السلام عليكم
كما وعدتكم منذ أيام فقد تسنت لنا الفرصه ان نلتقي باحد شهود العيان على احداث جرت في الشرق الاوسط منذ عقود الى حد الان
هذا الشاهد وافق " ولكن بشروط " على الادلاء بشاهدته بمنتدانا وبشكل حصري وباسلوب الرد على اسئله طرحتها عليه واجابني عليها مشكورا
هذا الشاهد هو ضابط رفيع الرتبه في الجيش العراقي السابق وبصنف " مدفعية الميدان "
وقد شارك بمعظم الحروب التي خاضها العراق
الحلقه الثانيه هي " غزو الكويت وحرب الخليج الثانيه "
نبدأ بالحوار :
س / كيف حدث غزو القوات العراقيه للكويت في 2 اغسطس / اب 1990 ؟
حدث غزو الكويت وبحسب ما تأكدت منه من أقاربي الذين كانوا على مقربة قريبة جدا من صناع القرار (صدام حسين وأولاده وأخيه علي حسن المجيد وعزت الدوري وطارق عزيز وصهريه حسين وصدام كامل) بأن صدام حسين وقبل أعلانه الحرب على إيران عام 1980 قد سافر الى المملكة العربية السعودية وأجتمع حينها بملوك وشيوخ دول الخليج وعرض عليهم الخطر الإيراني (تصدير الثورة الإيرانية الى دول المنطقه) ومن أن الملوك والشيوخ قد أيدوا صدام حسين وأبدوا إستعدادهم الكامل لإمداد العراق بكل ما يحتاجه من مال وسلاح ودعم عربي ودولي !
وقد أوفوا بكل ما عاهدوا صدام حسين عليه . ولكن من بعد توقف الحرب خرج العراق مديونا الى الكثير من دول العالم وكذلك قيام دول الخليج بضخ النفط بكميات ضخمة جدا أثرت على سعر البرميل وصاحبها الخلاف على الحدود بين العراق والكويت .وأدى ذلك الى تعنت الكويت وتقديم قائمة بالديون الى العراق لغرض دفعها !
ثم حدثت مشادة كلاميه يوم 31 يوليو بين عزت الدوري ممثل الجانب العراقي وبين سعد العبد الله ولي عهد الكويت " في اجتماع بمدينة جده السعوديه " . وكان قد سبق كل ذلك تحشيد صدام حسين لقوات الحرس الجمهوري العراقي على الحدود مع الكويت قبل نحو 20 يوما من ذلك الإجتماع .
ومن بعد إقتراح صدام حسين فكرة تنفيذ الغزو للكويت وتأييد عزت الدوري وعلي حسن المجيد وولدي صدام حسين ومن دون اخذ مشورة وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش .
قام صدام حسين بطلب قائد الحرس الجمهوري أياد فتيح خليفة الراوي وأمره بأن يتخذ جميع التدابير اللازمة لغزو الكويت وأن يلتزم السر الكامل لإنجاز ذلك وحذره من ان يعلم أي احد بذلك الامر سواه.
ولم يستشير الرئيس صدام حسين الفريق الركن اياد فتيح خليفة الراوي " قائد الحرس الجمهوري " وإنما فقط أمره !!!
وكان ذلك الأمر مباشرة من بعد إجتماعه بعزت الدوري مساء يوم 31 يوليو /تموز.
وقام الراوي " اي قائد الحرس الجمهوري " بالإجتماع بقادة فرق الحرس الجمهوري وبحضور عدد من منتسبي المخابرات العراقي من العاملين سرا في الكويت أصلا من التنكر بالزي العربي ومن الدخول خلسة بسيارات البيك آب من أجل إستطلاع الكويت وتخصيص واجب كل فرقة وقد تم ذلك الى مساء يوم 1 آب 1990 .
وتم الهجوم من محورين رئيسيين (رغم الصدمة الكبيرة لنا جميعا فقد كنا نتصور بأن الامر سوف لن يصل الى كل ذلك ) وكانت المحاور:
1- المحور الأول طريق صفوان - منطقة العبدلي- الطريق البري الى مدينة الجهراء ومن ثم تتوزع الوحدات للسيطرة على لواء المشاة الكويتي السادس ولواء الدروع /35 وقيادة قوات المطلاع ومن ثم الإندفاع يمينا للسيطرة على القاعدة الجوية في منطقة السالمي .
2- المحور الثاني يتقدم من قاعدة أم قصر البحرية المتاخمة للحدود مع الكويت ومن ثم السيطرة على جزر وربه وبوبيان وفيلكا ومن ثم تندفع باقي القطعات الى قلب مدينة الكويت وتتوزع الى يمين ويسار إبراج الكويت .
تم تكليف قوة من عنغاصر المخابرات العراقية مع سرايا قوات خاصه حرس جمهوري لغرض السيطرة على قصر دسمان ومن أجل أسر شيخ الكويت الأمير جابر الاحمد الصباح وباقي الوزراء والمسؤولين الكويتيين.
ورغم تأكيد عناصر المخابرات بان الامير ما يزال في القصر فجر يوم 2 آب " الساعة 4 فجرا تحديدا " الا انه على ما يبدو قد ترك القصر هربا الى المملكة السعودية عن طريق " الطريق السريع الرابع " المؤدي الى منطقة النويصيب على الحدود مع السعوديه.
وإستمرت عملية الغزو بحدود يوم واحد ليس اكثر .
وقد واجهت قوات الحرس الجمهوري مقاومة من قبل الجيش الكويتي في منطقة المطلاع وكذلك في محيط قصر دسمان من قبل مدرعتين وأيضا من قبل بعض طلبة الكلية العسكرية وأيضا من قبل بعض المنتسبين للحرس الوطني الكويتي .
س / بصفتك ضابط مدفعيه , ماهي استعدادات القوات العراقيه لحرب " عاصفة الصحراء " او " حرب الخليج الثانيه " او " ام المعارك " ؟
الشاهد : التحضيرات لحرب عام 1991 كانت تتركز على صلاحية الأسلحة كافة وإصلاح العاطل منها وإكمال النقص في الاعتدة وكانت الاوامر تاكد على الإنتشار والتبعثر في مواضع الأسلحة والأشخاص .
وكذلك أن تكون الملاجيء تحت الأرض بالكامل وان لايظهر أي شيئ منها على الارض وأيضا تكديس الماء والطعام .
ولكن بطبيعة الحال فان موقف الأسلحة الثقيلة كان سيئا للغاية .بسبب أن أغلب تلك الأسلحة متعبة ومستهلكة من حرب الثماني سوات ضد إيران وذلك ليس بالشيئ البسيط إطلاقا !
وكانت نفسيات المقاتلين متدنية جدا جدا وبقائهم في اماكنهم كان تفاديا للإعدام الميداني الذي كانت القياده العراقيه العسكريه تؤكد على تنفيذه حرفيا بحق اي جندي او ضابط ينسحب او يتسرب من موقعه بدون اوامر !
س / بدأت حرب الخليج الثانيه ليله 16-17 يناير / كانون الثاني 1991 , ماهو دور المدفعيه العراقيه في هذه الحرب ؟
الشاهد : دور مدفعية الجيش العراقي في حرب عام 1991 كان متميزا جدا من ناحية إخراج المدافع الجوالة التي كانت تخرج خلسة ولغرض التقدم نحو مواضعا سريعة ومن ثم تنفيذ الرمي المباغت على قوات التحالف ومن ثم الانسحاب السريع !
ولم تسجل أي إصابة لتلك المدافع الجواله من قبل طيران التحالف الذي ربما لم يستطع ولم يتحسب لتلك المدافع العراقية .
ولكن عند بدء الهجوم البري لم تفتح النار سوى مدفعية االفرقة /16 من الجيش العراقي الامر الذي تسبب بترك القطعات العربية لدباباتها ومدرعاتها والهرب الى الخلف وهذا ما أكده أصدقاء لي وقعوا في الأسر وشاهدوا تلك الدروع متروكة عند اسرهم وسوقهم الى الاراضي السعودية سيرا على الأقدام .
وكانت باقي الفرق شبه خالية من الجنود بسبب الهرب من المعركة وبسبب التقدم المفاجيء والمسبوق بالقصف المدفعي الشديد على القوات العراقية .
س / ذكرياتك عن حرب الخليج الثانيه ؟ وكيف خرجت من معمعه الحرب ؟
الشاهد : ذكرياتي عن حرب 1991 كانت أليمة جدا !
فكنت أفكر بمصير مئات الآلآف من الجنود وعوائلهم من الذين يساقون الى الموت الاكيد وكنت أوزع عليهم نماذج الإجازات لغرض هروبهم بصورة تبدو رسمية لمن يعترض طريقم لغرض التفتيش رغم أن ذلك كان تصرفا غبيا جدا مني .
وكان تأثير القصف له تأثير نفسي عظيم جدا اكثر من تأثيره التدميري !
فلا نستطيع النوم ولا الراحة ولا من الحصول على فرصة هادئة بوجود تلك الأصوات من الازيز لمحركات الطائرات التي لا يخلو الجو منها ولا من أصات القصف المستمر على دوام ال 24 ساعة يوميا من الايام ال 45 للقصف الجوي .
وكانت القنابل العنقودية تملأ الارض تقريبا من التي لم تنفجر ومن التي تنفجر حسب التوقيت او الملامسة او على الصوت.
وكان حجم الهروب يزداد يوما بعد يوم والى درجة أنني شاهدت بنفسي تقريرا موحدا لموجود المقاتلين للفيلق الثالث وكانت نسبة الهروب أكثر من 83% !!!
وعندما بدأ الهجوم البري على مكاني الذي كنت به " لم يقبل الشاهد ذكر اسم الوحده التي كان بها " سمعت عند الغروب صوت هدير محركات الدبابات وتصورتها عراقية إلا أن إطلاقات التنوير الخضراء القادمة نحونا ومن شهادة جندي محترق الملابس والوجه الذي جاء من مقر فرقة المشاة اخرى التي كانت على الحدود السعودية بيمين قاطع فرقتنا اكد لي بانه الناجي الوحيد ممن هربوا بسيارة صغيرة والتي قصفت بصاروخ امريكي لا يغرف من أين جاء ومن بعد هربهم من مقر الفرقة الذي دخله الامريكان بدباتنهم التي نسمع صوت محركاتها قادمة ألينا . وبهذه اللحظة وكنت واقفا بباب ملجئي الشخصي رن الهاتف الأرضي وكان صوت أحد ضباط الركن من مقر الفرقة وهو يخبرني بالهرب حلا ولانه الأمريكان قادمون نحونا مباشرة !!!
وأخذت ذلك الجندي المحترق مع ثلاثة من الجنود الذين بقوا معي بسيارة كنت قد اخفيتها لهذا الظرف وذهبت بها الى مقر قائد الفرقة ولم اجد أي احد وكان مقر الفرقة خاليا تماما !!!
وعرفت حينها بان الجميع قد هرب . وقدت السيارة الى مقر الفرقة الثالثة المدرعة لوجود آمري المباشر هناك لدى قريبه بزيارة قصيرة ووجدته واخبرته بما جرى وتعجب جدا وكرر علي بأنه هل انا متاكد تماما مما رأيته بان الجميع هرب واكدت له ذلك تماما !
ومن ثم إتصل على الفور بضابط امن الفيلق الثالث والذي اجابه بان أمرا صدر من الرئيس صدام حسين بالإنسحاب الفوري من الكويت الى مقر الفيلق الثالث الأصلي في محافظة البصره!!!
وتحركنا بسارتين بإتجاه العراق وكان المشهد لا يوصف من الإنسحاب الفوضوي لجميع الفيالق في الكويت ومن دهس للجنود الذي كانوا يحتشدون على الطرقات ويحاولون التشبث بأي سيارة مسرعة تمر من قربهم والى درجة الإنتحار !
ومن ثم وصلنا الى محافظة الجهراء الكويتية ولدى الإستدارة يمينا بإتجاه الطريق المؤدي مباشرة الى العراق حصل قصف جوي هائل جدا على القطعات المنسحبة الى العراق وكان الوقت أصبح ليلا من يوم 25 فبراير واحترقت الكثير من السيارات والعربات العسكرية وأحترق أكثر الجنود وهم احياء داخل عجلاتهم .
وقد تعذر الإستمرار بقيادة السيارات بسبب الكم الهائل من السيارات المحترقة على الطريق المؤدي الى العراق . الأمر الذي تطلب منا ترك السيارات والسير بمبعدة عن الطريق الذي أستمر القصف عليه من قبل طائرات التحالف .
وأستمرينا بالسير لغاية اليوم الثاني عصرا ووصلنا الى منطقة المطلاع . ووجدنا سيارة مدنية قد أصيب إطارها الامامي بشظية وهي متروكه وقمنا بتبديل الإطار وتشغيلها والركوب بها والانطلاق نحو العراق ومن بعد ما أصابنا التعب الشديد . وخاصة وإننا نسير فوق جثث لجنود مقتولين من آثار القصف وهم هاربين قبل أسابيع ولم يتم إخلائهم .
ووصلنا منطقة صفوان العراقية وتنفسنا الصعداء وأحسسنا جميعا بأننا قد كتب لنا عمرا جديدا بحق !
ودخلنا الى مقر الفيلق الثالث وبقينا فيه ليلة لم نجد فيه أي مكان لنا ولم نأكل شيئا ولم نجد ما ننام عليه ونمنا في السيارة ونام الجنود في العراء .
وثاني يوم سمعنا بان هنالك وقفا لأطلاق النار قد صرح به الرئيس الأمريكي جورج بوش قد حصل وأن الحرب إنتهت !
وفي نفس اليوم رأينا بأن اعمالا بدأت بالعصيان والثورة ضد النظام وكنا انا ومسؤولي المباشر من المستهدفين أولا الامر الذي اوجب ترك ملابسنا العسكرية وهوياتنا ومن السير بملابس مدنية كان بعض جنودنا يرتديها تحت ملابسهم العسكرية وقد أعطونا إياها لخوفهم علينا من القتل . وقررنا التفرق والمسير عن بعد على ان لا نبتعد كثيرا عن بعضنا وكنا ضابطين و4 جنود ومن بعد تركنا للجندي المحروق الذي جلبته معي في مستشفى البصرة العسكري.
وسرنا بدون سيارة حتى لا نجلب الشبهة علينا من قبل الثوار الذين بدأوا بالقتل والإنتقام من أعضاء حزب البعث أولا ومن ثم هجموا على مراكز الشرطة ودوائر الامن والإستخبارات وقتل الضباط القادة وحتى بعض صغار الضباط !!!
وأقاموا أيضا " اي الثوار " نقاط تفتيش للبحث عمن يظنونهم مطلوبين لديهم على أنهم من رجال صدام حسين .
وكن نحمل مبالغا من النقود تخص شهرين من رواتبنا وقمنا بإقناع احد سائقي التاكسي على إعطائه مبلغا كبيرا من المال مقابل نقلنا الى محافظة ميسان بحدود 100كم شمال البصرة ووافق على ذلك .
وعند خروجنا من نقاط التفتيش بصعوبة ووصولنا الى مدينة العماره وجنا الامر نفسه من قيام الثورة المسلحة ومن سحل للجثث ومن عمليات ذبح وتمثيل لمنتسبي اجهزة الدولة !!!
وقمنا أيضا بإقناع سائقا تكسي اخر على نقلنا الى مدينة الكوت مقابل مبلغا كبيرا من المال ووافق على مضض وانطلق بنا ووجدنا الامر نفسه !
وأخيرا تعرف احد المنتسبين على عائلة تستقل سيارة بيك آب من منطقته (الضلوعيه) وقد جاؤا بحثا عن إبنهم الذي لم تتحمل امه إنتظاره في البيت . وأقنعهم صاحبنا على الرجوع الى بغداد وإلا تعرضوا الى القتل ببشاعة لكونهم مشكوكا بهم ومن ناحية مؤيدة لصدام حسين ووافقت الام بصعوبة بالغة ومن بعد تقبيلنا لرأسها ورجائنا لها بالحفاظ على ولديها القادمين معها من القتل امام عينيها ولما رأينا باعيينا من ذلك !!
وركبنا معهم في السيارة وإنطلقنا الى بغداد ونحن غير مصدقين !!!
س / حجم خسائر الجيش العراقي في حرب 1991 ؟ و بعد الحرب كيف تم هيكلة الجيش العراقي ؟
الشاهد : كان الكم الاكبر من الأسلحة المدمرة والمتروكة في الكويت وحفر الباطن أكثر من 50 فرقه !!
وتم الإعتماد في تسليح الفرق ال 18 المتبقية من بعد عملية الهيكلة التي تمت بعد حرب عام 1991 على ما مخزون في مستودعات الاسلحة ومن الأسلحة العاطلة التي تم تأهيلها وكذلك تم تقليص ملاكات المدفعية والدبابات والهاونات من 6 مدافع الى 4 ومن كل سرية دبابات 7 الى 5 ومن 12 هاون للبطرية الى 8 هاونات فقط.
س / الجيش العراقي اثناء فترة الحصار الاقتصادي " 1991-2003 " ؟
الشاهد : الجيش العراقي إثناء فترة الحصار كان قد إنتهى ولم يعد له وجود سوى مسك قطاعات لغرض مسك الأرض ضد المعارضة الكردية وضد معارضي الجنوب ولم تهدأ الاعمال التعرضية في شمال وجنوب العراق الى غاية حرب عام 2003 .
وإنتشرت الرشاوي في صفوف الجيش بشكل فظيع جدا نسبة الى تدني الرواتب الى الحد الذي لا يؤمن تغطية نفقات السفر للضباط والجنود . وكذلك كان الإهمال متعمدا من قبل الرئيس العراقي صدام حسين في عدم تغطية نفقات الجيش من التجهيزات والرواتب والطعام . وذلك بسبب تخوف الرئيس صدام حسين من قيام الجيش بعمليات إنقلابية فيما لو قام ببناء الجيش وتقويته . وأعتمد إعتمادا كاملا على الحرس الجمهوري ولكن لم يمنح أفراده رواتبا مجزية كذلك وسبب تذمرا كبيرا جدا الى درجة ان منتسبي الحرس الجمهوري يتوسطون للخروج الى خارج وحدات الحرس الجمهوري بسبب التعب والتدريب المتواصل ومن دون رواتب تسد الحاجة الأدنى لإعالة عوائلهم .
هذه هي نهاية الحلقه الثانيه
ترقبوا الحلقه الثالثه قريبا
تحياتي