المنتدى العسكري العربي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

مرحبا بك في المنتدى العسكري العربي

يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى

سنتشرف بتسجيلك

شكرا

ادارة المنتدى
المنتدى العسكري العربي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة

مرحبا بك في المنتدى العسكري العربي

يرجي التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى

سنتشرف بتسجيلك

شكرا

ادارة المنتدى
المنتدى العسكري العربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالقوانينالتسجيلدخول

شاطر
 

 التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالأحد يوليو 05 2015, 01:18

يوسف بودانسكي صاحب كتاب (التاريخ السري لحرب العراق) ليس كاتبا عاديا، فقد تولى رئاسة مجموعة العمل التي شكلها الكونغرس للبحث في الإرهاب والحروب غير التقليدية  لأكثر من عقد من السنين ، فتوفرت له ما لم تتوفر لغيره من الباحثين من معلومات سرية . عمل أمداً طويلاً رئيساً للبحوث في معهد الدراسات الإستراتيجية الدولية ؛ ومحررا أقدم في مجموعة ناشري الدفاع والشؤون الخارجية ؛وأستاذا زائرا في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز، ومستشارا أقدم لوزارتي الدفاع والخارجية الاميركيتين، وله عدة كتب رائجة في سوق المبيعات مثل كتابه عن ابن لادن "الرجل الذي أعلن الحرب على أميركا". 


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

إن الفصل السابع الذي نبدأ به من كتابه عن حرب العراق يقع تحت عنوان : السباق الى بغداد . وهذا العنوان يشير الى ما جرى حقا في الايام القليلة قبل اعلان الحرب وعند قيامها سواء في غرف العمليات في واشنطن او على ارض العمليات العسكرية . إننا ما زلنا ندفع ثمنا غاليا بسبب نتائج هذه الحرب التي ربحها الاميركان بسهولة ظاهرة نظرا لميزان القوى العسكري غير المتكافئ ، الا انهم سرعان ما خسروها سياسيا بسبب سلسلة من الأخطاء والجرائم .


السباق إلى بغداد الحلقة 1
 
معلومة طازجة من العراق

مثلما يحدث في أفلام الإثارة والرعب دخل مدير CIA مكتب وزير الدفاع في البنتاغون حاملاً معه مادة استخبارية طازجة وصلت  للتو. بعد مشاورات قصيرة واتصال تلفوني مع المكتب البيضاوي في البيت الأبيض اندفع المسؤولان الى البيت الأبيض للإنضمام الى اجتماع طارئ مع الرئيس الذي كان بالإنتظار . كانت إحدى النتائج المباشرة لهذا الإجتماع هي تغيير الخطط الطارئة المعدة لافتتاح الحرب مع العراق في الدقائق الأخيرة ، وسرعان ما غيرت وجهات سير طائرات الشبح وصواريخ كروز لشن ضربة حاسمة Decapitating‘على بغداد في – افتتاحية شجاعة أثبتت في النهاية أنها فاشلة .
.. ولكن ما الذي حدث بالضبط يوم 19آذار/مارس 2003.
ذهب الرئيس بوش الى غرفة الموقف ليتلقى موجزاً بآخر مستجدات خطط الحرب – المعروفة بـ "خطة عملياتOPLAN 1003V  " وتشمل جميع الخطط الرئيسة والفرعية التي ستنفذ حال دخول U.S؛ الحرب مع العراق . كانت هذه مجرد تغطية شكلية وواهية للحرب الحقيقية– الدائرة فعلاً وغير المعلنة والتي لا يعترف بها أحد- ولكن المعدة للعراق التي بدأت منذ أسبوعين من الآن . في حوالي الساعة 10:00 صباحاً صادق بوش على خطة العمليات آنفة الذكر ؛ وأمر بوضعها موضع التنفيذ .ستظل تلك الخطة سالمة ( دون تغيير ) لمدة ست ساعات فقط بعد .[قال ابو الفكر الاستراتيجي الالماني فون مولتكة الكبير عن فن الحرب : تتغير خطط العمليات فور انطلاق نيران القتال!].
فقبيل الثالثة مساءً بقليل (11:00مساءً حسب توقيت بغداد )توقف سير برامج عمل مدير الـ CIA؛ جورج تينيت بوصول معلومات طازجة من بغداد. فقد حدد مصدر استخباري هناك ومنذ الآن موقع الهنكر (قاعة واسعة ومسقوفة وتستخدم لأغراض شتى كوكر للطائرات أو رحبة للدبابات..الخ ) الذي يفترض أن يقضي فيه صدام وولداه تلك الليلة ؛ ويقع هذا الهنكر في مجمع سكني في مزرعة الدورة [العائدة لزوجة صدام أو أحد أفراد عائلته ].عرف المصدر بالموثوقية التامة ؛كما سبق وأن تم تفحص المعلومات التي جاء بها هذا المصدر وثبتت صحتها، بعد مقارنتها بمعلومات جاءت أو طلبت من مصادر أخرى للتأكد – بينها وبشكل خاص تلك المعطيات التي جمعتها مصادر أميركية أخرى بوسائل الكترونية ، استنتج جورج تينيت أن هذا الإنذار الإستخباري جدير بأخذه بالحسبان .اندفع تينيت الى البنتاغون في الساعة 3:30 ؛ودخل للتو مكتب وزير الدفاع رامسفيلد الذي كان يناقش الحرب الجوية الوشيكة مع  وكيل الوزارة  بول وولفتز .
 كان موعد الصفحة الإفتتاحية للحرب الجوية- اي ساعة اندلاع الحرب - قد تقرر في الليلة التالية [ ليلة 20آذار/مارت]. والأن بعد أن قدم جورج تينيت آخر المواد الإستخبارية القادمة من بغداد بإمكانية إنهاء الحرب بـ "ضربة قاضية وحيدة" أي بقتل صدام وأقرب خلصائه قبل بدء المعارك الكبرى ، أقر رامسفيلد ذلك ؛ فاتصل جورج تينيت بالبيت الأبيض مقترحاً اجتماعاً طارئاً مع الرئيس .
  حوالي الساعة 4 مساءً دخل رامسفيلد وتينيت المكتب البيضاوي وأبلغا بوش بأن CIA؛ ثبتت مكان مبيت  صدام هذه الليلة وأن البنتاغون قادر على شن ضربة ماحقة ، وهم بحاجة فقط لمصادقة الرئيس لتنفيذ ذلك . لم يكن هذا بالطلب السهل ؛ إذ يعني ذلك تغيير مسار وتوقيتات الكثير من الترتيبات ولاسيما خطة OPLAN 1003V  ؛- التي أعدت تفاصيلها بعناية فائقة ؛ وقضت القيادة المركزية (الوسطى) في ترتيبها أشهراً. أستدعى بوش أعضاءً آخرين من مجموعة الأمن الوطني – كنائب الرئيس شيني ؛ ووزير الخارجية باول، ورئيس أركان البيت الأبيض أندرو كارد جنيور ، وجنرال الجو ريشارد مايرز رئيس هيئة رؤساء الأركان المشتركة. ثم طلب من تينيت ورامسفيلد إعادة شرح مقترحهم .شارك الجنرال تومي فرانكس في الإجتماع عبر شبكة فيديو أمينة من مقره، ثم بدأت مناقشة حول المضامين [والنتائج ] السياسية والقانونية لشن ضربة ماحقة .

الصفحة الافتتاحية 

وبحلول الـ 6:30 (18:30) مساءً ؛ وحال تأكيد العسكريين قدرتهم على تعديل التوقيتات وبدء الحرب وفق الترتيب الجديد وقع بوش أمر شن الضربة مخولاً بها إجراء الترتيبات الضرورية للضربة الفورية. انطلقت طائرتا شبح مسلحة بقنبلتين زنة 2000 رطل من قاعدة "العيديد" في قطر .وأدخلت معطيات الأهداف الجديدة على نحو 40 صاروخ توما هوك كانت محملة على عدد من السفن الحربية والغواصات .بينما استمرت المناقشة في المكتب البيضاوي حول تنفيذ الخطط الجديدة آخذين بالحسبان الوقت النهائي deadline؛ لبدء الضربات الذي حدده جنرال تومي فرانكس بالساعة 7:15مساءً . وفي الساعة 7:12؛مساءً أصدر بوش الأمر بشن الضربة Let,s go؛ وبعد دقائق دخلت طائرتا الشبح F-117 الأجواء العراقية دون أن يرصدها أحد واتجهت نحو بغداد.
بعد الـ 9 مساءً ؛ افاد جاسوس لـ CIA؛ في الموقع بوجود صدام في الملجأ .
 وفي 9:30مساءً -5:30 توقيت بغداد – ألقت طائرتا الشبح قنابلهما على المبنى الرئيس لمزرعة الدورة . تلاها وبعد دقائق تساقط نحو 40 صاروخ كروزعلى كامل المنطقة وقال بوش في خطاب متلفز أذيع أواخر تلك الليلة: "بدأت قوات الائتلاف قصف أهداف عسكرية انتخبت لأهميتها في إضعاف قدرات صدام لخوض الحرب" مضيفاً "بدأنا الصفحات الإفتتاحية لحملة واسعة ومنتظمة" .
في بغداد كانت المفاجأة كاملة. واستغرق الأمر نصف ساعة تقريباً – أي حتى 6:00 صباحاً حسب توقيت بغداد الـ 10؛مساء توقيت واشنطن – كي يستوعب النظام ماحدث و لتنطلق بعدها صفارات الإنذار مع موجة القصف الجوي الثقيل الثاني على بغداد وتكريت . انقطع بث راديو بغداد . بعد ذلك بقليل توالت غارات قاصفات B-52؛من بريطانيا ومن مختلف القاصفات الأخرى من قواعد في الخليج ومن على حاملات طائرات لضرب بضعة أهداف اضافية أخرى .
 جرى القصف على شكل ثلاث موجات ملفتة للنظر لابعاد الأنظار عن - الغارة الكبرى على مزرعة الدورة –و/أو الهدف أو المهمة الحقيقية  .مرت قاصفات B-52؛عبر أجواء اسرائيل وصولاً الى العراق من الغرب .عادت اذاعة بغداد للبث في الساعة 6:30 صباحاً توقيت بغداد (10:30؛مساءً بتوقيت واشنطن ) - رغم تواصل القصف .
قرأ المذيع رسالة موجزة "يا أبناء العراق العظيم ؛أبناء القائد الكبير صدام حسين المنتصر بإذن الله....المجد للرجال الشجعان ؛ أسود عراق الأمة ؛عراق صدام حسين ؛القائد البطل المنتصر وعنوان الجهاد ....المجد  لكم ؛يا أبناء القوات المسلحة العظيمة والبطلة ؛ وياجنود القائد المنقذ صدام حسين..".
في 20آذار/مارس قوطع البثان الإذاعي والتلفزيوني مرات عدة لتوجيه نداءات  جديدة الى العسكريين للقتال لأجل صدام حسين .وبعد ساعات قليلة من الضربة ظهر صدام حسين بصورة المتحدي الشجاع .كان أشعث الشعر وقد خطت بدايات الشيب شاربيه ( لعله لم يصبغهما ) واضعاً نظارة قراءة واسعة على عينيه (عوضاً عن العدسات اللاصقة ). وتلا خطابه من ورقة مكتوبة  دون مواجهة الكاميرا .


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



أكدت تلك الفروقات الملحوظة في مظهر صدام فكرة التعجل وارتجال الخطاب - كرد فعل سريع على الضربة الفاشلة لتصفيته - ولإقناع العراقيين بأنه مازال حياً ويسيطر على الأمور .لقد دعا كل العراقيين  للقتال ومنهياً خطابه بالدعوة الى الجهاد باسم جميع القضايا [المبدئية ] :’’ عاش العراق؛عاش الجهاد وعاشت فلسطين". ورغم ذلك ظلت (مصادر استخبارية) ومسؤولون كبار في واشنطن ولندن يلمحون لعدة ايام لاحقة بإمكانية موت أو أصابة صدام بجروح في "الضربة الماحقة" ، أما صناع القرار فلم يأسرهم هذا الوهم . لقد أخطأت الإطلاقة الفضية هدفها . وأكثر من ذلك فقد تقرر تأجيل تطبيق منهج  (الصدمة والرعب) والضربات الجوية والصاروخية المكثفة لحين زوال معظم تأثير المباغتة لبغداد التي كانت بانتظار المزيد من الأعمال العدائية .

ظلوا مصرين على الخطأ

استمرت دوائر استخبارات U.S؛بتسلم فيض من المعطيات . وأفاد جاسوس لـ CIA؛ كان قريباً من أو خارج مبنى مزرعة الدورة : بأن صدام وولديه كانوا بـ"التأكيد"  داخل إحدى بنايات مزرعة الدورة الثلاث وقت الضربة .وقد أرسل هذا العميل الكثير من التقارير من موقع عمال الإنقاذ الذين واصلوا الحفر بسرعة جنونية في الأنقاض [وكأنهم يبحثون عن شيء محدد] وقال مجدداً أن صدام جريح . كما التقطت مراصد تنصت في U.S؛مكالمات تلفونية هستيرية كثيرة بطلب عجلات الإسعاف والخدمات الطبية والخدمات الطارئة الأخرى .أكدت التقارير الأولية التي وصلت CIA؛من وكلاء زعموا أنهم كانوا في الموقع وقت الضربة أن صدام حسين أما قتل أو نقل على نقالة ووجهه مغطى بقناع كبير للأوكسجين . وحتى بعد ظهور صدام واصلت مصادر CIA؛ التأكيد على أن "طبلتي أذني صدام" قد تمزقتا بفعل الإنفجار؛ وانه "يعاني تأثير الصدمة" فهو "ظل شارد الذهن ...وفي حالة ذهول" . بعد ظهور صدام التلفزيوني ادعى رسميو CIA أنه تسجيل سابق. كما واصل رسميو U.S؛ و U.Kو لعدة أيام تأكيد موت صدام أو إصابته بجروح في الضربة الجوية .

الكرملين لم يصدق

وعلى العكس من ذلك لم يصدق الكرملين أية أوهام قيلت عن نتائج الضربة الأميركية.وقد أشارت خلاصة للإستخبارات الروسية GRU؛يوم 20آذار/مارت عن تلك النتائج أرسلت الى الكرملين جاء فيها "وفقاً لمعلومات وردت من بغداد لم تحقق الضربة الموجهة للقيادة العراقية أهدافها .فصدام حسين وجميع المهمين من أعضاء وزارته أحياء وقد توزعوا على مواقع مختلفة" . وتوقعت GRU؛أن تٌفعّل القيادة العراقية سياقات عمل الطوارئ ومضيفة "من المرجح أن القيادتين السياسية والعسكرية قد نٌظمتا وفق قاعدة محددة  ’شبكة network‘ المسؤولين " ومضيفة "بأن عناصر هاتين القيادتين يتنقلون باستمرار عبر شبكة ملاجئ وغيرها من المقرات الأمينة ومقتصرين في اتصالاتهم على الخطوط الأمينة فقط ولن يتواجد في أي وقت معين أكثر من عنصرين مهمين في موقع واحد" . وستظل شبكة الحماية هذه فعالة حتى بعد سقوط بغداد .

الحقيقة : تضليل!

توالت التقارير ومن مصادر استخبارية عالية في ما بعد التأكيد بعدم وجود صدام وولديه في أية مواقع قريبة من مزرعة الدورة وقت الضربة .وقد أكد لنا مسؤول استخباراتي كبير قائلاً: "ساد شعور عام بين أجهزة استخبارات U.S بأن صدام ما زال حياً، وما قيل وأذيع خلاف ذلك تمنيات وأوهام" .
في الحقيقة لم تعثر زمر الجيش الأميركي التي كلفت بالبحث في موقع الضربة على أي شيء يؤكد وجود صدام . وقد صرح رئيس الزمرة العقيد (تيم ماديري) لشبكة CBS: "لم يزد ما رأته زمر الحفر في الأساس سوى عدة حفر كبيرة، ولم تجد أية أنفاق أو مبانٍ تحت الأرض، ولا جثثا "، مضيفاً بأن من اختبؤوا في المبنى الرئيس في الدورة قد "سلموا" من الضربة .
ولكن ظل هناك الكثير عن الحادث : فقد أكد بعض كبارالمعارضة العراقية الموثوقين: "مقتل خمسة مسؤولين عراقيين كبار كانوا بانتظار صدام حسين لاجتماع معد مسبقاً " . وأكدت تلك المصادر عدم "وصول لا صدام ولا أي من ولديه". كانت هذه نقطة مهمة ولكنها لم تحظ بانتباه كاف أبان الفوضى التي سادت بعد الضربة المكثفة .  والحال تبين أن عدم حضور صدام في اللحظة الأخيرة لا يعني عدم صحة أوعدم دقة المعطيات التي أرسلت الى CIA، بل وتؤكد أن هذه المعطيات قد جرى ايصالها عمدا أي أنها (زرعت) عن عمد disinformation لتضليل وإرباك واشنطن . وما كان لحقيقة مقتل مسؤولين عراقيين أن تعني شيئاً لمحللي استخبارات U.S؛ لو تذكرنا قسوة صدام وتكرار تصفياته لكبار مساعديه طوال عقود من حكمه ؛ وما كان صدام سيتأثر قليلاً أو كثيراً ، أو يأبه للتضحية بكبار مسؤوليه كطعم أو لخدع خصومه أو ليؤكد مرة أخرى نجاحه في تضليل أعدائه .قاد هذا الإدراك لبروز مناقشة هامة بشأن مصداقية معلومات الإستخبارات الخام  Raw (المعلومات الخام التي لم تحلل او تدرس لاثبات صدقيتها بعد) في صياغة سياسات واستراتيجيات U.S تجاه العراق .

المخادعة

أكد مسؤول استخباراتي رفيع  في عمان في نيسان/أبريل ومعني بالعراق لفترة طويلة أن مصادره داخل بغداد أكدت أنه وقبل يومين من الضربة الجوية انتقل صدام الى أحد المخابئ غيرالمعروفة حتى الى أي من عناصر أقرب حلقات القيادة اليه. ومنذ ذلك الوقت واصلت مصادر بغداد التأكيد أن صدام لم يلتق أو حتى تكلم مع أي مسؤول عراقي كبير مباشرة أو تلفونياً . وحتى 3 نيسان/أبريل واصل صدام إرسال أوامره كتابة أو على كاسيتات أو فيديو عبر قلة من السعاة الموثوقين. تعتقد مصادر بغداد أن قصي كان الوحيد الذي يعرف بالضبط أين يوجد  صدام في أية لحظة بعينها .
جاءت نتفة المعلومة التي أثارت أوعجلت بشن ضربة 20آذار/مارس الجوية الماحقة وقدمت موعد الحرب من جاسوس واحد من قلب بغداد ، وكان قد تطوع من تلقاء نفسه Walk-in وحديث عهد نسبياً.  فمنذ أوائل عام  2003م  نظمت U.S وأدامت مجموعة صغيرة مؤلفة من عناصر من CIA وديلتا فورس [قوة ديلتا وهي قوات خاصة في غاية السرية ] أما داخل أو حول بغداد مباشرة - للبحث ؛ وبالنص الحرفي للاستخبارات الأميركية عن طرق (لاختراق الحلقة الداخلية لصدام) . وفي عشية الحرب إتصل مسؤول رسمي عراقي رفيع بـ CIA وادعى أن موقعه يؤهله معرفة مواعيد وأماكن وجود (المخابئ) التي يستخدمها  صدام حسين كل ليلة ، وادعى  هذا المسؤول لراعيه (موجهه handler ) من CIA  أنه وازن بين مخاطر كشف صدام لخيانته من جهة وبين مخاطر المحاكمة التي سيتعرض لها على أيدي عساكر U.S بعد وصولهم بغداد فآثر تجربة حظه مع الأميركان، وسلمه بعدها الكثير من المعلومات المهمة و المثيرة عن أعمال الحلقة المقربة لصدام . بعدها وبوقت قصيرأخبر راعيه عن خطط صدام و ولديه ليلة 19- 20 آذار/مارت . وقتها كان الكثير مما أدلى به العميل الجديد من معلومات قد فحصت وقورنت مع مصادر مستقلة، وكانت هي الأخرى نتيجة وبفعل إنجازات كبيرة لزمرة صغيرة من قوة دلتا نجحت باختراق مركز شبكة fiber-optic كيبل للإتصالات في بغداد .
و بمراقبة هذه الشبكة تمكنت U.S من التقاط العديد من المكالمات التي أكدت صحة معلومات الجاسوس العراقي ( تعتقد CIA أن لم يكن بوسعه معرفة مراقبتنا لكيبل الإتصالات ذاك) أما أمر أن عمل هذا الجاسوس والمكالمات التي روقبت كانا جزءاً من عملية مخادعة متقنة فلم يرد على بال أحد ولا حتى الـ CIA .
 كان لتداعيات وأحداث مابعد خمود وزوال آثار الضربة الجوية الماحقة أن تثير سيلاً من النذر والتنبيهات في واشنطن . فقد ألقي القبض فوراً على ثلاثة عملاء عراقيين ساعدوا CIA في العملية وأعدموا . لقد أطلقت عناصر من  المخابرات النارعلى إثنين منهم وقطعوا لسان الثالث وتركوه ينزف حتى الموت . كان لسرعة وكفاءة شبكات مكافحة التجسس العراقية أن تقارن مع الحرية والأمان اللتين تمتع بهما عناصر CIA والقوات الخاصة (دلتا) طوال الشهور الماضية . وما لم تحدد CIA سببا واضحا ومقنعا للإعتقال السريع والمفاجئ لعملائها العراقيين الثلاثة فكان عليها الإفتراض أن السلطات العراقية كانت قد آثرت عدم اعتقال الأميركيين الناشطين في العراق [ ماداموا تحت الرقابة والسيطرة] .وبكلمة أخرى فإن معظم ما جمع من استخبارات تعوزه الدقة أو حتى كأنه  من زرع  مؤسسات الأمن والمخابرات العراقية وعن عمد ولغاية محددة مسبقاً ومنذ البداية .
خلاصة القول عوملت نتائج عمل شبكات التجسس الأميركية في العراق بثقة ومصداقية عاليتين؛ كما لم يفكر أحد بالحاجة لتغيير استنتاجات الإستخبارات التي وضعت استناداً للمعطيات [المهلهلة] التي جاءت من العراق أوحتى أعيد النظر فيها أوأبدلت. وهكذا ذهبت إدارة بوش للحرب وهي واثقة من صحة قراءتها للعراق !

نشاط استخباري سابق

مع بدء القتال كانت U.S منهمكة ومنذ أمد بعيد بنشاط استخباري شامل ومحموم لتجنيد و افساد ذمم عدد من القادة العراقيين .سعت دوائر أستخبارات U.S؛لاستغلال أية فرص تسنح لها بملاقاة كبار المسؤولين والضباط العراقيين مسلحة بما تلقته سابقاً وما عززته وتعزز  قوته وباستمرار قناعات البنتاغون الراسخة  من جهة ولدى  أصدقائها في المعارضة العراقية من جهة أخرى بوجود وتنامي معارضة قوية وواسعة لصدام بين صفوف الضباط .وكانت هناك أيضاً قناعات في واشنطن بأنه وبسبب اضطهاد صدام لقادته العسكريين وما تعرضوا له من ظلم فسيعملون على إسقاطه أو المساهمة في ذلك .وفي أواخر 2002  إقتنع رسميون كبار في البنتاغون ؛وبشكل خاص رامسفيلد و مساعديه المدنيين المقربين بأن معارضة كبار القادة العسكريين العراقيين وصلت حد العصيان إن توفرت لهم فرصة مناسبة - فرصة كان الغزو الأميركي سيوفرها .
 تعززت دوافع دوائر الإستخبارات هذه باعتبارات عسكرية . وكانت إحدى سبل العلاج المناسبة لكل الأمراض والمشاكل ؛ ما عرف بـ ’’ combat multiplier القتال المتعدد ‘‘؛ أو المضاعف وهي احدى الوصفات الناجعة ؛والمصممة لتمكين U.S؛من أخذ العراق بأقل مايمكن من القطعات مما سيقنع الجيش العراقي - أي كبار ضباطه - بالبقاء بعيداً عن الحرب !؟.
 في مطلع 2003 بدأت U.S حملة اتصالات جديدة تهدف بمجملها لاقناع أكبر عدد ممكن من أعضاء الحلقة الداخلية لصدام للبقاء بعيداً عن الحرب وشملت الحملة جهود عناصر من القوات الخاصة و CIA برشوة عدد من كبار الضباط بملايين الدولارات لكل منهم للإمتناع وتشكيلاتهم عن التصدي لقوات U.S و  U.K.
  كانت جهود وعلاقات الأميركان السابقة بكبار العسكريين العراقيين وكذلك مع مختلف مجموعات المعارضة قد سهلت الطريق لمعظم المعنيين الأميركان بالاتصال بمعطم أعضائها! ولكن وبعد جهود مضنية في أحسن الأحوال ؛وبحلول عام  2002؛ تركزت تلك الجهود وعلى أحسن تقدير عند محاولة تفسير وفهم أحداث 1996 . فقد أدعى إياد علاوي في عمان وهو رئيس حركة الوفاق ؛والذي كان يمول منذ زمن من  CIA قدرته على تدبير إنقلاب عسكري ضد صدام .وادعى علاوي أيضاً  أنه يقود شبكة [ حركة] من ضباط عراقيين مازالوا في الخدمة حالياً وآخرين متقاعدين و بعض المسؤولين البعثيين ، وتدعى حركته هذه بـ ( الوفاق)- والتي يسعى الآن لتفعيلها ضد صدام . فشلت المحاولة فشلاً ذريعاً وتولت المخابرات العراقية اعدام ( ذبح) العديد من الضباط العراقيين وعوائلهم . كان أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني – المدعوم من قبل CIA؛هو الأخر!! - قد حذر بأن عملاء صدام اخترقوا مؤامرة الوفاق وأن مصيرها الفشل الأكيد .لم تغفر CIA وعناصر أخرى في واشنطن للجلبي أنه كان محقاً في تحذيراته .وما تلى ذلك هو الامتناع طوال عهد الرئيس كلنتون عن تدبير عمليات سرية داخل العراق والى حين تحسن قدرات CIA فيه .


يتبع ............
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالأحد يوليو 05 2015, 13:01

السباق الى بغداد الحلقه 2 

نقص في الاستخبارات

عندما  تسلم بوش الإبن الرئاسة وجدت دوائر إستخبارات U.S أن اعتمادها يتزايد على إسرائيل والأردن لامتلاكهما مصادر استخبارات بشرية مكثفة داخل العراق . وفي أوائل 2001؛حدث تصادم قوي مع العراق وتردى الموقف سريعاً فأصبح [العراق]من بين الأهداف الرئيسة لإدارة بوش الوليدة ، وبالتالي  اندفعت CIA بقوة لتحسين وتطوير أدائها في القدرات والمصادر. كان لهذا التعجيل ، ولغياب أو للنقص الشديد في المهارات المتميزة في (الإستخبارات البشرية) تأثير مباشر على نوعية ومصداقية المصادر التي جندت من قبل CIA.
 قال د. ريشارد سيل من وكالة أنباء UPI إن أحد مسؤولي إدارة بوش أبلغه بأن   CIA عملت لأشهر لاصطياد بعض ( dissident in -country)المنشقين/الهاربين/ اللاجئين في U.S . وفي الحقيقة لعبت المعارضة العراقية المشتتة والمتهالكة دوراً في رسم الكثير من مسارات وانطباعات CIA عن حقيقة الأوضاع في العراق، كما زودتها بأسماء الكثيرين  ممن تتصل بهم من كبار جنرالات العراق . كان الهدف الأول والرئيس لأي  فصيل معارض هو : تفعيل أجندتها وضمان مكاسبها في واشنطن -  بنشر معلومات ملفقة كثيرة تدعم أنشطتها  تارة وبالتغطية على فشلها وأخطائها تارة أخرى – لا بتأكيد وخدمة أهداف واشنطن أوتزويدها بمعرفة شاملة وبفهم واضح لما يدور في العراق .
 وبحلول عام 2002 اعتاد الكثير من قادة المعارضة المعروفين على إسماع واشنطن ما يعتقدون أنها تريد سماعه. لكن وبغياب مؤسسة استخبارات محلية وقادرة داخل العراق ومع العداء المتأصل في CIA بعدم ثقتها بما توفره لها اسرائيل من استخبارات ( لخشية من مؤيدي العرب فيها Arabists من تلفيقات اسرائيل  بما يخدم سياساتها وأهدافها ) لم يتيسر لإدارة بوش مصدر معرفي مستقل وموثوق بشأن العراق والقادر على تفحص سيول الدعاوى الواردة من فصائل المعارضة العراقية وعبر اتصالاتهم داخل العراق .

تقديرات المعارضة

 أواخر عام 2002 كثفت U.S جهودها واستعداداتها لصدام واسع [حرب] مع العراق وأمرت CIA والقوات الخاصة بدخول العراق ، فسارعت فصائل المعارضة العراقية بتقديم  العديد من الآراء والتوصيات وعرض الكثير من قادتها قدرتهم على السيطرة على بعض القطعات العراقية قبل أو خلال الصفحات الأولى للحرب .وقال الحسين ( al-Hussein) من المؤتمر الوطني العراقي [لعله يقصد الشريف علي بن الحسين]  " لن يدافع أحد عن النظام في العراق بما في ذلك العسكريون  في الجيش النظامي والحرس الجمهوري ولا في الدوائر الأمنية وجميع السكان "، مضيفاً " فكل العراق قاسى سنوات طويلة من ظلم وجور نظام صدام حسين ؛ولن يقاتل ولا فرد عراقي واحد للدفاع عنه" . وأصرت أغلبية قادة المعارضة والضباط السابقين على أن معظم القوات العراقية - بما فيها الحرس الجمهوري والحرس الجمهوري  الخاص - سوف لن يقاتل لأجل صدام. وقال [العميد الركن المتقاعد] ؛نجيب الصالحي "لا أعتقد أنهم سيقاتلون بضراوة لصدام  وحتى أولئك المقربون منه - ونحن نعرفهم جيداً - ساخطون عدا بضع مئات من المعزولين عما يجري في العالم الخارجي فسيقاتلون لليومين الأوليين فقط " .
وأشار جميع اولئك الضباط السابقين والهاربين من العراق الى علاقاتهم المكثفة بزملائهم وبأصدقائهم السابقين داخل العراق كمصادر لمعرفتهم الفريدة والدقيقة وقدراتهم على تنفيذ خططهم ومشاريعهم .لقد طلبوا ونالوا ما أرادوا من أموال وفيرة Lavish وبسخاء من U.S؛ لتطوير وتوسيع اتصالاتهم مع مصادرهم في الداخل .

المخابرات العراقية

ركزت بغداد انتباهاً شديداً على تلك الأنشطة الحيوية . وكانت المخابرات العراقية تراقب وتتابع وبشدة جميع الإتصالات مع المسؤولين الغربيين عند زيارة هؤلاء لدول الجوارالعراقي ؛ و مراقبة ومتابعة أية مظاهر لثراء مفاجئ . مكنت هذه المراقبة والمتابعة المركزيتين بغداد وبسرعة من تحديد الجهد الأميركي المتصاعد لتحقيق اتصالات مع كبار الضباط . وبدءاً من أيلول/سبتمبر2002؛ بدأ عشرات إن لم يكن مئات - وخصوصاً من عناصر فدائيي صدام - باختراق وتخريب تلك الجهود المعادية . وبدأت عناصر المخابرات تلك التقرب والإحتكاك بالقادة والضباط العراقيين مدعين بأنهم من عناصر المعارضة المدعومة أميركياً .ثم يعرضون عليهم مبالغ كبيرة من المال في وقت اشتدت فيه الحاجة اليها لتوفير الطعام والدواء لأفراد عوائلهم ، كما عرضوا عليهم تسهيل حصولهم على اللجوء في الغرب  مقابل الموافقة على التعاون مع U.S ؛و/أو الأمتناع عن القتال عند بدء الحرب .
تلت ذلك عمليات إعدام علانية في المعسكرات والحاميات الرئيسة في وسط العراق لأي عراقي أظهر ولو أدنى أمارات الرضا بالتعاون مع U.S . لقد تأكد تنفيذ 35 عملية إعدام على الأقل خلال أول أسبوعين من أيلول/ سبتمبر هذا . لقد وجهت اجراءات مكافحة التجسس البالغة القسوة تلك ضربة  قاصمة لجهود المعارضة التقليدية لاختراق المؤسسات العراقية .

واصلت دوائر الإستخبارات العراقية توسيع عمليات اختراقها وتسللها لمختلف الأشخاص و لفصائل المعارضة المتعاونة مع CIA بتفعيل الكثير ممن زرعتهم في الغرب . وعلى سبيل المثال سمح للكثير من الطلبة وطالبي اللجوء بالسفر مقابل تعاونهم مستقبلاً مع الإستخبارات العراقية عند ابلاغهم بذلك ؛مع تذكيرهم بأن من بقي من عوائل هؤلاء يعدون رهائن لدى النظام لضمان حسن تصرف المعنيين .ولتأكيد جدية التهديدات لمعارضي تخطيط المخابرات أعتقل أفراد عوائل أوائل رافضي التعاون ؛وعذبوا وأعدموا . ففهمت رسالة بغداد . وفي العديد من الحالات ، استغلت المخابرات الإتصالات التي قامت حديثاً بين الضباط الهاربين وأصدقائهم في العراق للضغط على هؤلاء المعارضين بالتعاون مع بغداد .أظهرت وثائق المخابرات التي ضبطت ؛بعد الحرب حجم تسلل وتخريب المخابرات العراقية لمثل هذه الأنشطة المعادية. وعلى سبيل المثال، ففي 29 ت1/أكتوبر2002؛ ورد في مذكرة لا يشك بصحتها أبداً صادرة عن المديرية /14 ( المسؤولة عن العمليات الخاصة في U.S) : أن "لدى CIA وما يعرف بالمعارضة خطة بإدخال "خونة"  Quislings الى العراق من الشمال والجنوب لجمع المعلومات وانتظار مهام مستقبلية .سيكون مخبرنا أحدهم" .وفي النهاية استخدم العراق شبكات عناصره الأمنية الواسعة كجواسيس أولاً ولزرع وإيصال المعلومات الكاذبة الى U.S. سبب الدور /الواجب الأخير الكثير من الأذى البالغ والمتواصل لواشنطن .

ما التجمع ؟

كان على رأس جهود المخابرات العراقية ما عرف بـ ’’ التجمع  al-Tajammua ‘‘ أو "المجموعة  the  rouping" التي أعدت ونظمت وفقاً لتقاليد مؤسسات الإستخبارات السوفيتية – التي كانت ولربع قرن مصدر المعرفة والخبرات والدعم للإستخبارات العراقية – بخلق وإفساد وبالتالي تدمير بعض قوى المعارضة المحلية الحقيقية عن طريق خلق منظمات وحركات معادية وهمية والسيطرة عليها لمعرفة نواياها وتوجهاتها وتفويت الفرصة على دوائر الإستخبارات الخارجية .لقد فٌصل أو أعد "التجمع"  على غرار ما عرف بأم المخادعات – التي نظمتها الإستخبارات السوفيتية NKVDs في أوائل عشرينيات القرن الماضي وحققت نجاحاً هائلاً  . 
في نهاية 2002 ومع توجه CIA لتشجيع كل من يستطيع [من عناصر المعارضة] القادرين على  الإتصال ببعض أقربائه وأصدقائه في العراق لتحويلهم ضد صدام بدأ فجأة  توافد المرسلين Emissaries  من العراق الى أوربا الغربية والساعين للأتصال بـ  CIA. ادعى هؤلاء أنهم يمثلون جماعة جديدة تطمح لتولي السلطة بعد الحرب وأن جميع منتسبيها عراقيون كبار مازالوا داخل العراق . كما أدعوا أن التجمع يضم وزراء وضباطا وشيوخ عشائر واساتذة جامعيين وشخصيات مهمة أخرى سنية وشيعية وفئات كردية وقد اتحدوا جميعاً في معاداة صدام وحزب البعث وتعهدوا بإقامة حكومة تعددية موالية  للغرب . وفي مقابل الدعم الأميركي قال الموفدون أن العناصر  العسكرية في التنظيم ستسرح عناصر الحرس الجمهوري قبل أن يتسنى له التصدي للقوات الغازية، ثم وبعد الحرب مباشرة ستسلم  جميع اسلحة الدمار الشامل الى السلطات الأميركية . جرت عدة اتصالات متقطعة لبضعة أشهر أخرى مع التجمع وفرت استخبارات مهمة لتأكيد وجود عناصر التجمع في مؤسسات الدولة العليا . لكن وفي الوقت نفسه رفض الموفدون كشف أسماء وهويات العناصرالمهمة لتنظيمهم مذكرين بأساليب القمع الرهيبة لأجهزة مكافحة التجسس وووجودها في كل مكان .
بحلول الشتاء كان للموفدين طلب واحد من عناصر ارتباطهم بـ CIA. فبعد تكثيف المخابرات العراقية لجهودها ضد أية أنشطة للمعارضة بما يفوق تمادي U.S في عدائها للعراق واجه قادة التجمع الكثير من المخاطر على حياتهم . كانوا خائفين بل مرعوبون من أنشطة  عمليات مكافحة التجسس في المخابرات العراقية والتي ستؤدي الى سقوطهم وتدميرهم . لذلك بدأ موفدو المعارضة بالألحاح على عناصر ارتباطهم بـ CIA ؛بضرورة تأمين بعض التنسيق بينهم وبين ممثلي تنظيمات المعارضة الأخرى [ في العراق] ليتسنى لهما معاً مساعدة بعض ممثلي المعارضة أولئك ، والأهم لتجنب إختراقهم من قبل أعدائهم الخطرين . حثت U.S مختلف فصائل المعارضة على التعاون ومساعدة التجمع حتى تدخل قواتها بغداد.
في بداية 2003 ؛ قدم "التجمع" والأشخاص العاملون معه خدمات مفيدة جداً بتسهيل وصول عناصر من القوات الخاصة و CIA؛والتعاون معهم في محيط بغداد الكبرى .كما قدموا حقاً مساعدات ضخمة وملاذات آمنة، إذ لم يقتل أويعتقل أي متسلل أميركي في تلك المرحلة. وقد نجح المتسللون الأميركان بنصب أجهزة اتصالات ومعدات استراتيجية أخرى مكنتهم من تحديد الأهداف الحيوية لحملة القصف المقبلة . وفي الوقت نفسه اطلع العراقيين على ما كان  يفعله المتسللون الأميركان وما يسعون اليه وكانوا قادرين وفي العديد من الحالات على  تحذيرهم من القيام بافعال وتحركات قد تعرضهم ومشاريعهم بجملتها للخطر. ونجح جواسيس U.S بتحديد موقع وجود صدام حسين وولديه ليلة 19-20 آذار/مارت فسارعوا لإبلاغ العاملين الأميركان بذلك فأحدثوا نقلة وإنجازاً كبيرين بتغيير توقيت الصفحة الإفتتاحية للغزو.

لقاء غريب

وصل التعاون بين الأميركان والتجمع ذروته في شباط/فبراير 2003؛حين حقق التجمع لقاءً بين الجنرال المتقاعد أنتوني زيني و"جنرالين عراقيين قريبين من صدام". سهل وزير دفاع اليونان يانوس بابانديوس تنظيم اللقاء  والسماح لزيني ليوضح للعراقيين صحة وعزم U.S للتخلص من صدام . وكان يانوس بابنديوس مقتنعا بأن كبارالقادة العسكريين وحال تأكدهم من قوة وتصميم U.S فإنهم سيعملون على إقناع صدام بالتنحي أو يقوموا بانقلاب عسكري وبهذا يلغون الحاجة لنشوب حرب مدمرة. فجأة ألمح موفدوا "التجمع" بأن هذين الجنرالين ومع أنهما يرتبطان مع التجمع بشكل ما الاّ أنهما ليسا منه ولا يعرفان حتى بوجود التجمع. لذلك أوصوا  بأن على  جنرال زيني أن يكون متفائلاً وأكثر ليونة وأن "يشجع لا أن يهدد". لذا وحين التقى زيني الجنرالين العراقيين في أثينا حثهم على العمل معاً لمنع الحرب ، فإن تعذر ذلك طلب منهم زيني إيصال رسالته الى القيادة العليا العراقية لتبقى بعيداً عن الحرب وتحافظ على كيانها ووجودها . ولكن هذا الإنذار الأميركي المفترض أن يؤثر على العراقيين وعلى الحرب لم يسلم أخيراً.
 وبعد احتلال بغداد توقفت فجأة جميع الإتصالات مع موفدي التجمع. كما لم يتقدم أي من رجال التجمع للأميركان للمساهمة في إقامة حكومة مابعد الحرب في العراق ، كما لم يكن هناك أي ممثل للتجمع لتسليم أسلحة الدمار الشامل العراقية. وفي الحقيقة لم يكشف أي من أعضاء التجمع عن نفسه للسلطات أبداً . وبعبارة أخرى بدا من المؤكد بأن التجمع كان شيئاً كبيراً وجريئاً وناجحاً للغاية لعرقلة مساعي وخطط  U.S ضد العراق أعدته المخابرات العراقية بالكامل وباتقان للعمل ضد الأميركان والذي لم يحقق للعراق معلومات ومعطيات كثيرة ومهمة عن أنشطة CIA؛ داخل وضد العراق وحسب بل وضلل رؤية ومشروعات استخبارات U.Sعن التحديات المحتملة لما بعد الحرب .

دور نزار الخزرجي

ولعل من بين إحدى النتائج والموضوعات الجانبية ذات العلاقة بفكرة أو تنظيم "التجميع" ترد قضية الجنرال نزار الخزرجي رئيس الأركان العامة العراقية الأسبق والذي فر من العراق في منتصف التسعينيات . ففي تلك الفترة ارتبط اسمه باستخدام الغازات السامة ضد الكرد أواخر الثمانينات واحتلال الكويت 1990 والقضاء بقسوة وحشية على الإنتفاضة الشيعية عام1991. وذكر حقاً أمر استدعاء الخزرجي للمثول أمام محكمة مجرمي الحرب الدولية .ولكن وفي أواخر الـ1990كان الخزرجي يطوف بلدان أوربا – ثم استقر أخيرا في بلدة دانماركية صغيرة ونائية - كانت CIA تريد منه كلاعب رئيس في عراق ما بعد صدام متصورة أنه قادرعلى استثمار تأثيره المستمر في صفوف العسكريين لترصين نظام الحكم العسكري لما بعد صدام والذي سكون قريباً جداً وبقوة [ وكما يفترض] من الأميركان .
 وافق  الخزرجي على لعب هذا الدور، ففي حديث له مع جريدة الحياة في ك1/ديسمبر2002 قال الخزرجي : "أنا واثق بأن القطعات العراقية وحال دخولي العراق ستلتحق بي. وهناك أعداد كبيرة من الضباط والجنود المستعدين للعمل مع U.S لذا سنقاتل ونشق طريقنا الى بغداد ". كان نزار يوصف وبنظر العديد من خصومه بـ جنرال كرزاي الـ CIA – كديكتاتور ألعوبة ومنضبط  ويوجه من واشنطن .

في عام 2002 وبتشجيع من CIA بدأ الخزرجي يعيد وينٌشط اتصالاته باصدقائه ومريديه من الضباط القدماء في العراق .وسرعان ما أبلغ عن وجود مجموعة سرية من كبار الضباط الشديدي الوطنية والعنودين جداً ضد صدام ، وأن المجموعة اختارته – أي الخزرجي - كوسيط موثوق  بينها وبين واشنطن . أما ما تريده هذه المجموعة من الضباط العراقيين في الحقيقة فقد أبلغ الخزرجي الـ CIA في شتاء 2002 ؛ بأنهم يريدون الكثير من الأموال والدعم السياسي ليسهل عليهم ترتيب وتسريع انقلابهم [العسكري] ضد صدام .وحين رفضت U.S إلزام نفسها باية تعهدات خوفاً من أن الإنقلاب الموعود في بغداد  قد يؤدي الى وقوع الكثير من التصفيات والإغتيالات الأمر الذي منعت  CIA قانونياً من دعمه .هنا بدأ الخزرجي يتحدث علانية ومحذراً من حرب رهيبة على العراق قد تشعل النار في هشيم المنطقة . و قال في لقاء له مع قناة الجزيرة في  19 ك2/يناير 2003 : "إذا اندلعت الحرب ونشب القتال ؛ فسيستخدم التحالف كل جهوده لضمان ولتحقيق نجاح سريع مع ضمان عدم وقوع أية خسائر في صفوفه . ستستخدم تلك القوات أفضل ما لديها من معدات. ومن المحتمل أن  تلك المعدات ستدمر وتلوث بيئة ومستقبل أجيال العراق المقبلة وكما حدث في حربي الخليج وأفغانستان . وأكثر من ذلك فستمزق هذه الحرب وتقسم الشعب العراقي و تدمر بنياته التحتية وقواته المسلحة وستدخل في فوضى مدمرة، وهذا قد يقود بدوره  الى حرب أهلية" . وبدلاً عن حرب أميركية طالب الجنرال خزرجي تزويده بالمساعدات  الضرورية لعودته الى العراق لقيادة ثورة عسكرية ضد صدام حسين وقال في 21شباط/فبراير2003 : "أحس وكأنني أسد في قفص . يجب أن أكون في العراق لقيادة الشعب والعسكريين ضد صدام . أنا واثق من أن وجودي في العراق سيقنع العسكريين بتغيير اتجاه أسلحتهم ومدافعهم وسيشهرونها ضد صدام ". وتابع : "من الطبيعي جداً أن يتصدى الشعب لجيش الإحتلال الأميركي الذي سيقصف البنيات التحتية والقوات المسلحة وسيبقى [المحتل] طويلاً في العراق وسينصب حكومة عميلة، بينما ستسدد نفقات الحرب من نفط وثروات العراق".

وبغض النظر عن كل هذا التبجح والتظاهر بالشجاعة وتأكيد جنرال خزرجي استقلاليته فقد أبقى على اعتماده وتعاونه مع  CIA.الا أن قضيته أمام المحكمة الدولية استمرت وتصاعدت. وفي أوائل 2003 حذرته (كوبنهاكن) أنه حال صدور مذكرة اعتقال دولية بحقه فسيسحب منه اللجوء الدنماركي وسيرحل الى المحكمة الدولية في ( لاهاي) . وفي 17آذار/ مارت – أي عشية الحرب – اختفى الخزرجي من داره في الدانمارك فقد نقله أصدقاؤه في  CIA الى الخليج العربي عبر عدة محطات أوربية. وحال بدء العمليات العسكرية ظهر الخزرجي فجأة على رأس ما سماه مسؤولون عرب كبار بـ "مجموعة التفاوض" - شاركت فيها عناصر من CIA- لإجراء حوار مباشر مع قادة ميدانيين في القوات العراقية المسلحة لعدم مقاتلة قوات التحالف الأمرو- بريطاني . وأكثر  من ذلك ووفقاً لمصادر في المعارضة العراقية: "لقد جرت هذه الإتصالات مع قادة عراقيين ميدانيين، وبإشراف CIA؛ وقوات خاصة لـ U.S في العراق لإقناع أعداد كبيرة من القوات العراقية بالقاء أسلحتهم، وربما حتى مشاركة عناصر من القوات العراقية الخاصة باعتقال صدام حسين حياً وتسليمه لقوات . U.S".


يتبع .........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالأحد يوليو 05 2015, 13:31

السباق الى بغداد الحلقه 3 

في عشية الحرب دخل الجنرال الخزرجي ومجموعته العراق سراً لتفعيل وتسريع  وساطاتهم مع نخبة من الجنرالات العراقيين .ادعى الخزرجي إقامته صلات مع القليل من كبار الضباط الذين تربطه بهم صلات قوية وقديمة. وقد أوصل عروض واشنطن للتنسيق والتعاون خلال وبعد الحرب . أوضح بعض كبار قادة المعارضة العراقية في بيروت أن الخزرجي طالب أصدقاءه  بـ "السعي ومطالبة صدام  لإظهار مواقف أكثر مرونة أزاء الوساطة المقترحة لتجنيب البلاد مخاطر الدمار مع ضمان سلامته " . وبالمقابل، أضافت المصادر، "وعد أولئك الجنرالات العراقيين  بدور رئيس في مرحلة ما بعد الحرب ، وأنهم سيحتفظون بنفس الحظوة التي ينعمون بها حالياً ولهم خيار القيام بانقلاب عسكري ضد صدام لإنهاء الحرب" .
 حين رفض القادة العراقيون الإلتزام بتنفيذ الإنقلاب العسكري، أو تقديم مساعدة فعالة لقوات الغزو الأميركية عرض الجنرال خزرجي خطته الخاصة لتجنب الحرب .ووفقاً لتلك المصادر في بيروت شملت خطة الخزرجي: "توفير ملاذ آمن للرئيس صدام خارج البلاد بشرط عدم استخدام الحرس الجمهوري الأسلحة الكيمياوية لإفشال أي اتفاق بين قيادة الجيش وقوات U.S. ومع ذلك، وإذا أصر صدام على القتال حتى بعد التوصل الى إتفاق كهذا، على القادة العراقيين التأكيد على عدم مشاركة أعداد كبيرة من القطعات في القتال لغرض إضعاف جبهة صدام كثيراً وتسهيل مسألة التعامل مع القوات العراقية ككل. واصل الجنرال خزرجي إصراره  طوال الوقت على دعم واشنطن له وأنها خولته تقديم هذه العروض والصفقات.

اتصالات الخزرجي ونتائجها

مع تصاعد القتال ، وسعت مجموعة الخزرجي إتصالاتها عبر أجهزة التلفون النقال واللاسلكي وحتى عبر سعاة وحاملي رسائل. وجرت معظم تلك الإتصالات عبر طرف ثالث كان يلتقي بعض أعضاء مجموعة الخزرجي في أماكن بعيدة . وفي 24آذار/مارس أبلغ أحد كبار مسؤولي CIA الواشنطن بوست بـ "استمرار الإتصالات السرية مع القادة العراقيين بأمل ترتيب استسلام القطعات العراقية وفرار بعض الشخصيات الهامة والإمتناع عن استخدام الأسلحة الكيمياوية والبايولوجية وأخيراً إسقاط (صدام حسين)".
ومرة أخرى إتصل موفدو متحاوري العراق من العسكريين طالبين إظهار صدق وإخلاص U.S – بخطوات  ستمكنهم من مواصلة الحوار دون إثارة شكوك المخابرات وأجهزة صدام الأمنية . لذا وايفاءً بذلك أوقفت U.S قصف مبنى وزارة الدفاع ، وأكدت التقارير أن الضباط المتفاوضين مع الجنرال نزار الخزرجي  كانوا يختبئون في تلك الوزارة . و كانت النتيجة هي تمكن القيادة العليا العراقية من إدامة الإتصال مع قطعاتها المقاتلة عبر ومعظم وقت الحرب .[ في لعبة مخادعة عراقية ناجحة أخرى لـ U.S].

وكما حدث مع عناصر (التجمع) لم يظهر معظم عناصر ومجموعة الخزرجي بعد احتلال U.S لبغداد، وبقي [ أي الجنرال خزرجي] أحد أكبر ألغاز الـ CIA؛ وجهدها الدؤوب لإفساد عناصر الحلقات القريبة لصدام .ولم يتضح بعد وبجلاء إخلاص وولاء [الجنرال خزرجي] الحقيقي . وبينما اتضح تماماً عدم ولائه لصلاته بـ CIA فهناك جدل طويل حول حقيقة الخزرجي، وهل هو طامع بالسلطة، أم أنه جنرال داهية حقق صفقات رائعة لترويج حساباته وأهدافه الخاصة ، أو أنه ذرائعي (واقعي يتعامل مع الممكن ) توصل الى اتفاق مع صدام يضمن سلامته [أي الخزرجي ]  مقابل مساعدته في الحرب العراقية السرية ضد  U.S.

الكرملين يراقب

شكل الكرملين الآن صورة كاملة لاغبار عليها للموقف في بغداد .لاحظت الإستخبارات الـعسكرية الروسية GRU في نشرة لها في 20 آذار/مارس " شدة اخلاص ومعقولية وتحمل القيادة العراقية العليا مسؤولياتها مقارنة بما يقال عن فاعلية العمليات الأميركية السرية"  ومضيفة " يتوقع الأميركان حدوث  تحول سياسي كبير وجذري وأخباراً من العراق في الـ 24 ساعة القادمة ". ويعتقد محللون أن محاولة انقلابية بدأتها CIA  قبل عدة أشهر هي السبب وراء هذا التوقع . ومع ذلك أفاد عملاء روس أن أنقلاباً كهذا أما قد كشف في الوقت المناسب أو كان ومن البداية تحت سيطرة دوائر الأمن العراقية . تأكدت هذه المعلومات بما لاح من مظاهر عدم الإرتياح التي سادت مركز قيادةCIA  في قطر وكما لو أن سقوط صدام حسين كان سيتم قبيل عدة أيام " . وعلى العكس فقد أثبتت الوقائع أن قراءة وتحليل  GRU ؛ للموقف في العراق  كانت صحيحة بل وبالغة الدقة  جداً .

منطق فرض نفسه

وأخيراً فقد كانت المحصلة النهائية لهذه الإتصالات والعلاقات مع المعارضة العراقية، بما فيها غالبية من هربوا الى الغرب هي : بروز فهم مرتجل ومتسرع وغائم للموقف في العراق . وذلك لأن هذا التحليل الإستخباري كان يتماشى ويناسب المصالح السياسية للقدمات العليا في إدارة بوش، ما جعله شديد الإغراء للتطبيق . وكقاعدة لا يميل أو لا يريد السياسيون مناقضة أو تحدي أو حتى التشكيك بتحليل استخباري يؤكد سياسات تقرر الإلتزام بها . لذلك صيغت خطط العمليات الأميركية مع تأكيد على استخدام أدنى حد ممكن من اعداد وحجوم القطعات البرية، وكانت حالة الجيش العراقي عاملا رئيسا في إعداد وتبرير هذه القرارات السياسية بالأساس . وعن ذلك قال ريتشارد بيرل أحد أكثر مستشاري البنتاغون نفوذاً وتأثيرا وأبرزهم في دعم الحرب : "أنا لا أعتقد بأن علينا دحر جيش صدام وأرى ان جيش صدام سيدحر [سيخذل ]صداماً" .
 هذا المنطق نفسه طبق على الحاجة الى منظومة شاملة للسيطرة على عراق ما بعد الحرب والقضاء على عمليات الفوضى والإرهاب والتخريب .إذ قادت المعارضة العراقية واشنطن للإعتقاد بأن العراق الجديد والمحرر سيكون شديد الإمتنان للقوات الأميركية ولن يشكل تهديداً أمنياً . "ستجابه قواتنا بفرح طاغ ومتفجر ‘‘ هذا ما قاله وكيل وزير الدفاع بول وولفتز. وحتى مع  تدفق التقارير من الإستخبارات وبعضها الآخر من القوات الخاصة الأميركية داخل العراق حول الإستعدادات الفعالة للجيش العراقي ، كان هناك رفض منظم للتخلي عن الفكرة [ التي ترسخت في أذهان بعض كبار مسؤولي U.S] بوجود عوامل وقوى تدمير ذاتية ستؤدي لانهيار منظومات الجيش العراقي من الداخل . وقال ريتشارد بيرل في شباط/فبراير [2003] " قد تظهر هناك بعض جيوب للمقاومة ولكن فئة قليلة من العراقيين ستقاتل دفاعاً عن صدام"  .
هذه القناعة القائلة بان الموقف في العراق سيتحكم في النهاية بخطط الحرب الأميركية أثرت  في حجم وتأليف القطعات التي انفتحت في ترتيبات التعامل مع عراق ما بعد الحرب .وفي 13 آذار/مارس أجمل كلاً من : رامسفيلد والجنرالان ريتشارد مايرز و بيتر بيس [رئيس هيئة الأركان ومعاونه ثم خليفته] تفكير إدارة بوش عن الحرب أمام مجموعة من كبار الضباط المتقاعدين ومجموعة من مفكرين استراتيجيين وآخرين من خبراء الإستخبارات .
 تحددت رؤية البنتاغون باستخدام حجم محدود من القوة بحدود 70 ألف جندي تندفع بـ’حملة صاعقة Lightining drive‘ الى بغداد متخطية المدن العراقية الأخرى . سيتم تسهيل هذا السباق الى بغداد بحملة قصف "غير مألوفة ولكن دقيقة لزرع الرعب والدمار" Shock and Awe‘-أي بتفتيت وربما القضاء على القيادة العراقية. وادعى رامسفيلد قائلاً : "يمكن الإطاحة بنظام بغيض– مكروه – دونما حاجة لشن حرب على البلاد كلها". وتوقع البنتاغون أن القوات العراقية ستترك صدام وأن شعب العراق سيثور ضد نظام البعث. وبهذه الطريقة أصر البنتاغون على أن الحرب ستنتهي سريعاً، بأسابيع وربما بأيام  مع سفك القليل من الدماء الأميركية أو العراقية . أما الجنرال المتقاعد باري مككافري قائد فرقة المشاة الآلية /24؛ في حرب الخليج 1991 والذي حضر إيجاز /13 آذارهذا ، فقد حذر من تجاهل مخططي الحرب  لـ  ’كارثة سياسية/عسكرية إن ثبت خطل ما بنيت عليه خطط البنتاغون من افتراضات ، ومضيفاً  "لقد اختاروا خوض المعركة بقوات برية وبقدرات غير كافية مالم تثبت صحة ودقة افتراضاتهم ".

وساطات

جرت وفي الوقت نفسه محاولات وساطة يائسة في الدقائق الأخيرة لضمان فهم واستيعاب صدام لجسامة الموقف وما يحيط به .وقد ساهم أشخاص كثيرون –معظمهم من العرب - ممن سبق لهم أن أقاموا علاقات شخصية مع صدام في تلك المبادرات والجهود، بما فيهم رجال أعمال أردنيون وشركاء لأبناء صدام ورجال أعمال مصريون وتجار نفط وآخرون ممن استفادوا من الحصار . ووفقاً لمسؤولين أردنيين تابعوا وراقبوا بعض تلك الإتصالات فقد جرى وأد الكثير من تلك المحاولات لـ "إصرار إدارة بوش على شرط واحد لإنهاء خيار الحرب هو : تنازل صدام عن السلطة وتركه العراق . رفضت بغداد الشرط باصرار مطلق وعرضت ترتيبات أخرى .  
ولكن مصادر عراقية في بيروت والقاهرة واصلت التأكيد على احتمال التوصل الى ترتيب معين بل وسربت أجزاءً من تسوية سيسر بغداد قبولها . لقد استند حل بغداد على فكرة " بقاء صدام رئيساً لجمهورية العراق ولكن ضمن نظام وصيغة برلمانية يمسك رئيس الوزراء فيه بالسلطة التنفيذية الحقيقية ويتحول صدام الى هيكل فخري بدون سلطة حقيقية" . وتصر المصادر العراقية على قناعتها وعثورها على طريقة لإقناع واشنطن بقبول ودعم المقترح .وأوضحت تلك المصادر العراقية بـ أن تلك التسوية "إذ ستعطي الولايات المتحدة نفوذاً ومكانة خاصتين وغير معلنتين في مسألتي النفط وفي تشكيل المؤسسة العسكرية العراقية، وكذلك بحل جميع الخلافات السياسية التي أثارها صدام اقليمياً ودولياً وتحت مظلة فخرية أو شكلية للأمم المتحدة"  .

أمين الجميل

كان الجهد أو المحاولة الأخيرة والفريدة  لتجنب الحرب والتي حظيت بمكانة خاصة هي التي تولاها رئيس جمهورية لبنان الأسبق والصديق المقرب لصدام منذ ثمانينيات القرن الماضي  أمين الجميل والذي أقنع بدوره صدام حسين بمقابلة مسؤول [أميركي] جاء معه في 8 آذار/مارس- وهو عقيد كبير السن كان وراء الدعم الأميركي والسري للمجهود الحربي خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات والذي حظي بصداقة صدام أيامها . قابلهما صدام بود وصداقة حقيقية حين قدم له جميل رفيقه العقيد الأميركي . ومع ذلك توتر الموقف والمناقشة حين أكد العقيد لصدام بأن U.S ستعمل على اغتياله بعد نفاد مهلة الأنذار في19 أذار/مارس.والسبيل الوحيد لتجنب محاولة الإغتيال هذه هو بقبول صدام المنفى وترك العراق الى مصر أو السودان أو سوريا أو أي بلد يرضى باستضافته . إحتد صدام ورد بشدة  "سأموت ولن أستسلم".  كرر العقيد تلميحاته، عندها هدد صدام بقطع رأسه وإرساله داخل صندوق الى بوش . فأكد العقيد لصدام بأن أمراً كهذا سيعجل باندلاع الحرب وفوراً . فرد صدام قائلاً "أنا لا أخاف الموت أبداً" . واصل العقيد محاولته إقناع صدام بعدم قدرته على البقاء الى ما لانهاية لا قابعاً في ملجئه ولا حتى بين أبناء شعبه حال بدء القصف . لم يزد صدام وهو في قمة إنزعاجه عن تحريك يديه لإظهار معارضته واستيائه .ثم مد يديه مودعاً العقيد وأمين جميل بالكثير من الود الدافئ بعد أن سأل جميل ليمكث فترة أطول في العراق .وبقي الجميل فعلاً حتى 12آذار/مارس. لقد خلص كل من أمين جميل والعقيد الى أن صدام حسين قد حسم أمره وأنه قرر القتال .

الكرملين مرة أخرى

في 14 آذار/مارس أبرقت الإستخبارات العسكرية الروسية (GRU) الى الكرملين أن القوات الأميركية في الخليج العربي دخلت حالة استعداد قتالي عالية وأنها جاهزة لشن حملة عسكرية خلال 3-4 ساعات وفور تسلمها الأمر بذلك . بل وأكدت (GRU) بأن جميع أوامر وخطط  القتال قد وصلت جميع المستويات ذات العلاقة في قيادة القطعات وحتى مستوى آمري الأفواج نازلاً . جاءت تقارير الإستخبارات [الروسية ] لتؤكد الإنطباع السياسي لدى الكرملين بان إدارة بوش ستذهب الى الحرب دون انتظار لتخويل مسبق من مجلس أمن الأمم المتحدة بذلك . لذلك قررت روسيا القيام بمحاولة أخيرة لمنع الحرب .
 وفي 17آذار/مارس أوفد الرئيس بوتين بريماكوف ثانية الى العراق لمقابلة صدام ومحاولة اقناعه بالتنحي .


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وفي بغداد أبلغ بريماكوف صداماً بأنه جاء بغداد حاملاً رسالة شفوية من بوتين .وأضاف بريماكوف بان "الرسالة هي أن عليه التنحي  لمنع [أو لإيقاف] معاناة الشعب العراقي والتي ستكون وخيمة إن أندلعت الحرب" .في البداية اقتصر اللقاء على بريماكوف وصدام فقط ، حيث دارت بينهما مناقشة شخصية وطويلة راوغ فيها صدام طويلاً حول سبب زيارة بريماكوف .بعدها أصر صدام على ضرورة اعادة بريماكوف رسالة بوتين الشفوية بحضور طارق عزيز . ولاحظ بريماكوف في ما بعد أن صداماً لم يرد ولم يعلق على الرسالة . ويتذكر بريماكوف أن "صدام ربت على كتفي ثم غادر الغرفة".

خطّط بضعة وزراء خارجية عرب للذهاب الى بغداد لإقناع صدام بمغادرة العراق الا أنه لم يسمح لهم بزيارة العراق . فصدام الذي تجاوز ونجا من صدمات وعثرات كثيرة ظل مقتنعاً بقدرته هذه المرة على المراهنة على الزمن والظروف ومراوغة جميع أعدائه مجدداً . وصدام الآن بانتظار تنامي غضب العرب الى الحد الذي يفرض معه بقاءه – أي صدام – في السلطة وأن يضغط العرب على واشنطن لإيقاف الحرب قبل أن تلتهب المنطقة بكاملها بلهيب [الثورة والفوضى ] . "أرسل صدام إشارات عن استعداده لمناقشة تخليه عن السلطة" قال ذلك  مصدر استخباراتي غربي رفيع لـ ستيف رودان من MENL's  وكانت تكتيكا ،فمتى ما أندلعت  الحرب سيكون بوسع صدام  القول لحلفائه العرب بانه رغب بإنهاء الحرب وتجنب أية هجمات باسلحة الدمار الشامل في مقابل ممر آمن له ليترك العراق . كانت تحركات قطعاته العسكرية تهدف وأكثر من اي شيء آخر لإعطاء الضغط الدولي وقتاً كافياً ليفعل فعله على واشنطن لوقف الحرب . لكن كان لدى واشنطن هذه المرة خطط أخرى .

مهلة بوش لصدام

في 17آذار/مارس ألقى بوش خطاباً متلفزاً منح خلاله صدام حسين وولديه 48 ساعة فقط لترك العراق دون أية حصانة أو حماية .قال بوش : برفضهم تنفيذ ذلك سيشعل نيران حربٍ دموية ستبدأ حين نريد ‘‘. وكرر الرئيس بوش عرضه للقوات العراقية المسلحة بعدم إبداء أية مقاومة نظير توفير ما ستحتاجه من مواد تموينية وأدوية ؛ ومهدداً في الوقت نفسه بمجابهة أية مقاومة عراقية برد مدمر" . ثم كرر بوش تأكيده للقوات وللمؤسسات الأمنية العراقيتين بضرورة تعاونهما مع القوات البريطانية والأميركية لأجل مصلحتيهما هما ولمستقبل العراق مؤكدا ً " أدعو جميع  منتسبي القوات العسكرية وخدمات الإستخبارات أن عليهم إن أندلعت الحرب عدم الدفاع عن نظام ميت [متهاو] ولايستحق تضحياتهم بحياتهم من أجله" .


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

رفض صدام انذار بوش الأخير كلية – فلم يترك من خيار أخر سوى الحرب. 

 
الحرب بدأت فعليا

بغض النظر عن إنذار بوش [وتوقيته ]؛ فقد كانت U.S قد بدأت حربها مع العراق فعلاً . ففي 7 آذار/مارس 2003 أكدت مصادر كويتية أن الحرب قد نشبت فعلاً . لقد شن الطيران البريطاني والأميركي غارات قصف استراتيجي على المسالك الجنوبية الى بغداد بحجة خرق الطيران العراقي أومر الحظر الجوي ومنعه من التحليق فوقها  No-fly-zone. ومع ذلك لاحظت تلك المصادر الكويتية أن بعض تلك الغارات الجوية شنت ضد أهداف استراتيجية شمال مناطق حظر الطيران .
 وفي 9 آذار/مارس بدأ المارينز الأميركي بإزاحة السواتر الترابية على طول الحدود الكويتية – العراقية . لقد أزيلت تلك السواتر في  33 قاطعا على النحو الذي سيسمح باندفاع الوحدات المدرعة سريعاً نحو جنوبي العراق . تزايدت في الوقت نفسه أعداد دوريات الطائرات المقاتلة في سماءي الكويت والعراق .
 وفي اليوم التالي [ 10 آذار/مارس] شنت الطائرات البريطانية والأميركية سلسلة غارات جوية على خمسة مراكز اتصالات في جنوبي و وسط العراق - كان بعضها ضمن منطقة بغداد . كانت جميع الأهداف مجهزة بسيطرات  طوعيةً (أوتوماتيكية) لإتصالات ’ألياف بصرية fibre-optic‘ والتي تراقب الرسائل وتعيد توجيه الآتية عبر خطوط أعطبت الى خطوط سالمة .ألقت الطائرات كذلك منشورات تحذر القطعات العراقية من الإقتراب من المدن، ولاسيما بغداد ، وإلاّ ستتعرض لقصف جوي مدمر .
 
يوم 11 آذار/مارس قدرت القيادة الوسطى CENTCOM أن U.S قد دمرت جميع بطريات مدفعية ضد الجو المنفتحة جنوبي وشمالي العراق . وتولت الطلعات الجوية الأخيرة رصد وتحديد ما نشر قرب الحدود الأردنية والسورية من أسلحة ومعدات - وبالذات من منظومات الدفاع الجوي التي لا علاقة لها بموضوعة No-fly-zone ولكنها قد تعرقل العمليات الجوية للطيران البريطاني والأميركي خلال الحرب .لم تعد U.S معنية حتى بالتظاهر بأن لعملياتها الجوية أية علاقة بقرارات الأمم المتحدة بعد . وقال الجنرال مايرز موضحاً ذلك بأننا "ولمزيد من الضغط على النظام العراقي لنزع سلاحه فقد صعدنا عمليات المراقبة الجوية الجنوبية" مضيفاً "لقد قمنا بعدة مئات من الطلعات الجوية يومياً منها 200 أو300 فوق منطقة الحظر الجوي الجنوبية" .
 وفي ليلة 14 آذار/مارس أشركت U.S قاصفتي B-1 كجزء من تشكيل جوي قاصف كبير ضد أهداف غربي العراق وبالذات ضد قاعدة H-3. ولكن هذه الغارة الجوية التي لم تجابه باية مقاومة فعالة فشلت بتدمير منظومة ومعدات صواريخ سكود المنفتحة في المنطقة لاستخدامها ضد اسرائيل.
كان رد فعل العراقيين وفي الوقت نفسه لتصعيد هجمات التحالف محيراً ومثيراً إذ وفي 15 آذار/مارس أمرت بغداد فرقة الحرس الجمهوري (توكلنا على الله) بترك مواقعها جنوبي العراق واعادة انفتاحها في محيط بغداد !. لاحظت استخبارات U.S واسرائيل وفي وقت واحد  ظهور ’طبعات  Image‘ صواريخ بالستية غربي العراق، ولكن دون تحديد موقع معين لها كما لم تؤكد المعلومة أو تحدد من مصادر أخرى .
 في 16آذار/مارس تولى صدام حسين بنفسه القيادة المباشرة للقوات الجوية وقوات الدفاع الجوي وقوات الصواريخ .ولم تقدم بغداد تفسيراً لهذا القرار.
في ليلة 17آذار/مارس لاحظت استخبارات U.S واسرائيل ظهور طبعة الكترونية Electronicsignature‘ – وهي  نمط متميز ويمكن ملاحقته من الإتصالات الألكترونية – ما يشير الى توزيع رؤوس وقنابل كيمياوية وبايولوجية الى تشكيلات قتالية في جنوبي وغربي العراق . ترك العراقيون[تعمداً ] ظهور هذه الصورة كعلامة تهديد وردع للأميركان .
وبدءا من منتصف آذار/مارس عبرت الحدود العراقية وفي كل ليلة مجموعات متزايدة من القوات الخاصة وزمرCIA  لتنفيذ مهام أستخبارية محددة و/أو للبحث عن صواريخ بالستية واسلحة دمار شامل وأهداف حيوية أخرى. شنت عدة عمليات مركزة بحثاً عن صواريخ سكود  في مجمع وقاعدة (شعب الحيرة) غربي العراق وهي منطقة مفضلة لعمل وحدات الصواريخ البالستية .تولت القوات الخاصة مراقبة ودراسة الطرق المحتملة لمرور قوات الغزو البرية عبرها للتأكد من عدم وجود أية مباغتات.
 وفي ليلة 19آذار/مارس وحدها دفعت 31 مجموعة قوات خاصة – تضم أكثر من 300 رجل – مع عدد قليل من وحدات قوات خاصة SAS بريطانية واسترالية داخل العراق . وكان هذا تسللا رئيسا رافقته  عدة مفارز تسللت هي الأخرى من الأردن والسعودية، بينما تسللت عناصر أخرى بسمتيات مطورة حطت عميقاً خلف الخطوط العراقية . تولت بعض هذه المجموعات الإتصال مع ، وتعزيز بعض مجموعات صغيرة من قوات خاصة وزمر CIA  العاملة داخل العراق . بينما انطلقت مجموعات أخرى لأداء ما عهد اليها من مهام . وخلال الليلتين التاليتين هبطت مجموعات قوات خاصة إضافية أخرى من - U.S وبريطانيا وأستراليا- في العمق العراقي، وعلى الأخص في مناطق كردستان البعيدة، وقرب الحدود السورية .


يتبع ........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: حرب العراق 4   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالأحد يوليو 05 2015, 13:42

السباق الى بغداد الجزء 4 

الروس يعلمون

رغم ما يفترض بأن تسلل القوات الخاصة وعملياتها داخل العراق كان سرياً، فقد كان وجودها معروفاً للروس منذ البداية . فلقد ورد تقرير للإستخبارات العسكرية الروسية GRU الى الكرملين في 19آذار/مارت بوجود "حوالي (30 ) وحدة استطلاع وأخرى لشن عمليات وهجمات تضليل قد تسللت أو(أنزلت) في العراق من قبل بريطانيا وU.S. كانت المهمة الرئيسة لهذه الوحدات هي جمع معلومات عن الأهداف المقبلة لأسراب وموجات الطائرات الرئيسة لشن الضربات الجوية" . وأكثر من ذلك ففي تلك الليلة ( بتوقيت العراق) أمرت القيادة العليا لقاطع الناصرية السكان بالبحث عن "عناصر قوات خاصة لـ U.S والتي تسللت في منطقة الحدود في اقصى جنوبي العراق". وحذرت الرسالة من أنه مالم يتم إيقاف تلك القوات الخاصة فـ "ستستغل الأراضي العراقية لشن عمليات قتالية برية". لكن برغم غارات البحث الواسعة النطاق التي تولتها القوات العراقية ودوريات قوات الأمن المحلية الكثيفة لم تكتشف أية مفارز قوات خاصة لـ U.S ولا لحلفائها وبالتالي لم تفشل أي منها في أداء مهامها .

قبل يوم واحد

 خلال يوم 19آذار/مارت برغم العواصف الرملية الكثيفة بدأت القوات الأميركية والبريطانية تصعيد حملتيهما البريتين على طول الحدود الكويتية . فسيطرت القوات الأميركية الأمامية ’Advanced forces‘على جميع الأرض الحرام أي "المنطقة العازلةno-man,s land " بعرض ( 10)أميال بين العراق والكويت بما فيها حقل الرميلة الكبير جداً . عبرت مفارز صغيرة من قوات U.S خط الحدود العراقي قرب القاعدة البحرية العراقية الوحيدة في أم قصر. متذرعة بوقوع اشتباك بين زوارق تهريب عراقية وأخرى كويتية لمحاولة العراقيين زرع ألغام في الليلة السابقة . نفذت بحرية U.S خلال النهار عمليات صيد في الخليج العربي ومدخل شط العرب بحثاً عن زوارق إنتحارية نٌشرت هناك لمهاجمة سفن وبوارج أميركية وبريطانية . وفي وقت مبكر من اليوم نفسه تقدمت قوات كبيرة من مارين بريطانيا و U.S نحو الجزء الشرقي من المنطقة ثم عبرت بكاملها تقريباً . وفي اليوم نفسه توغلت عناصر من قوات U.S و بريطانيا الى عمق( 10-15)ميلاً داخل العراق واندفعت شمالاً برغم العواصف الرملية الكثيفة . تقدمت تلك القوات عبر محورين متمايزين – الأول نحو البصرة [بريطانيا] والثاني باتجاه الناصرية [مارين  U.S] .ووفرت حاملة الطائرات الأميركية ’لنكلن USS lincoln‘ إسناداً جوياً متقطعاً من طائراتها .كانت تلك بداية طيبة فقد استسلمت عناصر فوجي مشاة عراقيين كانا شمال الشريط منزوع السلاح حالما رأوا القوات المتقدمة نحوهم .قصفت وفي الوقت نفسه طائرات F-18s؛ القطعات والمنشآت العراقية قرب الحدود الأردنية غربي العراق . 

أول اشتباك

 وقع في مساء (19 آذار) أول إشتباك بري على الطريق نحو البصرة ، فقد هاجمت قوة من مارين U.S قوة دفاعية بحجم فوج احتلت نطاقاً دفاعياً لحماية الطريق العام على مبعدة 12ميلاً تقريباً شمال الحدود الكويتية .ضمت القوة العراقية حوالي( 40)دبابة وحوالي (25) قطعة مدفعية ثقيلة . هاجم المارين الخط الدفاعي الأول بينما تولت طائرات أميركية وبريطانية قصف  قطع المدفعية الساندة . وحسمت المعركة باشتباك حاسم وشديد بعد الظلام تفوق فيه التدريب الأميركي على العمليات الليلية وفي استخدام معدات القتال الليلي ومنظومات تقريب ميدان المعركة ’Battle-awareness‘؛التي أثبتت أهميتها الحاسمة بدحر قوة عراقية متخندقة بشكل جيد . بعدها انحرفت قوات التحالف شرقا وبدأت بتعزيز جبهة دفاعية باتجاه أم قصر والبصرة . كانوا يدفعون قوات الدفاع العراقية الرئيسة الى الخلف باتجاه المدن وبعيداً عن الساحل وعن تسهيلات الميناء تمهيدا لتسهيل عمليات انزال التحالف للتعزيزات في الميناء . مازالت تشكيلات المدفعية العراقية الكبيرة والموزعة على خطوط ومواضع متعاقبة  تشكل التهديد الرئيس. وأشارت تقارير استخبارات U.S الى أن بعض بطريات المدفعية تلك  قد جهزت بقنابل كيمياوية . وخلال الليل واصلت طائرات بريطانيا وU.S قصف مواضع المدفعية العراقية دون جدوى فلم تكن الغارات الجوية مؤثرة كثيراً بسبب العواصف الرملية ، كما أن استخدام السمتيات لم يعد ممكنا على الإطلاق خلال العاصفة .
خلال تلك اللية جاء ممثلو فرقة المشاة/11، وفرقة آلية/51 الى مواضع القوات الأميركية المتقدمة عارضين التفاوض للإستسلام . كان واجب تلك الفرقتين هو : حماية المقتربات الجنوبية لحقول نفط الجنوب . ثم وكما اتضح بعد أيام من ذلك ان العملية برمتها كانت جزءا من خطة مخادعة عراقية صيغت لتأكيد قناعات مسبقة لاستخبارت U.S من أن القوات العراقية سوف لن تقاتل .

توقعات وردود أفعال

 برغم أن الضربات الأميركية الجوية الكثيفة والمدمرة صباح 20 آذار/مارس (توقيت بغداد) قد بدأت الحرب على العراق رسمياً إلا أن العمليات البرية تواصلت باستمرار وفق الخطط و التوقيتات المقرة والتي نصّت على أن : تبدأ الحرب  ليلة الـ20 منه. وفي الكويت صرحت مصادر دفاعية أميركية بأن "من المتوقع بدء هجوم كثيف ٍعلى العراق أواخر يوم الخميس ( 20آذار/مارس) أو مبكراً يوم الجمعة 21/منه" وأن ذلك "الهجوم سيتألف من ضربات جوية وبرية وبحرية لأهداف عراقية" إلا أن  قادة ميدانيين محليين أميركان وبريطانيين لم يكونوا على علم بضربات بغداد وأنهم شرعوا وعلى الفور بتسريع قفزات تقدمهم . جوبهت موجة الهجوم الأولى بنيران مدفعية عراقية كثيفة ما أوجب استدعاء الإسناد الجوي لمعالجة هذا التصدي . لكن وعلى العكس من هذا الرأي أوالتحليل فإن ردود فعل العراق الأولى كانت سيئة ونذير شؤم . إذ ووفقاً لمصادر رفيعة في دول الخليج ؛فقد " دعى عدي صدام حسين فدائيي صدام للتهيؤ للإستشهاد". وستتضح أهمية هذا الأمر في الأيام القليلة القادمة ومع تواصل اندفاع القوات الأميركية والبريطانية داخل العراق .

صواريخ لم تقتل أحدا

في ما بعد ظهيرة ذلك اليوم أطلقت القوات العراقية خمسة أوستة من صواريخ أرض - ارض الصمود وصواريخ سكود في ثلاث صليات باتجاه مواضع الجيش الأميركي شمال الكويت، وذلك من موضعين الاول في شبه جزيرة الفاو والثاني من جنوب بلدة (سوق الشيوخ). هذا وأطلقت صواريخ باتريوت للتصدي للصواريخ العراقية ولكنها لم تسقط سوى صاروخ صمود واحد . وبرغم أن الصواريخ العراقية لم تصب أحدا، إلا أن السلطات الكويتية أمرت بإطلاق صفارات إنذار الدفاع المدني لمدينة الكويت خوفاً من هجوم أو ضربة بايولوجية ، ولقد دعت تلك السلطات السكان لارتداء أقنعة الغاز . بعد دقائق إهتزت المدينة بفعل إنفجار مدو سببته موجة صواريخ عراقية ثانية فشلت صواريخ باتريوت بالتصدي لها أو أسقاط أي منها . وبرغم ذلك لم تقع أية خسائر بالأرواح هذه المرة أيضاً. مع ذلك رأى معظم المراقبين أن هجمات الصواريخ العراقية بداية لحملة [عراقية] أشد كثافة . وهذا ما كان رأي مسؤول عسكري ايراني رفيع جداً، إذ قال "نظراً لتمتع U.S بفائقية كبيرة في الحرب الألكترونية فقد أخفى العراق مواضع صواريخه ليتعذرعلى U.S كشفها. لذا بدا الأمر لبعض الوقت وكأنها ستطلق صواريخها ضد أهداف U.S بما فيها اسرائيل" ،مضيفاً "والعراق لابد سيقصف اسرائيل"! 

طبيعة الهجوم الفعلي

  بدأ الهجوم البري الفعلي مساء.20 آذار/مارس حين وصلت القوات الأميركية والبريطانية الحافات الأمامية لمناطق تحشدها .وحين تركت الكويت حملت القوات الأميركية معها مواد إعاشة (تموين) أساسية- طعام وماء وعتاد تكفي لخوض قتال حديث لأربعة أيام، وستثبت الايام أنها لم تكن كافية ولا مناسبة للقتال المقبل .
 نصت خطة الحرب الأولية على تنفيذ حركة خرق واسعة من الجنوب باتجاه بغداد واندفاع [رتل واحد] من الشمال ولو أن التعرض الشمالي  كان سيلغى بسبب رفض الأتراك السماح للولايات المتحدة باستخدام أراضيها بينما ظل الجزء الجنوبي من الخطة دونما تغيير. كان المبدأ الرئيس للخطة هو: إحاطة واسعة لأرض الشيعة من الشرق والغرب وبرتلين يلتقيان في منطقة بغداد الكبرى .( كان لمزيج من قوات الصولة الجوية [من الفرقة/101 صولة جوية] والقوات الخاصة وقطعات كردية يقتربان من بغداد للتعويض عن الرتل القادم من تركيا ) .سيتقدم الضلع الغربي غرب الفرات (غرب طريق  الناصرية-النجف) أما الضلع الشرقي فسيندفع شرق دجلة ( بصرة –عمارة –كوت ) يلتقيان أخيراً في بغداد .
 يكمن المنطق الذي صاغ هذه الخطة افتراض [دوائر] الإستخبارات بأن قطعات الجيش العراقي والمنفتحة وبكثافة في المناطق التي يتوقع مرور رتلي الكماشة عبرها سوف لن تقاتل . هجوم الكماشة سيتجنب المدن والمراكز الشيعية الكبرى (خوفا من اندلاع مقاومة شعبية تثيرها عناصر ايرانية]. كانت الولايات المتحدة تخشى كذلك من أن القوات الخاصة العراقية والارهابيين قد يفجرون الجسور الرئيسة على النهرين ومن قدرة قوات الحرس الجمهوري على تفجير سد الهندية على الفرات وسد ميسان على دجلة لعرقلة تقدم قطعاتها .
 يسمح إتساع فوهة الكماشة للأميركان كذلك بتجنب الطرق الوسطى (المركزية) المتجهة الى منطقة بغداد والتي تحت سيطرة الحرس الجمهوري الذي أنشأ فيها أرض قتل لمدفعيته تشتمل على القنابل الكيمياوية .خلال الأشهر التي سبقت الحرب قصفت الطائرات المقاتلة وبانتظام المنشآت  العسكرية الرئيسة المسيطرة على محاور التقدم أما مدى وقوة تأثير تلك الضربات الجوية فما زال موضع نقاش  بين العسكريين .


يتبع ..........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: حرب العراق 5   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالأحد يوليو 05 2015, 13:44

 السباق الى بغداد الحلقه 5


مقتطفات من الجزء التاسع من الكتاب 

معارك الناصرية

الأمر المهم والأخطر من كل ذلك أن معارك الناصرية فرضت توقفاً وشللآ تامّين على العمليات العسكرية لقوات الإحتلال إذ أقر الجنرال مككرينين فرض وقفٍ  قسري (مفتوح ) قد يستمر أسابيع أو أشهراً الأمر الذي أثار قلقاً بالغاً في لندن وواشنطن .
كان سببا التوقف الرئيسين هما :
1. قلة القطعات ؛ولا بد من انتظار وصول وتكامل فرقة المشاة /4 التي رفضت تركيا مرورها عبر أراضيها الى شمالي العراق وكذلك رفض السعودية والأردن مرورها أيضاً عبر أراضيهما وقبلته الكويت .
2. توفير حمايات كافية لخطوط المواصلات الطويلة بسبب الغارات والكمائن العراقية التي أجبرت القوات الغازيه على الاكتفاء بالنزر اليسير من مواد تموين الحرب الرئيسة .
وقد أثار هذا التوقف قلقاً ويأساً بين القطعات الأمامية التي فوجئت بالإستعدادات والترتيبات العراقية.  لخص الفريق وليام .أس . وولس قائد الفيلق الخامس الأميركي الأمر بقوله: "يختلف العدو الذي نقاتله [في العراق الأن] عن العدو الذي قاتلناه في لعبات الحرب إبان الإستعدادات [لغزو العراق]" - كتاب الكارديان ص -108.
 
حرب العصابات

ورد في تقارير المقدم [ الكيمياوي أكرم الدباغ] عن اجتماع هام لصدام ونخبة من أخلص القادة ومن أعوانه أقر فيه بعزم الولايات المتحدة على احتلال العراق ، وعليه لابد من التحول وسريعاً الى حرب العصابات بعد مقاومات ومعارك إعاقة بسيطة. من اجل هذا أخفت القيادة الكثير من أسلحة ومعدات حرب العصابات في مواقع سرية ومزودة بأسماء سرية ومشفرة لا يعرفها الا صدام ونفر قليل مختار . إن انكشاف أماكن أو أسماء ( الكود) لأي من تلك المواقع سيؤدي فيما سيؤدي اليه إعدام آمر الوحدة المعنية فوراً وعلانية . 

الطائرة البيلاروسية

بعد فشل الضربة القوية  في 27 أذار/مارت ظهرت أولى علامات فقدان الثقة على [نظام ]بغداد . ورغم أن معظم الإشارات والظواهر السائدة كانت توحي بأن بغداد مازالت واثقة من قدرتها على امتصاص/إحتواء أو حتى دحر الهجوم المعادي في النهاية، فقد طلبت بغداد من موسكو بيان رأيها بالموقف الحربي عموماً. عندها أو بعدها كسر الحاجز النفسي وبدأ صدام يفكر فيما لا يمكن التفكير به حتى الأن– أي سقوط بغداد بيد الأميركان . لذا طلب فوراً من روسيا البيضاء (بيلاروسيا) (التي طالما عرضت عليه ملاذاً آمناً) تسهيل إخلاء عاجل لأفراد عائلته، وكبار مسؤوليه ، وكنوزه ، وأرشيفه. وفي يومي 29 و30 أذار حطت طائرة نقل خاصة( أليوشين-76) ولفترات قصيرة في مطار صدام الدولي ونقلت ومباشرة الى (منسك) في بيلاروسيا حمولات  بالغة الأهمية وأشخاصاً .حلقت الطائرة عبر الأجواء الأيرانية ، فلم تحاول أيران التدخل في المهمة. أرسل عدي الى منسك في الرحلة الأولى ليشرف على ترتيبات سفر العائلة بكاملها .أثارت الفوضى والإضطراب في المطار شائعات عن هرب صدام وعائلته من البلاد .

نصائح روسية

وفي 30 آذار قدم الخبراء العسكريون الروس [تقديراً] مفزعاً للموقف الحربي الى صدام حسين وحلقته الداخلية . تضمن تقرير الإستخبارات الروسية GRU,s في 30 آذار أسس وخلاصات التحليل الروسي الى الكرملين :
نصح الخبراء الروس القيادة العسكرية العراقية ألا تتمادى في تفاؤلها المفرط . لا شك في أن الحرب الصاعقة blitzkrieg التي شنتها U.S  قد فشلت في احتلال العراق ولا في تدمير جيشه بعد ، و من الواضح أيضاً أن الأميركان قد توحلوا في العراق وأن حملتهم العسكرية سقطت في مطب لزج. ورغم ذلك فالقيادة العراقية الآن في خطر الإستهانة بقدرات العدو، وحتى الآن ما من سبب معقول للتشكيك بعزم الأميركان ولا بتصميمهم على تحقيق أهدافهم – إكمال غزو العراق . وفي الواقع وبغض النظر عن بعض أغلاط القيادة العليا للتحالف وحساباتها الخاطئة ألا أن  قطعاتهم التي دخلت العراق كانت بقدرات واستعداد قتالي عاليين مع رغبة قوية بالقتال. والخسائر التي تكبدوها خلال الأثني عشر يوماً الماضية من القتال ليست ذات شأن نهائياً من الناحية العسكرية . لقد ظلت المبادأة بيد التحالف. تحت ظل ظروف كهذه فإن يعلن العراق أو يتحدث عن نصر سريع على العدو فذلك سيربك قطعاته والشعب العراقي معاً، وفي النتيجة سيؤدي ذلك الى إحباط المعنويات والى خفض وتردي القدرات الدفاعية.
أخذ صدام حسين النصيحة الروسية بجدية عالية، وبدأ وعلى الفور إجراء تعديلات سياسية هامة قد تغير مسار الحرب . في صباح 31 أذار بدت أولى العلامات الدالة على أن بغداد تعيد التفكير باستراتيجيتها واضحة للعيان: فخلال الليل تحركت عناصر من فرقة بغداد /حرس جمهوري شمالاً عبر[ نهر] دجلة دون أن تدمر الجسور (عدم تدمير الجسور بعد ترك المنطقة نهائياً سيكون له عواقب وخيمة على الدفاع العام بكامله) وانفتحت شمال الكوت، بعيداً عن ميدان المعركة . ثم تحركت فرقة نبوخذنصر حرس جمهوري باتجاه جنوب شرق نحو الفلوجة ومن ثم نحو كربلاء من الغرب لتعزيز الدفاع فيها ضد فق مش آلية/3  الاميركية. وفي الوقت نفسه هاجمت عناصر من فق/101 صولة جوية فرقة نبوخذنصر حرس جمهوري ولكنها لم تستطع إيقاف تقدمها.وصلت قوة الواجب /20؛ وعناصر من فق/101صولة جوية "سدة الهندية" وبعد اشتباك قصير ولكن عنيف للغاية تمكنت من منع العراقيين من فتح أو تخريب السد لإغراق جيب كربلاء. نشطت فق/101صولة جوية قريباً من المسيب بحثاً عن ثغرة أو نقاط واهنة بين مواضع (قواطع) الوحدات العراقية قد تستطيع  فق مش آلية/3 اختراقها في طريقها الى بغداد .

أزمة القيادة العراقية

في  31 آذار وفي الوقت الذي دارت فيه كل تلك الإشتباكات كانت القيادة العراقية العليا وعلى الأخص في جيب كربلاء وسط أزمة كبيرة. فخلال ذلك اليوم وصل موفدون رفيعو المستوى من بغداد لملاقاة كبار القادة  ومعهم مذكرة مهمة تذكر أولئك القادة بأن لديهم أوامر محددة وأن عليهم التقيد بها حتى لو لم يسمعوا [شيئاً] من صدام . تقضي تلك الأوامر من حيث المبدأ "الدفاع حتى الموت" .  لكن ما حدث هو العكس فوصول هؤلاء المبعوثين كان كافياً لإحباط معنويات أولئك الذين واصلوا القتال ببسالة وعزم حتى تلك الساعة . ولم يكن هذا الإحباط  دون سبب إذ فسر القادة مذكرة صدام تلك لهم بأن القيادة على وشك الهرب تاركة إياهم ليموتوا لأجل قضية خاسرة.
وفي الحقيقة فقد بدأ بعض كبار الضباط  يتبادلون همساً ما لم يجرؤوا أو يخطر على بالهم حتى الأن – أي الإبتعاد عن صدام.
تسلم كبار القادة العراقيين الموجودين في قاطع كربلاء نتفاً مهمة من أخبار جديدة ذلك اليوم ولكن هذه المرة من بعض شيعة الجوار . فخلال عطلة نهاية الأسبوع 28-30 أذار وإدراكاً منها لطبيعة وجو الأزمات في بغداد اتخذت طهران قراراً حاسماً بخصوص الحرب الدائرة في العراق، قرار يقضي بعدم التدخل بتحرك الولايات المتحدة لإسقاط نظام  صدام . لذلك فقد ابلغت السكان الشيعة بتأجيل "انتفاضتهم" الكبرى المقررة ضد النظام . وفي الوقت نفسه ضغطت ايران كي يمتنع الشيعة عن مساعدة الولايات المتحدة بأي شكل كان وبالذات بعدم الإقرار بشرعية وجودهم في العراق . وفي الأساس اختارت ايران وشيعة العراق الوقوف بعيداً بينما كانت الولايات المتحدة ونظام صدام يسفحان دماء بعضهما البعض، ثم [وبعد انجلاء الموقف ] ستطلق طهران القوى الشيعية النشطة للإمساك بالسلطة وطرد الأميركان . لقد وصلت تعليمات طهران الى القيادة [الشيعية] في النجف وكربلاء في 30 أو 31آذار- وقد وصلت هذه التعليمات بنفس وقت وصول مبعوثي صدام آنفي الذكر . استخلص كبار الضباط العراقيين بأن نظام صدام قد انتهى وأن ما من شيء يمكن فعله لنظام يموت – ادراك تسبب بتغيير جذري في الدفاع العراقي لعدة ايام في ما بعد.
 يورد الكثير من كبار رسميي الدفاع والإستخبارات العرب والإيرانيين بأنه ونحو 1 نيسان/أبريل اتصل موفدون من مختلف فصائل المعارضة بما فيهم مدعو العلاقات مع الغرب بالعديد من كبار الضباط سواء في جيب كربلاء أو الضواحي الجنوبية لبغداد .أقنع هولاء الموفدون الضباط  بالتوصل الى تفاهم مع الإيرانيين من خلال موفدي ايران الموجودين بين السكان الشيعة . كانت الصفقة المقترحة تتماشى مع خطوط الإتفاق الذي تم في طهران بين أحمد الجلبي والحكيم وقادة الكرد عشية الحرب . توصلت ايران في الأساس الى صفقة مع أعضاء من القيادة العراقية العليا[!] تسمح بالإطاحة بصدام على أن يتولى ما سيتبقى من تلك القيادة [العليا] انشاء عراق اسلامي جديد خلفاً لصدام. وأكثر من ذلك ،وبمباركة قادة الشيعة في النجف وكربلاء أجرى عدة ضباط تكارتة مفاوضات سرية في منطقة الفلوجة . كما بحثوا في فرص التنسيق مع عراق اسلامي بعد صدام – ولكن بدون طابع شيعي .

شهد 1/نيسان هجمات وكمائن في مناطق مختلفة من المنطقة الصحراوية غربي العراق وعلى الأخص بالقرب من الحدود السورية يشنها كوماندوز عراقيون . حاولت تلك المجموعات منع وعرقلة دخول وتقدم القوات الخاصة للتحالف . وعلى طول الطريق الى بغداد اتسم معظم ذلك القتال بطابع هجمات السبر [جس النبض ]من الطرفين . فالقوات الأميركية والعراقية ما زالتا بعد تحاولان تفهم الموقف الكلي فيما بدا كمعركة حاسمة ووشيكة في كل الحرب .كثفت الولايات المتحدة قصف بغداد وبالمقابل أطلقت صواريخ (الصمود) على الحشود الأميركية قرب النجف، فقوطع أحدها بصواريخ باتريوت وسقط الأخر في الصحراء دون أن يلحق أذىً بأحد . وبعد زوال مخاطر الفيضان والإغراق احتلت عناصر من فق مش آلية/3 جسراً رئيساً على الفرات قرب الهندية على مسافة 50 ميلاً من بغداد . كثف القصف الجوي على فرقة المدينة – حرس جمهوري لتسريع تقدم فل/5؛الى بغداد ، وقد ادعى الأميركان أنهم دمروا نصف تلك الفرقة ألا أن ذلك كان مجرد مبالغات غير موثوقة . وأكثر من ذلك فالقسم الأكبر (الكوكب) من قطعات فق مش آلية/3؛  مازالت تتخبط  وسط الكمائن العراقية وعجزت حتى عن احتلال الجسر . فالفرقة ما زالت تشق طريقها زحفاً ولكن بدأب نحو بغداد .
في هذه المرحلة واصل العراقيون من قطعات الحرس الجمهوري والجيش النظامي المتمركزين على الخط الدفاعي  الحلة –الهندية –كربلاء –القتال بعنف . فضلت الوحدات الموت دفاعاً عن صدام ولم تجر سوى انسحابات نادرة لبعض تلك الوحدات فقط . كان التقدم الأميركي هامشياً في أحسن الأحوال برغم شن بعض قطعات فل/5؛هجمات عنيفة وعزومة في محاولات لاختراق الدفاعات العراقية على حافة المراكز السكانية. كان الإندفاع الرئيس باتجاه المثلث الذي يضم كربلاء والهندية والإسكندرية .كما واصل الأميركان صراعهم لنقل التعزيزات والإمدادات بما فيها نقل لواء من فق/82محمولة جواً وسط  الكثير من الكمائن والإشتباكات والقصف المدفعي على طول الطريق من الكويت . وكانت أشرس جيوب المقاومة في الناصرية والسماوة وأبو صخير والنجف .
 لاحظت الإستخبارات الروسية أنه "كي تواصل الوحدات الأميركية تقدمها فقد اضطرت لترك أعداد كبيرة من جنودها وراءها لمحاصرة وتطويق المدن التي ما زالت تحت سيطرة العراقيين". وأكثر من ذلك فإن فق/1 مارين التي يفترض توليها تطويق ومنع وصول التعزيزات من الكوت، ومقاتلة الجناح الشرقي للدفاعات العراقية، مازالت هي نفسها مشتبكة بقتالات موهنة مع قوات عراقية غير نظامية في الديوانية وعاجزة عن الوصول الى الحلة في الوقت المحدد . نجحت قوات مارين أخرى باجتياح دفاعات "قلعة سكر"  وواصلت تقدمها نحو الكوت التي ما زالت بعيدة .

في 2 /نيسان قوى فل/5 سيطرته على الطريق الرئيس الى بغداد لأجل مواصلة تقدمه حتى لو أضطر الى ترك تشكيلات عراقية كبيرة خلفه . وجدت القيادة الوسطى أنها لا تملك قطعات كافية ولا الوقت لمعالجة جيوب المقاومة. وفل/5 ماضٍ بمواصلة تقدمه الى قلب بغداد على أمل أن يقنع ذلك القطعات العراقية التي تخطاها بالإستسلام حال إدراكها أن الحرب قد انتهت . ولكن القصف الجوي ضد تلك الجيوب سيستمر .و أخيراً كان هذا العمل خطوة ومغامرة شجاعة من قبل القيادة الوسطى اذا تذكرنا سجلها بالاستهانة بالمقاومة العراقية . وقال  المبتهج دائماً ووزير الدفاع دون رامسفيلد للـ CNN بأن لدى القوات الأميركية ضوءا أخضر لاجتياح بغداد وما من خط رجعة للقيادة الوسطى .
في الوقت نفسه اقترب ل1 من فق/ 1 مارين من الكوت، لكنه لم يصطدم بالقوات الرئيسة المدافعة عنها بما فيها فرقة بغداد حرس جمهوري بعد. تسللت وحدات صغيرة من فق مش آلية/3 بين الدفاعات العراقية في محاولة للوصول الى الطرق المؤدية الى بغداد .اكتنفت جميع هذه التحركات اشتباكات وكمائن وغارات متواصلة. ومع بدء تقدم المارينز نحو الصويرة حيث تقع مقرات كبرى للحرس الجمهوري وتحرك العناصر الأمامية من فق مش آلية/3 نحو المسيب ومن ثم الى الأسكندرية قلق البعض لدخول هذه القطعات مناطق مزدحمة حيث تغدو صيداً سهلاً  للكمائن . ولو تذكرنا ضخامة الوحدات العراقية الموجودة في المنطقة وعلى الأخص تلك المختبئة داخل المدن الشيعية فقد تتعرض الوحدات الأميركية الأمامية للتطويق وبالتالي يمكن تمزيقها ولا وجود لنجدات وتعزيزات قريبة . انكمش فل/5 بفعل المخاوف الجديدة من هجوم كيمياوي بعد التقاط الولايات المتحدة رسالة من كلمة واحدة (دم) –(Damm (blood)- الى القطعات العراقية . كانت الرياح مثالية لهجوم بالغاز.ومع ذلك أمر فل/5؛ بمواصلة بل وتسريع التقدم .
في الوقت نفسه حاولت القوات البريطانية يائسة انهاء [ قتالات] الإعاقة وهي معارك غير حاسمة في جنوبي العراق . وخلال ليلة 23 آذار اندفع الكوماندوز العراقي من البصرة ونصب كمائن كبيرة للدوريات البريطانية ، وفي 24 آذارأضطرت القوات البريطانية في المنطقة للانسحاب وإعادة تقويم موقفها وبأساليب قتالها .وقد أورد قائد بريطاني كبير في الساحة : "المقاومة العراقية الشديدة –بما فيها هجمات القوات غير النظامية التي تحاول تطويق المنطقة باستخدام النسوة والأطفال والخداع – تعمل على إجبار القطعات البريطانية على الإنسحاب من البصرة لإعادة التنظيم" .
كذلك شنت القوات العراقية في أم قصر هجوماً مقابلاً كبيراً ضد البريطانيين . كانت مفاجأة لأنها وقعت بعد يوم من اعتبار أم قصر تحت سيطرة التحالف تماماً . وبغض النظر عن القصفين الجوي والمدفعي المتواصلين ظلت أم قصر صامدة بأيدي العراقيين ، وأن قوات التحالف –ومعظمها بريطاني – لم تجتح المدينة خوف التورط في حرب مدن وقتال شوارع . وحتى ليلة 24 آأذار لم يسيطر البريطانيون الا على الطرق الإستراتيجية المارة عبر أم قصر ولكن الإشتباكات العنيفة تواصلت في المناطق السكنية .
 تصاعدت المقاومة العراقية في البصرة في اليوم التالي حين تقدمت خمسون دبابة معززة بمدفعية ثقيلة خارج المدينة لمقاتلة البريطانيين باتجاه مطار البصرة . كان هجوماً مقابلاً شديداً شن أساساً لمهاجمة المؤخرات البريطانية الخفيفة العمق . ولكن الإسناد الجوي الكثيف وعلى الأخص إسناد الطائرات من على حاملة الطائرات "رويال أرك" والتي دمرت 7 دبابات بعد مطاردتها بطيران واطئ عبر شوارع المدينة مما أجبر العراقيين على الإنسحاب الى أماكن أمنة  وسط الأحياء السكانية المزدحمة .


يتبع .........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: حرب العراق 6   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالأحد يوليو 05 2015, 13:45

السباق الى بغداد الجزء 6 

في تقريرها ليوم 25/ آذار قالت الإستخبارات الروسية GRU عن البصرة : "لم تكن قوات التحالف كافية في تلك المنطقة لمواصلة الهجوم. تركز الجهد على القصفين المدفعي والجوي، ولكن لم يكن لهذا القصف حتى الان سوى تأثير قليل على القدرات والإستعداد القتالي للقطعات العراقية" . في الحقيقة كان على  القطعات البريطانية أن تنسحب وتغير مواضعها في منطقة البصرة. كان السبب الرئيس وراء هذا الإنسحاب هو المقاومة الشعبية غير المتوقعة في المناطق السكنية. قال الناطق العسكري البريطاني النقيب (الكابتن) باتريم ترومان : "لقد توقعنا الكثير من الإستسلامات ورفع الكثير من الجنود العراقيين أيديهم ، وأن تبدأ عمليات الاغاثة الانسانية بعد ذلك بسرعة لتوفير الماء والطعام بطريقة منظمة . لكن الأمور لم تجر بهذا الشكل مطلقاً" . وواصل مضيفاً: "في البصرة كانت هناك عناصر كثيرة تؤيد النظام بقوة. وكنا على الدوام نعتقد أن الجميع في هذه المنطقة يكرهون صدام .ومن الواضح أن عدداً منهم ليسوا كذلك" .

عنف في البصرة

وحال صد الهجوم المقابل العراقي تفجر عنف شرس في وسط البصرة . لقد فسرت قوات التحالف الهياج الشيعي بأنها انتفاضة  ضد صدام لذا واصلت المدفعية والسمتيات البريطانية مهاجمة المواقع العراقية التي  حاولت كبح الثورة الشيعية، ولكنها سرعان ما أدركت بأن السمة الرئيسة وراء هذا الغضب المفاجئ هي : أنه  "غضب وعصيان شيعيان" في البصرة بعد إعدام قوات الأمن البعثية لقائد شيعي يشك بولائه لصدام . ولم يكن هناك أي تعاطف مع الغرب في الإنتفاضة. وعند وصول مفرزة من الكوماندوز البريطانيين الى الشيعة [المحتجين ] قتل هؤلاء جندياً بريطانياً . كان القادة البريطانيون يأملون بتشجيع واستغلال الهياج [الشعبي ] لتدمير القوات العراقية، وتفعيل التظاهرات والعنف المتأصل ضد النظام ولكن سرعان ما انطفأ ذلك الأمل . وأكثر من ذلك فقد دعى قادة الشيعة في البصرة المواطنين لمقاتلة "أولاد الشيطان" - من أميركان وبريطانيين . ومرة أخرى وكالعادة واصل العراقيون كبح الإنتفاضات الشيعية بغض النظر عن الدعم البريطاني المتواصل .

أسلحة من إيران

أعطت الأنشطة والفعاليات البريطانية قرب الحدود الإيرانية إشارة جيدة عن التطورات الإستراتيجية المقبلة. فقد بدأ قادة البحرية والمارينز البريطانيون تحريك دوريات وشن غارات على طول الحدود لاعتقال العملاء والناشطين [الدعاة]وأفراد القوات الخاصة من الإيرانيين الذين حملوا معهم الكثير من الأسلحة والأعتدة  والمتفجرات والأموال وكل ما يتطلبه إثارة عصيان شيعي من مستلزمات . وبعد أن أطلق الإيرانيون النار على الدوريات البريطانية لمنعها من عرقلة أعمال تسلل المرسلين الشيعة ، شنت القوات البريطانية غارات على المواضع الإيرانية لضمان تقليص الدعم والتسلل الإيرانيين . كان العراق كذلك ضد الأنشطة الإيرانية وفقاً لأقوال مراقبين ايرانيين في المكان، فقد "أسقط العراقيون سمتية ايرانية قرب الفاو بعد مساء يوم أمس ( 24 آذار)" . كانت تلك السمتية داخل الأراضي العراقية وربما جاءت  لإسقاط أشخاص ومعدات وأسلحة لمجاهدين شيعة محليين .
وفي الوقت نفسه  توقفت أو تحولت العمليات البريطانية في وحول البصرة الى قتال في مواقع ثابتة . ورد في تقرير الإستخبارات الروسية GRU ليوم 26 آذار ما يأتي : ضربت القوات البريطانية قرب البصرة طوقاً كما في العصور الوسطى لـحصار مدينة تعدادها مليونا انسان. دمرت نيران المدفعية معظم المنشآت والخدمات والبنية التحتية لضروريات الحياة  كما تواصلت نيران المدفعية ضد مواضع الوحدات المدافعة عن المدينة. كان هدف البريطانيين الرئيس هو إدامة حصار شديد على البصرة .كانت قيادتهم واثقة من أن الموقف في المدينة سيتحرج وتعم الفوضى وأن قلة الطعام والماء والكهرباء ستدفع سكان المدينة الى الضغط  على القوات المدافعة واستسلامها .أوضح محللو GRUأن احتلال البصرة بنظر قيادة التحالف مهم بشكل استثنائي  ومقدمة لاحتلال بغداد مستقبلاً "دون دماء blooless‘‘، وحتى الآن لم يتحقق هذا النهج وأن حامية المدينة ما زالت تدافع ببسالة.
     
ظل الموقف وطوال الأيام القليلة القادمة مستقراً تماماً والعراقيون يسيطرون على البصرة وضواحيها وكذلك على جزء من شبه جزيرة الفاو ، كما لم يكن الحصار البريطاني محكماً بسبب كثرة المياه والقنوات بشكل جعل من المتعذر عليهم تشكيل جبهة واحد . تبادل الطرفان الغارات لتحسين مواضعهما التعبوية . وتحت ستر العاصفة الرملية نجح العراقيون بإعادة انفتاح فوجين من فق مش/51 في الفاو لتعزيز دفاعاتها . وفي اليوم التالي حاول البريطانيون احتلال الفاو لإكمال طوق حصار البصرة. ومع ذلك أجبرت قطعاتهم المتقدمة على طول شط العرب على التوقف بفعل القصف الشديد والكمائن العراقية النشطة .
أخيراً وفي 28أذار وتحت القصفين  الجوي والمدفعي المستمرين بدأت القطعات العراقية بالتراجع باتجاه البصرة متخلية عن أقسام من الفاو . لكن في تلك الليلة نفسها أطلق العراقيون صواريخ "سلك وورم" مطورة وبمدى يزيد على 50ميلاً على مدينة الكويت. سقطت الصواريخ في الماء قرب الساحل و رغم ذلك ألحقت أضراراً كبيرة بمركز للتسوق . المهم أن الصواريخ أطلقت من الفاو لتثبت مجدداً كذب ادعاءات التحالف باحتلال شبه جزيرة الفاو. تواصل القصف والكمائن كذلك في أم قصر المحتلة ظاهرياً هي الأخرى .
أكد تقرير الإستخبارات الروسية GRU ليوم29 آذارموقف وحالة سكان البصرة : لم تكن حالة البصريين النفسية ولا معنوياتهم متردية أو حرجة بل كانت عكس ذلك كثيراً.

أذاعت سلطات التحالف نداءات عديدة عرضت خلالها على المدنيين فرصة لترك المدينة. إلا أن معظم  السكان رفضوا مغادرتها خوف تكرار مصير اللاجئين الفلسطينيين الذين وبعد أن فقدوا ديارهم لم يحظوا بأكثر من صفة ’’ منبوذ pariah‘‘ في أرض العرب [والعالم ] . وقد أصيب أهل البصرة بخيبة مريرة وهم يشاهدون أشرطة الفيديو التي تبثها قيادة التحالف والتي تظهر أخوانهم العراقيين في المناطق المحتلة وهم يتقاتلون على نتف الطعام والماء الذي يوزعه جنود التحالف . وراى أهل البصرة في ذلك بعض ما ينتظرهم لو جاء المحتل الأميركي .
 في 30/آذار لم تحقق القوات البريطانية أكثر من تطويق البصرة ، تاركة مجازاً مفتوحاً باتجاه الفاو مما يسمح للعراقيين بالإنسحاب من المدينة [ لو أرادوا ذلك ] . يرى القادة البريطانيون أن العراقيين مادام ظهرهم الى الحائط فلن يظل أمامهم سوى الإستماتة بالمقاومة ، لذلك قرروا أعطاءهم منفذاً للإنسحاب .  ولكن لم يحقق الحصار البريطاني اية نتيجة في النهاية ألا بعد شن الكوماندوز المارينز الملكي "عملية جيمس  James‘‘ لاحتلال أبي الخصيب الى جنوب البصرة للقضاء على قيادة البعث .
في الوقت نفسه شن العراقيون هجوماً على قنال البصرة ( تعرف بنهر صدام أيضاً ) لتدمير زوارق الإنزال البريطانية .أغرق كوماندوز المارين زورقاً عراقياً بصاروخ مسير ضد/دب  وتواصلت الإشتباكات والكمائن والتراشق المدفعي حول المدينة بطولها . ومع ذلك لم يفكرالعراقيون باستخدام الممر[ الذي تركه لهم البريطانيون للفرار]مفضلين البقاء والدفاع عن المدينة برغم تردي الموقف . أبدى العراقيون مقاومة شديدة للغاية وفشلت جميع محاولات البريطانيين مرة بعد الأخرى لاختراق دفاعاتهم على طول شط العرب . استنتج البريطانيون أن لابد من جلب تعزيزات كبيرة قبل اجتياح البصرة ، وهو قرار لم ترتح له لندن ابداً. وبانتظار وصول التعزيزات أقام البريطانيون ترتيبات دفاعية حول البصرة في محاولة منهم لإدامة وتضييق الحصار من جهة ولتجنب المزيد من الخسائر من جهة أخرى، كما واصلوا شن هجمات محلية محدودة مع مواصلة الضغط على المواضع العراقية في شبه جزيرة الفاو.

المعارك البريطانية

في اليوم التالي 31 آذار دفعت القوات البريطانية خطوط الدفاع العراقية في شمال شرق البصرة بعيداً الى الخلف نحو شط العرب . وفي الغرب أجبر الهجوم البريطاني من مطار البصرة العراقيين على التراجع عدة شوارع داخل المدينة. ومع ذلك فشلت محاولة القوات البريطانية التقدم بمحاذاة شط العرب وتقسيم البصرة الى شطرين وعزل البصرة عن الجزء الآخر الذي بيد العراقيين من شبه جزيرة الفاو. استمرت الإشتباكات المحلية على طول منطقة البصرة في 1/نيسان/أبريل .وحاول البريطانيون احتلال قضاء الزبير وسوق الشيوخ تحت قصف مدفعي واسناد جوي شديدين، ولكنهم أجبروا على العودة الى مواضعهم الأصلية . وطوال اليومين التاليين استأنف البريطانيون جهودهم لاختراق دفاعات البصرة، وحاولوا شن عملية تطويق برتلين : الأول من شمال شرق مطار المعقل وعلى طول شط العرب، والثاني من جنوب غرب الزبير ونحو مدينة الزبير .كان التقدم البريطاني بطيئاً للغاية وفشل فشلاً ذريعاً حتى باختراق النطاق الخارجي للدفاعات العراقية. وفي 4/نيسان سيطرت القوات البريطانية على الطريق الدولي البصرة – الزبير وأنشأت مواضع لمدفعيتها ومراصد لمراقبة الجانب الآخر للنهر.
 واصل البريطانيون تقدمهم المتعثر يوم 5 نيسان ودفعوا الدفاعات العراقية ببطء عن مواضعها الأصلية . ومع ذلك لم يستطع البريطانيون حتى آنذاك اختراق الخطوط الدفاعية الرئيسة ، ودار قتال ضارٍ للغاية على حافات البصرة. ولكن بهجوم عزوم شنته خمس كتائب بريطانية يوم 6/نيسان وأستمر فيه قتال شرس طوال( 6 ) ساعات نجح في النهاية بإنهاء المقاومة العراقية المنظمة . وفي نهاية ذلك اليوم أصبحت القوات البريطانية تسيطر على المدينة اسمياً ما عدا بضعة جيوب مقاومة عنيفة وعلى الأخص في العشار وجوارها بمحاذاة النهر وبعض قواطع المدينة بما فيها مقرات المخابرات وحزب البعث ومحافظة البصرة .
 في 7/نيسان أعلن البريطانيون أنهم أحتلوا البصرة نهائياً . واستقر الموقف بسبب توقف سكان المدينة عن مواصلة المقاومة القوية وعلى طول المدينة ، ومرة أخرى ذابت القطعات العراقية مع معظم أسلحتها ومعداتها قبيل دخول الإنكليز المدينة. وطوال اليومين التاليين كان العراقيون قادرين على توسيع أنطقة وجيوب مقاومتهم في منطقتي العشار وأقسام من رصيف شط العرب . لكن البريطانيين رفضوا في الأساس زج قواتهم في حرب مدن طويلة وعالية الخسائر وباهظة التكاليف لمجرد إخماد تلك الجيوب. لكن في 8 نيسان استطاع البريطانيون من شن عدة هجمات محلية لتقليص حجم وشدة تلك الجيوب . وخلال الليل أخلت عدة وحدات عراقية مواضعها أما لأنها تركت المدينة أو اختفت  بين السكان المدنيين . وفي نهاية الشهر عادت عمليات المقاومة النشطة والأرهاب وحركات العصيان الشديدة على طول جنوبي العراق .

آراء

في أول ايام شهر أبريل/نيسان تقدمت القوات الاميركية شمالاً نحو بغداد ولكن على جبهة ضيقة ، إذ مازال الموقف  في العاصمة  لصالح المدافعين .لاحظ مسؤولون عرب وأجانب متداخلين مع العراقيين عزم هؤلاء على مقاومة الغزو الأميركي بشدة . كانت المعنويات في المدينة عالية جداً، وظل العسكريون مخلصين لصدام ومستعدين للقتال دفاعاً عن العاصمة .
 أستعيدت هذه الذكريات والإنطباعات بعد الحرب من قبل عميد عراقي كان مختبئا في بغداد فأوضح قائلاً: ’’كنت قائد فرقة .. وكنا على حافات بغداد ، وكان واجبنا ابطاء تقدم الاميركان لأعطاء الحرس الجمهوري ومليشات الفدائيين الوقت الكافي للإستعداد وتنظيم أنفسهم للمعركة الفاصلة ‘‘ . بعدها عاد العميد ليؤكد أن معنويات جميع العراقيين كانت عالية .لقد هددنا أقوى جيش في العالم. فصمم الجميع على القتال، وقررت وزارة الدفاع تسليح 24 مليون مواطن .لقد صممنا على القتال حتى النهاية .ولأننا نقاتل في بيوتنا [دفاعاً عن ديارنا] وهذا سيقودنا الى النصر ‘‘ .
 اتفق ضابط مخابرات مع هذا الوصف المفصل مؤكداً أن بغداد وبنظر جميع المؤسسات الدفاعية العراقية  أصبحت  قلعة. ولن يستطيع الأميركان الأقتراب منها - ونحن واثقون من ذلك .
 وافق الخبير العسكري المصري ذو الخبرة الطويلة مع القوات العراقية المسلحة الفريق سعد الدين الشاذلي [رئيس الأركان العامة المصرية خلال حرب 1973] متوقعا هو الآخر أن يبدي المدافعون "مقاومة باسلة" ضد الغزو الأميركي . وفي نيسان ؛ تـنبأ الجنرال الشاذلي بفشل قوات التحالف احتلال بغداد قائلاً ’’ أعتقد أن معنويات الشعب العراقي والجيش على أعلى مايمكن وما لا يعرفه الكثيرون فإن العراقيين يقاتلون من أجل الوطن والكرامة والشرف وأعتقد أن هذه وحدها تكفي للصمود والتضحية بكل شيء .أعرف أنها حرب غير عادلة ولا نظيفة؛ ولكنها حرب خاسرة للتحالف ‘‘ .
أوضح الشاذلي كذلك أن الإستراتيجية العراقية تركزعلى حفظ  القوة الجوية وحصر القتال والمعارك داخل المناطق المأهولة . وأكد الشاذلي بأن ’’ الحرب لا يمكن أن تحسم الا بالقوات البرية في النهاية ‘‘ .ومضيفاً ’’لا يمكن اجتياح بغداد الا بالقوات البرية لا بالقوات الجوية. لقد حاولوا احتلال الناصرية ومدن صغيرة أخرى لكنهم لم يحاولوا دخولها لإدراكهم بأنهم سيدخلون الجحيم ‘‘.

الدفاع عن بغداد

استند الدفاع عن بغداد على مرحلتين .الدفاع الخارجي وتتولاه (6 ) فرق حرس جمهوري ومجموعة متنوعة من وحدات الجيش النظامي .كانت ( 4 )من فرق الحرس الجمهوري في القسم الجنوبي لبغداد وعلى طرق تقدم الأميركان بينما انفتحت فرقتان ( عدنان ونبوخذنصر) شمال بغداد. أما الفرق الجنوبية فهي  فرقة المدينة جنوب غرب بغداد ، وفرقة بغداد جنوب شرق بغداد ، وحمورابي الى الشرق ، وفرقة النداء الى الغرب .مركز الدفاع كان  نخبة القوات الخاصة –الحرس الجمهوري (25)ألف جندي والفرقة الذهبية . تتألف الفرقة الذهبية من اربعة الوية تعززها كتيبتا دبابات من الحرس الجمهوري، الاول انفتح حول القصور الرئاسية وسط بغداد ، وانفتح الثاني في باقي العاصمة ، والثالث انتشرت معظم قطعاته شمال بغداد  ويعمل كقوة انتشار سريع وقوة تعزيز ستراتيجية مع اللواء الاخير .
في أواخر أذار/مارس جهز جميع منتسبي الحرس الجمهوري بملابس مدنية مع مخابئ طوارئ ، ومخابئ مخفية للأسلحة لكي يتمكنوا وبسرعة من تحويل الدفاع عن بغداد الى حرب عصابات . يصل تعداد القوات الإضافية و التعزيزات في بغداد نحو (100) ألف والكثير منهم من عناصر الإستخبارات وللكثير منهم خبرات قتالية عالية في التصدي لأية ثورات وتحركات ضد صدام .  ونحو 40 ألفاً من رجال الشرطة . هذا وشكلت الإستخبارات/ المخابرات مجوعات [مكافحة الشغب] بحدود عدة آلاف للدفاع عن بغداد ، وهناك أيضاً مليشيات البعث وهم بحدود 30 ألف عنصر نشط ، وقوات الامن الخاص وهي قوة نخبة بحدود 5 آلاف شديدو الولاء  لصدام وللتكارتة. هناك كذلك فدائيو صدام بقيادة عدي – ويعملون كلية خارج نطاق وسيطرة الدفاع العسكرية وتضم قوتهم بحدود40 ألف عنصر بما فيهم (مفارز) الموت المسؤولة عن ضبط وضمان اخلاص جميع الوحدات والقطعات في بغداد الكبرى . وأخيراً هناك مئات الألوف من بندقيات الصولة والمدافع الرشاشة وقاذفات RBG  ومن بين متسلمي الأسلحة كثير من كبار السن ممن شاركوا في الحرب ضد ايران .

تولّي قصي الزمام

ومع أن مختلف القطعات التي تجمعت في بغداد تبدو متشوقة للدفاع عن العاصمة الا أن الجالسين في أعلى الهرم لا يشاطرونهم حماسهم ولا عزائمهم.  ففي 1/نيسان بدأت حلقة صدام المقربة جداً تتفكك تحت ضغوط الحرب . ولعل أوضح دلائل الإعلان عن ذلك التردي المتزايد هو قرار تسليم القيادة المباشرة للحرس الجمهوري في 2/نيسان الى قصي صدام حسين . لقد تولى قصي زمام الأمور بسبب تزايد انعدام ثقة صدام بقياداته العسكرية العليا . ولكن قصي هذا المغرور وغير المهيأ للقيادة العسكرية سرعان ما نفّر وأغاض جميع الحلقات [ القدمات والقيادات] التي بأمرته بما فيهم غير المشكوك بولائهم من الضباط .ووفقاً لآراء بعض الجنرالات والعقداء فقد أصدر قصي أوامره الى وحدات عسكرية من اختصاصات معينة "برغم عدم امتلاكه لأية خبرات عسكرية‘‘ .
وفي واحد من سلاسل أوامره العديدة أنه دفع بالآلاف من الجنود، وعلى الأخص من فرقة حمورابي حرس جمهوري الى مناطق مفتوحة حول بغداد . ووفق أوامر قصي تحركت قطعات الحرس الجمهوري تلك  برتلين نحو كربلاء والى الجانب الآخر من الفرات وتركهم معرضين للغارات الجوية الأميركية الوحشية التي قتلت معظم منتسبي تلك القطعات .كانت تلك الأوامر التي يعتقد الضباط أنها صدرت بموافقة ومباركة صدام نفسه قد أضعفت الدفاع عن بغداد كثيراً. وبينما كانت القوات الأميركية تقترب من بغداد قرر العديد من القادة آخذين بالحسبان ما انتهت اليه الأوضاع حماية قطعاتهم وإعادة انتشارها بمعرفتهم هم بدلاً من تعريضها للقصف الجوي المروع .

وبعد أن تغلغلت الشكوك الى نفوس كبار الضباط  في كل من كربلاء وضواحي بغداد بدأت مقاومة القطعات تقل وتتلاشى تدريجياً هي الأخرى، ولم تعد تشن الغارات والكمائن ضد التقدم الاميركي الا نادراً وبحمية وحماس أقل عن السابق . بدأت التشكيلات الكبرى تنسحب الى داخل المدن مع القليل أو حتى دون قتال ولا نيران كما تراجعت قطعات مهمة بعيداً عن الحشود الأميركية. لم تقدم أية تفسيرات أو تبريرات لهذه التطورات كما لم تجر اية اتصالات أو تصدر أية توصيات وتوجيهات واضحة أو معروفة أو وصلت الى علم الاستخبارات الأميركية أو غيرها .
 وبعد الهجوم الأميركي على كربلاء أوضح تقرير الإستخبارات الروسية GRU في 3/نيسان : "جاء الهجوم مباغتاً للقيادة العراقية فكانت النتيجة أن فقدت المقرات العراقية ( في كربلاء ) معظم منظومات اتصالاتها ففقدت بالتالي سيطرتها ولو جزئياً على قطعاتها، ما أدى بالتالي الى تشتت القطعات التي كانت منفتحة على خط هجوم التحالف وفقدت تماسكها ولم تعد بالتالي قادرة على إنجاز مهامها الدفاعية".


يتبع ..........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالأحد يوليو 05 2015, 18:22

السباق الى بغداد الحلقه 7

بعد ادراكه لتزايد التوتر والضغوط وعدم الرضا بين كبار جنرالات القيادة العليا ، ومع تزايد الموقف سوءاً  دعى قصي الى اجتماع عاجل لقادته المرؤوسين صباح 3 نيسان. وقد أدى هذا الإجتماع الى تردٍ  شديد في العلاقة بين صدام وقصي معاً من جهة والقادة العسكريين من جهة أخرى . لقد حضر قصي مرتدياً بذلة ورباطاً مدنيين بدلاً عن البدلة العسكرية وتحيطه عناصر حمايته الشخصية ، ثم [ويا للغرابة] وبخ قصي كبار الضباط  الحاضرين .

ما فعله قصي 

قال الجنرال علاء عبد القادر قائد منطقة بغداد للحرس الجمهوري لروبرت كوللير من سان فرانسسكو كرونيكل : "لقد لامهم قصي لخسارة الحرب"  برغم أن الجنرال علاء هذا تجنب حضور هذا الإجتماع بنفسه بل أناب كبير مساعديه حضوره، والذي أوجز مجريات الإجتماع له في ما بعد . وأضاف " "بكى أحد كبار القادة ومن ثم قال "لقد قتل أفضل جنودي" .
أكد العقيد خالد الطائي التأثير المدمر لذلك الاجتماع الذي حضره على إستعداد القيادة العليا للقتال. قال لروبرت كولير: "لقد اصابنا الغثيان بسبب ما فعله صدام وقصي"وأضاف: "لقد تحدثنا فيما بيننا واتفقنا على : أن من يريد مواصلة القتال فليقاتل كما يشاء، وسنقاتل من أجل مستقبلنا ومن أجل أولادنا ولأجل العراق ولكن ليس لأجل قصي ولا حتى  لصدام ، أو أن بوسع من شاء الذهاب الى بيته " .
 باتت قوات التحالف تتقدم الآن بسهولة مشوبة بحذر . وفي 3 نيسان وصلت وحدات المارينز الأمامية الى ناحية العزيزية الواقعة الى 45 ميلاً جنوب بغداد بوجه مقاومة قليلة أو حتى دون مقاومة .أما في الغرب [ذراع الكماشة الغربي] فقد وصلت الوحدات الأمامية الاميركية مواضعها على مسافة 25 ميلاً من بغداد. لقد تقدمت تلك الوحدات على عدة محاور قادتهم بعيداً عن مواضع ودفاعات تشكيلات عراقية كبيرة ويصعب عليها الآن القيام بعمل ما . ووصلت عناصر أخرى جسر المسيب 35 ميلاً عن بغداد دون مجابهة أية قتالات جدية أو مصاعب . كذلك لم تواجه القوات الخاصة الأميركية مصاعب جدية عند تسللها الى ضواحي بغداد .
 بعد مقابلتهم قصي  بدأ كبار الضباط العراقيون يفكرون جدياً بالتعاون مع الولايات المتحدة. لقد خلصوا الى أن كل شيء ضاع وانتهى وبات عليهم تقليل مساوئ المصير الذي ينتظرهم  حال احتلال الولايات المتحدة بغداد. لقد أرادوا كما يبدو استغلال علاقاتهم واتصالاتهم المعقدة مع الإستخبارات الأميركية، ففي عشية الحرب بدأت CIA وزميلاتها من خدمات استخبارات التحالف حملة إفساد وإرشاء ، وما بدأ كقطرات في كانون 2/يناير واقتصر على المناطق القريبة من الحدود الكويتية أصبح الآن وفي أواخر أذار وبعد بداية اندحار النظام العراقي سيلا. فمن أقام اتصالاً مع وكالات الاستخبارات الغربية بدأ بجلب زملائه وغيرهم من القادة للإنضمام الى الترتيبات التالية وليحصل على مكافآت أكبر .

اتصالات 

لقد عقدت الولايات المتحدة شبكة من الإتفاقيات مع القوات المحلية وعلى الأخص على المقتربات الشرقية الى بغداد متوقعة انهياراً عاماً وسريعاً للدفاعات العراقية حال اندلاع الحرب . ومع أن مبالغ طائلة صرفت فقد فشلت الصفقات تماماً ولم تؤد الى نتيجة ما. اتضح ذلك من عجز قوات المارين عن دخول أو اختراق دفاعات  العمارة ومن ثم النفاذ منها نحو الكوت بسبب المقاومة العراقية الضارية .وفي جميع تلك الترتيبات آنفة الذكر وعد الاميركان بعدم ملاحقة القادة بعد المعارك شريطة عدم تورط أولئك القادة بجرائم حرب من أي نوع وفي أي تأريخ. ولكن لعدم تأكد العراقيين حول ما إذا كانوا سيحظون بالأمان في عراق ما تحت السيطرة الاميركية لم يوافقوا في النهاية على تبديل ولائهم . ومع ذلك ففي 3 و4  نيسان أعيدت بعض تلك الإتصالات فجأة ولكن العراقيين هذه المرة أرادوا المضي فعلاً فيما وافقوا عليه .
جرى الاتصال المثير والأكثر أهمية بالجنرال وكيل مسيري صهر علي حسن المجيد . وقد توصلت CIA الى جنرال عقيل (أو وكيل ) عن طريق عزالدين المجيد ابن أخ علي حسن المجيد والمقيم في لندن [حتى وفاته] .لم يكن للجنرال عقيل منصب قيادي ولكنه من مجموعة جنرالات تعد الأقرب الى صدام وموضع ثقته لتنفيذ مهمات خاصة جداً بما فيها مهام الأمن الداخلي ومهام دقيقة للغاية في الخارج .  وعد جنرال عقيل أو وكيل [هــذا!؟] باقناع أو "أن يجلب معه" فرق المدينة وحمورابي والنداء ونبوخذنصر، وكلها من من فرق الحرس الجمهوري المدافعة عن بغداد . ومع ذلك فإن جميع من اٌتصل بهم من الضباط كانوا على قناعة بأن اخلاصهم وولاءهم لصدام موضع اختبار دائم من قبل فدائيي صدام لذا كانوا يتصرفون وفق ذلك . ويبدو أن جنرال عقيل نفسه لم يلتزم بالتعاون مع المحتلين كلية حتى انهيار وحدات الخط الأول العراقية. وقد وجهت القوات الخاصة غارتين جويتين خصصتا لقتل علي حسن المجيد (وقد فشلت الغارتان رغم اقترابهما من تحقيق الهدف المرجو) .
كما حظيت الإشاعات التي ترددت عن فرار صدام من بغداد بشيء من الجدية والإقناع. واخيراً وبعد اجتماع قصي بالقادة يوم 3 نيسان أصبحت اتصالات جنرال عقيل أكثر جدية .
كان تحويل ولاء وقناعات جنرال ماهر سفيان التكريتي – أحد أحب أبناء عمومة صدام اليه والذي يشبّهه البعض بـ "ظل صدام" – هوأكبر انجازات جنرال[ عقيل!؟ ] .عين جنرال ماهر سفيان لنيله ثقة ومحبة صدام لقيادة "الحرس الجمهوري" في منطقة بغداد وبهذا بات الحلقة الأهم في الدفاع عن بغداد . تميز جنرال سفيان هو الآخر وأولاده بالوحشية والقسوة. تضم حلقة جنرال سفيان المقربة اليه كلاً من  رئيس استخبارات الحرس الجمهوري الجنرال طاهر جليل حبوش (كان رئيس جهاز المخابرات) وجنرال حسين رشيد التكريتي الذي يعمل ولده سكرتيراً شخصياً لقصي .وعن طريق هذا السكرتير عرفت مجموعة سفيان بغضب قصي وعزمه على عزل كبار القادة الذين حملهم مسؤولية التخبط والفشل العسكريين .
 ونحو 3 نيسان قرر جنرال سفيان و مجموعته أن صفقة مع الأميركان هي الشيء الوحيد القادرعلى انقاذهم من تحمل الحساب ومسؤولية انهيار الحرس الجمهوري . وخشوا من أن بقاء النظام أو حتى استمرار سيطرته على بغداد لبعض الوقت فإنهم و قادة آخرون سيعدمون لأبعاد مسؤولية الأخطاء والتخبط المأساويين عن قصي وأدائه .قرر جنرال سفيان الإتصال بجنرال عقيل لتنشيط اتصالاته مع الأميركان واستعداده الى تسليم بغداد  في الوقت والظرف المناسبين .

فوضى 

كانت القيادة الوسطى وحتى آنذاك ما زالت تتمعن في عواقب الهجوم على بغداد .لقد تقدم الاميركان بجميع قواتهم البرية الى الأمام ، بينما ظل نحو من 100 ألف من الوحدات النظامية والفدائيين العراقييين يقاتلون خلف الخطوط الأمامية للتحالف .اتفق الخبراء العسكريون الأميركان والبريطانيون على أن يكون الهجوم على بغداد بكماشة  متعددة الأذرع على أن تشن تحت مظلة كثيفة من الضربات الجوية .
كانت الغاية هي تقسيم بغداد الى عدة قواطع او مناطق حرب، ويجب أن يكون القتال شديداً وطويلاً بعد فشل ترتيب استسلامٍ منظم للقوات العراقية . وقال جنرال ستانلي مككريستال، نائب مدير العمليات في هيئة الأركان المشتركة [ والمسؤول المباشر ومنسق عمليات القوات الخاصة ودوائر استخبارات التحالف مجتمعة في العراق فيما عرف بالحرب السرية والذي تسلم قيادة القوات الأميركية في أفغانستان قبيل أحالته على التقاعد] في 3/نيسان : "لا نتوقع دخول بغداد فجأة أو أن نحتلها بطرفة عين أو أي  شيء كهذا" ومضيفاً "واستناداً لذلك سنتنبه بقوة الى قدراتهم الدفاعية على الأرض فقد يتحولون الى مدافعين شرسين عن الأرض فجأة " .  
 في 4/نيسان حٌشدت 3 آلاف عجلة قتال أميركية للصولة النهائية على بغداد بعد أن قطعت مسافة تزيد على الـ 65  ميلاً في 36ساعة. وبينما كان الأميركان يتجمعون تفاقمت الفوضى بين القطعات العراقية داخل المدينة وعلى الأخص تلك المنتشرة وسطها . كانت بعض الوحدات تتحرك على غير هدى وبدون مهمة محددة أو حتى بتخويل من قياداتها العليا ، وأوقفت بعض الأفواج والسرايا دباباتهم وعجلات القتال الأخرى كيفما اتفق وجلس الجنود بانتظار وصول الأوامر. 

معركة المطار

  لم تكن هناك مقاومة منظمة لكن استمرت بعض الاشتباكات المتقطعة بوجه الوحدات الأمامية الاميركية على حافات مطار صدام الدولي .
 في مساء 4 نيسان حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ وبينما كان يتوقع أن تتولى قوة من الحرس الجمهوري قوامها( 70) ألف جندي الدفاع عن مقتربات جنوب بغداد اختفت هذه القوة أو ذابت هكذا وبكل بساطة. وما وراء هذه الألغاز المحيرة والفعاليات المتضاربة أحياناً أعلن تلفزيون بغداد يوم 4/ نيسان عن الخطاب الذي طال انتظاره لصدام . وكما كان في آخر خطبه ظهر صدام مرتاحاً وواثقاً من نفسه، ولكي يؤكد أنه لم يهرب من العراق زار قطعاته في المطار وشد من عزمهم في مواصلة القتال . ووفقاً لأقوال أحد ضباط صف من مقاتلي الحرس الجمهوري الذي كان في المطار وقتها، فقد وصل صدام في سيارة نيسان بيضاء ترافقه دراجتان ناريتان فقط ومجهزتان بمدافع رشاشة . تسلق صدام ببذلته العسكرية سقف السيارة وخاطب القطعات ممسكاً بيديه مكبر صوت يدوي . ويذكر ضابط الصف ما قاله صدام : "إن كنتم تريدون الحياة فاذهبوا الى بيوتكم . ومن يتحدى الموت فليأتي معي". ثم تابع قائلاً: "لم يترك ولا واحداً منا مكانه" . بعدها عقد صدام اجتماعاً لمدة 15 دقيقة مع الضباط .
 تحشد لواء القوات الخاصة/26 وهو الحرس الشخصي لصدام في مطار صدام الدولي منذ3/نيسان، ولم تتضح مهامه بعد  إن كان لحماية صدام أو جمع لواجب آخر . مع ذلك ففي ما بعد ظهيرة ذلك اليوم بدأت الطلائع الاميركية تدخل المطار . أقاموا في البداية مرصداً صغيراً في الجانب البعيد من المدرج الرئيس وعن القوات العراقية .
 وفي أواخر ذلك اليوم أظهر تلفزيون بغداد صدام حسين وهو يتجول في شوارع بغداد وقد راقب آثار الدمار الذي أحدثه القصف ومختلطاً بالجماهير. وفي المساء هدد مسؤولون عراقيون  بشن عملية كبرى خلال الليل على المطار، وستستخدم فيها قنابل مميتة وأسلحة غير تقليدية . 
 وفي الحقيقة دار قتال ضارٍ في تلك الليلة في منشآت المطار ، فقد هاجمت قوة مختلطة من( 3) أفواج من الحرس الجمهوري ومجاهدون – بينهم بعض الإنتحاريين –الأميركان ودفعوهم بعيداً عن مباني المطار . دار القتال من مديات قريبة واستمر لـ (6 ) ساعات تقريباً. وقد وصف ضابط الصف القتال الذي دار في مباني المطار والأحياء السكنية المجاورة بالشديد ونجح العراقيون فيه من تكبيد الوحدات البرية الأميركية خسائر ثقيلة لكنهم تكبدوا بدورهم خسائر مماثلة بسبب القصف الشديد ، وعلى الأخص حين ألقت الطائرات القنابل العنقودية المحرمة دولياً . أكد شهود عيان عراقيون أن صدام حسين قاتل بنفسه دفاعاً عن المطار سوية مع منتسبي ل/26 قوات خاصة.
 حافظ العراقيون على مواضعهم حتى نهار اليوم التالي، كما حافظ الأميركان على مجمعهم كذلك ، وواصلوا مهاجمة العراقيين . ومع طلوع النهار أجبر القصف الجوي وهجمات القوات البرية للتحالف العراقيين على الإنسحاب من معظم مباني المطار. في ذلك اليوم كان لواءان نظاميان ونحو 2000 من مليشيات البعث والمجاهدين يقاتلون ضد أقل من ألف جندي أميركي في المطار .
 خلال 5/نيسان دخلت بغداد 25/دبابة و20/عجلة برادلي (عجلة قتال مشاة ) وجميعها من قطعات فق مش آلية/3 بغداد لأسباب استراتيجية، و كذلك لإظهار واستعراض سيطرة الأميركان عسكرياً. تقدمت الوحدة من الجنوب و اندفعت على طريق حلة – بغداد الى جامع (أم الطبول ) ثم استدارت في الساحة نحو مطار صدام الدولي (الطريق الرئيس الى مطار صدام الدولي ) .وبهذه الغارة (الغزوة) مرت هذه القوة من حافات مزرعة الدورة ومجمع اليرموك اللذين يخفيان تحتيهما مخابئ ومجمعات سرية تحت الأرض ، كذلك من قرب مجموعات من الحرس الجمهوري التي تجمعت عند الحافات الجنوبية للمدينة ، وقد خاضت الدورية بضعة اشتباكات لكنها واصلت  تقدمها .
 وبينما كان الرتل الأميركي يتحرك خلال المدينة وبكامله تقريباً ودون حوادث فجر انتحاري نفسه قرب المطار، وسمع قصف مدفعي شديد جداً على كل بغداد . تواصل الهجوم الأميركي في مركز المدينة ضد بقايا الحرس الجمهوري ، كذلك تواصل قتال شرس في المدن التي اكتفت قوات  U.S بتطويقها بينما واصلت اندفاعها الى بغداد .
 وفي 5 نيسان لاحظت تقارير الاستخبارات الروسية GRU "انتشاراً غير اعتيادي لقوات برية عراقية وكانت تلك المجموعات المتفرقة ( يضم أكبرها ما يصل الى 12ألف جندي ) تشكل تحركاً مسبقاً لهجوم مقابل عراقي و لكن التفوق الجوي للتحالف أجهض المشروع" .  
   مع ذلك أعتبر القتال حول ولأجل المطار سابقة مهمة وعامة . وأكد ضابط عراقي برتبة عميد الأهمية الحاسمة للمعركة كنقطة تحول في الحرب. لقد كان هذا العميد مقتنعاً بأن "جنرالاً ما باع بغداد للأميركان". وصف العميد السياق الإجمالي للأحداث التي قادت الى الأمر بالتخلي عن كل شيء وصفاً حيوياً ودقيقاً : "قاتلنا طوال 18/يوماً؛ولكن كان لخسارتنا المطار تأثير حاسم .كانت الأوامر التي نتسلمها  مشوشة ومتناقضة لأسباب ليس أقلها أن صداماً وضع ولده قصي الذي لا يعرف شيئاً عن الاستراتيجية العسكرية على رأس سلم القيادة. وفي مناسبتين أمر قصي بتحويل عدد من  الفرق من شمال بغداد وفي كلتا الحالتين دمرت تلك القطعات . سادت الأيام الأخيرة فوضى  عارمة .كانت المدينة تستعد للدفاع عن نفسها : خنادق، أنفاق، تحصينات وأكياس رمل . ومع ذلك بدأت الشكوك تساور سكان المدينة ، ولم يفت ذلك صدام فهو (داهية) . لقد خرج يتمشى على عادته، وأكثر من ذلك فقد قاتل في معركة المطار. لقد صمدنا 12 ساعة ثم انسحبنا ورأينا المئات من البنادق المتروكة مع حقائب الظهر والبدلات العسكرية على طول الطريق الى بغداد .لقد جلب العسكر معهم ملابس مدنية وحين سمعوا بسقوط المطار غير معظمهم أرديتهم" .

أين توجهت ؟

 في 5/نيسان لم يظهر صدام لإلقاء خطابه التلفزيوني المنتظر وقرأ أحد المذيعين ثانية رسالة صدام . وبينما تواصل القصف المدفعي في الليلة الماضية على منشآت المطار لم يشن الهجوم المقابل العراقي المنتظر . ومع ذلك أفادت مصادر استخبارات روسية بأن : مجموعة من [قطعات] الحرس الجمهوري ووحدات أخرى من الجيش النظامي في منطقة تكريت تحركت الى سوريا بحركة جريئة ضمت 300 دبابة و100 قاذفة صواريخ متعددة  السبطانات GRAD يحمل الكثير منها قنابل كيمياوية بما فيها ترسانة أسلحة دمار شامل . 
وأفادت مصادر لبنانية حسنة الإطلاع بما يجري على المنافذ السورية الشرقية وصول الرتل .
 ووفقاً لـ(دبلوماسي ) سابق وذي خبرة عميقة بالعراق وكان في بغداد وقت الغزو فقد رافقت الرتل وللحماية دبابات ابرامز وعجلات قتال أخرى مسروقة وتحمل علامات تمييز صديقة [للتحالف]. في الحقيقة لقد طافت عدة سمتيات أباشي حول الرتل وحين رأت دبابات أميركية وبعلامات واضحة أعلى العجلات تلك لم تفتح النار. [ بل حتى لم تتساءل عن وجود هذا الرتل الأميركي هنا !] . دخل الرتل العراقي سوريا في الصباح دون اية خسائر. أصر الدبلوماسي الروسي السابق ومسؤولون عرب يعيشون في العراق بأن صدام حسين وولده قصي وجميع الأعضاء الرئيسين في مجلس قيادة الثورة قد ذهبوا الى سوريا مع الرتل . ومع ذلك ولتكذيب تلك الإدعاءات أظهر التلفزيون العراقي صداماً وهو يتجول في شوارع بغداد، ومن ثم ألقى خطاباً آخر يوم 6/نيسان .ولأن الشواهد أثبتت أن صداماً باق في بغداد فلا بد أن قصياً كان في الرتل!
 في تلك اللية وصلت معلومة عن هرب صدام من بغداد ومرافقته لرتل الدبلوماسيين الروس .كان السفير الروسي في بغداد فلاديمير تيتورينكو يقود الرتل الى دمشق لإخلاء دبلوماسيين من روسيا ومن كومونويلث الدول المستقلة . لقد أبلغت U.S مسبقاً بخطة الإخلاء، وبرغم إلحاح الأميركان على أن يسلك الرتل الطريق الآمن الى عمان أصر الروس على الذهاب الى دمشق . وخلال تنظيم وترتيب الرتل وصل صدام الذي تنكر بشكل جيد وحين رأى الدبلوماسي السابق الذي سبقت له معرفته لوقت طويل حياه  بمودة. رأى [المسؤول] الرسمي صداماً يركب إحدى السيارات . رافقت سيارة صدام الرتل الروسي ولكنها انفصلت عنه تحت جنح الظلام واختفى خارج بغداد . ( كان الدبلوماسي السابق على قناعة بأن صدام سابق الريح بسرعة ليلتحق بالرتل العراقي الذاهب الى سوريا ) .

اعتذار أميركي

بعد قطع الرتل الروسي مسافة 20 ميلاً في الصحراء هاجمته طائرات أميركية. ولاحظت الإستخبارات الروسية GRU في تقريرها ليوم 6/نيسان : "نفذت قوات خاصة للتحالف هذا العمل /الكمين وقصفت الرتل الروسي مستخدمة أسلحة روسية لإخفاء هوياتهم، وليلوموا العراقيين بعد ذلك" .
 أكد الفحص القضائي على بقايا الأعتدة في العجلات وأجساد المصابين نوعية العتاد المستخدم كما أن الرسائل التي قاطعتها الإتصالات الروسية أكدت هي الأخرى وبما لا يدع مجالاً للشك هوية المهاجمين .واضاف تقرير GRU أن الرتل زاد من سرعته رغم اصابة بعض الدبلوماسيين الروس بجراح . وبعد مسافة بضعة أميال على الطريق حاولت سيارة جيب عسكرية مجهولة الهوية سد طريق الرتل، وحين رفض الرتل التوقف أطلقت سيارة الجيب نيراناً متقطعة وعشوائية ثم اختفت في الصحراء .تجاهلت مصادر روسية عديدة مفضلة الصمت خبر وجود صدام في الرتل عند تركه بغداد، ولكنهم أقروا من جهة أخرى نقلهم وثائق عراقية شديدة الحساسية – هي "أرشيف نظام صدام" ؛وفقاً لمصادر روسية – وكذلك وكما ورد في تقرير – GRU"أجهزة سرية أخذت من معدات عسكرية أستولى عليها عراقيون" .
 في اليوم التالي تحدث بوش وبوتين تلفونياً ووعد بوش بأجراء تحقيق بالحادث .وفي أواخر نفس اليوم وصلت كونداليزا رايز الى موسكو لمقابلة وزيرالخارجية أيكور أفانوف، وقدمت اعتذاراً عن الحادثة . 


يتبع .........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالأحد يوليو 05 2015, 18:49

السباق الى بغداد الحلقه 8 

دخلت قوات اميركية خاصة كبيرة الحجم  بغداد في ، وبات تعدادها مع من سبقها من قطعات أميركية الى بغداد حوالي 20 ألف جندي بالاضافة الى 5 آلاف موجودة كتعزيزات. كان 7 آلاف جندي من تلك القوة من قطعات فرقة مشاة آلية/3 ، ومن التي كانت في المطار  .تواصلت الاشتباكات الشرسة داخل بغداد ، ودمرت دبابة أميركية واحدة على الأقل . وسيتزايد عدد المجاهدين العرب – وهم قوة كفء وفعالة للغاية- في قتالات الشوارع.

بدأت طلائع فرقة/ 101صولة جوية تدخل بغداد من الغرب، كما وصلت عناصر من فرقة/1مارين من الجنوب . أرسلت فرق مشاة آلية/3 دورية قتال تطوف وسط بغداد حيث تواصل القتال ضد جيوب المقاومة بعد عبورها خط الدفاع الداخلي للحرس الجمهوري الممتد على طول النهر .هبطت أول طائرة نقل ضخمة C-130s للقوة الجوية الأميركية في مطار بغداد الدولي آخر ذلك اليوم، وبدأ عناصر هندسة القتال تصليح المدارج . وفي ما بعد ظهيرة ذلك اليوم دمر العراقيون جسراً على نهر دجلة جنوب بغداد لمنع عبور المارينز. أدى ذلك الى عودة القتال الشديد بين الفدائيين ومليشيات البعث والمجاهدين العرب والكوماندوز العراقيين ضد الجنود الأميركان وأكثرهم من المارينز الآتين من الجنوب .اقترب تعرض القوات الأميركية خلال هذا القتال كثيراً والى درجة خطيرة من هجوم باسلحة الدمار الشامل. ورأى المقدم الدباغ مجموعة من الفدائيين وهي توجه أحد صواريخ أر.بي .جي نحوموقع أميركي على حافات بغداد.

وقد قال المقدم الدباغ هذا لـ "كوهلن كون" بأنهم "كانوا سيطلقون هذا المقذوف ؛ولكنهم أدركوا أنهم ؛ سيقتلون الكثير من العراقيين الذين لا يمتلكون أقنعة وقاية لذا أعادوا المقذوفات الى السيارة وانطلقوا". شددت القيادة الوسطى الضغط على القوات الأميركية في جميع أنحاء العراق وعلى الأخص تلك التي تطوق الناصرية والنجف والديوانية وكربلاء بحسم المعارك بسرعة ليشاركوا في معركة بغداد .

في 7/نيسان قامت قوات محمولة بالسمتيات – تضم عناصر من فرقة/101صولة جوية وفرقة/82محمولة جواً وفرقة مشاة آلية/3- بتعزيز سيطرتها على مراكز المقاومة التي تركت (أو تم تخطيها ) حين واصلت القوات الأميركية زحفها الى بغداد . وكالعادة ذابت أو اختفت القطعات العراقية مع معضم أسلحتها خلال الليل وقد عثرت القوات الأميركية على عدة مواضع دفاعية مهجورة .
وفي كربلاء كانت القوات العراقية قد تلقت أمراً بإخلائها من صدام حسين مباشرة بعد اخبارهم بغداد بأن القوات الأميركية باتت تهدد المرقد المقدس للحسين بن علي (عليهما السلام).ومع ذلك فما زالت مدن الناصرية والنجف والكوت والديوانية ومدن صغيرة أخرى في الجنوب تحت سيطرة العراقيين. كما واصلت قوات الفدائيين؛ ومليشيات البعث والكوماندوز العاملة خارج تلك المدن عملياتها وغاراتها على الأرتال الأميركية على الطرق الرئيسة .

وعودة الى بغداد أكدت فرقة مشاة آلية/3/ والمارينز وجودهما في شوارع المدينة. وواصلت الوحدات الأميركية تسيير دوريات ثقيلة من الدبابات وناقلات الأشخاص المدرعة وتحت حماية جوية كبيرة، ورغم ذلك خاضوا اشتباكات عديدة إذ لم تجدهم حشودهم وحدها كما يبدو، وكان أقسى قتال هو ذلك الذي جرى مع المجاهدين العرب وفدائيي صدام .ولكن يبدو أن معظم المقاتلين العراقيين والمجاهدين العرب آثروا السلامة وتجنب الأذى المفرط ، فكانوا حال ظهور رتل أميركي ينتقلون وبكل بساطة الى الشوارع الضيقة حتى تتخطاهم  .

فتشت القوات الأميركية عن الملاجئ والمقرات المشيدة تحت الأرض وكذلك عن أية ثكنات أو مخازن أسلحة قد تخطوها .أرسلت فرقة مشاة/3 عدة دوريات من المطار الى ثكنات ومرافق الحرس الجمهوري الخاص في الجنوب الغربي من المدينة وحيث خطهم الدفاعي الداخلي، وفي شمال المدينة تولت عناصر من فرقة/101صولة جوية غلق الطريق الرئيس الى تكريت. وفعلت قوة المارينز التي وصلت نهر ديالى ثم انعطفت ودخلت من جنوب بغداد ، ولكن بعد تأخرها عن التوقيتات المحددة بـ 48 ساعة نحي العقيد جوي داودي من منصبه كآمر لواء برغم أدائه الجيد في الناصرية.

وفي الوقت نفسه أكد البعض ممن هرب الى دمشق ودول عربية أخرى لمسؤولين عرب محليين بأن صدام حسين كان قد اقتنع بأن هذه الحرب على العراق في بدايتها بعد. وأوضحوا أنه ما من شك في عجز العراق عن الصمود بوجه أسلحة التكنولوجيا العالية، وهذا يوضح قرار وأوامر صدام لقطعاته المهمة بالمحافظة على نفسها وتهيئة نفسها لحرب المدن، لكن عليها وفي الوقت نفسه التصدي للهجوم الأميركي ضمن الحدود المعقولة ومن ثمة اعادة انتشارها في المواقع السرية المقررة مسبقاً .
 وأقر أولئك الفارون بأن أوامر صدام تسمح للجنود بالانضمام لغير وحداتهم إذا تعذر عليهم الوصول الى وحداتهم الأصلية لأن بعض القطعات العراقية قد تعرضت لضربات شديدة الأذى . ومع ذلك فهذه كلها غير مهمة في حساب عناصر ومهام كسب الحرب للقوات العراقية . ولم يحن الوقت حتى آنذاك بعد لاستخدام المتيسر من اًسلحة الدمار الشامل، كما لم يكن مناسباً بعد لتوجيه ضربة كبرى لاسرائيل والتي كان صدام حسين مصراً على امكانية توجيهها حين يقرر 
اقتنع المسؤولون العرب بطروحات من هم موضع ثقة صدام لذا قرروا مواصلة الاعتراف بنظام صدام و رفض الحكومة التي سينصبها الاميركان في بغداد . واصلت خدمات الاستخبارات العربية توفير الدعم لصدام و شعبه داخل وخارج العراق.

خلال يوم 7/نيسان أبلغت عدة مصادر استخبارية عن رؤية قاذفات صواريخ سكود في غربي العراق وقرب الحدود السورية. قامت عدة مجموعات من القوات الخاصة بعمليات بحث ومطاردة شديدتين ومكثفتين ولكن فاشلة في النهاية .

قصف مطعم الساعة 

في ما بعد ظهيرة يوم 7نيسان، ومرة ثانية حاولت اميركا اغتيال صدام حسين وولديه .فقد أبلغ (عميل) بأن صدام سيذهب الى أحد المطاعم في المنصور [ مطعم الساعة في شارع 14رمضان ] أو الى ملجأ قريب منه .


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

 وقال العميل بأن  صدام كان سيعقد اجتماعاً مع نحو 30 من كبار المسؤولين والمقربين، فجرى وعلى الفور تحويل مسار قاصفة  B-1B كانت تحوم فوق غربي العراق والتوجه فوراً لقصف الهدف الجديد فألقت حمولتها من الأعتدة خلال 12 دقيقة. كما أرسلت طائرات ( F-16CJs ,JDM) لاخماد نيران أية بطريات مدفعية مضادة للطائرات قد تتدخل، بينما كانت طائرة تشويش الكتروني EA-6 تحوم خلسة بمتابعة  B-1B لتأمين تشويش أرض- جو ضد الرادارات العراقية .ألقت  B-1B؛قنبلتي GBU-31 زنة 2000 رطل تلتها قنبلتا (تدمير-منطقة).كانت هذه الغارة عرضاً مهماً ومثيراً لانجازات القوة الجوية في التحليل الاستخباري والقيادة والسيطرة .دمرت القنابل الأربع ملجأين محصنين وجميع المباني السكنية المشادة فوقهما . ومع ذلك لم يكن لا صدام حسين ولا ولداه ولا أي من قادة النظام بين العديدين من المدنيين العراقيين الذين قتلوا أو جرحوا.

يبدو أن الاميركان قد خدعوا وغرر بهم مرة أخرى . وكان صدام قد قرر هذه المرة أن يقدم نفسه كهدف محتمل ليحكم بنفسه فيما كان أحد العارفين بتحركاته قد خانه، وقد ابلغ أحد كبار المسؤولين الأمنيين العراقيين الأردنيين بأن "صدام حسين عرف بأن أحدهم خانه وسلم المعلومات عن أماكن وجوده و تنقلاته للأميركان" . وفيي6/ نيسان أرسل صدام دعوات الى عدة مجموعات من المخلصين له لملاقاته في مكان محدد في بغداد، وطلب من العديد منهم موافاته في مطعم في حي المنصورفي بغداد في اليوم التالي .وصل صدام المطعم قبيل وقت قصير من الموعد المحدد بسيارة تكسي عادية . دخل المطعم تاركاً حمايته خلفه ، ثم اندفع مسرعاً ليخرج من الباب الخلفي للمطعم . بعدها وبوقت قصير بدأ تساقط  القنابل الأميركية على المكان .

جاءت الغارة الأميركية بسرعة عالية بحيث لم يتسن لبعض عناصر حماية صدام الابتعاد عن المنطقة. وابلغ مصدر آخر وكالة ’AFP‘الفرنسية للأنباء  بان صدام حسين "لم يعد بحاجة الى دليل على الخيانة لذا أمر باعدام أولئك الضباط المعدودين بين الأكثر أخلاصاً له".

شائعات

تشبعت بغداد وقتها وأصبحت ميداناً للعديد من الشائعات عن التآمر والخيانة والتي شملت في النهاية النظام كله .كان القاسم المشترك لتلك الشائعات والتي كانت نقطة التحول في الحرب والتي حدثت حين تخلى كبار القادة العسكريين عن خوض معركة الدفاع عن بغداد وخيانة صدام . "لقد انقلب بعض كبار قادتنا الى خونة وغيروا مواقع قطعاتنا بعيداً لتسهيل دخول الاميركان بغداد" وفق أقوال أحد ضباط صف الحرس الجمهوري ، مضيفاً "لقد تولينا القاء القبض على بعض أولئك الضباط الخونة .لقد اعتقلنا  75خائناً استخدموا جميع الوسائل بما فيها معدات الاتصال المعدنية .إذ كان بوسع أحدهم مجرد القاء كرة معدنية صغيرة في مواقعنا الخفية لتعرف القطعات الأميركية أين نحن كي تأتي وتقصفنا....وعرفنا فيما بعد أن مسؤولاً كبيراً خان الوطن. وبقدر ما عرفته بنفسي فقد خاننا حتى وزيرالدفاع فأعدم فيما بعد من قبل وزير الداخلية .[ من الواضح وجود مبالغات ومعلومات خاطئة في هذه الشهادة].


ووفقاً لشائعات قوية أخرى استأذن طيارون عراقيون  السماح لهم باستخدام ضربات انتحارية ضد قوات التحالف المتقدمة ولكنهم حرموا من ذلك بفعل ضباط كبار خونة. وأفاد أحد المصادر أن أحد الطيارين أعدم علانية لإصراره على الطيران والقتال .

حتى 8/نيسان كانت سيطرة الأميركان على بغداد مشكوكا فيها أو غير مستقرة على أحسن الفروض .وفي الحقيقة لم تتمكن U.S حتى آنذاك أكثر من تسيير دوريات دروع ثقيلة عبر قطاعات غير محمية من بغداد. فقد عادت المقاومة العراقية الى الحياة بعد أن عاد الفدائيون ومليشيات البعث والقوات الخاصة والمجاهدون الى الشوارع عبر بغداد الكبرى.وسيطرت قطعات موالية لصدام على قطاعات أخرى من المدينة وعلى الأخص الضواحي الآهلة بعوائل النخب البغدادية .أسقطت طائرة أميركية  A-10؛(صائدة دبابات) بصاروخ محمول على الكتف خلال أحد الاشتباكات .
 بدأت مليشيات شيعية تابعة لايران تجوب الأحياء الشيعية في بغداد ؛كانوا جميعاً جيدي التسليح والتنظيم و  التمويل أيضاً. وسرعان ما سيطرت تلك المليشيات على الأحياء المجاورة وسط ترحيب ودعم محلي كبيرين. واللافت للنظر بعد أن تلك المليشيات وفرت الأرزاق والخدمات الطبية الطارئة للسكان .كان الخط السياسي الشيعي  معادياً لصدام بنفس قوة معاداته للأميركان .وفي أجراء جريء ومعاد لصدام سارعت قوى شيعية الى تبديل تسمية قطاع سكاني  ضخم من "مدينة صدام" الى "مدينة الصدر"نسبة الى الأمام [محمد ]باقر الصدر الذي كان صدام قد أعدمه أوائل تسعينيات القرن الماضي .

وفي الوقت نفسه تواصل قتال شديد على وحول جسرين رئيسين في بغداد هما – جسر الجمهورية وجسر السنك. كان على قوات المارينز التراجع واعادة تنظيم نفسها مع طلب إسناد كثيف من نيران الطائرات والسمتيات قبل إحكام سيطرتها النهائية .أبدى المجاهدون العرب تصميماً شديداً ولافتاً للنظر طوال المعركة ؛وواصلوا القتال حتى بعد  انسحاب الوحدات العراقية النظامية .شن المارينز كذلك هجوماً على مطار الراشدية شمال شرق بغداد . وفيما بعد الظهيرة واصل الطيران الأميركي قصف مباني الحكومة الرئيسة.

كانت القوات العراقية في شمال غربي البلاد قد عززت وجودها في منطقة سد حديثة ومنطقة القائم الكبرى، و منعت قوات المغاوير وبفعالية عالية القوات الخاصة للتحالف من الاقتراب من تلك المناطق الدفاعية. كان بوسع العراقيين كذلك اطلاق صواريخ بالستية على اسرائيل من قواعد الاطلاق هناك، لكنها لم تفعل.

في 8/نيسان سلم الجنرال سفيان التكريتي [!!؟] وزملاؤه  ماوعدوا به وذلك ؛بأمر قطعاتهم بوضع أسلحتها . أصدر جنرال سفيان أوامره بذلك لأعتقاده بان صدام قد قتل بالقصف الأميركي في اليوم السابق، لذلك فلا جدوى بعد من مواصلة أية مقاومة أو دفاع. أصدر الجنرال سفيان أمراً شفوياً أكده طاهر جليل حبوش وجنرال حسين رشيد وهما أقرب حلفاء سفيان . وفقا لقناعة اللواء مهدي عبدالله الدليمي أحد قادة بغداد العسكريين (!) أن حسين عبد الرشيد مرر معلومات للأميركان وأكد لهم بأن "الحرس الامبراطوري لصدام والمؤلف من 100ألف مقاتل سوف لن يتدخل" .

وفي أواخر ذلك اليوم شوهد الجنرال سفيان وما يقرب من العشرين من أفراد عائلته في مطار بغداد الدولي وهم يمتطون طائرة أميركية هيركلييس C-130 أخذتهم الى مكان غير معروف .ولحماية الجنرال سفيان أعلن مسؤولون أميركان نبأ وفاته قبيل خمسة أيام من تركه البلاد .
بدءا من ساعات ما قبل فجر 9/ نيسان اندفعت دوريات ووحدات ثقيلة أميركية عميقاً في بغداد؛ والغاية التي توختها هذه العملية هي توسيع ومد سيطرة الأميركان على المراكز المهمة في العاصمة .تقدمت تلك القطعات ببطء خوفاً من حرب المدن ومفاجآتها ومطباتها.أرسلت فق مش آلية/3؛دوريتين-واحدة الى الحي الذي قصف مؤخراً والثانية الى خط دفاع الحرس الجمهوري على طول شاطئ دجلة وصولاً الى خط المباني والقصور الرئاسية .
كما جاءت من الشمال دوريات فرقة/101 صولة جوية واندفعت نحو قاعدة ومطار المثنى العسكري ومحطة السكك الحديدية لبغداد. شن المارينز هجومين رئيسين : الأول من قاعدة الرشيد الجوية جنوبي بغداد وتقدم نحو مقر الدفاع الجوي ومحطة الكهرباء الرئيسة؛ وعلى طول نهر دجلة . والهجوم الثاني على شكل مجموعة دوريات بداًت من اتجاه الشمال الشرقي في محاولة لاختراق حافات مدينة صدام (الصدر الأن ).
واصلت الوحدات خلال ذلك جهودها لتحديد المنافذ الموصلة الى منظومة الممرات والأنفاق تحت الأرض ؛والملاجئ والأماكن السرية التي تستخدم من قبل أعوان صدام والمقربين اليه لكن دون جدوى .
في ما بعد الظهيرة وبينما بدا وكأن الدوريات قد حققت غاياتها  عمت الفوضى وبدأت أعمال نهب وشغب في كل بغداد التي باتت عصية على الخضوع للنظام ولايمكن السيطرة عليها الآن . دبر أو أستثير هذا الكم الكبير من الفوضى ونظم من قبل ناشطين وقادة بعثيين ولكنه لم يؤثر البتة على القوات الأميركية التي تحيرت وبدت عاجزة تماماً عن اتخاذ أية أجراءات واكتفت بمراقبة ما يجري وبغداد تتمزق من حولهم .
وشهد مساء ذلك اليوم (9نيسان) اسقاط تمثال صدام حسين المقام في ساحة الشهيد (الفردوس) أمام دهشة [ بل وبمشاركة ] كم كبير من القوات الأميركية .كانت حركة رمزية كبيرة وذات دلالات بعيدة وعميقة.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


الظهور الأخير لصدام

عودة الى ما بعد ظهيرة 8 نيسان فقد ظهر صدام وقصي وعبد حمود الى العلن من أحد المخابئ السرية .ثم التقوا مع مجموعة من حراسهم الشخصيين بمافيهم خميس للتمشي في شارع الأعظمية. واندفعوا مسرعين من هناك الى بيت آمن في ضاحية الجمارة (  al-Jamra)المجاورة لمدينة صدام (الصدر حالياً )[وردت هكذا] وظلوا هناك لما يقرب من ساعتين .وشعر صدام بالثقة حد التمشي خارج البيت عائداً الى الاعظمية ليتحدث الى الناس، ثم أمر حراسه إنزاله وقصي وعبد حمود قرب بيت لم يسبق للحراس الشخصيين تحديده كبيت آمن، وسيبقى صدام في هذا البيت لعشر ساعات قادمة .


في صباح 9 نيسان الساعة 4 فجراً ترك صدام وقصي وعبد حمود وعدد من حراسهم الشخصيين الدار وذهبوا الى ساحة عنتر .لقد تنقلوا بست عجلات غير مرقمة .لكنهم اكتشفوا وهم بعد في الجوار أن عدة دوريات عسكرية أميركية – الأرجح أنهم من المارينز –تجوب المنطقة  فاستداروا مسرعين وعادوا ليقود صدام المجموعة الى جامع أبي حنيفة لاعتقاده بأن القوات الأميركية سوف لن تدخل وتفتش الجامع .وبعد أن بقوا في الجامع لحوالي ساعة تحركوا ثانية .


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

قاربت الساعة الـسادسة صباحا، وكان صدام وقصي وعبد حمود في السيارة الأولى التي تقود الرتل الصغير ، تليها وقريباً منها جداً سيارة تحمل القليل من الحراس الشخصيين .قاد العجلات الأربع الأخرى الجنرال رشيد رئيس الحراس الشخصيين، وكانت تسير على مسافة قصيرة من سيارة صدام .كان خميس في أحدى تلك السيارات، ثم اندفع الرتل نحو الكاظمية. ثم فوجئوا جميعاً بمرأى رتل أميركي متجه نحوهم رأساً فاتجهت سيارة صدام والعجلات الأخرى وباستدارة شديدة داخل أحد الشوارع الجانبية الى اليمين وتحت أنظار الأميركان . وكما قال خميس عن ذلك ليوشيرو أكاي فقد نجا صدام باعجوبة .توقفت السيارات الأربع الأخرى وتركت الرتل الأميركي يمر .وبعدها اكد الجنرال رشيد للمجموعة أن الرئيس خرج سالماً وبوسعهم الذهاب الى بيوتهم . كما عاد خميس نفسه الى بيته في بغداد ومنها غادر بسيارته الى تكريت حيث قضى تلك الليلة .
في نهاية يوم 9/نيسان ذاك تمشى صدام ثانية في شوارع بغداد؛ مختلطاً ومتحدثاً مع مؤيديه والمعجبين به واعداً إياهم بالنصر .كما سجل آخر خطبه التلفزيونية لكنه كان متأخراً جداً ليحظى بإذاعته في تلفزيون بغداد .الا أن نسخة غير مرتبة عرضت ليلة 18/19نيسان من قناة الجزيرة .كان خطاباً ذا طابع ديني جداً؛ تخللته الكثير من المفاهيم الشيعية ، وتحدث فيه عن الغدر والخيانة  –ضده وضد العراق . 




في الصباح التالي (10نيسان )؛دخل صدام مسجداً في الأعظمية مع قصي وعبد حمود .وسرعان ماتجمع الكثير من السكان لتحيته؛ ولكن صدام والمجموعة الصغيرة المرافقة له لم يتوقفوا للتحدث الى الجموع .وكان ذلك أخر ظهور علني لصدام حسين .وحوالي منتصف النهار عاد خميس الى بغداد واتصل بحارس شخصي اخر ممن يعرفون بأماكن تواجد صدام .إذ كان صدام وقصي وعبد حمود مختبئين عندها في دار صغيرة في منطقة الداودي (في الكرخ ) ؛حيث ظلوا هناك لعدة أيام دون أن يغادر أحدهم الدار .

في صباح 13 نيسان قرر الرجال الثلاثة ترك الدار بمحض اختيارهم .وفي اللحظة الأخيرة استدعى صدام حراسه الشخصيين وودعهم . ويتذكر خميس أن صدام  قال لهم "انتهى عهدي . وأعرف الى أين علي الذهاب الآن" .منح صدام خمسة ملايين دينار لكل حارس شخصي .ثم استقل قصي وعبد حمود سيارة مرسيدس وذهبا .وقال خميس ليوشيرو أكاي ؛أن ذلك كان أخر عهده بصدام وآخر مرة رآه فيها .

ومع ذلك وبقدر اهتمام واشنطن ؛فقد انهار النظام رسمياً في 10 نيسان .وقال محمد الدوري مندوب العراق في الأمم المتحدة في نيويورك "انتهت اللعبة" . ومع ذلك مازالت الفوضى عامة في بغداد وظل النهب يحول دون فرض الأميركان لسيطرتهم .
القتال الأخير
ومازال المخلصون لصدام – بعد تشكيلهم لميليشا بالتعاون مع المجاهدين العرب الذين اندسوا في صفوفهم- يسيطرون على غربي بغداد. وفي جامع أبي حنيفة خاضت القوات الاميركية قتالاً ضارياً مع مفارز محلية من الحرس الجمهوري الخاص.وفي ساحة عدن (مدخل الكاظمية ) القريبة اصطدمت قطعات أميركية مع قوة عراقية مدرعة الا أن طائرات أباتشي وتعزيزات ثقيلة أخرى دمرت دبابتين وثلاث ناقلات أشخاص مدرعة قبل اختفاء باقي القوة العراقية في الشوارع القريبة الآمنة .أما في حي المنصور فقد قصفت الطائرات الأميركية تجمعات "المجاهدين" .
مع ذلك فقد واصلت القوات الموالية لصدام اقامة حواجز الطرق .ومع المساء كانت القوات الأميركية قد انسحبت من المناطق التي تواصل فيها القتال واستأنفت الطائرات القصف الذي أوقع العديد من الخسائر بين المدنيين العزل .خاضت الوحدات الأميركية عدداً قليلاً من الاشتباكات للسيطرة على بعض المباني المهمة وسط بغداد .وفجر انتحاري واحد على الأقل نفسه قرب مجموعة مارينز خارج فندق فلسطين وسط بغداد فقتل ضابطا وجرح ثلاثة رجال .وفي مدينة الصدر فجر انتحاري آخر نفسه فقتل سبعة جنود مارينز كانوا بمهام دورية .وفي منطقة الدورة جنوبي بغداد قتل 21عراقياً على الأقل وسط القصف و النيران المتبادلة خلال الاشتباكات بين الفدائيين والقطعات الأميركية .

كانت هناك العديد من الأسئلة التي ظلت الادارة الأميركية تتجنبها : لماذا توقفت قطعات عراقية عديدة عن القتال فجأة ثم أختفت ؟ أين هم منتسبو وأسلحة ومعدات نحو (25) فرقة عراقية ؟لم لم تستسلم تلك الفرق؟  وأين ياترى ذهب القادة العراقيون وكبار الضباط ؟.


يتبع ........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالأحد يوليو 05 2015, 23:59

الحلقه 9

مقتطفات من الجزء العاشر للكتاب 

عملية 26 آذار

برغم تسلم الكرد للمساعدات الاقتصادية والدعم السياسي الأميركي والغربي لأكثر من عقد من السنين واصلوا تقديم مصالحهم الخاصة على مصالح حماتهم . ومع ذلك فشلت الولايات المتحدة في تفهم ذلك ، بل واصلت وضع وتنفيذ عمليات خاصة وسرية لمساعدة الكرد .وسيكون لمثل هذا الانفصام واللاترابط نتائج كارثية كالتي تعلمتها القوات الخاصة البريطانية SAS  بنفسها.  
ففي 26آذار/مارس أنزلت طائرة C-130 (هيركيلوس) من القوة الجوية الأميركية وبالمظلات قوة من 16جنديا قوات خاصة بريطانية SAS مع 4 عجلات لاند روفر ثقيلة التسليح شمالي العراق .أديرت العملية بكاملها ونفذت بتوصية من قبل الولايات المتحدة واعتماداً على استخباراتها .كان هدف المجموعة سبر غور دفاعات الحرس الجمهوري في صحراء شمال غرب الموصل .ووفقاً لمعلومات الارتباط الأميركي فقد كانت القوة ستلقى بالمظلات في منطقة صحراوية تقع على مسافة (100)ميل جنوب غرب الموصل وهي منطقة تحت سيطرة كرد من أصدقاء CIA ويتلقون دعمها المالي. وخلال الاستعداد للعملية أكدت قيادة القوات الخاصة U.S بأن المعلومات الواردة من صور الستلايت وطائرات دون طيار وكذلك من مصادر بشرية على الأرض تشير الى خلو منطقة الانزال من أية قوات عراقية .
تقع منطقة الانزال المظلي على الحدود بين قبائل كردية وأخرى سنية، وفي الوقت الذي وصلت فيه المجموعة المنطقة كانت هناك قوة عراقية كبيرة بانتظارهم . نظمت قوة الـ SAS نفسها دون تدخل وبدأت السير نحو الموصل ولكنها سقطت بكمين أعدته قوة عراقية كانت بانتظارها .فقد أنذر الكرد العراقيين وأفشوا سر العملية في مقابل مساعدة العراقيين لهم بالدفاع ضد القطعات التركية المتقدمة داخل العراق وباتجاه قضاء سنجار -وهي مشكلة تتصاعد باستمرار، والكرد مقتنعون تماماً بأنها تحظى بموافقة ودعم حليفتي تركيا في الناتو، أي الولايات والمملكة المتحدتين .
نجحت ثلاث عربات لاند روفر بالتملص من مطارديهم العراقيين ثم انسحبت الى منطقة أمينة ؛ ليتم اخلاؤها بواسطة سمتيات القوة الجوية الملكية "جنووك Chinook; ". أما العجلة الرابعة التي انفصلت عن مجموعة SAS  فقد طوقت من قبل أكثر من (50) جندياً عراقياً. وبعد قتال كثيف أضطر رجالها الى تركها .ثم عرضت عجلة اللاندوفر هذه فيما بعد من على شاشة الجزيرة وجنود عراقيون يرقصون حولها مطلقين نيران بنادق الكلاشينكوف في الهواء .
 بات الكوماندوز الأربعة معزولين عن عجلتهم من جهة وعن باقي عناصر SAS من جهة أخرى، وفي محاولتهم  التملص من القوات العراقية انفصلوا عن بعضهم البعض .ظل  اثنان منهم يجريان في الصحراء وهما مسلحان ببندقيتي أم-16 وبمسدسين وسكاكين طوال اثنتين وسبعين ساعة مراوغين النيران العراقية في مطاردة ساخنة. فقطعوا 60 ميلاً خلال 72ساعة مكتفين من الطعام على ما تبقى لديهم من أرزاق الطوارئ والقليل من الماء.وبعد أن نجحوا بتضليل مطارديهم العراقيين فتحوا جهاز لاسلكي الطوارئ لطلب اخلائهم حيث تم في النهاية التقاطهم من قبل سمتية القوة الجوية الملكية جنووك Chinook;‘ .
 لم يسعف الحظ الجنديين الآخرين إذ وجدا نفسيهما معزولين عن أية نقاط دلالة محتملة لتحديد مكانيهما فقررا السير نحو الحدود السورية- متذكرين بأن السوريين سبق أن ساعدوا عناصر من SAS عام 1991.
لكن كان استقبالهما مختلفاً هذه المرة فقد اعتقلتهما الاستخبارات السورية وأخضعتهما لتحقيق وحشي في محاولة للحصول على أية معلومات قد يستفيد منها العراقيون. وتطلب الأمر زيارة مفاجئة لـ (مايك أوبراين ) الوزير في الخارجية البريطانية لدمشق في نيسان والتقائه بشار الأسد ، مع نقد وتحذير شديد وجهه كولن باول الى دمشق من أجل اطلاق سراح الجنديين البريطانيين من السجون السورية. وعن هذه العملية بمجملها قال مصدر آخر من داخل SAS : "هذا ماستحصل عليه من ورطة  حين تعتمد في أعمالك على الاستخبارات الأميركية".
كانت هذه القضية تجربة قاسية ولكنها في الحقيقة تعكس المشاكل المستعصية والمتأصلة في الاستخبارات الأميركية وفي  صانعي القرار الأميركيين. كان ضباط الاستخبارت الاميركان كقاعدة يثقون بمصادرهم .وأكثر من ذلك لايمتلكون تفهما قوياً أو واضحاً للحقائق والتفاعلات المحلية، ويعجزون الى حد كبير عن اصدار أحكام دقيقة ومنطقية في تقويم الحقائق النسبية لما يتلقونه من معلومات .

التصدي لتركيا

في هذه الحالة، وآخذين بالحسبان العداء المرير بين الكرد والتركمان، ثم التدفق المتكرر لعناصر من القوات الخاصة والاستخبارت العسكرية التركيتين في قضاء سنجار، فمن المنطقي جداً أن يهتم الكرد بقوة وأكثر من أي شيء آخر بالتصدي للمناورات التركية. ولذلك يحتاج الكرد الى من يحمي ظهورهم، ولتحقيق ذلك عليهم التوصل لصفقة مع القبائل السنية- ومع الحرس الجمهوري .
 بطبيعة الحال أعلن الكرد التزامهم بدعم الاجراءات الأميركية طمعاً بالحصول على المال والأسلحة ولشن بعض الغارات أحياناً لقصف أعدائهم بطائرات اميركية! دوائر الاستخبارات الأميركية التي لم تستطع تفهم أولويات الكرد الحقيقية اعتادت على تقبل معلوماتهم ووعودهم بالمساعدة دونما تحفظ . لم يسأل أحد: لماذا نتوقع موافقة الكرد على التعاون مع اميركا أوبريطانيا حين يضعف هذا التعاون قدرتهم على مقاتلة الترك .
لم تبدأ هذه المشكلة المتأصلة في أواخر آذار/مارس .إذ مع تسارع الانزلاق نحو الحرب بات من الواضح  التزام اميركا بإقامة حكومة مركزية قوية في بغداد، كذلك اهتمامها بعقد صفقة مع أنقرة، الأمر الذي أكد للكرد بأنه جرى تجاهلهم وغدر بهم .كانت القيادات الكردية مهتمة وعلى الدوام أما بتحقيق الاستقلال التام والذي سيعني تمزيق العراق، أو القبول بحكم ذاتي دائم والذي يستلزم تحقيقه وجود حكومة ضعيفة في بغداد. لكن ولسوء الحظ لا تتناسب وصفتي المطالب الكردية والدولة [الموحدة] التي تنوي اميركا بناءها والدفاع عنها في العراق. وكانت النتيجة هي شعور الكرد بأنهم طعنوا من الخلف على يد حليفهم القوي والمتفهم. وكما كان عليه الأمر في تاريخ الكرد دائماً بدؤوا وعلى الفور العمل على تأكيد حقهم بالبقاء ولوعلى حساب ومصالح حلفائهم ومسانديهم . وبنظر جميع الكرد تعد مقاتلة تركيا والحفاظ على الحد الأدنى من الحكم الذاتي الأمرين الأكثر أهمية لهم من تدمير النظام القائم في الجنوب [بغداد] .
هناك جوانب واقعية في الخطط الاميركية لعراق ما بعد الحرب أغضبت هي الأخرى الكرد. فخلال تسعينيات القرن الماضي استغل الكرد قرارات الحصار، بتهريب النفط العراقي الى تركيا وبالمقابل بتهريب البضائع والمعدات الممنوع دخولها العراق .وعلى افتراض قدرات عراق ما بعد الحرب على تصدير نفطه واستيراد كلما يحتاجه بحرية وشرعية – وعلى الأكثر عن طريق الأردن والخليج العربي – فسيفقد الكرد المصدر الوحيد لتوفير وزيادة مواردهم. لم تعرض لا الولايات المتحدة ولا أية "مجموعة معارضة" عليهم مصدراً بديلاً لتمويل مواردهم .
وهكذا ورغم كل البلاغات النثرية فإن انتصار اميركا في الحرب يعني وعلى أقل تقدير خسارة الكرد للحكم الذاتي ولاقتصادهم المتنامي باضطراد و[الخضوع] لحكومة قوية في بغداد .و بالاضافة الى ذلك فقد عقدت صفقة بين اميركا وتركيا تضمن تأييد أنقرة لحكومة سيقيمها الأميركان وبما يلقي ظلالاً سود على كردستان.

التزامات كردية مع مخاوف

في عشية الحرب أكد مسؤولون [أميركان] للقيادة الكردية بأنهم أكملوا خططهم لفتح جبهة شمالية ضد العراق رغم عدم حصولهم على منطقة تحشد قوية في تركيا. ظل الكرد متشككين نوعاً ما لأن الخطط الأصلية تضمنت دخول( 60)ألف جندي أميركي للعمل في شمالي العراق بالاضافة الى قوتين أخريتين في تركيا والأردن .وأكثر من ذلك فقد حث الاميركان الكرد على تحشيد المزيد من قواتهم لمقاتلة صدام وأغدقت أموالاً كثيرة على طول وعرض كردستان لتسهيل تنفيذ تلك الخطط.
 أعلن الكرد استعدادهم لحشد (70) ألف مقاتل ولو في عدة "جيوش" تخضع لعدة أحزاب سياسية متخاصمة فيما بينها .لم يأبه الكرد لقوات صدام لأن الحرب ستكون قصيرة نسبياً، ولأن الجيش العراقي ومعظم الحرس الجمهوري سوف لن يقاتلا كما تنبأ الزعيم الكردي برهم صالح .
 والأمر الذي يدركه الكرد أكثر هي الاتفاقية بين الاميركان وتركيا حول قواعد الاشتباك في شمالي العراق  بما فيه "منطقة عمليات القوات التركية" ‘من قبل القوات التركية. ووفقاً لهذه الاتفاقية تعهدت تركيا بابقاء قواتها الموجودة شمال العراق على مسافة (20 )كيلومتراً من حدودها مع العراق. كانت هناك قوة تركية من اكثر (20)ألف جندي تعمل على طول "منطقة أمينة" بعرض (40 )كم داخل العراق، وما من دلائل تشير الى أنها ستنسحب .كذلك أعلمت أنقرة الولايات المتحدة أن لدى تركيا خططاً لأرسال ما قد يصل لـ (80)ألفاً الى شمال العراق وأن أكثر من (50 )ألف جندي تركي منفتحين على طول الحدود التركية –العراقية وجاهزين لتعزيز الـ( 20)ألف جندي[آنفي الذكر] الذين يتولون مهام حماية المنطقة الأمينة . اللافت للنظر والمثير هو  أن الاتفاقية (الأميركية- التركية ) فشلت في تحديد طبيعة وهوية شمال عراق ما بعد الحرب مع أن أنقرة واصلت اعتبار ظهور كيان كردي أمرا غير مقبول وقد يواجه بامكانية التعبئة والاستعداد للحرب .
حذر قادة أكراد وفي الوقت نفسه اميركا بأن وجود قوات تركية في شمالي العراق جعل من المتعذر على الكرد دعم المجهود الحربي الأميركي .وأبلغوا مسؤولين أميركان بأن "القوات الكردية قد نشرت على طول الحدود التركية للتصدي لأية قوات تركية غازية" لأن تركيا لا عراق صدام هي الخطر الأكبر الذي يواجههم .وحذر القادة الكرد كذلك من أن "التدخل التركي في شمالي العراق سيقود الى تدخلين ايراني وسوري أيضاً".
في البداية بدا كل شيء رائعاً وكما خطط له . ففي 21 آذار تولت مفارز كردية بقيادة قوات خاصة أميركية احتلال حقول النفط الرئيسة في كركوك دون الحاق أية أضرار بالبنى التحتية فيها. وكان ذلك انجازاً رائعاً تماماً آخذين بالحسبان انتشار مغاوير مجاهدي خلق.
وعلى الرغم من وجود أمر بتدمير حقول النفط فور اندلاع  القتال لم يبد مغاوير مجاهدي خلق والقطعات العسكرية العراقية القريبة أية مقاومة عند وصول المجموعات الأميركية والكردية حقول النفط . فمن المؤكد أن المدافعين العراقيين قد أدركوا أن النظام قد انهار وألا جدوى بعد من المقاومة واختاروا السلامة والنجاة بأرواحهم، كما قررت قيادة مغاوير مجاهدي خلق تجاهل الأوامر في محاولة منهم للتوصل الى صفقة مع الاميركان بهدف تمكينهم من مواصلة القتال ضد نظام طهران .

المخاوف المشتركة

ومع ذلك لم يستمر التعاون الكردي طويلاً. ومتذكرين الحاجة لحماية خطوط مواصلاتهم ومتشجعين بوجود مجموعات من القوات الخاصة الأميركية معهم بدأ الكرد بنشر قواتهم في "المنطقة الأمينة" التركية واقامة حواجز طريق وإنشاء مواضع قتال. استغلت أنقرة هذه التطورات التي انتظرتها طويلاً لزيادة فعالياتها و ووجودها داخل العراق. دخلت وبعد منتصف الليل تماماً عدة قطعات تركية جديدة الى شمالي العراق من منطقة (حيكاري) وانضمت في صباح (22-آذار/ مارس ) للقوات التركية التي سبقتها والتي يزيد تعدادها عن( 20 )ألف جندي والمنفتحة في [المنطقة الآمنة التركية] داخل العراق وعلى طول الشريط الحدودي .
 تصر أنقرة وبوضوح على الحفاظ على سيطرتها الكاملة على شمالي العراق بصرف النظر عن الصفقة التي عقدتها اميركا مع الكرد. ووفقاً لمصادر في أنقرة "ففي الأيام التالية سيصل تعداد القوات التركية في شمالي العراق مابين( 50 الى 65 )ألف جندي". وهدف ذلك هو لمجابهة الخطر الكردي ولتعزيز السيطرة التركية على مناطق يدعي التركمان في العراق انها مناطقهم. وبعد ساعات من الأوامر التركية بإرسال المزيد من القطعات عبر الحدود حرك الجيش الثاني التركي (25-30) ألف جندي داخل العراق مع تهيئة (130)ألف جندي آخرعلى استعداد للألتحاق بهم .
استغلت القيادة الكردية التدخل التركي فلم تشن أية عملية عسكرية كبيرة ضد القوات العراقية. وفشلت محاولات القوات الخاصة الأميركية المتكررة باقناع الكرد على مهاجمة كركوك .
 ووفقاً لما أورده تقرير الاستخبارات الروسية GRU ليوم 25 آذار فإن "الأميركان أعتمدوا كثيراًعلى دعم الكرد ولكن الأخيرين رفضوا لعب أي دور مباشر لهم في الهجوم وطلبوا ضمانة من القيادة الاميركية بمنع الغزو التركي. وتجنب الترك بدورهم أعطاء أية وعود" .
اقترح عميد المارينز عثمان قائد القوات الأميركية في شمالي العراق تسريع نشر الوحدات الأميركية بعد  يأسه من تحريك الكرد. وفي اليوم التالي أنزل الاميركان ألف جندي من لواء 173 المحمول جواً [من فرقة 101صولة جوية ] وعن طريق تركيا في مطار حرير وقاعدتها الجوية الصغيرة شمال أربيل والمستخدم من قبل الكرد وقوات خاصة أميركية. انتشر جنود ( ل173) لتعزيز القوات الخاصة وكذلك لتقليل وضبط الاحتكاكات بين القبائل الكردية والتركمانية والعربية .وبغض النظر عن اعلان الأميركان فتح جبهة شمالية لم يكن لنشر هذه القوة سوى تأثير قليل على القتال ضد القوات الحكومية .

إشاعات ونشاط استخباري

وفي أواخر آذار وحالما اتضح عدم قدرة U.S على نشر قوات متفوقة في المنطقة أصبح شمالي العراق ساحة عمل مفتوحة أمام دوائر الاستخبارات من العراق: سوريا وأيران، ولعبت تركيا دوراً نشطاً في ارباك الكرد وبناء وتعزيز نفوذها. وإدراكاً من القادة  الكرد لطبيعة التحولات ولما يجري آثروا عدم المشاركة في الحرب وعدم الوثوق بـ اميركا.
 امتلأت الساحة بالكثير من الشائعات عن تآمر تركي– أميركي ضد الكرد وجاء في تقريرللمخابرات الروسية في 27 آذار: "يوم أمس قدمت بعض المصادر معلومات عن اتفاقية سرية تمت بين اميركا والحكومة التركية نصت على أن اميركا ومن وراء ظهور الكرد قد أكدت لتركيا بعدم المساعدة في تشكيل الكرد أي نوع من الدولة أو الحكومة في هذه المنطقة .كما وعدت كذلك بعدم منع تركيا من ارسال قطعاتها (الى المنطقة)، وبعد احتلال (قوات التحالف ) لشمالي العراق مباشرة. وأبلغ مبعوثون ايرانيون الكرد بأن واشنطن وأنقرة تآمرتا على نشر القوات الكردية في وسط العراق لتتمكن القوات التركية من دخول كردستان العراق وتدمير جميع القوات الكردية. وبلغ تعداد القوات التركية داخل العراق آنذاك (40 )ألف جندي، كما وضعت جميع القوات التركية وعلى طرفي الحدود بدرجة أنذار قصوى، وأمرت بالتهيؤ لخوض عمليات قتالية بإنذار(4 )ساعات فقط .
 
معركة ضد أنصار الإسلام

ازاء ذلك آخذة بنظر الاعتبار هذه الاسرار المؤلمة في كردستان العراق، حوّلت الولايات المتحدة انتباهها لمواجهة الإرهاب الإسلامي لمنظمة (أنصار الإسلام) الموجودة قرب الحدود الايرانية [في محافظة السليمانية ]. وفي 2/نيسان وبعد حملة استغرقت 36 ساعة دمرت قوة مؤلفة من حوالي الـ100من القوات الاميركية الخاصة وعدة مئات من بيشميركة الاتحاد الوطني الكردستاني PUK  المقرات الرئيسة لمجموعة أنصار الأسلام التي تولى نحو( 500 )ارهابي منهم - معظمهم من المسلمين الكرد ومعهم بضعة عشرات من متطوعي العرب الأفغان - يدافعون عنها .
 شنت اميركا ضربات جوية كثيفة بصواريخ كروز وهجمات بالمشاة نفذتها عناصر من ( ل173) صولة جوية قبيل اندحار أنصار الاسلام . بلغ مجموع قتلى الارهابيين نحو 300 وفرً الباقون عبر الحدود الايرانية. وعبر ضابط أميركي عن ذلك قائلاً: "في يوم ونصف تم القضاء على منظمة ارهابية أرهبت المنطقة". وأملاً باستثمار هذا الزخم التعرضي أستهدفت قاصفات B-52s أهدافاً عسكرية عراقية قرب كركوك وعلى الأخص لواء من فرقة نبوخذنصر. ومع ذلك رفضت قوات PUK المشاركة في المعركة الرئيسة .
 في الوقت نفسه فجرت مفرزة من القوات الاميركية الخاصة خط أنابيب نفط عراقي ينقل 200 ألف برميل يومياً الى سوريا عند أحدى محطات القطار الموصل بين البلدين . كانت هذه القوة الخاصة قد جاءت من الأردن وليس من القطعات العاملة مع الكرد. وبعد ورطة الـ  SAS التي وصفت في المقدمة، ومتذكرين موقف الكرد الاجمالي  الرافض للتعاون لم يكن أمام الاميركان أية فرص أخرى .
في أبريل لم يعد القادة الأميركان في شمالي العراق يطيقون "حلفاءهم الكرد". فالكرد يرفضون التصدي أو الاشتباك مع مقاومات عراقية ثقيلة وبدلاً عن ذلك يطلبون من الأميركان فتح الطريق أمامهم بالإسناد الجوي والذي غالباً ما يوجهه الكرد لا كما ادعوا أو طلبوا، أي ضد القطعات العراقية، بل ضد خصومهم وأعدائهم .اشترط القادة الكرد لتعاونهم تحقيق بعض المغانم والمزيد من السلطات بعد الحرب .
ووفقاً لما جاء في تقرير الاستخبارات الروسية GRU؛ ليوم 4/نيسان، فقد شكى عميد المارينز عثمان وخلال مكالمة تلفونية مع مسؤولين في البنتاغون أنه "لاقناعهم (أي الكرد ) بالتقدم الى الأمام علينا وبالمعنى الحرفي أن نلقي أمامهم رزمة من الدولارات!" . ورغم الجهود الجبارة للقوات الخاصة الأميركية بتشجيع الكرد وإثارة حميتهم فلم تفتح الجبهة الشمالية في حرب العراق.


يتبع ........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالإثنين يوليو 06 2015, 22:25

الحلقه 10 

يتناول الكاتب في الفصل العاشر من كتابه عن تدخل الدول الاقليميه في العراق من اجل افشال جهود الولايات المتحده فيه 

صعد جارا العراق الفضوليان ، سوريا وايران، من تدابيرهما واستعدادهما لزعزعة استقرار العراق وجعله عصيا على الضبط . كان البلدان قد حسما أمرهما وقررا استخدام قوات أصدقائهما لطرد الأميركان من بغداد مستخدمين نفس الاستراتيجية التي استخدماها قبل 20 عاماً حين أخرجا المارينز الأميركان من بيروت. تدرك دمشق وطهران أن العالم الاسلامي في هياج واستثارة متزايدين وبات مهيأ بقوة وفاعلية لمجابهة اميركا، وهما تطمحان لاستغلال هذا الغضب والكره بأفضل وجه.
شهد 5 آذار- مارس تطوراً مثيراً في التحدي الاسلامي  وللحرب على العراق. فقد أفتى الشيخ سلمان بن فهد العودة بـ  "تحريم مقاتلة العراقيين وتدمير بلدهم أو تدمير أية منشآت عسكرية أو مدنية عراقية وتحت أية ذريعة أو تبرير". كان الشيخ العودة من المقربين لأسامة بن لادن،  
 ولمضاعفة تأثير فتوى الشيخ العودة أصدرت جامعة الأزهر في 10آذار/مارس أمراً صادراً من المجلس الأعلى للأزهر اًلى جميع المسلمين بشن الجهاد ضد اميركا وضد قوات جميع حليفاتها المشاركة في الحرب.

التعاون السوري الإيراني

صيغت استراتيجية ايران وسوريا وتم الألتزام بها خلال قمتهما التي انعقدت في 16آذار2003 في طهران .وعقد الرئيس السوري بشار الأسد اجتماعاً مطولاً مع آية الله علي خامنئي بحضور الرئيس الايراني محمد خاتمي . أوردت مصادر دبلوماسية ايرانية رفيعة النقاط الرئيسة التي تضمنها لقاء خامنئي والأسد. وأوضح خامنئي بأن "تحولات الموقف الجيوبوليتكي في المنطقة هي أكبر من قدرات وموارد اميركا، ولاحظ كذلك أنه وبينما تتوقع هي احتلال العراق فـإن "المقاومة التي ستبديها مختلف الأمم ستشكل في النهاية ضربة قاصمة للأميركان، وستؤدي الى تفكك تلك الدولة وعدم بقائها  قوة عظمى".
 لقد نظر خامنئي الى الحرب من منظر ديناميكية المنطقة الأشمل والذي "تعدٌ فيه المقاومتان الفلسطينية واللبنانية القوة الحقيقية والتي تشكل حاجزاً مهماً بوجه تحقيق الاهداف الاميركية" .
وفي هذا السياق حذر الأسد من أن "أميركا تسعى لفرض حاكم عسكري على الشعب العراقي. رغم أن الجماهير العراقية تعارض وترفض الاحتلال . وفي النهاية سيمزق صمودهم ورفضهم هذين أميركا ويدحرها‘‘ .

لاحظ الأسد كذلك "أما الأهداف الأخرى التي تسعى اميركا من خلال نقل قواتها الى المنطقة فهي تعزيز قوة النظام الصهيوني ودحر الانتفاضة". وتنبأ بأن التأثير المتزايد لحروب التحرير الشعبية الاقليمية ستكون مدمرة للولايات المتحدة".  
 
وقال خبير من مستشاري المرشد قبيل تلك القمة بأن خامنئي "أكد أن كل شعوب المنطقة ستقاوم أميركا .. وأن الحقد ضد أميركا يتصاعد" .وقال النائب الايراني مجيد أنصاري: "نحن نأمل بأن الأميركان سيتورطون في المستنقع العراقي ويفشلون في تحقيق سياساتهم العدوانية والتوسعية".
كان الاتجاه العام في دمشق عدائياً كذلك .ففي 17آذار جاء في مقال أفتتاحي في صحيفة البعث الرسمية أن زيارة الأسد "أرست خطوة مهمة في الجهود السورية السياسية والدبلوماسية المركزة في الوطن العربي وعلى المستوى الدولي". وألقت هذه الافتتاحية الضوء على الجانب الفلسطيني للأزمة "تهدف الجهود السورية كذلك التحذير ضد المجازر والأعتداءات الغاشمة والتطهير العرقي الشامل ضد الشعب الفلسطيني والتي تشنها اسرائيل ضده بينما ينشغل العالم بما فيه العرب بالحرب المتوقعة ضد العراق..وعلى هذا الأساس تبذل سوريا وايران جهوداً مشتركة لا تتوقف فقط في المساعدة وتقوية وتوضيح ودعم وارساء الموقف العربي –الأقليمي –الأسلامي المتواصل في ايقاف الحرب ومعارضتها، واتخاذ جميع الخطوات والاجراءات الضرورية لمنع الحرب وتجريدها من أي غطاء شرعي".

امتداد للموقف الإيراني

أخيراً وفي 18آذار حدد مقال افتتاحي في صحيفة طهران تايمز وجهة نظر خامنئي للأزمة- والناجمة برأيه من التعاون الطويل الأمد بين بعض الدول العربية واميركا وليست كنتيجة للحرب المقبلة على العراق فقط . "نحن على ما نحن عليه اليوم لأن معظم الدول وعددا من القادة سمحوا لبوش والمتآمرين معه ومنذ أمد طويل بمواصلة العمل بمشروعهم في أمركة العالم .. هذا الكابوس العالمي الذي بدأ مع السيطرة التامة على نفط الشرق الأوسط و الأمان الكامل للقيادة الأسرائيلية البربرية، وخططهم المفضوحة التي أعدوها قبل قرن كامل من الزمن للسيطرة على "جميع الأرض ما بين النيل والفرات".

من الناحية العملية أستنتجت دمشق وطهران أنهما لا تمتلكان القوة الكافية لمنع الهجوم ، لذلك بات هدفهما الرئيس العمل بعد الحرب فوراً لمنع اميركا من اكمال وفرض سيطرة فعالة على العراق وتشكيل حكومة في بغداد واستغلال انتصارها لفرض نفوذها عبر الشرق الأوسط .
في 17 /آذار أي اليوم التالي لقمة طهران أعلن حزب الله التعبئة على طول الحدود اللبنانية – الاسرائيلية وجاء بتعزيزات الى المنطقة. بدأت هذا القوة الجدية بنشر سلسلة من راجمات الصواريخ في منطقة شبعا القريبة من حدود شمال أسرائيل وشحنت معظم تلك الصواريخ من ترسانة حزب الله الرئيسة في سهل البقاع اللبناني. واصل رماة حزب الله اطلاق نيران مدفعية مضادة للطائرات على الطائرات النفاثة الاسرائيلية وكذلك على المدن والقرى الأسرائيلية .أرسل حزب الله عناصر ومجموعات استطلاع ارتدى معظمهم ملابس مدنية وتظاهروا أنهم من الرعاة الى الحدود لجمع المعلومات عن الوحدات الاسرائيلية . لكن اسرائيل كانت تعرف ما سيعنيه تجدد القتال في لبنان وشمال اسرائيل والذي لو وقع فعلاً فسيعرقل المجهود الحربي في العراق، فآثرت عدم الرد على مناورات حزب الله .
مع اقتراب الحرب استجاب آلاف المجاهدين– عرباً وباكستانيين وأفغانا وشيشانا- لنداء صدام لحمل السلاح والتوجه نحو العراق، وقد سمحت ايران وسوريا لهؤلاء بالمرور عبر أراضيهما دون وثائق سفر.

متطوعون وإرهابيون

جند متطوعون اضافيون معظمهم من أنصار القاعدة في حرب ضد اميركا من قبل المخابرات العراقية في الأردن، ودرب القسم الأعظم من هم  في دول عربيه على القنابل الانتحارية [البشرية] وعمليات اختطاف تستهدف الجنود الاميركان. وضم معسكر سعد في بعقوبة شمال شرق بغداد قاعدة التدريب الرئيسة وتولت وحدة الأمن الخاصة بقصي صدام حسين وهي من جهاز الأمن الخاص تنظيم وادارة التدريب. تم تدريب حوالي( 130) متطوعا اسلاميا في معسكر سعد هذا على "قتال المدن"، ودرب( 2500 ) لبناني الجنسية على الأقل في معسكرات أخرى للأمن الخاص .
وعند اندلاع الحرب أرسلت منظمات ارهابية أخرى على صلة بالقاعدة الى العراق آلافا آخرين من الارهابيين .
 نظمت قوة فدائيي صدام التي يقودها عدي صدام حسين برامج تدريب مكثفة لتلك القوى الاسلامية. وتعد مجموعة "لواء الجهاد والدعوة" السلفية من متطوعي الجزائر للقتال هي القوة الأكبر والأكثر أهمية وتضم نحو 700 مجاهد . وقد أوضح نعمان بن عثمان الخبير بالمنظمات الاسلامية أنه ونظراً لرفض المتطوعين الاسلاميين العمل تحت قيادة أو اشراف أية مجموعة علمانية كحزب البعث فلابد من أن قيادة الارهابيين قد توصلت  مع صدام الى اتفاق بمنحها حرية العمل ضد أهداف أميركية .
كان للقصف الكثيف الذي تواصل ليلة  21 آذار تأثير مباشر ولو عن غير قصد على الانتشار الاسلامي الحالي في العراق. وفي 20 آذار ولأول مرة تصدت طائرات التحالف للدفاعات الجوية العراقية الجاري اعادة انتشارها ومع أول مثال أو تجربة لاشعال نيران واسع للخنادق التي ملئت بالنفط الأسود لاقامة سدود كثيفة وحجابات من الدخان الأسود. ولتجنب المزيد من مثل هذه العراقيل حلقت الطائرات الأميركية والبريطانية عبر الأجواء الأيرانية لضرب بغداد من أقل المناطق والاتجاهات حماية وخطراً .فأطلقت قوات الدفاع الجوي الايرانية نيراناً عشوائية كما لو أنها تريد اشعار طياري التحالف بأنهم في موقع غلط لا بقصد اسقاط  تلك الطائرات .
في 22/آذار أنهمكت طهران ودمشق في صياغات بلاغية مفصلة حول تطبيق وانجازات استراتيجيتهما فيما يتعلق بالحرب في العراق، إذ أثار الخرق الأميركي  المبكر للأجواء الايرانية القيادة الأيرانية. عند ذلك وصل فجأة ناجي صبري الحديثي وزير خارجية العراق الى دمشق في مهمة لم يعلن عنها لمناقشة الصفحة  التالية للحرب. بدا صبري في البداية مهتاجاً ويهدد ويتوعد بخصوص معركة بغداد القريبة جداً وبخصوص انجازات عسكرية عراقية أخرى. ومع ذلك ؛سرعان ما بدأ تحقيقاته عن خطط ترحيل نخب القيادة السياسية العراقية إن دعت الحاجة .
 لمست طهران ودمشق قلة صلابة ووهن في موقف وعزم صبري، كما لاحظتا ما يشير الى وهن في موقف بغداد . وبينما أكدت سوريا التزاماتها بمساعدة العراقيين بكل شيء عدا خوض الحرب لأجلهم أو معهم، بدأت طهران ودمشق سلسلة من المشاورات عن استراتيجيتهما التي ستنفذ بعد الانهيار المحتوم للعراق!

الدعم السوري

وبرغم الموقف البالغ السوء لنظام صدام قررت سوريا دعم الاستخبارات العراقية بشكل فعال وتوفير قواعد عمل وانطلاق لمفارز ومجموعات الانتحاريين لمهاجمة المصالح الأنكلو-أميركية في الشرق الأوسط . كان معظم عناصر هذه المفارز من العراقيين - من فدائيي صدام أو متطوعة المسلمين الذين دربتهم منظمة فدائيي صدام.
ووفقاً لمصادر استخبارية تركية وعربية فقد وصلت أول مجموعة الى  دمشق في 29/آذار . تألفت هذه المجموعة من (11)عراقياً وعشرة مصريين زودوا جميعاً بجوازات سفر أصلية صادرة من عدة دول خليجية ، حيث كانت دمشق قد أوفدتهم للحصول عليها وفي سفرات مختلفة. وخلال بضعة أيام قليلة تالية عبرت مجموعة واحدة أخرى على الأقل ومؤلفة من أكثر من (15) ارهابياً عبر دمشق ولكنها اتجهت في هذه المرة الى أوربا الغربية .
في نيسان تصاعد الهياج الموالي للعراق في الوطن العربي وتزايدت بالمقابل أعداد المتطوعيين الاسلاميين الذين تقاطروا الى العراق عبر سوريا والأردن. وحتى 7/نيسان قدرت دوائر الأمن الأردنية عبور أكثر من 5 الاف الى 6 آلاف عبر الأردن وحدها الى العراق منذ اندلاع الحرب .
 أطلقت نخبة من القادة والأساتذة والعلماء أصواتهم بالدعوى الى الجهاد وحمل السلاح. وأقر شيخ جامع الأزهر والمرجع السني الشيخ طنطاوي استخدام العمليات الاستشهادية ضد قوات الائتلاف في العراق. وخلال بضع ساعات من فتوى الشيخ طنطاوي أبلغت دوائر الأمن المصرية عن زيادة هائلة ومضاعفة في أعداد جموع المتطوعين المصريين الى العراق عدة مرات .

شيعة العراق

بيد أن الأمر الحيوي والحاسم والأكثر أهمية في تقرير مستقبل العراق يتركز في قلب أرض الشيعة، وبالأخص المدينة المقدسة/النجف الأشرف. وقد أدركت واشنطن ولندن منذ أمد بعيد أهمية الحصول على دعم السكان الشيعة ، ولو لأنهم يشكلون فقط حوالي ثلثي سكان العراق .تصورت أو ؛أقتنعت واشنطن وقبل الحرب ؛بأن الشيعة سيكونون شاكرين كثيراً وممتنين للأميركان والبريطانيين لتحريرهم من النظام القمعي لصدام حسين. لذا وحال التوصل الى اختيار قائد شرعي ومقبول فإنهم سيتعاونون بقوة مع سلطة الائتلاف. وهكذا فشلت واشنطن في تفهم أمرين هما :الرفض الشيعي العنيد لـ [سلطة و/أو وصاية]أي حاكم غير مسلم مهما كان متفهماً وعطوفاً، مثلما يرفضون توسع النفوذ الايراني على حساب شيعة العراق .

مجيد الخوئي في النجف

ولاغفالهم أو جهلهم حقيقة وموقف شيعة العراق حاول الائتلاف [لعلها بريطانيا فقط]كسب الشيعة بإرسال قائد شيعي واعد هو عبد المجيد الخوئي سليل احدى أكثر العوائل الشيعية الدينية في العراق وكان – أي عبد المجيد (42عاماً)-أصغر أنجال آية الله السيد أبو القاسم الخوئي المرجع الديني لشيعة العراق والذي لعب دوراً مباشراً في الانتفاضة الشعبانية عام 1991م ضد صدام حسين والذي تعرض لذلك لسخط النظام .


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

 وبعد الانتفاضة فرّ بعض أفراد عائلة الخوئي، ومنهم عبد المجيد الى بريطانيا للاقامة فيها، وتولى ادارة أموال ومشاريع الخوئي التي تعد أحد أبرز الجمعيات الاسلامية الخيرية في الغرب . وفي لندن برز عبد المجيد الخوئي وانهمك في أنشطة اسلامية حرة ومعتدلة وكذلك في العلاقات بين الأديان والسياسات الحرة ومن خلال ذلك أصبح صديقاً شخصياً لتوني بلير.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

 لذا وبطلب من توني بلير نفسه انهمك عبد المجيد الخوئي في أنشطة وفعاليات العراقيين المهاجرين عام 2002 وفي نيسان 2003م وافق على العودة الى العراق لاقناع وتهدئة شيعة العراق.
عاد عبد المجيد الخوئي الى النجف المبتهجة في 4/نيسان .وقد استقطب اسمه وحضوره ومركزه جموعاً حاشدة كبيرة واتصل خلال بضعة أيامه الأولى في النجف بالسيد علي السيستاني – المرجع الشيعي الأعلى في الحوزة العلمية ؛والمدرسة الدينية في النجف وأقنعه باصدار فتوى تحض جميع الشيعة بعدم مقاومة الأميركان ولا عرقلة أعمال القوات الغازية بأية طريقة كانت. كان ذلك انجازاً كبيراً للقيادة [الشيعية]المعتدلة بوجه وضد التصميم الايراني للسيطرة على شيعة العراق .

إحراج السيستاني

سرعان ما تحركت ايران التي بوغتت بموقف السيستاني لاصلاح الضرر ولاستعادة السيطرة . أولاً ؛أصدر قادة شيعيون عراقيون كبار مقيمون في قم وممن كرسوا جهودهم ووقتهم للحوزة العلمية توضيحاً لقلب أو تليين فتوى السيستاني التي لاتجوز معارضتها أو ألغاءها.وفي الوقت نفسه أطلقت العنان لمن يوالونها من رجال الدين في النجف لتهييج الجماهير ومطالبتهم بترك السيستاني النجف خلال 48 ساعة دون أن تجرؤ تلك الجماهير على ايذاء قائد مبجل لذلك حاصرته وأجبرته على الاقامة الجبرية في داره .
ولم يكن ذلك كافياً فقررت ايران التخلص من [عبد المجيد ] الخوئي بطريقة ستجعل مصيره فيها عبرة لكل رجل اصلاحي آخر.
 وفي 10/نيسان هاجمت مجموعة صغيرة عبد المجيد الخوئي وأحد أصحابه خارج صحن جامع الامام علي. ثم قطع القتلة أوصالهما بالسيوف والخناجر والسكاكين.
أبلغ مصدر استخبارات غربي أن "ما من شك بأن الخوئي كان هدفا للاغتيال وقد قدمت طهران عدة دلائل على أن الخوئي يشكل تهديداً لمصالحها" . وفي الحقيقة أزال اغتيال الخوئي أية عوارض أو اعاقات ومهما كان نوعها تقف بوجه مشاريع وتصاعد نفوذ ايران .
صيغت أو أعدت  السياسة الرسمية لأعمال ايران في نيسان (2003م ) وخلال مؤتمرعالي المستوى  في طهران حول "الهجوم الأميركي على العراق.. دراسة وتحليل مستقبل المنطقة". كان أبرز المتحدثين هو الدكتور محسن رضائي الرئيس السابق للحرس الثوري الاسلامي والرئيس الحالي لـ "مجلس مصلحة النظام ". وقد أكد أن طهران ستدرس الموقف بشأن العراق على ضوء المصالح الايرانية الاقليمية المحددة والحرب الأميركية الأكبر ضد الاسلام .أما على المدى البعيد والأوسع فما من شك على الأطلاق بهزيمة أميركا  نهائياً "لأن اليقظة الاسلامية في جنوب غرب آسيا تعد من بين أهم التحديات التي تواجه الأميركان" ويمضى د .رضائي قائلاً "وأن ظهور جماعة القاعدة والهجمات على واشنطن ونيويورك  تمثل مجرد دلالات واضحة وهامة في هذا الاتجاه ، وتشكل أوجه اليقظة الاسلامية هي  الأخرى تهديداً آخر لأميركا ؛كما توجد ألوان كبيرة أخرى لمثل هذه التهديدات في المنطقة" .
وادعى رضائي بأن "أميركا سوف لن تكون قادرة على احتواء اليقظة الأسلامية" . ثم أضاف "وحتى في المناطق التي  تم فيها احتواء اليقظة الاسلامية لم يقض على التهديد".
ومع ذلك فرضائي يعرف أن المخاطر التي سببتها التحديات الناجمة عن  الحرب على الأرهاب ستظل وعلى المدى القريب مزعجة للدول راعية الارهاب في العالم الأسلامي . فـ "هدف أميركا الرئيس هو تغيير الأنظمة وأن تظل [في المنطقة] حتى وصول أنظمة جديدة الى السلطة. وحين يصل نظام عميل جاؤوا به فسيظل يعمل خفية وراء ستار وحيث يمكنهم مواجهة التهديدات..لذلك يحاول الأميركان فرض تحولات سياسية جذرية في جنوب غرب أسيا و الشرق الأوسط " .تشكل استراتيجية كهذه تهديداً مميتاً للنظام الايراني وعلى الأخص في المستقبل القريب لعدم امتلاك ايران لذلك النوع من قوة الردع القادرعلى منع اميركا من الهجوم .
 لذا تهدف استراتيجية ايران في العراق التعويض أو سد هذا العجز [الايراني]  بحرمان الاميركان من القدرة على استخدام العراق كمنصة أو نقطة وثوب ضد ايران .ولاحظ محسن رضائي أن هذا الهيجان في العالم الاسلامي والعداء الواسع المدى للأميركان "سيوفران فرصاً جيدة للجمهورية الاسلامية الايرانية  وأنه وباستغلال تلك الفرص فلن تكون ايران قادرة على تجنب أو دفع الحرب بل والمضي بتحقيق المصالح الايرانية ‘‘.
فمن وجهة نظر طهران فإن الأمر الأشد نفعاً وجدوى هو جرّ اميركا الى حرب عصابات طويلة ومربكة، وأن "اللبننة" ستقود الى انسحاب مخزٍ. وأكثر من ذلك فسيتحقق هذا المخطط بأقل المخاطر نسبياً لايران لأنها ستعتمد في تنفيذه على أنصارها المحليين والذين لديهم جميعاً أسبابهم الخاصة لمحاربة القوات الأميركية الغازية.
 وفي 6/نيسان نشرت صحيفة (كيهان) مقالة مهمة بقلم رئيس التحرير حسين شريعة مداري ألمح فيها الى هذا المنحى الجديد في التفكير في طهران قائلاً: "إذا تحولت هذه الحرب التي تشنها اميركا وبريطانيا ضد العراق الى حرب استنزاف لهما معاً فسيكون ذلك لمصلحة العالم الاسلامي. وأكثر من ذلك فقد اتضح بأن الأميركان وبغض النظر عن ادعاءاتهم السابقة عاجزون عن احتلال العراق‘‘. ولاستغلال وتسريع الحرب غير النظامية من قبل أصدقائها فان ايران ستساعد أية مجموعة أو منظمة راغبة وقادرة على قتل أميركيين وزعزعة الوضع في العراق .
 في 8/نيسان أصدر أية الله كاظم الحسيني الحائري، العراقي المولد والمقيم في قم ، فتوى يوصي فيها رجال الدين الشيعة في العراق "باستغلال أية فرص متاحة لملء الفراغ في الإدارات في مدن العراق". وأكدت فتوى الحائري البراغماتية وأوعزت الى قادة شيعة العراق "بإشغال أكثر ما يمكن من المناصب لفرض الأمر الواقع على أية حكومة قادمة" .
أكد الحائري كذلك على توجه جميع المؤسسات والمنابر الشيعية  ضد الأميركان وبأقوى ما يمكن .وتضمنت فتوى الحائري أيضاً "ويجب أن يتعلم الشعب ألا ينهار معنوياً أمام قوى ووسائل الشيطان الأكبر إن بقي هذا في العراق‘‘. وتمضي فتوى الحائري لتؤكد بأن الشيطان الأكبر "سيحاول نشر ما يفسد المعنويات وينشر الفساد بتوفير وتسهيل الوصول الى الفضائيات التي تروج للدعارة ونشر وتشجيع الفساد والرخاوة والتملص من الواجبات لاضعاف الايمان بين أبناء الشعب". ثم وبشيء لافت للنظر أنهى توجيهاته وفتواه بتعيين مقتدى الصدر ممثلاً له وأكبر مريديه في العراق ‘‘ .

في 13/نيسان نظم أول حشد جماهيري في النجف ضد السيستاني ولدعم الخط الايراني. تلاه حشد واستعراض جماهيري في بغداد وعلى الأخص في مدينة الصدر. وقال رجل دين بارز في مدينة الصدر ’’نحن نسيطر على كل العراق وعلى الأخص الوسط والجنوب وليس على بغداد فقط ‘‘.  تتنافس القيادات الشيعية من أجل تأمين وفرض سيطرتها وهي لن تتساهل مع التحديات التي تبديها جماعات المعارضة العائدة من الخارج والمدعومة من الغرب. وفي دمشق حذر القائد المعارض جواد الخالصي بأنهم يجازفون وأن مصيرهم جميعاً سيكون نفس مصير الخوئي .وأوضح بان قتلة الخوئي "اناس غاضبون أثارهم مرأى قوات الاحتلال". وأكد الخالصي بأن رموز المعارضة سوف لن يكونوا موضع ترحاب (شيعة العراق ) وسيحشرون مع الغزاة، مقترحاً عليهم ترك العراق فوراًوالعودة من حيث أتوا .


يتبع ........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالإثنين يوليو 06 2015, 22:45

الحلقه 11 

في منتصف نيسان تعقد الموقف في العراق وتداخل بشكل بات معه عصيا على السيطرة. ولم تجد القوات الأميركية المرتبكة أمام ما يفوقها من أعداد الجماعات الأخرى سوى التحرك برد فعل انسجاماً مع التحركات المحلية الرئيسة وظلت تحاول يائسة الابقاء على مستوى الأحداث وسط سيل من التحولات التقليدية المحلية المتناقضة ووسط الفوضى العارمة التي تفجرت مع انهيار النظام .
 وفي بغداد أخذت أعمال النهب والتخريب بالتصاعد وتحولت الى معارك وقتالات شوارع بين المجموعات والعصابات المتناحرة، ووقعت القوات الأميركية وسط كل ذلك وهي تحاول تهدئة العنف المتدفق مكروهة من قبل جميع الأطراف المتقاتلة .


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


الأكراد والأميركان

تفجرت الجبهة الشمالية  في 11/نيسان حال انتشار خبر دخول القوات الأميركية بغداد . فقد تحركت قوة كردية محلية في كركوك بينما عمت فوضى عارمة وشاملة الموصل. وكانت النتيجة أن جرت الولايات المتحدة من قبل حلفائها الكرد لاجتياح كركوك والموصل على عكس حكمها الصائب وبخلاف عدد من الاتفاقيات التي توصلت اليها مع الأتراك والعرب المحليين، وحتى مع القوات العراقية التي كانت على استعداد للاستسلام وفق شروط منتظمة. توخت كل تلك الاتفاقيات منع أية مجموعة عرقية محددة، وعلى الأخص الكرد، من التحكم والسيطرة على حقول نفط شمالي العراق. ومع ذلك بدأ الكرد الذين كانوا على معرفة مسبقة بتلك الوعود والترتيبات الزحف وفوراً باتجاه المدن .

هدد القادة الكرد القوات الخاصة للولايات المتحدة بالطرد وحتى بمقاتلتها ما لم تتعاون معهم وتؤمن لهم اسناداً جوياً – وكان يوجه حينها ضد القوات العراقية التي وافقت تواً على الاستسلام . ولعدم رغبة القوات الخاصة الأميركية بأن تطرد خارج كردستان خضعت لمطالب الكرد وتوالت الطائرات بتنفيذ القصف المطلوب. ولم يكن مستغرباً أن العشائر العربية والقوات العراقية صغيرة الحجم نظمت نفسها في شمال غربي العراق بهدف رئيس هو التصدي للوجود الكردي في كركوك. ولقلقها من تصاعد التوتر ومما يعد له الكرد. وتحسباً منها للتوتر القائم ، وعدت الولايات المتحدة بأن يترك الكرد كركوك والموصل خلال 12ساعة.
ولكن الكرد لم يظهروا يأبهوا لذلك ولم يكن لدى الأميركان قوات كافية لاخراج الكرد بالقوة . ومع مساء 12/نيسان كان للقطعات الأميركية مجرد سيطرة اسمية فقط على الموصل وكركوك بعد أن أنابت عنها بعض الكرد وبعض القطعات الأخرى المعسكرة على حافات المدينتين .
كان على الولايات المتحدة تهدئة القبائل العربية، لأن الوحدات الأميركية مازالت بعيدة عن مركز برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية – والقريب من مركز اقامة القبائل العربية .
 وفي 11/ نيسان بدأت القوات الأميركية التقدم نحو( القائم ) بينما واصلت الطائرات قصف عدة أهداف داخل مثلث تكريت – سامراء - رمادي لمنع القطعات المحلية من التصدي للقوات الأميركية المتقدمة. كان تمركز معظم القوات العراقية في القائم رائعاً ولم تمس الحرب وآثارها معظم تلك القوات. وعلى سبيل المثال لم تصب نيران القصف الجوي أياً من أوكار الطائرات ولا المباني المموهة بألوان متعددة لاخفائها .
والسبب الرئيس وراء الامتناع عن توجيه الغارات الجوية لتلك الأهداف هو افتراض الولايات المتحدة المعقول بأن معظم أسلحة الدمار الشامل العراقية ربما جرى تخزينها في تلك الأوكار والمباني المموهة القريبة وأية ضربة قد تلوث مناطق واسعة. وحال بدء تقدم القوات الأميركية نحو القائم لوحظ العديد من الفعاليات المتزايدة في تلك المباني المزخرفة على طول نهر الفرات. وتحت ستر الظلام تم نقل العديد من المعدات الضخمة والدبابات والحاويات من مواضعها المخفية وأخذت عبر الحدود القريبة الى سوريا .

السوريون  

ومع إطباق القوات الأميركية على القائم جوبهت بمقاومة عراقية كثيفة وبالغة الكفاءة. وقال أحد المسؤولين العسكريين: لو قاتل العراقيون بهذه الضراوه  في المواقع الأخرى لكان الأميركان متوقفين حتى الأن على أبواب مدينة الناصرية. تركز القتال على اعاقة التقدم الأميركي وأخذه بعيداً عن مناطق معينة، ونفذته قوات عراقية منتخبة ومتميزة .اللافت أن القتال والفعاليات في منطقة القائم أديرت وتمت قيادتها من موقع قيادة عراقي وسوري متقدم جديد أقامته الحكومة السورية في (البوكمال )عبر الحدود وعلى مقربة من القائم .وما زالت مقرات البوكمال تدير وتشرف على أنشطة الاستخبارات والعمليات الخاصة المتعلقة بالعراق .


كانت طهران ودمشق تستخدمان عملاءهما لاستغلال غياب قوات الولايات المتحدة لاتمام سيطرتهما على أجزاء استراتيجية من العراق. وقد وفرت الاستخبارات السورية الأسلحة الثقيلة من صواريخ موجهة بالسلك ضد الدبابات الى صواريخ سام أرض جو (صواريخ تطلق من على الكتف ضد الطائرات ) كالتي  استخدمها المجاهدون الذين قاتلوا الأميركان في بغداد. . لقد توقعت سوريا الكثير من المقاومة العراقية الجديدة، وسارعت صحيفة الثورة السورية بالقول في مقال افتتاحي "العراقيون توقفوا فقط لالتقاط الأنفاس وسريعاً سيوجهون ضربات موجعة للغزاة" .
وعلى طول شمال العراق اعتمدت سوريا على قبائل شمر التي تمتد مضاربها على طول  شمال شرق سوريا وشمال غرب العراق. وهناك دعم واسناد سياسي عربيين لقبائل شمر في كل الوطن العربي لتزاوج مشايخ وكبار رجال شمر مع معظم العوائل الملكية العربية. . وقد أمد الجيش السوري (شمر) بكميات كبيرة من الأسلحة والمعدات، وهناك العديد ممن ينحدرون من قبيلة شمر في سوريا في الاستخبارات والقوات الخاصة السوريتين، وهم على استعداد للتطوع لنجدة أخوانهم عبر الحدود. واعتماداً على شبكة الصلات هذه أقامت سوريا مجموعة من القواعد الأمامية في صحراء غرب وشمال غرب العراق كنقاط انطلاق للأعمال الارهابية ضد الأميركان ولتوسيع دعمها للأكراد .
ساعدت قبائل شمر مجموعتين رئيستين (وعدداً من مجموعات أصغر) في العراق:
وضعت مجموعات المتطوعين السوريين تحت قياد مشعان الجبوري وتحظى بدعم المخابرات السورية
وكان الباقون تحت قيادة وفيق السامرائي رئيس الاستخبارت العسكرية العراقية [الأسبق] والذي نشط قرب الموصل.
 برزت قوة السامرائي كنقطة اتصال [وحشد ] رئيسة مع مجموعات المقاومة العراقية الأخرى وكنقطة توزيع للأسلحة والأموال والامدادات الأخرى القادمة من المخابرات السورية الى المقاومة العراقية. سرعان ماغيرت هذه الفعاليات ميزان القوى في الموصل لأن معظم سكانها من عرب قبائل شمر والتركمان .ونظراً لمنع الأميركان الشديد للاستخبارات التركية من مساعدة التركمان باتت اليد العليا للدعم السوري لشمر وفي الوقت نفسه غالباً ماكانت القطعات الأميركية تشتبك مع فدائيين ومليشيا البعث ومجموعات متنوعة من الأصوليين في كل من تكريت وبغداد .ثم بدأت دائرة الأشتباكات بالأتساع الى مناطق أخرى عبر العراق مع وقوع العديد من الحوادث العرضية بالتزامن مع ما تقوم به الولايات المتحدة من أنشطة وفعاليات .
كان لابد من اعتبار أحداث الموصل في 15/نيسان مؤشراً على ما سيحدث مستقبلاً وذلك حين اقتحم حشد من  الناس دورية مارينز بينما كان المحافظ الجديد الموالي للأميركان يحاول القاء خطاب، فتح المارينز النارعلى الحشد فقتلوا عشرة مدنيين وجرحوا مثلهم وأكثر كان معظمهم غير مسلحين .اندلع العنف والفوضى والاشتباكات المسلحة في شمال العراق .

معدات الجيش بيد الأكراد

استمر التوتر وازداد في كردستان العراق خلال النصف الثاني من نيسان .بدأ قلق الكرد يتزايد من خيانة الولايات المتحدة لهم وأنها لن تعمل على نيلهم لحقوقهم القومية. وفي الوقت نفسه واصلت القوات الخاصة التركية – مرتدية عادة ملابس مدنية عملياتها في كركوك بتسليح وتدريب وتنظيم مليشيا تركمانية. ويخشى القادة الكرد من أن قواتهم التي انسحبت من الموصل وكركوك ومدن أخرى سيمنعون من اعادة اسكان الكرد المهجرين الى مدن سكناهم، أي شل قدرتهم على مواصلة تكريد Kurdization مدن النفط والمناطق الاستراتيجية التي أخليت من الكرد أو تعرض هؤلاء الى عمليات تطهير وتهجير. وأدى ذلك الى أعمال عدائية متبادلة وفقدان الثقة وتولد مرارة بين الكرد والأميركان .
 لذلك قرر الحزبان الكرديان الديمقراطي الكردستاني والأتحاد الوطني الكردستاني الأحتفاظ بكل ما نالوه من غنائم الحرب لأنفسهم . فاحتفظ البرزاني بـ (34 ) دبابة و(14) ناقلة أشخاص مدرعة و(37) مدفعاً ومجموعة متنوعة من الصواريخ والأسلحة الخفيفة.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

أما الطالباني فقد جمع (21 ) دبابة و(11) ناقلة أشخاص مدرعة وأربع شاحنات ومجموعة خاصة من الصواريخ والأسلحة الصغيرة  ما أثار غضب الولايات المتحدة بحق حول من ستتحول (تستخدم )هذه الأسلحة ضده؛ وكما حدث في أواخر نيسان حين حشد الحزبان معظم وحداتيهما ضد بعضهما البعض ؛ وكانت تركيا والمفارز الأميركية الصغيرة في المنطقة أما عاجزة أو غير راغبة بالتدخل .

الاستخبارات السورية

في الوقت نفسه كان انشاء مقر البوكمال اعلانا شديدا وقويا عن مضي دمشق في اسناد القيادة العراقية . التزمت سوريا جدياً وبقوة ليس بمساعدة القيادة العراقية بالتملص من القوات الأميركية في بغداد وحسب ولكن بإقامة قاعدة في المنفى لبقايا النظام البعثي ليواصلوا المقاومة في العراق كذلك .
كان يوم 9/نيسان نقطة تحول في الالتزامات السورية : فقد كانت الولايات المتحدة تدرك أن عدة دول شرق أوسطية وسوريا وليبيا بالذات تساعدان في اخلاء شخصيات مهمة من بغداد، مما دفع رامسفيلد الى القول أن لدى البنتاغون "نتف استخبارات تقول أن سوريا تتعاون في تسهيل حركة أشخاص من العراق اليها" .

وقد سخر المعلق السوري عماد شعيب القريب من النخبة السياسية من الادعاءات الأميركية قائلاً: "ليست سوريا قلقة حول ما يقال .ولايحتمل قطعاً أن ترقى هذه الادعاءات الى تهديدات" وتابع "لم ألحظ أية تهديدات في الادعاءات الأميركية بل أنها كانت أخف لهجة حتى من سابقاتها" .
ورغم تدفق كبار المسؤولين على دمشق منذ ليلة 5/نيسان لكن وصول قصي صدام حسين ومجموعة من كبار القادة في 10/نيسان بدء عملية أخلاء منظم كان وراء دفع دمشق للعمل . ففي وقت مبكر من ذلك اليوم (10/نيسان) شوهد كل من صدام وقصي وعبد حمود وهم يدخلون مسجداً في الأعظمية في بغداد. وبدا كأن عملية هروب منظمة ومجهولة بعد والتي ربما تضمنت استخدام وسائل نقل سرية ومموهة وربما عبر قناة سرية - كانت بانتظارهم .

وبعد ذلك فوراً وصل قصي دمشق بينما انتقل صدام الى مكان خفي داخل العراق – والأرجح أنه في صحراء شمال غرب العراق.عبر آلاف المسؤولين العراقيين الى سوريا ورحب بهم ضباط من المخابرات السورية و"مستشارون" من السفارة العراقية في دمشق. تولت مجموعة من موظفي سوريا والعراق مقارنة اسماء الواصلين مع قوائم كانت معهم، وأرسل من تمت تزكيتهم الى عدد من مجموعات المخابئ- عادة تكون في الأرياف والمصايف وأماكن الراحة التي تستخدم من قبل الحكومة السورية –أعدها ونظمها العراقيون مسبقاً .

نصحت دمشق طرابلس ببدء عملية/برنامج اخلاء في صباح 9/نيسان، وتمت عملية اخلاء أول نخبة VIP الى ليبيا على طائرات النقل ’اليوشن I1-76 ، للقوة الجوية الليبية . أقلعت هذه الطائرة من قاعدة عقبة بن نافع الجوية قرب طرابلس الى دمشق في الساعة الـ 6 مساءً. ومن دمشق نقلت (7)سيارات مع عدد كبير من الحقائب . وفي الساعة 6:30 مساء عادت الطائرة الى قاعدة عقبة بن نافع الجوية. وفي 10/نيسان نقل المسافرون على متنها الى مكان غير معروف . وأخيراً فقد وصل بعض أعضاء عوائل النخبة العراقية الى مجمع عائلي خارج بنغازي في ليبيا . وانتقل قصي ومجموعة من كبار المسؤولين العراقيين الى ليبيا عبر دمشق في 13/نيسان . ففي ذلك اليوم شوهد رتل من سيارات الليموزين بلوحات عراقية في مطار المزة في دمشق حيث تبع ركابها قصياً الى ليبيا .
كانت باريس المكان الآخر لعدد من VIP مسؤولي وقادة العراق . طارت أول مجموعة اليها- وضمت مجموعة من العلماء والجواسيس الذين زودتهم السفارة الفرنسية في  دمشق بوثائق سفر فرنسية الى فرنسا ليلة 14/نيسان . كانت فرنسا قد قررت اخفاء كل عراقي يمتلك أية معلومات عن حجم التعاون الفرنسي مع صدام في أية موضوعات حساسة، من التكنولوجيا النووية الى دعم العراق لحملات بعض السياسيين الفرنسيين.

التهديد الأميركي لسوريا

ومع تزايد الدعم السوري للقيادة العراقية، تزايدت كذلك مراقبة الأميركان لحكومة الأسد و صعّدت واشنطن من تحذيراتها العلنية لدمشق. وقال بول وولفتز في افادته أمام الكونغرس في 11/نيسان إنهم كانوا يراقبون دمشق "عن قرب" ثم وبقدر تعلق الأمر بالادارة الأميركية فإن سوريا "لا تحسن التصرف" لذا وما لم تتغير سياسات الاسد سريعاً فسيعاد النظر في سياساتنا الأساسية نحو سوريا. وأكد وولفتز للكونغرس أن ليس للادارة خطط لارسال قوات عسكرية الى سوريا لمطاردة المسؤولين العراقيين الذين فروا، ولا للبحث عن أسلحة الدمار الشامل. وكذا سار كولن باول على نفس المنوال، فأصدر تحذيراً شديداً وخشناً لسوريا لتقديمها ملاذاً آمناً للمسؤولين العراقيين .

لم يأبه السوريون  كثيراً لتهديدات كولن باول ولكنهم تخوفوا من تعليقات مسؤول كبير سابق في CIAهو ( روبرت باير) . أخبر باير هذا صحيفة Daily Star اللبنانية بأن البنتاغون "مصمم وبقوة على مهاجمة سوريا باستخدم القوات الموجودة حالياً في العراق". ثم أضاف قائلاً "من السهل النيل من السوريين. إنهم ضعفاء .هناك الكثير من الخطب الحماسية والبلاغات، ولكن يجب ان لا ننسى أن اسرائيل تريدنا فعل ذلك" .الأسد والحلقة القريبة منه مقتنعون بأن تعليقات روبرت باير لا البيانات الرسمية التي تصاغ في واشنطن هي التي تعكس التفكير الدقيق في لانغلي (مقر CIA) . لذلك طلب الأسد مساعدة الملك السعودي عبدالله للتدخل ومنع الهجوم الأميركي . وفي 14/نيسان شنت السعودية حملة دبلوماسية للمساعدة ولمنع نشوب حرب مع سوريا ووعدت الادارة الأميركية بأنها ستقنع الأسد بالبحث عن القادة العراقيين وتسليمهم للولايات المتحدة .
وأخيراً أعاد السوريون حوالي (6) من  الأسماء الكبيرة عبر الحدود العراقية و لكنهم واصلوا توطين واسناد الاف من الدرجة الثانية من القادة والناشطين وخبراء عسكريين، بحيث ظل أكثر من مئة منهم في دمشق وحدها.
 ولأن دمشق ما زالت تخشى الهجوم الأميركي لذا طلبت من موسكو ابلاغ واشنطن بأن مجموعة من القادة العراقيين لن تسلم، وبينهم نائب الرئيس عزت ابراهيم الدوري، ورئيس مكتب صدام عبد حمود، وأحد قادة البعث هو عزيز صالح النومان، ورئيس جهاز الأمن الخاص هاني طلفاح، وأمين سر الحرس الجمهوري كمال مصطفى، و  رئيس أركان الحرس سيف الدين فليح  ورئيس المخابرات طاهر جليل حبوش،  وقائد الحرس الجمهوري الخاص الجنرال برزان سليمان التكريتي، وذلك لطول وعراقة علاقاتهم مع القادة السوريين الأعلين . ترجم الروس الرسالة السورية بأن الجميع ما عدا من ذكرت أسماؤهم يمكن ابعادهم.

سوريا تسليم هاربين 

كان لهذا العرض أثر معاكس في واشنطن إذ اقتنع حتى المتشككين بأن دمشق تؤوي القادة العراقيين المعزولين . أبلغ دبلوماسيون عرب عواصمهم بأن البيت الأبيض والبنتاغون قد حسموا الأمر وأن ضربة أولية على سوريا ستكون قصيرة عبر حدود تعمها الفوضى بما يتلاءم وعبارة "مطاردة ساخنة" في سياقات أو قواعد الأشتباك’rules of engagement‘ ولو فشلت تلك الهجمات بتحقيق النتائج المرجوة فستوسع الولايات المتحدة الحرب ضد سوريا.
 ومرتعباً من هذه التقارير وصل حسني مبارك الى دمشق في 20/نيسان في زيارة طارئة ومفاجئة لمناقشة الأزمة الناشبة مع بشار الأسد ، وسبل معالجتها واخمادها .


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

أكد مبارك بأن غضب الولايات المتحدة بلغ ذروته من سوريا وأن عواقب ذلك قد تكون مرعبة .وبعد الاجتماع وافق الرئيسان على توسط  مصر بين دمشق وواشنطن .
في اليوم التالي  رتبت مصر تسليم أحد القادة الثمانية آنفي الذكر وهو كمال التكريتي الى القطعات الأميركية. وقد دفع هذا الجنرال عبر الحدود بين أيدي جنود القوات الخاصة التي كانت بانتظاره .كانت الرسالة المصرية الى الادارة الاميركية واضحة: فمع الصبر وجهود ومساعدة القاهرة سيمكن تحريك الأمور في دمشق.
وبعد يومين سلمت دمشق رئيس وزراء العراق السابق محمد حمزة الزبيدي الذي كان مطلوباً لقتله حشوداً من المواطنين الأكراد. وقد أثار استبعاد الزبيدي توتراً بين مسلحي (مليشيا) قبيلة شمر المدعومة من سوريا والأكراد-وحدث خلاف كبير عرقل جهودهم لتنظيم جبهة متحدة ضد الولايات المتحدة وتركيا .وعودة الى القاهرة فقد حث مبارك الأميركان والبريطانيين على "إنهاء الاحتلال وسحب قواتيهما في أقرب وقت ممكن" ثم دعوة الأمم المتحدة والعالم العربي لتولي السيطرة في العراق آخذين بالحسبان الحاجة الى جهود دولية مكثفة لانضاج تشكيل حكومة شرعية ينتخبها الشعب العراقي وتمثل جميع الأطراف .  

وأخيراً فقد فرضت الأزمة التي قامت حول كبار المسؤولين العراقيين المختبئين في سوريا على الولايات المتحدة اعادة تقويم مسلكها (خططها ) لكل الشرق الأوسط ولما بعد الحرب كلية. وفي منتصف (نيسان) خلص مسؤولون كبار في البيت الأبيض بأنه ومع عدم تحقيق انجاز كبير فعلاً الأن أو يلوح في الأفق فإن استمرار التصعيد وتوسع الحرب على الارهاب سيقلص فرص نجاح  حملة الرئيس بوش الانتخابية. وفي اجتماع ضم مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايز وكبير مستشاري بوش للشؤون الداخلية كارل روف ؛ووزير الخارجية كولن باول الذي يعدٌ اشد مناصري ضبط النفس والعمل بقوة لـ"أجل السلام" .

ويبدو أن ما بدأ كسلسلة همسات وملاحظات شخصية وصل على رأس ما يطرح في اجتماعات كبار مسؤولي البيت الأبيض وحيث تتولى كوندوليزا رايز السياسات الجديدة . وأبلغ أحد كبار رجال الادارة الأميركية "ريتشارد سيل" وكالة ’UPIs‘ للأنباء "كانت رسالة رايز مركزة جداً : لامزيد من المغامرات العسكرية خلال ما تبقى من فترة رئاسة بوش الأولى".
 
طفى التوتر والعزم معاً الى السطح في الاجتماعات عالية المستوى بين مستشار أرئيل شارون للأمن القومي "أفرايم هالفي" وكبار مسؤولي مجلس الأمن القومي ومستشاري البيت الأبيض .جلب هالفي معه الى واشنطن آخر الاستخبارات الاسرائيلية عن المنطقة، وحين اًوضح بأن الحدية والتطرف في سوريا وايران تتطلبان رداً صارماً قبل أن يعرضا انجازات الولايات المتحدة في العراق، أكدت رايز وبشكل حاسم  بأن لن تكون هناك مغامرات عسكرية في العراق’ .اعترض رامسفيلد، مستشهداً بآخر تقويم للبنتاغون، وحين لم تتزحزح رايز عن موقفها التفت رامسفيلد الى كارل روف سائلاً اياه عن رأيه .

أعلن روف بأن الرئيس يوافق على مواقف رايز فانتهى الاجتماع . وقال مصدر مطلع وعليم باجتماع البيت الأبيض ذاك لريتشارد سيل بأن "الصقور لم يدركوا بعد بأن جميع المواقف الأكيدة السابقة قد تبدلت : كل شيء بات يتركز لا على الحرب ..ولكن على انتخابات الرئاسة" .


يتبع .........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالإثنين يوليو 06 2015, 23:19

الحلقه 12 

يتحدث الكاتب فيها عن الجهود الامريكيه لبناء جيش عراقي جديد 

تدريب العراقيين بدأ ثانية 

بعد عام تقريباً من التخبط والعشوائية وبعد انهيار برامج تدريب قوات الأمن العراقية [جيش وشرطة] تولى الجنرال ديفيد بتريوس مسؤولية التدريب تلك منتصف 2004م .


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

 استهدفت خطة اميركا في الأساس فرض هيمنة كاملة على العراق حتى الوقت الذي تتم فيه اعادة بناء قوات عراقية قادرة على خوض القتال . وعن ذلك  يقول أحد ضباط الجيش  الاميركي من الذين تطوعوا للقتال في العراق في 2003م  "عند مجيء جنرال بتريوس كان واضحاً أنه ممتلئ نشاطاً وحيوية، وسرعان ما يتزايد الضغط علينا  للأهتمام بالتدريب". وأكثر ما يلفت النظر هو أن بتريوس أعاد توجيه تدريب الجيش العراقي .
 كانت الفكرة الأساسية في تدريب القوات العراقية العائدة للجنرال جورج كيسي هي: انشاء قوة آلية/مدرعة قادرة على ردع ايران ؛ عدو العراق التقليدي . لكن بتريوس رأى أن هناك عدواً ماثلاً للعيان – أي المقاومة العراقية – لذا ركز بدلاً عن ذلك على انشاء قوة خفيفة قادرة على القتال.
  ومع ذلك  ارتكز تدريب العراقيين على أساس واهن قياساً بأسس وقواعد التدريب المعتمدة بحجة أن العراقيين  لم يصلوا بعد الى درجة تولي دور قيادي في مجابهة المقاومة. وعند وصول باحثي معهد راند الى بغداد نهاية 2004م وجدواً فروقاً كبيرة في أعداد المجندين تصل الى( 60 ألفاً ) وبين الأعداد التي يعلنها الرسميون الاميركان.

تمرّد يطال الأميركيين والعراقيين

مع بداية عام 2004 تضاءل الأمل بالحكومة المؤقتة الفتية .ففي ايلول/سبتمبر أجرى عراقيون عملية مسح/استبيان دفعت الحكومة الاميركية تكاليفه وجه فيه العراقيون اللوم وبالتساوي على قوات المحتلين بقيادة اميركا وعلى الارهابيين الأجانب. كان السؤال الرئيس للاستبيان هو : لوفكرت بالموقف الصعب في العراق حالياً سواء حول الأمن والأقتصاد أو ظروف العيش فمن هو –برأيك –الملوم الأكبر؟ خص 33% من المشاركين قوات الاحتلال باللوم و32% صبوا اللوم على الارهابيين الأجانب . قال 45%منهم أن الأوضاع في العراق  تنحدر باتجاه خاطئ ، وما نسبتهم 31% طلبوا تحويل مسؤولية حفظ الامن للعراقيين مع بقاء  المحتل الأميركي كأقوى مركز للقوة في العراق .واستشهد معظم من قالوا ينحدر العراق باتجاه [نحو الهاوية] بالوضع الأمني المتدهور .
 تشتتت اهتمامات الرأي العام الأميركي بكل اتجاه، ولكن العنف ظل يتزايد صيف وأواخر عام 2004. ودارت معارك ضارية في بعض المدن مرة واثنتين وثلاثا. وخاضت مليشيا الصدر في النجف معارك كبيرة، ولم يحظ ذلك سوى باهتمام عابر للرأي العام الاميركي .
قتل 148 جندياً ذلك الصيف أي بزيادة عشرة قتلى عن مجموع ما تكبدته القوات الاميركية حين غزت العراق في 2003م .أفاد العميد ديفيد فاستباند بأن  أحدى الفرق الأميركية (فرقة الفرسان/الأولى) خسرت لوحدها 70 دبابة خلال توليها مهاماً قتالية في بغداد طوال عام واحد في بغداد (كان أحد جنود الفرقة الذين تعرضوا لضربات المقاومة العراقية القوية هو ابن الجنرال أوديرنو الذي ضربت عجلته بمقذوف   RPG في بغداد في آب/أوغست 2004 فقد معها معظم ذراعه الأيسر).
 قال الفريق جون ساتللر قائد المارينز غربي العراق انه وبحلول أيلول/سبتمبر2004 فإن كل عجلة مرت قرب الفلوجة تعرضت لنيران المتمردين . كما ورد في احصائية رسمية أجريت أواخر صيف 2004م أفاد 76%من الجنود الذين شملهم السؤال بتعرضهم لنيران الهاونات أو الصواريخ خلال عملهم في العراق بينما كانت نسبتهم قبل عام واحد 57%فقط  .
 وبعد أكثر من عام من الاحتلال لم تعد القطعات الاميركية تتفاجأ اذا ما خاضت قتالاً ضارياً . فقد تحول الموقف في العراق الى حرب حقيقية ستدخل مساحة اضافية في الكتب التأريخية عن الحرب بما يفوق وعلى سبيل المثال حرب الخليج الثانية 1991والتي عدًت انتصاراً كبيراً في حينه والتي تبدو الأن كمجرد قتالات هامشية لحرب طويلة جداً . وفي مايس/مايو 2004 أوقعت حرب العراق حتى آنذاك خسائر بشرية لـلاميركان فاقت مجموع خسائرها في الحربين الأمرو-أسبانية عام 1812م ؛والمكسيكية .
  في 24حزيران/يونيو 2004 أوقعت المقاومة العراقية جنود رعيل من الحرس الوطني الاميركي في كمين أثناء قيامه بدورية في بعقوبة . كان المقاومون قد سيطروا على مجموعة من المباني الحكومية في مركز المدينة وقتلوا عدداً من رجال الشرطة العراقيين . تولى الملازم الثاني نيل براكاش قيادة مجموعة الأنقاذ . "جاء كابتن فاولير راكضاً بأسرع ما يستطيع قائلاً :حسناً ستذهب كل السرية الى بعقوبة، ولقد أصدرت أوامري بذلك تواً . ثم واصل ذكرياته قائلاً: حوصرت بعقوبة – مركز الشرطة ومركز العمليات العسكرية المدنية المشتركة – فقد هوجمت جميع المراكز في المدينة لذا سنذهب الى هناك. كان ملازم ثاني براكاش في الدبابة الأمامية فوقع في كمين امتد على طول كيلومتر واحد؛ فأصيبت دبابته بسبعة صواريخ RPG وعبوات لاصقة جانبية ونيران رشاشات .طيرت أحدى الضربات منظومة الملاحة من الدبابة ، وضربة حطمت مؤخرة الدبابة ولوت أحد قضبانها الى الأعلى فمنع حركة برج الدبابة من الدوران ما أجبر براكاش على تغيير اتجاه الدبابة بكاملها ليطلق نيرانه على المقاومة.
يوم سقط صدام حسين نال شعب العراق حريته. ولكن ما لم ينله شعب العراق هو الأمن والنظام العام. فقد بدأت عمليات السلب والنهب على الفور،وعند توقفها ظهرت علامات أو بدايات الاستعداد لمقاومة مسلحة . بعد أربعة أشهر من الاحتلال انفجرت أول قنبلة فقتلت أكثر من انسان واحد ، وبعد عامين  وخلال صيف 2005م نفذ الكثير من عمليات القصف والتفجير وبمعدل واحد يومياً .
 لم تقتصر أهداف التفجير على قطعات  اميركية بل شملت حتى سكان العراق المدنيين أيضاً، وأهم من ذلك شملت عناصر عراقية كان يفترض فيها بناء النظام في العراق  (رجال الشرطة). وقع أول هجوم كبير على رجال الشرطة العراقيين في تشرين1/أكتوبر 2003م؛ حين تسببت سيارة مفخخة بقتل (10) منهم  قرب مركز شرطة عراقي .وفي منتصف 2005م باتت معدلات القتلى بين الجنود و الشرطة العراقيين 10 يومياً.

السؤال الكبير

في الحقيقة وكما يوضح المسؤولون الاميركان ينحصر العنف في 4 محافظات من 18 . ولكن تلك المحافظات الأربع  تضم عاصمة العراق أي أقل قليلاً من نصف سكان العراق .
   فالحاجة الماسة الى فرض النظام وتحسين الأمن وضعتا اميركا في وضع مستحيل . فهي لا تستطيع الانسحاب بشرف من العراق واستحالة تنفيذ انسحاب بسيط كما أخلت سايكون [عام 1973] مادام قد فرض على قواتها توفير جميع الموارد البشرية ومنظومات الأسلحة والأستخبارات والاستراتيجيات المستخدمة ضد التمرد . ولكنها لا  تستطيع مواصلة البقاء والعمل في الاحياء حين أصبح بقاء قواتها عامل ارهاب وتدمير لشعب العراق ونقطة حشد وتركيز لتوحد خصومها في العراق .
كان هناك سؤال يعلو ما سواه عن السياسة الأميركية في العراق وهو: هل تستطيع اميركا تكوين وتطوير قوى الأمن العراقية في الجيش والشرطة لتوفير الأمن والنظام في العراق الجديد ؟.
 استندت سياسة أدارة بوش على قاعدة أو مقدمة تفيد بأمكانية أنجاز ذلك العمل – وانجازه في وقت مبكر، وبما يكفي لتخفيف الضغوط التي خلقها الوجود الضخم لها في العراق . تشتمل تلك الضغوط أيضا على الوجود الطويل لقواتها في الخارج ( فيما وراء البحار) وتنامي المعارضة السياسية داخل اميركا نفسها بسبب الأعباء الاقتصادية وخسائر الحرب، والاستياء في العراق بسبب بقاء القوات متعددة الجنسيات لأمد غير محدد . وهذا يفسر تكرار الرئيس بوش وكبار مسؤولي أدارته القول "كلما تقدم العراق انسحبنا نحن" .
وانقسم الرأي العام بين متطرفين متوسعين أو أقصويين Maximalists  يريدون تحويل العراق الى [جنة] ديمقراطية ، وتقليصيين ( Minimalist)  يريدون سحب القوات  بأسرع ما يمكن، وفئة ثالثة تقف في الوسط  وتطالب بانشاء قوات عسكرية عراقية خاصة وجيدة .
 فلو نجحت الولايات المتحدة بخلق وتنمية نظام سياسي كفء ومستقر في العراق، ولو نجحت بتدريب وتجهيز ودعم قوات مسلحة وشرطة للدفاع عن ذلك النظام فستحظى السياسة الأميركية بفرصة للنجاح،  و ستتمكن من سحب قواتها من العراق وهي تدرك أنها تركت وراءها شيئا قادرا على الثبات والبقاء. لكن ومالم يتحقق أحد تلك الأهداف، وبات حقيقة وواقعاً ، أي إذا استمر تخبط [ العملية] السياسة العراقية وظلت قواته العسكرية دون مستوى فصائل المتمردين وتعاني ثقل تهديداتهم – فسيعني ذلك أن الاستراتيجية الاميركية ككل فاشلة .
تصرف قادة الاحتلال الأميركي ومنذ البداية وكأن تكامل وتطور القوات العراقية عملية طبيعية . صرح وزير الدفاع دونالد رامسفيلد في تشرين الاول/أكتوبر 2003م بـأننا و"خلال الستة أشهر الأولى تقدمنا في أمر تولي العراقيين توفير الأمن لوطنهم من الصفر الى تشكيل قوة تضم ما يقرب من مئة ألف عراقي" ومضيفاً "في الحقيقة كانت العملية سريعة للغاية، وقبل أن يمضي الكثير من الوقت ستتفوق قوات الأمن العراقية عددياً على مثيلتها في اميركا، وبعدها وقبل مرور وقت طويل ستتفوق وعددياً على قوات الاتلاف مجتمعة".
 ومع نهاية 2005م فاق تعداد قوات الأمن العراقية فعلاً مجموع القوات الأميركية والبريطانية وبعض قوات الائتلاف الأخرى في العراق . إذ بلغ تعداد رجال الشرطة التابعين لوزارة الداخلية  145ألفاً اضافة الى ذلك  85 ألف جندي في الجيش العراقي زائداً قوة صغيرة من القوتين البحرية والجوية ويجب أن تكون هذه القوات جاهزة للعمل وتحت سيطرة وزارة الدفاع العراقية . ومنذ أوئل تلك السنة  خاضت القوات العراقية وفي معظم الحالات معارك الى جانب القطعات الأميركية.

الحقيقة

 ولكن معظم  التقديرات التي ظهرت في الخارج وبعيداً عن مؤسسات الادارة الأميركية لا تتفق و تقديرات رامسفيلد شديدة التفاؤل . ومرة بعد أخرى ومنذ بدء تدريب القطعات العراقية توصلت هيئات التفتيش التي أرسلها الكونغرس وديوان المحاسبات الحكومية  ومراكز البحث ( Think Tanks)، فضلا عن بعض العسكريين ممن زاروا العراق الى الاستنتاج الاتي : حالة الاستعداد لدى الكثير من الوحدات العراقية متدنية، أما درجة الولاء والمعـنويات فمشكوك فيهما،  والانقسام العرقي والمناطقي حادان وواضحان كذلك، وما يرد عن أعداد وكفاءة تلك القطعات والأفراد فمبالغ فيهما كثيراً .
  العدد وعلى أحسن الافتراضات معيار ناقص ولا يعتمد عليه . وفي مطلع عام  2004  توقف المقر الأميركي المسؤول عن تدريب العراقيين عن الاكتفاء البسيط بعدّ رؤوس منتسبي الوحدات العراقية وعدل الى تقويم  حالة الاستعداد استناداً الى معيار تصنيفي من أربعة مستويات :
 المستوى الأول : وهو الأعلى لتمييز القوات بـ "قدرات كاملة" أي القادرة على تخطيط وتنفيذ ومواصلة العمليات ضد العصابات دون  أية مساعدات مهما كان نوعها . وفي صيف 2004م قال رسميون في البنتاغون أن لدى العراق( 115) فوج جيش وشرطة منها ( 3) أفواج فقط وصلت هذا المستوى. و في أيلول/ سبتمبر 2005 خفض القائد الأميركي الأعلى  في العراق جنرال جون كيسي  هذا العدد الى فوج واحد فقط .
المستوى الثاني : وهو لتمييز الوحدات "القادرة Capable على مقاتلة المتمردين /العصابات طالما توفر القطعات الاميركية الاسناد العملياتي كـ (الاسناد الجوي الاداري، اللوجستي والاتصالات، وغيرها ). وفي صيف  2004قال جنرال المارينز بيتر بيس رئيس هيئة رئاسة الأركان المشتركة   أيامها بأن أقل من ثلث وحدات الجيش العراق فقط وصلت هذا المستوى . وحققت وحدات قليلة أخرى هذا المستوى الثاني في نهاية العام .
المستوى الثالث: وهو للوحدات بـ "قدرات جزئية" وتشمل تلك القادرة على تأمين عناصر بشرية اضافية للجهد المخطط له، يقاد ويُمون ويجهز من قبل الأميركان . ويعد باقي ثلثي وحدات الجيش العراقي ونصف وحدات الشرطة من هذا المستوى .
المستوى الرابع : الوحدات العاجزة عن المشاركة أو تقديم أية مساعدة ومهما كانت  في مقاتلة المتمردين . وضع نصف وحدات الشرطة بهذا المستوى .

 الخلاصة لو اختفت  القوات الأميركية غداً فلن يتبقى للعراق من حيث الأساس قوات أمنية مستقلة . فنصف قوات الشرطة لا قيمة له ويعتمد النصف الأخر على الدعم الخارجي تنظيمياً وتوجيهياً وللاسناد .وكان ثلثا الجيش يعتمد على مصادر الدعم الخارجي تلك، بل وحتى ثلث الجيش الآخر جيد الأعداد سيعاني الكثير من العوز والتهديدات والتحديدات دون دعم  خارجي .
  إن اللحظة التى سيرفع فيها العراقيون العبء عن كاهل القطعات الأميركية لا تلوح في الأفق .ولكي نفهم مدى وامكانية تحسن تلك المواقف فلابد أولاً من تفهم طبيعة المشاكل القائمة حتى الأن .

تحسن التدريب

 خلال صيف وأواخر عام 2005؛سألت كثيراً من الناس عن حقيقة عدم أمتلاك العراق لجيش وماهية الحقائق التي ستتوقعها الولايات المتحدة فعلياً في المستقبل .كان معظم من سألت من الأميركان، ولكني سألت كذلك خبراء عراقيين وبريطانيين واسرائيليين وفرنسيين ومن أقطار أخرى .لقد خدم معظم من سألت في مهام عسكرية سابقاً، وعين عدد كبير منهم مؤخراً لتولي مهام عسكرية فعلية في العراق كما قاتل الكثير منهم في فيتنام . أصر معظم المستمرين في الخدمة  على عدم ذكر أسمائهم .ورتب لي المكتب الصحفي للجيش لأتحدث الى الفريق ديفيد بتريوس الذي أنهى للتو عامه الأول كقائد للمهام التدريبية في العراق قبيل استبداله بجنرال آخر من الجيش هو اللواء مارتن ديمبسي .ولكنهم رفضوا السماح بمقابلة الجنرال بول أيتون أو  غيرهم ممن شاركوا في برامج التدريب خلال الشهور الأول من الاحتلال  أو مع صغار الرتب من الضباط وضباط الصف الذين رغب كثيرون منهم على أية حال  بالتحدث معي أو الكتابة الي .
وما سمعته يرقى الى ما ياتي : توصلت الولايات المتحدة الى مقترب أفضل لتدريب القطعات العراقية . وفي أوائل 2005م  بدأت بضخ المزيد من الأموال ومزيد من أفضل عناصرها لمهام التدريب المطروحة فكانت النتيجة هي : زيادة في عدد الوحدات الكفء في العمليات وفشل وتفكك وهرب قليل من الوحدات . في عام 2004 وأبان معارك المقاومة الكبرى في الفلوجة والموصل ومناطق أخرى فإن نسبة كبيرة من الجنود والشرطة العراقيين ممن كان يفترض خوضهم القتال الى جانب القوات الاميركية فروا من الميدان حال بدء القتال . لكن ومنذ انتخابات كانون الثاني /يناير2005م وكما أخبرني جنرال بتريوس "لم تتفتت أية وحدة عراقية كما لم تسجل حالة هروب واحدة من مراكز الشرطة"، وواصل طالبو التجنيد من العراقيين مراجعة مراكز التطوع للجيش والشرطة رغم أن الخدمة في هاتين القوتين باتت أشد خطورة .

مشاكل جديدة

   لكن ومع تحسن التدريب وتزايد أعداد [المتطوعين] تصاعدت من جهة أخرى المشاكل التي تسببها المقاومة العراقية – بل وتفاقم  هذا التردي بسرع وبنسب فاقت نسب ومعدلات التحسن في القوات العراقية. ولو قسنا الحال بمعيار : ما المطلوب كي يتولى العراقيون المسؤولية الأمنية الكاملة في بلادهم فستخسر اميركا  والحكومة العراقية الرهان  في الظروف الحالية . فبدون تحولات دراماتيكية وجذرية في أنشطة المقاومة وفي الجهد الأميركي، وحل الخلافات السياسية في العراق ، فستتدنى  خيارات اميركا للأسوأ . و اليكم جرعة عما يثير القلق :
  "لن يسمح الموقف الحالي أبداً بانشاء قوات أمنية عراقية" هذا ما كتبه لي ضابط شاب من سلاح المارينز ولم يسمح لي بذكر اسمه في بريد الكتروني بعد عودته من العراق هذا الصيف ، قال ايضا "نحن وبكل بساطة لا نملك مايكفي من الناس لتدريب القطعات العراقية . ولو نقلنا بعض العناصر من القوات المقاتلة الأمنية الى مهام التدريب فسنزود القوات الأمنية العراقية  بمزيد من المجندين الجدد في موقف تتفاقم فيه الأحوال من سيئ الى أشد سوءا" .
   عبرت أعداد متزايدة من ضباط وعساكر الجيش الاميركي  الذين عادوا من المنطقة عن قلقها من أن الجيش العراقي الوليد سيتفتت لو انسحبت القوات في المستقبل المنظور- قالت أيلين كروسمان ممثلة احدى شبكات الأنباء جيدة الصلات داخل البنتاغون في أيلول/سبتمبر. كما أخبرني أحمد .أس .هاشم في  رسالة الكترونية بأن "الطاقم الاميركي التدريبي بذل جهداً بطولياً وحقق بعض النجاحات مع بعض الوحدات" مضيفا "ولكن القوات العراقية تشبه ثقبا فضائيا أسود . فأنت تضع الكثير ولكن لا تحصل الا على القليل" .
 وأرسل أحد المدنيين من بغداد رسالة هو الآخر قال فيها "علي اخبارك بأن الفساد يقرض هذا الجهد المبذول في التصدي/ للمتمردين" . وكان المال المخصص لتدريب عناصر جديدة يتسرب الى المتمردين ، مؤكداً  بأن "الضباط العراقيين الذين يعرفون بذلك عاجزون عن ايقافه بسبب فساد وارتشاء الوزراء ومساعديهم".
  قال لي ضابط أميركي برتبة مقدم يخدم أيامها في العراق مفضلاً عدم ذكر اسمه: "في الموقف و المسارين الحاضرين أمامنا خياران ، الأول أن نخسر ويندحر جيشنا، والثاني أن نخسر فقط " وواصل الحديث قائلاً : بأن كلا الخيارين غير مقبولين، الأمر الذي يؤكد - و حسب اعتقاده - الحاجة الملحة لتغيير سريع . وقصد بـ "اندحار جيشنا" أن اميركا كما بعد حربيها في كوريا وفيتنام ستحتاج لسنوات للتخلص من الضغوط والمعاناة في :العـنصر البشري والمعدات ، وأهم من كل ذلك بعد معنويات ومعاناة من بقوا في العراق .
 وما من شك بأن جنرال الجيش المتقاعد باري ماكفّراي تذكر تلك المخاطر عند تحدثه لمجلة تايمزأوائل 2005 قائلا أن "جيش U.S سيفقد توازنه في الـ 24 شهراً القادمة" لو بقي في العراق" . والـ ( خسارة Losing) في العراق تعني : الفشل بدحر المقاومة العنيفة ، ويعني استمرار التمرد . وبنظر محدثي المقدم  عاجلاً أو آجلاً يتشظى العراق ويتعرض لحرب أهلية دامية ما سيؤدي وبالمقابل الى نظام يكون أشد عداءً من الناحية العملية لأميركا مما كان عليه صدام حسين بكثير ، كما قد تتحول في العقد القادم الى ما تمثله طالبان في تسعينيات القرن الماضي في أفغانستان، أي حاضنة وملاذا للقاعدة ومن معها من ارهابيين". "في فيتنام خسرنا فقط"  يواصل المقدم الأميركي قائلاً "أما في العراق فالخسارة ستؤدي الى ما بعدها  .
أما قصة تطور الأحداث في العراق وكيف سارت أو كيف خطط لها فلن تعرف أو تتضح تفاصيلها الا بعد سنوات. لكن استناداً الى ما بات معروفاً حتى الآن فإن الوضع البائس والكئيب اليوم هو صورة  ما تجمع في الأعمال الثلاثة الأولى من تراجيديا سنوات الاحتلال الثلاث الأولى .
كان العمل الأول  Act: ورطة تجاهل الحقائق والوهم .وسيحتاج الأميركان والعراقيون الى سنوات للاستفاقة من اثار قرارات أتخذت [ونفٌذت] و قرارات أخرى أهملت أو لم تتخذ قبل وبعد انطلاق التمرد، وخلال عام الاحتلال الأول .
العمل الثاني : ويشمل ما بين المقترب (النهج) التجريبي والتحدي القوي والتردي البالغ السوء و السريع  خلال العام الثاني للاحتلال. ونعيش الآن ( 2006م)  مرحلة العمل الثالث : حيث بدأ الأميركان والعراقيون بإصلاح أخطائهم الأولى ولكن ببطء وبعد فوات الآوان .
أما عن العمل الرابع  : فيجب أن تزال فيه ومن خلاله جميع الضغوط والتوترات التي خلقت في الأعمال الثلاثة السابقة .


يتبع .........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالإثنين يوليو 06 2015, 23:37

الحلقه 13 

"كــان من المعروف جداً ما الذي سيحدث في مجتمع محكوم بنظام عسكري متسلط  بقوة حال سقوطه" قــال أنتوني كروسمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن والذي أعد سلسلة من التقارير المحكمة الاعداد عن المؤسسة العسكرية العر اقية الجديدة والمتيسرة على موقع المركز المذكور (  CSIS Web site)، ومضيفاً  "اختارت اميركا تجاهل تلك الاشارات بكل عناد".

ولإيضاح الفشل والتخبطات الأولى ركز كروسمان على العوامل المشتركة والتي باتت مألوفة وهي :
 أ- التوقع اللامعقول باطالة فترة ترحيب العراقيين بالقوات الأجنبية .
 ب- التمسك بقوة بقرار خفض أعداد جيش الغزو .
ج- قلة الاستعدادات لتعقيدات مرحلة ما بعد الحرب وغيرها .

خمس سنوات ضاعت

نشر صدام حسين قبل الغزو نصف مليون جندي وشرطي على الأقل لكبح وضبط الأوضاع في العراق . بينما غزاه ثلث ذلك العدد، ولجهل جميع قوات الغزو تقريباً التحدث بالعربية لم يدركوا الا نادراً أية تحولات في المزاج العراقي أو كيفية احداث أية تأثيرات فيهم خارج نطاق القوة والعنف .
كما قادت تفسيرات أولى مشكلات التدريب الى  توجهات ونهايات غير مألوفة . وقد تبنى احدى وجهات  النظر عن سبب تردي الأمور سريعاً كل من  أحمد الجلبي زعيم  المؤتمر الوطني العراقي ومناصرو الحرب من بعض الأميركان المتنفذين مثل رئيس CIA السابق جيمس ووسلي ، وريشارد بيرل الرئيس السابق لمجلس السياسة الدفاعية [في البنتاغون].
 وقد قال لي جيمس ووسلي "وجهة نظري صريحة للغاية"، ومتابعاً " لقد ضيعنا خمس سنين بفضل الخارجية الأميركية و CIA" - ويقصد السنوات من 1998حين وافق الكونغرس ووقع الرئيس كلنتون على قانون تحرير العراق الذي يدعم تغيير النظام العراقي والى عام 2003م حين دخلت القوات الاميركية بغداد. وفر القانون آنف الذكر مبلغ 97 مليون دولار لتسليح وتدريب قوات من مهاجرين عراقيين .ويتابع وليم ووسلي القول "ما كنا نحتاجه هو استخدام بعض تلك الأموال لتدريب وحدات كردية وشيعية لتقاتل معنا كما فعلت قوات فرنسا الحرة عام 1944م". وأضاف  وليم ووسلي بأن الحجة الرئيسة المضادة هي أن جيشاً غازيا من كرد وشيعة سيجعل التعامل مع السنة بعد سقوط صدام أكثر صعوبة .
هناك وجهة نظر أخرى تمسك بها وبشدة أخرون من مؤيدي الحرب الأوائل ضمن ادارة بوش .و بعض هؤلاء الأعضاء السابقين في ادارة بوش أبلغوني خلال مناقشاتي لهم بأنهم مستاؤون حقاً بسبب فشل استخباري واحد فقط . وهم ليسوا قلقين ولا مهتمين بخصوص  خزين "أسلحة الدمار الشامل" في العراق بالذات. فوكالات استخبارات العالم الأخرى تقع في أخطاء أيضاً. قال لي من ناقشتهم  بأن صدام واصل على أية حال محاولاته لبناء أسلحة الدمار الشامل . ولكن ما يقلقهم هو عدم ادراكهم مسبقاً بأن صدام خطط وطوال الوقت لحل أو تذويب جيشه أي أن تختفي وتتفكك قواته حال سيطرة الأميركان على بغداد ليعودوا من جديد كقوة عصابات. كانت الحرب على صدام وفق وجهة النظر هذه لها عواقب وخيمة ومستمرة ،أما القوات العراقية الجديدة فتتطور بأسرع أو أبطأ ما يمكن وبقدر ما يستطيع أي كان أن يتصور .
ولكن وجهة النظر التي قبلت عموماً بين العسكريين هي : أن مخططي الحرب من عسكريين ومدنيين قبلوا ودون نقاش بأن تحولات  ما بعد الحرب مسائل بديهية، ثم وفجأة اتخذوا قراراً كارثياً بحل وصرف جميع عناصر الجيش العراقي، ثم إنشغلوا بأمور طارئة وملحة أخرى وحتى تقليدية وروتينية للتفكير بجدية حول [ تشكيل ] جيش عراقي جديد .
تساءل الفريق جيم ماتيس الذي قاد فرقة المارينز الأولى في الهجوم على العراق ’’ لو أعددنا زمر تدريب، وكانت جاهزة لدخول العراق نفس يوم اجتيازنا حدوده ‘‘ . ، ومتابعاً "للعسكريين بطبيعة الحال واجب واحد في موقف كهذا وهو توفير الأمن للسكان المحليين . إنها الستار والحجة التي يمكن أن يجري ويحدث خلفها وباسمها أي شيء . لقد حاجج الجنرال ماتيس قبيل الحرب بضرورة تهيئة مجموعات استشارية مدنية وحاضرة لتتدفق داخل العراق كــ : رؤساء اداريين Mayors من أميركا الشمالية وأوربا للعمل سوية مع أقرانهم العراقيين، وقادة شرطة مع أمثالهم ،على أن يسعى الجميع لهدف واحد هو : تهيئة كوادر مدنية لتأمين النظام والانضباط . "ولكنا لم نفعل ذلك فكان أقسى ما عملنا جميعاً هو فقدان الأمن".

خطة كارنر

اقترح العديدون حذف الكثير مما ورد في الاستعدادات للحرب .ولكن أمراً واحداً على الأقل من بين خطوات التحول لم يعط ما يستحق من الاهتمام وهو: كيفية التعامل مع القوات المسلحة العراقية حال استسلامها أو اندحارها. ولسوء الحظ تجاهلوا هذا الأمر أو تعذر تنفيذه .
بعد سوء استخدام صدام حسين للجيش العراقي لسنوات عانى هذا الجيش مشكلات كبيرة، كانهيار المعنويات وتفشي الفساد، معدات قديمة وبالية، قسوة ووحشية . لكن بلغ تعداد الجيش النظامي 400ألف جندي، فلو استخدمت أية نسبة منه لخفف ذلك عن الأميركان .
خول الكونغرس أواخر عام 2002م بوش بالحرب اذا اقتضت الضرورة ذلك ، وبدأ جنرال الجيش  المتقاعد جي كارنر التفكير بكيفية استخدام أعداد من الجنود العراقيين اذا اندلعت الحرب ليغدو أول نائب –ملك Viceroy أميركي في العراق . كان كارنر هذا قد أشرف على المنطقة الكردية بعد حرب الخليج الثانيه  فطالب بدمج أكبر عدد ممكن من ضباط صف وجنود الجيش العراقي مع قوات الاحتلال .الا أن اقصاء جميع عناصر القيادة [أي جميع الضباط العراقيين] مسألة أكثر تعقيداً مما كان عليه الحال في حالات سابقة كما جرى مع اليابانيين والألمان بعد الحرب العالمية الثانية. ففي العراق يوجد أكثر من 10آلاف جنرال ! (تمتلك اميركا نفس أعداد القوات المسلحة العراقية لكن مع 300 جنرال ) .ألا أن ضابطاً كبيراً ممن ساهموا بقوة في اعداد الخطط  أخبرني بـ  "الفكرة الأكثر تقبلاً هي ابقاء القطعات العراقية في مواقعها السابقة ثم محاولة اشراكهم لانجاز الأشغال العامة واعادة البناء لا العكس كالتخلي عنهم نهائياً". وتابع الضابط الكبير قائلاً: "أما مزايا استخدامه فهي أنهم منظمون ولديهم أجهزة و معدات وعلى الأخص وسائط [عجلات صغيرة كالجيب (واز) والشاحنات ] التي تمكنهم من التنقل من مكان الى أخر .و لديهم منشآت جاهزة. ولكن كل هذه المزايا تتلاشى أمام محاذير ابقائهم" .
 حاول جنرال كارنر تفعيل خطة الاستفادة من عناصر الجيش العراقي حال وصوله بغداد في أبريل/نيسان 2003م. ولقد أخبرني مؤخراً أنه لم يجد سوى اشارات ودلائل قليلة عن الجيش العراقي القديم عند وصوله، وتابع،  لكنا بدأنا بعمليات جس نبض وارسلنا بعضهم لهذا الغرض ثم تلقينا الكثير من الاستجابات .وعثرنا على ضابطين قالا لي "بوسعنا اعادة تلك الفرقة .ثم بدأنا بحوارات ومناقشات".

قرار حل الجيش العراقي 

ثم  وفي 23مايس/أيار جاءنا القرار الذي سيظل يثير الكثير من الجدل لسنوات وهو: قرار سلطة الائتلاف الرقم -2 بحل الجيش العراقي وارسال جميع منتسبيه وبكل بساطة الى بيوتهم دون صرف أية مستحقات مالية .
إن ( والتر سلوكومب) هو من يتحمل جريرة فكرة حل الجيش صيف ذلك العام . كان هذا أبان عهد كلينتون بمنصب وكيل وزير البنتاغون للسياسة وهو المنصب الذي شغله فيما بعد دوكلاس فيث . ثم وبعد شهر من سقوط بغداد ذهب سلوكومب هذا الى المنطقة الخضراء كمستشار أمني لبول بريمر الذي حل للتو مكان جنرال جي كارنر ؛كأعلى موظف مدني اميركي .

لقد تبنى  (والتر سلوكومب ) عند وصوله بغداد فكرة أن على سلطة الائتلاف مواجهة الواقع والاقرار بأن الجيش العراقي قد اختفى (أو حلّ نفسه ) . وقال: لا وجود فعلي لأية قوة عراقية لـ "حلها"، ومتابعاً "وما من طريقة عملية أفضل ولا أسرع  لتفكيك أية قوة، فقد دمرت جميع معدات ومؤسسات الجيش وذهب المجندون الى بيوتهم ولم يعودوا" . لقد وافق رسميو ادارة بوش الذين أمروا الجنرال كارنر أولاً على اعادة تشكيل الجيش ولكنهم وفي النهاية وافقوا سلوكومب على فكرته : الجوانب السلبية وما شاب سمعة القوات المسلحة من فساد ووحشية كانت حية بعد كما لم تبق من محاسن ومزايا لها . وتابع المسؤول الكبير في وضع وتصميم الخطط القول "فضاعت بالتالي جميع المزايا والحسنات ، الجنود، التشكيلات، الانضباط ،وسائل النقل العسكرية".

آراء بشأن حل الجيش

تظل المناقشة حول ذلك القرار مريرة ولكنها تتركز كما يدعي سلوكومب  حول نقطتين : قرار الحل نفسه وفيما اذا استطاع المسؤولون الأميركان العثور على طريقة لتجنب تحول مئات الألوف من الجنود الى مجموعات (فصائل ) مقاومة مسلحة وحاقدة .وقال لي باراك سالموني من وحدة تدريب وتثقيف المارينز "دعني أؤكد لك بأنه كان يمكن الوصول الى ترضية أو حل ما وتفعيله لو قدمواعروضاً بالدولار.فحتى لو اردنا حل الجيش فقد كان بوسعنا الا ندفعهم الى معاداتنا" - لأننا وبشكل خاص أوقفنا مخصصاتهم . وبعد أسابيع من ذلك أعلن الأميركان عزمهم اعادة صرف بعض المعاشات والاعانات ولكن جاء ذلك متأخراً وبعد فوات الآوان وبعد وقوع المحذور.
لقد فوجئ الجنرال كارنر بالقرار ؛وقد أوضح رأيه وبصراحة بأنه قرار خاطئ .ولقد سألته عما يتكرر تداوله عن عدم وجود مواقع ومعسكرات لايواء القطعات العراقية بعد تدمير ونهب الثكنات و المعسكرات  فقال ’’ كان بوسعنا إسكانهم في عنابر وقاعات [وخيم] كما كانت قطعاتنا نفسها" .  
أما أشد الانتقادات للدمار الذي سببه القرار فقد جاء من (بول هوجس) وكان أيامها عقيداً في الجيش ويعمل ضمن أركان جنرال كارنر . ويتذكر عقيد هوجس هذا "أن أحداً لم يستشر جنرال كارنر أو يستشره هو نفسه عن الحكمة وراء قرار حل الجيش". كان العقيد هوجس الوحيد من ادارة الجنرال كارنر الذي تحدث مع بعض عناص الجيش العراقي حول  شروط وظروف اعادتهم الى الخدمة .وفي يوم صدور قرار الحل كان أكثر من 100ألف جندي عراقي قد سلموا طلبات عودتهم مقابل اعانة طوارئ شهرية قدرها 20$ أميركي تصرف لهم من حسابات صدام .
يؤكد عقيد هوجس أنه "لم يكن ينوي اعادة  تفعيل أو تأهيل الجيش العراقي" ومتابعاً "وكلما سألني ضباط عراقيون إن كانوا يستطيعون اعادة تنظيم وحداتهم كنت صريحاً ومباشراً معهم وأنهم إن فعلوا ذلك فستهاجم تلك الوحدات وتدمر . فما أردناه وعلى وجه الدقة هي عملية تسجيل الـ 100ألف جندي تحت سيطرة سلطة الائتلاف وأخبارنا بما يعرفونه وتسلم مخصصاتهم ثم الالتحاق بالمواقع التي سيخصصون لها .الا أن قرار الحل الرقم -2 أوقف كل تحرك الى الأمام وكأن لم يكن للقوات العراقية من وجود .ومازال قرار (والتر سلوكومب) بصرف 20$ [ لكل مجند/عامل ] يرن في راسي فـ "نحن لا ندفع  للجيوش [المعادية ] بل ندحرها" . لقد أبلغني أصدقائي من العراقيين أن قرار حل الجيش هذا هو الذي أثار الحماس الوطني للالتحاق بصفوف المقاومة الوليدة .فقد بدأنا بالاعلان عن أنفسنا كمحررين ثم تحولنا في تعاملنا مع هذا الشعب الى أقل مايقال فيه أنه قوة او شيء أخر [غازٍ ومحتل ]".

التناقض الكبير

ستستمر المناقشات طويلاً . لكن حول ما حدث بعد ذلك لا يختلف فيه اثنان .فبعد أن قضينا على قوى الأمن العراقية لم نيسر سوى قوات احتلال أقل حتى مما كان لدينا في عمليات احتلال سابقة في البلقان والمانيا واليابان وكلها تؤكد الحاجة الى حجم أكبر من القوات لبلاد بهذه السعة. أضاع الأميركان الأشهر الـ6 الأولى، وحين بدؤوا التفكير بجدية باعادة تشكيل القوات المسلحة والشرطة كانت المقاومة العراقية قد تجاوزت مراحل العمل الأولى، كما تزايدت وخامة تحديات تهدئة الأوضاع المتفجرة في العراق.
 
لم نجد ولا تفسيرا واحدا وشاملا لتحديد مواطن الخطأ . فبعد التوتر الذي قاد الى الحرب أولاً والى تحقيق نصر لامع وسريع على المستوى السياسي الأمر الذي دفع بالقادة العسكريين الذين كانوا معنيين بالغزو الى تقليل اهتمامهم أو على الأقل فتر حماسهم بعد ما حققوا غاياتهم.
 قال  فيكتور أوريللي الذي نشر الكثير من الكتابات عن العسكريين الاميركيين :" فحال سقوط بغداد ابعد الجنرالات ممن تحدثت معهم هذا الرأي حتى الجنرال توم فرانكس الذي شغل منصب قائد القيادة المركزية إبان الحرب وقاد غزو العراق.
 لم يوافق الجنرال فرانكس هذا على لقائي به ولم يرد حتى على رسائلي التي بعثتها على بريده الألكتروني التي أرسلتها الى موقعه الذي خصصه لمراسلاته  التجارية. وعلى العكس سنجد أن أبرز مظاهر أو ما بعد الحرب و طوال الأشهر الستة الأولى هي الفوضى العارمة وعمليات النهب المروعة التي عمت العراق . لقد أتعست عمليات هذه الحياة اليومية العادية ولاسيما في بغداد وجعلت عمليات استعادة الأمن أو فرض الضبط أمراً مستحيلاً على القوات الاميركية أو على القوات العراقية التي ستتولى ذلك.
 ومن ناحية أخرى تجاهل القادة السياسيون والعسكريون تلك المآسي ولم يعدوها شيئاً عاجلاً وخطراً وجب ملاحظتها ، ولم تتدخل القوات الاميركية لوقفها الا بعد اسابيع.

التمرد (المقاومة)

في يونيو/حزيران 2003؛وبعد توقف أو زوال عمليات النهب ظهرت أول بوادر التمرد، فأرسل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن CSIS مجموعة من الخبراء الذين سبق لهم العمل في حالات احتلال سابقة . لقد أرعبهم ما شاهدوه، وذكروا في أحد تقاريرهم "هناك احساس عام بالتردي المتواصل والسريع نحو الأسوأ في الموقف الأمني في بغداد والموصل وفي كل مكان آخر في العراق". ثم يؤكد التقرير: "عملياً وبالمعنى الحرفي للكلمة أكد جميع من تحدثنا اليهم من عراقيين ومعظم من التقينا من رجال ونساء السلطة الوقتية CPA ورسميي سلطة الائتلاف من مدنيين وعسكريين، كذلك معظم من تحدثنا معهم من  المقاولين الأجانب.. أكدوا لنا جميعا بأن فقدان الأمن العام كان هاجسهم الأول .
 وقد لاحظت زمرة المراقبين تلك أن حوالي خمسة آلاف من القطعات الأميركية قد عطلت عن العمل وكلفت بحراسة بعض المباني في بغداد وحوالي فوجين ونصف أخر أي أكثر من ألف جندي آخرين لحراسة المقرات الأميركية فقط .

قال أنثوني كروسمان من  CSIS بعدم وجود قرار واضح ومؤكد عن تأخير أو تجاهل التدريب ، بل وعلى العكس فقد بدا وطوال الأشهر الأولى للاحتلال أن هناك قضايا وأهدافا أخرى أكثر الحاحاً أو أهمية تشغلهم . خلال الأشهر الستة الأولى كان اعتقال صدام حسين هو الخطوة الأكثر أهمية لإنهاء المقاومة . وقد قتل ولداه عدي وقصي في تموز/2003 واعتقل هو بعدهما في كانون الاول ومع ذلك تواصلت وتزايدت المقاومة . واستمرت طوال ذلك عمليات اعتقال وحجز الناس أفراداً ومجموعات والتحقيق معهم وباساليب وحشية كتحطيم ابواب دور المشتبه بهم وتحطيم وبعثرة مقتنياتهم الأمر الذي عزز وضاعف كراهية العراقيين للوجود الأميركي .
 لقد أخبرني فيكتور أوريللي بأن "عمليات البحث عن واعتقال صدام حسين قد فرضت نفسها على كل شيء غيره" ثم متابعاً "أعتقد شخصياً أن التمرد كان ثمرة أو نتيجة اجراءات المحتل وأساليبه التي مارسها خلال البحث عن صدام حسين. ولا ننس أن الجنرالات الطموحين قد أشاعوا نهجاً يعتمد على قاعدة بسيطة هي :إفعل ما تراه ضرورياً .وليس من المستغرب أن يرتكب [ الضباط  وضباط الصف والجنود ]المرتبكون وممن لا يحسنون لغة العراقيين والحيارى بفهم ما يجري الكثير من الأخطاء. وفي مجتمع عشائري حين تطلق الرصاص على شخص واحد فإن الحدث سينتشر كالهشيم بين العشائر".
أما البحث عن أسلحة الدمار الشامل ؛فقد تولته نفس القطعات التي تولت البحث عن صدام حسين وعديمة أو قليلة الخبرات والعاجزة هي الأخرى عن تفهم ما يجري حولها والتي انتهت الى نفس النتائج الخائبة .أما المستويات الدنيا من الجنود والمارينز الذين قابلتهم فقد أكدوا وبشكل متواصل المصاعب التي سببها عجزهم اللغوي .ولقلة أعداد ما لديهم من مترجمين فقد اضطروا للاعتماد على حدسهم في تفهم مالديهم من أوامر وتوجيهات وعلى الاشارات ولغة الجسد .وكانت النتيجة المحتومة هي أن الجنود  كانوا صماً وعميا لمعظم ماكان يجري حولهم مما حير العراقيين معظم الوقت.

مخاوف ومشكلات

أكد جنرال ماتيس لجنوده مراراً وتكراراً بعدم اخافة السكان المدنيين كي لا يحولهم الى أعداء. وقد أخبرني هذا الجنرال "بدلاً من التركيز على الأمن حاولنا الحصول على جلب أنابيب النفط واعادة تشغيل محطات الطاقة الكهربائية والبحث عمن نثق بهم من المهندسين مادام بعضهم يكرهنا بقوة حد القيام بأعمال تخريب، الأمر سيستغرق الكثير من الوقت".
 
وحيثما فكر الأميركان بالجيش العراقي الجديد غالباً يبدؤون بالتحدث عن مخاوفهم كأن يغدو جيشاً قوياً جداً وسريعاً. قال تي .أكس .هامزز مؤلف كتاب ( The Sling & the Stone)  الرافعة والصخرة ؛  والذي كان أيامها عقيد مارينز "يفترض الجميع ان السلام سيسود في العراق" ومتابعاً "لذا كان الاهتمام الأكبر هو التأكيد لجميع جيران العراق بأن العراق لن يشكل تهديداً لأحد. واحدى طرق تحقيق ذلك هي :بانشاء [وحدات] مشاة آلي دون منظومة اسناد اداري (لوجستي )" ويعني هذا جيشاً عاجزا عن شن أية عمليات تعرضية واسعة النطاق . وجيش كهذا قد يبعث الطمأنينة في سوريا وايران لكنه لن يوفر ما يكفي الأمن الداخلي، كما لن يكون مستعداً ولا جاهزاً لتنفيذ عمليات مكافحة التمرد داخلياً .
كان تدريب الشرطة تحدياً لا يقل حجماً وتأثيراً عن تدريب الجيش. قال جنرال ماتيس "لا يمكن تصور وجود قوة شرطة غير فاسدة في كل العراق". ولتعقيد الأمر أكثر وليزداد سوءا فإن جهود التدريب بدأت حين كانت مراكز الشرطة عرضة لهجمات فصائل (المقاومة) ومدافعها وقاذفاتها . وقد قال لي معظم من تحدثت اليهم تقريباً من عسكريين ومدنيين أن المبادرات الرسمية وغير الرسمية بين العسكريين جعلت تدريب القوات العراقية كعمل من الدرجة الثانية.  
لكن كان هناك استثناء، فقد واصل منتسبو البيريات الخضر والقوات الخاصة المعروفة بقدراتها المذهلة على تحويل أبسط العناصر وحتى الدهماء في الجيوش الأجنبية الى وحدات مقاتلين أشداء، ولكن لم يتيسر ما يكفي من وحدات القوات الخاصة لتنفيذ مهامها تلك ، كما لم يكن المتيسرون من عناصر الجيش والمارينز بنفس الحماس والاخلاص فيما يخص تدريب المكلفين الذين جاؤوا للخدمة في الجيش العراقي . وعلى الأخص يجب ألا ننس أن مهام التدريب  في البداية أنيطت باناس عاجزين عن اتقان موضوعات وفنون القتال وكان معظمهم من عناصر احتياط الحرس الوطني .


يتبع ........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالإثنين يوليو 06 2015, 23:54

الحلقه 14 

كانت الولايات المتحدة قد خسرت في اواخر 2003م الوقت كما غيرت هيئتها من محرر الى محتل. ولكن الادارة الأميركية قد أقرت في بياناتها الرسمية وتوجيهاتها الداخلية بأنها تواجه الأن مقاومة أصيلة – مقاومة يمكن أن تتزايد في قوتها – ولا تواجه بقايا النظام القديم الذين ستتضاءل قوتهم تلقائيا بعد اعتقال قادتهم وقتلهم .
 في 16يونيو/حزيران كان الجنرال أبي زيد الذي تسلم قيادة المنطقة المركزية من جنرال تومي فرانكس أول مسؤول أميركي كبير أقر بأن  قواته تواجه الآن عمليات "حرب عصابات".


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



 وبعد يومين وفي افادة له أمام الكونغرس بدا وكأن بول وولفتز وكيل وزير الدفاع  يقر مصطلح الجنرال أبي زيد فقال "تنشب هناك الآن حرب عصابات ولكنا ..سنربحها". وفي 30 حزيران صحح رامسفيلد قوليهما: "ما يجري هناك لا يشبه ولا ينطبق عليه توصيف حرب عصابات أو مقاومة منظمة" بعد يومين من ذلك صرح الرئيس بوش في خطابه في البيت الأبيض قائلاً أن بعض الناس يشعرون بأن الظروف في العراق "توحي بأنهم قادرون على مهاجمتنا هناك . وجوابي لهم : إذاً أسكتوهم". الا أن المقاومة كانت تزداد[ حدة ] ومن سيئ الى  أسوأ .

قضية التدريب

سرعان ما ارتفعت مسألة تدريب القوات العراقية على الأوليات . كما أرسل جنرال الجيش كارل أيكنبيري الى العراق  فهو الذي تولى تدريب القوات الأفغانية بعد سقوط نظام طالبان ليحدد مواضع الخطل . تزايد تكرار منظمي الاجازات في البنتاغون الأشارة الى الجهود المبذولة لانشاء جيش عراقي جديد.
 وفي بداية عام 2004/كانت ادارة بوش قد اقرت انفاق المزيد من الأموال على تدريب القطعات ولجعل العملية برمتها جزءا من مهام الجيش الاميركي في العراق.عند ذلك فقط فرضت الحقيقة نفسها وظهر مدى صعوبة هذا العمل .
أبلغني أحد موظفي الكونغرس ممن سبق لهم السفر كثيراً الى أفغانستان بعد 11/9 بأن "التدريب لا يعني فقط كيف تطلق نيران مسدس أو مدفع" ثم متابعاً "ذلك يمثل جزءا من التدريب فقط ". وفي الحقيقة فإن التعود على استخدام السلاح واستعماله يشكلان شيئاً أساسياً في الأماكن التي يتفوق فيها العراقيون على الأميركان عدديا . حاولت سلطة CPA فرض قانون يمنع استخدام السلاح والسماح ببندقية كلاشينكوف AK-47 واحدة لكل بيت بوجه قناعات عامة بضرورة الاحتفاظ ببندقيتين واحدة للبيت وأخرى في الترحال .

أكد لي جميع من سألتهم أن ما جرى ليس تدريباً على تعلم مهارات خاصة بل لا  يزيد عن العبث السخيف وتمضية وقت. فالهدف الحقيقي لتحويل الرجال المدنيين الى جنود تبدأ من الفرد الواحد الى تدريب زمرة صغيرة يتبادل أفرادها ثقة متبادلة حتى الموت ، ثم الى تشكيل وحدات مختلطة تعمل بتنسيق وانسجام وليس بشكل قد يؤدي بهم تبادل اطلاق النار على بعضهم البعض، والى مستوى أعلى يتبلور أو يتحقق فيه مفهوم قوة عسكرية أو بوليس تختلف تماماً عن زمر وعصابات الارهاب.

التحديات

قال جنرال جي كارنر أن "القسم السهل هو التدريب الفردي". ثم متابعاً "أما القسم الصعب فهو التدريب الجماعي الاجمالي CollectiveTraining. حتى لو أنجزت كل ذلك جيداً يظل العمل الأصعب فعلاً هو في ادارة جيش بكامله. فعليك تجهيزه أي تجهيز كل الوحدات في آن واحد . وعليك دفع مستحقاتهم في الوقت المحدد. كما يحتاجون لثلاث وجبات طعام يومياً وأماكن للنوم، ووقود . ويبدو كل ذلك سهلا ويسيرا لكنه بغاية الصعوبة. وإن كنت لا  تمتلك  كل ذلك فهذا يعطل عمل الجيش" .  
 
واجه معلمو التدريب مصاعب وتحديات هائلة وبطرق ومواقف عديدة . لقد خلّف  صدام حسين وراءه تركة تشكل وحدها معضلة كبيرة. فقد نمّا وشجّع بناء مجتمع شبه عسكري يتمتع فيه الجنرالات والضباط بامتيازات باذخة كالطفيليات على حافات النظام، أما الجنود فكانوا وقود وحطب المدافع، اما ضباط الصف – كالعرفاء الذين يشكلون العصب الحيوي للجيش الاميركي، فليسوا أكثر من كميات مهملة لا يذكرها أحد . وبهذا الصدد قال لي رائد الجيش بوب باتمان: "حاولنا خلق منظمة ضباط صف محترفين فلا يوجد شيء كهذا في كل المنطقة . ولا في الوحدات النظامية ولا في الشرطة ولا في [ القوات ] العسكرية" .
كانت الانقاسامات العشائرية والعنصرية معضلتين كبيرتين . وخلال نصف حواراتي تكرر سمعي لصيغ عديدة للمثل العربي القائل "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب . وقد أكد لي تي. أكس .هامز بان "ما يخلق التلاحم في الجيش هي الثقة" ومضيفاً "وما نجده هنا مجتمع لا يستند الى الثقة". كما أرسل لي ضابط مارينز شاب في رسالة الكترونية قائلاً: "وبسبب قيام صدام بقتلهم وتعذيبهم كيفما شاء لم يتبق في العراق ما يكفي من أبناء المرحلة العمرية 18-35 عاماً الا القليل  من الرجال الصالحين والمؤهلين صحياً وعقلياً ومؤهلين للخدمة، ومن تتوفر فيهم تلك الصفات. وفي معظم الحالات يضمرون حقداً ممضاً لأقرانهم من قوميات وأديان [مذاهب] أخرى".

ومفهوم وتقاليد العراقيين في التعامل مع السلاح لا تعدو يا للغرابة ميزة بل وعلى العكس معضلة أخرى. فقد تسببت بخلق أو بظهور عصابات لا قطعات منظمة. وقد أبلغني خبير بأن من "السهل أن تكون مسلحاً لكن من الصعب أن تكون جندياً" ثم متابعاً "فإن كنت مسلحاً فليس مهماً أن تطلق النار بصورة صحيحة. وبوسعك اطلاق النار بالاتجاه العام كالآخرين، وسيمكن معالجة ذلك بطريقة ما" .لقد كرر أمامي العديد من معلمي السلاح عادة العراقيين بتكرار القول "إن شاء الله سأرمي" أو ما يعرف بالاصابة المباشرة (الطلقة الذهبية) للرامي الممتاز . و أكد لي ضابط ما زال يخدم في بغداد "غالباً مايكررون تلك الحكم والعبارات عند توجيه السلاح والرمي" وثم متابعاً " الموت فكرة فواحة من حولهم" .
كانت هجمات المقاومة المستمرة معضلة كبرى وليس وفق الطرق المألوفة والواضحة . لقد حاول عساكر الولايات المتحدة الفصل دائماً بين التدريب والقتال . فللقتال طعم مر ولكنه سيؤدي مع الأيام ويا للغرابة الى قتل الكفاءة. ففي القتال  تتجاهل القطعات المألوف وتبذل كل ما في وسعها لتظل حية . لهذا السبب يعتبر البنتاغون القطعات العائدة من القتال كقوات "غير جاهزة" [أو في مرحلة اعادة تنظيم   Re-organization] حتى ترتاح ويعاد تدريبها وفق السياقات المقررة . كان ومن الناحية المبدئية أن يتم تدريب الجنود والشرطة العراقيين بعيداً عن ساحات القتال ولكنهم كانوا عرضة لهجمات المقاومة  منذ لحظة تجنيدهم . وتزايدت الضغوط عليهم باستمرار نظرا للعداء الشعبي العام للمحتل الأجنبي . وعن ذلك قال لي باراك سالموني "أعرف أمر لواء عراقي كان يخلع بدلته العسكرية قبل ذهابة الى بيته كي لا يكشف أحد مهنته ". أما الضابط العراقي المذكور فقد قال لمحدثي "لقد ترسخ في أذهاننا أن نحرص على عوائلنا والا  تقتل على أيدي المتمردين بينما نقاتل هؤلاء في مكان أخر". وقد وجد مكتب المحاسبات الحكومي [الأميركي] أن منتسبي الوحدات الأمنية [العراقية ] العاملة وسط "مناطق وظروف كهذه كانوا يفرون من الخدمة بأعداد كبيرة" .


اللغة

تظل اللغة معضلة كبرى ودائمية . واحدى المفاجآت التي كشفها التساؤل عن مصاعب تدريب القوات العراقية هي انه غالباً ما يقود الى مقارنة بما جرى في فيتنام . ولربما كان ذلك بسبب أن كل شيء حول حرب فيتنام تطلب الكثير ليتطور وتطلبت "فتنمة الحرب" الكثير من التفكير  والتطوير من قبل الاستراتيجيين وأكثر مما توفر من فرص لــ "عرقنة" حرب العراق . واحد الاختلافات الكبرى هي أن  الأميركان اختاروا اعطاء المنتخبين للتدريب في فيتنام دورة تدريب لغوية لستة أشهر . وتلك مدة أقل كثيراً مما يكفي لنيل أية مهارات ولكنها كافية لتوفير ولو نواة خبرات لم توفر لمن خصصوا للعراق من الأميركيين .
 
كذلك فإن أنماط الاحتراف المهني لـلجيش في الولايات المتحدة  تعد مشكلة هي الأخرى .فلأسباب عائلية ولأغراض الترقية كان الجنود الأميركان يبدلون (يدورون Rotating)  في نهاية كل عام، وقد يعاد بعضهم الى العراق ولكن ربما لمهام أخرى وفي مناطق أخرى من البلاد .وهكذا ينتقل المدرب ( المستشار) الذي تولى بناء علاقات ما في القرية او مع وحدة شرطة ليأتي بديل عنه مستشارا جديدا لا يحسن العربية . وعن ذلك قال لي تيرينس دالي المختص بحرب العصابات في فيتنام "وهكذا فجميع العلاقات التي أقامها مستشار ما ،وكل المعرفة التي بناها ذهبت معه" .
 تنص جميع كراسات حرب العصابات على الحاجة الى العلاقات الشخصية الطويلة والقوية.  وقال تيرينس دالي أيضاً "يجب أن نحدد ونعلن أعداد ما نحتاجه من ضباط وضباط صف ومن ثم ندخلهم بدورات لمدة ستة أشهر في مبادئ اللغة العربية . وخلال هذه الدورة سنعرف المناسبين للعمل لمدة خمس سنوات . فذلك خير من النظر اليهم كحاجيات  widgets‘‘ .
أكدت جميع الدلائل في الوطن أن تدريب العراقيين قضية مزعجة ومثيرة للقرف .ولا يتطرق اليها مناهضو الحرب الا لماما. أما مساندو الحرب فيكررون دعمهم ومساندتهم ولكنهم يتعامون عن النسب والاحصائيات في قوائم المطلوبين للتطوع ولا تتطرق اليها الصحف . ومل دونالد رامسفيلد كما يقول مقربون منه من الشأن العراقي برمته  عموماً وما يلوح من حماس متدفق وتقدم  في العملية ومهما تعددت أنواعه ومجالاته فهو لا يتناسب ولا في مجال منها مع حجم التحديات لمهام اعادة بناء المؤسسات العسكرية الأميركية.
كان للنقص في تقدير أهمية هذا الأمر وتحديد طرق ووسائل معالجته وعلى وجه السرعة نفس الأثر لتجاهل معدات ومؤسسات العمل .
 وفي ربيع 2004 وجد محققون من ديوان المحاسبات الحكومي أن ليس لدى وحدات الشرطة العراقية الا 41% مما تحتاجه من عجلات لمهام الدورية و21%فقط من أجهزة الاتصال اللاسلكية (الراديو) و9%من دروع (صداريات )الحماية . ولم تحصل مديرية الدفاع المدني العراقية وهي مؤسسة [ شبه] عسكرية على اية دروع حماية.
 ووفقاً الى تقرير ديوان المحاسبات ذاك "فقد لاحظ تقويم القوات متعددة الجنسيات بأن منتسبي تشكيلات الدفاع المدني العراقية يشعرون بأن القوات متعددة الجنسيات لا تنظر اليهم بجدية، وقد تأكد ذلك في تجاهل ما يقطعونه لهم من وعود وقلة ثقتهم بالقوات متعددة الجنسيات ذاتهم" .
ورغم تأكيد معظم من تحدثت اليهم بأن لديهم علاقات ودية مع العديد من أقرانهم العراقيين فقد سادت أجواء قلة أو انعدام الثقة حتى  بقوات كذلك .  كان يخشى المدربون الأميركان ويتطيرون من كيفية استخدام العراقيين لما يتلقونه من مهارات منهم مستقبلاً وهل سينتهي الأمر باستخدام العراقيين تلك المهارات  ضد مدربيهم وعلى أيدي بعض متسللين خارجيين أو جنود سيغيرون ولاءهم وارتباطاتهم . شكت وزارة الدفاع [العراقية ]من أن اميركا لا تسلمهم سوى معدات بسيطة كـ ’الكلاشنكوف ‘لا البندقية M4 الأفضل، وعجلات بك آب، لا الدبابات . ولكن تلك المعدات يصر الأميركان قد تكون الأفضل للاحتياجات العراقية الحالية. كما أن تلك المعدات سوف لن تتسبب بالكثير من المشاكل لو ساءت العلاقات العراقية الأميركية .

ومع ذلك تظل المعضلة الأكبر هي :نوعية الحرب التي قد يخوضها الجيش العراقي . ويؤكد أحد المصادر الكلاسيكية في حرب العصابات أن "تصعيد الفوضى والاضطرابات هو هدف تقليدي في المقاومة" ويواصل قائلاً  فـ "تمزيق وارباك اقتصاد البلاد  يساعد على تفكك النظام و تقليص قوى وسلطة الدولة ( أي القوات الحكومية ) . والأكثر أن تعميم الفوضى سهل التكاليف من جهة لكن من الصعب منعه . فقد تدمر المقاومة جسراً ما وعليه لابد من حماية جميع الجسور، وقد يلقي مقاوم رمانة يدوية في دار سينما  لذا لابد من تفتيش جميع الداخلين للسينما بدقة" .
" تترابط وتتلازم الجبهتان الحربية والداخلية بشدة ، وأن التقدم على أحداها مستحيل دون التقدم في الأخرى وبذا لابد من موازنة أي تحرك عسكري بتأثيره السياسي والعكس بالعكس" .
هذا ليس كتاباً عن العراق فـكتاب (حرب العصابات في النظرية والتطبيق) للضابط والمحلل الفرنسي David Galula  صدر قبل أكثر من 40 عاماً استناداً  الى تجارب بلاده في حروبها في الجزائر.
حين سألت جنرال ديفيد بتريوس : أين بحث عن دليل عمل خلال فترات اشرافه على مهام تدريب[ العراقيين]؛ أجاب بأنه قرأ لورنس [العرب] كثيراً ولاسيما في الأوقات العصيبة بوجه خاص" . وهناك كتاب هام  في الموضوع للمقدم في الجيش الأميركي هو ( John  Nagal؛ جون ناجال) الذي قاد وحدة مدرعة (دبابات) في العراق وعنوان الكتاب هو: (تعلم أن تأكل الحساء بسكين). وهذا مصطلح أطلقه ت.أي .لورنس تعبيراً عن المهارات المطلوبة .
وأكد لي تيرينس جالي أن "ما من جيش حديث اعتمد على أساليب القتال التقليدية نجح في حرب عصابات . تتمسك التعبئة التقليدية بل وتتحرق لقتل العدو، والعسكرية الأميركية بهذا الصدد تمتاز بقوة نارية ودقة لا تباريان في تفوقهما "لكن مكافحة حرب العصابات الأفضل والأروع لا تتركز على قتل المتمردين بل على السيطرة وخلق أجواء أمينة يسهل معها كسب قلوب وود السكان" على حد رأي تيرينس ديلي هذا .
من كل ركام أدبيات وما كتب عن حروب التحرير الشعبية وحروب العصابات نصل الى نقطتين مركزيتين :
الأولى هي بطبيعة الحال الترابط الوثيق (التوأمي ) بين الغايات والموضوعات السياسية والعسكرية على المدى البعيد [والاستراتيجي ] مما يعطي الأفضلية للجيش العراقي على أية قوى أجنبية، فهو يتكلم لغة البلد كما بوسعه فهم والتقاط أبسط الأشارات، ويرتبط عمله بالمصير النهائي والكلي للعراق .
 أما الثانية : فيظل دحر حرب عصابات من اصعب وأعقد أنواع الحروب والقتالات والولايات المتحدة لا يمكن أن تربح حرباً كهذه في العراء ولكنها تأمل أن يربحها العراقيون .
خلال عامي الاحتلال الأوليين كانت جميع الدلائل والمؤشرات سيئة . لقد وجد تقرير داخلي للبنتاغون جاء فيه "أنهى أول فوج عراقي التدريب الأساسي أوائل 2004م وزج به فوراً في عمليات قتالية دون معدات كاملة" . كانت معدلات الغياب والهروب دون اذن بين رقمين حسابين[ من 10-99%!] وظلت كذلك طوال العام .
 
سألت روبرت بيب من جامعة شيكاغو ومؤلف كتاب  (Dying to Win نموت لننتصر) عن الارهاب الانتحاري والصادر حديثا عن  معضلات الغياب والهروب التي شاعت في القطعات العراقية في الموصل والفلوجة والمواقـع الأخرى فقال :"في الحقيقة لم أستبعد حدوث ذلك فحين تزج بقطعات لم تكد تقف على قدميها بعد وتكلفها بمهام قتالية شبه مستحيلة وأشدها ضخامة في المتطلبات كـ : مهاجمة مدينة . وحتى لو كلفت قطعات شديدة الاخلاص فأنت عملياً تطالبها بالانتحار" .
 
أظهر تقرير لمكتب الحسابات العام نسبة الخراب فقد هرب نصف منتسبي وحدات الدفاع المدني حول بغداد في النصف الأول من نيسان/ أبريل و30% من منتسبي تلك الوحدات في المنطقة مابين  شمال شرق تكريت  وجنوب شرق الكوت .أما حول الفلوجة فقد بلغت 80% .
 هذا ما كان الوضع عليه ليلة انتخاب الرئيس الأميركي ؛ ويوم بدء تطبيق مقترب أميركي جديد.

ديفيد بتريوس

وصل جنرال جيش جديد للاشراف على تدريب القوات العراقية : ديفيد بتريوس والذي نال للتو نجمته الثالثة ( جنرال ثلاث نجوم ) .
لفت هذا التعيين الأنظار ضمن العساكر الاميركية . فجنرال باتريوس حامل دكتوراه من جامعة برنستون وقاد الفرقة101 صولة جوية في قاطع الموصل 2003م  ويعد بين الشباب الذهبي . أوضح تكليف هذا الجنرال بأن تدريب العراقيين أصبح عملاً مهما وجذاباً؛ فـ [ التدريب ليس مما يحبه القادة ولا الجيدون من الضباط].وبات من المؤكد ووفق كل الاعتبارات بأن جنرال بتريوس والسفير نيكرو بونتي يريدان تعويض ضياع الوقت والجهد بالتدريب ومناهجه.
منذ أن تولى بتريوس المهام لم تعد قيادته تعتمد على عدد المجندين، إذ بلغت أعدادهم 200 ألف نحو آذار/مارس 2004م ، بل على "جاهزية القطعات" .كانت تخصيصات التدريب المالية تحت معدلاتها  لذا قدم بتريوس المزيد من الأموال والمعدات .

تغيرت استراتيجية التدريب كذلك. وتم التأكيد على معايشة المستشارين الاميركان للتدريب مع الوحدات العراقية .وبدأت عملية دمج مجموعات من مشاة عراقيين مع وحدات اميركية قادرة على توفير غطاء جوي وأية خدمات واسناد منظور تدعو الحاجة اليه .
 لتوفير المال والحد من فرص الانقلابات قلل صدام حسين ممارسة الجنود أو منع بالمرة الرمي بالعتاد الحقيقي خلال التدريب. شمل هذا الحرمان حتى قطعات النخبة في الحرس الجمهوري أو لم يسمح لها برمي أكثر من عشر اطلاقات لكل جندي سنوياً قبل الحرب بينما يصل معدل رمي جندي المشاة الأميركي النموذجي الى 2500 اطلاقة . وأمام دهشة واستغراب الجيش العراقي أدخل بتريوس تمارين الرمي بالعتاد الحقيقي  للمجندين العراقيين الجدد !!

في نهاية عام 2004 ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة أستخدم نيكروبونتي فطنته وذكاءه لتحويل 2بليون $؛من مشاريع اعمار أخرى الى مشروعات التدريب . وعن ذلك قال لي الجنرال بتريوس "اعتبرت تلك خطوة شجاعة وأدت الى الكثير من الفوائد والمردودات" ثم مواصلاً "لقد مكنتنا من شراء العديد من المعدات الاضافية وتدريب الكثيرين وتنويع موضوعاته ومناهجه كما شيدنا المزيد من المباني الأمر الذي ساعدنا بالتالي على نشر الكثير من القطعات العراقية الجديدة في الميدان مع انتخابات 30 كانون2/يناير 2005" .
 
شكل نجاح الانتخابات هذه نقطة تحول، على الأقل بالنسبة للتدريب . أخبرني بتريوس "لم نفقد زخم واندفاع الجهد المبذول في المجالات الأمنية" فقد تولى 130 ألف جندي عراقي حراسة  5700 مركز انتخابي وحدثت بعض الهجمات ولكننا مضينا قدما .
 
كانت هناك الكثير من الحيوية في مناهج التدريب لكن أكد لي جميع من تحدثت اليهم من جنرالات وجنود بأن الحملة العسكرية ستفشل في النهاية دون نجاح وتقدم سياسيين ، وإن أي جيش لا يحظى بحكومة مستقرة تدافع عنه وتصونه فإن أفضل الجنود تدريباً سيتحولون الى مليشيات محلية [عنصرياً أو طائفياً] وقادة عصابات متحاربة . وقال لي ضابط عالي الرتبة "أعتبر نفسي متفائلا ومؤهلا ولكن ما يقلق هو انعدام الأهلية لدى القادة العراقيين . وبالتأكيد هناك الكثير من الأنشطة ظلت خارج سيطرة الأميركيين" .
 
قسم التوتر الطائفي العراق وقسموا بدورهم الجيش الجديد . وقد عبر عن ذلك وبدقة روبرت بيب من جامعة شيكاغو بقوله "التفكير أن بوسعك توحيد الجيش العراقي هو كالتفكير أن بوسعك الذهاب الى جنوب الولايات المتحدة  بعد الحرب الأهلية وانشاء جيش من السود والبيض يقاتلون جنباً الى جنب" وتابع قائلا:"  بوسعك أن تدفع مرتبات وأجورا لبعض الناس  ليتولوا مهام التدريب الأساسي وتحمل بعض المخاطر .لكن مالم يكونوا مخلصين للحكومة حقاً ليصمدوا ويستمروا إذا ما تزايدت المخاطر فسيولون الأدبار" . وقد أثارت جميع الدراسات تقريباً والتي وضعت عن القوات العسكرية العراقية الجديدة شكوكاً  حول مدى إخلاص هؤلاء.


يتبع .......
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 07 2015, 00:14

الحلقه 15 

صفحة المقاومة

مع أوائل حزيران/يونيو 2003 ،تصاعدت وتائر الهجمات على الأميركان بسرعة . وكمعدل ، كان هناك هجوم واحد على الأقل يومياً ويتسبب بخسائر بشرية للولايات المتحدة ، أما الهجمات والكمائن والاشتباكات وهجمات الرمانات والمقذوفات اليدوية التي فشلت في ايقاع خسائر بشرية بالاميركان فأكثر من أن تعد . بعض تلك الهجمات التي تجوهلت أهمية وأبعاداً استراتيجية. وعلى سبيل المثال ،كانت طائرات ومروحيات الولايات المتحدة تتعرض وبانتظام لضربات نارية إبان محاولاتها الاقلاع أو الهبوط في كل الأجواء العراقية – وعلى الأخص في بغداد والموصل وتكريت .
واعترف بعض مسؤولي الولايات المتحدة بأن "مطار بغداد الدولي سيظل مغلقاً بوجه الطيران التجاري (المدني) طالما تواصل أطلاق النار على الطائرات" . تحاصر قطعات أميركية يومياً وتقذف بالحجارة وترفع ازاءها القبضات وتشتم وتهان، كما تحرق اطارات عجلات تلك القطعات بانتظام .
 بدأت الشعارات تظهر على الجدران في بغداد وفي كل مكان آخر وتتراوح ما بين الدعايات المباشرة مثل "يعيش الرئيس صدام حسين !"، الى شعارات أكثر تحديدا مثل "نقسم بالله بأننا سنقطع كل الأيدي التي تلوًح للجنود الأميركان الملطخين بدماء شهدائنا الأبطال" .

عكست تلك الأنشطة المعادية روح العداء والكراهية المتزايدة بين الشعب العراقي . وأكثر من ذلك فقد تطورت حرفية ومهارات المقاومة المسلحة ، وفي أكثر المرات إن لم يكن في جميعها كانوا ينجحون بالهرب بعد كمين ناجح . وبنفس القدر من الازعاج تزايد انحشار أناس أبرياء وسط تبادل أطلاق النار وعلى الأخص حين يردٌ الجنود الأميركان على النيران .
ورغم كل المقاصد والتوجهات كان العراق ينزلق نحو الصفحات التمهيدية لمقاومة مسلحة شاملة، وحملة حرب عصابات تشمل أقساماً كبيرة من أبناء الشعب العراقي . وأعلن أحد قادة المصلين الشباب "نحن جميعاً مع مقاومة المحتلين"، ومضيفاً "الأميركان محتلون . والمحتلون لا يمكن أن يمنحوا الشعب لا السعادة ولا الحرية". وأعلن التعليق الأولي عن موجة جديدة من الهجمات المعادية للأميركان تشير الى أن صفحة جديدة في "الجهاد لأجل التحرير" قد بدأت وتتضمن تعاوناً وثيقاً بين جميع العناصر[العراقية ]وبغض النظر عن الخلافات العقيدية والخصومات القديمة.
في أواخر مايس/أيار ،على سبيل المثال ،أعلنت مجموعة تسمي نفسها "القيادة العامة للقوات المسلحة للمقاومة والتحرير في العراق" أن "نخبة من قطعات القوات المسلحة والفدائيين ولواء الفاروق – الجناح العسكري للمقاومة الإسلامية في العراق ومجاميع الحسين ،وأعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي قد نجحوا بإسقاط مروحية أميركية في محافظة الأنبار[في الفلوجة] و قتل أربعة جنود كانوا على متنها" .
 كان حشد هذه المجموعات معاً شيئاً مهماً، تشير الى أن ألوية الفاروق الأسلامي السني، ومجاميع شيعة الحسين الموالية لايران ،وقوات البعث ،و الفدائيين قد التحموا معاً وبتنسيق جيد . (سيظل الاصطدام المشار اليه فصلاً متميزاً، فقد حلقت المروحية UH-60،تحت وابل من نيران أسلحة خفيفة فترنحت بشدة واصطدمت بأسلاك كهربائية قبيل سقوطها، ولم يتضح حتى الآن ما إذا كان سقوطها بفعل النيران المعادية أو لخطأ ارتكبه  قائدها في محاولته تجنب النيران الأرضية) . أدعى البيان آنف الذكر أن فيتناماً جديدة أو (حرباً ) أشد شراسة من فيتنام قد بدأت في العراق ، وسوف لن تنتهي حتى خروج أخر محتل من أرض العراق  . تعهدت القيادة العامة للمقاومة كذلك باستخدام كل وسيلة ممكنة  لمنع  قوات الاحتلال من الاستفادة من نفط العراق حتى لو كلفنا ذلك كل النفط [وأثمانه]لحرق القوات الغازية".

بيان الحُميد

أصدرت أشد الجماعات الأسلامية جرأة بيانات مشابهة . وفي أعقاب  هجوم 27 مايس/ مايو على قوات الولايات المتحدة في الفلوجة ،والذي قتل فيه جنديان أميركيان وجرح تسعة جاءت أقوى وأكثر البيانات أهمية من "المقاومة الشعبية في العراق" ، والتي عرفت نفسها وعلى طريقة بن لادن  كـ "حركة اسلامية جهادية" كان قائدها الروحي هو الشيخ عبد العزيز الحٌميد ،إمام الجامع الكبير في الفلوجة .

أصدر الشيخ الحٌميد أيضاً توجيهاً،أو [فتوى] بـ "شن الجهاد وفق قدراتها ضد الاًميركان  كقوات محتلة" ،وأعلن أن "من الواجب على (جميع) المسلمين طرد (الولايات المتحدة) من العراق" . حتى لو كانات تلك المنظمات الاسلامية تتألف من شباب الـ (فلوجة) فقط  والذين لا علاقة لهم بحزب البعث لكنهم من "أتباع الشريعة والباحثين عما وراء الجهاد [أي الاستشهاد]"،وكذلك من عدد كبير من المتطوعين العرب ،وأعلن بأن على جميع الاسلاميين التعاون والتنسيق مع جميع القوى المعادية للأميركان  لتصعيد واستثمار الجهاد وتحقيق طرد قوات الاحتلال .

الفهم الأميركي

بالرغم من ذلك واصلت الولايات المتحدة اصرارها على أن تلك الهجمات قد شنت من قبل بقايا نظام صدام .وقال بول وولفتز وكيل وزير الدفاع الأميركي أمام الكونغرس و"هكذا سيكون الأمر إن كان لديك من 20-30ألف شرطي أمن (سري) ممن عذبوا [أبناء الشعب ] ومجرمي الحرب – ومازال هؤلاء في الجوار" ، ثم مضيفاً "لابد أنهم سيثيرون بعض المشاكل ومهاجمة الأرتال الأميركية العسكرية كل يوم .لذا لكم أن تتصورا ماسيفعله تجريد العراقيين الموالين لنا من السلاح".

وفي 1/حزيران-يونيو ، أٌمرت القوات الأميركية للتهيؤ لمواجهة "حرب عصابات تشنها الأقلية السنية التي مازالت مخلصة لرئيس الجمهورية صدام حسين" وأكد مسؤولون من وزارة دفاع الولايات المتحدة بأن "جميع" هجمات المقاومة هي من صنع "المخلصين لصدام"، و أن الهجمات الأشد أذى وقتلاً تشن غربي العراق- وعلى الأخص في الفلوجة وهيت والرمادي .وأصرالفريق ‘مككيرنمان’ ؛القائد الأعلى للقوات البرية للائتلاف بأن تلك الهجمات  كانت جزءا من "عصيان من تدبير قادة حزب البعث الذين هربوا من بغداد خلال الحرب قي نيسان".
وعاكساً بذلك رأي واشنطن الرسمي فقد تنبأ الفريق مككيرنمان بأن جميع تلك الهجمات ستجهض وتنتهي حالما يدرك من هم وراءها بلا جدوى أفعالهم . وأضاف مككيرنمان القول "أرى أن ( تلك المقاومة ) تدبر ويخطط لها أعداؤنا الذين خسروا مستقبلهم"ـ لأنهم كانوا "جزءا من نظام صدام و ظلوا مرتبطين به". استمر هذا التشبث ومنذ البداية بإلحاق كل شيء بصدام حسين وحملة حرب العصابات المرتبطة بالبعثيين ،الأمر الذي منع السلطات الأميركية من تحديد وادراك شدة و كثافة وتعقيد التحديات التي تواجههم .

مع ذلك ، وفي الوقت نفسه، لم يكن بالإمكان مواصلة تجاهل تزايد الخسائر البشرية.ولكن البنتاغون قاوم طلب الحاجة الى عدد أكبر من القطعات عما أفترض سابقاً . لقد قدرت الخطط الأصلية التي أعدت قبل الحرب الحاجة الى 100 ألف جندي أميركي فقط ومفترضة تخفيضاً سريعاً نسبياً لهذه القطعات استناداً على عدة افتراضات منها : بأن "العراقيين سيرحبون بالأميركان كمحررين  وأن ليس للعراقيين سوى تاريخ قصير من الصراعات العنصرية والطائفية"، وأن دولاً عديدة ستسهم وسترسل قطعات لحفظ الأمن لكي تحصل على حصة في الخطط والمشاريع الهائلة والمجزية لاعادة الاعمار بعد الحرب .

مع أوائل حزيران/يونيو، ثبت أن القطعات المؤلفة من 145 ألف جندي أميركي 15 ألف جندي بريطاني غير كافية وبشكل مؤسف .وبدلاً عن اعادة  فرقة المشاة/3،الى الولايات المتحدة أعيد انفتاحها في منطقة الفلوجة وحتى آب/أوغست 2003،على الأقل ،بعد أن أرسل بعض عناصرها الى بغداد. ولعدم تمكن فرقة المشاة/4،[بقيادة الجنرال رايموند أوديرنو]من الاسهام في الحرب لتأخر وصولها ، فقد كلفت بواجبات حماية الأمن (مهام الشرطة) في القاطع السني الشمالي الممتد من تكريت الى كركوك وحتى الحدود الايرانية . تركت هذه الفرقة بعض قطعاتها في بغداد هي الأخرى. أما الفرقة المدرعة/1 التي تم سحبها من مهام حفظ السلام في البلقان فقد تولت السيطرة على بغداد مع (4) آلاف شرطي( انضباط) عسكري .
تولى مشاة بحرية (مارينز) الولايات المتحدة السيطرة على القسم الشيعي في جنوبي العراق بينما ظلت القوات البريطانية متمركزة حول البصرة. وفي النهاية لم تشكل هذه القطعات ويا للأسف أكثر من قوة صغيرة تتولى مهام الشرطة لضبط بلاد بسعة العراق . كما لم تستطع قوات الولايات المتحدة المنتشرة على جبهة واسعة وعلى شكل قشرة رقيقة ؛ سوى تشكيل قوة(سلطة) في عدد قليل جداً من الأماكن .أما في باقي البلاد فقد أكدت القوات الأميركية وجودها جوياً، ومن خلال دوريات غير منتظمة .أدرك المقاومون هذا النقص واستثمروه في ادارة وتنفيذ الصفحة الثانية من المقاومة ضد الأميركان .

شبكة صدّام السريّة

مع ذبول صدمة سقوط بغداد ،بدأت القوات المعادية للأميركان لحرب عصابات طويلة الأمد Protracted. وخلال معظم شهر حزيران،ناضلت قوات المقاومة للحفاظ على قواها بل وحتى صعدت من تواتر ضرباتها وعملياتها (الأرهابية) ضد قوات الائتلاف .الا أن تركيزهم الرئيسي أنصب على ترصين منظومة الدعم الشامل للصراع المقبل .
أولت تلك القوى أهتماماً خاصاً لتجنيد وتدريب (مجاهدين) اضافيين وانشاء منظومة قيادة وسيطرة على طول العراق، وتفعيل شبكات اتصالات جيدة .كذلك بذل قادة المنظمات المحلية و الوطنية تقدماً كبيراً في الاشراف وتحسين التنسيق ما بين المنظمات العديدة والمتداخلة [جغرافياً أو تنظيمياً ].وفي الوقت نفسه نشطت وتدريجياً شبكات جيدة النوعية حول العراق ، جالبة معها المزيد من الخبرات وخزينا هائلا من الأسلحة .

والأهم من هذا هو قرار صدام حسين بتنشيط الشبكة السرية (اليوم الممطر rainy day) [أبابيل]، أو (اليوم الموعود doomsday)،التي أنشأها عام 1968،فورعودة حزب البعث للسلطة في بغداد – فقد كانت ذكريات وعظات تجربة اسقاط الحزب المريرة سنة 1963 مازالت حية بعد . 
شكّل صدام هاتين المنظمتين من المخلصين الأشداء في بغداد. مستهدفاً استعادة قوة تأثير ونفوذ البعث في حالة وقوع انقلاب جديد ،ثم تحولت المجموعة وتدريجياً الى منظمة سرية (تحت الأرض) وموازية للحزب مع تولي صدام زمام السلطة وفرض سيطرته شخصياً ، وفي النهاية تحولت الى منظمة دعم شبه عسكرية(مليشيا) لحمايته الشخصية.دربت وحدات هذه القوة الضاربة من قبل خبراء يوغسلاف وسوفييت على عمليات وفنون حروب الأنصار(حرب الشعب). وفي بدايات الثمانينيات ،باتت تلك الوحدات جيدة التدريب ،حسنة التمويل كقوات نخبة مع كميات هائلة من الأسلحة والأموال والأطعمة ووسائل ادامة ومتابعة لحرب الشعب على الطريقة اليوغوسلافية. وحالما أدرك صدام عمق واتساع عداء واشنطن وعزمها على حربه في التسعينيات ، قرراستدعاء خبراء من كوريا الشمالية مع أفكارهم الخاصة عن مقاتلة وشل القوات المشابهة لقوات الولايات المتحدة لتدريب وتوسيع كوادر حزبه السري الموازي [أو البديل ].
 
ومع تزايد التوتر مع الولايات المتحدة ،وجه صدام الكثير من الموارد لحزبه السري هذا و تهيئته لمواجهة الاحتلال الأميركي الذي كان صدام يعتقد أنه سيقع عاجلاً أو آجلاً . أعد من يثق بهم صدام حسين جيداً لأية احتمالات وشيكة وأصدر وصايا تحريرية الى كوادره على طول العراق . وفي (خطة الطوارئ السرية)  التي أ صدرها مدير الاستخبارات العامة في ك2/يناير2003،الى الفدائيين ،يوصي الناشطين المشمولين بـها "اتخاذ جميع الاجراءات في حالة اسقاط الائتلاف الأميركي –البريطاني -الصهيوني القيادة العراقية لا سمح الله". وتراوحت التعليمات من جعل جميع مدن العراق صعبة الحكم أوالسيطرة عليها من خلال عمليات "النهب و السلب واشعال الحرائق في جميع الدوائر الحكومية" ، الى توجيهات استراتيجية بـ "التسبب بتدمير أو تعطيل" مصادر الطاقة الكهربائية والمياه ،كذلك قطع الاتصالات الداخلية والخارجية ’[الوطنية والدولية].
كما أبلغ الناشطون المعنيون باختراق المؤسسات الدينية الشيعية و "اغتيال رجال دين وخطباء المساجد وأماكن الصلاة" لاثارة عصيان ضد الأميركان . وكان عليهم استهداف العائدين من الخارج لمنعهم من التعاون مع السلطات الأميركية .
لقد روعيت هذه الخطة الطارئة التي أجملت هنا و في غيرها من الوثائق بدقة، و مورست منذ أوائل 2003. رغم أن صدام حسين لم يقرر إلا في أوائل حزيران فقط أن قواته [السرية] تلك قادرة وبكل دقة على البدء وادامة حرب شعبية حقيقية ضد الولايات المتحدة ، لذا نشّطً وحدات حزبه الموازي السري بعدها مباشرة .

كوريون شماليون وصينيون وروس

كان في صلب قرار صدام بالنهوض والتصدي ،ادراكه أن ليس للولايات المتحدة ولا نتفة معلومات عن هروبه الحقيقي واختفائه، ولا عن منظومة مخابئه وملاجئه . وعودة الى 1991و فور انتهاء حرب الخليج الأولى[الثانية] فقد كان صدام قد قرر أن منظومة ملاجئه الحالية للاختباء والهرب عديمة الفائدة. ونظراً لبنائها من قبل ألمان ويوغسلاف في الثمانينيات ، فقد توقع صدام – بدقة وعن حق - بأن مواقعها واسرارها باتت معروفة للولايات المتحدة .
وفي منتصف التسعينيات، وبعد مناقشات داخلية عديدة استقدم صدام خبراء من كوريا الشمالية والصين ومجموعة بنائين لبناء منظومة منشآت جديدة كاملة تحت الأرض له ولحلقة مقربيه الداخلية ولوحدات الحزب السري الموازي .ولضمان السرية التامة فقد تم بناء تلك المنشآت الجديدة تحت الأرض – ملاجئ، ومراكز قيادة ومواقع ومخازن للاتصالات على أيدي عمال من كوريا الشمالية .
ونظراً لعدم مشاركة عمال عراقيين في ذلك ، لم يعرف سوى القليل من العراقيين حتى بوجودها ،ناهيك عن معرفة مواقعها وأماكنها. وأكثر من ذلك كان الكوريون الشماليون قادرين على جعل تلك المباني وعملياً مما يصعب على وسائل الرصد الأميركي معرفتها وأكتشافها .تضمنت طرق بنائها ، حفر مداخل وفتحات صغيرة نسبياً في سفوح جبلية ، ومن ثم توسيع الفسحات التحتية عبر أنفاق و استدارات متعددة ومعقدة من الداخل . ويتم اخراج الأتربة المتجمعة من الحفر ليلاً وتلقى في مجاري المياه القريبة لعدم ترك أية أثار تدل عليها .حفرت بعض تلك المنشآت تحت بحيرات قريبة ،لتقليل فرص كشفها أكثر وأكثر من قبل الوسائل المتعددة للولايات المتحدة .
 كان الكوريون الشماليون المتميزون بالتمويه رائعين في هذا المجال فجعلوا المداخل والمخارج قريباً من مجاري المياه ،وفي مناطق مغطاة بالكثير من الشجيرات والأعشاب . وفي  أواخر التسعينيات كان صدام وعدد محدود فقط من المقربين الموثوقين، يزورون تلك المواقع مستخدمين زوارق صغيرة وعجلات خاصة لتجنب الأكتشاف .

من بين الملاجئ المخفية تحت اشراف الصينيين شبكة من مخازن أعدت على المدى البعيد (مستقبلية) لخزن مواد استراتيجية من الأسلحة والمعدات بما فيها أسلحة دمار شامل لأيام طارئة وشديدة الخطورة على الوطن .وأبلغ عقيد عراقي سابق وحامل شهادة دكتوراه ،هرب الى الخارج عام 1999، ويعيش مختبئاً في استراليا،أبلغ أنه يعرف شخصياً مواقع (5) ملاجئ ومستودعات  سرية شيدت قرب بغداد والبصرة وتكريت. وشيدت ملاجئ أخرى مشابهة في أماكن صحراوية عميقة غربي العراق . ووفقاً لمنشق (هارب) عراقي آخر فقد جيئ بخبراء روس لفحص  كفاءة التصاميم الصينية قبل الأمر ببناء المزيد من الملاجئ .
كانت قمة الفحوص هي ابقاء الخبراء الصينيين داخل نموذج لأحد الملاجئ أثناء تعريضه لسلسة من الضربات والقصف من قبل  الروس – خرج الصينيون مذعورين ومرتبكين ولكن دون أذى. كان العنصر الهام لتلك المخابئ هو عمقها وسماكة المباني المتعددة الطبقات فيها –وهي مهام معقدة تولى أقامتها الكوريون الشماليون . كما تم تغطية وتمويه منظومة التهوية المعقدة هي الأخرى ببراعة مما يجعل اكتشافها من الخارج صعباً للغاية.
وأبلغ العقيد آنف الذكر أن الملاجئ الثلاثة التي زارها أواخرالـتسعينيات ، كانت مليئة بكميات كبيرة من الأسلحة التقليدية والأعتدة وقنابل المدفعية وصواريخ (GRAD 122mm) مجهزة برؤوس كيمياوية، مع وجود براميل (حاويات ) لعوامل كيمياوية.

وفي الوقت الذي تم تشييد هذه المخابئ في أواخر التسعينيات لم تكن هناك سوى اشاعات كثيرة أو متميزة قليلاً عن وجود أشياء كهذه . كان معظمها نتف استخبارات ناقصة وغير أكيدة وجاءت من مصادر ضمن دوائر استخبارات حليفة للولايات المتحدة. ومن بين أفضل تلك المصادر أحد أفراد الحماية (بودي كارد)كان قد رإفق صداماً الى أحدى تلك المنشآت أكثر من مرة خلال عدة سنين .و لكن لم يكن بوسعه سوى أعطاء معلومات عامة عن موقع المنشأة ، وعجزه عن تحديد مكانها بدقة من الصور الجوية .كان لدى الاستخبارات الأردنية تجارب مماثلة مع مصدر آخر.

ووفقاً لمصادر عديدة ، فقد بنى الكوريون الشماليون – مبانيٍ تحت الأرض تضم أعداداً كبيرة من ملاجئ ومستودعات صغيرة للمستقبل تركز معظمها في منطقة الجزيرة في صحراء شمال غربي العراق ،وثلاثة مجمعات كبيرة ،يحتوي كل منها على أعداد كبيرة من المنشآت تحت أرضية ، يرتبط بعضها بقنوات اتصال ،والبعض الأخر مكتفية بذاتها ومعزولة تماماً . يحتمل أن يكون  مجمع منطقة (القائم) الممتد مابين مدينة القائم وبحيرة القادسية الى الشرق ،هو الأول ولعله الأكبر . ووفقاً لمعظم التقارير فإن مقرات صدام الرئيسة وأماكن اختبائه أوائل عام 2003، كانت في ذاك المجمع .
 ويمتد المجمع الثاني من منطقة الرمادي الى بحيرة الحبانية  جنوباً .ومن السهل نسبياً الوصول الى مركز بغداد من هذا الموقع عبر ضواحي غرب بغداد . ويمتد المجمع الثالث في مثلث تكريت سامراء والى البحيرة الجبلية في سلسلة جبل حمرين والى الشرق من المجمعين السابقين. وأكثر من ذلك فالمجمعات الثلاثة تمتد في مناطق تواجد وتنقل لقبائل عربية سنية تتنقل عادة ما بين العراق وسوريا والسعودية،ومعادية بشدة للأميركان ،وبهذا فهي مصدر موثوق لتأمين التنقلات.

تنسيق وتدريب

خلال الأسبوعين الأوليين من حزيران 2003،كان الحزب (البديل!) مجرد مصدر صغير للمعدات لأغلبية الشبكات المعادية للولايات المتحدة في قلب المناطق الشيعية ( وحيث تشكل الاستخبارات الإيرانية المساند الأكبر).كانت هناك كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات ومعدات التموين الأخرى من جيش القدس الشعبي ،والفدائيين وحزب البعث ، وحتى من الجيش العراقي [السابق] ،ومتيسرة لاستخدامها من قبل قوات  المقاومة المحلية .كما يمكن الحصول على معدات اضافية بسهولة بتهريبها من سوريا عند الضرورة . لذلك ما كانت هناك من حاجة لاستخدام أي من خزين المعدات جيدة الاخفاء تحت الأرض للحزب البديل/الموازي .

ولكن كوادر خبراء الشبكات السرية وفروا خبراتهم  للمقاومة وأوضحوا لهم كيفية تنظيم الخلايا السرية وضمان أمنها وتدريبها على أساليب وسياقات نصب وتنفيذ الكمائن ووفروا كلما يلزم عن طرق تصنيع القنابل للثائرين في كل العراق .
ساعدت كوادر صدام جميع العناصرالتي أرادت مثل هذا التعاون والمساعدات بما فيها أكثر الشبكات الاسلامية الأشد جرأة في عدائها للبعث . وبالاضافة الى ذلك عرضوا تمويل أية منظمات بادرت في عدائها للأميركان .لعبت شبكات صدام دوراً أساسياً في تسهيل ومواصلة تدفق الاسلاميين المتطوعين – من السنة والشيعة معاً-  من سوريا الى العراق. كان ضباط استخبارات حزب البعث السري يدركون بأن العديد من شبكات الاسلاميين والشبكات المحلية شديدة العداء لصدام و للأميركان معاً ، ولكنهم عرفوا أيضاً حدود التعاون ضد العدو المشترك ورسموا حدوداً واضحة بين توفير دعم كاف لجعل عمليات تلك الشبكات أشد فتكاً،وبين نوع ومحاولات التدخل الذي قد يدفع بتلك الشبكات الى خيانة البعث أمام الأميركان. أو سائبة في علاقاتها واتصالاتها ، تقودها دوافع عمل وعقائد(مبادئ) متعددة – إسلاميون ، عرقيون (عنصريون) Ethnocentric؛ وبعثوية عشائرية وحتى  شيوعية – وكلها ترتبط بخيوط واهية بشبكة من أصحاب المصالح والولاءات المحلية المحدودة، عدا اتصافها ولو بدرجات متفاوتة بمعاداة لاشك فيها للأميركان . وبرغم دور كوادر صدام في تولى مهام القيادة والسيطرة وشبكات الاتصالات، فقد وفر الإسلاميون أعداداً متزايدة من المقاتلين بما فيهم المجاهدون الأشد حماساً وتضحية.


يتبع ......
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 07 2015, 00:35

الحلقه 16 

الدور السوري الخطر

ما كان لمعظم هذه الأنشطة أن تتحقق لولا دور سوريا كمساعد وكملاذٍ آمن معاً .كان المنفذون العراقيون تحت إشراف بشار الأسد الشخصية ،بينما تولى صهره آصف شوكت جهود الرعاية و الدعم، وتولى فراس طلاس،ابن وزير الدفاع السوري الأسبق [مصطفى طلاس]مسؤولية الشبكات السرية لتوفير الأسلحة للعراقيين ، وتصدير النفط !ويشير مجرد مشاركة القادة الثلاثة المذكورين الى أهمية موافقة سوريا لدعم ، إن لم يكن تصعيد حرب العصابات ضد الولايات المتحدة في العراق . وفي الحقيقة، في صيف 2003،تم توسيع المقر الأمامي في (ألبو كمال) وخصص له عدد أكبر من ضباط الاستخبارات وضباط القوات الخاصة (المغاوير ). والأكثر أهمية فقد أسس السوريون اتصالات أمينة من البوكمال مع الأركان العامة السورية ومع (غرفة الحرب) الخاصة ببشار الأسد في القصر الجمهوري .

واصل أتباع صدام  في سوريا ، وبكثافة الأعمال التنظيمية والأنشطة المناسبة في الملاذ الآمن . سهل السوريون التنقلات عبر الحدود لقادة وآمرين. وعلى سبيل المثال فقد عاد قصي صدام حسين من ليبيا (وربما أوائل حزيران/يونيو)عبر سوريا،وذهب عبد حمود السكرتير الشخصي لصدام الى دمشق لجمع معدات لصدام قبيل اعتقاله تماماً من قبل قوات الولايات المتحدة في منتصف حزيران .وسمح السوريون كذلك لمسؤولين وضباط بعبورالحدود الى سوريا وفق ما تقتضيه مهامهم – وأفادت بعض التقارير غير المؤكدة بإخلاء عدة جرحى من المقاتلين الى سوريا للحصول على خدمات طبية و جراحية أفضل .
 جلب أتباع صدام معهم الى سوريا ثروة تقدر بمئات الملايين من الدولارات – بل بضعة بلايين وفقاً لبعض المصادر – من العملات الصعبة والذهب و المجوهرات ،واستخدمت هذه الأموال للحصول على أسلحة خاصة، ولتوفير أعمال إسناد أخرى  لحرب العصابات العراقية .

لعبت سوريا كذلك دوراً رئيساً في تجنيد وتدريب متطوعين اسلاميين لأية عمليات ضد الولايات المتحدة في العراق .جٌند العديد من أولئك المتطوعين في داخل سوريا نفسها وكان عدة مئات منهم من المدارس السنية في دمشق وشمال سوريا –وكلهم من الموالين وأتباع بن لادن والأخوان المسلمين – ومتطوعين آخرين من وحدات مغاوير( قوات خاصة ) واستخبارات سورية . كذلك فقد جندت الاستخبارات العسكرية مقاتلين من الفلسطينيين والكرد من معسكرات الارهابيين وضموا (تحت أمرة) قادة مقاتلي القاعدة الكبار لبدء عمليات تجنيد ضخمة في معسكرات ومخيمات اللاجئين في جنوب لبنان .كان معظم المجندين من المجاهدين الاسلاميين الفلسطينيين ؛بينما كان بعضهم من مقاتلي القاعدة الشجعان في حرب أفغانستان والشيشان .

ساعدت دمشق في تدفق جميع إسلامي  العالم عبر مطار دمشق الدولي، وقد توالى وصول المتطوعين من جميع أرجاء جنوب آسيا (وبشكل رئيس من باكستان وأفغانستان )،و الشرق الأقصى (وبشكل خاص من أندونيسيا وماليزيا )والوطن العربي .وسمح مركز الاستخبارات العسكرية السورية القريب من سيطرة الحدود بدخول جميع من جاؤوا للتطوع الى سوريا دون وثائق سفر. ثم يؤخذ المتطوعون بعدها رأساً من المطار الى معسكرات تدريبية قرب (تدمر) وسط بادية الشام ، حيث ينضمون الى اسلاميي سوريا وفلسطين وفق مستوياتهم ونوعيات مهامهم . وكانوا يدربون مجتمعين ثم ينظمون في وحدات صغيرة من‘5 -12’ مجاهداً .كما يجهزون بكميات من الأسلحة الصغيرة ومتفجرات عالية الانفجار و صواريخ مقاومة الدبابات (م/دب) لهم وللمجاهدين العراقيين الذين سيساعدونهم . ثم ترسل تلك الوحدات والخلايا عبر الحدود (عبر طرق صحراوية غير مؤشرة ومعروفة للبدو الرحل فقط ) للالتحاق بمجاهدي العراق ولدعم الشبكات الجهادية هناك .وعند عبورهم الحدود يخبرهم السوريون عن كيفية الوصول ، الى مناطق لقاء محددة مسبقاً والتي سيؤخذون منها الى القوات الاسلامية العراقية لتعزيزها. وفي أواخر حزيران/يوليو،تحول تواصل المجاهدين الى تدفق كبير كالسيل وذلك بعبور مئات المجاهدين كل ليلة .

الاستخبارات الإيرانية

بالاضافة الى تلك الأنشطة ،سمحت دمشق للاستخبارات الايرانية بتجنيد وتنظيم وتسفير مقاتلي حزب الله الشيعة من لبنان مع أسلحتهم ومعداتهم الأخرى لتعزيز القوات الشيعية في جنوبي العراق وفي مناطق بغداد الكبرى .عزز مقاتلو حزب الله الشبكات المدعومة من إيران بمقاتلين من ذوي الخبرات التنظيمية والإرهابية العالية ،ومن ذوي الأهمية الفريدة لامتلاكهم خبرات قتالية عالية اكتسبوها خلال قتالهم العنيف ضد إسرائيل في جنوب لبنان .
 
في 18حزيران/يونيوحصلت الولايات المتحدة على معلومات استخبارات موثوقة ومن الدرجة الأولى عن الدعم السوري للقيادة العراقية . فقد اعتقل السكرتير الشخصي لصدام عبد حمود التكريتي والذي يعتبر أقرب المقربين من غير عائلة صدام له. إذ وبينما كان مختبئاً في منزل بسيط  في تكريت كضيف غريب وغير معروف غدر به بعثي كان يفترض به أن يأخذه الى المحطة الثانية في رحلته . وفي بداية التحقيق معه أصرعلى أن صدام حسين وولديه قد سافروا الى سوريا  قبيل انتهاء الحرب ، ادعى عبد حمود بأنهم واصلوا سفرهم الى بلد ثالث.
 
ووفقاً لعبد عبد حمود ،فصدام ومجموعته لم يسافروا الى ليبيا مباشرة .وبدلاً عن ذلك فقد طاروا من مدينة (منسك) في بيلوروسيا الى دمشق ،ومنها الى تشاد ،لكي يصلوا ليبيا براً . فقد أرسل القذافي في الحقيقة رسالة –قوطعت أو التقطتها الولايات المتحدة الى صدام يوصيه فيها بالوصول الى ليبيا براً لتجنب كشف الأميركان الذين يراقبون جميع الرحلات الجوية لهم . ومع ذلك ،فقد أثبت تفحص موجودات عبد حمود كذبه . ووفقاً  لهوشيار الزيباري، ضابط الاستخبارت الأقدم الكردي والمشارك في العملية فقد أعتقل عبد حمود عند عودته من سوريا، وفي طريقه لمقابلة صدام أو شخصيات مهمة أخرى . واللافت للنظر وبقوة أن عبد حمود كان يحمل معه مجموعة باسبورتات من روسيا البيضاء أعطيت له في في دمشق لشخصيات عراقية مهمة –الأمر الذي يتناقض وادعائه بأن شخصيات مهمة سبق لها أن غادرت العراق عبر سوريا .

عرفت الولايات المتحدة بأن خبر اعتقال عبد حمود قد انتشر سريعاً. وأن العملية الكبرى في تكريت  الهادئة وجوارها عموماً ،كانت كافية للفت الأنظار واثارة الشائعات ،كما افترض محللو استخبارات الولايات المتحدة بأنه وحال علم صدام أوعراقيين كبار باعتقال عبد حمود فإنهم سيحاولون بدورهم ترك العراق الى سوريا قبل كشف خونة أخرون أماكن اختبائهم .

بين القائم والحدود السورية

في تلك الأيام  شنت قوات الولايات المتحدة المسؤولة عن ضبط الحدود مع سوريا هجمات متواصلة في المنطقة . في 9حزيران/يوليو ، توقفت سيارة قرب نقطة سيطرة طريق أميركية قرب القائم عند منتصف الليل . قفز رجلان من السيارة وقتلا جندياً أميركياً بنيران مسدس وجرحا آخرين ،ثم رميا عدة رمانات يدوية خلال هربهم . وخلال انشغال القوات الأميركية بالعثور على المهاجمين الذين اختفوا بأمان كان بوسع العراقيين والسوريين تأمين مرور بضع مجموعات صغيرة عبر الحدود .
لذلك وفي 18 حزيران/يوليو ،تولت قوات أميركية بقيادة (قوة الواجب/20 )مراقبة الطرق الرئيسة المتجهة من والى سوريا. وبعد اعتقال عبد حمود بوقت قصير ،لاحظت طائرة المنتقم predator، ‘بدون طيار UAV’،رتلاً صغيراً مسرعاً نحو قرية ’الذئب‘العراقية 70ميلاً جنوب ‘القائم ’.حاولت سمتية مسلحة ضرب الرتل ولكنها قصفت بدلاً عن ذلك مجموعة منازل وتسببت بوقوع عدة خسائر بين مدنيين .وفي الوقت نفسه واصل الرتل سيره السريع على الطريق المتجهة نحو الحدود السورية. وصلت وقتها سمتية تحمل عناصر من القوات الخاصة،ثم انضمت اليها طائرة  A-130،مسلحة وعدة طائرات A-10 مقاتلة  لمرافقة السمتية .

ووفقاً لمصدر لبناني كان قريباً من موقع الحدث ،فإن الرتل اشتبك ثانية وعلى بعد بضعة أميال من الحدود السورية وعلى الطريق السريع (الدولي)القائم –البوكمال . وبعد كشف الرتل للمطاردة الجوية انقسم الى  مجموعتين ،فسارعت عدة عجلات على الجانب العراقي من الحدود ،وانطلقت ثلاث سيارات أخرى لتلوذ داخل قرية الى مكان آمن على الجانب السوري . وبينما واصلت طائرات A-10،مهاجمة وتدمير مجموعة الرتل داخل العراق ، واصلت AC-130،المرافقة لسمتية القوات الخاصة المطاردة داخل الأراضي السورية .أطلق حرس الحدود السوري النيران في محاولة لمنع الطائرات الأميركية من خرق الأجواء السورية ، فتصدت الـ AC-130،للموقع السوري بينما  واصلت السمتية مطاردة الرتل ،وحين اقتربت منه أنطلقت نيران كثيفة بين القوات الخاصة الأميركية التي حطت على الأرض والقوات السورية . قدمت AC-130،اسناداً نارياً مدمراً،وحين أنتهى الاشتباك الشديد والقصير ،قتل مابين 25-30 سورياً ، وأسر خمسة ،ثلاثة منهم جرحى أحدهم برتبة عقيد في الجيش السوري. (أطلقت مصادر سورية الخبر في 30حزيران/يونيو). دمرت عجلات الرتل الثلاث تماماً على بعد ميل واحد داخل الأراضي السورية .

قرار لبشار الأسد

كانت أهم نتائج اشتباكات 18حزيران/يونيو،هي الكشف الكامل للدور المتزايد لبشارالأسد في الأنشطة المتعلقة بالعراق .التقطت كل من الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية الاتصالات المضطربة والمتلاحقة مابين دمشق والبوكمال والقطعات الأمامية قرب قرية ’دليم‘ . وبعد ذلك مباشرة اكتشفت القطعات السورية في البوكمال فعاليات عسكرية أميركية غير عادية قرب منطقة البوكمال، واستدعي بشار الأسد وجميع القادة المهمين الى غرفة الحرب في مبنى الأركان العامة السورية . وبعد تقويم الأزمة تقرر السيطرة على القتال الناشب قرب الحدود العراقية .

أصدر بشار الأسد أمراً فورياً بهبوط جميع الطائرات وإيقاف حميع الأنشطة الجوية داخل سوريا .وتم ذلك لمنع الأميركان من الادعاء بـ (تهديد) القوة الجوية السورية للطائرات الأميركية والتحجج بذلك لشن عدوان وقصف أعمقين. ولكن الرئيس الأسد أمر وفي الوقت نفسه جميع القطعات البرية في المنطقة بالاشتباك مع الأميركان .وأصرت غرفة الحرب السورية على استمرار القتال بغض النظر عن التقارير الواردة عن خسائر سورية ثقيلة بنيران A-130. وفيما عدا ذلك صمت السوريون بل وفضلوا حتى عدم التقدم بشكوى دبلوماسية عن اختراق القوات الأميركية الواضح للحدود[والسيادة ]السوريتين.وفي الوقت نفسه عززت القوات السورية مواضعها على طول الحدود مع العراق ورفعت مستوى استعدادها . تصاعدت وبالمقابل المساعدة الفعالة لحرب العصابات [المقاومة] العراقية ضد الولايات المتحدة .

وفي الوقت نفسه تواصلت بل وتصاعدت أنشطة الولايات المتحدة العسكرية وتوسعت كذلك كرد فعل لتنامي المقاومة /التمرد الأرهابي .وفي أوائل حزيران/يونيو،شنت قوات أميركية عمليات مسح وأجتياح واسعة النطاق ضد التمرد/ المقاومة ،ولكنها كانت عمليات أنتقام ورد فعل أنحصرت أو تحددت بالمناطق التي تصاعدت فيها الهجمات .أكدت الاستخبارات الفقيرة للغاية المتيسرة لقوات الولايات المتحدة  من جهة وعداء الشعب العراقي المتسع من جهة أخرى ،أكدتا ضآلة نتائج عمليات الاجتياح تلك والتي سوف لن يأبه لها أحد . إذ يشعر العراقيون بأنهم ضحايا لا يؤبه لها و تحت وطأة الأساليب الطاغية لقوات الولايات المتحدة ،وأن الكثيرين والكثيرين منهم يدفعون دفعاً الى مساعدة وتأييد المقاومة .

اجتياح أميركي فاشل

شنت أولى عمليات الاجتياح بعدة أفواج من فرقة المشاة/3،في 5حزيران/يونيو. كان الهدف هو مقاتلي حرب العصابات في الفلوجة والحبانية ،ووصف بعض مسؤولي الولايات المتحدة المهمة ك "عملية بحث وتدمير للمتمردين السنة" . لكن وبغض النظر عن هذه التقييمات المختزلة تواصلت وتصاعدت تلك الهجمات على قوات الولايات المتحدة ، كما أن منطقة الفلوجة والتي يقطنها مزيج من الاسلاميين و البعثيين من أبناء العشائر ،ظلت ميداناً واسعاً للمقاومة .
 ولكن المقدم أيريك شوارتز ،أمر الفوج/1من اللواء المدرع/64، المتواجد في الفلوجة قال لصحيفة نيويورك تايمز "تقول المعلومات التي حصلنا عليها بأنهم-أي سكان الفلوجة- مجموعة مختلطة من الناس .قد يكونون عراقيين وقد يكونون سوريين .وقد يكونون فلسطينيين .ونعتقد بأن القاعدة ربما تكون موجودة أيضاً" .

في اليوم التالي، 6حزيران/يونيو، تجمع حشد من الناس حول مركز الشرطة الرئيس في الفلوجة وبدؤوا يهدمون المبنى المكون من ثلاث طبقات بالمطارق والفؤوس . كانت تلك  عملية جيدة التنظيم ،كما تواصل قدوم الشباب الحسني القيادة والمجهزين بالآلات المناسبة من قبل "عمال مهرة"،الذين كانوا يصدرون تعليمات جيدة .وقال أحد المشاركين لصحيفة الكارديان "كان الهجوم تحذيراً للأميركان" مضيفاً "لقد قلنا لهم وأكثر من مرة أن هذه منطقة سكنية وأننا لا نريدهم هنا. لقد دمرنا الجدران وأزلنا الشبابيك وسنهدم كل المبنى الآن..نحن ننظف المكان من الأميركان" .
 وعند هذه النقطة كان القتال في بغداد والفلوجة يقترب من سمات وشروط حملة حرب عصابات وليدة .كانت مفارز الهجوم تتمتع بحرفية عالية وتحظى بتعاطف شعبي واسع، وكانت الهجمات الجديدة تقابل بترحاب قوي من الشباب المبتهجين الذين كانوا يحييون المهاجمين بفرح غامر ويمطرون العجلات المحترقة وجنود الولايات المتحدة بوابل من الحجارة .

تزايدت شجاعة المتمردين/المقاومين حوالي 10حزيران/يونيو،مع انتشار شائعات حول بغداد ومناطق السنة بوجود صدام حسين في المنطقة .ووفقاً لتلك الشائعات ،والتي أكدها أحمد الجلبي في بغداد ،فقد شوهد صدام شمال بغداد وهو يوزع مقادير كبيرة من المال على مختلف المقاتلين الذين كانوا قد هاجموا أو كمنوا للأميركان وأوقعوا فيهم خسائر.ووفقاً للعديد من المصادر العراقية ،كان صدام يستقبل بحفاوة و ترحاب  شديدين من قبل الجماهير .كان صدام يحضهم على قتل الأميركان وإقامة "حمامات دم للغزاة" ،واعداً أياهم بمكافآت مالية نظير كل جندي أميركي يقتل أو يجرح .وقيل أن صداماً كان بمزاج طيب وبدا واثقاً من نفسه – رغم عدم تيسر شاهد عيان ممن حضروا اللقاء،زادت الاشاعات حماس الجماهير في مدن العراق السنية الرئيسة ورفعت معنوياتهم وشجعتهم على المساهمة في الجهاد ضد الولايات االمتحدة .

عملية أميركية جديدة

في 12حزيران/يونيو،شنت الولايات المتحدة عملية "ضربة شبه الجزيرة"، التي وصفت من قبل بعض مسؤولي الدفاع الأميركان بأنها ‘‘العملية الأكبر للولايات المتحدة في العراق منذ انتهاء العمليات القتالية في نيسان/أبريل 2003’’. وصفت القيادة الوسطى العملية بأنها جزء من ‘‘الجهد المتواصل للقضاء على الميليشيات المؤيدة لحزب البعث ،و للجماعات الأرهابية/المتمردة الأخرى ’’ .
 تولت قوة من (4ألاف)جندي من فق/101،محمولة (صولة) جوية ،وفق مش/4،تعززها مجموعة كثيفة من السمتيات ،والإسناد الجوي ودوريات نهرية ،الغارة على منطقة هي شريط أرضي يقع شمال غرب بغداد ويمتد على طول نهر دجلة وحيث حددت الاستخبارات وجود "معسكر عراقي لتدريب الإرهابيين" . وفي نهاية العملية تمكنت قوات الولايات المتحدة من قتل حوالي (70) مجاهداً واعتقلت مايقرب من (400) مشتبه بهم- كان معظمهم من العراقيين مع متطوعين من السعودية والسودان واليمن وأفغانستان . كانت مقاومة (المجاهدين) إبان العملية شديدة جداً الى الحد التي دعت معها الى طلب الإسناد الجوي من المقاتلات F-16C . أثبت (المجاهدون) قدرة على إدارة وتنفيذ عمليات دفاع جوي فعالة فأسقطوا سمتية هجومية واحدة  AH-64 ،وأخرى مقاتلة F-16C  .تم إنقاذ طاقمها تحت نيران قوة عراقية كانت تقترب من موقعهم . أما  قائد المقاتلة فقد قذف نفسه بأمان بعيداً عن مكان الاشتباك ،وأنقذ بعدها .كانت نظرة الجنود العاديين سيئة عن سير ونتائج العملية وقال جندي شارك فيها "لا يبدو أنها حققت أو تركت أثراً كبيراً" و مضيفاً "مازالت النيران تطلق علينا كل ليلة" .

ولكن مسؤولين مازالوا يصرون على أن الولايات المتحدة،لا تواجه بعد مقاومة مركزية و منظمة في العراق،ناهيك عن خوضها حرب عصابات هناك . قال  بول بريمر، المنسق [الحاكم ] الاداري الأميركي في العراق "نلاحظ وبالتأكيد بعض المقاومة المنظمة وخصوصاً في مناطق  غرب وشمال بغداد" ،ثم ومتابعاً "ولكنا لم  نلحظ ما يشير الى وجود قيادة مركزية وسيطرة وتوجيهات لتلك المقاومة الآن .هناك مجموعات منظمة، ولكنها صغيرة .وقد يمكن تواجد ‘5-6’، أشخاص يتولون شن هجمات معزولة ومتفرقة ضد جنودنا "’.
ولكن توالي الأحداث اللاحقة كذبت تلك الصورة الوردية .فقبل فجر يوم 13حزيران /يوليو وقع انفجاران كبيران أحدثا عدة ثقوب كبيرة في خط نقل النفط العراقي- التركي الذي أعيد للعمل مجدداً ،والمخصص لنقل نفط كركوك الى الموانئ التركية على الأبيض المتوسط .لقد أشعل التفجيران نيراناً هائلة خلال النهار ،كما أن تكرار هجمات الإرهابيين وكمائنهم والألغام المبعثرة التي زرعوها على الطرق والمقتربات الى خط الأنابيب ذاك قد عرقلا جهود فرق الأطفاء وعمل فرق الانقاذ لإطفاء النيران وأصلاح خط الأنابيب .

العقرب الأسبارطي

في 15حزيران/يوليو شنت قوات الولايات المتحدة عملية مسح وتطهير رئيسية أخرى، و لكن في منطقة الفلوجة هذه المرة . باسم "العقرب الأسبارطي" حددت القيادة الوسطى CENTCOM، أهداف العملية بـ "مصادرة جميع الأسلحة غير المجازة والقضاء نهائياً على التمرد"  في "المراكز السنية الثائرة غربي العراق". وفي أوائل الصباح أطبقت قوة تعدادها ‘1400’ من جنود ل2، من فق مش/3،تساندها السمتيات على الفلوجة وبدأت التفتيش من بيت لبيت بحثاً عن المقاتلين والأسلحة .
قال العقيد ديفيد بيركنز، آمر ل2  "أردنا التركيز على الناس الذين يتولون القيادة والسيطرة ويوفرون الموارد،وأعتقد أننا حققنا ذلك" . ولكن النتائج الحقيقية كانت مجرد فوضى وتشتت لاحدود لهما :فلم يعثر في التفتيش على أية أسلحة ،أما عن المقاتلين فقد ذاب جميع المجاهدين واختفوا عن الأنظار آخذين أسلحتهم معهم .وكدليل على استخفاف المقاومة بالأميركان فقد هوجمت المقرات العسكرية الاميركية في مدينة الرمادي القريبة ( والتي شٌنت عملية  العقرب الأسبارطي منها ) بنيران الهاونات وحيث دمرت بعض المباني  بفعل النيران .  
 
تشجعت قيادة المقاومة الأسلامية بفعل الزخم المتنامي للمقاومة .وفي 16حزيران/يونيو؛ و في ردة فعل على عمليات المسح والأكتساح وزعت[قيادة المقاومة]بياناً في مساجد و شوارع بغداد تدعو فيه العراقيين الى قطع صلاتهم بالأميركان أوحتى التقرب منهم على الأقل  ليتجنبوا الأصابة بجروح في حملات الجهاد المتزايدة .وتضمن البيان أيضاً ‘‘على العراقيين البقاء بعيداً عن جنود و دبابات وعجلات المحتل المدرعة ،كي يسمحوا لخلايانا الجهادية  بتنفيذ عملياتهم الأستشهادية دون التسبب بخسائر بين المدنيين ’’،ثم أضاف البيان القول ‘‘سوف لن نشعر بالذنب لو أصيب أي من مرافقي –أو المتعاونين –مع الأميركان أو قتل’’.
 
تواصلت وتيرة الاشتباكات بالتصاعد،وتزايدت بالمقابل معدلات خسائر الأميركان اليومية وفي العديد من المدن والبلدات ،غارت القوات الأميركية على البيوت والضواحي في الجوار في محاولة لتحديد أماكن ‘أتباع وموالي صدام ’وللعثور على أسلحة .أعتقل كثيرون ،ولكن أطلق سراح معظمهم بعد وقت ليس بالكثير واستعيدت بعض الأسلحة .لكن وبعد تزايد الدمار الذي لحق بأملاك المدنيين تزايدت مرارة وبغض أبناء الشعب العراقي للمحتلين و تواصل وباضطراد بالمقابل تزايد انجذابهم  نحو المقاومة المعادية للأميركان .كانت الأرتال الأميركية شمال بغداد تتعرض وبانتظام للكمائن ،وجرح عدة جنود .هوجمت مواقع الحرس الأميركية المعزولة وتعرضت نقاط السيطرة على الطرق لنيران القناصة والى رشقات من نيران الأسلحة الخفيفة والرمانات والمقذوفات أحياناً .قتل عدد من الجنود وجرح أخرون في أشتباكات كهذه .


يتبع .........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 07 2015, 00:48

الحلقه 17 

في 18حزيران/يونيو،فتحت القوات الأميركية القريبة من المقر الاداري لقوات الولايات المتحدة [ في المنطقة الخضراء] النارعلى تظاهرة للجنود السابقين في الجيش العراقي المطالبين بمرتباتهم .قتل أثنان من الجنود المتظاهرين وجرح كثيرون ،كان الجميع عزلاً وبلا سلاح .كانت قطعات الجيش الأميركي قد وسعت عملياتها التعرضية ضد المشتبه بأنهم من الأرهابيين ومقاتلي حرب العصابات مرة أخرى،وفي خلال بضعة أيام اعتقلت قوات الولايات المتحدة ( 400) مواطن . ولكن تأكد أن ( 60) معتقلاً منهم فقط  كانوا من عناصر المخابرات/الاستخبارات العراقية وفدائيي صدام أو الحرس الجمهوري ألا أن عملهم الارهابي ضد الولايات المتحدة لم يكن مؤكداً .

ليست حرب عصابات

  بدأ قادة أميركان كبار يقلقون من ثقل وتعقيدات المشكلة. وقال اللواء [الجنرال] رايموند أوديرنو قائد فرقة مشاة/4،


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



في ايجاز أجري يوم 18حزيران/يونيو عبرالفيديو من بغداد ، "أعتقد أن هناك ثلاث مجموعات مقاومة حتى الآن" ومضيفاً "في الأساس هناك مجموعة البعثيين السابقين من المخلصين لصدام ،وبعض الاسلاميين الأصوليين،ومن ثم بعض العراقيين العاديين الفقراء أو ممن يدفع لهم مال ليهاجموا قطعات الولايات المتحدة".وأكد وجود عدد من المتطوعين من إيران و سوريا بين المعتقلين .ومع أن أعمال الإرهاب والتمرد كانت في تزايد،الا أنه أقر بأن ما تواجهه الولايات المتحدة ليست حملة حقيقية لحرب عصابات ،لأن الهجمات كانت مشتتة و تبدو غيرمنظمة .وأكد الجنرال أوديرنو أن "هذه ليست حرب عصابات ،وليست حتى قريبة من حروب العصابات لأنها ليست منسقة، وليست منظمة ،ودون قيادة" .
في الوقت نفسه ،أعلن ممثلون و قياديون من فدائيي صدام حملة تجنيد جديدة لضم مقاتلين جدد ضد الولايات المتحدة ،وأعلنوا حاجتهم الماسة والعاجلة لقوات أضافية لهجوم كبير ضد الولايات المتحدة .حققت دعوات التجنيد هذه نجاحات عظيمة وكبيرة في المناطق السنية .
 ظلت الولايات المتحدة خلال صيف 2003 عاجزة عن المحافظة على مستويات انتاج و تصدير النفط بوجه عمليات التخريب المتواصلة – وبضربات كبيرة كتفجير الأنابيب و المنشآت النفطية الى الجرائم البسيطة كسرقة وتخريب المعدات في المنشآت النفطية الكبرى .وعلى سبيل المثال ، فجرت في 20حزيران/ يونيو ، قنبلتان بالغتا التطوير والتعقيد بجهاز سيطرة من بعيد ،فأحدثتا بدوريهما عدة تفجيرات أخرى أربكت وأوقفت تدفق النفط لبعض الوقت .
 انتشرت القوات الأميركية على جبهة ممتدة ، وبدا واضحا أن من غير الممكن فرض مراقبة قوية وكافية على خطوط أنابيب النفط الطويلة في أراضٍ وعرة ومتموجة حيناً وصحراوية حيناً آخر– وهي حقيقة أحسن العراقيون استغلالها . وفي تلك الليلة أطلق (المجاهدون) قذائف RPGs،على محطة توليد الطاقة تحت أنظار دبابات وقوات الحراسة الأميركية .سببت تلك القذائف جبلاً من النيران طوال الليل ،كما قطعت التيار الكهربائي عن المدينة .

كالبط 

  كان ذلك الهجوم فاتحة لموجة واسعة من الارهاب استهدفت البنى التحتية المدنية العراقية – أي محطات الطاقة ،ومحطات تعبئة الوقود ومنظومات الماء ومجاري المياه الثقيلة (القذرة) – لمنع سلطات الولايات المتحدة من توفير الخدمات الضرورية للشعب العراقي .و بالأضافة الى ما ألحقته حملة الارهاب من تخريب في خطوط أنابيب النفط والمنشآت الأخرى، كان لهذه الحملة تأثير واضح على تزايد حالة اليأس والقرف في صفوف الشعب العراقي . ومع استمرار المشكلة ، تزايدت  نفرة وعدوانية سكان المدن العراقية . وقال انتفاض قنبر الناطق الرسمي للمؤتمر الوطني العراقي "حتى الآن فإن الجنود الأميركان باتوا أهدافاً سهلة جداً فهم كالبط الجالس على الأرض أمام الارهابيين" .

الإرهاب السعودي على الخط 

  تواصلت الفعاليات على الجبهة السعودية بالتصاعد خلال شهر حزيران/يونيو.كان المجاهدون الاسلاميون السعوديون –المرتبطون عقائديا بأسامة بن لادن – نشطين في تصعيد التمرد في العراق والسعودية معاً،كما تزايد كذلك  تدفق وتنقل الاسلاميين بين البلدين .وصلت أعداد متزايدة منهم الى العراق لمقاتلة الأميركان ، وعاد كثيرون منهم الى السعودية بعد فترة قصيرة في ساحات القتال العراقية وقد تزودوا بخبرات قتالية وعزم شديد وأسلحة جديدة . وعند منتصف حزيران/يونيو كان عدة مئات من (المجاهدين) السعوديين يقاتلون في العراق ،مع مقتل عدة عشرات منهم .
وهنا ،باتت القيادة الاسلامية – على المستويين العالمي والسعودي معا – مقتنعة الآن ، بأن (الجهاد) في العراق سيكون طويلاً ومتقطعاً Protracted’ وكذلك تحدياً وأن ‘‘الجهاد لأجل بغداد اسلامية" قد يغدو عامل تعبئة وتحشيد لكل العالم الاسلامي ،وبقدر ما كان من تأثير للجهاد  الكبير في أفغانستان في الثمانينيات .عملت [الجماعة] الاسلامية السعودية لتعزيز تواجدهم وتأثيرهم على المدى الطويل في العراق .وقد بدؤوا بوضع شبكة برامج طموحة ودعائية،بدءا من الجيب الاسلامي في الفلوجة . كان العديد من شيوخ الدين السعوديين المتميزين ومن أتباع بن لادن – ومن بين أشهرهم وبشكل خاص الشيخ ناصر العمر والشيخ صفار الحولي - أوصلوا توجيهاتهم ووصاياهم الى الاسلاميين العراقيين ، وفي الوقت نفسه، كانت مجموعة من رجال الدين الذين تتلمذوا في السعودية وأغلبهم عراقيون ،مع بعض السوريين والمصريين وأعضاء ممن ولدوا في السعودية ،قد بدؤوا السيطرة على العديد من مساجد المدينة [الفلوجة]مع تولي العراقيين منهم مهام إمامة الجوامع ،وتولي غير العراقيين مهام الدروس التعليمية والوعظ والخدمات .  
  وبالعمل من خارج المساجد واصلت الجمعيات الخيرية توزيع الاعانات المالية والأطعمة والمواد الضرورية الأخرى على السكان المدنيين .عرضوا كذلك تنظيم برامج تثقيفية ومهنية للفتيان ، تشتمل وبالاضافة على الأطعمة والمرتبات المالية – برامج تهدف في حقيقتها لأثارتهم للعمل ضد الولايات المتحدة ،ولأعطاء قادة الجماعات الأسلامية فرصاً لاختيار نابهين ونشطين جدد . وحال التأكد من متانة ارتباطهم ،تتم عملية اختيار نهائية للأكثر جودة منهم ،ليتم ارسالهم الى السعودية أو في دول عربية أخرى ليحصلوا على تعليم أعلى هناك. تضمنت برامج التعليم الديني والروحي كذلك على تدريب على الأرهاب يشتمل على طرق اعداد وصنع القنابل .تولى العديد من الشيوخ الوعظ بقوة عن مناقب وأهمية العمليات الاستشهادية ضد قوات الاحتلال الاميركية .

خلايا في السعودية

 في الوقت نفسه استخدم الإسلاميون السعوديون بيوتا وملاذات آمنة في العراق لإعادة تنظيم ، واستيعاب المواد والمعدات الجديدة القادمة من إيران ،ولمواصلة عمليات تسلل مفارز جديدة  الى غرب السعودية .وفي 4 حزيران/يونيو أعلنت السعودية حالة طوارئ عامة للتعامل والحد من التهديدات الإرهابية المتزايدة .وضعت جميع القوى والمراكز والدوائرالأمنية بأعلى حالات التأهب ،بينما تولت  دوائر مكافحة الاستخبارات حملة مراجعة واعادة نظر في سجلات الأشخاص بحثاً عن أو لكشف مناصري "القاعدة" وكشف الخلايا السرية (النائمة).وطوال الأسبوعين التاليين شنت قوات الأمن عدة عمليات بحث وتحر فاكتشفت بيوتاً آمنة (أوكاراً) ،في مناطق الرياض والمدينة وعسير ونجران قرب الحدود مع اليمن .وعثر على براميل Drums،مليئة بمواد كيمياوية و متفجرات ،وجرى اعتقال أكثر من 1000مشتبه بهم .غالباً ما تسببت حملات التحري والاعتقالات والغارات الليلية في الرياض وجدة والمدينة بحدوث اشتباكات كثيفة وقتالات مابين الارهابيين وقوات الأمن .قتل قائد [أرهابي]واحد على الأقل في أوائل حزيران/ يونيو، وعثر السعوديون في جيبه على رسالة خطية من أسامة بن لادن /مؤرخة بـ كانون ثاني/يناير2003.
 في 14و15حزيران/يونيو،خاضت قوات الأمن السعودي إحدى أثقل اشتباكاتها على الاطلاق في حي الخالدية في مكة .قتل ضابطان سعوديان وجرح خمسة في تلك  الاشتباكات ، وقتل خمسة آخرون من الإسلاميين لأن انتحارياً حاول تفجير نفسه وسط قوات الأمن فتسبب بموت رفاقه بدلاً عن ذلك . تمكنت قوات الأمن في النهاية من اقتحام شقة تستخدم كـوكرحيث عثروا على 72قنبلة ،ومدافع رشاشة وأعتدة وأجهزة اتصالات لاسلكية ومواد كيمياوية لتصنيع متفجرات .ومع ذلك فقد تمكن أكثر من 30 أرهابيا من الفرار .
  بعد التوصل لهذه الحقائق أكتشف السعوديون أن خلية مكة كانت تهيئ خططاً لعدة عمليات ومحاولات اغتيال أولاً في مكة ومن ثم ،وإن دعت الحاجة في المدينة وجدة ومنى ،وكذلك في جميع الأماكن التي خطط الأمير نايف [وزير الداخلية السعودي ،وولي العهد حالياً ]، لزيارتها في جولاته التفقدية والتفتيشية للتدابير الأمنية .انقسمت القوة المرتبطة بالقاعدة الى خليتين بقوة ‘20’ عضواً لكل منهما .تدير كل خلية وكراً/ملاذاً آمناً منفصلاً مع خزين خاص من الأسلحة والموارد المالية. تنص الخطة على محاولة إحدى الخليتين تنفيذ عملية الاغتيال وتتولى الأخرى أما تسهيل تملص وهرب زمرة الاغتيال تلك ،أو لتنفيذ خطة بديلة أواحتياط في مدينة أخرى .وفي خطة الاغتيال المقرر تنفيذها في مكة انقسمت الخلية الأولى الى ثلاث مفارز .الأولى :لإطلاق مقذوفات RPGs، وصواريخ واطئة الإرتفاع LAW،على سيارة الأمير .وحال توقف موكبه تقود المجموعة الثانية سيارة شديدة التفخيخ لهجوم انتحاري على سيارة الأمير . تتولى المفرزة الثالثة حماية السيارة (القنبلة ) المفخخة ،وتشتبك مع قوات الأمن إن حاولت هذه التدخل .(وفي النهاية ،كانت خطتهم وهمية ومجرد لغو ؛إذ أقنعت اشتباكات مكة الأمير بإلغاء رحلته التفتيشية في الدقائق الأخيرة ) .
واصل السعوديون جهودهم للقضاء على الشبكات الاسلامية واعتقلوا حوالي 50 مظنوناً . و جاءت نقطة التحول في 26حزيران/يونيوعندما استسلم عبد الرحمن الفاكاسي الغامدي للسلطات السعودية .كان الفاكاسي مختبئاً في  منطقة الـ ‘بريدة Buraida’،لكن وبعد تحذير قادة بريدة بأن المدينة ستتعرض الى عملية تفتيش دقيقة للعثور عليه – ثم وبعد اعتقال السعوديون لزوجة الفاكاسي وتعريضها لعمليات تعذيب متكررة – اتصل الشيخ صفر الحولي وهو نفسه من نفس العشيرة بعائلة الفاكاسي ، متوسطاً تدبير استسلامه الى الأمير محمد بن نايف .كان الاستسلام مشروطاً بإطلاق سراح الفاكاسي مع وعد بعدم تعرضه لأي تعذيب ، وأن يحصل على محاكمة عادلة ،ومحامياً للدفاع عنه ،وأن يضمن ذلك كله بكلمة[شرف ]من الشيخ الحولي نفسه .
وجرت محاولة أخرى ومماثلة وإن بنجاح أقل . ففي 3/تموز/يوليو،أطبقت قوات الأمن السعودية على وكر آخر في (الجوف) كان يختبئ فيه أكثر المطلوبين السعوديين أهمية– تركي ناصر الدنداني . فقتل خمسة ضباط شرطة في معركة ضارية تالية، لكن ومع التطويق السعودي ،فجر الدنداني ومعه أرهابيان أثنان آخران أنفسهم، فجرح عدة رجال أمن .
 وسّعت السلطات السعودية عمليات التطهير داخل المنظومة الأمنية نفسها .وبلغ عدد المشتبه بتعاطفهم مع الاسلاميين عدة آلاف . ولإدراكهم بتزايد النقمة الشعبية ،صعدت سلطات الأمن السعودية من أعداد الدوريات ونقاط السيطرة على الطرق في جميع المدن السعودية  

بيانات ضد البعثيين 

 خلال صيف 2003، هرب العديد من الارهابيين السعوديين المطلوبين الى العراق وانضموا الى المتمردين الاسلاميين .وأصبح لهم ،آخذين بنظر الاعتبار علو مكانتهم في العمل الاسلامي ،تأثير كبير على زخم ودوافع وأنشطة الشبكات الاسلامية العاملة في العراق . كما جلبوا معهم المزيد من الأموال للجهاد . لذا لم يكن التزايد الملحوظ في عدد ونوعيات الهجمات الاسلامية أواخر حزيران/يونيو في العراق أمراً عارضاً أو عادياً . ويلاحظ كذلك وبشكل خاص تزايد أعداد (العرب الأفغان) ومعظمهم من السعوديين والسوريين ، وكذلك من أقطار عديدة أخرى في العالم ،بما في ذلك الجزائر والشيشان – والذين ظهروا كمقاتلين قادة في الهجمات الأشد جرأة و ضراوة ضد قوات الولايات المتحدة . بدأ العديد من الجماعات المرتبطة بالقاعدة إصدار نشراتهم و بياناتهم وتعليقاتهم الدينية ،والتي تؤكد جميعها تعاظم أدوارهم في الجهاد العراقي .
صدر الخطاب الأول عن (أفواج مجاهدي الجماعة السلفية في العراق).وظهر في الورقة المرفقة بالبيان اعتذار عن التأخر في إصدار البيان قبل الآن ،مع ملاحظة أن "القادة كانوا مشغولين بقيادة المقاومة ضد الأميركان في العراق فكان من الصعب إيصال هذه المعلومات" . تضمن الخطاب كذلك بياناً عقائدياً عن تأسيس وأهداف الجماعة ، و"بعون الله نعلن تأسيس الجماعة المجاهدة السلفية كجماعة سنية موحدة تحت الراية والعقيدة والتوجيهات السلفية" . وللجماعة "ثقة وأيمان مطلقان بأن الجهاد في سبيل الله هو الطريق الوحيد والصحيح لاستعادة المجد والفخر والكرامة التي أنتزعت من هذه الأمة العظيمة ". ووعدت الجماعة بأن "جنود الشيطان ،وأعداء الله ،سيرون منا ما سيؤرقهم ويرعب منامهم . وفي الوقت نفسه فسيرى أبناء الأمة الإسلامية ما سيبهجهم ، ويجعلهم يحسون بالأمان ويذهب غيض صدورهم بإذن الله وعونه" .
 اللافت أن الجماعة نأت بنفسها عن البعثيين (السابقين) الذين وصفتهم بـ "جند الطاغية و شياطين الظلام ..لقد اختفى آلاف البعثيين والفدائيين والحرس الجمهوري الخاص وسلموا بلداً مسلماً لأسيادهم الأميركان". وبدلاً عن ذلك قررت الجماعة الإعتماد على الأسس الإسلامية الصافية. وأعلنت أفواج مجاهدي الجماعة السلفية في العراق في البيان عن "البدء بمشروع نموذجي جديد على غرار الجماعات الجهادية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي في بعض البلدان" . وذهبت الجماعة الى أبعد من ذلك باقتداء أسطورة الجهاد الأفغاني بالثناء على "عبدالله عزام" القائد الروحي المبجل لأسامة بن لادن وبالتالي لجميع الأفغان العرب .
 صدر بيان إسلامي آخر ولافت للنظر في 20حزيران/يوليو،على شريط فيديو عن (الجبهة الوطنية لفدائيي العراق". ويشير نص وصيغة شريط الفديو الى تأثير فلسطيني كبير . وفي الحقيقة ، كان ذاك الفيديو أول شريط يبث عن طريق القناة الفلسطينية – الاسلامية في لبنان . ومرة أخرى يؤكد البيان على السمة الإسلامية الدقيقة للجماعة ؛وبعدم صلتها بالبعثيين :
     جاء في رسالة من الجبهة الوطنية للفدائيين الى بوش وزبانيته ما يأتي : ( لقد أخذنا على عاتقنا أن نعيد اليكم أجساد جنودكم الواحد تلو الأخر انتقاماً لأعمالكم الارهابية والاستفزازية التي أرتكبتها قواتكم المتوحشة القذرة ،بما في ذلك القتل العشوائي الظالم ومختلف الجرائم والإهانات لجميع السكان .
    لقد تعهدنا أمام الله بضربهم ومهاجمتهم مرات ومرات ،وكل واحدة والأخرى ستكون أشد وأقسى من السابقة التي وجهناها اليهم .وسيتم كل ذلك وبعون الله وعزم وشجاعة أبناء وأعضاء جبهة الفدائيين هذه ،والتي لا ارتباط لها ولا أية علاقة بالنظام السابق .لذلك سنقول لكم (أيها الأميركان) ،إن أردتم حياة وسلامة جنودكم ،فليتركوا هذه الأرض الطاهرة. وبخلاف ذلك، سننتقم لكل عراقي قتلوه،أو أهانوه أو نهبوا وهدموا بيته.ولابد أن تعرفوا بأن العراقيين قد خدعوا بأكاذيبكم حول تحرير العراق) .


بتوقيع (الإرهابي)

 وفي أواخر حزيران/يونيو ،كان التأثير الاسلامي – السعودي واضحاً وجلياً في الخطب التي يلقيها الأئمة في العديد من الجوامع في المدن العراقية السنية .وكان أحد أبرز أولئك الأئمة نفوذاً وشعبية هو الشيخ عبد الواحد الزوبعي ،الذي كان وفي خطبته ليوم الجمعة 20حزيران /يونيو،قد دعا الى تصعيد وتشديد الجهاد ضد الأميركان رداً على الموقف العدائي داخل الولايات المتحدة ضد العراق .لقد قال الشيخ الزوبعي أن "الأميركيين كاذبون" ومضيفاً بعد ‘‘لقد كذبوا حين قالوا أنهم جاؤوا لبناء العراق . فإن استمر هذا التلفيق والازدواجية ، فسيتواصل تزايد وتصاعد الهجمات" .
 في الحقيقة كانت أعداد المجاهدين تتزايد ،كما تصاعدت ثقتهم بقدرتهم على السيطرة على الجهاد ضد الأميركان .وفي أوائل تموز/يوليو، قال  مجاهد، سيعرف باسمه الحركي في حرب العصابات  بـ "الارهابي"،وفي تقرير له عن الموقف العراقي ،أكد فيه على تنامي دور الاسلاميين في الجهاد وعن تضاؤل دور صدام حسين : قال ‘‘ لأنني في العراق وأرى كل شيء هنا ،وأريد اخباركم بأن ليس لصدام في الحقيقة علاقة في القتال .وهناك قلة فقط من البعثيين تشارك في الكفاح ،ولكن القسم الأكبر يتولاه بعض المجاهدين الذين دخلوا العراق ، ومن قبل بعض العراقيين الأبطال الذين رفضوا قبول وبقاء الأميركان على الأراضي العراقية" .
 أدعى "الإرهابي" بأن جميع العراقيين وبغض النظر عن[درجة] حقدهم على الولايات المتحدة ،قد نبذوا صدام حسين .فقد "باع أتباع صدام البلاد ،وهم من سهلوا على الأميركان احتلاله . فكيف يستطيع صدام حسين دعوة الشعب لمقاتلة ومقاومة المحتل بعد أن أهان هو نفسه، واضطهد الشعب والبلاد لوقت طويل؟ لقد ولت مرحلة البعث ويجب ألا يصدق الشعب أكاذيب صدام بعد . ويعرف الجميع في العراق الآن بأن ما من عائلة واحدة في العراق قد تركت دون أن تفقد أحد أفرادها (بسبب صدام ونظامه )".وبدلاً عن ذلك فإن "الشعب العراقي المسلم
الذي يستمد الالهام والحرص من الصحوة الاسلامية وروح الجهاد، سينقذ نفسه من أدران الاحتلال الأميركي .

.. وإيران أيضا

  في الوقت نفسه، وبينما تسلطت الأنظار على التمرد السني في العراق ،و على الإرهاب الإسلامي – السني في السعودية ،كانت إيران قد وسعت وبحكمة مكانتها وعززت قبضتها فيما سيطرت عليه في أرض شيعة العراق . طبقت طهران مقترباً شمولياً وذرائعياً تجاه العراق : فعلى المدى البعيد ، كانت طهران قد التزمت [أو فرضت ]تحديد ورسم سمته عراق ما بعد صدام من خلال حروب بالنيابة يشنها أتباعها by proxy . كان التقويم الكلي والشامل في إيران هو أن :الإحتلال الأميركي سوف لن يستمر طويلاً ،وأن الخسائر [الأميركية ] الموهنة والإرهاب المتفاقم والمثير للإعجاب ،وكذلك [فإن أحتمال]امتداد الحرب الى اسرائيل (باستخدام حزب الله)،والى السعودية (باستخدام بن لادن ) سيجعل كل ذلك استمرار الوجود الأميركي شيئاً لا يطاق . ويعتقد خبراء إيرانيون ،أن على الرئيس بوش الأنسحاب من المنطقة ، وإلا سيتسبب  بالكثير من مخاطر السخط العام و العلني، وانقسام الرأي العام [الأميركي ] في عام انتخابات رئاسية [2004] بسبب  حرب لا طائل وراءها.
  وعلى ضوء وهدي هذه التحليلات ،واصلت أيران تصعيد دعمها للحرب ضد الولايات المتحدة . كان الإيرانيون كالسوريين يرغبون بمساعدة كل من على استعداد لقتل جنود بريطانيين وأميركيين، ولكنهما كانا يفضلان وبوضوح مساعدة الجماعات الشيعية . وأكثر من ذلك ، ومع استمرار تصاعد  حرب إدارة بوش الكلامية المفرطة ضد إيران ، وبدء واشنطن مناقشة إسقاط نظام الملالي علانية ، تزايد عزم طهران على عدم استبعاد أو تجاهل أية أحتمالات تكمن وراء أي تحرك للولايات المتحدة . كما أن تفجر تظاهرات الطلبة في طهران أوائل حزيران /يونيو، ألهبت تصميم الملالي على إفساد وإفشال أيا من مبادرات الولايات المتحدة مستخدمة في ذلك التمرد/المقاومة العراقية الملتهبة فعلاً ،كوسيلة وأداة مفضلة. ومهما يكن ،فهي (أي المقاومة/التمرد العراقي ) قائمة فعلاً. وهناك فوضى في العراق وبكل معنى الكلمة ومنذ أوائل  نيسان/أبريل [2003]’’. وفي 23حزيران/ يونيو ،كتب المحلل السياسي التركي حسن أونال في صحيفة الزمان الأسطمبولية يقول "في هذه الظروف من المستحيل (على الولايات المتحدة ) التعامل مع إيران" .


يتبع .......
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 07 2015, 22:05

الحلقه 18 

مسلكان إيرانيان

اتبعت طهران مسلكين في الصراع .فمن ناحية ، سيطالب المجلس الأعلى بحل سياسي للاحتلال ،بينما سيثير،من ناحية أخرى وتدريجياً الضغط على الأميركان ، وسيظل مطلبه الأساسي ابقاء أيدي آية الله محمد باقر الحكيم (رحمه الله) نظيفتين تماماً .ومن ناحية أخرى : ستساعد ايران الشبكات السرية في تصعيد التمرد –بمساعدة الارهاب ضد الولايات المتحدة ، ومساعدة [ قوى]حرب العصابات على الإبتعاد عن البعثيين بطريقة ستدفع الى الحرب الأهلية و الفوضى معاً .

وبجمع نتائج المسلكين ،ادعى خبراء ايرانيون أن العراق سيكون بلدا عصياً على الحكم والسيطرة عليه من قبل الولايات المتحدة، في هذه الاثناء ترسي إيران الأسس والقواعد التي ستمكن الأغلبية الشيعية من الامساك بالسلطة ،تساعدها في ذلك أعدادها الكفيلة بذلك ،والدعم الأيراني .
 
تحققت الخطوة الأولى في تنفيذ الخطة ،حين أعلن المجلس الأعلى أنه سيترك أسلحته الثقيلة في أيران . وكما قال المرحوم عبد العزيز الحكيم لقناة الجزيرة ‘‘كان فيلق بدر يعمل ضد نظام صدام حسين والبعث المجرم .[لذا] وبعد انهيار ذلك النظام ؛فما من مبرر لفيلق بدر للاحتفاظ بأسلحته الثقيلة، لذلك قرر تركها .

و يسعى فيلق بدر الأن للعمل في مجال الاعمار والبناء، والحفاظ على الأمن ،ودعم الشعب العراقي في مطالبه السياسية ببناء حكومة عراقية وطنية ينتخبها الشعب .  ويسعى كذلك الى المساهمة الفعالة في تحقيق الأمن والاستقرار في مختلف المدن العراقية وبالاشتراك مع الشرفاء العراقيين الآخرين ’’.
تحول الذراع العسكري لفيلق بدر الى مليشيات محلية تتولى ضبط الأمن . وقد تعدى هدف حملة جماعة المجلس الأعلى الى شبكة واسعة من الخدمات الاقتصادية و الاجتماعية ، واستخدام أعداد كبيرة من العراقيين في اعادة الأعمار وتوزيع إعانات غذائية ومساعدات طبية ! وفرت إيران أموالاً طائلة ، كما وصل خبراء إيرانيون كحجاج للمراقد والمزارات الشيعية المقدسة في النجف وكربلاء،وللمساعدة في تنظيم تلك البرامج والمشاريع .

التعبئة الشيعية

في أوائل حزيران/يونيو ،بدأ المجلس الأعلى جهوده لتعبئة الجماعات الشيعية –أما لتصعيد الضغط على واشنطن لترك العراق أو لتفجير انتفاضة شعبية بقيادة شيعية تهدف كذلك الى طرد الولايات المتحدة بالقوة .أصدرالاعلام الشيعي تهديدات مهذبة وماكرة لسلطات الولايات المتحدة . ففي 5/حزيران/يونيو،وعلى سبيل المثال، حذر "صوت المجاهدين"، بأن أستمرار الأمور على ماهي عليه قد يؤدي الى تفجر العنف .

و"من الواضح الآن أن الادارة الأميركية قد تنكرت لوعودها بإعادة اعمار العراق وتشكيل حكومة عراقية انتقالية قادرة على تحمل مسؤولياتها نحو الشعب والوطن .سيلقي توجه كهذا ظلالاً سودا على الموقف في العراق . كما سيثير العديد من التساؤلات عن الدور الذي تريد ادارة البيت الأبيض لعبه في العراق والشرق الأوسط عموماً" .وبينما كان تسريع تشكيل حكومة عراقية جديدة و انسحاب أميركي سريع سيطفئان فتيل الأزمة ،فإن القرار الأميركي بالبقاء كقوة محتلة   في العراق سيــ "يدفع العراقيين نحو صفحة أو مرحلة مشاعر مختلفة والى القيام بأعمال قد لا ولن ترضي الولايات المتحدة ".

كان المتلقون الرئيسون لهذا التأجيج هم شيعة العراق ،فهم من طٌلب منهم التهيؤ لشن مقاومة مسلحة .ساهم آية الله باقر الحكيم نفسه في الحملة بشكل غير مباشر،بتأكيده على أن الحلول السياسية والادارية التي تعرضها الولايات المتحدة لا اسلامية .وأعلن في خطبته ليوم الجمعة في 6 حزيران/يونيو،بأن‘‘ مقترح الولايات المتحدة بتشكيل مجلس عراقي لصياغة "مسودة دستور" وادارة شؤون البلاد هو اقتراح يرفضه الشيعة وترفضه الشريعة /و(القوانين) الاسلامية ’’. وأضاف الحكيم بأن ‘‘الحكم في العراق يجب أن يكون ديمقراطياً وفيدرالياً وأن يستند على مبادئ الشريعة الاسلامية".

تحذيرات

وفي 7حزيران/يونيو ،بث صوت المجاهدين خطاباً شديد الوضوح تضمن وبقوة موقفاً معادياً للأميركان باسم أبناء الشيعة .ومضى الخطاب بالقول أنه وفي فوضى مابعد الحرب فقد "استيقظ العراقيون من كوابيس نظام الطاغية صدام الذي أطيح به وبأجهزته القمعية ليجدوا أن آلة الولايات المتحدة العسكرية تحتل وطنهم .واستيقظوا كذلك ليدركوا بأن الأميركان يضمرون الكثير من الأحقاد ضد العراق والشرق والاسلام والعرب ،رغم أنهم لا يظهرون تلك الاحقاد لتعارضها حالياً وسياسات الولايات المتحدة في المخادعة والتزييف ".وأكثر من ذلك ،وسعياً وراء مصالحها "سارت الولايات المتحدة في اتجاه معاكس تماماً فاصطدمت مع إرادة الشعب العراقي وعزمه على بناء بلد حر ومستقل ويتمتع بحرية حقيقية ،وليستعيد كرامته وفخره وباستقلال حقيقي وكامل .هذا الإختلاف بين أهداف الادارة الأميركية في العراق ورغبات الشعب العراقي الحقيقية ستصل دون شك نقطة اصطدام وخلاف ، ومجابهة أحياناً".

كرر الخطاب تحذيراته للولايات المتحدة بأن نقطة الأزمة وشيكة : "لنكن صريحين مع الأميركان ،فإن واصل شعبنا تقديم المطالب بينما تتجاهلها الولايات المتحدة وتواصل فعل ما تريده ،فستكون  اللحظة التالية هي لحظة الاصطدام ما بين شعبنا وقياداته بل وحتى سياسييه الذين يتحدثون مع الادارة الأميركية من جهة، وتلك الادارة ومن يمثلها في العراق من جهة أخرى.وتلك اللحظة هي  الأخطر على المستوى الأمني والعسكري والسياسي" .

وكي نتفهم حقيقة وجلية الأمر ،يواصل الخطاب القول إن على الولايات المتحدة التعلم من " التجربة البريطانية في العراق في الماضي ، حين أشعل العراقيون  النار تحت أقدام الغزاة وحرموهم من التمتع بثروات العراق .لذلك سارعت بريطانيا الى انهاء احتلالها واعلان أستقلال العراق قبل مستعمراتها الأخرى . وإن أرادت تجنب نشوب العديد من المشكلات جراء احتلالها للعراق فعلى الولايات المتحدة الخضوع لإرادة الشعب العراقي وأمانيه بتحقيق استقلاله ونيل حريته" . و في ملاحظة ايجابية ،خلص البيان الى اقتراح مفاده أنه وحال انسحاب الولايات المتحدة من العراق فـ "سوف لن ترفض بغداد التعاون مع الولايات المتحدة بخصوص النفط ".

جيش المهدي

واصلت طهران وفي الوقت نفسه المضي في تدابيرها السرية الأرهابية قدماً–  مستعينة بجيش المهدي  للتأثير في العراق، والعمل على منع البعثيين من السيطرة على  حرب العصابات ضد الولايات المتحدة (وتولي القيادة بالتالي في بغداد بعد الحرب ) وكذلك بدعم الجهود الارهابية ضد الولايات المتحدة لحين شن الانتفاضة الشعبية الشيعية ،و في 8حزيران/يونيو وصل مقتدى الصدر الى طهران في زيارة رسمية لمدة أربعة أيام ، التقى خلالها هاشمي رفسنجاني ،وقاسم سليماني (قائد فيلق القدس ) ورسميين كبار في مكتب خامنئي .عين آية الله العظمى سيد كاظم الحائري مقتدى الصدر كنائب له – وهو تشريف كبير .
 
في طهران تعهد جيش المهدي بخطة عمل شاملة نيابة عن الايرانيين ..ووفق هذا السياق كان يجب تنظيم جماعات شبابية لتشتيت أية أنشطة وفعاليات لآيتي الله السيستاني و[محمد سعيد ] الحكيم ، إذ ترى طهران أنهما يتعارضان ومصالح ومخططات الثورة الاسلامية .وقد تتدرج الأعمال المطلوبة ما بين تفريق الاجتماعات ثم صعوداً الى الأغتيالات.

والأهم شن حملة شاملة تهدف الى اثارة مقاومة شعبية – مسلحة و سلمية معاً – ضد جميع وكل ما يمثل حضوراً للولايات المتحدة في العراق .هنا كانت التعليمات الأيرانية واضحة :على جماعة الصدر الثاني تنظيم شبكات سرية،على غرار حزب الله في لبنان ،وللعمل على جبهتين:
1 - أعمال ارهاب/مقاومة ضد الولايات المتحدة ،
 2 - أعمال تخريب وتشتيت تهدف الى دفع العراق نحو الفوضى والحرب الأهلية .
ولتحقيق هذين الهدفين ،ستزود جماعة الصدر الثاني بالدعم الكامل ،والخبرات الضرورية والعملياتية من مراتب حزب الله وفيلق القدس .

فتوى الحائري

قبل 12حزيران/يونيو .سلم آية الله سيد كاظم الحائري الموارد المهمة والضرورية للمهام الصعبة القادمة لجيش المهدي ، فضلا عن فتوى بالموافقة على قتل البعثيين وجميع العاملين على عودة صدام حسين . وأوضح الحائري في فتواه ،ما يعتقده  سبباً للحرب ،وكذلك بوجهة نظره عن مشهد عراق ما بعد الحرب .وأعلن بأن سبب غزو الولايات المتحدة  للعراق كان ‘‘ نيران الخصومات والحرب بين الظالمين أنفسهم ،أي بين أعتى المتبجحين المغرورين (الولايات المتحدة) و عميلهم المتطرف (صدام)،الذي لم يشهد له العالم مثيلا’’.

وبهذه الشكل فليس للولايات المتحدة علاقة بموضوع تشكيل الحكومة في العراق بعد،بل مع أحد (عملائها) فقط ،أي صدام نفسه .لذلك فالمصلحة الحقيقية للولايات المتحدة هي بإعادة نظام البعث، ولكن من دون صدام ،ولكن تحت سيطرة مشددة للولايات المتحدة .  "لقد ترك المجرمون الأميركان البعثيين الصداميين ليعيثوا فساداً في العراق مرة أخرى دونما رادع ومتصد .وهدفهم بعد الحرب هو وضع العراق تحت سيطرتهم المباشرة دونما وساطة من عميلهم ،وهذا هو ماحدث .فهدفهم اذن ليس تحرير العراق من قبضة البعثيين الصداميين .وهكذا بدأ عملاء صدام العمل على أعادة السلطة الى حزب البعث العراقي كي يضطهدون (الشيعة)مرة أخرى".

واصل الحائري تحليل مضامين عضوية حزب البعث ،ومحدداً خمسة أقسام أو مجموعات منهم : تتألف الأولى من الغالبية ،والذين أصبحوا أعضاء في الحزب لإدامة مطالبهم الحياتية أولضمان أمنهم وسلامتهم رغم رخص وضآلة اساليب العيش التي يحظى بها أحدهم تحت حكم صدام .ولم تتورط هذه المجموعة من الناس في جرائم ضد الأمة![الشعب العراقي] .

غارة أميركية

  في 21حزيران/يونيو ،وبسبب تصاعد مخاوف قوات الولايات المتحدة ،من اليقظة الشيعية أغارت تلك القوات على مبنى مكتب المجلس الأعلى في منطقة الجادرية في بغداد. كان التبرير الرسمي هو التأكد من عدم اختباء ارهابيين في المبنى- وفي الحقيقة فقد ضٌرب ثلاثة من أفراد الحرس واعتقلوا ،كما عثر على بندقية كلاشنكوف واحدة فصودرت . وبعد ذلك ،وعلى كل حال أجرت القوات الأميركية تفتيشاً دقيقاً للمبنى وصادرت جميع أجهزة الحاسوب والاستنساخ وعدداً من أشرطة الفديو ، ففسرت طهران والمجلس الأعلى الغارة كأعلان أميركي للحرب على النخبة السياسية الشيعية .

حادثتان في المجر الكبير

 وفي 24حزيران/يونيو ،وقعت حادثتان بطبيعتين مختلفتين في المجر الكبير  ،واستهدفت كل واحدة منهما توجيه رسالة خاصة الى السلطات الأميركية والبريطانية .

كانت الحادثة الأولى ،قنبلة قتلت 6 من رجال الشرطة العسكرية الملكية في وسط المجر الكبير ، والذين أرسلوا لتدريب قوة شرطة محلية .كان ناشطون موالون لايران قد حرضوا القرويين على مقاومة قوة المظليين البريطانيين التي كانت تفتش البيوت ،بيتاً بيتاً بحثاً عن السلاح في المنطقة بحجة أنهم قد أهينوا من قبل غير مسلمين ، ولابد من تلقين البريطانيين درساً .وحال وصول رجال الشرطة الستة لتنفيذ منهج التفتيش المقرر،تجمع أكثر من 300،من جماهير القرى حسني التسليح حولهم .سرعان ما ترك رجال الشرطة المتدربين من العراقيين البريطانيين لوحدهم  .وبدأت الحشود بالصراخ وقذف البريطانيين بالحجارة ،وعندما واجه البريطانيون الحشود بدأ العراقيون أطلاق النار وقتلوا(2) منهم فوراً وفي الموقع . شق الأربعة الأخرون طريقهم قتالاً للوصول الى مركز شرطة قريب ،وحيث صمدوا لساعتين أخريين مع تزايد أعداد العراقيين في الخارج بسرعة قتل شرطي بريطاني ثالث خلال تبادل اطلاق النار .
 
"كان جميع أهل المدينة في الخارج" قال أحد متدربي الشرطة العراقيين الذين فروا للمحققين البريطانيين فيما بعد . و"لم يكن  ذلك هجوماً صغيراً بل كان أشبه بالحرب" . وبعد نفاد معظم عتادهم ، ولتركهم جهاز اللاسلكي الوحيد في عجلة الـ لاندروفر التي تركوها هي الأخرى، قبل الثلاثة الباقون من أفراد الشرطة البريطانيين عرض وساطة من كبار رجال القرية : أن يسلموا أسلحتهم في مقابل ممر آمن لهم! وفي اللحظة التي سلموا فيها أسلحتهم ،أتم الحشد تطويقهم داخل مركز الشرطة وأعدموا فوراً. أوجز المقدم روني مككورت الذي تولى التحقيق في الحادث الأمر بأنه "كان هذا هجوما بدون اثارة أو استفزاز. إنه عملية قتل" .
 
الحادثة الثانية : وقعت  في ضواحي المجر الكبير تماماً. وبدأت حين هوجمت دورية بريطانية من عشرة أفراد من الفوج الأول /كتيبة المظليين ،بأسلحة خفيفة وبضع قذائف أر.بي .جي. جرح جندي مظلي بريطاني في الهجوم ،وشبت النيران في عجلتين .كانت نيران الكمين عشوائية ومشتتة ولم يتقدم المهاجمون أكثر . استدعت الدورية انقاذاً سريعاً لإخلائها، فأرسلت سمتية (شينو ك) من القوة الجوية الملكية RAF،مع قوة رد سريع مؤلفة من 20 مظليا ،برفقة مفرزة طبية .
 
وحين أوشكت السمتية أن تحط على الأرض ،كانت أعداد المهاجمين الكامنين قد تزايدت كثيراً، وأمطروا السمتية وابلاً من نيران الأسلحة الخفيفة والرشاشات والقذائف الصاروخية.أصيبت السمتية اصابات بالغة ، وجرح 7 ممن كانوا على متنها ؛كانت جروح 3 منهم خطيرة .واصل العراقيون وفي الوقت نفسه التقرب وتطويق الجنود المظليين على الأرض . ورغم تواصل الأضرار والنيران الكثيفة تمكنت السمتية من التقاط وإنقاذ جنود الدورية العشرة ،ولكن الدرس كان بليغاً : كان هذا كميناً أعدّ بدقة ،واستهدف استدراج السمتية لاسقاطها بعد طلب الدورية للتعـزيزات لتلافي خسائرها الأولية  .

أوضحت حادثتا 24حزيران/يونيو للبريطانيين بأنهم يواجهون عدواً قادراً وعزوماً في منطقة شيعية. وفي يوم واحد أظهر الناشطون الشيعة قدراتهم على اثارة هستيريا الفلاحين التي تتوهج وتتفجر كأزهار اللايشنج lynching– بينما يشنون هجوماً عسكرياً واسع النطاق قرب ديارهم .تركت الحادثتان مجرد شكوك قليلة بوجود جنود محترفين وحسني الإعداد في أرض ومناطق الشيعة .

فتوى السيستاني

في 28 حزيران/يونيو ،أصدر السيد علي السيستاني فتوى قوية تحرم المشاركة في صياغة دستور عراقي أو في أية أنشطة سياسية أميركية .وجاء في الفتوى أن "ليس لهذه السلطات (قوات الائتلاف) أية قوة أو صلاحية لتعيين الأعضاء في لجنة صياغة الدستور". وتابعت الفتوى القول: وأكثر من ذلك ،فما من ضمانة بأن هذا المجلس (اللجنة) ستعد مسودة دستور تنسجم والمصالح والتطلعات العليا  للشعب العراقي ولا أن تعبرعن هويته الوطنية ولا تعبر عن القيم والدعامات الأساسية للدين الاسلامي أوالاجتماعية النبيلة .ولايمكن قبول الصيغة المنوي وضعها" .

بعدها وفي أوائل تموز/يوليو صعدت القيادات الشيعية وشددت من ضغوطها على الولايات المتحدة ، وأعلنت بأنها سوف لن تنتظر الى الأبد من أجل اجراء مفاوضات سلمية تخلص الى انهاء الاحتلال الأميركي .وأخبر المرحوم آية الله محمد باقر الحكيم مجلة التايم قائلاً : "نحن ندعو الى استخدام الطرق الشرعية(القانونية) والسلمية لنضع حداً للاحتلال والغزو، بأستخدام الطرق السلمية أولاً" ثم متابعاً "فإن لم تنجح هذه ، سنفكر بعدها بطرق ووسائل أخرى". و حين ألح محاوره عليه عن امكانية استخدام القوة آثر الحكيم الصمت وواصل القول و "حين تستنفد الطرق السلمية، وحين يكتشف مفاوضو الأميركان ألا طائل ولا نتائج من وراء مفاوضاتهم ،سنبحث حينئذٍ عنها . من الطبيعي أننا سنبدأ أولاً بالتفاوض والطرق السلمية ’’.


يتبع .........
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

mi-17

مشرف
مشرف



التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena20التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena11التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena30
التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Unbena23




التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي   التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي Icon_minitimeالثلاثاء يوليو 07 2015, 22:27

الحلقه 19 

أوائل العمليات

في مطلع تشرين أكتوبر2003 انطلق هجوم [حرب] العصابات المتوقع وبسرعة .  كان الاسلاميون بين أوائل من اندفعوا وعلى الفور للهجوم في العراق. كانت عمليتهم الأولى هي : محاولتهم في 23 /تشرين أول/أكتوبر، انتهت بفشل وفوضى. فأولاً أكتشفت الشرطة العراقية سيارة مفخخة في بغداد ،واعتقل سائقها السوري الذي اعترف بأنه تدرب حديثاً على صنع القنابل وقرر أن يكون شهيداً انتحارياً . ثم اكتشفت القوات الأميركية سيارة أخرى في منطقة الدورة واعتقلت سائقها العراقي المفترض أن يكون انتحارياً هو الآخر. كان السائق في أوائل العشرينيات من عمره، و قد دفع له بسخاء لتفجير السيارة، دون أن يدري أنه سيغدو شهيدا.أكد مسؤولون في الشرطة العراقية بأن الولايات المتحدة قد عثرت على سيارة (مفخخة)أخرى استناداً الى معلومة استخبارات محددة ودقيقة حصلوا عليها. وعلى العكس كان اكتشاف السيارة المفخخة الأولى ضربة حظ محض .
بعد عدة أيام شن الاسلاميون عدة هجمات في قلب بغداد. كانت الأهداف المنتخبة مزيجاً من أهداف وطنية اسلامية وأخرى بعثية-ولكنها تعكس التعاون الاستراتيجي المتنامي بين القوتين الرئيستين في المقاومة. وأكثر  من ذلك، تطلبت العمليات نفسها استخبارات شمولية مع منظومة اسناد كبيرة واستعدادات مسبقة لم تكن لا الشبكات الاسلامية ولا البعثية قادرة على توفيرهما بشكل كاف وبمفردهما.

في 25/تشرين الأول، أسقط المتمردون هليوكابتر بلاك هوك ،قرب تكريت بمقذوف أر بي جي  . جرح خمسة جنود بينما اندلعت النيران فيها . كان ذلك أول اسقاط ناجح لهليوكابتر بعد عدة محاولات فاشلة أصيبت فيها هذه الطائرات إما بأضرار بسيطة أو لم تصب تقريباً .

ضربة استراتيجية

شنت الضربة الاستراتيجية الأولى صباح يوم 26/تشرين الأول واستهدفت فندق الرشيد في بغداد يوم كان بول وولفتز وكيل وزير الدفاع الأميركي وأشد مسعري الحرب على العراق يستعد لاجتماعاته الصباحية. أطلقت نحو عشرة صواريخ من مسافة أمينة فاصابت الطابق الذي حل فيه رسميون أميركيون كبار VIP‘. قتل عقيد أميركي وجرح عدد من المسؤولين المدنيين والعسكريين في الهجوم الذي كان بمنتهى البراعة ،


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

 ونفذ استناداً الى استخبارات بمنتهى الدقة وبعد استعدادات بارعة للغاية واحترافية . أخفيت قاذفة الصواريخ في محرك(مولدة) كهربائية مطلية وتتنقل على اطارين ،ومن نفس ومواصفات المولدات الكهربائية الشائعة والمألوفة. قطرت المولدة الكهربائية التي يصعب توصيفها الى شاحنة وأوقفت قرب حافة حديقة على مسافة 500 ياردة عن الفندق وفي النقطة المطلوبة تماماً. ثم أطلقت الصواريخ أما بمسيطر من بعيد أو بجهاز توقيت ، لينفجر بعد ذلك بقليل .ادعت مصادر اسلامية ترتبط بالقاعدة وكذلك الجناح العسكري للمقاومة الاسلامية الوطنية معاً بأن فندق الرشيد  ضرب بـ صواريخ رمضان-1 ، المحلية الصنع والتي طورت عن نسخة صواريخ فرنسية وسوفيتية المنشأ .
تظاهر المسؤولون بشيء من الشجاعة والعزم وصوروا الهجوم كعثرة على الطريق الأميركي نحو النصر .وقال قادة عسكريون ومحللون دفاعيون في بغداد لـ "فيرنون لويب" من الواشنطن بوست "بهجومها الصاروخي الشجاع يوم الأحد (26تشرين الأول/أوكتوبر )على فندق الرشيد في بغداد ،أظهر مقاتلو التمرد ثانية كيف أن بوسع ضربة على هدف رفيع المستوى التغطية على أسابيع من التقدم البطيء ، لتترك انطباعاً بأن أدارة بوش تفتـقد لخطط معقولة لتحقيق الأمن في البلاد".
 حقق الهجوم أطناناً من الدعاية . وخلال ساعات من هجوم الصواريخ سحبت سلطة الاحتلال الموقتة ،مكاتبها ومقراتها من فندق الرشيد وطوابقه الـ18،الى قلب المنطقة الخضراء في بغداد والى المواقع التي تحتلها القطعات العسكرية خارج المدينة،كمجمع قضاء سلمان باك . ومن الناحيتين العملية والرمزية زادت سلطات الاحتلال عزلتها عن المجتمعات العراقية التي حررتها الولايات المتحدة للتو والتي مازالت بعض نخبها تعمل بجد لبناء عراق جديد.

خمسة انتحاريين

شهد صباح اليوم التالي -27/تشرين الأول/أكتوبر –هجوماً مماثلاً شنه خمسة انتحاريين يقودون سيارات مفخخة بحمولات متفجرات كاملة فضربت الحاجز الكونكريتي وتفجرت خارج مقر ومبنى الهلال الأحمر . قتل عشرة عراقيين على الأقل وجرح كثيرون كانوا خارج المقر مباشرة.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



 وخلال الساعة التالية تفجرت ثلاث سيارات مفخخة أخرى أمام مباني ودوائر حكومية ومراكز شرطة، وفشلت ولحسن الحظ المجموعة المسؤولة عن تفجير السيارة المفخخة الرابعة (لاند كروز) حين أصطدمت بحاجز كونكريتي أمام مجمع للشرطة ولم تنفجر .ومرة أخرى كان سائقها يحمل جواز سفر سوريا .
اجمالاً بلغ مجموع ضحايا تفجيرات هجوم رمضان نحو40 قتيلاً وأكثر من 230 جريحاً معظمهم من العراقيين. أستهدفت هذه الهجمات المميتة العراقيين العاملين مع الولايات المتحدة ،وعلى الأخص العاملين مع الشرطة والمنظمات الدولية الأخرى .حقق الارهابيون/المتمردون أهدافهم ولاسيما أن الصليب الأحمر الدولي كان قد اخلى كوادره من بغداد أسوة بمنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى التي أخلت موظفيها بعد موجة التفجيرات السابقة. وأكثر من ذلك فشلت سلطات الاحتلال ثانية بحماية حلفائها من العراقيين –الناس الذين تحملوا عملياً مسؤولياتهم ازاء البلد.

وفي الوقت نفسه أصبحت حرب العصابات ضد قوات الولايات المتحدة وضد العراقيين المتعاونين معها أكثر أذى وعدوانية .
 فبعد ظهيرة 28/تشرين الأول دمرت دبابة أبرامز بعبوة طريق قرب بلد ،حوالي 40 ميلاً شمال بغداد فقتل أثنان من أفراد طاقمها وجرح الثالث . وقع الهجوم في منطقة تسيطر عليها قوة عصابات/مقاومة بعثية. كانت القنبلة المضادة للدروع والعالية الدقة والتخصص قد أعدت من قبل خبراء ارهاب شيشانيين كانوا يساعدون الشبكات الاسلامية، إذ سبق أن استخدمت قنابل (عبوات) كهذه وبنجاح من قبل الارهابيين الاسلاميين ضد الدبابات الروسية في الشيشان، وكذلك وبعد وصول الخبراء الشيشان الى غزة ضد الدبابات الإسرائيلية مركافا  كذلك .
وهكذا عكس هذا الهجوم الهام والبارز مستوى التنسيق العملياتي الجديد بين البعثيـين والأسلاميين . بعد ذلك مباشرة،أغتيل وفي وسط بغداد فارس عبد الرزاق البسام  ،أحد ثلاثة نواب لمحافظ بغداد وحليف وثيق ومقرب للولايات المتحدة . فقد دخلت زمرة اغتيالات من رجلين من الباب الرئيس لمقهى كان يلعب فيها الدومينو وأصابوه بنيران أسلحتهم برأسه ومن على مقربة وتسللوا من ثم وسط ظلام الليل دون تدخل من أحد.
 في وقت لاحق من تلك الليلة،تعرضت بغداد لهجمات كثيفة غير معتادة بقنابر الهاون. وفي الصباح التالي (29تشرين الأول)فجرت المقاومة قطار حمل بمعدات للجيش الأميركي على مسافة4 كم‘ غرب الفلوجة .أوقف القطار أولاً بفعل تفجير قنبلة قوية جداً أخفيت تحت خط السكة وفجرت بجهاز سيطرة من بعيد من موقع رصد يشرف عليها . أشتعلت النيران بفعل المتفجرات بأربع قاطرات محملة بحاويات وتصاعدت وعلى الفور هتافات الحشود العراقية ضد الأميركان ،ثم نهبوا باقي القطار وعلى راحتهم .وفي أخر ذلك اليوم تفجرت قنبلة في بغداد القديمة (مركز المدينة) وأمام صف من الدكاكين يرتادها على الأغلب عراقيون ممن يعملون في الدوائر الحكومية ، فقتلت اثنين وجرحت عدداً أخر .كما تفجرت عبوة طريق أخرى شمال بغداد وقرب رتل للأنضباط العسكري فجرحت جنديين .
المقاومة تنتشر
انتشرت المقاومة الفعالة الى مناطق كانت تعتبر هادئة وصديقة نسبياً للولايات المتحدة .و أكثر ما يلفت النظر هو الأنفجار المفاجئ للعنف في الموصل . بدأ ذلك يوم الخميس 30/تشرين الأول ،إذ تعرضت دورية عسكرية أميركية كانت تمر عبر المدينة الى سلسلة من هجمات الازعاج [غير المميتة أو المدمرة]،بمافيها عبوات طريق .هوجمت كذلك مراكز شرطة ومركز المدينة بنيران الأسلحة خلال اليوم .وطوال الليل تعرضت القواعد الأميركية القريبة لهجمات بقنابر الهاون . استمرت الهجمات خلال اليوم التالي. وقرأ خطباء المساجد على طول الموصل، وخلال صلاة الجمعة فتوى أصدرها مجلس ائمة المدينة حرمت أي مساعدة أو دعم للولايات المتحدة .ونصت الفتوى على أن ’’ مساعدتهم (أي الأميركان) كفر و ظلالة وخيانة للأسلام ‘‘.
 أما في الفلوجة ،فقد أنفجرت قنبلة كبيرة في مكتب المحافظ الذي نصبته الولايات المتحدة مسببة دماراً كثيراً ولكن دون خسائر بالأرواح .أما في منطقة أبي غريب،الواقعة غرب بغداد والملتهبة وطنيةً،فقد أصطدم المصلون بعد صلاة الجمعة بالقطعات الأميركية .وحين تجمع أكثر من ألف متظاهر قرب المسجد وبدؤوا بترديد هتافات مؤيدة لصدام ،تولت وحدات أميركية ثقيلة- بما فيها دبابات أبرامز وبرادلي (عجلة قتال مدرعة) ترافقهما سمتيات مسلحة- تولت الأطباق على المتظاهرين . تعرضت أحدى الدوريات الأميركية لكمين قرب مواقع المتظاهرين .وأندلع أشتباك بنيران كثيفة، تولت خلاله عجلات القتال الأميركية  صب نيرانها الأتوماتيكية على الجماهير وعشوائياً وواصلت ذلك لفترة طويلة وحتى  بعد فرار المتظاهرين مسببة عشرات (دزينات) من القتلى من المدنيين .
انتقمت المقاومة بشنها سلسلة من قذائف الهاونات على القواعد الأميركية القريبة فأوقعت دماراً مادياً لكن دون خسائر بشرية.أستمرت الهجمات العشوائية على القطعات الأميركية في أبي غريب حتى اليوم التالي ،كما فعلوا قبلها في الموصل وحيث قتلت عبوات الطريق جنديين اميركيين على الأقل .بالأضافة الى ذلك فجر أنبوب النفط الرئيس واشتعلت النيران في عدة نقاط منه وحتى مسافة 10 أميال شمالي تكريت.كان ذلك رد فعل مناسب أو استجابة لنداء (يوم المقاومة) الذي أصدره حزب البعث.    

ألهب هجوم رمضان خيال العراقيين – والكثيرين في العالم العربي – بشجاعته وبدايات الصفحة الجديدة للمقاومة ،الا أن القتال الذي اندلع طوال شهر تشرين الثاني/نوفمبر، شكل بداية صفحة جديدة و متميزة في الحرب من حيث كثافة وشدة وبراعة الهجمات من جهة وبالحقد العميق الذي يحمله العراقيون للجنود الأميركان .وقد لاحظ "مارتن فليتشر"من صحيفة التايمز اللندنية أن "ما يفاجئ الزائر الجديد لبغداد،هوعمق وشدة العداء للأميركان ،ليس لدى أبناء المجموعات الصغيرة من السكان الذين يهاجمون القطعات الأميركية وحسب ولكن كذلك بين الملايين من أبناء العراق العاديين والذين لا يقاتلون الأميركان مباشرة .وما يثير العجب فعلاً هوتحول صورة الولايات المتحدة وخلال ستة أشهر من محرر مرحب به الى محتل بغيض "‘. وأخيراً تحول شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الى الشهر الأكثر  دموية في حرب العصابات عام  2003.
 
لم تفت كثافة وحدة الموقف أعين السلطات الأميركية في بغداد .وفي 10/تشرين الثاني،أرسل رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية CIA‘،في بغداد تقريراً بدرجة سري للغاية Top secret‘،محذراً مراجعه العليا في ادارة بوش حول الوضع المؤسف في العراق. وأبلغ مصدر مخابراتي في واشنطن الصحفي "جوليان بورجير"، من الكارديان بأن التقرير آنف الذكر كان "تقييماً سوداوياً أفاد بأن المقاومة واسعة وقوية وتزداد قوة "، رغم جميع جهود سلطات الولايات المتحدة. وجاء في تقرير" دوجلاس جيهل" من نيو يورك تايمز ،أن الـ  CIA استنتجت بأن "الموقف في العراق يقترب من نقطة تحول حاسمة، إذ فقد العراقيون العاديون فيها الثقة بقوات الاحتلال الذي تقوده أميركا ،وبمجلس الحكم العراقي الذي نصبته الولايات المتحدة" . وكتب دوجلاس جيهل بأن ادراك الـ  CIA ، بات يتزايد وبعمق بشأن "مخاطر امكانية انضمام الشيعة العراقيين الذين يمثلون غالبية سكان البلا د قريباً الى الأقلية السنية في تنفيذ هجمات مسلحة ضد القطعات الأميركية" ،وهناك "موانع وعراقيل رئيسة بوجه جهود الولايات المتحدة و جهود القطعات العراقية التي يقودها ضباط أميركان للحد من تسلل مجموعات صغيرة من المقاتلين الأجانب من سوريا وإيران" . قال جوليان بورجير وروي مككارثي من  الكارديان بأن تقرير الـ  CIA،قدر عـد د عناصر المقاومة العراقية بـ 50 ألفاً ويزيد . وأوضح مصدر استخباري لبورجير بالقول إن هناك آلافا من المقاومين – لا مجرد نواة وبؤر من البعثيين. إنهم يقدرون بألالاف ويزدادون كل يوم. لا يطلق جميعهم النار فعلاً ،ولكنهم يوفرون الدعم والمؤن والملاذ وكل ما يلزم .واستـنتج مصدر بورجير الاستخباري هذا بان تقرير الـ  CIAقال بأننا سنخسر الموقف [الصراع] في العراق مالم يحدث تحول جذري وسريع.

وتلى نجاح المقاومة باسقاط  سمتية بلاك هوك UH-60،في 25/تشرين الأول ،أحدى أكبر وأهم الحملات التي شنت في ’تشرين الثاني‘ وهي جهد مركز لإسقاط  سمتيات وطائرات نقل أخرى . أستخدمت المقاومة في تلك الحملات أسلحة متنوعة من صواريخ سا م-7،و18، ، الى أر بي جي -7، ’ RPG-7‘، و رشاشات ثقيلة .شن أول هجوم من هذا النوع بعد 25/تشرين الأول،بأسبوع ،
وفي 2/تشرين الثاني، قرب " الحصوه " حوالي 75كم ،جنوب غرب بغداد ،إذ أطلقت المقاومة صاروخي  سام -7، على سمتيتي جينووك CH-47،كانتا في طريقيهما من الفلوجة الى بغداد .أصاب أحد الصواريخ المحرك؟،فاسقط السمتية وقتل ،16‘جندياً وجرح 20 .
ثم وفي 7/تشرين الثاني،أطلق أرهابيون/مقاومون، صاروخ أر بي جي -7،متطور على سمتيات بلاك هوك UH-60،قرب تكريت .اصيبت أحدى السمتيات وأسقطت فقتل جميع  الـ 6،أفراد الذين كانوا على متنها .
وفي 15تشرين الثاني ،أسقطت طائرتا هيلوكابتر بلاك هوك UH-60،أخريتان قرب الموصل شمالي العراق  بعد اصابة أحداهما بمقذوف أر بي جي ، فناورت بعنف واصطدمت بالسمتية الأخرى وجرتها فسقطتا معاً . قتل’ 17‘جندياً وجرح ’5‘ في الهجوم .كانت النتيجة الأكثر تأثراً للحملة المضادة للسمتيات هذه هي اجبار الجيش الأميركي على تغيير مجازات وأساليب وسياقات تحليق سمتياته جذرياً وعلى حساب الأداء والقدرات القتالية .

شهد شهر تشرين الثاني ، كذلك توسعاً جغرافياً في الهجمات الكبرى للمقاومة –وتوسعاً في مسرح العمليات- الذي اتسع من حيث كثافة القصف وغارات قنابر الهاون في منطقة بغداد الكبرى وكذلك في التخريب المتواصل للمنشآت والبنية التحتية للنفط . باتت الهجمات العنيفة،بما فيها تفجير السيارات المفخخة ، والتي تستهدف العراقيين العاملين و/أوالمتعاونين مع سلطات الاحتلال والشركات الأجنبية ، هي الغالبة والأكثر تكرراً.
في أوائل تشرين الثاني ،أغتيل نائب رئيس محكمة استئناف الموصل وقاض في النجف . حملت تلك التطورات تأثيرا قوياً ومباشراً على المشهد الأمني اجمالاً في العراق ،ونتيجة لذلك قلل القادة الأميركيين معدلات خروج الدوريات،وبالمقابل فقد تعرضت الشرطة العراقية التي كان يفترض توليها مهام الدوريات الأميركية للتهديد صراحة ولاساءات بالكلمات وبالأسلحة من قبل السكان المدنيين المعادين .أعترف مسؤولون أميركان وعراقيون بأن "الليل بات ملك المقاومة" .
 
وعند منتصف الشهر ،بلغ الناتج الكلي  لتأثير وأهمية حملة الأغتيالات والتهديد ضد العراقيين العاملين مع أو للولايات المتحدة ذروتها .وحتى الشرائح السكانية التي كانت تعتبر مسالمة سابقاً – وأكثرهم و بالذات الكرد والتركمان – فقد بدؤوا بالتعاون مع المقاومة .وعلى نهجهم كذلك كان البدو الرحل في مناطق غربي العراق  بات عداؤهم لقوات الولايات المتحدة يتصاعد ،ومتحدين مرة أخرى الترتيبات و التفاهم الأميركي الواسعين مع القبائل الرئيسة. وفي قلب المناطق الشيعية ،اتضح العداء الشعبي المتأصل والمتزايد باستمرار بالهجمات المستمرة ليس ضد فقط الولايات المتحدة ولكن كذلك ضد حلفاء رئيسين من الناتو .
 وفي 12/تشرين الثاني،تفجرت شاحنة مفخخة في مقر القوات الأيطالية في الناصرية فقتلت31 فرداً بينهم 18جندياً ورجل أمن ايطاليين .


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



كان ذلك تصعيداً جذرياً، إذا أخذنا بنظر الأعتبار إثبات الأيطاليين حياداً تامـاً في تجارب سابقة أسهمت أيطاليا فيها بعمليات حفظ سلام أخرى في بيروت في أوائل ثمانينيات القرن الماضي1989 ،وفي الصومال في أوائل تسعينيات 1990.

كان رد الولايات المتحدة العسكري على تصعيد حرب العصابات هو تطوير وتوسيع العمليات التي كانت قد بدأتها فعلاً .فقد شنت الولايات المتحدة عدة عمليات مسح واكتساح مستخدمة فيها الدبابات وناقلات الأشخاص المدرعة وطبقت أساليب وسياقت مشابهة لمثيلاتها في الحرب .باتت الوحدات الأميركية تشاغل أهدافها من مسافات بعيدة ،وزادت اعتمادها على القوة النارية الثقيلة.
 واستأنفت الولايات المتحدة الآن الغارات الجوية بالطائرات التعبوية كـ F-15،وF-16، لتدمير المباني المأهولة أو الخالية من السكان في قلب بغداد وكذلك في ضواحي وأرياف العراق.وعند استعادة الأحداث، سنجد أن الأساليب الجديدة قد أثبتت فشلها،إن لم نقل أثبتت العكس ،لأن تلك الغارات قد فشلت باحتواء المقاومة بينما تسببت بالكثير من الدمار العرضي للقصف،وبالتالي تسببت بانضمام أعداد متزايدة من العراقيين الغاضبين الى القوات المعادية للأميركان .وفي الوقت نفسه باتت خسائر الولايات المتحدة ،بسبب تزايد أعداد الكمائن وعبوات الطريق والقصف ، ببساطة مجرد أشياء روتينية .

دور صدّام 

في الوقت نفسه وبين منتصف تشرين الأول/أكتوبر والأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر ،أمل صدام بتلميع صورته فبدأ بتحمل مخاطر أكبر . وبات يتنقل بسيارة بيجو بيضاء يرافقه فيها حارسان فقط .كان قد وصل وقتها في زيارة لم يعلن عنها الى قرية في قلب المنطقة السنية الى اجتماع مع شيوخ قبائل ووجهاء محليين.أكد شاهد عيان أن عيني صدام كانتا متعبتين وشابهما حزن. شجع صدام الناس على الانضمام للجهاد ضد الأميركان تحت أية راية شاؤوا، وبدا سعيداً ومنطلقاً حين أكد له الشيوخ المحليون اخلاصهم له كقائد لهم وعزمهم على التضحية "بدمائهم وأبنائهم" في الجهاد .كان صدام يرغب بالتحدث عن الحرب ، فأصر على أن بغداد سقطت بفعل خيانة بعض أقرب المقربين اليه ، ودعا جميع العراقيين الى تشديد وتكثيف "ضرباتهم الانتقامية" ضد الأميركان، ملمحا الى التصعيد الجهادي المقبل،موصياً الشيوخ بتنظيم أعوانهم للـ"المعركة الكبرى" المقبلة. كما سخر صدام خلال زياراته تلك من مسألة حمايته الشخصية ، أوعن احتمال اعتقال الأميركان له ، وأكد أنه  مثل ولديه تماماً قد صمم على الشهادة في الجهاد. هذا وأعلن العديد من الشيوخ عن التزامهم الكامل بالسير على خطى صدام وعلى الجهاد ضد الأميركان .
 
وصف أحد شيوخ القبائل والمقاوم الناشط والذي عرف باسم (أبو محمد) فقط والذي قابل صدام أيام الحرب ودور صدام ،لـ (ربى كبارة) من وكالة الأنباء الفرنسية قائلاً: "كان صدام بحال و صحة جيدتين ويقيم في غربي العراق" مضيفاً أن "الرئيس العراقي يقود العمليات العسكرية ضد الأميركان" ، ومع ذلك ،فالظروف السائدة في العراق جعلت من المستحيل على صدام تحقيق سيطرة قوية وكاملة على الحرب .

وأوضح أبو محمد مقصده بالقول بأن "العمليات الحربية لا تدارمركزياً" ، و" يصدر صدام حسين وصايا وتوجيهات ليتولى المعنيون بالتنفيذ اختيار الوسائل المناسبة للعمل" . و لنفس السبب ،مازالت الحرب (المقاومة) تشن أساساً بدون أسلحة عالية الدقة والبراعة.وقال أبو محمد أن صدام حسين قد أصدر أوامره مؤخراً بـ "مقاتلة كل من يساعد أو يعمل على خدمة و راحة المحتل" بما في ذلك من يعملون في خدمة سلطات الاحتلال لأسباب اقتصادية [وضرورات العيش ] فقط .ووفقاً لـ أبي محمد، فبقدر التزام قيادة البعثيين العراقيين بدحر المحتل فإن توجيه الضربات على الأميركان وأعوانهم المحليين هي "مسألة أسبقيات وما من ثمن لتحرير الوطن" .
 
في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر ،بات صدام شجاعاً حد التهور والاستهانة . وعلى سبيل المثال ، في مساء 8 تشرين الثاني/ نوفمبر،ترأس صدام اجتماعاً لدزينة من رجال الأمن البعثيين في الرمادي .وفي وقت سابق من ذلك اليوم زار جنرال أبو زيد الرمادي للأجتماع مع شيوخ عشائر أكد عليهم خلاله بالتعاون مع السلطات. ومع ذلك قرر صدام الالتزام بوعده بالحضور رغم أن سلطات المحتل الأميركي أقامت  طوقاً أمنياً شديداً حول المنطقة بكاملها . وصل صدام حسين الرمادي قبل يومين من الموعد وظل يتنقل بين بيوت آمنة لكنه قرر البقاء في المدينة حال أكمال الترتيبات الأمنية المشددة  لزيارة الجنرال أبو زيد . بيد أن مزاجه بدأ بالتغير. ووفقاً لأقوال شيوخ قابلوه فقد بدا مقطب الجبين ومستسلماً للقدر .ووفقاً لأقوال آخرين فقد بات مقتنعاً بأنه على وشك أن يلقى عليه القبض أويعتقل .ولكنه أبدى وفي الظاهر وجهاً شجاعاً ودعى الحاضرين للتهيؤ للتصعيد المقبل في القتال ضد الولايات المتحدة.


يتبع .......
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

التاريخ السرّي لحرب العراق.........بقلم يوسف بودانسكي

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» إيطاليا تبحث مع العراق أعداد قواته لحرب الشوارع
» العراق يتسلم أول دفعة مدرعات أمريكية مخصصة لحرب الشوارع
» في الذكرى 27 لحرب الخليج الثانيه - فشل منظومة صواريخ الباتريوت في معالجة صواريخ أرض - أرض العراقي واعتراف اسرائيلي هذا اليوم الخميس بوضع خطة العقرب للهجوم المقابل على العراق
» عاصفة الصحراء ........بقلم ريكا غرانت
» كتاب " ابو نضال : بندقيه للايجار " بقلم الكاتب باتريك سيل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العسكري العربي :: الأقســـام العسكريـــة :: التاريخ العسكري - Military History :: الشرق الأوسط :: غزو العراق-