفات طوال الوقت متبلّد الشعور; فقط حين شرحتُ له أن الرئيس كلينتون سيخرج سالماً من القضية ويبقى في منصبه، أظهر شيئاً من الشعور ـ شعور الارتياح طبعاً. ولولا ذلك لبقي خاليا من أي تعبير وجداني. وكثيراً ما يخطر لي أن من بين كل الذين قُيّض لي أن أفاوضهم، الشخص الوحيد الذي لا أتمنى أبداً أن ألعب معه لعبة البوكر هو عرفات.

مع ذلك، كنتُ أعلم أنه قد سمعني. لم تكن عندي أية أوهام البتة حول مسألة الدولة. كان قصدي غير ذلك: أردته أن يفهم أنه قد خيَّب أمل كلينتون ـ وجعل الرئيس أقل ميلاً الآن إلى المجازفة بنفسه من أجل عرفات ـ وأن يُدرك أيضاً أنه عندما يتلقى مقترحاتنا المقبلة، والتي ستتضمن ولا شك بعض البنود التي يعسر عليه هضمها، يجب أن يتأكد من أن هناك ثمناً عليه أن يدفعه إذا ما خيَّب أمل كلينتون مجدّداً.

لقد استنفدت الاجتماعات أغراضها، وحان الآن الوقت لكي نتقدّم بمقترحاتنا. وقد أوصيتُ بأن نُقدِّم تلك المبادرة في السرّ، وبما يُعطي الجانبين مجالاً للاختيار بين التفاوض على شيء ما من دون أية مساعدة خارجية، أو تركنا نخرج بمبادرتنا إلى العلن. وحيث إن كلا الطرفين سيُواجهان مشاكل مع مقترحاتنا على أرجح الظنّ، فلعلّ ذلك يكون حافزاً لهما على عمل شيء ما من دوننا.

* يوم أن أهانني الإسرائيليون بسبب تصريحات لهيلاري كلينتون عن الدولة الفلسطينية

* لو كنتُ أعلم بما كان ينتظرني حال وصولي إلى إسرائيل، لما كنتُ ذهبتُ قط. وإلى يومنا هذا، لا أدري إن كان ذلك قد دُبِّر لي عن عمد، أم أن تطوراً مستجداً وغير متوقع قد حمل بيبي (المؤلف يشير دائما لنتنياهو بهذه الكنية .. الإيضاح من «الشرق الأوسط») على التمثيل أمام مجلس وزرائه، متخذاً مني سناداً يتكئ عليه.

والتطوّر المستجدّ كان التالي: السيدة الأولى، هيلاري كلينتون، وفي حوار عبر الأقمار الاصطناعية أجراه معها شبّان وشابات، إسرائيليون وفلسطينيون مشاركون في مؤتمر لمنظمة بذور السلام (منظمة تجمع وتُقرّب بين الشبان الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب بهدف الإتاحة لهم أن يروا بعضهم بعضاً كبشر حقيقيين ذوي آمال ومخاوف وحاجات ومظالم حقيقية). عُقد في روما، أجابت على أحد الأسئلة، بأن تحدثت عن دولة فلسطينية. وقد ?ستغلّ جناح نتنياهو اليميني هذا التصريح للضغط عليه كي لا يرضخ للضغوط الأميركية، خشية أن تكون الـ 13 بالمئة لإعادة الانتشار خطوة أولى تليها بعد ذلك الدولة الفلسطينية. بدا تصريح السيدة الأولى على قدر كافٍ من البراءة بالنسبة إليّ، غير أن بيبي كان في قمة الاستياء والغضب بسببه ـ أو على الأقل هذا ما أراد لمجلس وزرائه، ولي أن نعتقد.

ما إن حطّت بنا الطائرة، حتى أُخذت رأساً من المطار إلى مكتب رئيس الوزراء. فأدركتُ على الفور أنني في ورطة. كان بيبي قد جمع عدداً كبيراً من وزرائه بانتظاري في قاعة اجتماعات مجلس الوزراء ـ وكان وحده الغائب. اشتبهتُ في أنه يريد أن يدخل علينا دخولاً مهيباً، ويتخذ مجلسه في خُيلاء المتنفّذين، وينبري إلى إلقاء خطبة رنّانة، مما لا يصعب على المرء تخيّله: إن الولايات المتحدة، صديقة إسرائيل، قد أعطت إنذاراً، ولمحت ضمناً إلى أن الفلسطينيين وافقوا على سلوك نهج معقول فيما إسرائيل لم تفعل ذلك; والسيدة الأميركية الأولى (وأظن أن الجميع يحسب أنها تتحدّث بالنيابة عن الرئيس) قد أيّدت الآن فكرة الدولة، وعلى إسرائيل أن تقبل بالشروط التي لا يمكنها القبول بها وإلاّ وصمت بعدوة السلام. إن هذا نكثٌ بالتعهّدات المعطاة لإسرائيل، ومثار شكوك خطيرة في إسرائيل حول صدق نيات الولايات المتحدة.

ومن دون أدنى ريب، وصل بيبي محاطاً بهالة من الزهو، وقال بالضبط الكلام الوارد أعلاه. كأني كنتُ قد قرأتُ نصّه بحذافيره، وعكستُ مضمونه وأسلوبه على السواء. وفيما أنا جالس هناك أستمع إليه، قررتُ أن أقول له ببساطة: «أنت مخطئ»، وأن أطرح عليه سؤالاً لا غير: «لماذا أردتني أن أعود أدراجي وأطير إلى هنا؟». لم يكن لديه جواب حقيقي على ذلك، وبدا ناتان شارانسكي في حالة ذهول، أما إسحاق مُردخاي فقال، في نبرة تكاد تكون اعتذارية، حبّذا لو تصدرون شجباً أقوى لتعليقات السيدة الأولى. أجبته بأن تعليقات السيدة الأولى لا تعبِّر بالضرورة عن سياستنا (وقد قال البيت الأبيض ذلك علناً)، والرئيس يزمع توبيخ زوجته ـ وأكثر من أي رئيس وزراء إسرائيلي وبّخ زوجته على إدلائها بتصريحات قد لا تعكس السياسة الرسمية (قلتُ ذلك وأنا أنظر ناحية نتنياهو، لعلمي أن سارة [زوجته] تُدلي من حين لآخر بتصريحات تسبّب له إحراجاً). بيد أنني لا أنوي منازلته على مزاعمه هذه، بل اخترتُ بدلاً من ذلك التركيز على الأسباب التي حدت برئيس الوزراء إلى مطالبتي بالعودة. أما وأن بيبي قد أدّى «تمثيليته» أمام جمع كبير، ضامناً بذلك أن تتناقل الصحافة الآن ما صدر عنه من كلام، وحيث إنه لا يملك جواباً مقنعاً على سؤالي لماذا استدعاني للعودة على عجل إلى إسرائيل، فقد كان مستعداً عندئذ لتأجيل الاجتماع. في الخلوة معه، قال لي: «لقد وضعتَ مسدساً في رأسي»، فماذا تنتظر مني؟ أخبرته بأنني كنتُ قاب قوسين أو أدنى من ترك الاجتماع احتجاجاً. لقد أُهنت; وتعيّن عليّ أن أطير حول نصف الكرة الأرضية كي أُهان. إننا أصدقاؤه الوحيدون; وحاولنا أن نلبّي احتياجاته; واستطعنا أن نؤثّر في الفلسطينيين، وعلى مسؤوليتي الخاصة عرضتُ عليه فكرة تجسيرية يستطيع الفلسطينيون بسهولة أن يقولوا إنها تمثّل تراجعاً عما سبق لنا اقتراحه ولم يقبلوا به.

عند هذا الموصل، أصبح بيبي تصالحياً. قال إن علينا أن نعمل يداً بيد، وأنه من الممكن وضع العملية على السكة من جديد، وهو يصبو إلى ذلك، وأن عليّ أن أثق بأنه ينوي ذلك فعلاً. إنما «عندي مشكلة حقيقية»، وهي أنه يُلاقي صعوبة أكبر الآن في الأخذ بالـ 13 بالمئة; وهو لذلك في حاجة إلى حيّز لالتقاط أنفاسه; فلِمَ لا ندعه يستخدم زيارته المقبلة لواشنطن لإيجاد حلٍ نهائي للمسائل غير المتعلقة بإعادة الانتشار الإضافية، ومن ثم يُمكنني أن أرجع إلى المنطقة للعمل معه وحده على حل مسألة الأرض؟

وفيما أنا أنصت إليه، توصلتُ إلى قناعة بأنه واقعٌ تحت ضغوط هائلة (وهي ليست بالأمر السيئ بالضرورة). كما ازددت يقيناً من أننا يجب ألا نسوّي نهائياً المسائل غير المتصلة بإعادة الانتشار الإضافية. وحقيقة أنه يريدها على نحو ملحّ، إنما يمنحنا ورقة ضغط، وإنّي أرغب في استخدام تلك الورقة لحمله على التسليم بالـ 13 بالمئة أولاً. كنتُ مستعداً لمحاولة التلطيف من صورة الإنذار، بشرط أن يتعهّد لي، أقلّه في السرّ، بأن يسوّي مسألة إعادة الانتشار الإضافية قبل نهاية شهر أيار/ مايو. إذ بمجرد أن نجتمع به في واشنطن ونُبيِّن له أن ليس هناك من إنذار، سيزول مفعول الضغط عنه ـ ولذلك، أُريد أن انتزع التعهُّد منه هنا والآن.

لعلّه اقتنع بكلامي وقَبِلَ به. ولعلّه أدرك أنه قد تمادى في هذه اللعبة إلى أقصى حد ممكن وسيتعيّن عليه أن يُقرّر في نهاية مايو ماذا يريد. أياً يكن السبب، فقد أبدى استعداده للموافقة على إصدار بيان يقول: «سيجتمع مفاوضون أميركيون وإسرائيليون في واشنطن ابتداءً من 11 مايو ولمدة أسبوع. إن هدفنا المشترك هو التوصل إلى اتفاق، بحيث نكون قادرين على عقد قمة أميركية ـ إسرائيلية ـ فلسطينية بحلول 28 مايو لإطلاق مفاوضات الوضع الدائم».

* آراء.. ورموز: «على بركة الله» عند عرفات (نعم قاطعة) و«إن شاء الله» للتهرب وترك الأمور للأقدار

* في الليلة التالية حين اجتمعتُ بعرفات، انضم إلينا أبو مازن من جديد. بدأ عرفات بقراءة قائمة طويلة من الشكاوى في حق نتنياهو وقلّة نضجه كزعيم. قال إن إسرائيل لا تفي بالتزاماتها، فكيف يسعه والحال هذه أن يفي هو بجميع التزاماته؟ كيف له أن يعرف إن هو قال «نعم» ونتنياهو قال «نعم» أن بيبي لن يصرّ على الأداء الفلسطيني ويبحث عن ذريعة للتملّص من مسؤولياته؟

حدّق فيّ كما لو أنه قد بزّني في كل شيء استطعتُ قوله. أجبته: «لقد فاوضت على اتفاق الخليل أيها الرئيس، وانسحب نتنياهو عن الخليل. ليست لديّ ضمانات أُعطيها لكم باستثناء أننا سنراقب التزامات الجانبين. والمخاطرة التي تخوضونها بالقول «نعم»، تبقى أدنى بكثير من المخاطرة التي ستتحمّلونها بتركي أرجع إلى الرئيس كلينتون بـ«لا» أو بـ«ربما» منكم. ماذا تريدونني أن أقول له؟.

قال بالعربية، قل له: «على بركة الله». ولأول مرة في الاجتماع تلوح البسمة على شفتي أبي مازن (أخبرني لاحقاً أنه كان غير متأكد مما سيفعله عرفات، غير أنه قال «على بركة الله»، وذلك يعني أن عرفات يقول «نعم» بصورة قاطعة، بينما «إن شاء الله» طريقة للتهرّب من المسؤولية وترك كل شيء للأقدار). بعد ذلك قال عرفات بالإنجليزية: أخبر «الرئيس كلينتون أنني قلتُ «نعم» من حيث المبدأ». وشرح لماذا هي «نعم» مبدئية، ذلك لأنه لم يَرَ المقترحات في صيغة مكتوبة، وإنما سمعها تُعرض عليه شفهياً.

* حاولت قطع دابر عريقات فزدته بذلك قربا من عرفات

* أوفد عرفات إلى اجتماع نيويورك في 8 يوليو، صائب عريقات الذي طالما قدّم نفسه إلى عرفات على أنه المفاوض الذي يحمي مصالحه. بقدر ما سعيتُ إلى قطع دابر صائب في الماضي، بقدر ما أدركتِ أن صنيعي هذا قد أسهم في تعزيز صدقيته لدى عرفات، ولذا توقفت عن ذلك إبان مفاوضات الخليل. كنتُ أعلم أنه لن تكون لي أبداً علاقة بصائب كالتي تجمعني مع أبي مازن وأبي علاء; غير أنني أستطيع العمل مع صائب بشكل ناجح وفعّال، إذا ما كان كل منا يعرف القواعد الإجرائية ـ ألا يحاول أن يخدعني، وألا أحاول أن أخدعه.

حضر صائب لرؤيتي في مكتبي، فأخبرته أننا وضعنا نصّاً حول المسائل الأمنية بناءً على المقترحات التي سبق للرئيس عرفات أن قبلها من حيث المبدأ. وقد حان الوقت الآن لكي نصوغ التفاصيل، ونحل جميع المسائل الانتقالية العالقة، ونطلق عجلة مفاوضات الوضع الدائم. راجع صائب الوثيقة وساق بعض الملاحظات عليها، من قبيل أنه يلزمها قدر أكبر من التبادل ولا سيما لناحية الأحكام المتعلقة بالأمن، وقدر أقلّ من التفصيل والتحديد فيما خصّ اعتقال المشبوهين; وقدر إضافي من الغموض حول مسألة التحدث إلينا قبل أن يكون في مقدور الإسرائيليين الإفراج عن السجناء.. الخ. ووعد صائب بأنه سيحاول تسويق الوثيقة مع التعديلات المنبثقة عن مناقشتنا هذه.

* شباب الأمن الفلسطيني بقيادة دحلان عرقلوا المقترحات.. فراوحنا مكاننا

* غادرت الاجتماع وأنا أحسبُ أننا في وضع أفضل مما كان متوقعاً. لكن الأمور ما لبثت أن تعقدت بعد عودة صائب إلى المنطقة. لم يكن عندي شك في أن صائب سيعمل على تسويق الوثيقة كما وعدني. لكن بعد مرور بضعة أيام على رجوعه، أخبر جون هربست ـ قنصلنا العام في القدس آنذاك ـ بأنه عندما سعى إلى مراجعة مسودة الوثيقة مع «شباب الأمن الفلسطيني»، لم يكونوا مستعدين حتى لمناقشتها. قالوا إنها «وثيقة إسرائيلية»، وإنهم لن يتعاملوا بها، سوف يناقشون فقط مذكرة التفاهم الأمنية التي تمّ التوصل إليها في 17 ديسمبر الماضي.

اتصلتُ بأبي مازن وصائب وقلتُ لهما: «هذه قطعاً ليست وثيقة إسرائيلية»، وعندما «نعطيكم شيئاً، من المفروض أن تعطونا جواباً». قال الاثنان إنهما سيريان ماذا يمكنهما عمله في هذا الشأن. لكن جهودهما ذهبت أدراج الرياح، فـ«شباب الأمن الفلسطيني» ـ بقيادة محمد دحلان على ما أعلم ـ عرقلوا المقترحات. وإذا بنا الآن نراوح مكاننا، ولم نتوصل إلى أي تفاهم حول النصّ المعد لصيغة 10 + 3 .

* أبو مازن: نتنياهو يروق لي ولكنه لا يعرف ما يريد وأبو علاء أفضل مفاوض

* لئن اتسم النقاش بالودّ، إلا أنه لم يكن سهلاً أو سلساً على الدوام. وبعد ثلاث ساعات، أخذنا استراحة ثم خرجنا لتناول العشاء. سرتُ وأبو مازن معاً، فيما سار أبو علاء وجمال متقدمين عنا، أسرّ لي أبو مازن بأن نتنياهو شخص من غير السهل التعامل معه، وإن كان يروق له شخصياً. المشكلة معه هي أنه لا يبدو أبداً أنه يعرف ماذا يريد. والمهمة لن تكون أسهل حالاً مع الوضع الدائم، غير أنه لا يوجد هناك من خيار آخر; وقد حان الوقت لتنفيذ كل المسائل الانتقالية والتحرّك إلى الأمام. ومضى يقول إن أبا علاء هو أفضل مفاوض في الطرف الفلسطيني; إنه مفاوض بحق. وفي مقدوره العمل مع الإسرائيليين، حتى مع هؤلاء الإسرائيليين. وذكر أبو مازن أن دوره هو في المعاونة على تمكين أبي علاء من الاضطلاع بالتفاوض.

قلتُ له: «أعرف يا أبا مازن أن ما أعرضه هنا ليس سهلاً، إنما هذا أفضل ما لدينا لنعمله. لا يُمكنك أن تتخيّل مدى الصعوبة حتى في تركيب شيء كهذا معاً. عليك أن تجد طريقة للقبول به، لا تحاول أن تبحث عن أي مسوّغ لعدم الأخذ به». قال إنه سيبذل قصارى جهده.

* مازحت أبو علاء بالمحميات فقال: علينا أن نحمي الأرانب

* في ساعة متأخرة من تلك الليلة، وكنتُ بمفردي مع أبي علاء، شرحت له النقطة عينها. قال: «سيلزمنا تخطيط وتدقيق في الـ 3 في المائة يا دنيس، إنما من دون تنسيق مع الإسرائيليين; وإلا فإنها لن تكون شبيهة بمنطقة (ب)». بات واضحاً لي أن المحميات الطبيعية هي الحل، وقد مازحته قائلاً ما دمتُ أنا من كاليفورنيا، فمن الطبيعي جداً أن أنظر إلى المحميات الطبيعية كوسيلة لحلّ المشاكل. ردّ ضاحكاً: أجل، إنما علينا أن نحمي الأرانب.


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.259683

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالأربعاء يوليو 06 2016, 21:35

الحلقه الحاديه عشره 

مضى الرئيس في تقديم الحدود التي وضعناها إلى باراك: بالنسبة للأرض، قسّمنا حدود ما ستكون الدولة الفلسطينيّة الجديدة إلى حدّ غربيّ مع إسرائيل وحدّ شرقيّ مع الأردن. يستند الحدّ الغربيّ إلى خطوط 1967، لكن يعدّل وفقاً لما تقتضيه الضرورة. الفلسطينيّون يحتاجون إلى أن يكون خطّ 1967 هو الأساس، ويحتاج الإسرائيليّون إلى إدخال تعديلات على الخطّ لتلبية متطلّبات كتل المستوطنات (تستوعب مثلاً 75 إلى 80 بالمائة من المستوطنين في الضفّة الغربيّة). وسنشير ببساطة إلى أنّ الفلسطينيّين يعتقدون بالحصول على تعويض عن التعديلات المجراة لتلبية الاحتياجات الإسرائيليّة، لكنّنا لن نطرح مبدأ المقايضة في هذه المرحلة.
وبشأن الحدود الشرقيّة، كان المبدأ أن يحصل الفلسطينيّون على السيادة والإسرائيليّون على الأمن. وقد صمّمت هذه الصيغة لتلبية الاحتياجات الرمزيّة الفلسطينيّة فيما تستجيب أيضاً للمخاوف الإسرائيليّة الحقيقيّة جدّاً والمشروعة بشأن الأمن. وبشأن اللاجئين، كان لدينا مبدأ لآليّة دوليّة وصندوق يموّل إعادة تأهيل الفلسطينيّين وإعادة توطينهم وعودتهم إلى فلسطين أو إلى بلدان ثالثة أو إلى إسرائيل في ظروف محدودة. وبعيداً عن ذلك، كنّا نسعى للتوفيق بين الاحتياجات الفلسطينيّة الرمزيّة والاحتياجات الإسرائيليّة العمليّة. فالفلسطينيّون يريدون حقّ العودة، وذلك مقبول إلى فلسطين ولكن ليس إلى إسرائيل. وإذا كان هناك من «حقّ» فيجب تنفيذه بطريقة محدودة بوضوح شديد. لذلك فإنّ حدودنا اعترفت بأن الفلسطينيّين يحتاجون إلى حقّ العودة، ولكن يجب أن يكون لإسرائيل حقّ السيادة في تحديد من يمكن قبوله في إسرائيل.

وبشأن القدس، سلكنا مساراً تصوّريّاً أكثر، حيث توصف القدس بأنّها ثلاث مدن في واحدة. إنّها مدينة فعليّة يجب أن تحكم وتدار على أساس يوميّ، وهي مدينة مقدّسة، مقدّسة للعالم، مقدّسة للديانات التوحيديّة الثلاث، وتضمّ أكثر من سبعة وخمسين موقعاً مقدّساً في المدينة القديمة فحسب، وهي مدينة سياسيّة.

كانت لدينا إحدى عشرة نقطة تشكّل أساس البحث وترتبط بكل من المدن الثلاث، ولم تكن كثير من النقاط ـ مثل أن تكون هناك مدينة واحدة غير مقسّمة للخدمات البلديّة والدخول الحرّ بدون إعاقة إلى الأماكن المقدّسة ـ مثيرة للنزاع وتشكّل أحجار بناء للاتفاق. وكانت النقاط الأكثر إثارة للحساسيّة تتعلّق بالسيطرة السياسيّة، لا المسؤوليّة الوظيفيّة. وهنا تطرح الأسئلة في البداية بدلاً من اقتراح الحلول. وكان المنطق يقضي بالتوصّل إلى تفاهمات بشأن الطرق العمليّة والوظيفيّة لإدارة المدينة قبل التعامل مع المسائل الأصعب.

استمع باراك إلى عرض الرئيس وكان راغباً في قبول الحدود. وقد استعرض الحدود التي يريدها. بشأن الحدود، الفلسطينيّون يعتقدون بأنّ الحدّ الغربيّ يجب أن يكون خطوط 1967، وتريد إسرائيل تعديلات تستوعب 80 بالمائة من المستوطنين، وعلى الحد الشرقيّ، يعتقد الفلسطينيّون بوجوب عدم وجود قيود على حدودهم مع الأردن، وتعتقد إسرائيل بوجوب تلبية احتياجاتها الأمنيّة وأن تحتفظ بشريط ضيّق من الأرض على طول نهر الأردن (أي أنّ إسرائيل ستقحم نفسها بين الدولة الجديدة والأردن). وراجع القضايا الأخرى ساعياً في الواقع إلى تحويل تمرين الحدود إلى مكافئ للعرض الإسرائيليّ والفلسطينيّ للحدود. وعلى الرئيس أن يبسط كيفيّة رؤيته لموقف كل جانب من كل قضيّة، لا الرؤية الأميركيّة للحدود.

عندما أطلعنا الرئيس على ما دار في الاجتماع، أوضح أنّه نزل عند رغبة باراك بشأن التعامل مع تمرين الحدود. فهو لم يشأ أن «يحشره» في بداية القمّة. وذلك يعني بالطبع أنّ علينا تغيير مقاربتنا من أجل اجتماع الرئيس وعرفات. وها نحن بالفعل نغيّر استراتيجيّتنا المعدّة للقمّة. لن نحدّ المباحثات ونبلورها، ونتيجة لذلك لن نسيطر على القمّة منذ بدايتها.

ربما كان الرئيس واقعيّاً أكثر منّي. وربما كان من الوهم الاعتقاد أنّ بوسعنا فرض تمرين الحدود بالطريقة التي تصوّرتها. لكنّنا كنّا نشارك في القمّة، وكانت الرهانات عالية جدّاً ويجب أن تعكس أفعالنا ذلك. وفرض الحدود هو إحدى طرق القيام بذلك. كما أنّني كنت منشغلاً في كيفيّة تبرير شيء أكثر إثارة للنقاش من الحدود ـ وتحديداً ورقتنا. لقد غيّر الرئيس استراتيجيّتي، مع أنّه وافق عليها، عندما واجه معارضة من باراك. غير أنّه في الوقت نفسه قال إنّنا سنضع ورقتنا على الطاولة أمام باراك وعرفات بعد يومين. وبعد أن ليّن ما كنّا سنعرضه على كل جانب بشأن الحدود، سعى إلى الضغط عليهما بالقول إنّنا سنضع ورقتنا مساء الخميس.

كان باراك يؤيّد ذلك، لكنّه أبلغ الرئيس أيضاً أنّ مجموعته ستقدّم لنا نسختها من مثل هذه الورقة. وأوضح الرئيس أنّنا لن نبسط إلا ما يتحلى بالمصداقيّة ويُفهم على أنّه مسعى صادق للتوفيق بين الاختلافات. وقد وافق باراك أيضاً على ذلك شريطة ألا تحدث مفاجآت وأن تتاح له الفرصة بأن يرى ما سنعرض أولاً. وقبل عرفات ببساطة أن نقدّم الورقة.

اليوم الثاني بدأت المباحثات بين الجانبين، لكنّها سرعان ما أصبحت تكراراً للمحاجّات والمواقف السابقة. ونظراً لأنّنا أبلغنا الجانبين بأنّنا سنضع ورقة على الطاولة بعد يومين بصرف النظر عن كل شيء، لم تكن لأي من الجانبين مصلحة في التحرّك. وفضّل كل منهما الانتظار لرؤية ما الذي سنعرضه.

ونظراً لأنّنا أُعِقنا، فقد كرّسنا أنفسنا لوضع الورقة. لكن ما الذي ستكون عليه الورقة ؟ هل يفترض أن تجمل المبادئ الأساسيّة لتوجيه الحلّ في كل من القضايا الجوهريّة ؟ أو هل نقدّم مشروع اتفاقيّة إطار؟ طالما شعرت أنّنا بحاجة إلى معرفة المزيد من كل جانب قبل عرض مواقف أميركية حاسمة بشأن كل من القضايا، وبخاصّة القدس. لكن لم يكن ذلك رأي ساندي ومادلين. فبعيد الجلوس مع جون شوارتز، واضع المسوّدة عندنا، استُدعيت لمقابلة الرئيس مع ساندي ومادلين.

كانت الساعة تتقدّم، وليس هناك شيء مهمّ يحدث الآن. وعلى الرئيس أن يغادر خلال سبعة أيام إلى قمّة الدول الثماني في أوكيناوا. ونحن بحاجة إلى وضع مشروع اتفاقيّة على الطاولة. وإذا فعلنا ذلك في الليلة التالية، لن يتبقّى سوى خمسة أيام للتفاوض والاتفاق. استمعت بدون أن أقول شيئاً. التفت إليّ الرئيس وسألني عن رأيي. أبلغته أنّ مشاعري متناقضة. فأنا لست واثقاً من أنّنا جاهزون لوضع مشروع اتفاق تامّ على الطاولة. كنت قلقاً بشأن كيفيّة التعامل مع القدس. فمع أنّ لدينا أفكارنا بشأن ما يمكن أن ينجح بشأن القدس، إلا أنّنا لم نشترك بشكل كاف في البحث مع كلا الجانبين لنعرف إن كنّا على الطريق الصحيح. واقترحت أن نضع معاً ورقة «مبادئ» ومشروع اتفاق، وسنحاول تجهيزهما قبل توجّه الرئيس إلى بلتيمور في الصباح التالي. وبوسعه قراءتهما قبل عودته وأن يقرّر أيّاً منهما يجب أن نقدّم في المساء، فأعجب الرئيس بالمقاربة. ورغم تحفّظاتي قرّرت المضي قدماً بمشروع الاتفاق، لا ورقة المبادئ. فبعد تفحّص الاثنين وجدت أنّ مشروع الاتفاق، حتى مع القيود المتعلّقة بالقدس، يقرّبنا أكثر مما تقرّبنا ورقة المبادئ. كما أنّ ما تلقّيناه من الإسرائيليّين أوضح أنّهم يفكّرون في هذه المرحلة في الاتفاق الفعليّ لا العموميّات. ولا شكّ في أنّ التفكير في ذلك شيء ومواجهته شيء آخر ـ لا سيما في ورقة من الواضح أنّها ليست ورقتهم. وعندما أويت إلى الفراش بعد الرابعة صباحاً بقليل، فكّرت في أنّنا سنتحقّق من كل شيء في الغد.

* مخاض الميلاد والتدشين في كامب ديفيد..وكيف لعبنا بورقة المزاج

* اليوم الأول:

كان قرارنا الأول الاجتماع بعرفات قبل باراك. وكنّا قد قرّرنا ألا نعقد اجتماعات قبل وقت متأخر من الصباح، لكنّنا أدركنا أنّ باراك يمكن أن ينام بضع ساعات بعد وصوله ومن الأفضل مشاغلة عرفات عاجلاً لا آجلاً. وكان الاجتماع الأول مخصّصاً للمزاج وخططنا الجوهريّة.

عند تقديم التقرير الموجز للرئيس (كلينتون)، ذكّرته بأنّنا لن نصل إلى أي مكان إذا لم ينجح في دفع عرفات إلى التركيز على الاتفاق لا الجمود عند مظالمه. وذلك يتطلّب رفع معنويّات عرفات وإظهار ما يمكن أن يكسبه، مشدّدين على أنّ لديه الفرصة الآن لتحويل الحركة التي أطلقها ـ حركة التحرير الوطني الفلسطينيّ ـ وتحقيق حلمه، وأنّ بإمكانه أن يقدّم للفلسطينيّين ما لم يستطع أي قائد فلسطينيّ أو عربي آخر من تقديمه لهم.

كان رفع الآفاق وتحقيق الأحلام من اختصاصات كلينتون، ولم يكن من المفاجئ أنّ الاجتماع سار على ما يرام. فقد لعب الرئيس على إحساس عرفات بالتاريخ، متحدّثاً عن أمله الصادق أن يكون موجوداً مع عرفات عند رفع علم دولة فلسطين الجديدة. ويبدو أنّ عرفات انتشى لذلك الاحتمال، في تلك اللحظة على الأقل، واختار التخلّي عن بحث مظالمه.

قبل اجتماعات الرئيس الأساسيّة مع باراك وعرفات في ذلك اليوم، كرّرت على مسامعه مفتاح استراتيجيّتنا ـ أي حمل الزعيمين على قبول الحدود التي يعرضها الرئيس بالنسبة للقضايا الأساسيّة، وإنشاء فرق صغيرة لبحث الأمن والحدود واللاجئين بناء على هذه المتغيّرات. وكان هدف الحدود تقليص الفجوات وتوجيه المباحثات بشأن هذه القضايا الجوهريّة وتشكيلها وإدارتها. بالنسبة للقدس، ونظراً للحساسيّة، لا سيّما حساسيّة باراك، ذكّرت أن عليه أن يبحث هذا الموضوع مع الزعيمين في الأيام القليلة الأولى فقط، وأعطيته ورقة من إحدى عشرة نقطة كنت قد كتبتها عن القدس.

كنت أعتقد أنّ القدس حسّاسة جدّاً، لذا يجب ألا يغوص فيها المفاوضون، لكنّني أدرك أنّ عرفات يريد التأكّد من أنّنا لا نتجنّب القدس لئلا يمنع العمل على أية قضيّة أخرى. فهل هناك طريقة تظهر له أنّنا نأخذ القدس على محمل الجدّ أفضل من أن يخصّص الرئيس هذه المباحثات لنفسه مع الزعيميّن (وهي طريقة أيضاً إلى إشراك عرفات فضلاً عن جعل أمنون وشلومو يجتمعان معه).

مرّة أخرى كان كل ذلك جيّداً نظريّاً، لكنّنا لم نتمكّن من تنفيذه عمليّاً. التقى الرئيس مع باراك وكان معه مدوّن ملاحظات واحد فقط، بروس ريدل (خلافاً لواي.. (يقصد المؤلف قمة واي بلانتيشن بين كلينتون وعرفات ونتنياهو .. الإيضاح من الشرق الأوسط) حيث كنت أذهب عادة مع الرئيس إلى اجتماعاته الخاصّة مع نتنياهو أو عرفات، تقرّر هنا، وهو أمر يعكس بلا شكّ ثقة الرئيس ورغبته في مقابلة القادة على انفراد بدون أن يكون معه مفاوضون ، أن يكون بمفرده مع مدوّن ملاحظات. ويكون جمال موجوداً بالطبع للترجمة. وتقرّر أن يكون مدوّنا الملاحظات من مجلس الأمن القوميّ; وذلك يعني أنّ بروس يدوّن الملاحظات للاجتماعات مع باراك، وروب مدوّن الملاحظات للاجتماعات مع عرفات)، وهي طريقة أيضاً إلى إشراك عرفات فضلاً عن جعل أمنون وشلومو يجتمعان معه. وكان لدى باراك على عادته إحساس خاصّ بالتوقيت وخطّة خاصّة به، فهو لا يريد أن يحدث شيء في اليومين الأولين، ولا يريدنا أن نضع بعض الأفكار إلا بعد يومين من الجهود. وأبلغ الرئيس بأنّ الأزمة ـ والمرحلة الأساسيّة لاتخاذ القرار ـ يجب أن تحدث مساء الأحد، 16 يوليو (تموز) ـ بعد مرور خمسة أيام على بدء القمّة.

كان ذلك مصطنعاً تماماً، فهدفنا هو جعل الجانبين يركّزان على مجموعة ملموسة جدّاً من الحدود المعيّنة لكل قضيّة جوهريّة; وقد أوضح الرئيس لباراك أنّ ذلك يبلور الاختلافات الأساسيّة وينشئ أساساً لنا لكي نعرض ورقة تُجمل جسور ردم الفجوات، وذلك يتطلّب مباحثات حقيقيّة، لا معارك مصطنعة تعيد صياغة المحاجّات القديمة.

* اليوم العصيب .. باراك ودبلوماسية الحائط .. ولغز زائر إسرائيلي جديد

* بدأ محمد دحلان يلتقي بصمت مع شلومو وأمنون ويوسي غينوسار لبحث كل القضايا، بما في ذلك القدس. وقد بدأوا الاجتماع في كوخ أمنون في ساعات الصباح الأولى. كانت هذه قناة خلفيّة متكتّمة وغير رسميّة، ويمكن هنا تجربة الأفكار واستعراضها. وبعد أن أطلعونا على ما دار بينهم، أبلغت الرئيس وساندي ومادلين. وفي جلستنا الختاميّة بعد منتصف الليل، قلت يمكننا العمل الآن على ثلاثة مستويات: (1) إعداد اقتراحنا لوضعه على الطاولة (2) العمل بصمت مع القناة الخلفيّة للمساعدة في ضمان أن ينجح ما نضعه على الطاولة (3) ترك المجال لكي تعرف فرق التفاوض ما يمكنها أن تحقّقه وإدخال ذلك في اقتراحنا. بدا ذلك منطقيّاً لهم، وذهبنا جميعاً للنوم ونحن نشعر أنّنا صرنا أخيراً على الطريق الصحيح.

اليوم الخامس كان هذا يوم التطوّرات الحقيقيّة. وقد بدأ باجتماع عقدته مع باراك صباحاً. كانت لا تزال هناك مشكلة، رغم أنّني كنت أكثر تفاؤلاً. فأثناء الفطور، أبلغني شلومو ويوسي بأنّ باراك لا يريد من أحد في جانبه أن يطرح شيئاً جديداً.

لذا عندما طلب باراك رؤيتي كنت أعتزم الضغط عليه. وفي بداية اجتماعنا سألته، «لماذا نحن موجودون هنا؟ إنّنا في اليوم الخامس من القمّة التي أصررت على عقدها، ولم نسمع شيئاً جديداً من جانبك. والأسوأ من ذلك أنّنا عندما أردنا تقديم ورقة، قاومت أن نستشهد بنصّ كتبه رجالك، ولم يقولوه فحسب، إلى أبي علاء في السويد. ولعمري إنّني لا أستطيع أن أعرف لماذا أردت هذه القمّة، ولماذا دُفعتُ في اتجاهها، لا سيما لأنّ بوسعنا عقد مثل هذه المباحثات في أي مكان دون الانكشاف أو المخاطرة على هذا النحو». كنت آمل أن أهزّه بهذا النهج. فقد كان يتصوّر أنّني أكثر تعاطفاً من جانبنا مع احتياجاته، لأنّ الفلسطينيّين جعلوا منّي هدفاً عامّاً لانتقادهم في الغالب من جهة، ولأنّه يعتقد أنّني استجبت كثيراً لاحتياجاته في عقد هذه القمّة من جهة أخرى. وربما يدرك، حتى إذا كنت بدأت أفقد إيماني به، بأنّ عليه أن يكشف إلى أين يعتزم الوصول أو يمنح مفاوضيه حيّزاً أكبر للمناورة. وإذا كان ذلك ما أريده، فإنّني لم أحصل عليه في الاجتماع.

وبدلاً من ذلك حصلت على تكرار للسبب الذي يمنعه من التحرّك قبل عرفات. فهو لا يريد السماح لعرفات بأن يضع تحرّكاته في جيبه. ولما كان قد أكثر الحديث عن كيف أنّ القمّة تخلق وعاء ضغط وأنّها تنتج مزيداً من الحركات الجديدة. فسألت الآن ماذا حلّ بوعاء الضغط؟ وماذا حلّ بمنطقه من وراء القمّة؟ وسألت ثانية لماذا نحن موجودون هنا؟ وكان ردّه أن وعاء الضغط يجب أن يعمل على عرفات أولاً، وبعد ذلك تتوالى الأمور. فإذا ما تشدّدنا أكثر مع الفلسطينيّين، وإذا ما رأوا بأنّنا لا نقف إلى جانبهم، فسيتغيّر كل شيء عندئذ.

أراد أن نبحث موضوع القدس. وسأل ما الذي أعتقد أنّ الفلسطينيّين بحاجة إليه ؟ قلت إنّهم بحاجة إلى جانب السيطرة الواضحة على الحرم، إلى بعض السيادة في قسم من القدس الشرقيّة القائمة. لا يمكن ببساطة أن تكون أبو ديس والقرى الواقعة خارج الحدود البلديّة للقدس الشرقيّة.

هنا أيضاً اتخذ موقفاً متشدّداً، ويبدو أنّه يتراجع الآن عما أشار به إلى الرئيس، قائلاً إنّه لا يمكنه أن يعطي أكثر من استقلال ذاتيّ للقرى الخارجيّة مثل بيت حانينا وشعفاط. وعندما ضغطت على هذه النقطة بالنظر إلى حوار سابق ، قال لا يمكن ببساطة عمل المزيد في القرى الخارجيّة.

عندما تركت الاجتماع، قلت لمارتن (الذي انضمّ إليّ في الاجتماع)، إنّه يصلّب مواقفه لكنّني أعتقد أنّها مجرّد تكتيكات. يريدنا أن نضغط على الفلسطينيّين وحمل عرفات على التحرّك قبل أن نفعل أي شيء. فذلك جزء من استراتيجيّته القائمة على الانتظار حتى نصل إلى الحائط قبل أن يفعل شيئاً، وهو يريدنا نحن أن نضع ذلك الحائط أمام عرفات. لذا من الواضح أنّ مقولاتنا خلاف ذلك ـ مثل السؤال عن سبب وجودنا هنا ـ لن تحرّكه، في الوقت الحاضر على الأقل. وافق مارتن على تقييمي، لكنّه تساءل إذا ما كان يصلّب مواقفه بالفعل، لا سيّما بعد وصول دان مريدور?إلى كامب ديفيد.?وصل دان متأخّراً إلى القمّة. وهو الآن في حزب المركز مع أمنون ويتولّى وزارة بدون حقيبة في حكومة باراك. وكان دان مريدور أكثر تحفّظاً في هذه المرحلة بشأن معظم القضايا الجوهريّة من بقيّة أعضاء الفريق الإسرائيليّ المفاوض. وفي وقت لاحق التقيت بساندي ومادلين وأطلعتهما على ما دار في الاجتماع مع باراك. ثار غضب ساندي، فنحن في القمّة بسبب باراك، وسوف يضمن فشلها، وسيكون على الرئيس دفع ثمن ذلك، وسيتعيّن علينا أن نقول لماذا فشلنا. وقال إنّه سيقابل باراك ويقول له ذلك. ولم يتأثّر بتقييمي لسبب قيام باراك بما يقوم به.

* كلينتون سأل أباعلاء : هل ستجرب طريقتي؟ فبدا متأثرا وقال: سأسأل أباعمّار

* تابع الرئيس كلينتون كلامه بصورة عاطفيّة فقال: «تعرفون أنّني أريد التوصّل إلى اتفاق، ولذلك نحن هنا، ولهذا السبب أقوم بمخاطرة كبيرة في القيام بذلك، من المهمّ بالنسبة إليّ ركوب هذه المخاطرة. فأنا أريد الوصول إلى اتفاق، لكن ندين لأنفسنا بأن نعرف أنّه إذا لم نستطع الوصول إلى اتفاق، فمرد ذلك أنّه مستحيل. ولا أريد أن يخرج أحد من هنا معتقداً بأنّه يمكن التوصّل إليه في أعقاب الفشل. إذا لم نستطع القيام بذلك، لنحرص على أن يكون السبب استحالة ذلك. دعونا لا نعيش نادمين على أنّه كان بوسعنا تحقيق ذلك لو أنّنا بذلنا المزيد من الجهد أو لو أنّنا جرّبنا مقاربة مختلفة في مباحثاتنا».

ونظر إلى أبي علاء وسأل: «هل ستجرّب طريقتي؟» بدا التأثّر واضحاً على أبي علاء فقال، سأسأل أبا عمّار إذا كان ذلك ممكناً.

* روس: هذا هو أبوعلاء ..تكتيكات التفاوض عنده لا تتغير

* في الاجتماع الأول بشأن الأرض والحدود، جرّب أبو علاء مساراً جديداً، ففيما كان في السابق لا يبحث الأمن قبل موافقة الإسرائيليّين على المفهوم الفلسطينيّ للحدّ الشرقيّ، أضاف الآن شرط عدم بحث التعديلات المحتملة لتلبية الاحتياجات الإسرائيليّة على الحدّ الغربيّ ما لم يعرف بأنّ الحجم الإجماليّ للأرض الفلسطينيّة سيبقى من دون تغيير.

وقد عبّر عن ذلك بقوله، طالما أنّ الدولة الفلسطينيّة ستبلغ مساحتها 6500 كلم مربّع تتكوّن حاليّاً من الضفة الغربيّة وغزة والقدس الشرقيّة، فإنّ بإمكانه النظر في إجراء تعديلات تلبّي الاحتياجات الإسرائيليّة، وإذا لم يكن كذلك، لا يمكنه النظر في التعديلات. كانت تلك طريقة أبي علاء في محاولة حمل الإسرائيليّين على الاعتراف بالحدّ الشرقيّ ومقايضات متساوية للأراضي كشرط للنظر في الاحتياجات الإسرائيليّة، تلك بالطبع وصفة لعدم التقدّم إلى أيّ مكان. قد نكون في قمّة وقد يقدّم أبوعلاء تقريراً إلى رئيس الولايات المتحدة، لكنّ تكتيكات التفاوض عنده لا تتغيّر.

* كلينتون لأبي مازن: الإسرائيليون لن يعطوك شيكا على بياض

* عندما حوّل أبو مازن التركيز على الحاجة الفلسطينيّة إلى القبول بمبدأ «حقّ العودة»، ردّ الرئيس (كلينتون) بأنّه لا يمكن توقّع قبول الإسرائيليّين بإعطاء شيك على بياض بشأن العودة إذا لم يحصلوا على ضمانات بشكل ملموس جدّاً حول كيفيّة تقييد ذلك. واستخدم مثال قافز البانجي الذي يُطلب إليه القبول بمبدأ القفز من دون أن يعرف إذا كان الوادي الذي سيقفز فيه أكثر عمقاً من الحبل المطّاطيّ الذي سيقفز به. فلا يمكنك أن تطلب من الإسرائيليّين أن يقبلوا بمبدأ يرون أنّه يهدّد وجودهم من دون أن تعرض ضمانات محدّدة بشأن الحدود لكي لا يصبح تهديداً. وختم الرئيس الاجتماع بأن طلب من الجانبين العمل على الآليّة الدوليّة ومن الفلسطينيّين تقديم أفكار عمليّة بشأن تقييد المبدأ الذي يسعون وراءه.

حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.259890

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالأربعاء يوليو 06 2016, 21:37

الحلقه الثانيه عشر 

بعد أن أنهيت الغداء، راجعت مسوّدة جون. وعملت عليها نحو ساعة ونصف الساعة، وكنت مرتاحاً إليها. لكنّني أردت أن أعرف ما الذي يجري في القناة الخلفيّة، لأنّ ذلك قد يؤثّر على الوقت الذي نختاره لعرض اقتراحنا، كما أنّني أريد أن أكون قادراً على اختبار بعض الأفكار. وفي ذلك الوقت ذهبت أبحث عن يوسي، ووجدته جالساً مع أمنون ومحمد رشيد. بدت عليهم الكآبة. فسألت عما يحدث، فقالوا إنّهم يحاولون التوصّل إلى ما يمكن عمله.
فقلت أليست المشكلة التي تحاولون ثلاثتكم حلّها تتعلّق بشيء يمكن أن يقبل به قادتكم؟ التفتّ إلى رشيد وسألت، عندما تتحدّث عن 92 في لمائة من الأرض مع 2 ـ 3 في المائة من المقايضة، وعندما تتحدّث عن مسؤوليّات مشتركة ونوع من المنطقة «ب» في البلدة القديمة والسيادة في كل الأحياء الباقية، هل تمثّل حقّاً عرفات؟ أليس ذلك لبّ المشكلة؟

وقد فاجأني ردّه. قال «عندما أقول هذه الأشياء، فأنا أمثّل عرفات أكثر مما يمثّلان باراك». ولم يناقض أمنون أو يوسي ذلك عندما التفتّ إليهما. وقد أبلغتني تعبيراتهما أنّهما لا يستطيعان التوصّل إلى شيء مع رشيد الآن. ورغم تعبيراتهما المتفائلة في الليلة الماضية بشأن المباحثات المتكتّمة مع محمد دحلان ومحمد رشيد، لم يعودا الآن واثقين من أنّ بوسعهما القيام بما هو مناسب. ويبدو أنّ موقف باراك معي هو الموقف الذي أتخذه معهما. وهكذا فإنّ القناة الخلفيّة التي بدت في الأمس مثيرة للتفاؤل والتي كنت أعتمد عليها، لن تكون خشبة خلاصنا.

قبل أن أغادر، سألت يوسي «ما الذي تقترح أن نفعله الآن؟»، أجاب بأنّ على الرئيس أن يجلس مع شخص واحد معيّن من قبل كل قائد ويرى ما هو الممكن في كل قضيّة. وكانت لدي فكرة مختلفة: يعرف باراك الآن أنّ الرئيس انفجر في وجه الفلسطينيّين، لكنّه لا يسمح بأيّ تحرّك في جانبه. وعلى ضوء ذلك، يجب أن يقول الرئيس، إنّنا لن نحرز تقدماً في أي مكان. ويمكننا أن نضع ورقة لن تعجبك يا حضرة رئيس الوزراء، وبخاصّة بشأن القدس. وإذا لم نستطع القيام بذلك، فإنّني أعتقد أنّ عملنا يتوقّف. والخيار الوحيد الذي يمكنني التفكير فيه هو أن أطلب منك ومن عرفات تعيين اثنين في كل جانب يجلسان معاً أثناء الليل ويحاولان الخروج باتفاقيّة شاملة. وعند حلول ظهر الغد، سأطلب من الأربعة المجيء لإطلاعي على ما تمكّنوا من إنتاجه.

شعرت بأنّ علينا أن نهز الوضع. ويمكننا أن نفعل ذلك بورقتنا، لكنّني لست واثقاً من أن الرئيس سيقدّمها إذا عارضها باراك. وخشيت أيضاً من أنه بدون وجود القناة الخلفية للمساعدة في وضعها وتفحّصها بدقّة والضغط من أجلها، ستكون فرصة نجاحنا أقل بكثير. ذهبت لمقابلة الرئيس. كان ساندي ومادلين جالسين معه في الفناء الملحق بأسبن. شرحت أين تقف الأمور، المفاوضات الرسميّة لم تصل إلى أي مكان، والقناة الخلفيّة لن تصل إلى أي مكان. وبإمكاننا المضيّ قدماً بورقتنا، لكنّ فرص نجاحها بدون مُدْخلات وتعزيز من القناة الخلفيّة محدود جداً، في هذه المرحلة على الأقل. وقدّمت فكرتي. أعجب الرئيس كلينتون بها وذهب لمقابلة باراك. وطلب باراك التفكير فيما طرحه الرئيس، وطلب منه عدم الذهاب إلى عرفات قبل أن يتلقّى ردّاً منه. قرّرت أن أجري بعض التكييف لجلعاد. فأنا أعتبره في هذه المرحلة أكثر تمثيلاً لباراك من أي أحد سواه في الفريق الإسرائيليّ. وقد التقيت به بمفرده في هولي. كانت الساعة حوالي الثامنة مساء، وكانت الغرفة مظلمة نسبيّاً حيث الضوء الوحيد المتوفّر صادر من مصباح منخفض القدرة موجود بين أريكتينا. وقد أضفى ذلك جوّاً من الكآبة وشبه الغموض على اجتماعنا.

أبلغته أنّني أريد أن أعطي «القليل من السياق» إلى البحث الذي أنهاه الرئيس للتوّ مع رئيس الوزراء. فأخبرني أنّه يعرف بأمر حوار الرئيس مع باراك والخيارين اللذين طرحهما، وكان متلهّفاً لسماع ما سأقول. أبلغته أنّ الرئيس جادّ بشأن إيقاف القمّة، لأنّ الجانبين لا يفعلان شيئاً. وبإمكاننا فرض العمل بطرح ورقة، لكنّ باراك لن يعجب بالورقة. أراد جلعاد أن يعرف ما الذي يمكن أن نطرحه إذا عرضنا الورقة الآن. ومن المهمّ معرفة ذلك نظراً «لجسامة مسؤوليّة اتخاذ قرار بشأن العمل ليلاً للوصول إلى اتفاق ـ مع العلم أنّنا سنكشف عن مواقفنا الحقيقيّة» ـ وأراد أيضاً موازنة ذلك مع البديل. وخلص إلى القول إنّ وقف القمّة ليس خياراً ـ لذا إما ورقتنا وإما عمل شيء جادّ من تلقاء أنفسهم.

قلت «إنّنا لم نطلع أحداً على ذلك ولم ننهِ الورقة. وستكون الكلمة الأخيرة للرئيس بشأن الورقة، لذا هذا شيء بيني وبينك». ردّ قائلاً «مفهوم». ومضيت لأشرح العناصر الرئيسيّة:

ـ بالنسبة للأرض، لن نحاول إنهاءها الآن، وبدلاً من ذلك سنحدّد مدى للمنطقة التي ستضمّها إسرائيل بما بين 3 و12 في المائة; وسنوضح أنّه سيكون هناك تعويض للفلسطينيّين عن المنطقة التي ستصبح جزءاً من إسرائيل. وسنستخدم ذلك المصطلح للإشارة إلى المقايضات، تاركين قليلاً من الغموض، إذ إنّ هناك طرقاً أخرى لتعويض الفلسطينيّين. لكن لن يكون هناك كبير شكّ في أمر الإشارة.

ـ بالنسبة للاجئين، سنميل إلى جانبكم مستخدمين صيغة بيلين ـ أبي مازن بشأن حقّ العودة (الفلسطينيّون يصرّون عليه، وإسرائيل تعترف بالمعاناة الإنسانيّة والحاجة إلى حل المشكلة)، وسنشدّد على القيود العمليّة للعودة.

ـ بالنسبة للقدس، سنطرح السيادة الفلسطينيّة في الأحياء الخارجيّة لبيت حانينا وشعفاط، وستتمتّع الأحياء الداخليّة باستقلال ذاتيّ حقيقيّ، أي أنّهم يحصلون على التخطيط وتقسيم المناطق; وبشأن المدينة المقدّسة ستكون هناك حاجة إلى تقاسم المسؤوليّة; وسيحصل الفلسطينيّون على الولاية القانونيّة لا السيادة على الحرم.

كانت تعبيرات وجه جلعاد واضحة جليّة: فقد تجهّم عندما استعرضت نقاط المقايضات والتخطيط وتقسيم المناطق في الأحياء الداخليّة. ولم تبد عليه ردود فعل بالنسبة لنقاط اللاجئين أو السيادة على بيت حانينا وشعفاط أو تقاسم المسؤوليّات في المدينة القديمة.

وعندما أنهيت شرح ما سيكون في الورقة، سأل إذا كان يمكن أن يكون المدى المتعلّق بالأرض بين 4 و13 في المائة. قلت ربما بين 4 و12 في المائة، ولكن لكي يفهم إلى أين يمكن أن ننتهي. فقال أعرف أنّك تريد الوصول إلى 8 في المائة، لكن من المفيد أن يكون المدى بين 4 و13. فقلت إنّني سأفكّر في الأمر. وهل عليك الإشارة إلى المقايضات الآن؟ قلت إنّنا لا نقوم بذلك بشكل حاسم لكن كيف يمكننا أن ندّعي تقديم ورقة تحظى بمصداقيّة بمثابة جسر من دون أن نشير إلى ذلك؟

أخيراً قال إنّ التخطيط وتقسيم المناطق في الأحياء الداخليّة صعب جدّاً; وهو يتفهّم احتياجات الفلسطينيّين لكن لا يمكن ألا يكون هناك بناء غير محدود في منطقة تضمّ بعض الوجود الإسرائيليّ. قلت إنّنا نتحدّث عن نظام مناطق إداريّة; ربما يجب أن تكون هناك خطّة رئيسيّة; لكن لن يتغيّر شيء من وجهة النظر الفلسطينيّة إذا لم يحصلوا على التخطيط وتقسيم المناطق. تذكّر أنّ هذه المناطق ستبقى خاضعة لسيادتكم ـ وهذا هو الشيء الكبير ولا بد أن يكون هناك بعض التنازل للوصول إلى هذا الترتيب.

افترقنا وأنا أفترض أنه سيكلّم باراك بشأن الخيارات. في العاشرة ليلاً طلب باراك مقابلة الرئيس، وأخبرت الرئيس بأنّني أطلعت جلعاد على النقاط العامّة في ورقتنا لكي يفهم خيارَيْ تسلّم ورقة الآن أو العمل خلال الليل لمحاولة التوصّل إلى اتفاق. وقلت لن أتفاجأ إذا أثار باراك بعض ما قلته لجلعاد. أومأ الرئيس برأسه، وتوجّه إلى ما تبيّن أنّه اجتماع ثنائيّ صعب ولكن مثمر مع باراك.

* ليلة إجهاض ورقة كلينتون حول القدس

* كان الرئيس متلهّفاً لتقديم الورقة (اشارة المؤلف هنا لورقة المشروع الأميركي للمقاربة بين الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني حول قضية القدس، بعد أن تباعدت رؤاهما حولها.. الإيضاح من «الشرق الأوسط»). وقد وعد بأن يطلع باراك عليها قبل عرضها على الجانبين، لذا كان يريد المباشرة في العمل. شرحت ما يوجد في الورقة وقدّمت أمثلة على كيفيّة تعاملنا مع الحلول الممكنة بشأن الحدّين الغربي والشرقي (لقد قدّمت في الواقع خمسة حلول ممكنة للحدّ الشرقي، تتراوح بين احتمال يمكن أن يعجب الإسرائيليين إلى احتمال يفضله الفلسطينيون مع عدّة خيارات بينهما).

وفي أثناء الاجتماع أحضر روب الورقة ومضى الرئيس بها إلى باراك، لكنّه لم يسمح لي بقراءتها، قائلاً إننا غيّرنا المقاربة بأكملها لاستيعاب مخاوف باراك وانه بحاجة الآن إلى تقديمها لعرفات، لم يقاوم باراك وعندما انتهى من باراك، طلب الاجتماع بعرفات. وفي أثناء الاجتماع في أسبن، قدم داني وأمسكني أنا وبروس ووقفنا خارج الكوخ. كان منزعجاً وقال: إنّ هناك مشكلة حقيقية في ورقة المشروع، وإنّ النقطة الأخيرة بشأن القدس لم تكن بين قوسين وهي تعني ضمناً أنّه يمكن أن تكون هناك عاصمتان في البلدية القائمة للقدس. وذلك يعني تقسيم القدس وباراك لا يمكنه قبول ذلك «على الإطلاق».

لم أكن أعرف عما يتحدّث، فقد قررنا عرض المواقف الإسرائيلية والفلسطينية بشأن القدس، مع بعض النقاط التي لا يوجد حولها خلاف. وثمة اختلاف بالطبع بشأن هذه النقطة.

لكن النقطة الأخيرة قالت إنّه ستكون هناك عاصمتان في بلدية القدس. وقال داني لا يمكننا تقديم الورقة إلى عرفات وتلك النقطة مكتوبة على ذلك النحو. كتبت كلمة «الموسّعة» لتعديل كلمة «بلديّة»، وقبلها داني مع أنّه لم يكن مرتاحاً. وقلت له: «لا تقلق; سيرى الفلسطينيون هذه الكلمة المكتوبة بخطّ اليد، وستثير انتباههم إليها ولن تعجبهم (بالنسبة للفلسطينيّين يمكن أن تنطوي كلمة «موسّعة» على مفهوم (بيلين ـ أبي مازن) الذي يوسع بلديّة القدس بطريقة تجعل أبو ديس جزءاً من القدس، بحيث يمكن أن تشكل العاصمة الفلسطينية). وطلب بروس من دوغ لين المساعدة التنفيذية للرئيس، استبدال هذه النسخة بالنسخة التي يوشك الرئيس كلينتون على تقديمها إلى عرفات.

كان روب مدوّن الملاحظات في الاجتماع المنفرد بين الرئيس وعرفات، وعندما خرج من الاجتماع، واجهته سائلاً كيف وُضعت النقطة الأخيرة في الورقة. فقال إنّه أضافها هو وجون، لكنّهما أهملا إبلاغي بما فعلاه. غضبت وقلت له، «ما كان يجب أن يحدث ذلك البتة وسوف نواجه مشكلة الآن». كان روب شديد الأسف، لكنّه قال إنّه يشكّ في أن تحدث مشكلة: «كان عرفات مسروراً لتسلّم الورقة من الرئيس». ذهبت إلى أسبن وكان الرئيس في مزاج جيّد. سألني لماذا استبدلنا الورقة وأوضحت له ما حدث.

كنا في وسط النقاش في كوخ وزيرة الخارجيّة عندما دخل جمال وقال إنّه ذهب ليسلّم نسخاً إضافيّة من الورقة إلى عرفات فشهد نقاشاً حامياً. وقال إنّ عرفات كان منزعجاً من الورقة وإنّ صائب يقوم بدور هدّام جدّاً. فهو يحرّض عرفات ويضلّله بشأن الورقة، مدّعياً أنّها ورقة باراك وأنّ الكلمة المقحمة عن القدس تثبت ذلك، ويدعوه إلى عدم القبول بالورقة. لم ترَ مادلين جمال على هذا القدر من الانزعاج من قبل، لكنّني قلت إنّ غضب عرفات تعبير عن عدم الرضى لكنّه يتوقّع ذلك. بعد بضع دقائق تلقينا اتصالاً بأنّ أبا علاء وصائب يريدان مقابلة وزيرة الخارجيّة. وقد وصلا في الثانية والثلث صباحاً. وبدآ بالشكوى من الورقة وقالا، ما حاجتنا إلى ورقة للمواقف الإسرائيلية والفلسطينية؟ ذلك لم يكن ما يتوقعونه، وهو ليس منصفاً. قرأت وزيرة الخارجية التنصّل في أعلى الصفحة، قائلة هذه هي رؤيتنا لموقف كل جانب وأنّهم غير ملزمين بتفسيراتنا. لكنّ ذلك لم يرضهما. فقلت، «إنّ هدف هذه الورقة هو تركيز المناقشات مع الإسرائيليين وتسريعها، وإذا لم تكن تفعل ذلك فإما أن تأتوا بأنفسكم بما هو أفضل وإما أن تستخدموا الحلول الممكنة التي أجملناها وتحرزوا بعض التقدم».

تمسّك صائب على الفور بما قلت مشيراً إلى أبي علاء بأنّني أوضحت أنّهم غير ملزمين باستخدام الورقة «كأساس». وقلت ذلك صحيح شريطة أن تكونوا مستعدّين لتقديم ما هو أفضل. رضي صائب وأبو علاء بذلك وغادرا. كانت الساعة الآن الثانية والنصف صباحاً فقلت لوزيرة الخارجيّة، «كان ذلك كله استعراضاً. لقد توصّلوا إلى استنتاج بأنّنا أعدنا كتابة الورقة بعد الممانعة الإسرائيلية، وإلا لماذا لزمنا وقت طويل لإعداد الورقة. والآن يمكنهم أن يثبتوا أنّ بوسعهم هم أيضاً أن يرفضوا الورقة». عندما عدت إلى كوخي، كنت أعرف أنّ يومنا كان سيئاً، فقد تراجعنا عندما اشتكى الإسرائيليون وأعدنا كتابة ما كان يدور في بالنا، وقد فعلنا الأمر نفسه مع الفلسطينيين بعد الذي قلته لصائب. لم أكن راضياً عن نفسي. كان عليّ أن أقاوم بقوّة أكبر رغبة الرئيس الفطريّة بكتابة ورقة مختلفة. كنت اعرف ان الاسرائيليين متصنعين الى حد كبير، ولا حاجة بنا الى التراجع، ولم يكن علي ان اتراجع مع صائب، فالتحدي الذي اثرته امامهم بالاتيان بما هو افضل يقدم لنا على الاقل، تبريرا جيدا للخروج بمشروع حقيقي وعرضه.

* بركان الغضب: ساعة أن احمر وجه كلينتون وهاج غضبا من أبو علاء

* كان الاجتماع الأول مع فريق الأرض والحدود والأمن، ولم ننتظر الكثير لنعرف ما حصل. ففي حين أنّ عرفات أبلغ الرئيس كلينتون بأنّه أعطى تعليماته إلى أبي علاء بالتقدّم وفقاً لما طلب الرئيس، بقي نهج أبي علاء على حاله من دون تغيير. فردّاً على خريطة إسرائيليّة تعرض ثلاثة ألوان مختلفة ـ البنيّ للدولة الفلسطينيّة والبرتقاليّ للأراضي التي سيضمّها الإسرائيليّون والأحمر للمناطق الانتقاليّة ـ لم يكن أبو علاء مستعدّاً لبحث الاحتياجات الإسرائيليّة ما لم يقبل الإسرائيليّون أولاً بمبدأ مقايضة الأراضي ويقلّصوا المناطق التي يريدون ضمّها.

حاول الرئيس في البداية التحاور مع أبي علاء بالحجّة، موضحاً أنّ بوسعه أن يعرف «لماذا لا تقبل بهذه الخريطة. لكن لا يمكنك أن تقول لهم، هذا ليس كافياً، أعطوني شيئاً مقبولاً أكثر; هذه ليست طريقة للتفاوض. لماذا لا تقول المنطقة البرتقاليّة كبيرة جدّاً، لنتحدّث عن احتياجاتكم ونرى كيف يمكننا تقليص المنطقة البرتقاليّة وتحويلها إلى بنيّة. إذا ركّزنا على ناحية الأمن ونظرنا إلى وادي الأردن، فقد نبحث القضايا الأمنيّة ونرى إن كان بوسعنا تقليص المنطقة البرتقاليّة». وافق شلومو على تلك المقاربة مشيراً بالتالي إلى أنّه منفتح على تقليص المنطقة البرتقاليّة، وهي تساوي 14 في المائة من المساحة الكليّة للضفة الغربيّة خارج القدس.

تابع أبو علاء الممانعة. وفيما كان يفعل ذلك ويكرّر محاجّاته القديمة بشأن لا شرعيّة المستوطنات واحتياج الفلسطينيّين إلى خط 1967، بدأ وجه الرئيس بالاحمرار. التفت إليّ محمد رشيد وقال إنّ الرئيس بدأ بالانزعاج، لم لا نأخذ استراحة؟ رأيت أنّ تلك فكرة جيّدة لاعتقادي بأنّ الاجتماع مع الفلسطينيّين على انفراد يمكن أن يتيح للرئيس إبلاغ أبي علاء ورفاقه بأنّهم يناقضون ما طلب منهم أن يفعلوه ووافق عرفات على أن يفعلوه ـ وأنّه لن يتابع في موقف يُقال له شيء ويُفعل شيء آخر.

توجّهت إلى الرئيس وهمست في أذنه أنّه قد يكون من الأجدى أن نأخذ استراحة ونتعامل مع الفلسطينيّين بمفردهم. استمع إليّ لكنّه لم يستجب. وبدلاً من ذلك، مضى ليقول إلى أبي علاء «لا أفهم ما الذي تخسره إذا افترضت أنّك ستحصل على المقايضة في النهاية أو أنّه لن يكون هناك اتفاق. بإمكانك أن تبحث المناطق البرتقاليّة في وادي الأردن وفي الممر بين القدس وأريحا وتعرف كيف تحوّل ذلك من برتقاليّ إلى بنّيّ. حسناً، الخريطة لم تعجبك، لكنّها اقتراح إسرائيليّ. فإما أن تكون محدّداً بشأن ما تحتاج إليه وإما أن تعرض خريطتك».

قال أبو علاء إنّهم لا يريدون تقديم خريطة يتخلّون فيها عن أرضهم. إذا أرادت إسرائيل أن تبرّر إجراء تعديلات على الحدود، فعليها أن تفعل ذلك بخريطة معقولة أكثر. كان بوسعي أن أرى الغضب بادياً على الرئيس. لذا وقفت واقترحت أخذ استراحة. لكن ذلك جاء متأخّراً. لقد طفح الكيل مع الرئيس فأطلق العنان لغضبه. قال إنّ هذا نهجاً لا يطاق. لقد خاطر كثيراً بعقد هذه القمّة. ونُصح ألا يركب هذه المخاطرة فأهمل النصيحة لأنّه شعر بضرورة عمل كل ما يستطيع القيام به للوصول إلى اتفاق. لكنّ هذه مضيعة فظيعة لوقته ووقت الآخرين. لقد عرض نهجاً معقولاً لا يعرّض المصالح الفلسطينيّة للخطر. ولن يخسروا شيئاُ بتجربته، لكن أبا علاء غير راغب في التفاوض. ولا أحد يقبل بما يطلبه. وهو لن يستطيع أن يكون طرفاً في شيء غير جدّيّ، وهذا أمر غير جديّ، إنّه مهزلة. لقد أعطى عرفات موافقته على ما طلبه الرئيس وها هو يأتي الآن إلى الاجتماع ويجد نهجاً فظيعاً ـ وكرّر الآن صياحه، «هذا نهج فظيع». وعندئذٍ قام الرئيس وخرج غاضباً. أصيب الجميع بالذهول. نهض الإسرائيليّون وخرجوا. كنّا في هولي، وكان الاجتماع التالي بين صائب وجلعاد بشأن القدس. كانا ينتظران في الغرفة المجاورة وسمعا صياح الرئيس وشاهداه يخرج غاضباً. توجّهت إليهما وأبلغتهما أنّ «الاجتماع التالي ألغي».

انتظرت، فخرج محمّد دحلان. سألني ما الذي يجب أن يفعلوه. فقلت، «عليكم يا محمد أن تتوجّهوا إلى الرئيس وتقولوا إنّكم ستمضون قدماً بخريطتكم أو تأخذون خريطة فارغة منّا وترسمون عليها ما تعتقدون أنّه طريقة معقولة للردّ على الاحتياجات الإسرائيليّة كما تفهمونها». أعجب بالخيار الثاني. وانضمّ إلينا محمد رشيد قائلاً إنّه يدرك أنّ غضب الرئيس مبرّر، لكن كان من الأفضل ألا ينفجر أمام الإسرائيليّين. ووافقه دحلان.

سألت «ما الذي تتوقّعانه؟ يضع نهجاً ويحصل على موافقة صريحة من عرفات، ثم يستمع إلى الهراء نفسه. إنّكم تستغلّون رئيس الولايات المتحدة وقد طفح الكيل». فقال دحلان إّنه سيعمل على خيار الخريطة الفارغة.

غادرا وذهبت للغداء. كان أبو علاء مهتزّاً. فقد أبلغ جمالاً أنّ عليه المغادرة، فلا يمكنه أن يكون مسؤولاً عن تخريب علاقة عرفات بالرئيس. وعندما جلست بقربه، كرّر أنّه ربما يجدر به ألا يفاوض، ثمّ وجّه سؤالاً ذا دلالة كبيرة، لماذا تكون تكتيكاتهم مقبولة وتكتيكاتي غير مقبولة؟ كان الأمر متعلّقاً بالتكتيك بالنسبة لأبي علاء. كان يحاول الحصول على أفضل اتفاق يمكنه الحصول عليه، وذلك جزء من اللعبة. ألم يفهم الرئيس ذلك؟

أبلغت أبا علاء أنّ صبر الرئيس نفد. فقد حان الوقت لتجاوز الألاعيب. الوقت يمرّ وحان زمن الأخذ والعطاء الحقيقيّ. كرّر أنّه ربما يجدر به الذهاب وعدم التفاوض. وفيما أبلغته أنّنا أصدقاء وأنّ هذا الأمر لن يتغيّر، لم أبذل أي مجهود في محاولة لثنيه عن ذلك.

* آخر محاولات الإنقاذ.. قناة رباعية

* كلينتون قال لباراك: دع رجليك يعملان بدون قيود وصولا لاتفاق * ثار غضب الرئيس في المقابل، قائلاً إنه عنف الفلسطينيين اليوم، لكن في الحقيقة لم يكن باراك يفعل شيئاً في قمة هو الذي أصر على عقدها. إذا لم يكن يريدنا أن نذكر القريتين في الورقة، فلن ندخلهما في الورقة، لكن على باراك أن يعلم أنه لن يكون هناك اتفاق. وإذا كان لا يريد ورقة أميركية تحظى بالمصداقية، فعليه عندئذ أن يكون جادّاً. «دع رجليك يعملان بدون قيود الليلة ويحاولان التوصّل إلى اتفاق».فقال باراك «موافق». قال الرئيس إنه سيذهب لمقابلة عرفات الآن. وسأل باراك عمن سيرسل إلى الاجتماع، فأبلغه باراك أنهما سيكونان شلومو وجلعاد. وبدوره سأل باراك من سنطلب من عرفات، فقال الرئيس محمد دحلان ومحمد رشيد. فأعجب باراك بذلك.

* .. وقال لعرفات: إذا لم يكن الاتفاق ممكناً فمن الأفضل معرفة ذلك الآن

* قابل الرئيس عرفات مع جمال. فوافق عرفات وقال إنه سيبلغنا عما قريب من سيكون رجلاه. وسأل عن المعينين من الجانب الإسرائيلي، فأخبره الرئيس. وفهم عرفات أن هذا الاجتماع بين الثنائيين سيكون سرياً، ولن يكشف أمرهما أمام الآخرين، وأنهما سيعملان طوال الليل ويقدمان تقريرهما إلى الرئيس ظهراً. ولن يكون هدفهما الدخول في مساومة كالعادة، بل محاولة التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الجوهرية. وأخبره الرئيس أنه ما من سبيل للمتابعة على ما نحن عليه، وإذا لم يكن الاتفاق ممكناً، فمن الأفضل معرفة ذلك الآن.

خلال عشر دقائق وصلنا الخبر بأنهما لن يكونا دحلان ورشيد. بل سينضمّ صائب عريقات إلى دحلان. وقال جمال لا بأس في ذلك لأن محمد رشيد سيجلس إلى جانب عرفات ويعمل معه، مكرراً ما كان رشيد قد أبلغ جمال بأنه سيفعله. وخالفته الرأي قائلاً إنها إشارة سيئة ـ وربما لا يمكن تجنبها لأن جلعاد يمثل الإسرائيليين، ولأن الشخص الأكثر مرونة في الجانب الفلسطيني لن يكون حاضراً في هذه المحادثات.

* شلومو وجلعاد وجداها فرصة.. مقابل خوف من دحلان وعريقات

* جاء الأربعة لمقابلة الرئيس في الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، فتحدث إليهم ليرفع همتهم، محاولاً تشجيعهم في مهمتهم وإيضاح الرهان لهم. وقال أيضاً، لحمايتكم، إنني مستعد لأن أقدم كل ما تأتون به على أنه من قبلنا; إن لديكم «حصانة» لما تقومون به لأنني سأتحمل مسؤولية كل ما تقومون به. وعندما خرج الأربعة من أسبن، شاهدت نظرات مختلفة على وجوههم: من الواضح أن شلومو وجلعاد وجدا في ذلك فرصة. لكن علا الخوف وجهي صائب ودحلان، ما يوحي بأنهما لا يعرفان تماماً ما إذا كان عرفات سيدعمهما حقاً إذا ما توصلا إلى تسوية بشأن أي من القضايا الجوهرية.


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.260037

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالخميس يوليو 14 2016, 22:31

الحلقه الثالثه عشر 

قال له: ذهبت لجنيف وشعرت كأنّني خيال مآته وجعلتني أنا وعرفات ننتظرك طوال اليوم وتريدني أن أقدّم شيئاً أقلّ
انتظرنا الإسرائيليّين ثلاث عشرة ساعة للخروج من اجتماعهم. وفيما شاهدت شلومو عندما خرج لفترة وجيزة لتناول الطعام، إلا أنّه مطبق الفم، ولم يقل سوى إنّ هذا «اجتماع عالي الجودة يعبّر فيه الفريق بأكمله عن آرائه». وسواء كان عالي الجودة أم لا، كان باراك يتصرّف كما لو أنّه لا يوجد أحد سواه في كامب ديفيد. لقد أبقينا عرفات منتظراً، حيث فضّل الرئيس تأجيل لقائه إلى أن يكون لديه شيء آخر يقوله. فإذا كنّا نريد تسويق حزمة القدس لدى عرفات، فإنّنا بحاجة إلى أن يشعر بأنّنا لا نعدّها مع الإسرائيليّين. كما أنّنا نحتاج إلى عدم اللعب على شكوكه أو جعله يشعر كأنّ موقفه أمر مسلّم به. وكما هي العادة، كان باراك يقلّل من تقدير تأثير سلوكه على الآخرين أو يقرأه بشكل خاطئ.
أخيراً، قرابة منتصف الليل، وصل غضب الرئيس ونفاد صبره إلى الذروة، وأصرّ على قطع الاجتماع الإسرائيليّ. وأبلغنا عندئذٍ بأنّ باراك سيأتي بعد قليل لمقابلة الرئيس. لكن انقضت بعد ذلك ثلاثون دقيقة أخرى، وتبلّغنا أنّ طبيباً توجّه إلى دوغ وود، كوخ باراك. وقد علمنا أنّ باراك اختنق بحبّة فستق ما تطلّب إخضاعه لمناورة هيمليخ لكي يتمكّن من معاودة التنفّس. نفّس ذلك غضب الرئيس ـ لكن ليس كثيراً وليس لوقت طويل. عندما وصل باراك، أحضر معه شلومو وداني، لذا بقيت أنا وساندي ومادلين مع الرئيس. قدّم لنا باراك ورقة يريدنا أن نعرضها على الفلسطينيّين على أنّها ورقتنا. ولم يكتف فيها بطرح أسئلة كما لو أن أمام الفلسطينيّين اختبار ويجب النجاح فيه، وإنّما تراجع فيها عن بعض الخطوات الرئيسيّة التي خطاها شلومو. فبدلاً من 10.5 في المائة، أصبحت الأرض التي يريد ضمّها 11.3 في المائة; وبدلاً من أن تصبح ثلاث قرى في الحدود البلديّة الحاليّة للقدس الشرقيّة جزءاً من القدس ذات السيادة، صارت واحدة. كان هناك تراجع في كل قضيّة تقريباً. وهذا ما جعلنا ننتظر باراك لمدّة ثلاث عشرة ساعة.
انفجر الرئيس، «جعلتني أنا وعرفات ننتظرك طوال اليوم وتريدني أن أقدّم شيئاً أقلّ مما عرضه شلومو على أنّه فكرتنا؟ لن أفعل ذلك. لن أفعله. لن يكون لديّ مصداقيّة. لا يمكنني مقابلة عرفات حاملاً تراجعاً في المواقف. تريد تقديم هذه الأفكار إلى الفلسطينيّين بشكل مباشر، فاذهب لتعرف إذا كنت تستطيع تسويقها. فما من سبيل يجعلني أفعل ذلك. هذا شيء غير حقيقيّ. إنّه غير جادّ. ذهبت إلى شفاردزتاون ولم تخبرني شيئاً طوال أربعة أيام. وذهبت إلى جنيف وشعرت كأنّني خيال مآته وأنا أفعل ما تريد». وأخذ صوته يرتفع ووجهه يحمرّ، وصاح قائلاً، «لن يحدث ذلك هنا. فلن أفعل ذلك».
كان باراك هادئاً في البداية في ردّه. فقد تحدّث بصوت خفيض، قائلاً إنّ هذه القرارات تتعلّق بجوهر وجود إسرائيل وأمنها وحياتها. وهو يتحمّل مسؤوليّة توخّي العناية الشديدة ولا يستطيع أن يواصل لعبة عرفات. وأصبح باراك عاطفيّاً أكثر فيما تابع حديثه. فهو يجد أنّ الطريقة التي يتفاوض بها الفلسطينيّون فظيعة، ويجب ألا يتمّ التسامح مع سلوكهم. وقال إنّنا لا نحتمل هذا السلوك عند الأطفال. حان الآن دور الرئيس ليكون هادئاً. كان متعاطفاً مع المأزق الذي يوجد فيه باراك، وعبّر له عن ذلك (لا يدوم غضب كلينتون طويلاً قطّ، وهو تعبير صادق دائماً ولا يُتصنّع للتأثير).
كنّا قد تحدّثنا قبل مجيء باراك عن عدم التزام الرئيس بما يريد باراك في هذا الاجتماع. وكنّا نتوقّع أن يطلب من الرئيس تسويق بعض الأفكار بشأن القدس عند عرفات، لكنّنا لم نكن نعرف أنّه يريدنا أن نتراجع عن أفكار شلومو. ولكن تحسّباً لطلب تسويق أفكار باراك، أقنعنا الرئيس بأن يقول لباراك إنّه يحتاج إلى الاجتماع بفريقه ثم يرد عليه.
* باراك لكلينتون في رسالة خاصة: هذه ليست مفاوضات ولكنها محاولة مخادعة لدفعنا لموقف لا يمكننا القبول به البتة ومن دون أن يتحرّك الفلسطينيّون بوصة واحدةً
* كان باراك ثائراً، ويرى كل شيء بمنظار كارثيّ. فبعد أن ذهب الرئيس لرؤية عرفات، قابلت أمنون وأخبرني أنّ إيهود «كره» ما فعله شلومو. لقد ذهب شلومو بعيداً وباراك يشعر بأنّه محاصر. لم أكن أعرف الكثير عن مقدار قلقه حتى وقت لاحق عندما جاء مارتن (تبدو الإشارة لمارتن انديك السفير الأميركي لدى اسرائيل.. الإيضاح من «الشرق الأوسط») الذي تلقّى رسالة من باراك إلى الرئيس نقلها إليه داني. وأبلغ داني مارتن أنّ رئيس الوزراء (باراك) كان يأمل في أن يرى الرئيس هذه الرسالة قبل الاجتماع بعرفات. لكن ذلك لم يحدث. كانت الرسالة مذهلة في نبرتها التشاؤميّة المظلمة. ولكي نعرف وقعها المذهل، يجدر الاستشهاد بمقطع طويل منها:
تلقّيت تقرير شلومو بن عامي وجلعاد شير عن محادثات الليلة الماضية بشكل سيئ جدّاً. هذه ليست مفاوضات. إنّها محاولة مخادعة لدفعنا إلى موقف لا يمكننا القبول به البتة دون أن يتحرّك الفلسطينيّون بوصة واحدة. ولا يجرؤ ياسر عرفات على القيام بذلك لولا أن يعتقد أنّ هناك انحيازاً كبيراً إلى مواقفه بين الكثير من أعضاء الفريق الأميركيّ. إنّ الرئيس موضوعيّ بالطبع... لكنّ الفريق الأميركيّ غير موضوعيّ... لقد أخذت على عاتقي مخاطر غير مسبوقة في الطريق إلى القمّة بل حتى في المواقف... التي قدّمها رجالنا في الليلة الماضية... وهي ما سمعت عنها بعد حدوثها، وهي تمثّل مخاطر إضافيّة مع أنّها ليست مواقفنا. هناك في وفدي أناس يعارضون هذه التحرّكات بقوّة... لن يكون هناك رئيس وزراء إسرائيليّ آخر مستعدّ للقيام بما قمت به ليكتشف بعد ذلك أنّها ليست مفاوضات عادلة. إنّني لا أنوي السماح بتفكّك الدولة الإسرائيليّة ماديّاً أو أخلاقيّاً. فدولة إسرائيل هي تحقيق لحلم الشعب اليهوديّ جيلاً بعد جيل. وقد حقّقنا ذلك بعد جهود هائلة وبذل الكثير من الدم والعرق... ولن أرضى بأي حال من الأحوال أن أشرف في كمب ديفيد على نهاية هذه المسيرة.
منذ سنة 1948 ونحن نواجه محاولة لإجبارنا على الانهيار. ولن أسمح بحدوث ذلك. إنّها لحظة استثنائيّة للحقيقة. ولن تتاح فرصة لنجاح العمليّة إلا إذا هُزّ الرئيس عرفات بحدّة. ولن يتحرّك عرفات إلا إذا أدرك أنّها لحظة الحقيقة. يجب أن يرى أنّ لديه فرصة لتحقيق دولة فلسطينيّة مستقلّة... أو البديل الذي يماثل المأساة حيث تقف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل. ولن تتاح الفرصة لإنقاذ القمّة إلا إذا أدرك عرفات ذلك. إنّني أعتقد أنّ علينا التحرّك الآن أو عدم التحرّك البتة. فلن يمكنني أن أتعايش مع الوضع الذي نتج الليلة الماضية... وعندما يدرك شعب إسرائيل الشوط الذي كنّا مستعدّين لقطعه فسيكون لدينا القوّة للوقوف موحّدين معاً في هذا الكفاح، مهما كان قاسياً، حتى لو أجبرنا على مواجهة العالم بأسره. فما من قوّة في العالم يمكن أن تفرض علينا انتحاراً وطنيّاً جماعيّاً.
لن يتحقّق السلام إلا إذا كانت هناك رغبة حقيقيّة في التفاوض لدى الجانبين. وإنّني على يقين بأنّ شعب إسرائيل والشعب الأميركيّ سيدرك ذلك عندما يُكشف عن التفاصيل.
كنت أعرف قبل قراءة هذه الرسالة بأنّ باراك يشعر بأنّه محاصر. لكن لم يكن لديّ فكرة عن مدى سوداوية رؤيته. كنّا قد قرّرنا بالفعل هزّ عرفات قبل أن نتلقّى هذه الرسالة. فقد نفد صبرنا أيضاً من عدم رغبة الفلسطينيّين في التفاوض. ولعل الرئيس لو قرأ الرسالة قبل مقابلة عرفات، لما لان في نهاية الاجتماع معه، طالباً فقط ردّاً على إحدى النقاط الثلاث للأرض أو الأمن أو إنهاء النزاع. أو لعلّه كان ذهب لرؤية باراك أولاً للتأثير على نفسيّة القائد الذي يرى كل شيء الآن كأنّه مسألة حياة أو موت.
كنت اقترحت ذلك، لكنّني لم أعرف المضمون الكامل للرسالة إلا بعد أن كان الرئيس مجتمعاً بعرفات بالفعل. وكان مارتن قد أوجز الرسالة لساندي الذي أوجزها بدوره للرئيس. وقد جعلت الرسالة ساندي أكثر إصراراً على عدم العودة إلى باراك إلا بعد الحصول على شيء ذي مغزى من عرفات.
كنت قد دعيت إلى مثل هذا الموقف من قبل، لكن ذلك كان قبل أن أعرف مقدار كآبة مزاج باراك. وعندما قرأ لي مارتن الملاحظة، اتصلت بساندي. فأخبرني أنّه حاول مقابلة باراك لكنّه تمكّن من مقابلة داني فقط، وأخبره بأنّ الرئيس سيكون قاسياً مع عرفات.
أبلغت ساندي الآن أنّ ذلك غير كافٍ. لا يمكننا أن نترك باراك يغرق في مزيد من الخوف. على الرئيس أن يقابله لتهدئة روعه. وافق ساندي وكذلك مادلين، لكنّها كانت تشعر أيضاً بأنّ باراك مدين بالاعتذار لنا لقوله إنّنا «متعاطفون» مع الفلسطينيّين.
كنت أفكّر في باراك ونحن ننتظر ردّ عرفات على الرئيس. لقد كان أستاذاً في المناورة، ولا يمكننا أن نستبعد أن تكون رسالته جزءاً من المناورة. لكن ثمة مبالغة في القول أشعر أنّها أكثر من مجرّد مسعى للتلاعب بنا. لماذا كان في مثل هذا المزاج القاتم؟ ولماذا يرى ما حدث في الأمس بمثل هذه العبارات المرعبة؟ فقد كان في النهاية يتحدّث عن الانهيار ونهاية الحلم والانتحار الوطنيّ. توصّلت إلى أنّه تراءى له بأنّ مفهومه للاتفاق لن ينجح. فالثمن الذي يجب عليه أن يدفعه مقابل الاتفاق أعلى مما تصوّر وهو يتناقض مع كل ما آمن به. فهو في النهاية ممن لم يكونوا سعداء بأوسلو، وامتنع عن التصويت على الاتفاق المؤقّت، ولم يكن قطّ عضواً في ما كان يوسي بيلين يدعوها دائماً «مافيا السلام المزعومة» في إسرائيل. ومع أنّ الثمن يتعارض مع ميوله الطبيعيّة، إلا أنّه أدرك أيضاً بديل الاتفاق ـ بالنسبة إليه شخصيّاً وبالنسبة لبلده. هل عليه أن يواجه حجم الحقيقة التي غالباً ما تحدّث عنها؟ وهل يبقى سياسيّاً بعد القمّة؟ وهل عليه الآن دفع الثمن العالي للمواجهة الذي طالما تحدّث عنه كبديل للقمّة؟
لم تكن لغة رسالته تعكس مشاعر رجل متألّم فحسب، وإنّما يعاني من أزمة شخصيّة أيضاً. ومع ذلك لم يتحدّث في النهاية عن التهديد المحتمل لردّ فعل الشعب الأميركيّ ـ لذا يحسن بكم أن تكونوا معي ـ وإنما أيضاً عن الحاجة إلى هزّ عرفات من أجل إنقاذ القمّة. ربما لا تكون مثاليّة، لكن لا شكّ أنّ فيها عنصراً منه يحاول أن يصدمنا لكي نوجّه تهديدات أشدّ قوّة إلى عرفات.
*.. وعرفات في رسالة ذكية للرئيس: أوافق بنسبة للتبادل متوافقة مع الحجم المتفق عليه للمستوطنات وسأترك لك تحديد النسبة إذا ضمنا حلا للقدس الشرقيّة
* لقد هزّ الرئيس عرفات، لكننا لم نحصل على رد بعد. وقال جمال إنه يحثهم على الرد بجدية. وأبلغ دحلان جمال بأنه يضغط من أجل 4 في المائة مع مقايضة; وطلب منه جمال أن يجعلها 5 في المائة مع المقايضة. رددت على ذلك بغضب قائلاً، ذلك لا شيء. ففي إيلات، عرض دحلان 4 في المائة مع مقايضة; و5 في المائة الآن مع مقايضة لا تشكّل تحركاً البتة. وأبلغ روب ويوسي عدداً من الفلسطينيين بالتقدم بـ 5 في المائة من دون مقايضة. وأبلغت كلاً منهما أن ذلك غير كاف ـ ليس في هذه المرحلة، إذا كنا سنعود إلى باراك ثم سنتحرك قدماً نحو اتفاق حيث يتعين على كل جانب تقديم المزيد.
كان ردّ عرفات ذكيّاً. وقد جاء على شكل رسالة من عرفات بالعربية سلمها صائب إلى روب ـ حيث كان روب مدون الملاحظات في اجتماع الرئيس مع عرفات. ترجم جمال الرسالة. لم يذكر عرفات في الرسالة النسبة المئوية للأرض المخصصة للكتل الاستيطانية، لكنه قال «أوافق على أن تكون نسبة التبادل متوافقة مع الحجم المتفق عليه للمستوطنات. وسأترك إليك أمر تحديد النسبة إذا كان بوسعنا ضمان حل للقدس الشرقية». وعندما سأل روب صائب عن معنى ذلك، أجاب صائب «نقبل بالمستوطنات، وأنتم تعرفون أحجامها، وبإمكان الرئيس تحديد النسبة. وإذا كانت هناك مقايضة بين قضية السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية، يستطيع الرئيس تحديد النسبة المئوية للأرض ونسبة التبادل».
تعني هذه الرسالة في أحسن التفسيرات ظناً أن الفلسطينيين إذا حصلوا على السيادة على القدس الشرقية، يستطيع الرئيس تحديد حجم المنطقة التي تضم من أجل كتل المستوطنات ومقدار الأرض التي تقايض مقابل الضم. وهذا أفضل تفسير لأن الرسالة لا تقول ذلك. فقد قرأت رسالة عرفات الفعلية ـ «ستكون نسبة التبادل متوافقة مع الحجم المتفق عليه للمستوطنات» ـ على أنها غامضة. فبإمكان عرفات القول إن ذلك يعني أن الأرض التي تضمها إسرائيل من أجل كتل المستوطنات يجب أن يقابلها تبادل أرض مساوية لها مع الفلسطينيين.
لكننا لم نفسرها بهذه الطريقة لأن روب أوضح عندما أحضر الرسالة ما قاله صائب بشأن الجمل الأساسية فيها. لم أكن مرتاحاً لأنني لا أعرف إذا كان يجب أن نعتمد على تفسير صائب ولأنني لم أكن واثقاً مما حصلنا عليه بل إذا ما كنا حصلنا عليه. وحتى في أكثر التفسيرات مواتاة، يقال لنا، أعطونا السيادة على القدس الشرقية، كل القدس الشرقية بما في ذلك الأحياء اليهودية، وبعد ذلك يمكنكم أن تقرروا بشأن الضم والمقايضة. يمكننا أن نحصل لباراك على شيء بشأن الحدود والأرض، لكن الثمن سيكون غير مقبول بالنسبة له.
مع ذلك، إذا أخذنا التفسير الأكثر تساهلاً، تفسير صائب، يمكننا القول إننا حصلنا على اقتراح مقابل من الفلسطينيين. وكان هذا أهم ما أريد قوله، لكن رُفض حذري وارتيابي: فقد أراد الجميع، الرئيس وساندي ومادلين وروب، اعتبار الرسالة تحركاً كبيراً. وأراد الجميع أن يصورها على أنها قرار مقيد لكنه يسمح لنا بتقرير حجم الأراضي التي تضم وتقايض. شعرت ثانية أننا بحاجة إلى تقليل التوقعات، لكن ثمة ثلاثة عوامل أبطلت ترددي. أولاً، رسالة باراك المتشائمة: كانت معنوياته متدنية بحيث أن التوجه إليه بجواب أقل من حاسم لن يغير شيئاً (في هذه الحالة، إذا كان باراك يحاول توجيه صدمة لنا، يكون قد نفذ ذلك بطريقة لا تخدم مصالحه). ثانياً، تفسير صائب: بدا أنه مبادلة واضحة جداً: أعطونا ما نريد بشأن القدس وتحصلون على ما تريدون بشأن الأرض; وكان ذلك قريباً مما قاله شلومو أصلاً لأبي علاء ويبدو أنه يؤسس لمفاوضات يمكن أن يصقل فيها موقف كل جانب. ثالثاً، أفاد جمال عن حوار أجراه مع أحد حراس عرفات الشخصيين. ووفقاً لروايته، انفجر عرفات في وجه أبو مازن وعبد ربه عندما اقترحا عدم عرض أكثر من 1 أو 2 في المائة من الأرض على أنه الملائم على كلينتون. ويفترض أن عرفات صاح قائلاً، «ستجعلونني أبدو سخيفاً أمام الجانبين الأميركي والإسرائيلي على السواء». وعند أخذ كل هذه العوامل معاً، توصلنا إلى خلاصة مفادها أن الرد حقيقي وأن بوسع الرئيس الذهاب الآن إلى باراك حاملاً بيده شيئاً ذا مغزى. ونظراً لطبيعة الرئيس، فهو لن يقلل من قيمة ما يسوقه، وهذا ما فعله. كان الرئيس يريد الوصول إلى اتفاق ـ وكلنا يريد ذلك. فأبلغ باراك أن عرفات منحه حق التقدير لتحديد الأرض، ونتيجة لذلك «سيقترب عرفات كثيراً من تلبية احتياجاتك للأرض، وأعتقد أنها ستكون ما بين 8 و10 في المائة. وهو يريد مقايضة، ولكن رمزية فحسب. وقال إذا كنت أعتقد أن ذلك منصفاً، فسيعتقد أنه منصف».
وأشار الرئيس إلى رغبات عرفات الأخرى: لا يريد الإسرائيليين بين دولته والأردن، ويريد معاملته مثل القادة العرب الآخرين من حيث الحصول على حدود مستقلة مع جيرانه، وإنهاء الصراع بعد تنفيذ كل شيء، لا أن يتفق عليه ويعلن فحسب، وصفقة تشمل نتيجة مقبولة بشأن القدس.
لم أكن مع الرئيس عندما قدم عرضه إلى باراك، فقد استمر تطبيق نموذج ذهابه بمفرده مع بروس كمدون ملاحظات. وقد انزعجت لاحقاً عندما قرأ علي بروس الملاحظات، لا سيما أنها تترك انطباعاً لدى باراك بأن عرفات وافق على ألا تقل النسبة المئوية للأرض التي تضم من أجل كتل المستوطنات عن 8 في المائة، مع تقليل التشديد على القيود التي تطبق على هذا الرقم (وكنت لا أزال أشك بشأن مقدار حقيقة قبول عرفات بنسبة 8 في المائة و«سلطتنا التقديرية»). وعند سماع ما قرأه بروس، عرفت أنه كان عليّ الاعتراض بقوة أكبر على تصوير رد عرفات على أنه يلبي احتياجات باراك للأرض، وذلك لا لسبب إلا لكي يقيد الرئيس ما يقوله لباراك.
* روس: فكرت.. تعويضا للفلسطينيين عما لن يتمكّنوا من الحصول عليه من الإسرائيليّين أن نبني السفارة الأميركية بالقدس الشرقية مكافأة لعرفات
* كانت الأسرار قليلة بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين في كامب ديفيد. فدحلان ورشيد كانا يتشاركان كل شيء تقريباً مع يوسي، ولا أعتقد بأنّ يوسي كان يحجب الكثير عنهما. وربما كانوا يحتفظون بأفكارهم الخاصّة بعيداً عن الأعضاء الآخرين في وفديهما، لكنّ الاعتقاد بأنّهم لن يتشاركوا رسالة عرفات إلى الرئيس ما هو إلا وهم. فباراك سيعرف ما كتبه عرفات عاجلاً أم آجلاً. فالتفاهم الشفويّ شيء، والرسالة شيء آخر. وعندما يراها باراك أو يصفها يوسي له، فسيعلم أنّ الرئيس كان يبالغ في تسويق ما لديه.
ربما يكون الميل إلى التركيز على صنع اتفاق وعلى الصورة الكبيرة متوطّناً في قمّة رئاسيّة من هذا النوع. غير أنّ مخاطر إدامة الغموض الذي يقود إلى سوء الفهم ـ بل حتى إلى الإحساس بالخيانة ـ تصاحب مثل هذا التركيز. وذلك هو ما يقلقني الآن.
لكنّنا موجودون حيث نقف. فليس لدينا، في أحسن قراءة لرسالة عرفات، فرصة للحصول على النتيجة التي يريدها باراك بشأن الأرض بدون إجابة عن القدس. ووجّهت اهتمامي إلى حلّ ذلك. وهنا يوجد جدار من الطوب.
فيما كان الرئيس مع باراك، جلست أنا ومارتن وأمنون ويوسي. أبلغناهما أنّنا حصلنا على ردّ جدّيّ من عرفات بشأن الأرض، لكن عليهم انتظار سماعه من باراك، الذي يسمعه بدوره الآن من الرئيس. لكنّهما يعلمان بالطبع أنّنا لن نتمكّن من حلّ مسألة الأرض إذا لم نستطع حل مسألة القدس.
قالا إنّهما يدركان ذلك وقد أمضيا اليومين الماضيين يعملان مع محمد دحلان ومحمد رشيد بشأن القدس. وقد وصلوا إلى طريق مسدود. فالمحمّدان، وهما الأكثر إدراكاً لاحتياجات إسرائيل، «لا يدركان مقدار حرج وأهميّة القدس بالنسبة إلينا»، وفقاً لما قاله يوسي. وكان يوسي قد ذكر لي في وقت سابق أنّه يعتقد بأنّ الفلسطينيّين إذا حصلوا على السيادة على الحيّ المسلم في المدينة القديمة، فقد يتمكّنون من حل مشكلتهم (وكان جلعاد قد ذكر الفكرة نفسها أمام روب). سألت الآن أمنون إذا كان يعتقد بأنّ إسرائيل يمكنها قبول ذلك. فقال، «لا، لن ينجح ذلك».
تركنا الاجتماع وقلت لمارتن، يجدر بنا التفكير في طرق لتعويض الفلسطينيّين عما لن يتمكّنوا من الحصول عليه من الإسرائيليّين بشأن القدس. وأبلغته أنّ ما يخطر ببالي هو أن نبلغ عرفات بأنّ السفارة الأميركيّة ستبنى في الجزء الذي يمتد داخل الحدود البلديّة الحاليّة للقدس الشرقيّة من أبو ديس (تقع معظم أبو ديس خارج الحدود البلديّة للقدس الشرقيّة، لكن ثمة زاوية صغيرة تبلغ عدة مئات من الأمتار تتقاطع مع الحدود البلديّة)، سيكون ذلك رمزاً كبيراً لعرفات. وقلت يمكن بالإضافة إلى ذلك أن يقود الرئيس وفداً دوليّاً يستضيفه عرفات ويأخذه إلى الحرم، ما يرمز ثانية إلى السيطرة الفلسطينيّة أمام العالم، وبخاصّة العالم العربيّ.
وأردفت قائلاً، ربما إذا أضفنا ذلك إلى السيادة الفلسطينيّة في أحياء محدّدة من القدس الشرقيّة، والاستقلال الذاتيّ الوظيفيّ في الأحياء الداخليّة، والمسؤوليّات المشتركة في المدينة القديمة، وممرات خاصّة ذات سيادة إلى المدينة القديمة، والولاية القانونيّة على الحرم (جبل الهيكل)، ربما يفي ذلك بالغرض. لكن كانت لا تزال لديّ شكوكي، وأبلغت مارتن بعد أن قرّرنا التشاور بشأنها ليلاً، بأنّ إسرائيل إذا قرّرت الاحتفاظ بالسيادة الحصريّة على جبل الهيكل [الحرم]، أخشى أنّ علينا تقديم شيء آخر نضيفه إلى الوزن الرمزيّ والقانونيّ للفلسطينيّين في المدينة القديمة ومواقعهم الدينيّة.
وكان جون شوارتز وجمال على وشك أن يفعلا ذلك بالضبط.
* .. ثم فكرنا حلا لقضية القدس باتفاق يمنح لجنة دوليّة وضعيّة الوصيّ الدائم على الدولة الفلسطينيّة
* اليوم السابع جاء جمال (هلال) إلى كوخي في السابعة والنصف صباحاً قائلاً، إنّه لم يستطع النوم ليلاً لأنّ جون قدّ م احتمالاً، وأنّه كان يفكّر في كيفيّة تسويقه مع الفلسطينيّين. اكتشف جون أنّ الإسرائيليّين بعد حرب 1967 عرضوا منح موظّفي الأمم المتحدة وضعيّة دبلوماسيّة وحصانة في المواقع الدينيّة في القدس. وكانت فكرة جون تقضي بإحياء تلك الفكرة ومنح المواقع الدينيّة، الخاضعة للولاية القانونيّة الفلسطينيّة، وضعيّة البعثة الدبلوماسيّة أو السفارة الأجنبيّة. من الناحية التقنيّة، يعني ذلك أنّ الإسرائيليّين لا يمكنهم دخول تلك المواقع إلا إذا وافق الفلسطينيّون على ذلك، مع أنّهم يحتفظون بالسيادة على الأرض. وعلى غرار أي بعثة أجنبيّة، يحظى الفلسطينيّون بوضعيّة شبيهة بالسيادة لا يمكن انتهاكها، رغم احتفاظ الإسرائيليّين بالسيادة الرمزيّة. اقترح جمال أن نأخذ فكرة جون ونجعل إسرائيل تمنح هذه الوضعيّة للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدوليّ ونجعل الخمسة الدائمين يمنحون الفلسطينيّين الوصاية الدائمة على الحرم. أعجبت بالمصطلحات، وبخاصّة إذ يبدو أنّها تمنح الفلسطينيّين وضعية مماثلة في الحرم للوضعية التي يحظى بها السعوديّون في الأماكن المقدّسة بمكة والمدينة. كان جمال متحمّساً جدّاً ومتأكّداً من أنّ بوسعنا تسويق ذلك لدى الفلسطينيّين. ووافقته بأنّها قد تنجح، لا سيما إذا مزجت مع خطوات أخرى مصمّمة لإنشاء اعتراف دوليّ بالفلسطينيّين في جزء من القدس الشرقيّة على الأقل.
التقينا بالرئيس في حوالي التاسعة والنصف صباحاً. وقبل ذلك التقيت بجون وهذّبا الفكرة. ولكي نجعلها تنجح، نحتاج إلى أن تنهي إسرائيل اتفاقاً مع الدول الخمس دائمة العضويّة في مجلس الأمن والفاتيكان والمغرب، رئيس لجنة القدس التابعة لمنظّمة المؤتمر الإسلاميّ(*). وبعد ذلك تمنح هذه اللجنة الدوليّة وضعيّة «الوصيّ الدائم» على الدولة الفلسطينيّة.
ومن المفارقات أنّنا فيما كنّا نطوّر هذه الفكرة، توصّل عدة أعضاء في الفريق الإسرائيليّ إلى فكرة مشابهة. فقد كانوا يتطلّعون إلى منح الفلسطينيّين وضعيّة شبيهة بالسيادة في الحيّ المسلم من أجل مكتب عرفات وتوصّلوا إلى فكرة وضعيّة البعثة الدبلوماسيّة. ورغم التشابه من حيث المبدأ، إلا أنّ فكرتنا كانت موجّهة إلى جبل الهيكل (الحرم). اقترحت على الرئيس أن يتوجّه أولاً إلى باراك لا ليقدّم فكرة الوصيّ بل ليرى إن كان بوسعه تسويق بقيّة الحزمة بشأن القدس لدى باراك: السيادة في أحياء خارجيّة محدّدة، والاستقلال الذاتيّ الوظيفيّ في الأحياء الداخليّة على أن يشمل التخطيط والتقسيم إلى مناطق والأمن، والمسؤوليّات المشتركة في المدينة القديمة. فإذا كان بوسعه ذلك، علينا عندئذ وضع حزمة نستطيع تقديمها إلى عرفات. ويجب أن تقدّم تلك الحزمة في البداية بدون فكرة الوصيّ. أردت أن أمسك فكرة الوصيّ، معتقداً أنّها إلى جانب وجود السفارة في القدس الشرقيّة وقيادة الرئيس لوفد دوليّ يستضيفه عرفات، يمكن أن تكون المحلّي الذي يساعد في إتمام الصفقة. لكن علينا أولاً أن نعرف ما إذا كان باراك سيقبل بأفكار القدس الباقية. ولم يقبل بها في اجتماعه مع الرئيس. قاوم باراك التخطيط وتقسيم المناطق والأمن في الأحياء الداخليّة، كما أنّ باراك يريد أن يبحث أفكار القدس مع فريقه والعودة إلينا، قبل أن نعمل أي شيء إضافيّ بشأن القدس. وقد رآني أثناء مغادرته الاجتماع مع الرئيس وأبلغني أنّه لا يستطيع أن يتحمّل قيامنا بتقديم أي تنازلات إلى الفلسطينيّين دون الحصول على المزيد منهم.
ذكرت ذلك للرئيس، وشعرت أنّ علينا انتظار ردّ باراك علينا قبل المضيّ قدماً مع الفلسطينيّين. ونظراً لأنّ الرئيس كلينتون لم يثر فكرة الوصيّ مع باراك، أبلغته أنّني سأتوجّه إلى «رجاله» وأسوّق الفكرة القريبة إلى ما ينظرون فيه الآن. لم أتمكّن لسوء الحظّ من الاجتماع مع أيّ من الإسرائيليّين، لأنّ باراك جمع فريقه، ما جعلهم غير متوفّرين. وفيما أبلغنا بأنّ جلستهم ستستغرق بضع ساعات، امتدّت الساعات القليلة إلى اليوم بأكمله. وكنّا أثناء ذلك بالانتظار. فقد شعر الرئيس، بعدما تبلّغ نصح باراك بعدم تقديم مزيد من «التنازلات» إلى الفلسطينيّين، أن ليس بوسعنا في هذه المرحلة مراجعة الأفكار معهم. لذا لم نلتقِ بالإسرائيليّين أو الفلسطينيّين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالخميس يوليو 14 2016, 22:32

الحلقه الرابعه عشر

لقد بدأ اليوم السادس بالفعل. وقد طلبت من بث جونز (منسّقة الشؤون اللوجستية في كامب ديفيد).
أن ترتب تفاصيل الاجتماع وإدارته (الإشارة هنا الى صائب عريقات ومحمد دحلان عن الجانب الفلسطيني وشلومو وجلعاد عن الجانب الإسرائيلي الإيضاح من «الشرق الأوسط»). وأبلغتها أنّ الاجتماع يجب أن يكون في مكتب الرئيس في لوريل. وأنّه يجب عزل الأربعة، وعدم السماح لهم بالمغادرة قبل الصباح، وألا يعرف الآخرون ما الذي يقومون به. سألت بث ما إذا كان يجب أن يأتوا إلى كوخي في السادسة والنصف صباحاً، وقلت لا أريدهم أن يتجوّلوا. ما عليك إلا حراسة الغرفة وتدبير مغادرتهم.

وقد أخذت بث جونز المسؤوليّة بجدّية كبيرة.

اليوم السادس في الثالثة صباحاً، اتصلت بث لتقول إنّها تلقّت رسالة بأنّ باراك يريد التحدّث إلى شلومو، فهل تسمح بمرور المكالمة؟ أجبت نعم، إذا كان هناك أي قائد يريد التحدّث إلى أحد مفاوضيه لا يمكننا أن نقول لا.

وفي السابعة تماماً، اتصلت بث قائلة إنّ دحلان يريد الذهاب للاستحمام والصلاة، فهل هذا مسموح؟ فقلت أجل، لا يمكننا القول لا للصلاة لا سيّما عندما نكون بحاجة إليها. لكن أبلغيه أنّ عليه العودة خلال ثلاثين دقيقة. وقد فعل ذلك.

وفي العاشرة والنصف، اتصلت بث لتقول إنّهم مستعدون لأخذ استراحة، فهل يمكن ذلك؟ أجبتها نعم. ثم أعطت الهاتف إلى جلعاد وأفاد بما يلي: «لقد تجاوزنا كثيراً تعليمات رئيس الوزراء، ولم يتغيّر شيء للأسف; لقد استمعوا ببساطة ودوّنوا الملاحظات وطرحوا أسئلة. لم تكن هناك ردود». فسألت لا ردود؟ وقال إنّهم ردّوا بشأن القدس. وقال إنّ صائب اقترح أن تقسّم القدس الشرقيّة بحيث تصبح كل الأحياء العربيّة فلسطينيّة وكل الأحياء اليهوديّة إسرائيليّة.

وتابع جلعاد قائلاً إنّنا ابتعدنا كثيراً، أكثر مما ذهبت إليه أفكارك بشأن القدس. وابتعدنا بشأن الأرض كثيراً ولم نحصل على شيء بالمقابل. «لا يمكننا الاستمرار في هذه الطريقة».

سألته بعد ذلك، «ما هي الخطوة التالية في نظرك؟» فقال بشكل يدعو إلى الحيرة، «أعتقد أنّنا نستطيع التوصّل إلى اتفاق». أصابني التشوّش الآن. وبدلاً من الاستمرار، اقترحت أن يطلعوا الرئيس على ما دار ظهراً. وسأل ما إذا كان يمكن أن يكون ذلك في الواحدة ظهراً، لكي يتمكنّوا من النوم ساعة وتقديم تقرير إلى باراك أيضاً. وافقت على ذلك، واتصلنا بالفلسطينيّين.

* دراما اليوم الثامن: سحب الفشل وأمطاره

* ذهبت لأتناول الفطور قبل أن اقدّم تقريري إلى الرئيس. لم أكن أشعر بالارتياح. كنت أعتقد أنّ علينا طرح الأسئلة الافتراضية على عرفات بشأن القدس. لكنّني كنت أعرف أنّ عرفات يحقّق نجاحاً في تكتيكه ـ فنحن نواصل الاقتراب منه دون أن يتحرّك كثيراً. وبقيت شكوك باراك فينا في ازدياد. عندما انضمّ يوسي إليّ على الفطور، سألته ما إذا كان من الممكن تغيير القوى المحرّكة للقمّة. أبلغت يوسي بأنّني قلق من أنّ باراك وعرفات لا يشاركان بشكل مباشر في النقاش معاً أو مع ممثلين عن الجانب الآخر. وذلك يعني بالنسبة لعرفات أنّه لن يفهم حقّاً حدود ما يستطيع باراك القيام به. ويعني بالنسبة لباراك عدم إدراكه للمخاوف الفلسطينيّة ـ كان يحصل عليها بدلاً من ذلك إما عن طريقنا وإما عن طريق أعضاء في فريقه. وفي كل الأحوال كان ينظر إلى ما يسمعه على أنّه متأثر بميلنا إلى تقبّل إحساس الفلسطينيّين بأنّهم ضحايا.

وفيما كنت أفكّر بصوت مسموع، سألت يوسي ما إذا كان يعتقد أنّ من المفيد أن يلتقي هو ورشيد مع باراك وعرفات كل على حدة، ويفصحا بوضوح عمّا هو ممكن وما هو غير ممكن في كل جانب. وتلك طريقة يسمع بها كل قائد شيئاً عن الآخر من مصدر يحترمه. وإذا ما تمّ ذلك بشكل صحيح فقد يبين أيضاً أنّ عرفات يحاول تلبية احتياجات باراك وأنّ لديه أيضاً احتياجات بشأن القدس والقضايا الأخرى. هزّ يوسي رأسه قائلاً: «لن ينجح ذلك يا دنيس، فباراك لن يقبل شيئاً إذا لم يسمعه من عرفات مباشرة». أجبت بأنّه يرفض لقاء عرفات بالنظر إلى خوفه من أن يبقى عرفات صامتاً وأن تسجّل مواقفه وتصبح رسميّة إلى حدّ ما. هزّ يوسي كتفيه قائلاً: «أنت محق».

لم أصل إلى أي نتيجة، لكنني لا أزال أشعر بالحاجة إلى تغيير القوى المحرّكة من خلال تحاور شخصيّ مباشر يشمل القائدين. وفيما كنت لا أزال أفكّر في ذلك مع يوسي، وصلتني رسالة بأنّ الرئيس مستعدّ للقائي. ذهبت لأقابل الرئيس، وأجملت أسئلتي والمقاربة الافتراضيّة باتجاه عرفات بشأن القدس. قلت له: «هذا تحرّك مباشر إلى الأمام بشأن القدس، لكنّي لا أجد أنّ بإمكاننا التقدّم بأقلّ من ذلك بالنسبة لعرفات ولا أعتقد أنّ باراك سيستجيب إذا لم نحصل على إشارة من أنّ عرفات مستعدّ للقائه على الطريق إلى القدس».

وافق الرئيس على الأسئلة، معتقداً أنّها تتوافق مع فهمه لباراك من اجتماعهما الأخير. والآن سندخل سيادة افتراضيّة في جزء واحد على الأقلّ من المدينة القديمة فضلاً عن فكرة الوصاية. لم أكن مرتاحاً، لمعرفتي بميل عرفات إلى وضع ما يحصل عليه في جيبه، لكنّنا كنّا متّجهين صوب الحائط، وكما كان ساندي يذكّرني، فإنّ من المقرّر أن يغادر الرئيس في اليوم التالي.

للأسف لم يستطع الرئيس الوصول إلى أي مكان مع عرفات. فهو لن يقبل بأي شيء سوى السيادة على كل القدس الشرقيّة. ولا يسعه أن يكون في موقف يحوّل فيه الاحتلال الإسرائيليّ للقدس الشرقيّة والحرم إلى سيادة إسرائيليّة. ولا يمكنه أن ينظر إليه على أنّه قبل بذلك. وبدا الآن أنّنا عالقون وسنفشل.

فيما أطلعنا الرئيس على ردّ فعل عرفات، سألني ما إذا كان هناك شيء آخر يمكننا عمله، وكما أبلغت الرئيس «المعالجة بالصدمة». اقترحت أن أعود إلى ممثلي القناة الخلفيّة في كل جانب وأبلغهم بأنّ الرئيس منزعج وأنّه مستعدّ لوقف كل شيء. كانت لديّ بعض الأفكار التي يمكن أن تنقذ القمّة إذا قبلها كل جانب، لكن إذا لم يسمع الرئيس شيئاً جديداً في الساعتين التاليتين، فإنّه مستعد لإعلان إنهاء القمّة. وافق الرئيس على ذلك حتى دون أن يسمع ما الذي سأقوله لكل جانب.

ذهبت إلى كوخ أمنون، حيث كان أمنون وشلومو ويوسي والمحمدان مجتمعين. رأيت أمنون وشلومو وأبلغتهما بأنّنا وصلنا إلى نهاية الطريق. فلا شيء يعمل، وأداء باراك أمس زاد الأمور صعوبة مع عرفات لأنّنا أبقيناه ينتظر نحو ثلاث عشرة ساعة. ولم يسر الاجتماع معه هذا الصباح بشكل جيّد ـ ولم يكن ذلك مفاجئاً. والرئيس الآن مستعدّ لإعلان فشل القمّة. ولا يسعني التفكير في عمل سوى اقتراح حزمة بشأن القدس والالتزام بها دون تحفّظ. تلك هي رؤيتي الشخصيّة وهي لا تمثّل موقف الولايات المتحدة. ولا أعرف ما إذا كانوا يوافقون عليها، لكنّ العناصر الأساسيّة هي التالية:

ـ تحصل الأحياء الخارجيّة على السيادة الفلسطينيّة ـ تحصل الأحياء الداخليّة على حكم ذاتيّ ذي مغزى، بما في ذلك التخطيط وتقسيم المناطق والأمن ومسؤوليّة حل المنازعات ـ في المدينة القديمة، يحصل الفلسطينيّون على السيادة في الحيّين المسلم والمسيحيّ ـ وبشأن الحرم، يحصل الفلسطينيّون على الوصاية كنت أعرف أنّ أمنون وشلومو ليسا مسرورين بما طرحت لأنّه يتخطّى ما يعتقدان أنّ من الممكن تسويقه (فقد قبلا على مضض بالسيادة الفلسطينيّة على الحيّ المسلم، وهو ما أثاره يوسي، لكن حتى يوسي لم يفكّر قطّ في تجاوز ذلك ليشمل الحيّ المسيحيّ. وكان رأيي أنّ الحيّين المسلم والمسيحيّ يشكّلان نصف المدينة القديمة من الناحية الجغرافيّة، لكنّهما موطن الغالبيّة العظمى من السكّان العرب ـ وكان عرفات يتحدّث دائماً عن المواقع المسيحيّة). لكن بدلاً من الدخول في جدال بشأن ذلك، أخذ أمنون وشلومو موعد الساعتين النهائيّ على محمل الجدّ وذهبا ليسوّقا الأمر عند باراك. وعندما نهضا للمغادرة، وصل محمّد دحلان ومحمّد رشيد مع يوسي. كرّرت ما أبلغته لأمنون وشلومو، مشدّداً على أنّ تلك رؤيتي الشخصيّة وأنّها لا تمثل الموقف الأميركيّ. فلم يلبثا للجدال أيضاً وذهبا لرؤية عرفات.

* روس: مفاوض إسرائيلي قال لي: لو تصرّفنا في سنة 1948 كما يفعلون هنا لما كنّا حصلنا على دولة

* عاد الأربعة إلى لوريل لتقديم تقرير إلى الرئيس. (إشارة المؤلف الى صائب عريقات ومحمد دحلان عن الجانب الفلسطيني وجلعاد وشلومو عن الجانب الإسرائيلي، فيما عرف بقناة الأربعة لردم فجوة الخلافات في اليوم السادس من المفاوضات التي كان تعثرها يتصاعد .. الإيضاح من الشرق الأوسط) واتّضح أنّ شلومو وجلعاد تقدّما خطوات كبيرة:

*بشأن القدس، تحظى الأحياء العربيّة الشماليّة كفر عقاب وقلنديا وبيت حانينا بالسيادة; أما الأحياء الداخليّة (الشيخ جرّاح ووادي الجوز) فتقدّم الخدمات إليها العاصمة الفلسطينيّة القدس فيما تخضع للسيادة الإسرائيليّة، وفي المدينة القديمة، سيكون هناك نظام خاصّ تكون فيه مسؤوليّات مشتركة في الأحياء الإسلاميّة والمسيحيّة *ويجب العمل بشكل مشترك على النظام الخاصّ والمسؤوليّات المشتركة;

*وبشأن الأرض، سيسعى الإسرائيليون إلى الاحتفاظ بـ 10.5 بالمئة من الأرض للكتل الاستيطانيّة، وسيحصل الفلسطينيّون على معظم الحدود مع الأردن; وتحتفظ إسرائيل بقطاع صغير فقط.

لم يحظَ اللاجئون سوى بقليل من النقاش. وعندما تحدّث صائب، لفت الانتباه إلى ما اقترح بشأن القدس، مشدّداً على أنّ تلك خطوة كبيرة ومنطقيّة في الوقت نفسه. وعندما سألت صائب عما قاله عن الأرض، ردّ بأنّه متى تمّ قبول مبدأ المقايضة يمكنهم عندئذ العمل على التعديلات على الحدود. وأضاف، إنّنا نعترف بأنّ للإسرائيليّين احتياجات ويمكننا التعامل معها متى تمّ القبول بمبدأ المقايضة. وقال دحلان نظراً لتحرّك الإسرائيليّين بشأن الحدود، فإنّه مستعدّ الآن لبحث الأمن مع الخبراء الإسرائيليّين.

وعندما أجمل شلومو قال إنّه وجلعاد حملا معهما الروح التي طلبها الرئيس. وقال إنّ صديقيه الفلسطينيّين للأسف لم يأتيا بهذه الروح، لكنّه أمل في أن ينظرا بعناية في كل شيء اقترحه وأن يستجيبا بشكل نوعيّ. وردّ صائب مقدّراً جدّيّة البحث لكنّه زعم أنّه ابتعد كثيراً بشأن القدس. وأنّه انعزل بموقفه القابل لوجود أحياء يهوديّة في القدس الشرقيّة، وهو الأمر الذي يعتبره معظم الفلسطينيّين غير قانونيّ. وعلى الجانبين الآن متابعة مفاوضاتهما. ثار غضب جلعاد وقال هذا هو أقصى ما نستطيع. «أتظنّ أنّ بوسعك أن تتخذ من ذلك طبقة جديدة وتتابع المفاوضات من هناك. لقد أتينا لنعقد اتفاقاً لا للمساومة».

طالما سعى باراك إلى إيجاد الوقت أو البيئة أو الآليّة التي لا يضع بها عرفات ما يعرضه الإسرائيليّون في جيبه. كان يريد أن يعمل وعاء الضغط على عرفات. لكن عندما واجه الخيارين ـ أن نقدّم ورقة أو ترسل رجالك للقيام بعمل حقيقيّ ـ لين باراك موقفه في النهاية وسمح لشلومو وجلعاد بأن يحاولا التوصّل إلى اتفاق شامل. لكن وفقاً لتعبير جلعاد، جاء الفلسطينيّون للمناورة في السوق أكثر مما جاءوا للتفاوض على اتفاق.

لسوء حظّ جلعاد أنّ خلاصة الرئيس للاجتماع لن تكون مرضية. أبلغ كلينتون جلعاد وشلومو وصائب ودحلان بأنّهم عملوا بجدّ وأنّنا نقدّر ذلك، وسنحاول الاستفادة مما أنجزوا. عرفت أنّ جلعاد وشلومو لن يتقبّلا ذلك بشكل جيّد، معتقدين بأنّ الرئيس أنقذ الفلسطينيّين من المشكلة.

رافقت شلومو وجلعاد إلى الخارج، فقال لي شلومو، «لو تصرّفنا في سنة 1948 كما يفعلون هنا لما كنّا حصلنا على دولة». وفي اجتماعنا مع الرئيس بعد ذلك، قلت إنّ هذا سيؤكّد أسوأ مخاوف باراك: يتقدّم هو بخطوات كبيرة فيضعها عرفات في جيبه، ويتوقّع منه أن يتقدّم ثانية بطريقة تتجاوز حتماً خطوطه الحمر.

قلت ربما كان باراك غاضباً مساء أمس للتقدُّم عليه بشأن القدس والمقايضات، لكنّ رجليه تجاوزا أفكارنا بشأن السيادة على الأحياء في القدس الشرقيّة; وتقدّما بعيداً بشأن المدينة القديمة; وقدّما لأول مرّة معظم الحدود مع الأردن للفلسطينيّين. فما الذي حصلا عليه بالمقابل؟ قلت إنّ خطوة صائب بشأن القدس تعتبر شيئاً، لكنّنا نعرف بأمرها منذ مدّة، وبشأن الأرض أعادا لعب نهج أبي علاء ـ وهو النهج نفسه الذي أغضبك أمس. لم يفعل الفلسطينيّون ما طُلب منهم. لا يمكننا أن نطلب من باراك أي شيء آخر; لقد فعل الفلسطينيّون ما لا يمكن القبول به. لكن عليك أن تعرف أنّك عندما تقابل عرفات فإنّه سيقلّل من شأن كل ما فعله الإسرائيليّون. عليك أن تضغط عليه بقوّة وتقول إنّهم تحرّكوا فيما لم تتحرّكوا أنتم. كفى ذلك. وعليك أن تقول إنّك لن تستطيع الحصول له على أيّ شيء ما لم يتحرّك بجدّية.

قال ساندي لقد حصلنا على شيء من عرفات ننقله إلى باراك. فقد قال جون بودستا إنّ عرفات يريد المقايضة، فلم لا تقول له إنّك ستحاول الحصول له على المقايضة، أعــــــطني أقل بقليل من 10 بالمئة من الأرض وسأحاول الحصول على المقايضة. لكن لا يمكنني أن أفعل أفضل من ذلك.

بعد بعض النقاش، اتفقنا أنّ على الرئيس الضغط من أجل ما هو أكثر من متطلّبات إسرائيل من الأرض. سيضغط الرئيس أيضاً من أجل احتياجات إسرائيل الأمنيّة في نهر الأردن ومن أجل احتياجاتنا بشأن «نصّ إنهاء النزاع». فقد أشار جون إلى أنّه بدون «نصّ إنهاء النزاع»، لن يتمكّن الرئيس من التوصّل إلى التواجد الأميركيّ في المنطقة الذي يسعى إليه عرفات كجزء من الترتيبات الأمنيّة ـ «لن يوافق الكونغرس على تمركز قوّات أميركيّة هناك دون نصّ صريح عن إنهاء النزاع».

* تقييمي وتصنيفي لفئات المفاوضين الفلسطينيين: مرتبكون وبين سلبيين ومرنين ومنتظرين لرأي عرفات

* كانت الساعات العديدة التالية مثيرة للجنون. فلم يردّ علينا أيّ من الجانبين. جرّب شلومو أفكاراً لم تذهب إلى ما ذهبت إليه، لكنّها تتجاوز ما قدّمه إلى الفلسطينيّين سابقاً. كان الفارق الرئيسيّ بين ما طرحته وما طرحه أنّه لا يمنح الفلسطينيّين السيادة على المدينة القديمة كما أنّ المسؤوليّات الفلسطينيّة في الأحياء الداخليّة محدودة أكثر. وقد اكتشفت ذلك عندما قدم إليّ شلومو وأبلغني أنّه عرض على الفلسطينيّين أفكاراً قريبة من أفكاري لكنّها مقبولة أكثر من قبل باراك. فلم أجد ما الذي يدفع الفلسطينيّين إلى قبول شيء أقلّ مما عرضته عليهم وأبلغت ذلك إلى شلومو.

لكنّ ذلك لم يكن يهمّ في الحقيقة. فقد كان الفلسطينيّون مرتبكين ومشتبكين فيما بينهم. فمن كان منهم سلبيّاً طوال الوقت، عبد ربه ومستشار عرفات أكرم هنيّة ، عارضوا تقديم أي تنازل في هذه المرحلة. وكان دحلان ومحمد رشيد وحسن عصفور مع تقديم ردّ على الأقل. وكان آخرون مثل أبي مازن وأبي علاء وصائب ونبيل يتطلّعون إلى ما سيصدر عن عرفات. وفي النهاية لم يردّ الفلسطينيّون على أفكاري أو أفكار شلومو.

* العلاج بالصدمة أدى الى إرباك الفلسطينيين وتليين التشدد الإسرائيلي تجاه القدس والحدود

* بعد أن حاولنا إحداث صدمة عند الجانبين، ولم أنجح إلا في إرباك الفلسطينيين، كان أمامنا خياران: إبلاغ الجانبين بأنّه لم يعد أمامنا من خيار سوى إنهاء القمّة (والعمل على بيان ملائم يعلن عن ذلك ، وهو أمر يمكن أن يدفعهما إلى إيجاد مخرج) أو السعي إلى اتفاق محدود أكثر ونتيجة محدودة للقمّة. وليس بالضرورة ألا تتوافق الأخيرة مع التكتيكات التي تقول إنّنا ندعو الآن إلى إنهاء القمّة.

قابل الرئيس باراك وقدّم إليه الخيارين. الخيار الأكثر محدوديّة يؤجّل القدس ويسعى إلى الاتفاق على كل شيء آخر. وكان باراك بالطبع يفضّل أصلاً مثل هذه المقاربة، لكن كلّما ازداد تركيزه على «إنهاء النزاع»، ازدادت رغبته في التوصّل إلى اتفاق تامّ بدون قضايا أو مطالب عالقة.

في البداية ردّ باراك على الرئيس بقوله قد ينجح ذلك. لكن كلّما فكّر أكثر في الأمر، ازداد شعوره بأنّ تأجيل القدس لن ينجح. وطلب من الرئيس إعطاءه القليل من الوقت للتفكير. ومنحه كلينتون ذلك.

بعد ساعة اتصل باراك وطلب مقابلة الرئيس على الفور. وبعد الاجتماع، كان الرئيس مستبشراً، لكنّه طلب أن يبقى فقط ساندي ومادلين وجون بودستا وأنا في الغرفة. قال إنّ الأمر حسّاس، لكنّني حصلت على الكثير من باراك. أخيراً قدّم باراك مطالب الحدّ الأدنى، لكنّه يريد من الرئيس أن يقدّمها إلى عرفات على شكل نقاط سيحاول هو (الرئيس) الحصول عليها من باراك. بشأن الأرض، ينزل إلى ضمّ 9 بالمائة من الضفّة الغربيّة مع مقايضة 1 بالمائة قبالة غزّة; وسيحصل الفلسطينيّون على 85 بالمائة من الحدود مع الأردن. وبشأن القدس، يقبل فكرة أن يخضع الحيّ المسلم والحيّ المسيحيّ للسيادة الفلسطينيّة، وأن تخضع سبع قرى من ثمانٍ أو تسع في الأحياء الخارجيّة للسيادة الفلسطينيّة; وتحظى الأحياء الداخليّة بالتخطيط وتقسيم المناطق والأمن وقوى فرض القانون. وبشأن الحرم يحصل عرفات على الوصاية. وبشأن الأمن، يجب تلبية الاحتياجات الإسرائيليّة وسيكون هناك حضور دوليّ، وستسيطر إسرائيل على وادي الأردن لمدّة تقل عن اثني عشر عاماً. أخيراً، بشأن اللاجئين، سيكون هناك حلّ يرضي الجانبين.

* كلينتون : أخرجنا باراك من جحره .. وأثمر وعاء الضغط معه .. فماذا سنفعل مع عرفات

* فرغ الرئيس وسأل، ما رأيك؟ قلت إنّه يريد الاتفاق. وأردفت قائلاً، لقد أخرجناه من جحره بالقول إنّ الخيار الوحيد الآن هو إنهاء القمّة أو الاستقرار على اتفاق جزئيّ. لقد أثمر وعاء الضغط عليه، لكن هل سيعمل على عرفات؟ لقد حصلت سيّدي الرئيس على ما تريد الحصول عليه من باراك، وعليك الآن أن تحصل على شيء من عرفات. عليك أن تسوّق ذلك باستخدام كل الإثارة التي يمكنك حشدها. لا داعٍ لمدوّن الملاحظات مع عرفات. يجب أن يكون الأمر بينك وبينه. هذه الأفكار تمثّل أفضل ما يمكنك عمله. عليك القول إنّك ذهبت إلى أبعد مما كنت تعتقد أنّك قادر عليه، وأنّ باراك سيكره هذه الأفكار، لكنّك مستعدّ للضغط عليه لكي يقبلها لأنّك تعتقد في النهاية أنّ ذلك منصف للجانبين. إنّها لحظة تاريخيّة لعرفات، وعليه أن ينتهزها. ولن تتكرّر هذه السانحة معه ثانية; «لن يكون هناك رئيس أفضل بالنسة لعرفات ولن يكون هناك رئيس حكومة إسرائيليّة أفضل ـ أبلغه أنّه لا يتحمّل خسارتكما معاً».

* البعض تنصت على اجتماع بين كلينتون وعرفات .. فجاءت إشارة الإبهام إلى أسفل

* استمع الرئيس إليّ ثم قال ببساطة، «مفهوم». طلب مقابلة عرفات بمفرده. وكان جمال موجوداً للترجمة. جاء عرفات بمفرده إلى أسبن. وقد انسحبنا من غرفة الجلوس إلى المطبخ. انضمّ إلينا روب وبروس في المطبخ ثمّ ذهبا إلى غرفة الخدمة. ومن الممر إلى غرفة الخدمة تمكّنا من الاستماع من خلال الشقوق في الباب المتأرجح الذي يفضي إلى غرفة الجلوس. في البداية لم أكن راغباً في حشر نفسي في ذلك المكان معهما. وبعد نحو ثلاثين دقيقة جاء روب وأشار بإبهامه إلى أسفل. لكنّه قال إنّ الرئيس يحاول جاهداً، فيميل على عرفات مواجهاً له تماما، ويؤشّر، ويتحدّث عما يراهن عليه، والأموال التي قد يتمكّن من جمعها من أجله، وعلاقتنا، وما يمكن أن يضيع، إلخ.

مازحت جون بودستا بأنّ عرفات قد يكون غير قادر على التوصّل إلى اتفاق. إنّه ثائر، وقد جعل من كونه ضحيّة شكلاً فنيّاً، ولا يمكنه أن يعيد تعريف نفسه في شخص عليه إنهاء المطالب وإنهاء النزاع بحقّ


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.260580

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالخميس يوليو 14 2016, 22:34

الحلقه الخامسه عشر 

اقترح الرئيس الأميركي بيل كلينتون أن يردّ عليه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مباشرة أو أن يرسل ردّه من خلال جمال مع أية أسئلة. الرئيس وجمال قدما عرفات إلى الخارج. وكانا متفائلين. وصف الرئيس الاجتماع قائلاً إنّه عندما عرض الأفكار في البداية على عرفات، كان ردّه الأوليّ بأن قال، «هذه أفكار أعدّها دنيس روس مع باراك». وردّ الرئيس بقوله، «تبّاً، لقد عملت جاهداً للتوصّل إلى هذه الأفكار، وإذا كنت لا تريدها فلن تصل إلى ما يدانيها». ثمّ مزح الرئيس بأنّه عمل كثيراً للوصول إلى فكرة الوصيّ، وكان جمال عاطفيّاً في محاولة تسويقها بقوله، «إنّني مستعدّ لتوقيعها بنفسي».
وحل بنا اليوم التاسع لم يوقظني أحد حتى الساعة السابعة والنصف صباحاً، كلّمني بروس قائلاً إنّ الرئيس (كلينتون) سيلتقي بعرفات في التاسعة، وسنعقد جلسة اطلاع مسبقة بعد نحو نصف ساعة. وأبلغني بروس أيضاً أنّ الأمور لم تمضِ بشكل جيّد أثناء الليل. وأوجز بأنّ الفلسطينيّين ردّوا في البداية على جمال بعدد من الأسئلة، بما في ذلك ما هو معنى الوصاية على الحرم، ولمن ستكون السيادة؟ وبما أنّ الفلسطينيّين ستكون لهم السيادة على 85 في المائة من حدودهم مع الأردن، هل ستكون السيطرة أو السيادة لإسرائيل على الـ 15 في المائة المتبقّية؟ وما معنى حلاً مرضياً لمشكلة اللاجئين. ولماذا ستحصل سبعة أو ثمانية فقط من الأحياء الخارجيّة على السيادة لا التسعة جميعاً؟ وماذا حلّ بالتبادل حجماً وقيمة بالإشارة إلى ضمّ 9 في المائة ومقايضة 1 في المائة؟ وعاد جمال بالأجوبة بعد أن عمل هو وروب وساندي عليها. ثمّ عاد الفلسطينيّون وقالوا بما أنّ الرئيس كلينتون بحاجة إلى الذهاب إلى آسيا، علينا أن نأخذ استراحة لمدّة أسبوعين يتشاور خلالها عرفات مع القادة العرب. وقاد ساندي ردّ المجموعة بأنّه لن تكون هناك استراحة، ونحن بحاجة إلى جواب على الأفكار الأميركيّة: هل تشكّل أساساً لإبرام اتفاق، نعم أم لا. وجاء الجواب «لا».

ذهلت لأنّني لم أوقظ. ولم توقظ مادلين أيضاً. اتصلت بوزيرة الخارجيّة لأبلغها ما حدث لكي تعلم قبل الذهاب إلى الاجتماع مع الرئيس. وقد غضبت بشدّة. فعدم إيقاظها أغضبها، أما عدم إيقاظي فقد جعلها متشكّكة. كيف يمكنهم وضع أجوبة من دون الرجوع إليك؟ ولم يكن لديّ ردّ.

كنت غاضباً، لكنّني كنت متفلسفاً أيضاً. لم أكن أعرف إذا ما كانت ردودي ستحدث فرقاً، وبخاصّة لأنّني أعرف أنّ باراك بعد أن ذهب إلى حدّ بعيد، يمكن أن يسحب كل شيء عن الطاولة إذا اعتقد أنّ الفلسطينيّين يأخذون الحدود الدنيا ويحاولون الحصول على المزيد منه. ومع ذلك كنت أعتقد أنّ بعض الأسئلة مثيرة للاهتمام، حتى بالصيغة التي طرحها بروس. فنظراً لمعرفتي بأنّ الفلسطينيّين سيرتابون بأنّ أي شيء نقدّمه لا بدّ أن يكون قد حصل على موافقة باراك، ولعلمي بأنّهم يريدون وضع بصمتهم على هذه الأفكار، فقد توقّعت أن تكون الأسئلة تكتيكاً من جانب البعض في وفد عرفات في محاولة للوصول إلى «نعم» أو على الأقل إعطاء شيء غير الردّ السلبيّ. فالأسئلة، مثل هل ستكون السيادة أو السيطرة لإسرائيل على الـ 15 في المائة من الحدود مع الأردن التي لن تكون فلسطينيّة، أو لماذا لا تصبح الأحياء الخارجيّة للقدس كلها تحت السيادة الفلسطينيّة، توفّر أساساً للبحث مع الفلسطينيّين. لكن علينا أن نستكشف إذا ما كانت مقاربة ذكيّة لجعل عرفات يمسك بالأفكار كأساس. سنقول إنّ لدى الفلسطينيّين أسئلة وإنّنا نتعامل معها، لكنّنا لن نردّ عليه إلا عندما يقبل الفلسطينيّون هذه الأفكار كأساس للتسوية، غير أنّ احتمال اختبار معنى الأسئلة الفلسطينيّة قد فقد في الظاهر، من دون أن أغلق عليه الباب.

لكن لا حاجة بي لأن أغضب من أحد، فغضب وزيرة الخارجيّة يكفي كلينا. فقد انفجرت في وجه ساندي، الذي ردّ بأنّه افترض أنّ مشاركة جمال تعني أنّ وزيرة الخارجيّة وأنا سنبقى على اطلاع. وكان تفسير جمال بأنّ ساندي حدّد من سيكون مشاركاً وأنّه يريد العمل بسرعة من دون توسيع الدائرة. وقد اعتذر روب ببساطة قائلاً إنّه كان يعلم بأنّ ثمة مشكلة ستقع. في هذه اللحظة كنت أقل انشغالاً بأنّني استثنيت من المشاركة وأكثر قلقاً على بقاء القمّة. غير أنّنا وصلنا إلى هنا، وقد رفض الفلسطينيون حزمة الأفكار كأساس للاتفاق. سألت عندما احتشدنا للاجتماع إذا كانوا قد فهمواّ أنّ أساساً لا تعني أنّ عليهم قبول كل شيء. وقال جمال إنّه أمضى كثيراً من الوقت وهو يشرح ما تعنيه كلمة أساس، ومع ذلك رفضوا.

* يوم أن فاجأنا عرفات بالقول غاضبا: ليست مطالبي فحسب بل مطالب إندونيسيا وباكستان وماليزيا

* اليوم التاسع التفت الرئيس إلي، باحثاً عن كلمات يمكن أن تحرك عرفات الآن. قلت يجب أن يعرف عرفات الآن أنك تشعر بأن باراك كان مستعدا للذهاب بعيدا وأنه لم يكن كذلك. لقد وعدته بأنك لن تلوم أحدا إذا لم تنجح القمة، لكن ذلك كان على أساس الافتراض بأن الجانبين سيبذلان جهودا صادقة. ولا يمكنك القول إن عرفات فعل ذلك. وبناء على ذلك، إذا انتهت القمة الآن، فسيتعين عليك أن تضع المسؤولية عليه علناً.

واقترحت أيضاً أن يبرز الرئيس نقطة شخصية ونقطة تاريخية أكبر. على الصعيد الشخصي، «أبلغه أنك فعلت من أجل عرفات أكثر مما فعل أي شخص آخر دوليا، وأنك ذهبت الآن إلى أبعد مما كنت تعتقد أنه ممكن لإنتاج اتفاق شريف للفلسطينيين. وأنك لن تبذل مزيدا من الجهود لصالحه».

وعلى الصعيد التاريخي، عليك أن تضع ما يحصل الآن في سياق أوسع حيث يرفض الفلسطينيون دائماً ما كان يجدر بهم أن يقبلوه: «أبلغ عرفات بأنه ليس هناك أي عضو واحد في وفده إلا ويعتقد بأن قول «لا» في سنة 1948 كان خطأ تاريخيا من قبل الفلسطينيين; لقد أبلغنا عرفات نفسه بأنه منع من قبل السوريين والسوفيات من قبول اتفاق كمب ديفيد الأصلي في سنة 1978 عندما كان هناك 5000 مستوطن في الضفة الغربية فقط وكان بوسع الفلسطينيين رفض وجود المزيد منهم; فلا تدع الجيل التالي من الفلسطينيين يندم على «لا» تاريخية أخرى تتركهم في حالة أسوأ بكثير». وختمت بالقول، سيدي الرئيس، أبلغ عرفات أنه في سنة 1948 «لم يكن بوسعك عمل شيء; وفي سنة 1978، منعت من التصرف; واليوم القرار عائد لك».

قال الرئيس إنه يدرك ما الذي سيفعله. واقترح ساندي أن تنضم وزيرة الخارجية إلى الاجتماع مع عرفات وأن أذهب أنا وهو لمقابلة باراك في هذه الأثناء لإطلاعه على ما حدث.

مع باراك تدفقت كل مشاعر اجتماعه مع كلينتون في الليلة الماضية: «لم يكن عرفات جادا قط، لم يكن شريكا البتة». وليس من الناحية السياسية في إسرائيل خيار سوى تشكيل حكومة وطنية، رغم أنه قد يكون ضعيفاً جدا لأنه سيتهم بتعريض البلد للخطر بتنازلاته. إذا لم يكن عرفات مستعدا لقبول أفكاره كأساس، فإن المواجهة محتومة.

وعندما استكشفت احتمال اتفاق محدود يتكون من اتفاق على الدولة فقط ثم التفاوض على ما تبقى من قضايا ـ الحدود والمستوطنات والأمن واللاجئين والقدس ـ باعتبارها متساوية من الناحية القانونية، كان باراك جازماً بقوله، «لا مجال لذلك». لا يمكنني حمله على النظر في بديل عن المواجهة أو إعطائي تفسيراً لسبب رفضه «دولة من أجل استمرار التفاوض على النتيجة».

أعدنا التجمع في أسبن وسمعنا عن اجتماع الرئيس بعرفات. لم يتزحزح عرفات، وأبلغني الرئيس أنه «عبّر ببساطة عن المقولة بشأن 1948 والآن». ولم يتفاجأ الرئيس برد فعل باراك، فكلينتون يشعر الآن بأن لدى باراك ما يبرر شعوره على هذا النحو. وقبل أن يقرر إنهاء القمة، رأى كلينتون أن علي الانضمام إلى مادلين وإجراء محاولة أخرى مع عرفات، إما لمعرفة إذا ما كان بوسعنا تحريكه بشأن أفكار الرئيس، وإما لحمله على قبول وضع اتفاق على كل القضايا وتأجيل القدس.

في كوخ عرفات، وقد انضم إليه صائب ونبيل أبي ردينة فقط، قال رئيس السلطة لا للخيارين. وفي أثناء إبلاغه أن عليه أن يجد طريقة ليقول نعم، قلت، «لنكن أكثر دقة. ماذا إذا تمكنا من وضع اتفاق بشأن كل شيء، بما في ذلك معظم قضايا القدس، ولكن أجلنا الحرم والمدينة القديمة فقط؟ هل تحتفظ بمواقفك بشأنهما، ولا تتخلى عن مطالبك ويمكن أن تتواصل المفاوضات؟».

قال لا ثانية; وعندما سألته ما الذي يخسره بهذه المقاربة، غضب قائلاً إنها ليست مطالبه فحسب، بل «مطالب إندونيسيا وباكستان وماليزيا»، قاطعته مادلين قائلة إنه «ينسف الأمر»، وإنه لم يفعل شيئاً هنا للوصول إلى اتفاق. انفعل عرفات كثيراً، وسألها إذا كانت تحب أن تسير في جنازته، ماذا عن رسالة الضمان التي أرسلتها بشأن الحرم في شرم الشيخ؟ لم تلتزمي بضماناتك. لم يكن ذلك استنتاجاً منطقياً، لكنه كان غاضباً الآن وكذلك كانت وزيرة الخارجية.

حاول صائب التدخل، قائلاً إنه قد تحقق تقدم كبير، «فلنواصل التفاوض. إننا بحاجة إلى مزيد من الوقت. فيتوجه دنيس إلى المنطقة لمدة أسبوعين». فقالت مادلين، لقد اكتفينا بألاعيبكم، وخرجت غاضبة.

تبعت مادلين إلى خارج الغرفة لكنني لم أغادر الكوخ. جاء صائب إلي وناشدني عدم التخلي عن الأمر. وفي نبرة أسف، لا غضب، أوضحت أن الرئيس قد ذهب إلى أبعد ما يستطيع; فإذا لم يكن الفلسطينيون مستعدين لقبول ما عرضه الرئيس كأساس، يمكنهم فقط إنقاذ القمة بإثارة بعض الأفكار الجديدة مع الإسرائيليين مباشرة. وبدون ذلك، «ينتهي العمل».

* آخر المحاولات مع الحرم.. سيادة فوق الأرض للفلسطينيين وتحتها للإسرائيليين

* لم أكن أحاول التلاعب بصائب. كانت القمّة توشك على الانهيار. لقد بذل الرئيس أفضل ما بوسعه، وكذلك فعل باراك الآن. وقال عرفات لا لكل شيء. وناشدت صائباً إنقاذ الوضع بعرض فكرة جديدة يمكن أن تقنع باراك ـ أو الذين حوله على الأقل ـ بأنّ كل شيء لم يذهب هباء.

سأل صائب، ماذا لو أصبحت الأحياء الداخليّة مناطق (أ)؟ ولكي أسبر أغوار تفكيره، سألته لماذا يجد الإسرائيليّون ذلك أمراً مثيراً للاهتمام؟ وأجاب لأنّ ذلك يعني الآن أن نحصل على «الولاية القانونيّة لا السيادة». فاقترحت أن يجرّب ذلك مع الإسرائيليّين. استمع ثمّ سأل إذا كان لديّ أي فكرة أخرى. أجبته، الكرة في ملعبكم يا صائب، وليس في ملعبنا. لن يقبل الرئيس أي أفكار ما لم تصدر منكم. أومأ برأسه، لكنّه سأل ثانية، «هل لديك أفكار أخرى»؟ كان صائب مثلي يبحث عن أي احتمال. لذا أبلغته، لمَ لا تحاول ما يلي بالنسبة للحرم والأحياء الداخليّة. بالنسبة للحرم، يحصل الفلسطينيّون على السيادة فوق الأرض، وتكون السيادة تحت الأرض للإسرائيليّين; أنتم تحتاجون إلى السيادة على السطح، وهم بحاجة إليها تحت الأرض حيث كان الهيكل. وبالنسبة للأحياء الداخليّة، لماذا لا يكون هناك استفتاء لتحديد الوضع بعد عشر أو خمس عشرة سنة. بهذه الطريقة يستطيع الإسرائيليّون القول إنّهم حافظوا على السيادة، ومع ذلك يستطيع الفلسطينيّون أن يشعروا بأنّهم سيحصلون عليها في نهاية المطاف. وقلت إنّ كلاً من هاتين الفكرتين يمكن أن تلبّي الاحتياجات الأساسيّة للجانبين، لكّني أطرحهما عليك كطرق محتملة للخروج من المأزق; لا تقدّمهما على أنّهما من أفكاري، لقد نفد صبر الرئيس وهو غير مستعدّ لأن نعرض مزيداً من الأفكار.

استمع صائب لكنّه لم يردّ، وتركته وغادرت إلى أسبن. كان الرئيس ) كلينتون) جالساً حول الطاولة مع ساندي ومادلين وجون بودستا. وصفت حواري مع صائب، وذكرت فكرته بالنسبة للأحياء الداخليّة وأشرت إلى أنّ ذلك يبيّن أنّ لدى الفلسطينيّين بعض الأفكار.

لم أكن مستعدّاً للاستسلام. فاستشهدت بكلمات الرئيس إلى أبو علاء في وقت سابق من هذا الأسبوع، «لنقنع أنفسنا بأنّنا فعلنا كل ما يمكننا عمله»، واقترحت بأن يستقبل الرئيس واحداً من كل جانب ليرى إذا كان يمكن وضع أفكار جديدة على الطاولة يمكن أن تنقل إلى باراك، وبعدها يجمع الرئيس باراك وعرفات معاً. كانت مادلين الوحيدة التي دعمت ذلك لشعورها بعدم وجوب إنهاء القمّة من دون أن يعقد الزعيمان اجتماعاً جوهريّاً جادّاً.

قال الرئيس إنّ ذلك معقول، لكنّه يريد أولاً أن يجري اتصالات بالرئيس مبارك، ووليّ عهد المملكة العربيّة السعوديّة الأمير عبد الله، والملك عبد الله عاهل الأردن، والرئيس التونسيّ بن علي. وكان يأمل أن يؤثّروا على عرفات. ونظراً لحساسيّة باراك من كشف ما كان مستعدّاً للقبول به، لم يكن الرئيس سيطلعهم على الأفكار التي قدّمها إلى عرفات. بدلاً من ذلك، كان سيطلب منهم الضغط على عرفات لتأجيل القدس ومحاولة حلّ كل شيء آخر. وفي حين كنت أشكّ في نجاح ذلك، كان ساندي يعتقد أنّها الطريقة الوحيدة لإنقاذ القمّة.

أمضينا الساعات التالية جالسين في أسبن بانتظار إجراء المكالمات. وفي حين قال كل القادة العرب إنّهم سينظرون فيما يمكن أن يفعلوه، وحدهما الملك عبد الله والرئيس بن علي كانا راغبين في المساعدة بالفعل. وقال كل منهما إنّه سيتصل بعرفات ويحثّه على قبول التأجيل. وأبلغ بن علي الرئيس بأنّ عرفات خائف جدّاً من اتخاذ قرار وأنّه قد يكون بحاجة إلى مزيد من الوقت. في الواقع، بدا الوفد الفلسطينيّ شديد اليأس والخوف في هذه المرحلة، يريدون منّا أن ننقذهم لكنّهم غير قادرين على فعل أي شيء من تلقاء أنفسهم. وكانت الفكرتان اللتان أعطيتهما إلى صائب حبلي نجاة لم يتمسّكا بهما.

ذهب يوسي غينوسار إلى كوخ عرفات ووجده جالساً بمفرده، مشلولاً ويائساً. أبلغت ذلك إلى الرئيس، وتقرّر أن يذهب الرئيس لمقابلة عرفات وأن يجري محاولة أخيرة ليرى إذا كان سيقبل خيار التأجيل. وقد قابله لكنّه لم يصل إلى أي نتيجة ، بل إنّه سمع هذه المرّة خرافة فظيعة جديدة، «لم يكن هيكل سليمان في القدس، بل في نابلس». كان عرفات يتحدّى جوهر العقيدة اليهوديّة ويسعى إلى إنكار أي مطلب لإسرائيل في المدينة القديمة.

قرّرنا أن يتحدّث الرئيس إلى باراك لثنيه عن جعل المواجهة المسار المحتوم. فهناك بالطبع خيار بين السلام الكامل ومسار المواجهة الحتميّ. سمعنا أنّ باراك توجّه إلى لوريل لتناول الطعام، فتوجّهت أنا ووزيرة الخارجيّة إلى هناك. وقد جلستْ مع باراك وبدأت العمل عليه، وحثّته على استمرار العمليّة وعدم إيصالها إلى نهاية صداميّة. وبعد ذلك وصل الرئيس وجلس بمفرده مع باراك أكثر من نصف ساعة (أبلغنا الرئيس لاحقاً أنّه قال لباراك: «أنت أذكى مني، أنت متمرّس في الحرب، وأنا غير متمرّس فيها. غير أنّني أكثر خبرة منك في السياسة وهناك أشياء كثيرة تعلّمتها. وأهمّها ألا تحشر خصومك وألا تحشر نفسك; اترك دائماً لنفسك مخرجاً. لا تحبس نفسك في خيار خاسر»).

فيما كان الرئيس مجتمعاً بباراك، جاءني حسن عصفور بشكوى واقتراح. أولاً أبلغني حسن بما كنت أتوقّعه: «لقد ارتكبتم خطأ كبيراً بعدم أخذ أسئلتنا بشأن ما قدّمه الرئيس إلى عرفات». كان عليكم أن تتناقشوا معنا بشأن الحدود وعدد أحياء القدس التي تحصل على السيادة وأفكاركم بشأن اللاجئين. «إنّنا نعرف أنّ هذه أفكار إسرائيليّة وكانت تلك طريقتنا في التعامل معها. إنّكم تعرفوننا فلماذا لم تفهموا ذلك»؟ وعندما لم أردّ، تابع قائلاً، حسناً، لم تلتقطوا طريقتنا الأوليّة في التعامل مع الأفكار، إليك طريقة أخرى لعمل ذلك: ليتعامل المجتمع الدوليّ مع مسألة السيادة على الحرم/جبل الهيكل وتعاملوا مع بقيّة الأفكار كأساس.

في حين أنّ ذلك قريب من خيار التأجيل، لكنّه في الواقع أكثر إثارة للاهتمام. فهو يحافظ على الحزمة بأكملها لكنّه يدوّل السيادة على قضيّة الحرم/جبل الهيكل الحسّاسة. كنت أعرف أنّ باراك قد يقاوم ذلك على أساس أنّه لا يعطيه ما يريد بشأن جبل الهيكل، لكنّه يقدّم تنازلات أساسيّة في كل شيء آخر. ومع ذلك، كانت طريقة خلاقة لنزع فتيل أصعب القضايا. أبلغت حسناً بأنني سأنظر فيما يمكنني أن أفعل.

أبلغت الرئيس عن حواري بعد أن فرغ من الحديث مع باراك. ووافق أن أحاول جسّ نبض باراك بشأنه، وقد فعلت. لم يعجب باراك بذلك كما كنت أتوقّع، فهو غير مستعدّ لأن يسلّم بكل شيء آخر إذا لم يحصل على السيادة الاسميّة على جبل الهيكل على الأقل. ومع ذلك قال إنّه سيفكّر في الأمر.

بعد قليل من حوارنا، اتصل بالرئيس واقترح، وكما اكتشفنا لاحقاً، المقاربة التالية: يبقى الجانبان في كمب ديفيد فيما يتوجّه الرئيس إلى قمّة الدول الثماني. وتجرى مباحثات ثنائيّة بين الجانبين إلى أن توضع الصيغة المطلوبة; وعندما يتمّ التوصّل إليها، يتمّ التباحث الرسميّ ثانية على أن تكون أفكار الرئيس هي الأساس. وافق الرئيس على ذلك وقال إنّه سيعرضه على عرفات.

جرت المكالمة فيما كنت لا أزال في كوخ باراك أتحدّث إلى أمنون وعوديد. لم يكن أي منّا يعرف أنّ ذلك ما سيحدث، لكنّهما أبلغاني بأنّ الوفد بأكمله تقريباً يعملون على باراك لكي يبقى يوماً آخر على الأقل. فلم يكن أحد يرغب في الإسراع نحو المواجهة.

جئت أبلغ عن هذا الحوار، وأطلع الرئيس فريقنا بعبارات عامّة على حديثه مع باراك. وقد حان الوقت لمقابلة عرفات، لكن أصرّ ساندي قبل أن نفعل ذلك على أنّنا بحاجة إلى تعهّد باراك بالبقاء طيلة مدّة غياب الرئيس ـ «ستكون كارثة إذا أمضى باراك الليل وغادر بعد رحيل الرئيس». ونزولاً عند إلحاح ساندي، اتصل الرئيس بباراك وقال إنّه يوشك على الذهاب لمقابلة عرفات لكنّه بحاجة إلى ضمانة من باراك بأنه سيبقى إلى حين عودة الرئيس، فوافق باراك.

قابل الرئيس عرفات وأبلغه بأنّه أقنع باراك بالبقاء لحين عودته من آسيا والسعي إلى مباحثات ثنائيّة إلى أن يتمّ التوصّل إلى صيغة بشأن الحرم. وقال الرئيس إنّ الإسرائيليّين «سيتشدّدون» في كل شيء ما لم يتم التوصّل إلى الصيغة. وكانت تلك طريقة غير منضبطة لوصف ما اتفق عليه مع باراك، لكنّها كانت متوافقة مع الطريقة التي وصف بها حواره معه.

لكن الرئيس في وصفه للحوار بهذه الطريقة لم يشر للأسف إلى «أفكاره» ـ ما قدّمه إلى عرفات ورفضه الفلسطينيّون ـ على أنّها أساس كل شيء سوى الحرم. كنت حاضراً أثناء الاجتماع مع عرفات لكنّني لم أجد سبباً لصقل ما قاله الرئيس. غير أنّ الارتياح الفلسطينيّ بدا واضحاً لأنّ القمّة لن تنتهي.

* ما قبل احتضار القمة.. نعمان مقيدتان

* اليوم الثالث عشر كان من المقرر أن يعود الرئيس كلينتون في المساء الباكر، فبدأت نهاري بالتركيز على كيفيّة تقديم تحسينات على أفكارنا. كنت أعرف من شلومو وآخرين في الفريق الإسرائيلي أن بوسعهم اجتياز «الميل الإضافي» إذا كان لديهم «الذخيرة» التي تبرر القيام بذلك. ومفتاح ذلك الحصول على «نعم» كافية من عرفات للرجوع إلى باراك والقول إننا عدنا إلى العمل.

كان جورج تنيت قد قابل عرفات وشعر بأنه حصل على نعم مقيدة منه بشأن أفكار الرئيس. لكن عندما وصف ما قاله عرفات، كان بوسعي أن أرى «التقييد» لكنني وجدت صعوبة في رؤية «النعم». قال عرفات نعم شريطة حصوله على الحي الأرمني في المدينة القديمة والتجاور والسيادة في كل الأحياء الداخلية. ومن المؤكد أن يفسر باراك ذلك على أنه «لا».

لكن باراك بدّل عندئذ الإشارات. فقد طلب مقابلة مادلين وأنا معها، وأبلغنا أنه وجد بعد كثير من التأمل أن عليه التراجع. فقد شعر أنه لا يستطيع تنفيذ ما اقترحه الرئيس من قبل. بإمكانه منح المزيد بشأن السيادة على الأحياء الداخلية، لكنه لا يستطيع أن يمنح أي شيء سوى نظام خاص للمدينة القديمة. بعبارة أخرى، السيادة خارج أسوار المدينة المقدسة ممكنة، وغير ممكنة داخل الأسوار.(كل الإشارات للأحياء، والمدينة هنا المقصود بها القدس.. الإيضاح من الشرق الأوسط).

فجأة أصبح لدينا «نعمان» كبيرتان مقيدتان، وما من سبيل سهل للتوفيق بينهما. هل نعترف بالفشل أم نحاول ضرباً آخر من الإجراءات؟ قررت انتقاء الخيار الأخير واقترحت أن يرسل كل جانب مفاوضاً أو اثنين للقاء الرئيس مع تفاهم بأن يأتوا بدون الخطوط الحمر وخطاباتها ليستعرضوا كل قضية. وستسمح لنا هذه المقاربة بلورة الاختلافات الجوهرية وتحديد طريق للتوافق في كل قضية، ووضع كل قائد في موقف تقرير إذا ما كان يقبل أفكار جسر الهوة التي يطرحها الرئيس.

عندما اقترحنا هذه المقاربة على كل قائد، حتى قبل مجيء الرئيس ـ وافق الاثنان بدون تردد. كان مزاج باراك قد تحسن كثيراً، وأوحى لي بأنه فكر الآن ملياً في كل شيء وأنه مرتاح إلى موقفه الجديد.

أطلعنا الرئيس على ما حصل عند عودته، وأعجب بفكرة جلوسه مع مفاوض أو اثنين من كل جانب ومراجعة القضايا واحدة بعد أخرى. لم نتدخل بقوة في المناقشات الأمنية إلى أن جاء جورج إلى كمب ديفيد. فقررنا البدء بالأمن معتقدين أننا قد نحقق تقدماً ونبني بعض الزخم.


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.260802

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالخميس يوليو 14 2016, 22:35

الحلقه السادسه عشر 

تواصلت الاجتماعات غير الرسمية بين الجانبين، وكان أمنون ورشيد، على وجه الخصوص، يبحثان كل القضايا. لم نكن جزءاً من هذه المباحثات لاعتقادنا بأنهم قد يكونون منفتحين أكثر بعضهم على بعض إذا لم يكن هناك «شاهد» أميركي حاضراً.
وصل جورج تينيت في الصباح. وكان جاهزاً ومنتظراً وعلى استعداد للمجيء إذا كان هناك حاجة إليه. وقد طلب دحلان والجنرال شلومو ياناي على السواء حضوره، وأبلغاني أنه قد يساعد في حل القضايا الأمنية. ذهبت لإطلاعه على المكان الذي وصلنا إليه وما هو الموضوع على الطاولة. وقد ذهل بما كان باراك مستعداً للقبول به. وتساءل هو ايضاً إذا ما كان باراك قادراً على تنفيذ ما قبل به، وسأل وهو لا يكاد يصدق، «لماذا لم يقبل عرفات بذلك؟».

قلت إنني غير واثق، لكن هناك عدة احتمالات. الحرم مشكلة حقيقية بالنسبة لعرفات وهو لا يستطيع حقاً حتى القبول بسيادة اسمية عليه. أو يمكن أن يكون ذلك تكتيكاً، حيث يحجم ليرى ما يمكن أن يحصل عليه من مزيد، وسيواصل لعب ذلك إلى أن يقتنع بأنه وصل إلى الحائط في النهاية; أو قد لا يكون في النهاية قادراً على ذلك. فقد لا يكون قادراً على القبول بأي شيء إلا إذا حصل على كل شيء. وقد يكون إنهاء النزاع كبيراً عليه. فهو يتطلب الكثير من إعادة تعريف الذات. وأبلغته أن عرفات معروف بالفعل بصورة النضال وحقيقته. فهل يستطيع حقاً إنهاء المظالم والمطالب والقول إن كل شيء انتهى الآن؟ كانت لدي شكوكي، لا سيما بالنظر إلى أدائه في القمة «فنحن لا نسمع منه شيئاً سوى الخرافات القديمة والآن خرافة جديدة. «هل تعلم أن الهيكل لم يكن موجوداً في القدس ولكن في نابلس»؟

هزّ جورج رأسه وسأل، «ما الذي تريدني أن أفعله معه؟» قلت من الواضح أن علينا التركيز على ما سيخسره. لكنني تابعت قائلاً، أعتقد أن علينا تجربة قليل من علم النفس العكسي «حان الوقت لممارسة قليل من الجوجيتسو (أسلوب ياباني في الدفاع عن النفس يهدف إلى تحويل وزن الخصم وقوته إلى عبء عليه ـ الإيضاح من «الشرق الأوسط»).

واقترحت أن يتحدث جورج إلى عرفات عن مزاج باراك. أبلغه الحقيقة: إن باراك يعتقد بأنه قد ذهب إلى حد بعيد، ولعله الآن يعتمد على عرفات بأن يقول لا لكي يتراجع عما كان مستعداً للقبول به مع الرئيس. قل لا الآن فتنقذ باراك من مأزقه. قل نعم فتحشره في الزاوية. فقال جورج إنّه سيحاول ذلك.

كانت خطة اليوم تقضي بأن يقابل جورج عرفات، وبعد ذلك تأخذ وزيرة الخارجية عرفات إلى مزرعتها التي تبعد نحو عشرين إلى خمس وعشرين دقيقة. وسبب اصطحاب عرفات إلى الخارج أن باراك أشار إلى رغبته في زيارة ميدان معركة غتيسبيرغ (يقع كمب ديفيد في غرب ميريلاند قرب حدود الولاية مع بنسلفانيا، وعلى بعد أقل من ساعة عن غتيسبيرغ). ونظراً للقواعد الأساسية التي تقضي بعدم مغادرة القادة، لم يكن بوسعنا السماح لباراك بالمغادرة ما لم يسمح لعرفات أيضاً بمغادرة كمب ديفيد لفترة من الزمن. وقد رأينا أن من الأفضل للجميع السماح لباراك بالمغادرة بسبب مزاجه.

* بعد فشل القمة: أبو عمار مرتاح في العلن وليس في داخل نفسه

* في النهاية، عاد ياسر عرفات إلى غزة بعد القمة واستُقبل استقبال الأبطال. فقد واجه الرئيس وواجه باراك، ودافع عن حقوق الفلسطينيين ولم يقبل بالإملاءات، أو هذه هي الصورة التي سعى هو ومن حوله إلى الترويج لها. وطالما دعم الفلسطينيون الفكرة القائلة إن عليهم عدم التنازل عن حقوقهم. أما عرفات الذي كان دائماً رمزاً للتحدي - الرمز الذي غالباً ما كان القوة الدافعة للتحرك الفلسطيني - فقد كان مرتاحاً في العلن لكنه لم يكن كذلك في سرّه.

على الرغم من الشكل العلني لهذا التحدي، بدأت أتلقى اتصالات من كافة المحيطين بعرفات، رشيد، دحلان، عريقات، أبو ردينة، يقولون لي فيها بأن الرئيس يدرك أن تقدماً كبيراً قد تم إحرازه وأنه لا بد من عقد قمة أخرى. علينا أن نبدأ بالتخطيط لذلك الآن. متى ستعود إلى المنطقة؟ يمكننا البدء ببذل جهودنا حالما تأتي.

لم أكن أنوي الكشف عن ذلك. فقد يسود اعتقاد بأنه لا يزال في وسعنا التوصل إلى اتفاق، لكنني بتّ مقتنعاً بأنه يتعين علينا تغيير طريقة تعاملنا مع الفلسطينيين. يتعين عليهم الآن إثبات أنهم على مستوى مهمة صنع السلام. قلت لرشيد: «أخبر رئيس السلطة الفلسطينية بأنه يحلم. لقد أفرغنا للتو كل ما لدينا. لقد كشفنا الرئيس أمام العالم ولم نتوصل إلى شيء. لا يمكننا استغلال سلطة الرئاسة وهيبتها وهيبة الولايات المتحدة في فشل كبير آخر. فالرئيس بات مقتنعاً بأن عرفات غير قادر على اتخاذ قرار ينهي به النزاع. وإذا كنت تريد إقناع كلينتون بوجوب عقد قمة أخرى، وإذا كنت تريد إقناعي بضرورة الدفاع عن هذه الفكرة، يتعين على عرفات إثبات أنه مستعد للتوصل إلى اتفاق، وإثبات أنه سيعمل على إنهاء كل شيء. افعلوا ذلك مع الإسرائيليين الآن بحيث يصبح الاتفاق جاهزاً وليس بحاجة إلى أكثر من صياغة رسمية».

في بداية آب/أغسطس، لم أجد صعوبة في أن أتجنب الفلسطينيين بطريقة ودية. فقد كان الرئيس مشغولاً بالتطورات السياسية المستجدة في الولايات المتحدة: نجح مؤتمر الحزب الجمهوري بشكل غير عادي في تعزيز صورة جورج دبليو بوش «كمحافظ متحمس» ـ وفقاً للاتجاه السائد للمواقف في البلاد ـ وكقائد يتعامل مع قضاياه بشكل مباشر وقادر على «إعادة» الهيبة إلى منصب الرئاسة، والذي سيضع حداً لسياسات عهد كلينتون السامة. وكان الرئيس كلينتون يتطلع إلى مؤتمر الحزب الديمقراطي حيث ستتسنى له فرصة إظهار الحقيقة بشأن نجاحه في توليه منصب الرئاسة، مع أن نائبه غور لم يكن يرغب في أن يلعب الرئيس دوراً كبيراً (وحتى قبل مؤتمر الحزب الديمقراطي، نجح نائب الرئيس في الحد من اندفاع بوش بإظهار أن بوسعه القيام بما هو غير متوقع، شيء يعيد رسم صورته، عندما اختار السناتور جوزيف ليبرمان، اليهودي الأرثوذكسيّ، لكي يخوض معه الانتخابات كنائب للرئيس).

وفي حين كنت أشعر بقليل من الضغط في آب/أغسطس لكي أتجاوب أكثر مع الفلسطينيين، فإن مناشداتهم لي لكي أزور المنطقة بدأت تتزايد مع إلحاح بعض الإسرائيليين علي أيضاً بضرورة المجيء. تمسكت بموقفي معهم أيضاً، لا سيما لأنني علمت بأنهم أجروا محادثات مع الفلسطينيين وأنهم سيواصلون هذه المحادثات. ومع أن معظم المفاوضين الإسرائيليين كانوا غاضبين من عرفات ويريدون منا ممارسة ضغوط عليه، فقد شعروا بالضغط هم أنفسهم ـ لأن بعضهم كان يعتقد بأن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين هو السبيل الوحيد لبقاء حكومتهم، ولاقتناع بعضهم بأن الفرصة التاريخية لإنهاء الصراع ستضيع في حال سقطت حكومتهم أو تغيرت تشكيلتها.

استمر باراك في إثارة الضجيج بأنه سيلجأ إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مع أرييل شارون، وهو احتمال مدفوع بأن حكومة باراك أصبحت حكومة أقلية بعد انسحاب حزب شاس من الوزارة في تموز/يوليو. وكان على باراك توسيع قاعدة حكومته عاجلاً أو آجلاً لكي يضمن بقاءها، وهي عملية تتطلب إيجاد قضية مشتركة تجمعه مع أولئك الذين يُعرف عنهم عدم استعدادهم للتنازل إلى الفلسطينيين ويعتبرون عملية السلام بمثابة لعنة.

كان معسكر السلام يسيطر على وزارة باراك الحالية، وخشيت من أن يصل شعورها بالإحباط إلى عرفات. لأن ذلك إذا حصل فسيحجم عرفات بانتظار أن يقوم الإسرائيليون أو نحن بالاقتراب ثانية منه أكثر. أردت أن لا نقوم بشيء ـ بحيث يدرك عرفات بأن الخطوة التالية يجب أن تأتي منه.

في 9 آب/أغسطس، أرسل عرفات (بعد إلحاح من المحيطين به دون شكّ) رسالة إلى الرئيس يقول فيها أنه سينشئ قناة سرية مع الإسرائيليين لمناقشة مسألتي القدس والأمن. وعندما تصل المناقشات إلى مرحلة يصبح فيها الاتفاق ممكناً، فإنه سيلجأ إلى الرئيس ويطلب منه التدخل.

كانت هذه القناة السرية تلتقي يومياً تقريباً طوال شهري آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر، حيث بحثت مقاربة عملية لكل الأحياء في القدس الشرقية والمدينة القديمة. ما القانون الذي سيطبق في كل حيّ؟ كيف سيتم تنسيق الإجراءات الأمنية؟ كيف ستبقى المدينة موحدة حتى بعد تولي المسؤوليات الوظيفية في الأحياء المختلفة؟ كان جلعاد شير وإسرائيل حسون (نائب المدير العام لجهاز الشين بيت) من الجانب الإسرائيلي، وصائب عريقات ومحمد دحلان من الجانب الفلسطيني يتعاملون مع هذه المسائل وغيرها بطريقة منهجية. وقد حققوا تقدماً في هذه المسائل العملية المتعلقة بالقدس، لكن سرعان ما عجزوا عن إحراز أي تقدم في المسائل الأمنية، حيث اختلفوا بشأن ما اتفق عليه في كمب ديفيد.

أدى ذلك إلى إصرار الإسرائيليين على أن نجلس، بوصفنا الحافظين للسجلات، مع كلا الطرفين ونعمل كحَكَم في تثبيت الخطوط الأساسية الجديدة لكمب ديفيد. كنت مرتاباً بشأن القيام بذلك، لأنه سيعفي عرفات ومفاوضيه من عبء التصرف من تلقاء أنفسهم.

ومع ذلك، فإن عدم رغبتنا عموماً في رفض طلبات الإسرائيليين جعل الرئيس ومادلين وساندي يلحون علي كي أزور المنطقة وأشارك في القناة الخاصة. استجبت لطلبهم بعد أن أوضحت أن أقصى ما يمكنني فعله في تلك اللقاءات هو تلخيص ما تفاهمنا عليه في كمب ديفيد ـ وهي مفاهيم ليست متقدمة بالقدر الذي أراده جلعاد، لكنها ليست محدودة بالقدر الذي اقترحه دحلان.

* أسرار آخر الجهود لإخراج كامب ديفيد من غرفة الإنعاش

* في قضيّة الأرض بوجه خاص، اقترحت أننا قد نكون قادرين على حمل إسرائيل على القبول بضمّ 8 في المائة في نهاية المطاف وسنرى إذا ما كان بوسعنا الضغط عليهم لتجاوز نسبة 1 في المائة للمقايضة التي قبلوا بها في كامب ديفيد، أي أنني أشير إلى أن الفلسطينيين سيحصلون على 93 إلى 93.5 في المائة من الأراضي مقابل نسبة 92 في المائة التي عرضت في كامب ديفيد. (المؤلف يتحدث هنا في الباب قبل الأخير من كتابه وقد حمل اسم حل العقدة من كامب ديفيد الى الانتفاضة الى أفكار كلينتون، والوارد من المؤلف هنا جاء ضمن فصل باسم : لقاءات نيويورك ومبادرة أميركية جديدة ، وهي اللقاءات التي عقدت بين وفدي التفاوض الإسرائيلي «شلومو وجلعاد» والفلسطيني «دحلان ومحمد رشيد وعريقات» متزامنة مع قمة الألفية بنيويورك ..الإيضاح من «الشرق الأوسط») وبشأن القدس، قلت إنّني أعتقد بأن على الإسرائيليين القبول بالسيادة الفلسطينية في الأحياء العربية خارج المدينة القديمة، أي الأحياء الداخلية التابعة للبلدية. وهذا يتجاوز ما طُرح في كامب ديفيد، حيث عُرض حصول الفلسطينيين على السيادة في المناطق الخارجية فقط ـ غير المجاورة للمدينة القديمة المسوَّرة.

وفي ما يتعلّق بالحرم، قلت إنّ الكرة في ملعبكم ـ وفكرة تولّي منظمة المؤتمر الإسلامي لا يمكن أن تكون نقطة انطلاق. وأخيراً، بخصوص اللاجئين، قلت إن الإسرائيليين ليسوا مستعدين للقبول «بحق العودة» إلى إسرائيل تحت أي ستار. فحق العودة إلى دولتكم منطقي تماماً، أما حق العودة إلى إسرائيل فمعناه أنكم لا تؤمنون بحل يقوم على وجود دولتين.

وأضفت بأن هناك عدداً من الخطوات التي يمكننا اتخاذها لإعطاء الفلسطينيين غطاء لهذه القضية. يمكننا أن نشير في النصّ إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 ـ وهو المرجع الفلسطيني بشأن اللاجئين. ويمكننا إنشاء صندوق دولي كبير لتعويض اللاجئين وللمساعدة في إعادتهم وإعادة توطينهم وإعادة تأهيلهم. ويمكننا الضغط على الإسرائيليين لكي يقبلوا بعودة عدد محدود من اللاجئين لأسباب إنسانية والتأكّد من منح الأولوية لمثل هذا القبول للاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان. لكن في النهاية لن يحصل الفلسطينيون على حقّ العودة إلى إسرائيل.

لم يكن النقاش سهلاً في البداية مع صائب أو محمد دحلان، فقد رأيا أنّ ما أصفه هو الحدود الإسرائيلية الدنيا التي تستبعد التوصل إلى اتفاق. وأنّني في الواقع أجادل دفاعاً عن المواقف الإسرائيلية التي كانت ترفض إعطاء الفلسطينيين ما يحتاجون إليه لتسويق الاتفاق: استقلال لا لبس فيه، وسيادة على الحرم، وحل عادل لمشكلة اللاجئين.

كان ردّي قاسياً: فقد ركّزوا على حاجاتهم بغية استبعاد حاجات الإسرائيليين. وقد استمعوا إليّ وأنا أتجاوز ما عُرض في كامب ديفيد، وبوسعهم أن يروا شيئاً عن القدس يذهب أبعد مما اقترحه صائب في مؤتمر كامب ديفيد بمنح الوضعية «أ» للمناطق الداخلية. وإذا ما استمروا في التمسك بمواقفهم، فلست أرى سبباً لكي نقدم اقتراحاً لأنّه لن يتم التوصل إلى اتفاق.

على غرار شلومو وجلعاد، كانوا يريدون اقتراحاً أميركياً، إذ لا يمكن التوصل إلى اتفاق إلا إذا كان على كل طرف أن يردّ على اقتراح أميركي.

قلت لهم، إذا كان هذا هو المطلوب، «ساعدوني في بناء اقتراح. صحيح أنه لن يتضمن كل شيء تريدونه، ولكنه لا بد سيستجيب لما يحتاج إليه كل منكم. وإذا كنتم تعتقدون بأن ما قلته مستحيل قبوله بالنسبة إليكم، فإني لا أرى سبباً للاستمرار بهذه الجهود».

عند هذه النقطة، أصبح الجميع متجاوبين. في موضوع الأرض، رأوا بأن المفتاح لحل المسألة هو المحافظة على وحدة أراضي الضفة الغربية. ورأى دحلان، على وجه الخصوص، أنه إذا تجاوزت نسبة الأراضي المضمومة 6 في المائة، تبدأ وحدة الأراضي الفلسطينية بالتفكّك; وتحدّث صائب عن زيادة حجم المقايضة بجوار غزة للتخفيف من الكثافة السكانية الفظيعة هناك.

كان دحلان متألّماً بشكل خاصّ في هذا الموضوع، ملاحظاً أننا نطالب بضمّ 8 في المائة من أراضي الضفة الغربية من أجل إيواء 80 في المائة من المستوطنين الإسرائيليين البالغ عددهم 200000. وأشار إلى أنهم يطلبون منّا زيادة حجم المقايضة لتفريج الضغط عن 1.2 مليون فلسطيني يعيش في غزة ـ وهي مساحة مساوية تقريباً للمساحة التي نقول الآن إن الإسرائيليين بحاجة إلى ضمها «لإراحة» مستوطنيهم في الضفة الغربية.

وفي ما يتعلق باللاجئين، انصب تركيزهم على المسائل العملية، لا المسائل المبدئية: هل يمكننا زيادة عدد اللاجئين الذين ستقبلهم إسرائيل «لأسباب إنسانية»؟ وهل يمكن أن يشكل اللاجئون المقيمون في لبنان، ممن يرغبون في العودة، غالبية هؤلاء؟ هل يمكننا الحديث عن فئات يمكنها اختيار العودة، مثل أولئك الذين غادروا في عام 1948؟ (كانوا يعتقدون بأن عدد الذين هُجِّروا في عام 1948 ممن لا يزالون على قيد الحياة ويريدون العودة قليل جداً حقّاً).

كانوا يلمحون إلى ما قد يكونون قادرين على القبول به. ومن المفارقة أنّني وجدت دحلان أكثرهم معارضة في الموضوع الذي كنت أتوقع ألاّ يثير مشكلة: الأمن. فقد كان رافضاً لثلاث نقاط: السيطرة الإسرائيلية على الأجواء، وحقّ الإسرائيليين في إعادة الانتشار في الحالات الطارئة، والوجود الدولي على كافة الحدود ومنافذ الدخول. كان يدرك أنّ هذا هو المجال الذي تحتاج إسرائيل فيه إلى أكبر قدر من الضمانات. لكنه قال، لا تسلبونا أياً من مظاهر الاستقلال.

لم أكن أؤمن يوماً في تضليل من أتفاوض معه. ومع أنني كنت أتفهم دواعي قلقه، ومدى حساسيته، لكنني قلت له إنّني لا أعتقد بأن التوصل إلى اتفاق أمر ممكن بدون مراعاة أسباب القلق لدى الإسرائيليين في تلك النواحي الثلاث. وقبل أن نختم لقاءاتنا في نيويورك، قال لي رشيد بأن ذلك صعب على محمد دحلان لكن الرئيس عرفات سيقبل في النهاية «ما تطلبه بشأن الأمن». وبحلول منتصف سبتمبر (أيلول)، عندما عاد كِلا الطرفين إلى الشرق الأوسط، بتّ واثقاً من أنّ بوسعنا وضع اقتراح مقبول. سيقاتل كل طرف بضراوة بشأنه، لكن سيكون في وسعنا تعديله بما يستجيب لما يمكن لكل طرف قبوله، حتى ولو اضطر إلى ابتلاعه مكرهاً في سبيل إنجاحه.

* سننظر مطالبك لكن المواقف ليست إما السلام أو الحرب الشاملة

* أبلغ الرئيس باراك برد عرفات في الساعة الثالثة والربع صباحاً. وفي الرابعة إلا ربعاً طلب باراك أن آتي لمقابلته، فذهبت إلى كوخه. كان مكتئباً جداً، ويشعر أن لا خيار أمامه سوى الذهاب إلى حكومة وحدة وطنية. وكان يشعر أيضاً بأن الفشل في كمب ديفيد يعني نهاية عشرين عاماً من صنع السلام وسيؤدي إلى تدهور فوري في النزاع. وقال إنه بحاجة إلى المساعدة والدعم منا وعدد ما هو ضروري له من الناحية السياسية:

* بيان واضح جداً من قبلنا بأن كل الأفكار المقدمة في كمب ديفيد تعتبر لاغية وباطلة.

* تعزيز جديد للعلاقات الاستراتيجية.

*حزمة من الدعم العسكري الثنائي الجديد.

*الاستعداد لنقل سفارتنا إلى القدس لإظهار أن باراك كسب بشأن القدس، ولم يخسر.

*الالتزام بمحاربة إعلان الفلسطينيين الدولة من طرف واحد، بما في ذلك ضمانة بمعارضة انضمام تلك الدولة إلى الأمم المتحدة.

أبلغت باراك بأننا سننظر بعناية في كل طلب تقدم به، لكنه إذا سلك طريق الحرب في أعقاب كمب ديفيد، ستقل قدرتنا على الاستجابة إلى احتياجاته، ولن ترتفع. وهو كقائد مسؤول عن بلد، لا يمكنه أن يتبنى موقفاً من بديلين فقط: السلام أو الحرب الشاملة.

في هذه اللحظة انضم إلينا دان مريدور، وغادر باراك، فالتفت إلى دان وقلت، «أعرف ما هو شعوركم، ولدي الشعور نفسه إلى حد كبير، لكن العالم ليس أسود وأبيض، ولا يمكن أن تكون الخيارات المتاحة الحرب أو السلام. فلا يزال أمامكم أنتم والفلسطينيين حياة تعيشونها معاً». أومأ برأسه وقال، «بالطبع، بالطبع... أنا شخصياً أشعر بأننا محظوظون لأن عرفات لم يوافق وعلينا أن نجد طريقة لإدارة المفاوضات ومتابعتها».

في الاجتماع الثلاثي، كان باراك شديد التجهم، معبراً عن خيبة أمله العميقة. وأعلن أنه كان يعتقد بأننا سنتوصل إلى اتفاق يغير المستقبل; وينتج عنه دولتان، إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب. ربما كان ذلك «بعيد المنال، لكنّني لا أزال أعتقد بأن تحقيقه كان ممكناً».

* كلينتون قال لي: عرفات يعرف أنه الكريه في هذا الحفل ومع ذلك رفض التمييز بينه وبين باراك في البيان الختامي

* كان عرفات يعرف بأنه (وفقاً لقول الرئيس) «الشخص الكريه في الحفل»، فأفاض في مدح الرئيس كلينتون وعاطفياً في دعوته إلى السلام. «إننا يا سيادة الرئيس نقدر بحق وبصدق كل ما فعلته... وسنواصل عملية السلام، العملية التي دفع شريكي الراحل رابين حياته من أجلها. ومن أجل أطفالنا، نعرف أن علينا متابعة عملية السلام بالرغم من كل الصعاب. وإنني واثق من أن الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني يريدان السلام... وإنني واثق من أننا سنتمكن من التغلب على الصعاب بمساعدتك العظيمة وجهودك... من أجل أطفال فلسطين وإسرائيل والشرق الأوسط بأكمله».

سألني الرئيس عن مسودة الإعلان الذي سنصدره، وقرأه بصوت مسموع. كان من الواضح أن عرفات يشعر بالانفراج، فقال، «ما تقرره نقبل به». وأومأ باراك برأسه. فطلب الرئيس منهما أن يسمحا له بالتحدث إلى الصحافة أولاً فوافقا.

كانت مشكلة الرئيس مع الصيغة المطروحة أنها تبدو غير منطقية: «أنت تجعلني أمتدح باراك وأقول بأن عرفات حضر. في ذلك تمييز». أبلغته أن ذلك صحيح، فهي الطريقة التي نميز بها بين الاثنين دون توجيه انتقاد مباشر إلى عرفات وتمتدح باراك في الوقت نفسه ـ وهو أمر كنت أعتقد بأن باراك بحاجة إليه محلياً. وكان الرئيس حريصاً على مساعدة باراك، معتقداً بأنه إذا كان بوسعنا دعمه سياسياً الآن، فإن بإمكاننا المحافظة على حياة العملية.

* عد لنا برد عرفات على سيادة في الحيين المسلم والمسيحي.. وسيادة الوصاية على الحرم..

* تجاوزت الساعة منتصف الليل. كنا لا نزال نتباحث منذ التاسعة والنصف مساء. التفت الرئيس إلى صائب وحاول تجربة المقامرة دون تحفظ بقوله، «ماذا لو حاولت الحصول لكم على ما يلي: السيادة على الأحياء الخارجية; وسيادة محدودة على الأحياء الداخلية» (تدخل صائب في الكلام قائلاً «سيادة مع ترتيبات»، وأجبت: «سيادة محدودة»). «السيادة في الحيّين المسلم والمسيحي مع سيادة الوصاية على الحرم»َ. دوّن صائب ذلك، وقال الرئيس، «ليس لدي أي فكرة عما إذا كان باراك يقبل بذلك»، ورددت على ذلك، «أنا أعرف، سيرفضها». أومأ كلينتون برأسه قائلاً لصائب، «ربما يكون ذلك صحيحاً، لكنني سأحاول على أي حال. هل تنقل ذلك إلى رئيس السلطة وتعود إلي برده؟». لم أكن أشعر بالارتياح، فحاولت أن ألطف من وقع ذلك على شلومو الذي بدا مستاء، وفي الوقت نفسه أشير إلى صائب بأننا قد نحاول جعل الرئيس يتراجع، فقلت، «عليك يا صائب أن تقدم ذلك كجزء من نقاش لا كفكرة على قدم المساواة مع أفكار الرئيس المقدمة إلى رئيس السلطة».

حصلنا على الجواب في الثالثة صباحاً عبر صائب. في الوقت الفاصل، ذهب جمال وروب إلى عرفات وحاوراه وناشداه مع من حوله بأن يقدم جواباً إيجابياً للرئيس. وقد ذهبت جهودهم هباء. لم يقبل عرفات بأي من الخيارين، لا فكرة الرئيس الأخيرة بشأن القدس ولا تأجيل أي جزء من القدس. واقترح بدلاً من ذلك متابعة التفاوض.


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.260972

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالخميس يوليو 14 2016, 22:36

الحلقه السابعه عشر 

ركّزت في البداية مع الفلسطينيين، صائب عريقات ومحمد دحلان ومحمد رشيد ـ على حل قضيّة الحرم أكثر من التركيز على ما قد يكون في وسعهم القبول به عموماً. وبشأن الحرم، قلت لهم إنّه يتوجب على عرفات إما القبول بأحد الخيارات الأربعة التي قدمتها له أو التقدم بعرض جديد ومعقول.
عندما عرض صائب عريقات فكرة أن تقوم منظمة المؤتمر الإسلامي وليس الفلسطينيون بتولّي السيادة على الحرم، أبلغته بأن ذلك أسوأ بالنسبة إلى الإسرائيليين من تولّي الفلسطينيين لتلك السيادة. فبوجود بلدان مثل إيران والعراق وليبيا كأعضاء في منظّمة المؤتمر الإسلاميّ، لن يكون لدى إسرائيل أي تفسير أو ضمانة بشأن حماية المصالح الإسرائيلية. ولأنّني أعرف صائباً جيداً، ساورتني الشكوك في أن عرفات هو من طرح تلك الفكرة وأنه يأمل في جعلنا نتكيف معها.

قدم جورج تنيت لكي يتحدّث إلى عرفات ودحلان بشأن القضايا الأمنية. طلبت من جورج أن يُسقط فكرة منظمة المؤتمر الإسلامي عندما يلتقي بعرفات مساء اليوم الذي يسبق اجتماع الرئيس كلينتون بالرئيس الفلسطيني. لم يثر عرفات تلك الفكرة معه، وأبلغه جورج بصراحة أنّها لا تمثل نقطة بداية. وقال له أيضاً إذا لم تعمل على حل قضية الحرم مع الرئيس في اجتماعهما، فإنّه لا يرى أملاً كبيراً في عقد قمة أو اتفاق قبل نهاية فترة ولاية الرئيس.

كنت آمل بأن أقنع عرفات بأن عليه اتخاذ قرار بشأن هذه القضية الآن وأن يبلغه بشكل شخصيّ إلى الرئيس على الأقلّ إذا كان يريد منّا أن نتدخل. قام جورج بعمله، لكنّ الرئيس لم يفعل ما يجب في هذه الحالة. فعلى الرغم من أن الجهود التي بذلناها في إقناع عرفات بأنّه يجب أن يكون على استعداد لمحاولة حل قضيّة الحرم إذا كان يريد من الرئيس أن يتدخّل، لم ينقل الرئيس كلينتون تلك الرسالة أثناء لقائه مع عرفات. وعلى العكس من ذلك، عندما أثار عرفات كما كان متوقّعاً فكرة سيادة منظمة المؤتمر الإسلامي على الحرم، اقترح الرئيس أن ننظر في خيارات أخرى، مع إشارته إلى أنها لن تنجح على الأرجح. وبدلاً من أن يقول لعرفات إنّنا وضعنا خيارات قابلة للتنفيذ - وهي خيارات وجدها المصريون أيضاً قابلة للتنفيذ- وأن الكرة في ملعبه وأن عليه الرد عليها أو اقتراح شيء معقول حقّاً إذا كان للولايات المتحدة أن تستمر في بذل جهودها، أعرض الرئيس عن مواجهة عرفات.

لماذا؟ لم يكن السبب عدم إطلاعه على ما جرى. فقد قلت أنا وجورج للرئيس، قبل اجتماعه بعرفات، إنه على الرغم من الجهود التي بذلناها لإبطال فكرة منظمة المؤتمر الإسلامي التي اقترحها عرفات، فإنّنا نرجح أن يثيرها ـ وينبغي على الرئيس أن يقول لعرفات دعك منها. لم يتجاوب الرئيس كلينتون معنا ولم يرفض فكرة عرفات صراحة بهذا الشأن. واختار بدلاً من ذلك مبدأ اللين لأنه إذا كان عرفات يعرض بديلاً عن السيادة الفلسطينية ـ حتى وإن لم يكن عرضاً مقبولاً ـ فإن علينا اعتبار ذلك بمثابة انفتاح. ومع مرور الوقت يمكننا إيجاد حل دولي ما يمكن لعرفات وباراك القبول به، والرئيس يريد إبقاء الكرة في الملعب إلى أن تحين تلك اللحظة.

لم أكن وجورج تينيت سعيدين باتباع هذا النهج، فتجربتنا مع عرفات علّمتنا أنه سيعتقد أن في استطاعته الحصول على اتفاقية غير واقعية بشأن الحرم/جبل الهيكل. أضف إلى ذلك أن الرئيس وصل إلى حدّ القول لعرفات ألاّ يأبه للحديث الفظ الذي سمعه من جورج ومنّي كل على حدة; وأنّ تهديداتنا له بعدم التدخّل ثانية يمكن تجاهلها بأمان. ومع أن الرئيس كلينتون كان غاضباً من عرفات في كمب ديفيد، فقد ظل مقتنعاً بإمكانية تغيير موقف عرفات وأنّ من الخطأ حشره في الزاوية. قبل قمة كمب ديفيد، كنت أكثر انفتاحاً على مقاربة عرفات على طريقة الرئيس، وخصوصاً بعد رؤيتي لكيفية تعامل باراك معه. لكن بعد كمب ديفيد، عاد عرفات، الذي لا يتخذ القرارات إلا عندما يشعر بأنه لم يعد أمامه أي خيار، وعندما يرى أنّ القطار سيغادر بدونه، إلى التركيز بحدة عليّ. وبتّ مقتنعاً بأنّ الفرصة الوحيدة لزحزحة عرفات هي إقناعه بأنه على وشك خسارة فرصته التاريخية لإنهاء النزاع وإقامة دولة مستقلة قابلة للعيش. ولهذا السبب، ينبغي أن يعرف عرفات بأنّنا لن نبتعد بكل بساطة، وأن الإسرائيليين لن يلاحقوه به. وبالإضافة إلى ذلك، على مصر أن توضح له أنّه يوشك أن يخسر فرصته، وأن ما من أحد سيغفر له ما فعله.

* دخول مصر.. ومحاولة جديدة لنفخ الروح في ميراث القمة الفاشلة

* أخذت طائرة خاصة قاصداً الإسكندرية، ومن هناك، جرى اصطحابي في رحلة دامت ساعة إلى منتجع جميل مطلّ على البحر المتوسط، حيث كان لموسى منزل يقضي عطلاته فيه. كان يتحلّى بصفات أي منتجع ساحلي مزدهر: شقق سكنية، ملاعب تنس بعيدة عن الماء، ومنازل فخمة للغاية تطل على الشاطئ.

كان جمال هلال يصطحب أسرته إلى هذا المنتجع في أغسطس (آب) من كل عام، وقد رحّب بي خارج منزل موسى; كان يبدو أسمر البشرة ومسترخياً. قال لي إنّ «المصريين يدركون أنه توجد فرصة حقيقية وهم على استعداد للقيام بما يتوجب عليهم; وهم على اتصال بكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، كما أن إسرائيل حسون زار المصريين في الأيام القليلة الماضية».

أوجزت لموسى ما في أيدينا من قضايا، وما اعتقدتُ أنه يمكن أن يفعله كل طرف، وأهميّة التوصّل إلى حلّ جوهر القضيّة: الحرم/جبل الهيكل. بسط موسى خريطة كبيرة للقدس وانكببنا عليها; وصفت المنطقة المحيطة بالحرم، وبوابة المغربي المؤدية إلى المنطقة من ناحية الكوتل (حائط المبكى والساحة العامة التي أمامه)، والمكان الذي يلي بوابة المغربي مباشرة، حيث يأمل الإسرائيليون أن يكون اليهود قادرين على تأدية الصلاة فيه أيام العطل الدينية القليلة، وهي مناطق يمكن أن يكون لعرفات مدخل منفصل إليها يؤدي إلى الحرم، إلخ.

كان موسى يشعر بأن قضيّة الحرم هي النقطة الفعلية العالقة بالنسبة إلى عرفات. وفي كمب ديفيد لم نجرِ مباحثات جدّيّة قطّ بشأن الخيارات المختلفة المتعلقة بالحرم/جبل الهيكل. ومنذ تلك القمة فكّرت كثيراً في البدائل المختلفة وعرضتها الآن على موسى:

* إزالة موضوع السيادة كقضية. ففي هذا المكان الفريد، إما أن تكون السيادة لله أو لا تكون ذات صلة. يحصل الفلسطينيون على المسؤولية في المنطقة ويضمنون عدم ظهور أي تهديد من سطح الحرم إلى الساحة العامة في الأسفل، حيث يؤدي اليهود صلواتهم عند حائط المبكى. ويتولّى الإسرائيليون مسؤولية حائط المبكى والأنفاق الممتدة على طول الحائط الغربي.

* إعطاء الفلسطينيين السيادة على المساجد، قبة الصخرة والأقصى

* وإعطاء الإسرائيليين السيادة على الحائط الغربي، مع نظام دولي يحكم مسألة التنقيب، إما من السطح أو من وراء الحائط، على أن تقتصر سيادة كل من الفريقين على المواقع الدينية الفعلية، فلا تشمل المناطق الحدودية التي تشكل هذه المواقع جزءاً منها. وبهذه الطريقة تحصل المساواة بين المواقع الدينية وينال كل طرف السيادة على ما هو مقدّس بالنسبة إليه.

*إيجاد مصطلح غير كلمة «سيادة» لشرح علاقة كل طرف بالمواقع المقدّسة بالنسبة إليه. يمكن القول مثلاً إنه سيكون للفلسطينيين ولاية قانونية على الحرم في حين يكون للإسرائيليين ولاية قانونيّة على الحائط الغربي والمنطقة المقدسة المتصلة به.

شعر موسى بأنه يتعين أن يكون الفلسطينيون قادرين على استخدام كلمة «السيادة»، كما تنطبق على الحرم. واقترح بأن يحصل الفلسطينيون على «الولاية القانونية السيادية» على الحرم، ويحصل الإسرائيليون على «الولاية القانونية السيادية» على حائط المبكى. قلت له إن حائط المبكى ليس سوى قسم صغير من حائط دعم الهيكل وأن الحائط الغربي هو الذي ينبغي أن يحصل الإسرائيليون على السيادة عليه. كما أثرت احتمالاً آخر: ماذا لو لم نتطرق إلى الحائط وأعطينا الفلسطينيين السيادة أو الولاية القانونية السيادية على الحرم وأعطينا الإسرائيليين ما يكافئ ذلك على الحيّ اليهودي والأماكن المقدسة لدى اليهود، المتصلة بذلك الحيّ؟ ستسمح هذه الصيغة لكل طرف بالادعاء بأنه يملك السيادة أو الولاية القانونيّة التي يحتاج إليها.

مع استكمال نقاشنا حول الحرم، أعطاني موسى ورقة أعدها مع فريقه، وتتناول مشكلة الحدود واللاجئين والأمن. كانت تلك الورقة مثيرة للاهتمام من حيث أنها تمثل جهداً مصرياً لإيجاد معايير مقبولة لاتفاق يتناول هذه القضايا. كما أن المصريين يجرون محادثات مستمرة مع الفلسطينيين والإسرائيليين. وقد بدا واضحاً في الأسابيع الثلاثة التي تلت القمة أن هناك سيلاً من الإسرائيليين يأتون إلى مصر لمقابلة مبارك وموسى وأسامة الباز وعمر سليمان، رئيس الاستخبارات المصرية.

قال لي موسى إن الورقة هي حصيلة المباحثات التي أجراها المصريون مع كلا الجانبين. وبما أن المصريين وضعوا معايير في الورقة، فلم أكن أتوقّع أن يبتعدوا كثيراً عن النقاط المجمع عليها في العالم العربي بشأن كيفيّة حل هذه المسائل. وبالتالي لم أتفاجأ برؤية الورقة المصرية تميل لصالح المواقف الفلسطينية. لكن ما اعترضت عليه أنّ الورقة حاولت الاستناد إلى أكثر المواقف تقدّماً التي سمعوها من شخصيات إسرائيلية ـ مواقف لم نسمع بها قطّ على لسان باراك أو أي من أعضاء فريق التفاوض الإسرائيلي. على سبيل المثال، أكّدت الورقة على أن أحد الإسرائيليّين قال إن إسرائيل يمكن أن تنسحب من 94 في المئة من الأراضي وتعرض مقايضة فوق كل ذلك. كنت أعرف ما الذي انتزعناه في كمب ديفيد (91 في المئة من الأراضي ومقايضة 1 في المئة) ولذلك لا يمكن اعتبار نسبة 94 في المئة، إضافة إلى المقايضة موقفاً إسرائيلياً أساسياً ـ لا سيما لأنّني أعلم أنّ ذلك سيعتبر نقطة انطلاق للمباحثات، لا خاتمة القصة.

ومع أنني لم أجد في الورقة المصرية شيئاً يمكننا العمل به، فقد عبّرت بوضوح عن استعداد مصري جديد للعب دور فعال ـ وأنهيت أنا وموسى نقاشنا بالاتفاق على التحدّث معاً يومياً طالما بقيت في المنطقة.

* عرفات يقلل من حماسته

* عند عودتي إلى إسرائيل قبل قدوم أسرتي إليها، التقيت بباراك وأطلعته على ما دار من نقاش مع موسى. رفض بشكل مطلق احتمال الانسحاب من 94 في المئة من أراضي الضفة الغربية، باعتباره أمراً مستحيلاً. وبشأن الخيارات المتعلقة بالحرم/جبل الهيكل، استمع إليّ ثم شدد على أنه لا يمكن لإسرائيل التنازل عن السيادة على جبل الهيكل لصالح الفلسطينيين. كانت تلك صيغة مثيرة للاهتمام تفيد ضمناً أن إسرائيل قد لا تطالب بالسيادة الحصرية أو حتى بالسيادة كنتيجة نهائية.

انتظرت يومين لمقابلة عرفات بغية التأكد من أنّ موسى نقل تلك الخيارات إليه (تبين بعد ذلك أنّ مبارك طلب من عرفات المجيء لمقابلته في 21 أغسطس على أن ألتقي بعرفات لاحقاً مساء ذلك اليوم). طلبت من جمال الانضمام إليّ في اللقاء بدلاً من الاكتفاء بالترجمة. وبما أننا كنا سنناقش الخيارات المتعلقة بالحرم، فقد توقّعت قيام عرفات بالإعلان ثانية بأن الهيكل ـ المكان الأكثر قداسة لدى اليهود ـ ليس موجوداً في القدس، وإنما في نابلس. ولم أشأ أن تتحول هذه القضية إلى جدال بين عرفات المسلم وبيني أنا اليهوديّ. وأردت من جمال، وهو مسيحي قبطي من أصل مصريّ، أن يقول لعرفات بأن هذه محاولة فظيعة لنزع الشرعية عن الارتباط الإسرائيليّ بالقدس، وكان جمال سعيداً بتولّي هذا الدور.

مع أن عرفات كان ودياً ومتحمساً في لقائنا الأول، فقد شعرت منذ دخولي إلى الغرفة أن مزاجه مختلف هذه المرة. كنت أعرف أن عرفات تحدث إلى موسى اليوم باكراً، وخمّنت أنه يتوقع منّي أن أمارس عليه ضغوطاً بشأن الحرم، لذا يشير إلى أنه غير ميّال إلى إبداء المرونة.

عندما سألته إذا كان المصريون قد نقلوا إليه الخيارات الأربعة المتعلّقة بالحرم، أقرّ بأنهم قاموا بذلك مع الإشارة إلى أنها خياراتي. أجبتُه بأنها ليست خيارات أميركية ولا مصرية، وأنها بكل بساطة تعكس ما اعتقده موسى بمثابة الخيارات الحقيقية المتوفرة. ماذا كانت ردة فعله؟ هزّ كتفيه وقال بأن ليس لديه خيارات. هل كان يقصد من ذلك أنه يعتبرها جميعاً متساوية؟ لم يكن متجاوباً هنا أيضاً، وأثار أسطورته الجديدة قائلاً: «بالطبع، الهيكل لم يكن في القدس، وإنما في نابلس».

علم جمال أن هذه إشارة له. وما تلا ذلك كان مفاجأة حتى بالنسبة إليّ. بدأ جمال بالكلام بأسلوب مهذّب جداً مقترحاً على عرفات أنه بصرف النظر عن آرائه الخاصة، ينبغي أن تكون المقدمة المنطقيّة لأية عملية وجوب عدم تشكيك أي طرف في إيمان الطرف الآخر. لكن عرفات لم يتراجع، قائلاً لجمال إنه لا يعلم شيئاً عن الدين، في حين أنه (أي عرفات) خبير بكافة الديانات، واليهودية منها على وجه الخصوص، وأن الهيكل لم يُبنَ في القدس. دار بينهما نقاش فقال جمال «إذا كان اليهود يعتقدون أن الهيكل بُني في القدس، فإنّه لخدمة أغراضنا كان موجوداً في القدس».

وأخيراً، بعد ما يربو على عشر دقائق من القدح المتزايد، تدخّلت وقلت «سيدي الرئيس، بصرف النظر عما تعتقده، فإن رئيس الولايات المتحدة يعلم أن الهيكل كان موجوداً في القدس. وإذا سمعك تنكر أنه كان موجوداً فيها، فإنّه لن يأخذك ثانية على محمل الجد. نصيحتي إليك ألاّ تثير هذا الرأي ثانيةً في حضوره».

ربما لم يكن عرفات مستعداً لمناقشة أي من الخيارات الأربعة المتعلقة بالحرم، لكنه أوقف الجدال مع جمال ولم يعد إلى الحديث عن أسطورته بشأن الهيكل سواء في حضور الرئيس أم في حضوري، (بالطبع، ذلك لم يمنعه من الحديث عنها أمام عدد لا يحصى من الأشخاص).

مع وضع هذه القضية جانباً، قلت لعرفات إنّه سيلتقي بالرئيس ثانية في نيويورك في 6 أو 7 سبتمبر (أيلول) أثناء انعقاد قمة الألفية، وأنها قد تكون فرصته الأخيرة لإقناع الرئيس بأنه على استعداد للتوصل إلى اتفاق. كان بحاجة إلى المجيء إلى نيويورك حاملاً ردّاً بشأن الحرم يجد الرئيس أنّه يحظى بالمصداقيّة. وحذّرته قائلاً «لا تفوّت هذه الفرصة». استمع إليّ لكنّه لم يقل شيئاً.

* قدر أم ماذا..؟ اقتربنا من الاتفاق بعد كامب ديفيد.. فانفتحت أبواب الجحيم بزيارة شارون للحرم

* في الأسبوع الثالث من شهر أيلول/سبتمبر، اتصل جلعاد بي هاتفيّاً وأخبرني بأنه وصائب عريقات سيجريان مكالمة مشتركة لاحقاً في ذلك اليوم ويطلبان ذهاب كلا الطرفين إلى واشنطن لإجراء جولة مفاوضات أخرى معنا. وقال جلعاد إنّ هذا في الحقيقة كان طلب صائب لكنه قبِل مناشدته لجعل ذلك مطلباً مشتركاً. وعندما سألته عن مطالبهما بالتحديد، أجاب جلعاد بأنه لم يكن طلباً من أجل عقد مناقشات ثلاثية الأطراف وإنما طلباً لكي أعمل ثانية مع كل جانب على حدة لمراجعة ما يمكنه القبول به في النهاية. وأوضح جلعاد بأن صائب ورفاقه هم الذين أرادوا عقد جولة واحدة أخيرة قبل تقديم اقتراحاتنا. وعندما أجريا مكالمتهما المشتركة، وافقت على عقد تلك الجولة.

قبل وصول المفاوضين إلى واشنطن، قام عرفات بزيارة باراك في منزله. صحيح أن المفاوضين كانوا يلتقون باستمرار، لكن القائدين لم يجتمعا معاً منذ كامب ديفيد. كان جلعاد وصائب يرغبان (من بين آخرين) في إعادة الحرارة إلى العلاقات الباردة بين الزعيمين. وأفاد الطرفان بأن اللقاء كان حميماً جداً، وأن باراك اختلى بعرفات قرابة خمس وأربعين دقيقة، ثم أجريا اتصالاً بالرئيس كلينتون قبل أن يختما أمسيتهما. في تلك المكالمة، قال باراك للرئيس «سأكون شريكاً أفضل لعرفات مما كان عليه رابين».

في هذا الجو المفعم بالتفاؤل وصل المفاوضون من أجل عقد جولة من المفاوضات تمتد ثلاثة أيام تبدأ في 26 أيلول/سبتمبر. وللمحافظة على سرية المفاوضات وإبقاء المفاوضين بعيداً عن أعين الصحافة، أنزلناهم في ريتز ـ كارلتون في مدينة بنتاغون. كان شلومو يعتقد بأنّني لن أضغط بشأن أعداد اللاجئين لو لم يكن هناك مطالب فلسطينية جديدة، بدأ يتحدث بعنف، وقال إنّ أسلوب الفلسطينيين في التفاوض مبني على نيل أقصى ما يمكنهم الحصول عليه في كل مسألة، وما إن يحصلوا على ما يريدون حتى ينتقلوا إلى المسألة التي تليها. لقد بذلت إسرائيل قصارى ما في وسعها في ما يتعلّق بالحدود والقدس، ولم يكن ردّ الفلسطينيين محاولة تلبية المطالب الإسرائيلية أو تقديم حزمة من المبادلات، وإنّما ما الذي يمكنهم الحصول عليه بشأن اللاجئين بدلاً من ذلك. لقد صبرنا بما فيه الكفاية.

قلت لشلومو إن الطلب في هذه الحالة بالذات جاء منّي وليس من الفلسطينيين. «إنّني أثير هذه المسألة لأنك تريد اقتراحاً أميركياً وأنا أدرس حدود هذا الاقتراح. وإذا كنت تبحث عن شخص تغضب منه، فعليك أن تغضب مني». أومأ برأسه لكني عرفت أنّني لم أقنعه.

لأول مرة لم تطلق الألعاب النارية خلال المباحثات مع الوفد الفلسطيني، فالجميع كانوا مشغولين. كان صائب عريقات ومحمد دحلان وحتى أكرم هنية (الذي عرفت أنه كان ذا تأثير سلبي في كامب ديفيد) منكبين على دراسة كل قضية محاولين شرح ما كانوا يعتقدون أنهم بحاجة إليه وما يمكن للإسرائيليين القبول به. كما أن دحلان عرض اقتراحاً أمنياً جديداً ـ يعالج العديد من دواعي القلق لدى الإسرائيليين لكنه يرسم حداً لحقّ إسرائيل في إعادة نشر قواتها في الحالات الطارئة. وكان صائب مصمماً على لعب دور السياسي المحنك بتحليه بالعقلانية والمرونة بقدر الإمكان.

لم أكن أعرف أن هذه الأيام الثلاثة ستمثل أعظم الآمال بالتوصل إلى السلام طوال مدة شغلي لمنصبي ـ وأن الانحدار إلى الفوضى واندلاع العنف سرعان ما سيلي هذه الأيام (المؤلف يشير هنا الى مفاوضات سرية استضافتها واشنطن على هامش قمة الألفية التي تلت انفضاض قمة كامب ديفيد بين كلينتون وعرفات وباراك وقد مثل الجانب الفلسطيني في هذه المفاوضات دحلان وعريقات فيما مثل الجانب الإسرائيلي جلعاد وشلومو.. الإيضاح من «الشرق الأوسط»). في تلك المرحلة، حدث تطور قال الفلسطينيون بأنه غيّر كل شيء: زيارة أرييل شارون إلى الحرم/جبل الهيكل. فقد قام شارون، زعيم حزب الليكود المعارض بزيارة جبل الهيكل في 28 أيلول/سبتمبر وبرفقته قوة عسكرية كبيرة من رجال الشرطة الإسرائيليين كحماية شخصية له، وسبب هذه الزيارة هو رغبة قادة حزب الليكود ورغبته في إظهار أن حكومة باراك لا يمكنها تسليم هذه الأرض المقدّسة. وفي السابع والعشرين، وكان اليوم الثاني في لقاءاتنا، طلب صائب الاجتماع به على انفراد في فترة ما بعد الظهر. قال لي إنّه يود أن ينقل إليّ طلباً شخصياً من عرفات: هل في وسعي ممارسة نفوذي لمنع شارون من الذهاب إلى الحرم الشريف في اليوم التالي؟ قلت لصائب إنه إذا كنا سنطلب من شارون عدم الذهاب، فسوف يستغل طلب الولايات المتحدة ويجعل منه ذريعة سياسيّة مع قاعدته اليمينية، وسوف يعنّفنا ويقول إنه لن يذعن للضغوط أياً كان مصدرها ـ بما في ذلك الولايات المتحدة ـ بشأن حق إسرائيل في جبل الهيكل. قلت له «لن نثنيه، بل إننا قد نحرضه».

لكني وعدته بأن أحاول إقناع شلومو بالحدّ من برنامج الزيارة أو منعها. كان شلومو بن عامي يلبس قبعتين، فقد كان وزيراً للخارجية بالوكالة كما كان وزيراً للأمن الداخلي. كان وزراء الداخلية في السابق، بمن فيهم وزراء الليكود، يذكرون الدواعي الأمنية لتبرير منع التصرّفات الاستفزازية الإسرائيلية في الأحياء العربية من القدس الشرقية. وبناء على ذلك، سألت شلومو إذا كان بوسعه التعلّل بالمخاطر الأمنية لمنع شارون من الذهاب إلى جبل الهيكل. رد عليّ بأنه لا يستطيع ذلك لأن المخابرات الإسرائيلية قدّرت أنه لا يوجد خطر اندلاع أحداث عنف كبيرة. لكن عند دخولي الغرفة، كان يتحدث عبر الهاتف مع جبريل الرجوب ـ رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في الضفة الغربية. كان يقوم بالتنسيق مع الرجوب، وكان كل ما يطلبه الرجوب عدم السماح لشارون بدخول المسجدين ـ أي أنّ في وسعه التنقّل في أرجاء الحرم في اليوم التالي لكن لا شيء أكثر من ذلك. بالرغم من استياء شارون، لجأ شلومو إلى الأحكام الأمنية لمنع شارون من دخول المسجدين لكن ليس أرض الحرم («1» لم أطرح السؤال التالي إلاّ لاحقاً، إذا لم يكن هناك قلق كبير من أن تؤدي الزيارة إلى اندلاع أحداث عنف، فلماذا يحاط شارون بهذا الحضور الضخم لرجال الشرطة؟). من المفارقات أنّه وقعت حادثة في يوم السابع والعشرين، أي قبل يوم من زيارة شارون. لكنها انطوت على مقتل جندي إسرائيلي في كمين نُصب في غزة، وهي الحادثة التي يدعي الإسرائيليون بأنها تحدّد البداية الحقيقية للانتفاضة. وفي الثامن والعشرين، عندما ذهب شارون إلى الحرم، كان كل شيء هادئاً. لكن في التاسع والعشرين، فتحت أبواب الجحيم.

وفي الثامن والعشرين، وهو اليوم الأخير لمناقشاتنا، لم يتصرف أحد من أي من الوفدين على أنّه يمكن أن يكون كارثيّاً. بل لم يتطرّق إليه أحد، مع أن شارون ـ بحكم الفارق الزمني البالغ سبع ساعات ـ كان قد أنهى زيارته للحرم قبل أن نبدأ اليوم الأخير لمناقشاتنا. وقد تبيّن أن مباحثاتنا في اليوم الأخير مثيرة للاهتمام حقاً ـ فقد لخصت انطباعاتي حول ما توصلنا إليه في كل مسألة وما توقّعت أن يقوم به الرئيس. قلت للجانبين بأنّني لست متأكداً من أن الرئيس سيعرض اقتراحاً، لكن توصيتي، خصوصاً بعد هذه الأيام الثلاثة من المناقشات المنفصلة، هي أن يقوم بذلك.

لم يطرح عليّ أحد أي سؤال بشأن الحرم، كما لم أعرض أي جديد بشأنه. وفي ختام مناقشتنا، قلت إنّه يتبقى أن يتخذ الرئيس قراراه النهائيّ بشأن ما إذا كان سيقدم اقتراحاً وما الذي سيتضمنه ذلك الاقتراح.

كان كلا الجانبين متفائلاً عقب لقاءاتنا الأخيرة. وعلى الرغم من زيارة شارون للحرم، كان مزاج عريقات ودحلان وحتى أكرم هنيّة جيداً. لم يكن هذا انطباعي وحسب، فقد اتصل محمد دحلان قبل مغادرته ذلك المساء بجورج تنيت وقال له بجرأة: «سيكون هناك اتفاق». (وبدوره اتصل بي جورج وسألني «ماذا فعلت مع محمد؟ إنه يغادرنا مسروراً»). لم يدم هذا المزاج الطيّب طويلاً. فقد كنّا على وشك مواجهة حقيقة جديدة ومرعبة تحول دون طرح العرض الأميركي ـ لعدة أشهر على الأقل.


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.261107

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالخميس يوليو 14 2016, 22:38

الحلقه الثامنه عشر 

الفلسطينيون اقترحوا نشر مراقبين دوليين فرفضنا فطالبوا بلجنة تحقيق أرادوها دولية وأرادها الإسرائيليون أميركية
قمة باريس وقمة شرم الشيخ وعود أُعطيت، وعود لم تتحقق أردت حصول حدث يعطي عرفات ذريعة لإعادة إحكام قبضته والخروج من دوامة العنف. اقترح شلومو، بعد أن تحدّث إلى عدد من الحكومات الأوروبية، عقد لقاء في باريس يجمع باراك وعرفات ووزيرة الخارجية، فذلك يعطي الفرنسيين سبباً لكي يبذلوا المساعدة، حتى ولو لم يكونوا طرفاً مباشراً في اللقاء الثلاثي. كنت قلقاً بشأن ميل الرئيس شيراك إلى تعظيم شأنه في مثل هذه الأوضاع، لكنّني وافقت على أنّ عقد لقاء في أوروبا سيكون مفيداً ـ خصوصاً إذا وفّر سبباً لمحاولة تبريد العواطف استباقاً لما قد ينتج عن مثل هذا اللقاء.
ولهذا السبب التقينا في باريس: باراك وعرفات ومادلين وجورج تنيت وأنا. وعند دخولي إلى ذلك الاجتماع، خطر ببالي أن خطوة معينة قد تلبّي رغبة عرفات في إظهار أنه حصل على شيء بدون أن يتعارض ذلك مع حاجة باراك إلى إظهار أن عرفات لم يكسب من العنف شيئاً. كانت فكرتي تقوم على الاستفادة من سابقة الخليل التي حدثت في عام 1994. فبعد المجزرة التي ارتكبها باروخ غولدشتاين سنة 1994، قبل رابين بإنشاء الوجود الدولي المؤقت في الخليل ونشره. وكان الوجود الدوليّ صغيراً ورمزيّاً بقيادة النرويجيين. لماذا لا ننشئ شيئاً شبيهاً الآن؟ لماذا لا نستخدمهم كمراقبين لما سيطلق عليه مناطق عازلة، تحيط بالمواقع العسكرية الإسرائيلية كافة؟
أحضر كل من باراك وعرفات وفده التفاوضي إلى باريس في 4 تشرين الأول/أكتوبر، والتقت الوفود الثلاثة في منزل سفيرنا في باريس. كان منزلاً رائعاً، تحيط به مساحات شاسعة، ويضم غرفاً مهيبة، وتستحضر إلى الأذهان حقبة لويس الرابع عشر ومملوءة بالمطرزات والأعمال اليدوية التي تليق بأن تعرض في اللوفر. كان فيلكس روهاتين سفيرنا هناك في ذلك الوقت، وقد أنفق مبالغ طائلة من جيبه الخاص لإعادة العظمة إلى ذلك المكان، وهو شيء يقدّره الفرنسيون.
كان العنف قد دخل يومه السادس (الإشارة من المؤلف لأحداث الانتفاضة الفلسطينية التي إنفجرت على خلفية زيارة شارون، وكان وقتها في المعارضة، الى الحرم المكي، بما قاد ووفق رواية المؤلف في حلقة أمس الى قطع الطريق على اتفاق كان المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون على وشك التوقيع عليه.. الإيضاح من «الشرق الأوسط» )، ولم تكن مفارقة عقد لقاء في مثل هذا المكان الفخم لمناقشة انتفاضة جديدة خافية على أحد منا. بدا عرفات مرتاحاً; وكان باراك عصبي المزاج، ومن الواضح أنه كان يخشى أن يظهر بمظهر من يقدّم مكافأة للعنف. وكما توقّعت، فقد كان عازماً على ألاّ يكسب عرفات شيئاً. وعلى النقيض من ذلك، كان عرفات يسعى إلى شيء لكي يظهر لشعبه أنه استطاع مرة أخرى أن يعود بشيء إليهم بمهارته.
التقينا بباراك ووفده أولاً، وأسمعنا خطاباً مسهباً. وعندما اقترحت عليه فكرة إنشاء مجموعة مراقبين شبيهة بمجموعة الوجود الدولي المؤقت، كان رده رفض الفكرة جملة وتفصيلا قائلا: «عرفات يريد تدويل الصراع; لن نفعل ذلك». وعندما جادلته بأنه لم يأت بشيء جديد، فرابين من فعل هذه السابقة، ونشْر مراقبين عند نقاط التماس سيخدم مصالح إسرائيل، ردّ بشكل قاطع: لا».
بعد أن وجدا أنه لا سبيل إلى إقناعنا بضرورة نشر قوات أو مراقبين دوليين، ضغط نبيل وصائب، مع عرفات الذي انضم إلى المناقشة المتعلقة بهذا الموضوع، من أجل إنشاء لجنة تحقيق. فهذا سيسمح لهم على الأقل بأن يظهروا للفلسطينيين أنه ستكون هناك مساءلة أو مسؤوليّة قد تحمّل للإسرائيليين عن القتلى والجرحى الفلسطينيين. ومع أنني لم أقبل بالضرورة بتلك النقطة، فقد شعرت بأنه ستكون هناك فائدة في إنشاء لجنة لتقصّي الحقائق، ولم أكن أمانع في أن يستخدمها الفلسطينيون كغطاء أو تفسير لوقف العنف. ولذلك اقترحت إنشاء لجنة لتقصّي الحقائق ترأسها الولايات المتحدة للنظر في أسباب اندلاع العنف ولماذا زادت حدّته وكيف، وما هي الدروس التي يمكن للجانبين استخلاصها من هذه الأحداث لتجنب أي تكرار لها في المستقبل.
في اللقاء الثلاثي، كان عرفات وباراك مستعدين للقبول بهذه الصيغة، لكنهما اختلفا قي طريقة تشكيل مجموعة تقصّي الحقائق. رغب باراك في أن تكون مؤلفة بالكامل من الأميركيين، في حين أرادها عرفات مجموعة دولية ترأسها الأمم المتحدة.
بعد أن اتفقا على العودة إلى هذا الموضوع لاحقاً، ركّزنا اهتمامنا على الخطوات العملية التي يمكن لكل طرف اتخاذها لتسهيل خروج الطرف الآخر من الهوة. في تلك الأمسية، طلب باراك استراحة لكي يناقش مع وفده الخطوات الممكنة. وبعد تأخر دام ساعتين تقريباً، ذكّرنا باليوم الذي أمضيناه في انتظاره في كامب ديفيد، ضاق عرفات ذرعاً بالجلوس فغادر مجلسه وطلب إحضار سيارته ليرحل. لحقت به مادلين، وقطعت على الإسرائيليين خلوتهم، قائلة لرئيس الوزراء بأنّنا ضقنا ذرعاً، لقد شعر عرفات كما لو أنه مرؤوس قليل الشأن ينتظر إشارة له بالمجيء.
قالت مادلين لباراك، بعد أن أقنعت عرفات بالبقاء، إنه لا يمكنه معاملة الفلسطينيين بهذه الطريقة. نزل باراك المتكدّر واعتذر لعرفات، مما مهّد لتغيير المزاج وتهيئة الجوّ لمناقشة جيدة لكيفية معالجة نقاط الاحتكاك الرئيسية.
* كيف قاوم أبو عمار عقد قمة شرم الشيخ.. ولماذا لين موقفه؟
* قاوم عرفات، الذي كان يشعر بأن المزاج الدولي يميل إلى صالحه، فكرة عقد القمة. وسعى قبل الموافقة على القمة إلى انسحاب الإسرائيليين إلى المواقع العسكرية التي كانوا متمركزين فيها قبل اندلاع الانتفاضة، وإلى إنهاء إغلاق مطار غزة والمعابر الدولية، والالتزام بإنشاء لجنة دولية لتقصّي الحقائق.
عملنا لعدة أيام مع الرئيس مبارك، ومع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، الذي صادف وجوده في المنطقة وكان يتردد جيئة وذهاباً بين باراك وعرفات، والملك عبد الله عاهل الأردن، والأمير عبد الله ولي عهد المملكة العربية السعودية، والقادة الأوروبيين لإقناع عرفات بأن كافة القضايا التي يثيرها سيجري بحثها في القمة، وأنه لا يمكن فرض شروط مسبقة لعقد القمة. لين عرفات من مواقفه وذهبنا إلى شرم الشيخ لمدة يومين، 16 و17 أكتوبر (تشرين الاول).
ترأس القمة الرئيسان كلينتون ومبارك، وشارك فيها كل من الملك عبد الله وكوفي أنان وخافيير سولانا من إسبانيا (ممثلاً الاتحاد الأوروبي)، لكن الوفد الأميركيّ هو الذي أدار اللقاء. سعينا في البداية إلى صياغة إعلان متفق عليه على المستوى الوزاري، لكن تبيّن بشكل جليّ أنّ ذلك مهمة مستحيلة. أصرّ الفلسطينيون على اعتراف الإسرائيليين بالخطأ وهو ما لن يحصل قطّ. وبعد قضاء عدة ساعات في محاولة صياغة وثيقة، اقترحت أن يعمد الرئيس إلى الاجتماع بكل زعيم على حدة. وفي تلك الأثناء، بدأ جورج تينيت وعمر سليمان ـ رئيس الاستخبارات المصرية ـ مناقشات مشتركة مع المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وبحلول المساء، دعاني جورج تينيت ليخبرني بأنهم يحرزون تقدماً ملموساً نحو إعداد خطة عمل أمنية متفق عليها ـ تمثل جوهر الإعلانات الموازية التي تطالب بوقف لإطلاق النار وأوامر فلسطينية إلى قوات الأمن والتنظيم بوقف العنف، وإقامة الفلسطينيين مناطق خالية من المظاهرات بالقرب من المواقع الإسرائيلية، وإعادة فتح الإسرائيليين مطار غزة والمعابر الدولية بعد أربع وعشرين ساعة، والانسحاب التدريجي للجيش الإسرائيلي في غضون أسبوع إلى المواقع التي كانوا فيها قبل 29 سبتمبر (ايلول). بدأ هذا التسلسل بإعلانات مشتركة لكنّه كان يتطلّب يومين من الامتثال الفلسطينيّ الواضح قبل أن يبدأ الإسرائيليون بالردّ بالمثل. كان المطلوب أن يبقى الاتفاق سرّياً. لم يكن يمكن بالطبع أن يتمّ أي شيء بسهولة، ومع أن الجوهر الأساسي للخطة لم يطرأ عليه تغيير، لكن الصياغة والعناصر الإضافية المتعلّقة بضرورة وقف التحريض الفلسطيني وممارسة ضبط النفس من قبل الإسرائيليين أصبحت مصدراً للنزاع. وفي النهاية، حصل آفي ديختر، الرئيس الجديد لجهاز الشين بيت، على موافقة باراك، لكن جبريل الرجوب قال لجورج إنه بحاجة إلى الحصول على موافقة عرفات الصريحة على الخطة.
وقرابة منتصف الليل، طلب تينيت عقد لقاء ثلاثي بين كلينتون ومبارك وعرفات للحصول على موافقة الأخير. رافقت الرئيس وتينيت في اللقاء، ورافق سليمان وأسامة الباز الرئيس مبارك. وكان الرجوب وأبو ردينة بصحبة عرفات. أنصت عرفات فيما كان جورج يتلو نقاط خطة العمل. لم ينطق الرجوب بكلمة واحدة، ولم يرد عرفات، الذي كانت رجله تنتفض بسرعة، ردا فورياً.
أشار عرفات إلى الحاجة إلى وجود مراقبين دوليين أو تشكيل لجنة على الأقل، كما لو كان يسعى إلى إعادة فتح كافة المسائل. أومأت الى الرئيس (كلينتون) بأني أودّ أن أقول شيئاً فطلب مني التحدث فقلت، «السيد رئيس السلطة، لدينا خطة عمل صاغها جورج تينيت وعمر سليمان، وكِلا الرجلين يعرفان احتياجاتك. وما قاما به يتطلب من كِلا الطرفين الانتقال بخطوات دقيقة جداً مرتبطة بجدول زمني. وبدون النهج المتفق عليه في ما يختص بالأمن، لن يحدث أي شيء. لن يكون هناك اقتراح أميركي، مع أننا بذلنا الكثير من الوقت في التفكير بواحد، ولا تخفيف للظروف التي يعاني منها شعبك، وسوف تخسر ما تبقى من فترة رئاسة كلينتون. وأنت قلتَ لي مراراً إننا لا يمكننا حل النزاع وصنع السلام إلا مع الرئيس كلينتون».
عند هذه النقطة، أومأ عرفات برأسه، وقال له كلينتون إنه بحاجة إلى مساعدته لتحريك الأمور قدماً. وافق عرفات على خطة العمل، لكننا كنا لا نزال بحاجة إلى الاتفاق على ما سيقال في نهاية القمة ـ ومن سيتلو البيان الختامي.
وبناء على المناقشات الجدلية التي سبقت بشأن البيان، كانت توصيتي بأن نصدر نحن الأميركيين تصريحاً بالنيابة عن جميع الأطراف. وهذا ما جنّبنا الحاجة إلى توقيع كل من الجانبين على التصريح، لكننا لا نزال بحاجة إلى الموافقة الأساسية على مضمونه لضمان عدم مناقضة أي من الجانبين لما قلناه. التقى الرئيس بعرفات وباراك كل على حدة في الساعات الأولى من الصباح وكذلك قبل إصدار التصريح لجمع توقيعيهما.
تضمن البيان ثلاثة أقسام جوهرية: يوضح القسم الأول الخطوات العامة التي سوف تتخذ لإعادة الأمن وإنهاء العنف ـ وهي الخطوات التي تشتمل على الخطوط العامة لخطة عمل جورج تينيت بدون إيضاح جدول زمني لهذه الخطوات; ويتناول القسم الثاني موضوع تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بناء على تنسيق الولايات المتحدة مع الإسرائيليين والفلسطينيين و«بالتشاور مع الأمين العام للأمم المتحدة». وستناط بهذه اللجنة مسؤولية تقييم الحقائق «فيما يتعلّق بالأحداث التي جرت في الأسابيع الماضية وكيفية منع تكرارها»; ويتحدث القسم الثالث عن إيجاد مسار للعودة إلى المفاوضات ينتج عن إعلاننا بأن الولايات المتحدة سوف تتشاور مع الفرقاء بشأن أفضل طريق لاستئناف «الجهود الهادفة إلى التوصل إلى اتفاق شرعي ودائم».
استطعنا أن نردم الخلافات بالإعلان عن أننا سنتشاور في موضوع لجنة تقصي الحقائق مع كوفي أنان بشأن ما تحصل عليه من معلومات وأنه سيترأسها أميركيون ـ عضوا مجلس الشيوخ السابقان جورج ميتشل ووارن رودمان ـ على أن تضم ممثلين أوروبيين ومسلمين. وعن مباحثات السلام، أعلنا بأننا سنجري مشاورات مع الجانبين تستغرق أسبوعين لتحديد أفضل السبل «للمضي قدماً».
قبل عرفات بالبيان آخر الأمر في لقاء جمعه مع الرئيس ومبارك قبيل إصدار الرئيس للبيان. لكن عمرو موسى أصرّ على رفضه حتى النهاية حيث رأى بأنه كثير العمومية ولأن على الإسرائيليين إعطاء إيماءات فورية مثل رفع الحصار عن الفلسطينيين ـ وهو أمر سيحدث في غضون أسبوع، على افتراض أداء الفلسطينيين ما عليهم في الثماني والأربعين ساعة الأولى. ولم يكتفِ مبارك بنقض مقترحات موسى فحسب، بل استبعده أيضاً من اللقاء الأخير بين كلينتون وعرفات (يعتقد البعض بأن تصرفات موسى في شرم الشيخ جعلت مبارك يستبدله كوزير للخارجية بعد ذلك بستة أشهر).
في اللقاء الخاص الذي جمع عرفات وكلينتون، قال عرفات للرئيس إنّه مستعد لعقد قمة أخرى لكنه شعر أنه من المهم بالنسبة إليه وإلى باراك عقد لقاءات منفصلة مع الرئيس أولاً لتمهيد الطريق. ونتيجة لذلك دعاه الرئيس إلى القدوم إلى واشنطن.
حصل عرفات على دعوة لزيارة واشنطن وحصلنا على بياننا عند انتهاء قمة شرم الشيخ، لكن عرفات أخفق مرة أخرى في أداء التزاماته. فقد صدر بيان عام باسم السلطة الفلسطينية يدعو إلى وقف العنف، لكن المناطق العازلة لم تظهر، ولم يتوقف التحريض، واستمر العنف. وبالتالي، توقّف الإسرائيليون عن الامتثال، بعد أن نفذوا بعض الخطوات الأولية. وعندما أجريتُ مع جورج تينيت اتصالات بالرجوب ودحلان، قيل لنا إنّ الرئيس سيفي بتعهداته لكنه بحاجة إلى الانتظار إلى ما بعد انتهاء القمة العربية المزمعة في 21 ـ 22 أكتوبر. كانت تلك القمة الأولى للجامعة العربية منذ أربع سنوات وأراد عرفات استخدامها لتبرير الخطوات التي ينوي اتخاذها حينها ـ أو هكذا قيل لنا.
* آخر عروض كلينتون لعرفات: دولة منزوعة السلاح والمجال الجوي بأراض فوق الـ90 في المائة
* لقاءات البيت الأبيض وقناة خلفية جديدة كنت أشك في نيات عرفات، بعكس الرئيس كلينتون، فإعادة تأسيس نفوذ له بين القادة العرب ومكانته في العالم العربي طغتا على مصلحته في وقف الانتفاضة في تلك الفترة الحاسمة. هل كان مستعداً في اللحظة الأخيرة، في الدقيقة الأخيرة، لعقد اتفاق سلام نهائي مع إسرائيل؟ بقيت غير متأكد، مع أن شكوكي تزايدت. إذا كانت له مصلحة في عقد اتفاق، فإن فرصتنا الأخيرة هي إبقاء الضغط عليه، ومن هذا المنطلق، كان علينا أن نلغي دعوته إلى البيت الأبيض، لكنّ ذلك لم يكن وارداً، لذلك سعيت إلى استخدام لقاء عرفات المتوقّع مع الرئيس كلينتون ـ وهو شيء يريده دائما ـ كورقة ضغط لكي يوقف الانتفاضة. وفي فترة الأسبوعين عقب القمة العربية، قلت لعرفات وللمحيطين به إنه من الصعب الاعتقاد بأن الرئيس سيكون على استعداد لمقابلته في البيت الأبيض إذا استمر العنف.
لم يتوقّف العنف، لكنه هدأ فعلاً في الأسبوع الذي سبق الزيارة. في الواقع، كان من غير المرجح إلى حد بعيد أن يلغي الرئيس كلينتون لقاءه تحت أي ظرف في تلك المرحلة، فقد كان مصمماً على محاولة تغيير الأوضاع، وكانت مدة رئاسته تقارب على نهايتها. من الواضح أن باراك لم يكن قد يئس بعد، وكذلك أنا بالرغم من شكوكي. وعلى ضوء سؤالي الدائم عما سيفعله عرفات عندما تحين لحظة الحقيقة، قلت للرئيس بأنه يحتاج في لقائه إلى اختبار عرفات لمعرفة ما إذا كان يريد التوصل إلى اتفاق. وافق الرئيس على ذلك: سيقوم بعرض الحدود الأساسية التي يمكن ضمنها التوصل إلى اتفاق ويسأل عرفات عما إذا كان مستعداً لقبولها.
في موضوع الأراضي والحدود، سيقول الرئيس لعرفات إن النتيجة النهائية بالنسبة للفلسطينيين في أواسط التسعينات في المائة. وفي موضوع الأمن، سيكرر الرئيس ما سبق أن قاله للفلسطينيين في سبتمبر (أيلول) عن دولة منزوعة السلاح، والمجال الجوي، وإعادة الانتشار في الحالات الطارئة، ومحطات الإنذار المبكر، والوجود الدولي، ومراقبة الحدود. وعن القدس الشرقية، وفي خطوة تتخطى كامب ديفيد وحتى ما ألمحتُ إليه في سبتمبر، سيتكلم عن مبدأ عريض: ما هو عربي سيصبح فلسطينياً وما هو يهودي سيصبح إسرائيلياً; وعن الحرم، سيقول إنه سيكون لكل طرف السيطرة على ما هو مقدس بالنسبة إليه. وفي موضوع اللاجئين، ستكون رسالته صريحة: لا يمكن أن يكون هناك حق للعودة إلى إسرائيل، لكن يمكن تأسيس صندوق دولي كبير للتعويضات.
وبيت القصيد في نهاية العرض: الرئيس بحاجة إلى أن يعرف من عرفات إذا كان يمكنه القبول بذلك. إذا كان الأمر كذلك، سيعمل الرئيس من أجل الوصول إلى اتفاق، وإلاّ فلن يكون في وسعه القيام بشيء آخر.
عندما دخلت البيت الأبيض للمشاركة في لقاء 9 نوفمبر (تشرين الثاني)، أدهشني توقيت ذلك اللقاء، فقد أجريت الانتخابات الرئاسية عندنا، ومع ذلك لم نتمكن بعد مضي يومين من معرفة من سيكون خليفة بيل كلينتون. بالنسبة إلى بيل كلينتون، ربما يكون ذلك لحظة للتفكير أكثر في بناء إرث له، لا سيما إذا كانت الانتخابات المتنازع عليها يمكن أن تؤثر على سلطة خليفته. قلت للرئيس إنه يجدر به أن يقول شيئاً عن الانتخابات، وكيف أنها لم تغير شيئاً بالنسبة إليه: سيغادر منصبه في غضون شهرين ونصف شهر، وهو بحاجة إلى أن يعرف الآن ما إذا كان التوصل إلى اتفاق أمراً ممكناً.
أومأ كلينتون برأسه مشيراً إلى موافقته. بدأ لقاءه بشرح معنى حصول انتخابات في الولايات المتحدة لا تكون نتيجتها حاسمة، وقال «الشيء الوحيد الأكيد هو أنني لن أكون الرئيس في 20 يناير (كانون الثاني)». ثم تحوّل إلى موضوع السلام في الشرق الأوسط، فكان عرضه لكافة القضايا تقريباً قريباً من الملخص السابق باستثناء قضية اللاجئين، حيث كان أقل صراحة مما كان مخططاً له، فاختار طريقة مختلفة لشرح سبب عدم قبول إسرائيل بحق العودة كمبدأ: لا يمكن التوقع من أي رئيس وزراء إسرائيلي أن يقدم تسويات مؤلمة في كافة القضايا ويسمح بوجود فتحة للاجئين تولّد على حد تعبيره «فيلاً في حجرة جلوسه بعد عشرين سنة»، مع عودة الشعب الفلسطيني الفتي جملة إلى إسرائيل.
في تلك اللحظة تناول عرفات من جيبه مقالة لصحيفة «هآرتس» تفيد بأن العديد من الروس الذين قدموا إلى إسرائيل إما أنهم ليسوا يهوداً أو أنهم لا يعتبرون كذلك في نظر الحاخامية في إسرائيل. وكانت وجهة نظره أنه إذا كان في وسع الإسرائيليين السماح بدخول هؤلاء الروس، فبوسعهم أيضاً السماح بذلك للفلسطينيين(*).1 وبالرغم من ذلك، سأل الرئيس عما إذا كانت الأطر التي أوجزها في صميم ما يمكنه الموافقة عليه، فردّ عرفات، «أجل». من الطبيعي انني أردت التأكد من أنه كان يعني ما يقول ـ أي أنه فهم ما طلبه الرئيس ـ لذا تدخلت وقلت «السيد رئيس السلطة، إن الرئيس يريد أن يعرف إذا كان ما عُرض عليك للتو مقبولاً من حيث الأساس بالنسبة إليك، وأنك تقبله كخطوط عامة لكل مسألة في الاتفاق».
ردّ عليّ عرفات، «أجل، مقبول كمبادئ». سألته ماذا عن التفاصيل؟ هل هي مقبولة؟ فلم يقل شيئاً. لم يكن بوسعه القول، لم يوافق على التفاصيل لأنها لم تُعرَض عليه. قال الرئيس كلينتون إن معرفة إذا ما كانت النقاط العامة التي اقترحها مقبولة هو ما يحتاج إليه الآن. وعاد عرفات إلى التأكيد بأنها كذلك.
بالنظر إلى الماضي، ربما حمّلنا إجابته الكثير من المعاني، وربما قال إنه موافق اعتقاداً منه أن ذلك سيمهد لأساس جديد في المفاوضات يتصف بالعمومية بما يكفي لكي لا يكون مقيداً له أو السماح لنا بالادعاء لاحقاً بوجود سوء نية لديه. لكن الرئيس وساندي ومادلين وأنا (وكافة أعضاء الفريق) رأينا في رد عرفات جواباً جدياً ـ جواباً يعني أن تلك الحدود تشكّل إطار عمل مقبولاً بالنسبة إليه للتوصل إلى اتفاق نهائي. فعرفات لم يكشف لنا قط أي شيء ذي معنى بالنسبة إلى الخطوط العامة لاتفاق الوضع النهائي. هنا، كان يبدو موافقاً على التسويات الأساسية لكافة القضايا الجوهرية، مؤكداً في الواقع على أنه قادر في اللحظة الأخيرة على اتخاذ القرار وصنع السلام.
من جهتنا، كنا متشوقين لإبلاغ باراك بأن عرفات يقبل بهذه الأطر كأساس لأي اتفاق. لكن في 12 نوفمبر، وعندما انضممت إلى الرئيس في اجتماعه الخاص مع باراك على مائدة العشاء في المطبخ الصغير الخاص بالرئيس خلف المكتب البيضاوي، بدا باراك غير متجاوب، فقد أصغى ببساطة إلى نقاط الاتفاق وإلى قبول عرفات بها كخطوط عامة، واختار عدم التعليق. وبدلاً من ذلك، عاد إلى التركيز على العنف، موضحاً أنه سيضطر إلى تشديد سياسته إن لم نشدد نحن سياستنا تجاه عرفات. كان ذلك مفهوماً من ناحية، لكنه غير محتمل بالنظر إلى ما أطلعناه عليه للتو.
لم نتقدم في مباحثات العشاء إلى أي مكان، فأثرت فكرة كنت قد تطرقت إليها مع عرفات أثناء زيارته: لمَ لا نفتح قناة خلفية بينه وبين أمنون شاحاك أولاً لنزع فتيل العنف ثم العمل على التوصل إلى تفاهم بشأن الوضع الدائم؟ لقد وافق عرفات على إنشاء هذه القناة، فلماذا لا تشرع في استخدامها لترى ما ستثمر عنه؟ وجهت السؤال إلى باراك فوافق على ذلك برغم أنه لم يكن متحمساً لها.
تبين بعد ذلك أنّ باراك أحجم عن فتح هذه القناة نحو أسبوعين. وعندما فعل، سرعان ما أدت إلى تراجع أعمال العنف. لا شكّ أن عرفات فاجأ شاحاك في اللقاء الأول عندما عرض القيام بخطوة اعتبر أمنون أنها أكثر صعوبة من تلك التي كان يثيرها: إرسال الشرطة الفلسطينية إلى بيت جالا (القريبة من بيت لحم) لمنع الفلسطينيين من إطلاق النار على حي جيلو في القدس. كان لذلك مغزى بالنسبة إلى الإسرائيليين أكثر من وقف العنف في غزة.
لكن لسوء الحظ، بعد هذه البداية الطيبة، وقعت حادثة في غزة قَتل فيها أحد أفراد جهاز الأمن الوقائي التابع لدحلان أحدَ الإسرائيليين. ألغى أمنون اللقاء التالي، لكن مع تضاؤل وتيرة العنف، وافق أمنون على استئناف المناقشات مع وضع قضايا الوضع النهائي الآن على طاولة البحث. وفي اللقاءات التالية، طلب عرفات أن يعود جلعاد شير وصائب عريقات إلى البحث في تفاصيل مختلف القضايا، وهذا ما قاما به.
استمرت الأوضاع في التحسن، وتوقف المشاغبون والمتظاهرون خلال شهر نوفمبر، لكن استمرت حوادث إطلاق النار في إثارة المشاكل، وبخاصّة داخل الضفة الغربية أو منها ضد الإسرائيليين. وقد كان يقع أكثر من أربعين من مثل هذه الحوادث يومياً إلى أن استؤنف الاتصال على القناة الخلفية. ثم انخفض عددها بعد ذلك إلى ست أو سبع حوادث يومياً. وصرنا نعتقد الآن كما الإسرائيليون، أن عرفات يبذل جهداً حقيقياً لإعادة السيطرة على الوضع. وأظهرت محادثاتي مع يوسي غينوسار وجلعاد وأمنون وصائب ومحمد دحلان ومحمد رشيد، إحراز تقدم في مناقشات الوضع النهائي.
اقترح الطرفان أن الوقت قد حان لكي أجتمع بعرفات. لم أرغب في الذهاب إلى المنطقة الآن لأن لجنة تقصي الحقائق التي يرأسها ميتشل كانت هناك في رحلتها الأول، ولكي تكون مستقلة، كان من المهم بالنسبة إلي أن أبقي نفسي بعيداً عن هذه المجموعة. واقترحت بالمقابل إجراء لقاء في المغرب، فوافق عرفات على الفور.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena20حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena11حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena30
حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Unbena23




حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Empty
مُساهمةموضوع: رد: حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس    حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Icon_minitimeالخميس يوليو 14 2016, 22:39

الاخيره 

ودعت الفريقين بعد ظهر يوم الجمعة في 22 ديسمبر (كانون الأول) قائلاً لهم إنّنا استمعنا بانتباه لكلا الطرفين وأن ما سيعرضه الرئيس (كلينتون) سيعكس أفضل ما توصل إليه بشأن ما يحتاج إليه كل طرف، لا ما يريده. وفي وقت متأخّر من ذلك المساء، اتصل بي جمال ليخبرني بأن دحلان يريد أن يراني. سألته، «هل ذلك ضروري فعلاً ؟» فرد جمال بأن دحلان يشعر بأن «عليه أن يجتمع بك». وبعد ذلك قام جمال باصطحابه إلى منزلي قرابة منتصف الليل.
كان محمد دحلان مسؤول قوات الأمن في غزة، وقد تخطى دوره بمرور السنين مجال الأمن، وصار عرفات يستخدمه في كافة مفاوضاته الحسّاسة، وبخاصّة أثناء فترة نتنياهو. وبعد أن شكرني لاستقبالي له، لم يضع وقتاً في المجاملات وطرح عليّ سؤالاً مباشراً: «ماذا تريدنا أن نأكل غداً صباحاً ؟» عرفت أنه يسأل عمّا سيكون من الصعب عليهم تجرّعه.

بعد أن أصبح الرئيس جاهزاً لتقديم أفكاره في أقل من عشر ساعات، لم أرَ أي سبب للإحجام، لا سيّما بشأن ما سيكون صعباً عليهم على الأقل (يشير المؤلف هنا الى الفلسطينيين .. الإيضاح من «الشرق الأوسط»). فقلت «لن أبلغك كافة المقترحات يا محمد (دحلان)، لكنّني سأقول لك ما ستجده صعباً عليك»، فأومأ برأسه. تابعت حديثي قائلاً إنّ عليهم القبول بحق الإسرائيليين في نشر قواتهم وصولاً إلى نهر الأردن في الحالات الطارئة; وعليهم القبول بإسقاط حق عودة اللاجئين إلى إسرائيل، مع أنه سيوفر لهم بعض الغطاء الخطابي; وفي حين أنّكم ستحصلون على السيادة على الحرم، فإنّهم سيحصلون على السيادة على الحائط الغربي والحيّز المرتبط به.

تكدّر وجهه وقال: «ألا يمكن أن تأتي بما هو أفضل لنا؟» هززت رأسي قائلاً: لا سبيل إلى ذلك. ومع أن الأمر قد يبدو صعباً بالنسبة إليك، فأنت تعرف، مما لم أقله لك، أن الأمر سيكون أصعب على باراك، ونظراً إلى المزاج السائد في إسرائيل، لست واثقاً حتى مما إذا كان في وسعه تنفيذ ما نطلبه.

لم يجب دحلان، لكنه لم يدع أمامي مجالاً للشك بأنه لم يكن سعيداً. وفي تلك اللحظة، أردت أن أعرف إذا ما كان ذلك تصنّعاً، وإذا لم يكن كذلك، إعطاؤه وإعطاؤنا طريقاً للخروج من هذا الموقف. قلت له، «ليس هناك مجال لتليين ما نطلبه منكم أكثر من ذلك، لكن لا مصلحة لدينا في عرض أفكار لا يمكنكم قبولها وتكونون مضطرين إلى رفضها. وأنا شخصياً لا رغبة لديّ في فشل آخر عمل كبير لكلينتون في فترة رئاسته. لذلك إذا قلت لي إنّه لا يمكنكم قبول هذه الأفكار، فسوف أطلب من الرئيس عدم عرضها. ليس عليك أن تقرر الآن، لكنّني أحتاج إلى ردّ في الساعة الثامنة صباحاً».

بقي دحلان ساكناً بضع دقائق ثم قال بهدوء:«إمض قدماً واعرض الأفكار». بصرف النظر عن تحفظاته، اختار عدم سلوك الطريق الذي وفرته له للخروج. وكان يعتقد، عن صواب أو خطأً، أن عرفات سيقبل بها.

* قناة المغرب.. وكيف منح أبو عمار السلام أملا جديدا بالرباط

* لم يكن في وسعي الذهاب إلى الرباط لرؤية عرفات من دون أن ألتقي بالملك أولاً. ورث الملك محمد عاهل المغرب العرش عقب وفاة والده في صيف عام 1999، كان صغيراً في أواسط الثلاثينيات من عمره دمث الخلق وحسن المظهر. كان رجلاً ذكياً وعلى استعداد لدعم مهمّتي مع عرفات، معتقداً أننا كنا على وشك خسارة فرصة تاريخية. شعرت بالسعادة لهذه الاستجابة، لكنّني كنت أعرف أيضاً أنه لم يكن يحظَ بالنفوذ الذي يتمتّع به والده. وبعد أن أعلنت أنّني سأترك عملي كمفاوض أميركي في نهاية فترة ولاية كلينتون في يناير (كانون الثاني)، مازحت فريقي بعد مقابلة الملك وقلت: عندما نبحث عن الأسباب العشرة الأولى على طريقة ديفيد لترمان، لمعرفة متي يحين الوقت المناسب لترك عملية السلام، فقد شهدت السبب الأول في اللائحة: عندما تنتقل من كونك أصغر من كل القادة الذين تتعامل معهم لتصبح أكبرهم سناً (لقد بلغت للتو الثانية والخمسين، أي أكبر بعشرين سنة تقريباً من الملك الشاب).

لم ِأكن أكبر سناً من عرفات بالطبع، لكنه لم يكن يظهر سنّه في هذا اللقاء. كنّا في شهر رمضان، فبدأنا لقاءنا بعد تناول وجبة الإفطار عقب غروب الشمس. كان مزاجه رائعاً. وبعد أن أطلعنا صائب على لقاءاته مع جلعاد، وتحدّث عن الموضع الذي يقفان عنده بشأن الأمن والقدس على وجه الخصوص، طلبت مقابلة الرئيس على انفراد.

بدأت لقاءنا الخاص بتذكيره بأنّه كان يقول دائماً إنّه لن يتمكّن من التوصل إلى اتفاق إلا مع الرئيس كلينتون، وإنني أوافقه في تقديره. ولهذا السبب قررت الاستقالة من منصبي مع انتهاء مدة ولاية الإدارة ، فإما أن نصل إلى اتفاق الآن وإما سيحدث انقطاع طويل. ومع أن النزاعات في المحاكم بين بوش وغور لم تكن قد حُلّت بعد، فقد أخبرت عرفات بأنّني أعتقد أنّ بوش سيربح وأنّه من غير المرجح أن تصرف إدارة بوش الكثير من الوقت على السلام في الشرق الاوسط، وبخاصّة إذا فشل الرئيس كلينتون، بعد كافة الجهود التي بذلها، في التوصل إلى اتفاق.

في البداية قال عرفات، «آمل ألاّ تترك منصبك، فنحن بحاجة إليك، بل إن كِلا الطرفين بحاجة إليك». كانت المسافة التي تفصل بيننا في جلستنا لا تزيد عن ثلاثة أقدام. قلت له، «سأترك منصبي لذا دعنا نحاول إنهاء هذا الأمر. لم يتبقّ أمامنا سوى خمسة أسابيع. وليس لدينا وقت نضيعه. لن أقوم بخداعك، وأنت لن تخدعني. دعنا نتصارح معاً. أنت تعرف ما يمكن للإسرائيليين أن يفعلوه في هذه القضايا، وأنت الوحيد الذي يعرف ما يمكنك قبوله في نهاية الأمر. وكلانا يعرف أنك أنت الذي سيقرر. وأودّ أن أعرف، هل التوصل إلى اتفاق أمر ممكن؟».

نظر عرفات إليّ بانتباه وقال، «أجل، الاتفاق ممكن». سألته لماذا؟ فردّ عليّ قائلاً، «إنّني جادّ وهم كذلك».

لم يكن هذا الجواب كافياً بالنسبة إليّ لذلك قلت، «أنت تتحدث عن النيات وأنا أسألك عن الإمكانيات. أريد أن أعرف منك ما إذا كان هناك اتفاق على أساس معرفتك بما يمكن للإسرائيليين فعله. هل الأمر ممكن؟ قال «نعم» ثانية، فسألته ثانية لماذا؟ فكرّر إجابته « لأنّي جادّ وهم كذلك».

قلت له، «لنكن أكثر تحديداً. سأسرد عليك ما أعتقد أن في وسع الإسرائيليين القبول به في نهاية المطاف، وعليك أن تقول لي إن كنت تقبله أيضاً، وبهذه الطريقة فقط يمكننا معرفة إذا ما كنا سنتوصل إلى اتفاق»، فأومأ برأسه. قلت له سأقول لك ما يمكن باراك أن يقبل به وفقاً لما أعتقد. بشأن الأرض، «سيحتاج إلى ضم ما بين 7 و8 في المائة، ويمكنه القبول بمقايضة 2 في المائة. وستحصل على ما بين 94 و95 في المائة من الأرض». وبشأن القدس، يمكنه القبول كحد أقصى بمبدأ أن«ما هو عربي فإنه فلسطيني وما هو يهودي فإنه إسرائيلي»، لكنه يحتاج إلى السيادة على المواقع التاريخية والدينية مثل «المقبرة اليهودية في جبل الزيتون ومدينة داود في قسم من حي سلوان في المدينة القديمة»، وستكون السيادة على أساس مبدأ التقسيم «ما هو عربي فهو لك وما هو يهودي فهو له»، لكن سيكون هناك نظام خاص يحكم الواقع اليومي. وبشأن الحرم، يمكنه «القبول بسيطرتك على السطح طالما كان يملك السيطرة على ما هو دون السطح». توقفت قليلاً ثم قلت، «هذا جوهر ما يمكنك الحصول عليه من الإسرائيليين. والآن، هل يمكنك القبول بذلك؟ هل يمكنك التوقيع على اتفاق استناداً إلى ذلك؟».

أجاب ببساطة، «نعم». نظرت إليه فيما بقيت عيناه تحدّقان بي.

وفيما كنت أودّعه، تساءلت عما حصلت عليه حقيقة. هل هو جادّ بشأن التوقيع على اتفاق كما بدا لي في المناقشة؟ قررت أن أذهب إلى سفارتنا في الرباط وأجري مكالمات سرّية مع مادلين لأخبرها بما جرى في لقائنا، ومع مارتن لكي يطلع باراك.

كان الكلّ متحمساً، وسألوني جميعاً لماذا لم أكن كذلك. أجبت كلاً منهم إنني لست واثقاً بشأن عرفات. خشيت أنه يعتقد أن كلاً من باراك وكلينتون متلهف للتوقيع على اتفاق.

* .. وأخيرا وبالتفاصيل : كيف حرر عرفات شهادة الوفاة لمقترحات كلينتون ؟

* عقب لقاء عرفات بالرئيس التونسي بن علي واتصال وزير الخارجية بن يحيى بالرئيس كلينتون طالباً منه مقابلة عرفات، دعا كلينتون عرفات للقدوم إلى واشنطن وعقد اجتماع في 2 يناير (كانون الثاني). وقبل الاجتماع بالرئيس في البيت الأبيض، ذهب السفير السعودي بندر بن سلطان والسفير المصري نبيل فهمي لمقابلة عرفات في الفندق الذي كان ينزل فيه بواشنطن. واستناداً إلى ما قاله محمد رشيد الذي حضر اللقاء، فقد ضغطا على عرفات بقوّة لحمله على القبول بمقترحات الرئيس، قائلَين له إنّ القرار عائد إليه، لكن عليه أن يدرك بأن ذلك أفضل اتفاق سيحصل عليه وأن إدارة بوش الجديدة ستتملّص على الأرجح من القضية; وأنه سيكون من مصلحته في الحد الأدنى أن ترى الإدارة الجديدة أنه قال نعم. لقد وفى بندر بوعده لي وأشرك المصريين في المباحثات أيضاً.

لم يكن عرفات للأسف أهلاً لصنع السلام. فبعد لقائه بالرئيس كلينتون، بدا واضحاً: أنه ليس مؤهلاً لوضع حدٍ للنزاع، وأنه رفض من الناحية العملية مقترحات الرئيس. فتحفظاته كانت قاتلة للاتفاق، متضمنة رفضه الفعلي لقسم الحائط الغربي من الصيغة المتعلقة بالحرم، ورفضه للعناصر الأكثر أساسية للمتطلبات الأمنية للإسرائيليين، ورفضه صيغتنا الخاصة بحل مشكلة اللاجئين. وكل هذه التحفّظات قاتلة للاتفاق.

بالنسبة إليّ، ما من شك في أن ذلك كان نهاية الطريق. لكن بسبب الانتخابات الإسرائيلية حاولنا القيام بمغامرة أخيرة. فمع إلحاح باراك لكي يسافر الرئيس إلى المنطقة، كان الرئيس مستعداً لآخر رمية لحجر النرد. ظننت أن ذلك ضرب من الجنون، لكن الرئيس لم يكن مستعداً لقول لا لباراك، وكان مستعداً حتى في الأسبوعين الأخيرين المتبقيين من مدة ولايته الرئاسية للسفر إلى إسرائيل والاجتماع بباراك وعرفات. فقد وجد الرئيس كلينتون أن من الصعب عليه قطع الأمل، وخصوصاً أنه كان يعتقد أن الهزيمة المؤكدة لباراك تنذر بتوقّف عملية السلام في الشرق الأوسط لوقت طويل. ولم يكن الرئيس يؤمن بأنّ الوضع سيكون مأموناً في غياب أي أمل في السلام. بل كان يخشى من تدهور الأوضاع بما يُنزل خسائر ثقيلة بالفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍ سواء.

كنت أشاطره ذلك التحليل، لكنني شعرت بأن إدارتنا تجاوزت المرحلة التي تمكّنها من إحداث أي تغيير. ومع ذلك ، لم يكن في استطاعتي ثني الرئيس عن الذهاب إلى المنطقة بالمحاجّة ضدها فحسب، لذلك اقترحت القيام باختبار أخير: ينبغي على الرئيس أن يتصل بعرفات ويقول له إنه آت إلى المنطقة لإبرام اتفاق، لكن فقط في حال أعدّ اتفاق تفاهم مع الإسرائيليين حول القضايا الجوهرية المتعلقة بالقدس واللاجئين والأمن والحدود. وسيطلب الرئيس من عرفات الاجتماع بأمنون شاحاك وشيمعون بيريز، وهما أكثر من يثق به من الإسرائيليين، لمدة أربع وعشرين ساعة بدون انقطاع لحل كافة الأمور العالقة أو إيجاد طريقة لمعالجة تلك الأمور في الحد الأدنى. وفي حال اتصل الفريقان بالرئيس معاً بعد انتهاء تلك المدة وأبلغاه بأنهما تمكنا من التغلب على خلافاتهما، فسوف يأتي الرئيس إلى المنطقة ويترأس عملية وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقهما.

أُعجب الرئيس كلينتون بالفكرة، فأطلع عليها باراك ـ الذي أعجب بها أيضاً ـ واتصل بعد ذلك بعرفات. تصرّف عرفات كشخص ينوي الذهاب إلى طبيب أسنان. إنه يودّ القيام بذلك، لكنه لن يكون متوفراً لأنه ذاهب للاجتماع بالرئيس التونسي بن علي. كتبت ملاحظة إلى الرئيس قلت له فيها إنك تعرض عليهم فرصة تاريخية، أنت على استعداد للقيام بهذه الخطوة العظيمة، وهو مشغول كثيراً. ما الذي يمكننا استنتاجه من ذلك؟

ألح الرئيس عليه، لكن جلّ ما كان في استطاعة عرفات القيام به كان محاولة جمع المفاوضين مجدداً. «يمكن لصائب أن يلتقي ببيريز»، وسوف ينضم إليهما لاحقاً بعد أن يلتقيا. وكانت هذه كلمة لا أخرى. فلو كان عرفات يبحث عن طريق لإبرام اتفاق فعلاً ـ جزئي أو كامل ـ فهذه كانت فرصته، حتى وإن تزامن ذلك مع انتهاء مدة ولاية كلينتون.

كم مرة قال لنا فيها عرفات لا قبل أن نسمع كلمة «لا»؟ كم مرة يمكن التماس الأعذار له؟ إن أولئك الذين يجادلون بأنّ الوقت داهمنا يتجاهلون الفرص العديدة التي رفضها عرفات. وهم يتجاهلون أنّ كلينتون عندما وضع أفكاره عملياً على الطاولة في نهاية سبتمبر (أيلول)، سمح عرفات ببدء الانتفاضة أو، كما يرى البعض، أعطى أوامره بإشعالها. وهم يتجاهلون رفضه الفعلي لدقائق أفكار كلينتون. وهم يتجاهلون رفضه المستغرب لعرض الرئيس غير العادي للمجيء إلى المنطقة في أيام رئاسته الأخيرة.

بل إنّهم يتجاهلون محاولة النفس الأخير من جانب الإسرائيليين للخروج برسالة مشتركة من باراك وعرفات يمكنها تلخيص أوجه الاتفاق وأسس المفاوضات، إلى الرئيس كلينتون عند مغادرته لمنصبه. فقد قدم جلعاد إلى واشنطن في أوائل يناير للعمل على هذه الرسالة معنا. وكان هو وزملاؤه يدركون الآن بأن الانتخابات قضية خاسرة، فباراك سيخسر الانتخابات، وكانت الرسالة جهداً لتثبيت نقاط الاتفاق بطريقة يمكن أن تكبل يدي شارون بعد أن يصبح رئيساً للوزراء. ولم يكن عرفات مستعدّاً للقيام حتى بذلك لأنّ ذلك يتطلّب منه الاعتراف بتقديم تنازلات من جانبه. بل حتى وضع حدود دنيا جديدة مفيدة للفلسطينيّين لم يكن كافياً لعرفات، الذي لم يكن في النهاية راغباً في الظهور بمظهر المتنازل عن أي شيء.

لقد أظهر ياسر عرفات بشكل حاسم أنّه لا يستطيع إنهاء النزاع. وقد بذلنا كل جهد يمكن تصوّره للقيام بما اضطررنا للقول بأنّه مستحيل مع ياسر عرفات.

ففي الأسبوع الأول على تولّي بوش الرئاسة، توجّه المفاوضون من الجانبين إلى طابا، بمصر. ولم يكن الهدف الحقيقيّ الوصول إلى اتفاق، بل محاولة من الجانب الإسرائيليّ لتقييد ما يمكن أن يفعله شارون، ومحاولة من الجانب الفلسطينيّ لإقناع إدارة بوش بأفكار كلينتون.

لم يكن أي من الهدفين سيتحقّق. هل اقتربنا من الاتفاق؟ نعم. هل كان المفاوضون الفلسطينيّون مستعدّين لقبول الاتفاق المتاح؟ نعم. هل فشلنا في النهاية بسبب الأخطاء التي ارتكبها باراك وارتكبها كلينتون؟ لا، فقد كان كل منهما، بصرف النظر عن الأخطاء التكتيكيّة، مستعدّاً لمواجهة التاريخ والخرافة. وكان قائد واحد فقط غير قادر على مواجهة التاريخ والخرافة أو غير راغب في ذلك: ياسر عرفات.

لقد انتقد أنور نسيبة بشدّة مفتي القدس لأنّه نجح في أن يكون رمزاً وفشل كقائد. ومن المأساويّ للفلسطينيّين والإسرائيليّين على السواء، أنّ هذه الكلمات تعبّر عن جوهر عرفات بعد ذلك بثلاثة وثلاثين عاماً.

* روس لأبي علاء في مأتم مقترحات كامب ديفيد: سيأتيكم شارون فتذهب عاصمتكم من القدس ويسقط حق عودة اللاجئين

* بعد وقت قصير على حديثي مع يوسي (بيلين)، اتصل بي أبو علاء وقال إنّ «الرئيس طلب مني الذهاب لرؤيتك». )الإشارة بكلمة الرئيس لعرفات، الإيضاح من «الشرق الأوسط» ) فقلت له، «أنت صديقي يا أبا علاء، وأنا أرغب دائماً في رؤيتك، لكننا لن نتكلم عندما تأتي لزيارتي عن المقترحات. فالرئيس لن يسمح لي بذلك. يتعين حصولنا على موافقة أولاً قبل أن يمكنني التحدث بشأنها». من الواضح أني خيبتُ أمله بقولي إنه لا جدوى من مجيئه في هذه الظروف. لكن عرفات لم يكن ليستسلم، لعلمه بالعلاقة التي تجمع بيننا بوجه خاص. وفي غضون نصف ساعة عاد أبو علاء إلى الاتصال ثانية وقال، «يرغب أبو عمار مني المجيء مع أنك قلتَ إنك لن تتحدث عن المقترحات». قلت له، حسناً أنت تعلم بأنني أسعد دائماً لرؤيتك.

كان أبو علاء سيزور واشنطن في 29 ديسمبر (كانون الأول)، أي بعد يومين على استحقاق موعد تقديم الردّ (على مقترحات كلينتون). جمع باراك وزارته الأمنية يوم السابع والعشرين في القدس حيث صوّتت على القبول بأفكار كلينتون مع التحفظات. لكن هذه التحفظات كانت ضمن الحدود المرسومة، لا خارجها. لقد قبلت حكومة باراك الآن وبشكل رسمي الأفكار التي ستقسّم من الناحية الفعلية القدس الشرقية، وتنهي وجود الجيش الإسرائيلي في وادي الأردن، وينتج عنها دولة فلسطينية على ما يقرب من 97 في المائة من الضفة الغربية، وعلى 100 في المائة من غزة.

لم يصلنا من الفلسطينيين في السابع والعشرين سوى رسائل مشوشة، بعضها يوحي بأن الأفكار سوف ترفَض، وبعضها كان يقترح الحاجة إلى إجراء مزيد من المباحثات. ناشدنا مبارك أن نمنح عرفات مزيداً من الوقت وألا نعامل عدم الإجابة بمثابة رفض للمقترحات. وافق الرئيس كلينتون على ذلك، مع أنه كان على اتصال يوميّ بالقادة العرب لحثهم على الضغط على عرفات وقبول العرض لئلا يفوّت فرصة تاريخية.

في 29 ديسمبر، وصل أبو علاء وانضم إليّ جمال في اللقاء الذي جمعني به وبمحمد رشيد. كانا يدركان أنّني لن أتحدث عن المقترحات واقتصر الحديث على أن عرفات يتعرض لضغط شديد لكي يقول لا. سألتهم، هل يدركون عواقب ذلك؟ فقالوا نعم. ألم يكن فيهم من يرى أن هذا هو أفضل اتفاق يمكنهم الحصول عليه؟ بلى، لكنهم ليسوا واثقين من النتيجة. وعندها طلبت الجلوس على انفراد مع أبي علاء.

وعندما أصبحنا لوحدنا، قلت له إنّك صديقي وأنا لا أرغب منك في أن ترجع بعد ثلاثة أشهر وتقول، «أنت لم تقل لي أبداً ماذا سيحدث فعلاً إذا قال رئيس السلطة لا». لذلك دعني أقول لك: «أولاً، سأكون قد رحلت. ربما أكون ذلك الشخص الذي يكرهه زملاؤك، لكنني الشخص الوحيد أيضاً الذي يوقظونه في الساعة الثالثة صباحاً عندما يواجهون مشكلة. أنت تعلم أني أفهم مشكلاتكم وحاجاتكم وتطلّعاتكم جيداً. وأنت تعلم أنه غالباً ما يكون شرحي لها أفضل من شرحكم. لن تجدوني بعد الآن، لكن للأسف، سيكون غيابي أقلّ ما يقلقكم. والأهم من ذلك أن الرئيس كلينتون سيرحل، وأنه سوف يستبدَل برئيس جديد خسر التصويت الشعبي. سيصبح جورج دبليو بوش الرئيس بدون أي رصيد سياسي تقريباً. وهو لا يبدي اهتماماً بهذه القضية، والناس من حوله يكرهونها ويعتقدون أنها قضية ميؤوس منها. وبعد أن شاهدوا كلينتون وهو يستثمر موارد الرئاسة فيها ويشعر بالضجر من عرفات، لن يرغبوا في فعل شيء مع عرفات. وهم يعتقدون أننا تساهلنا كثيراً مع عرفات.

«تذكّر هذه الكلمات، سوف يتملصّون من هذه القضية، وسيقومون بذلك في الوقت الذي لا يكون لديكم فيه باراك ولا أمنون ولا شلومو، وذلك عندما يكون لديكم شارون رئيساً للوزراء. سوف يُنتخب بكل تأكيد إذا لم يتم التوصّل إلى اتفاق، وعندها ستصبح نسبة 97 في المائة 40 إلى 45 في المائة، وتذهب عاصمتكم من القدس الشرقية، ويبقى الجيش الإسرائيلي في وادي الأردن، ويسقط حق عودة اللاجئين غير المشروط إلى دولتكم. أنت تعلم بأنّني أصدقك القول يا أبا علاء». نظر إليّ بأسى وبإشارة إلى الرضوخ التام قال، «أخشى أن يتطلب حل القضية خمسين سنة أخرى». انتهى اللقاء ولم أعرف أيّنا كان أكثر شعوراً بالإحباط.


حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس  Books.261623

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

حلقات من كتاب " السلام المفقود " .......دينيس روس

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» أسرار المخابرات السوفييتية في أمريكا .......حلقات
» تغطية حادثة سقوط الإف 16 المغربية في اليمن
» من حافة التاريخ.. حياة اللواء المتقاعد طاهر الزبيدي......حلقات
»  تقرير استخباراتي اسرائيلي حديث : الطيار الاسرائيلي المفقود رون اراد مات مبكرا في الأسر
» كتاب " ابو نضال : بندقيه للايجار " بقلم الكاتب باتريك سيل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العسكري العربي :: الأقســـام العسكريـــة :: التاريخ العسكري - Military History :: الشرق الأوسط-